الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس: فضل السته بقية العشرة
بينّا فيما سبق في المباحث الأربعة المتقدمة فضل أربعة من العشرة المبشرين بالجنة وهم أبو بكر الصديق، وعمر الفاروق، وعثمان ذو النورين، وأبو السبطين علي رضي الله عنهم أجمعين وهؤلاء هم الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون الذين أمرنا بالاهتداء بهديهم والسير على طريقته رضي الله عنهم وفي هذا المبحث أبين فضل من بقي من العشرة الذين يلون الخلفاء الراشدين في الفضل وعددهم ستة وهم طلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وأبو عبيدة عامر بن الجراح، وسعيد بن زيد. وإلى بيان فضل كل واحد من هؤلاء الستة رضي الله عنهم:-
1) طلحة بن عبيد الله:
هو أبو محمد طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد ابن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي التيمي1 "يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في مرة بن كعب ومع أبي بكر الصديق في تيم بن مرة وعدد ما بينهم من الآباء سواء"2 وأمه رضي الله عنه الصعبة بنت الحضرمي امرأة من أهل اليمن وهي أخت العلاء بن الحضرمي3 أسلمت ولها صحبة وظفرت بشرف الهجرة4 وطلحة رضي الله عنه أحد العشرة الذين بشروا بالجنة، وأحد الثمانية
1ـ الإصابة 2/220، وانظر الاستيعاب لابن عبد البر على حاشية الإصابة 2/210.
2ـ فتح الباري 7/82.
3ـ الإصابة 2/220.
4ـ المصدر السابق 4/337، وانظر فتح الباري 7/82.
الذين سبقوا إلى الإسلام وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وأحد الستة أصحاب الشورى، وكان رضي الله عنه عند وقعة بدر قد وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسعيد بن زيد يتجسسان خبر العير قبل خروجه عليه الصلاة والسلام إلى بدر فلم يرجعا إلا وقد فرغ من موقعة بدر وضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمهما وأجرهما"1.
وقال الواقدي: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يخرج من المدينة إلى بدر طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد إلى طريق الشام يتجسسان الأخبار ثم رجعا إلى المدينة فقدماها يوم وقعة بدر2 فخروجهما لجس الأخبار يعتبر في صالح المعركة وهو نوع من المشاركة فيها.
وشهد طلحة رضي الله عنه أحداً وما بعدها من المشاهد وقد أبلى في غزوة أحد بلاء حسناً فقد وقى النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه واتقى النبل عنه بيده حتى شلت أصبعه3.
وفضائله رضي الله عنه كثيرة مشهورة ومنها:
1-
ما رواه البخاري بإسناده إلى قيس بن أبي حازم قال: رأيت يد طلحة شلاء وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد4.
هذا الحديث اشتمل على منقبة عظيمة خص بها طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه وهي أنه وقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده يوم أحد لما أراد بعض المشركين
1ـ انظر المستدرك للحاكم 3/369، ص/438، وانظر الرياض النضرة في مناقب العشرة للمحب الطبري 4/256.
2ـ مغازي الواقدي 1/19، المستدرك للحاكم 3/369.
3ـ انظر الاستيعاب على حاشية الإصابة 2/210-216، الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر 2/220، وانظر الرياض النضرة في مناقب العشرة 4/245 وما بعدها، وانظر المستدرك للحاكم 3/368-369.
4ـ صحيح البخاري 3/23.
أن يضربه فاتقى طلحة الضربة بيده حتى أصابها شلل والشلل بطلان في اليد أو في الرجل من آفة تعتريها فالحديث فيه بيان فضيلة عظيمة لطلحة رضي الله عنه وأرضاه.
2-
وروى أيضاً: بإسناده إلى أبي عثمان النهدي قال: لم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض تلك الأيام التي قاتل فيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير طلحة وسعد عن حديثهما1.
وهذا الحديث أيضاً: تضمن منقبة ظاهرة لأبي محمد طلحة بن عبيد الله من حديث إنه بقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما تفرق الناس عنه يوم أحد والمراد بقوله في الحديث: "في بعض تلك الأيام" يوم أحد.
3-
وروى أبو عيسى الترمذي بإسناده إلى الزبير رضي الله عنه قال: "كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد درعان فنهض إلى الصخرة فلم يستطع فأقعد تحته طلحة، فصعد النبي صلى الله عليه وسلم حتى استوى على الصخرة قال: فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أوجب طلحة" 2.
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: "أوجب طلحة" أي: وجبت له الجنة بسبب عمله هذا أو بما فعل في ذلك اليوم فإنه خاطر بنفسه يوم أحد وفدى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعلها وقاية له حتى طعن ببدنه وجرح جميع جسده حتى شلت يده3.
4-
وروى أبو نعيم بإسناده إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد قال: ذلك كله يوم طلحة4.
وهذا مدح وثناء عظيم من صديق هذه الأمة وشهادة صادقة لأبي محمد
1ـ المصدر السابق 2/302-303.
2ـ سنن الترمذي 5/307 ثم قال عقبه: "هذا حديث حسن صحيح غريب".
3ـ انظر تحفة الأحوذي 5/341.
4ـ حلية الأولياء 1/87.
طلحة بن عبيد الله بثباته مع النبي صلى الله عليه وسلم في وقعة أحد التي أبلى فيها بلاء حسناً وكان موقفه عظيماً في عزوة أحد يذكر به في الآخرين رضي الله عنه وأرضاه.
5-
ومن مناقبه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن طلحة ممن قضى نحبه ووفى لله بما نذره على نفسه من القتال في سبيله ونصرة دينه.
فقد روى الترمذي بإسناده إلى موسى بن طلحة قال: دخلت على معاوية فقال: ألا أبشرك؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "طلحة ممن قضى نحبه"1.
وروى أيضاً: بإسناده إلى موسى وعيسى ابني طلحة عن أبيهما طلحة "أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: لأعرابي جاهل سله عمن قضى نحبه من هو؟ وكانوا لا يجترئون هم على مسألته يوقرونه ويهابونه فسأله الأعرابي فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، ثم إني اطلعت من باب المسجد وعلي ثياب خضر فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أين السائل عمن قضى نحبه" قال الأعرابي: أنا يا رسول الله قال: "هذا ممن قضى نحبه" 2.
هذان الحديثان فيهما بيان فضل طلحة بن عبيد الله حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن طلحة ممن قضى نحبه وكان طلحة ضمن جماعة كعثمان بن عفان ومصعب وسعيد وغيرهم نذروا إذا لقوا حرباً ثبتوا حتى يستشهدوا وقد ثبت طلحة يوم أحد وبذل جهده حتى شلت يده ووقى بها النبي صلى الله عليه وسلم3 رضي الله عنه وأرضاه.
