المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌فلنكن على حذر

فهناك الابتلاء بالمنصب والجاه، وهناك الابتلاء بالمال، وهناك الابتلاء بالزوجة والأولاد، وهناك الابتلاء بالفقر وضيق الرزق، وهناك الابتلاء بالأهل والأقارب .. وهناك .. وهناك .. وهناك. كل ذلك يحاول أن يثبّط همتك، ويحذرك من هذا الطريق .. ولا يثبت أمام هذه الابتلاءات إلا من أيده الله بالثبات .. فكم من أناس صبروا على التعذيب وقهرتهم شهوة المال والمنصب .. وكل هذه العقبات التي توضع أمام السائر في طريق الجنة قد وضحها الرسول صلى الله عليه وسلم .. فعن سَبْرة بن الفاكه رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إِن الشَّيْطَان قعد لِابْنِ آدم بطرِيق الْإِسْلَام فَقَالَ: تُسلم وَتَذَر دِينَكَ وَدِينِ آبَائِك؟ فَعَصَاهُ فَأَسْلَمَ فَغَفَرَ لَهُ .. فَقَعَدَ لَهُ بطرِيق الْهِجْرَة فَقَالَ لَهُ: تُهَاجِرُ وَتَذَر دَارَك وَأَرْضك وَسمَاءَكَ؟ فَعَصَاهُ فَهَاجَرَ .. فَقَعَدَ لَهُ بطرِيق الْجِهَاد فَقَالَ: تُجَاهِدُ وَهُوَ جُهْدُ النَّفسِ وَالْمَال فَتُقَاتِلُ فَتقْتلُ فَتنْكِحُ الْمَرْأَة وَيقسّم المَالُ؟ فَعَصَاهُ فَجَاهد. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: فَمَنْ فَعَلَ ذَلِك كَانَ حَقًا عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلهَُ الْجَنَّةَ. وَإِنْ غَرقَ كَانَ حَقًا عَلَى الله أنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّة وَإِنْ وقصته دَابَّته كَانَ حَقًا عَلَى الله أَن يدْخلهُ الْجنَّة» (1).

‌فلنكن على حذر

:

وأحذر نفسي وإياك من ترك السير في طريق الدعوة بدعوى أننا ضعفاء ولا نستطيع أن نتحمل الابتلاء .. فهذا من تلبيسات إبليس ليقعدنا عن الجهاد كما أخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث السابق .. فالله سبحانه وتعالى يعلم ضعفنا وقلة حيلتنا، ومع ذلك طالبنا

(1) رواه البيهقي والنسائي وابن حبان في صحيحه.

ص: 37

بالدعوة إليه والجهاد في سبيله .. وهو سبحانه عندما يبلونا فإنما يريد أن يبين لنا هل نستحق الجنة أم النار {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} (1){أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} (2).

ويبلونا سبحانه لكي نهرع إليه بالذلة والمسكنة والفقر والاستغاثة ألم تقرأ دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو عائد من الطائف بعد أن أُوذي واستُهزئ به: «اللَّهُمَّ إِلَيْك أَشْكُو ضعف قوتي وَقلة حيلتي وهواني على النَّاس .. يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمينَ .. أَنْت رب الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنت رَبِّي إِلَى من تَكِلنِي؟ إِلَى بعيد يتجهمني أَو إِلَى عَدُوٌّ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي .. إِن لم يكن بك غضب عليَّ فَلَا أُبَالِي، لَكِن عافيتك هِيَ أَوْسَعُ لِي .. أَعُوذُ بِنورِ وَجهِكَ الَّذِي أشرقت لَهُ الظُّلُمَات وَصلح عَلَيْهِ أَمر الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ .. أَن يحلّ عليَّ غَضَبكَ أَوْ يَنزِلَ بِي سَخَطك .. لَك الْعُتْبِي حَتَّى ترْضى .. وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بك» .

فإذا قعدت بنا أنفسنا خوفاً من الابتلاء، فسيأتي يوم نعض فيه أناملنا عندما نرى الركب قد سبقنا ونحن نراوح في أماكننا.

(1) محمد: 31.

(2)

البقرة: 214.

ص: 38

فإذا سألنا الله عز وجل عن سبب تخلفنا فهل نستطيع الجواب؟! أيهما أشد علينا: الصبر على محن الدنيا أم الصبر على النار؟! فهلمَّ يا أخي إلى العمل .. ولنسارع بعقد البيعة مع الله حتى نفوز بالجنة: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} (1) وليكن اعتصامنا بالله هو زادنا على الطريق ولا نستوحش من قلة السائرين .. فحسبنا أن الله معنا.

(1) التوبة: 111.

ص: 39