المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌وصايا على الطريق:

وغيرهما إذا رأى أخاه وقد فتر العزم قال له في مودة وحب: اجلس بنا نؤمن ساعة (1) .. فيتذكرون أحوالهم ويتناصحون ويفترقون على أفضل العزائم ويتحقق فيهم قول المصطفى صلى الله عليه وسلم:

«وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللهِ فَاجْتَمَعَا عَلَى ذَلِك وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ» (2).

وفي مجال دعوة الغير، فإنهم يتواصون بدعوة من يحيط بهم ويعين بعضهم بعضاً على ذلك بتوفير المناخ الصالح للمدعو، ويسعون في ذلك بالحكمة بعد دراسة الوسط المحيط بهم والتفكير في الأسلوب الأقوم للتأثير فيه .. فمن يصلح لوسط معين قد لا يصلح لغيره ومن يفيد هنا قد لا يفيد هناك .. فلان قد لا يصلح لدعوته إلا زيد والآخر لا يصلح له إلا عمرو وهكذا.

فمثلاً قد لا أستطيع دعوة شقيقي، فأستعين بأحد إخواني على دعوته وهكذا

وثمة أمر آخر لا يقل في أهميته عما سبقه، ألا وهو إحساسي بأني لا أسير وحدي في هذا الطريق بل أجد عليه أعواناً، يخففون ما أجد من عناء ونصب، ويفرحون معي إذا منّ الله علينا وجعلنا سبباً في هداية خلقه إليه ودليلاً يدل الحيارى إلى الطريق الصحيح

‌وصايا على الطريق:

ولا ينس السائر في هذا الطريق أنه طريق طويل، فعليه أن يسير

(1) أخرجه أحمد بإسناد حسن عن أنس بن مالك.

(2)

من حديث: «سَبْعَة يظلهم الله بِظِلِّهِ» .

ص: 43

بخطى ثابتة متأنية وأن يتبين موضع قدمه قبل أن يخطو كل خطوة .. عليه أن لا يستعجل الزهرة قبل أوانها أو الثمرة قبل نضجها، بل عليه هو ومن معه أن يعلموا أن الطريق طويل والمفاوز شاقة. فيلتزموا بسياسة النفس الطويل والصبر الجميل، فإن الزمن جزء من العلاج، والعمل لله عز وجل ليس تجارة قصيرة الأجل، إما أن تربح ربحاً سريعاً أو يتركها أصحابها إلى تجارة أكثر رواجاً وأسرع ربحاً.

علينا أن نتعسّف الطريق، فرؤية نصر الله وتمكنه لدينه في الأرض وإن كانت اعز أمنية لنا إلا أن ذلك لا ينبغي أن يجزنا إلى التسرع الذي إن لم يُعدْ بالركب القهقهري فإنه قد يوقفه سنوات أو يبطئ من سيره ..

حسبنا أن نكون جسراً يعبر عليه من بعدنا، وحسبنا كذلك أننا نكون قد فزنا بموعود الله عز وجل بمشيئته وفضله وإن تأخرت الأخرى .. تأمل معي قول الله عز وجل وهو يصف التجارة الرابحة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [الصف: 10 - 12] نعم .. هذا هو الربح وتلكم هي الغاية، ثم تأمل وتدبر وصف الله للنصر الذي نحبه .. {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} (1) إلا أنه بشرى الله ووعده الذي

(1) الصف: 13.

ص: 44

لا يتخلف {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (1).

فهلمّ يا أخي إلى العمل .. ضع يدك في يدي ولنشد عليهما سويًّا ولا تنس أن العمر يا أخي قصير، والأيام معدودة، والموت قريب فحاول اللحاق بالركب فإن من جدّ وجد، وليس من سهر كمن رقد، وهذا الموت منك قيد شبر الشابر وإن سلع المعالي غاليات الثمن (2).

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ خَافَ أَدْلَجَ، وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ» (3).

(1) الصف: 13.

(2)

من كلام الإمام حسن البنا رحمه الله.

(3)

رواه الترمذي وقال: حديث حسن -وأدلج: إذا سار من أول الليل.

ص: 45