قال أبو بكر بن العربي أثناء ذكره لمسائل اشتمل عليها الحديث قال رحمه الله تعالى:
1ـ سنن الترمذي 5/308 وقال: "هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث معاوية إلا من هذا الوجه".
2ـ سنن الترمذي 5/308-309 وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث أبي كريب عن يونس بن بكير وقد رواه غير واحد من كبار أهل الحديث عن أبي كريب بهذا الحديث وسمعت محمد بن إسماعيل يحدث بهذا عن أبي كريب ووضعه في كتاب الفوائد"أهـ.
3ـ انظر تحفة الأحوذي بشرح الترمذي 9/63-64.
الرابعة: إلا أن قوماً تحققت عاقبتهم وأخبر الله تعالى عن حسن مآلهم وإن كانوا لم يوافوا بعد، فلهم شرف الحالة بذلك وعلو المنزلة وطلحة منهم.
الخامسة: وكان ذلك له والله أعلم بوقايته بنفسه للنبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد حتى شلت يمينه فقدمته يداه إلى الجنة وتقدمه إليها وتعلق بسبب عظيم لا ينقطع منها"1.
7-
ومن مناقبه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سماه الفياض لسعة عطائه وكثرة إنفاقه في وجوه الخير. فقد روى أبو عبد الله الحاكم بإسناده إلى موسى بن طلحة أن طلحة نحر جزوراً وحفر بئراً يوم ذي قرد2 فأطعمهم وسقاهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا طلحة الفياض" فسمي طلحة الفياض3.
8-
وروى أيضاً بإسناده إلى طلحة رضي الله عنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده سفرجلة فرماها إلي أو قال: ألقاها إلي وقال: "دونكها أبا محمد فإنها تجم4 الفؤاد"5.
وفي هذا منقبة ظاهرة لطلحة رضي الله عنه وأرضاه.
9-
ومن مناقبه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه يموت شهيداً. فقد روى مسلم في صحيحه بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على جبل حراء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اسكن حراء فما عليك إلا نبي
1ـ عارضة الأحوذي بشرح الترمذي 12/82-83.
2ـ قال في النهاية: 4/37 "ذي قرد بفتح القاف والراء: ماء على ليلتين من المدينة بينهما وبين خيبر"أهـ. وهو موضع غزوة خرج فيها النبي صلى الله عليه وسلم، سببها إغارة عيينة بن حصن الفزاري في خيل من غطفان على لقاح لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان فيها رجل من بني غفار وامرأة له فقتلوا الرجل واحتملوا المرأة في اللقاح "انظرالسيرة النبوية لابن هشام 2/281، تاريخ الطبري 2/596.
3ـ المستدرك 3/374 ثم قال الحاكم عقبه: "حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي.
4ـ تجم الفؤاد: "أي تريحه وقيل تجمعه وتكمل صلاحه ونشاطه " أهـ.النهاية في غريب الحديث 1/301.
5ـ المستدرك 3/370 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
أو صديق أو شهيد" وعليه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم"1.
قال النووي رحمه الله تعالى: "وفي هذا الحديث معجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم منها إخباره أن هؤلاء شهداء وماتوا كلهم غير النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر شهداء فإن عمر وعثمان وعلياً وطلحة والزبير رضي الله عنهم قتلوا ظلماً شهداء، فقتل الثلاثة مشهور وقتل الزبير بوادي السباع بقرب البصرة البصرة منصرفاً تاركاً للقتال وكذلك طلحة اعتزل الناس تاركاً للقتال فأصابه سهم فقتله وقد ثبت أن من قتل ظلماً فهو شهيد والمراد شهداء في أحكام الآخرة وعظم ثواب الشهداء، وأما في الدنيا فيغسلون ويصلى عليهم وفيه بيان فضيلة هؤلاء2.
6-
ومن مناقبه الرفيعه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو عنه راض. قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى: "باب ذكر طلحة بن عبيد الله، وقال عمر: توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو عنه راض"3.
7-
ومما يدل على عظم مكانته وعلو منزلته أن النبي صلى الله عليه وسلم شهد له بالجنة ضمن جماعة من فضلاء الصحابة. فقد روى الترمذي بإسناده إلى عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وطلحة في الجنة والزبير في الجنة وعبد الرحمن بن عوف في الجنة وسعد في الجنة وسعيد في الجنة وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة" ثم قال: وقد روى هذا الحديث عن عبد الرحمن بن حميد عن أبيه عن سعيد بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا4.
1ـ صحيح مسلم 4/1880.
2ـ شرح النووي على صحيح مسلم 15/190.
3ـ صحيح البخاري 2/302.
4ـ سنن الترمذي 5/311 وانظر سنن أبي داود 2/516، سنن ابن ماجه 1/48.
ففي هذا الحديث منقبة واضحة لطلحة رضي الله عنه حيث شهد له النبي صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة وأكرم بها من شهادة فإنها تضمنت الإخبار بسعادته في الدنيا والآخرة، ذلك هو الصحابي طلحة بن عبيد الله أحد العشرة المشهود لهم بالجنة وتلك طائفة من الأحاديث التي دلت على عظيم قدره وعلو منزلته رضي الله عنه وأرضاه.
2) الزبير بن العوام:
هو أبو عبد الله الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب القرشي الأسدي1 يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في قصي وعدد ما بينهما من الآباء سواء2 وهو حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته، أمه صفية بنت عبد المطلب، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة وأحد الستة أصحاب الشورى3.
قال عروة بن الزبير: أسلم الزبير بن العوام وهو ابن ثمان سنين وهاجر وهو ابن ثمان عشرة سنة وكان عم الزبير يعلق الزبير في حصير ويدخن عليه بالنار ويقول: ارجع إلى الكفر فيقول الزبير: لا أكفر أبداً.
وقال أيضاً: "أسلم الزبير وهاجر إلى أرض الحبشة الهجرتين معاً ولم يتخلف عن غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم"4.
فهو رضي الله عنه من السابقين الأولين إلى الإسلام، وشهد المشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم. وفضائله رضي الله عنه كثيرة مشهورة ومنها:
1-
ما رواه البخاري بإسناده إلى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن لكل نبي حوارياً وإن حواري الزبير بن العوام"5.
وعند مسلم بلفظ: ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس يوم الخندق فانتدب الزبير، ثم ندبهم فانتدب الزبير فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لكل نبي حواري وحواري الزبير"6.
1ـ الطبقات الكبرى لابن سعد 3/100، الاستيعاب لابن عبد البر على حاشية الإصابة 1/560، الإصابة 1/526.
2ـ فتح الباري 7/80.
3ـ انظر الاستيعاب على حاشية الإصابة 1/560-560، الإصابة 1/526-528.
4ـ المستدرك للحاكم 3/360، وانظر طبقات ابن سعد 3/102.
5ـ صحيح البخاري 2/302.
6ـ صحيح مسلم 4/1879.
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: "وحواري الزبير" أي: خاصتي من أصحابي وناصري ومنه الحواريون أصحاب عيسى عليه الصلاة والسلام أي: خلصائه وأنصاره وأصله من التحوير: التبييض قيل: إنهم كانوا قصارين يحورون الثياب أي: يبيضونها
…
قال الأزهري: الحواريون خلصان الأنبياء وتأويله الذين أخلصوا ونقوا من كل عيب"1.
فالحواري: هو الناصر المخلص، فالحديث اشتمل على هذه المنقبة العظيمة التي تميز بها الزبير رضي الله عنه ولذلك سمع عبد الله بن عمر رضي الله عنه رجلاً يقول: أنا ابن الحواري فقال: إن كنت من ولد الزبير وإلا فلا2. وقال عبد الله بن عباس: هو حواري النبي صلى الله عليه وسلم وسمى الحواريون لبياض ثيابهم3.
وجاء في عمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني: "فإن قلت: "الصحابة كلهم أنصار رسول الله عليه الصلاة والسلام خلصاء فما وجه التخصيص به قلنا: هذا قاله حين قال يوم الأحزاب: من يأتيني بخبر القوم قال الزبير: أنا، ثم قال: من يأتيني بخبر القوم فقال: أنا وهكذا مرة ثالثة ولا شك أنه في ذلك الوقت نصر نصرة زائدة على غيره"4.
2-
من مناقبه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم فداه بأبويه. روى البخاري بإسناده إلى عبد الله بن الزبير قال: كنت يوم الأحزاب جعلت أنا وعمر بن أبي سلمة في النساء فنظرت فإذا أنا بالزبير على فرسه يختلف إلى بني قريظة مرتين أو ثلاثاً فلما رجعت قلت: يا أبت رأيتك تختلف قال: وهل رأيتني يا بني؟ قلت: نعم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من يأت بني قريظة فيأتيني بخبرهم؟ " فانطلقت فلما رجعت جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه فقال: "فداك
1ـ النهاية لابن الأثير 1/457-458.
2ـ رواه بن سعد في الطبقات الكبرى 3/106، وذكره الحافظ في الإصابة 1/527.
3ـ صحيح البخاري 2/302.
4ـ عمدة القاريء 16/223، وانظر تحفة الأحوذي بشرح الترمذي 10/547.
أبي وأمي"1.
وهذا الحديث فيه منقبة ظاهرة للزبير رضي الله عنه حيث فداه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبويه "وفي هذه التفدية تعظيم لقدره واعتداد بعلمه واعتبار بأمره وذلك لأن الإنسان لا يفدي إلا من يعظمه فيبذل نفسه أو أعز أهله له"2.
3-
ومن مناقبه رضي الله عنه أنه كان ممن استجاب لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح يوم أحد. فقد روى الشيخان في صحيحهما عن عائشة رضي الله عنها: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} قالت لعروة: يا ابن أختي كان أبواك منهم: الزبير وأبو بكر لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصاب يوم أحد وانصرف عنه المشركون خاف أن يرجعوا قال: "من يذهب في إثرهم؟ " فانتدب منهم سبعون رجلاً قال: كان فيهم أبو بكر والزبير"3.
فلقد أثنى الله على الذين استجابوا لله والرسول وأخبر أن جزاء المحسنين المتقين منهم أجر عظيم، وكان الزبير بن العوام واحداً من هؤلاء رضي الله عنهم.
4-
وروى ابن سعد بإسناد صحيح عن هشام عن أبيه قال كانت على الزبير عمامة صفراء معتجراً بها يوم بدر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الملائكة نزلت على سيماء الزبير"4.
وفي هذا الحديث منقبة ظاهرة للزبير رضي الله عنه دلت على عظيم قدره وعلو منزلته فكون الملائكة الذين أنزلهم الله لنصر المسلمين في موقعة بدر كانوا على صورته فإن ذلك دليل على أنه جليل القدر رفيع المنزلة رضي الله عنه وأرضاه.
1ـ صحيح البخاري 2/302.
2ـ من مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح لملا علي القاري 5/578، تحفة الأحوذي 10/246.
3ـ صحيح البخاري 3/26، صحيح مسلم 4/1881.
4ـ الطبقات الكبرى 3/103.
5-
وروى البخاري بإسناده إلى مروان بن الحكم قال: "أصاب عثمان بن عفان رعاف شديد سنة الرعاف حتى حبسه عن الحج وأوصى فدخل عليه رجل من قريش قال: استخلف قال: وقالوه؟ قال: نعم قال: ومن؟ فسكت فدخل عليه رجل آخر أحسبه الحارث فقال: استخلف فقال عثمان: وقالوا؟ فقال: نعم قال: ومن هو؟ فسكت فلعلهم قالوا: إنه الزبير؟ قال: نعم قال: والذي نفسي بيده إنه لخيرهم ما علمت وإن كان لأحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم" وفي رواية أخرى قال: "أما والله إنكم لتعلمون أنه خيركم ثلاثاً"1.
ففي هاتين الروايتين منقبة عظيمة لحواري رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث شهد له ثالث الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين عثمان بن عفان رضي الله عنه بالخبرية وأنه كان من أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الداودي: "يحتمل أن يكون المراد من الخيرية في شيء مخصوص كحسن الخلق وإن حمل على ظاهره ففيه ما يبين أن قول ابن عمر: "ثم نترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم" لم يرد به جميع الصحابة فإن بعضهم قد وقع منه تفضيل بعضهم على بعض وهو عثمان في حق الزبير" وقد تعقب الحافظ رحمه الله هذا الاحتمال الذي قاله الداودي بقوله: "قلت: قول ابن عمر قيده بحياة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يعارض ما وقع منهم بعد ذلك"2.
6-
ومن مناقبه رضي الله عنه أنه كان شجاعاً مقداماً في ساحة القتال. فقد روى البخاري بإسناده إلى هشام بن عروة عن أبيه أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للزبير يوم وقعة اليرموك: ألا تشد فنشد معك؟ فحمل عليهم فضربوه ضربتين على عاتقه بينهما ضربة ضربها يوم بدر قال عروة: فكنت أدخل أصابعي في تلك الضربات ألعب وأنا صغير3.
1ـ صحيح البخاري 2/302.
2ـ فتح الباري 7/81.
3ـ صحيح البخاري 2/302.
وفي هذا بيان فضيلة للزبير رضي الله عنه تضمنها قول الصحابة له يوم اليرموك" ألا تشد فنشد معك.. إلخ" فإنه كان شجاعاً مقداماً موفقاً في تسديد الضربات لجيوش الشرك. ولقد أبلى رضي الله عنه في يوم اليرموك وفي جميع الغزوات التي غزاها بلاء حسناً.
فقد روى الترمذي بإسناده إلى هشام بن عروة قال: "أوصى الزبير إلى ابنه عبد الله صبيحة الجمل فقال: ما مني عضو إلا وقد جرح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى ذلك في فرجه"1.
7-
ومن أعظم مناقبه وأعلاها شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة. فقد روى الترمذي وغيره من حديث عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وطلحة في الجنة والزبير في الجنة
…
" الحديث2.
8-
ومن مناقبه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم شهد له بأنه يموت شهيداً فقد روى الإمام مسلم في صحيحه بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير فتحركت الصخرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اهدأ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد"3.
فلقد شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بالشهادة وحصلت له كما أخبر بها المصطفى عليه الصلاة والسلام " فإنه لما كان يوم الجمل ذكره علي بما ذكره به فرجع عن القتال وكر راجعاً إلى المدينة فمر بقوم الأحنف بن قيس وكانوا قد انعزلوا عن الفريقين فقال قائل يقال له الأحنف: ما بال هذا جمع بين الناس حتى إذا التقوا
1ـ سنن الترمذي 5/310-311 ثم قال عقبه: "هذا حديث حسن غريب من حديث حماد بن زيد".
2ـ المصدر السابق 5/311.
3ـ صحيح مسلم 4/1880.
كر راجعاً إلى بيته من رجل يكشف لنا خبره؟ فاتبعه عمرو بن جرموز في طائفة من غواة بني تميم
…
فأدركه عمرو بواد يقال له وادي السباع ـ قريب من البصرة ـ وهو نائم في القائلة فهجم عليه فقتله
…
ولما قتله اجتز رأسه وذهب به إلى علي ورأى أن ذلك يحصل له به حظوة عنده فاستأذن فقال علي: لا تأذنوا له وبشروه بالنار وفي رواية: أن علياً قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بشر قاتل ابن صفية بالنار" ودخل ابن جرموز ومعه سيف الزبير فقال علي: إن هذا السيف طال ما فرج الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقال: إن عمرو بن جرموز لما سمع ذلك قتل نفسه وقيل: بل عاش إلى أن تأمر مصعب بن الزبير على العراق فاختفى منه فقيل لمصعب: إن عمرو بن جرموز هاهنا وهو مختف فهل لك فيه؟ فقال: مروه فليظهر فهو آمن والله ما كنت لأقيد للزبير منه فهو أحقر من أن أجعله عدلاً للزبير1 "وكان قتله رضي الله عنه يوم الخميس لعشر خلون من جمادي الآخرة سنة ست وثلاثين"2 ذلك هو حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلك طائفة من مناقبه التي دلت على عظيم قدره وعلو شأنه رضي الله عنه وأرضاه.
1ـ البداية والنهاية 7/272-273، وروى الإمام أحمد عن علي رضي الله عنه أنه قال عندما قيل له: إن قاتل الزبير على الباب، قال: ليدخل قاتل ابن صفية النار سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لكل نبي حواري وإن حواري الزبير بن العوام " المسند 1/103.
2ـ انظر الطبقات لابن سعد 3/110-113، الاستيعاب لابن عبد البر على الإصابة 1/564، البداية والنهاية 7/273، الإصابة 1/527.
3) عبد الرحمن بن عوف:
هو أبو عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي الزهري كان اسمه في الجاهلية ـ عبد عمرو ـ وقيل عبد الكعبة فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن أمه الشفاء بنت عوف بن عبد الحارث بن زهرة1.
"شهد رضي الله عنه بدراً والمشاهد كلها وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الثمانية الذين سبقوا بالإسلام"2 "وأحد الستة أصحاب الشورى الذين أخبر عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه توفي وهو عنهم راض وأسند رفقته أمرهم إليه حتى بايع عثمان"3 "أسلم قديماً قبل أن يدخل رسول الله دار الأرقم وقبل أن يدعو فيها"4.
"وأمّره رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث بعثه إلى بني كلب، وأرخى له عذبة بين كتفيه لتكون أمارة عليه للإمارة"5.
ومناقبه رضي الله عنه كثيرة وقد وردت طائفة من الأحاديث الصحيحة بذكر مناقبه رضي الله عنه ومنها:
1-
روى الإمام مسلم بإسناده إلى عروة بن المغيرة بن شعبة أخبره أن المغيرة بن شعبة أخبره أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك قال المغيرة: فتبرز رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الغائط6 فحملت معه إداوة قبل صلاة الفجر فلما رجع رسول الله
1ـ انظر الطبقات الكبرى لابن سعد 3/124، المستدرك 3/306، الاستيعاب لابن عبد البر على حاشية الإصابة 2/385، البداية والنهاية 7/178، الإصابة 2/408.
2ـ الرياض النضرة في مناقب العشرة 4305-306، وانظر البداية والنهابة 7/178.
3ـ الإصابة 2/408.
4ـ الطبقات الكبرى لابن سعد 3/124، المستدرك للحاكم 3/309.
5ـ البداية والنهاية 7/178.
6ـ الغائط: هو المكان المنخفض من الأرض "النهاية لابن الأثير" 3/395، وانظر "الفائق في غريب الحديث" للزمخشري 3/79.
صلى الله عليه وسلم إليّ أخذت أهريق على يديه من الإداوة وغسل يديه ثلاث مرات ثم ذهب يخرج جبته عن ذراعيه فضاق كما جبته فأدخل يديه في الجبة حتى أخرج ذراعيه من أسفل الجبة وغسل ذراعيه إلى المرفقين ثم توضأ على خفيه، ثم أقبل. قال المغيرة: فأقبلت معه حتى نجد الناس قد قدموا عبد الرحمن بن عوف فصلى لهم فأدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى الركعتين فصلى مع الناس الركعة الآخرة فلما سلم عبد الرحمن بن عوف قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يتم صلاته فأفزع ذلك المسلمين فأكثروا التسبيح فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته أقبل عليهم ثم قال: "أحسنتم" أو قال: " أصبتم" يغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها"1.
فصلاة الرسول صلى الله عليه وسلم خلف عبد الرحمن بن عوف الركعة الثانية من صلاة الفجر دلت على منقبة عظيمة له لا تبارى رضي الله عنه وأرضاه.
2-
ومن مناقبه رضي الله عنه أنه تقاول هو وخالد بن الوليد في بعض الغزوات فأغلظ له خالد في المقال فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تسبوا أحداً من أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه"2.
فقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا أحداً من أصحابي" يعني عبد الرحمن ونحوه الذين هم السابقون الأولون وهم الذين أسلموا من قبل الفتح وقاتلوا وهم أهل بيعة الرضوان فهم أفضل وأخص بصحبته ممن أسلم بعد بيعة الرضوان وهم الذين أسلموا بعد الحديبية وبعد مصالحة النبي صلى الله عليه وسلم أهل مكة ومنهم خالد بن الوليد"3 فالحديث تضمن منقبة رفيعة لعبد الرحمن بن عوف حيث كان ممن شرف بالسبق إلى الإسلام.
1ـ صحيح مسلم 1/317-318.
2ـ المصدر السابق 4/1967-1968.
3ـ شرح العقيدة الطحاوية ص/529.
3-
ومن مناقبه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم غير اسمه من عبد عمرو إلى عبد الرحمن.
روى الحاكم بإسناده إلى عبد الرحمن بن عوف قال: "كان اسمي في الجاهلية عبد عمرو فسمعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن"1.
4-
ومن مناقبه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا الله له أن يسقيه من سلسبيل الجنة. فقد روى الحاكم أيضاً بإسناده إلى أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأزواجه: "إن الذي يحنو عليكم بعدي هو الصادق البار اللهم اسق عبد الرحمن بن عوف من سلسبيل الجنة"2.
وروى أيضاً: بإسناده إلى أبي سلمة بن عبد الرحمن حدثه قال: دخلت على عائشة رضي الله عنها فقالت لي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لي: "أمركن مما يهمني بعدي ولن يصبر عليكن إلا الصابرون"، ثم قالت: فسقى الله أباك من سلسبيل الجنة. وكان عبد الرحمن بن عوف قد وصلهن بمال فبيع بأربعين ألفاً"3.
ففي هذين الحديثين فضيلة لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه.
5-
ومن أجل مناقبه وأعلاها شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة. فقد روى الترمذي رحمه الله بسنده إلى عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وطلحة في الجنة والزبير في الجنة وعبد الرحمن بن عوف في الجنة.." الحديث4.
فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن عبد الرحمن أحد أهل الجنة جعلنا الله منهم بفضله ومنه آمين.
1ـ المستدرك 3/306 ثم قال عقبه: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأقره الذهبي.
2ـ المستدرك 3/311 ثم قال: "فقد صح الحديث عن عائشة وأم سلمة ووافقه الذهبي".
3ـ المصدر السابق 3/312 وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
4ـ سنن الترمذي 5/311.
6-
ومن مناقبه العظيمة إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأنه شهيد. روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أنه قال: "أشهد على التسعة أنهم في الجنة ولو شهدت على العاشر لم آثم قيل: وكيف ذاك قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحراء فقال: "اثبت حراء فإنه ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد" قيل: ومن هم قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف قيل فمن العاشر قال أنا"1.
فالحديث تضمن منقبة عالية لعبد الرحمن وهي أنه سيموت شهيداً ولا يعارض هذا وفاته رضي الله عنه على فراشه فلا بد من التسليم والإيمان بما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم ولا بد هناك من سبب ثبتت له به الشهادة ليكون تصديقاً للنبي صلى الله عليه وسلم لم نعلمه نحن.
ذلك هو عبد الرحمن بن عوف الذي قضى حياته كلها في طاعة ربه حتى في اللحظة الأخيرة ـ التي كان فيها في مرض موته فقد قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: "ولما حضرته الوفاة أوصى لكل رجل ممن بقي من أهل بدر بأربعمائة دينار وكانوا مائة فأخذوها حتى عثمان وعلي وقال علي: اذهب يا ابن عوف فقد أدركت صفوها وسبقت زيفها2. وأوصى لكل امرأة من أمهات المؤمنين بمبلغ كثير حتى كانت عائشة تقول: سقاه الله من السلسبيل وأعتق خلقاً من مماليكه، ولما مات صلى عليه عثمان بن عفان، وحمل في جنازته سعد بن أبي وقاص ودفن بالبقيع3 سنة إحدى وثلاثين وقيل: سنة اثنتين وهو الأشهر"4.
1ـ المسند 1/187، سنن أبي داود 2/515، سنن الترمذي 5/315، وسنن ابن ماجه 1/48.
2ـ انظر المستدرك للحاكم 3/308.
3ـ البداية والنهاية 7/180.
4ـ الاستيعاب على حاشية الإصابة 2/390، الإصابة 2/409-410.
4) سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه:
هو أبو إسحاق سعد بن مالك بن أهيب ويقال له: ابن وهيب بن عبد مناف ابن زهرة بن كلاب القرشي الزهري1 "ويجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في كلاب بن مرة وعدد ما بينهما من الآباء متقارب وأمه حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس لم تسلم"2 وهو رضي الله عنه أحد العشرة المشهود لهم بالجنة وأحد الستة أصحاب الشورى الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض. أسلم قديماً وكان يوم أسلم عمره سبع عشرة سنة وهاجر إلى المدينة وشهد بدراً، وما بعدها من المشاهد وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله، وكان فارساً شجاعاً من أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان في أيام الصديق معظماً جليل المقدار، وكذلك في أيام عمر وقد استنابه على الكوفة وهو الذي بناها، وهو الذي فتح المدائن3، وكانت بين يديه وقعة جلولاء4 وكان سيداً مطاعاً، وعزله عن الكوفة عن غير عجز ولا خيانة ولكن لمصلحة ظهرت لعمر في ذلك، ثم ولاه عثمان بعده، ثم عزله عنها وكان رضي الله عنه مجاب الدعوة مشهوراً بذلك5، ومناقبه رضي الله عنه كثيرة مشهورة وردت بها الأحاديث الصحيحة ومنها:
1-
روى البخاري بإسناده إلى سعيد بن المسيب قال: سمعت سعداً يقول: جمع لي النبي صلى الله عليه وسلم أبويه يوم أحد6.
2-
وروى مسلم بإسناده إلى عامر بن سعد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع له
1ـ البداية والنهاية 8/78، الإصابة 2/30.
2ـ فتح الباري 7/84.
3ـ انظر: تاريخ الطبري 4/8-16، الكامل لابن الأثير 2/511، البداية والنهاية 7/71-76.
4ـ انظر تاريخ الطبري 4/24-25، الكامل لابن الأثير 2/519، البداية والنهاية 7/77-79.
5ـ انظر ترجمته في الطبقات الكبرى لابن سعد 3/137-149، الاستيعاب لابن عبد البر على حاشية الإصابة 2/18-25، البداية والنهاية 8/78-84، الإصابة 2/30-32.
6ـ صحيح البخاري 2/303.
أبويه يوم أحد قال: كان رجل من المشركين قد أحرق المسلمين فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ارم فداك أبي وأمي" قال: فنزعت له بسهم ليس فيه نصل فأصبت جنبه فسقط فانكشفت عورته فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نظرت إلى نواجذه".
3-
وروى أيضاً بإسناده إلى عبد الله بن شداد قال: سمعت علياً يقول: ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه لأحد غير سعد بن مالك فإنه جعل يقول له يوم أحد: "ارم فداك أبي وأمي"1.
هذه الأحاديث تضمنت منقبة عظيمة لسعد رضي الله عنه وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم فداه بأبويه وهذه التفدية فيها دلالة على أنه عظيم المنزلة جليل القدر عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ الإنسان لا يفدي إلا من يعظمه فيضحي بنفسه أو أعز أهله له.
وقول علي رضي الله عنه: "ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه لأحد غير سعد بن مالك" يفيد الحصر ولكن هذا الحصر فيه نظر لأنه تقدم معنا قريباً أنه عليه الصلاة والسلام جمع أبويه يوم الخندق للزبير بن العوام رضي الله عنه ويجمع بين الحديثين "بأن علياً رضي الله عنه لم يطلع على ذلك ومراده بذلك تقييده بيوم أحد والله أعلم"2.
4-
وروى الإمام مسلم بإسناده إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: سهر رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمه المدينة ليلة فقال: "ليت رجلاً صالحاً من أصحابي يحرسني الليلة" قالت: فبينا نحن كذلك سمعنا خشخشة سلاح فقال: "من هذا" قال: سعد بن أبي وقاص فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما جاء بك" قال: وقع في نفسي خوف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت أحرسه فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم ثم نام"3.
1ـ الحديثان في صحيح مسلم 4/1876-1877.
2ـ فتح الباري 7/84، عمدة القاريء 16/228.
3ـ صحيح مسلم 4/1875.
هذا الحديث تضمن منقبة لسعد رضي الله عنه وأنه من الصالحين وأكرم بها من منقبة إذ الصالحون يتولاهم رب العالمين كما قال تعالى: {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} 1 ولقد حظي رضي الله عنه بمفخرة عظيمة وهي حراسة للنبي صلى الله عليه وسلم ودعاؤه له عليه الصلاة والسلام "وكان هذا الحديث قبل نزول قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} 2 لأنه صلى الله عليه وسلم ترك الاحتراس حين نزلت هذه الآية وأمر أصحابه بالانصراف عن حراسته وهذا الحديث مصرح بأن هذه الحراسة كانت أول قدومه المدينة ومعلوم أن الآية نزلت بعد ذلك بأزمان"3.
5-
ومن مناقبه رضي الله عنه أن الله تعالى أنزل فيه قرآناً يتلى إلى يوم القيامة. فقد روى الإمام مسلم بإسناده إلى سعد رضي الله عنه أنه نزلت فيه آيات من القرآن قال: حلفت أم سعد أن لا تكلمه أبداً حتى يكفر بدينه ولا تأكل ولا تشرب قالت: زعمت أن الله وصاك بوالديك وأنا أمك وأنا آمرك بهذا قال: مكثت ثلاثاً حتى غشي عليها من الجهد فقام ابن لها يقال له عمارة فسقاها فجعلت تدعو على سعد فأنزل الله عز وجل في القرآن هذه الآية {وَوَصَّيْنَا الأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ} {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} وفيها {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} 4 قال وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غنيمة عظيمة فإذا فيها سيف فأخذته فأتيت به الرسول صلى الله عليه وسلم فقلت: نفلني هذا السيف فأنا من قد علمت حاله، فقال:"رده من حيث أخذته" فانطلقت حتى إذا أردت أن ألقيه في القبض لامتني نفسي فرجعت إليه فقلت أعطنيه، قال فشد لي صوته:"رده من حيث أخذته" قال: فأنزل الله عز وجل
1ـ سورة الأعراف آية/196.
2ـ سورة المائدة آية/67.
3ـ شرح النووي على صحيح مسلم 15/183.
4ـ سورة لقمان آية/15.
{يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} 1 قال: ومرضت فأرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأتاني فقلت: دعني أقسم مالي حيث شئت قال: فأبى قلت: فالنصف قال: فأبى قلت: فالثلث قال: فسكت فكان بعد الثلث جائزاً قال: وأتيت على نفر من الأنصار والمهاجرين فقالوا: تعالى نطعمك ونسقيك خمراً وذلك قبل أن تحرم الخمر قال: فأتيتهم في حش والحش البستان فإذا رأس جزور مشوي عندهم وزق من خمر قال: فأكلت وشربت معهم قال: فذكرت الأنصار والمهاجرين عندهم فقلت: المهاجرون خير من الأنصار قال: فأخذ رجل أحد لحيي الرأس فضربني به فجرح بأنفي فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأنزل الله عز وجل فيّ يعني نفسه شأن الخمر {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} 2.
فهذا الحديث تضمن بيان فضيلة سعد حيث نزلت في شأنه تلك الآيات القرآنية المشار إليها في هذا الحديث.
6-
ومن مناقبه رضي الله تعالى عنه أن الله تعالى أثنى عليه وأخبر أنه من الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه. فقد جاء في صحيح مسلم عنه رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا قال: وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان لست أسميهما فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع فحدث نفسه فأنزل الله عز وجل {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} 3.
7-
ومن مناقبه رضي الله عنه أنه أسلم قديماً. فقد روى البخاري بإسناده إلى سعد قال: لقد رأيتني وأنا ثلث الإسلام.
1ـ سورة الأنفال آية/1.
2ـ صحيح مسلم 4/1877-1878، والآية رقم 90 من سورة لمائدة.
3ـ المصدر السابق 4/1878 والآية رقم 52 من سورة الأنعام.
وروى أيضاً بإسناده إلى سعيد بن المسيب قال: سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: ما أسلم أحد إلا في اليوم الذي أسلمت فيه ولقد مكثت سبعة أيام وإني لثلث الإسلام1.
فقوله رضي الله عنه: لقد رأيتني وأنا ثلث الإسلام فيه منقبة عظيمة له "وأراد بذلك أنه ثالث من أسلم أولا وأراد بالاثنين أبا بكر وخديجة أو النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر والظاهر أنه أراد الرجال الأحرار "فقد ذكر أبو عمر بن عبد البر في الاستيعاب2 أنه سابع سبعة في الإسلام " وقد قدمنا في فضل الصديق من حديث عمار بن ياسر "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وما معه إلا خمسة أعبد وأبو بكر فهؤلاء ستة ويكون هو السابع بهذا الاعتبار أو قال ذلك بحسب اطلاعه والسبب فيه أن من كان أسلم في ابتداء الأمر كان يخفي إسلامه فبهذا الاعتبار قال: وأنا ثلث الإسلام
…
وقوله رضي الله عنه: "ما أسلم أحد إلا في اليوم الذي أسلمت فيه" ظاهره أنه لم يسلم أحد قبله وهذا فيه إشكال لأنه قد أسلم قبله جماعة ولكن يحمل هذا على مقتضى ما كان اتصل بعلمه حينئذ وقد روى ابن مندة في "المعرفة" من طريق أبي بدر عن هاشم بلفظ ما أسلم أحد في اليوم الذي أسلمت فيه وهذا لا إشكال فيه لأنه لا مانع أن لا يشاركه أحد في الإسلام يوم أسلم ولا ينافي هذا إسلام جماعة قبل يوم إسلامه وقوله: "ولقد مكثت.. إلخ هذا أيضاً على مقتضى اطلاعه"3.
8-
ومن مناقبه رضي الله عنه أنه أول من رمى بسهمه في سبيل الله لمجاهدة أعداء الله وإعلاء كلمة الله. فقد روى البخاري بإسناده إلى سعد رضي الله عنه قال: إني لأول العرب رمى في سبيل الله وكنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم
1ـ هذان الحديثان في صحيح البخاري 2/303.
2ـ الاستيعاب على حاشية الإصابة 2/18.
3ـ انظر شرح النووي على صحيح مسلم 15/184-185، فتح الباري 7/84، المرقاة شرح المشكاة 5/579.
وما لنا طعام إلا ورق الشجر حتى إن أحدنا ليضع كما يضع البعير أو الشاة ما له خلط.." الحديث1.
في هذا بيان فضيلة سعد رضي الله عنه حيث إنه كان أول رام بسهمه في سبيل الله "وكان ذلك في سرية عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب وكان القتال فيها أول حرب وقعت بين المشركين والمسلمين وهي أول سرية بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة الأولى من الهجرة بعث ناساً من المسلمين إلى رابغ ليلقوا عيراً لقريش فتراموا بالسهام ولم يكن بينهم مسايفة فكان سعد أول من رمى"2.
9-
ومن مناقبه رضي الله عنه أنه كان مجاب الدعوة مشهوراً بذلك وسبب ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا الله له بأن يكون مجاب الدعوة فحقق الله دعوة نبيه عليه الصلاة والسلام فكانت دعوته مستجابة رضي الله عنه جاء في مجمع الزوائد عن عامر ـ يعني الشعبي ـ قال: قيل لسعد بن أبي وقاص: متى أجبت الدعوة قال: يوم بدر كنت أرمي بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فأضع السهم في كبد القوس ثم أقول: اللهم زلزل أقدامهم وارعب قلوبهم وافعل بهم وافعل فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم استجب لسعد " رواه الطبراني وإسناده حسن.
وفيه أيضاً: عن سعد قال: سمعني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أدعو فقال: "اللهم استجب له إذا دعاك" رواه البزار ورجاله رجال الصحيح3.
10-
ومن مناقبه العالية شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة فقد روى الترمذي وغيره من حديث عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في
1ـ صحيح البخاري 2/303.
2ـ انظر السيرة النبوية لابن هشام 1/591، الإصابة 2/30، فتح الباري 7/84.
3ـ هذان الحديثان في مجمع الزوائد 9/153.
الجنة
…
" الحديث1.
11-
ومن مناقبه رضي الله عنه شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بأنه من الشهداء فقد روى مسلم بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على جبل حراء فتحرك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اسكن الحراء فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد" وعليه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم "2.
فقد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بأنه شهيد مع أنه لم يمت في معركة وإنما توفي بقصره بالعقيق سنة إحدى وخمسين وقيل ست وقيل ثمان والثاني أشهر.3
قال النووي: وأما ذكر سعد بن أبي وقاص في الشهداء فقال القاضي: إنما سمي شهيداً لأنه مشهود له بالجنة4 قال علي بن المديني: وهو آخر العشرة وفاة وقال غيره: كان آخر المهاجرين وفاة رضي الله عنه وعنهم أجمعين5 ذلك هو سعد بن أبي وقاص وتلك طائفة من فضائله العظيمة رضي الله عنه.
1ـ سنن الترمذي 5/311.
2ـ صحيح مسلم 4/1880.
3ـ الإصابة 2/31.
4ـ شرح النووي على صحيح مسلم 15/190.
5ـ ذكره ابن كثير في البداية والنهاية" 8/84.
5) أبو عبيدة بن الجراح:
هو عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب ويقال: وهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر القرشي الفهري أبو عبيدة بن الجراح مشهور بكنيته وبالنسبة إلى جده وأمه أميمة بنت غنم بن جابر بن عبد العزى بن عامر بن عميرة1. وهو من السابقين الأولين إلى الإسلام "وكان إسلامه هو وعثمان بن مظعون وعبيدة بن الحارث بن المطلب وعبد الرحمن بن عوف وأبو سلمة بن عبد الأسد في ساعة واحدة قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم"2.
وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وهاجر الهجرتين وشهد بدراً وما بعدها وهو الذي انتزع حلقتي المغفرة من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقطت ثنيتاه بسبب ذلك وثبت يوم أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انهزم الناس3 ومناقبه رضي الله عنه تضمنتها أحاديث صحيحة مشهورة منها:
1-
ما رواه الشيخان من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن لكل أمة أميناً وإن أميننا أيتها الأمة أبو عبيدة بن الجراح"4.
هذا الحديث تضمن منقبة عظيمة لأبي عبيدة رضي الله عنه "والأمين هو الثقة المرضي وهذه الصفة وإن كانت مشتركة بينه وبين غيره لكن السياق يشعر بأن له مزيداً في ذلك لكن خص النبي صلى الله عليه وسلم كل واحد من الكبار بفضيلة ووصفه بها فأشعر بقدر زائد فيها على غيره كالحياء لعثمان والقضاء لعلي ونحو ذلك"5.
1ـ الطبقات الكبرى لابن سعد 3/409، المستدرك للحاكم 3/262، الاستيعاب لابن عبد البر على حاشية الإصابة 3/2، الرياض النضرة في مناقب العشرة 4/301، الإصابة 2/243.
2ـ المستدرك 3/266، الإصابة 2/243.
3ـ المستدرك 3/266، الإصابة 2/243.
4ـ صحيح البخاري 2/305، صحيح مسلم 4/1881.
5ـ انظر شرح النووي على صحيح مسلم 15/191-192، فتح الباري 7/93، عمدة القاريء =
وروى البخاري بإسناده إلى حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأهل نجران: "لأبعثن عليكم ـ يعني ـ أميناً حق أمين" فأشرف أصحابه فبعث أبا عبيدة رضي الله عنه1.
وروى مسلم بإسناده إلى أنس أن أهل اليمن قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ابعث معنا رجلاً يعلمنا السنة والإسلام قال: فأخذ بيد أبي عبيدة فقال: "هذا أمين هذه الأمة".
وروى أيضاً: بإسناده إلى حذيفة قال: جاء أهل نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله ابعث إلينا رجلاً أميناً فقال: "لأبعثن إليكم رجلاً أميناً حق أمين" قال: فاستشرف لها الناس"2.
إنها لمنقبة عظيمة خص بها أبو عبيدة رضي الله عنه حق لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتطلعوا لها "وكان تطلعهم رضي الله عنهم إلى الولاية ورغبتهم فيها حرصاً منهم على أن يكون أحدهم هو الأمين الموعود في الحديث لا حرصاً على الولاية من حيث هي"3.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: "قوله لأهل نجران هم أهل بلد قريب من اليمن وهم العاقب واسمه عبد المسيح والسيد ومن معهما، ذكر ابن سعد أنهم وفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم في سنة تسع وسماهم4
…
ووقع في حديث أنس عند مسلم "أن أهل اليمن قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ابعث معنا رجلاً يعلمنا السنة والإسلام فأخذ بيد أبي عبيدة وقال: "هذا أمين هذه الأمة" فإن كان الراوي تجوز عن أهل نجران بقوله: "أهل اليمن" لقرب نجران من اليمن وإلا فهما
= 16/238، تحفة الأحوذي 10/260.
1ـ صحيح البخاري 2/305.
2ـ هذان الحديثان في صحيح مسلم 4/1881-1882.
3ـ انظر شرح النووي على صحيح مسلم 15/192، فتح الباري 7/94، عمدة القاريء 16/239.
4ـ انظر الطبقات الكبرى لابن سعد 3/412.
واقعتان والأول أرجح"أ. هـ1.
2-
ومن مناقبه العالية رضي الله عنه أنه كان أحد من يصلح للخلافة، وأحد الناس الذين كانوا أحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
روى الإمام مسلم بإسناده إلى ابن أبي مليكة قال: سمعت عائشة وسئلت: من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخلفاً لو استخلفه؟ قالت: أبو بكر فقيل لها: ثم من بعد أبي بكر قالت: عمر ثم قيل لها: من بعد عمر؟ قالت: أبو عبيدة بن الجراح ثم انتهت إلى هذا"2.
وهذا الأثر عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تضمن منقبة عظيمة لأبي عبيدة وهي اعتقادها رضي الله عنها أنه صالح للخلافة وأنه أهل لها رضي الله عنه وأرضاه.
وروى الترمذي وابن ماجه بإسناديهما إلى عبد الله بن شقيق قال: قلت لعائشة: أي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان أحب إليه؟ قالت: أبو بكر قلت: ثم من؟ قالت: ثم عمر، قلت: ثم من؟ قالت ثم أبو عبيدة بن الجراح قلت: ثم من؟ فسكتت"3.
وفي هذا بيان فضيلة لأبي عبيدة وهي أنه كان أحد الذين هم أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3-
ومن مناقبه رضي الله عنه أن الفاروق رضي الله عنه كان يكره مخالفته فيما يراه وأنه كان جليل القدر عنده.
فقد روى الشيخان في صحيحيهما عن ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر لما خرج إلى الشام وأخبر أن الوباء قد وقع به فجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واستشارهم فاختلفوا فرأى عمر رأي من رأى الرجوع فرجع فقال له أبو عبيدة: أفراراً من قدر الله؟ فقال عمر: لو غيرك
1ـ فتح الباري 7/93-94.
2ـ صحيح مسلم 4/1856.
3ـ سنن الترمذي 5/317، سنن ابن ماجه 1/38.
قالها يا أبا عبيدة وكان عمر يكره خلافه، نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله
…
إلخ الحديث1.
قال الحافظ رحمه الله تعالى: "وذلك دال على جلالة أبي عبيدة عند عمر"2.
4-
ومن مناقبه رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قرنه في المدح بالشيخين.
روى الترمذي بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر، نعم الرجل أبو عبيدة بن الجراح" ثم قال: هذا حديث حسن إنما نعرفه من حديث سهيل3.
في هذا الحديث فضيلة ظاهرة لأبي عبيدة حيث قرنه عليه الصلاة والسلام في المدح والثناء عليه مع أبي بكر الصديق وعمر الفاروق رضي الله عنهم جميعاً.
5-
ومن مناقبه العالية الرفيعة شهادة المصطفى عليه الصلاة والسلام له بالجنة ضمن جماعة من الصحابة كما تقدم في حديث العشرة المبشرين بالجنة، وهو ما رواه الترمذي وغيره بسنده إلى عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة"4.
6-
ومن مناقبه رضي الله عنه أن وفاته كانت شهادة في سبيل الله فقد مات بالطاعون الذي حصل بأرض الشام زمن الفاروق رضي الله عنه وقد
1ـ صحيح البخاري 4/14-15، صحيح مسلم 4/1740-1741.
2ـ الإصابة 2/244.
3ـ سنن الترمذي 5/317.
4ـ المصدر السابق 5/311.
أخبر عليه الصلاة والسلام أن من كانت وفاته بسبب هذا الداء فإنه شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد وقد جمع الله لأبي عبيدة بين هذين الوصفين. فقد روى الإمام مسلم في صحيحه بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما تعدون الشهيد فيكم" قالوا: يا رسول الله من قتل في سبيل الله فهو شهيد، قال:"إن شهداء أمتي إذا لقليل" قالوا: فمن هم يا رسول الله قال: "من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في الطاعون فهو شهيد، ومن مات في البطن فهو شهيد" قال ابن مقسم: "أشهد على أبيك في هذا الحديث أنه قال: والغريق شهيد "1 "وهذه الموتات إنما كانت شهادة بتفضيل الله تعالى بسبب شهدتها وكثرة ألمها"2.
قال النووي رحمه الله تعالى: "قال العلماء: المراد بشهادة هؤلاء كلهم غير المقتول في سبيل الله أنهم يكون لهم في الآخرة ثواب الشهداء وأما في الدنيا فيغسلون ويصلى عليهم
…
والشهداء ثلاثة أقسام: شهيد في الدنيا والآخرة وهو المقتول في حرب الكفار وشهيد في الآخرة دون أحكام الدنيا وهم هؤلاء المذكورون هنا وشهيد في الدنيا دون الآخرة وهو من غل في الغنيمة أو قتل مدبراً"3.
"وقد اتفق العلماء على أن أبا عبيدة مات في طاعون عمواس بالشام سنة ثماني عشرة"4.
ولما دفن رضي الله عنه خطب الناس معاذ بن جبل خطبة بين فيها الكثير من فضائل أبي عبيدة. وقد ذكر أبو عبد الله الحاكم بإسناده إلى أبي سعيد المقبري قال: لما طعن أبو عبيدة قال: يا معاذ صل فصلى معاذ بالناس ثم مات أبو عبيدة
1ـ صحيح مسلم 3/1521.
2ـ انظر شرح النووي على صحيح مسلم 13/63.
3ـ المصدر السابق.
4ـ الاستيعاب على حاشية الإصابة 3/3، الإصابة 2/245.
ابن الجراح فقام معاذ في الناس فقال: يا أيها الناس توبوا إلى الله من ذنوبكم توبة نصوحاً فإن عبداً لله يلقى الله تائباً من ذنبه إلا كان حقاً على الله أن يغفر له ثم قال: إنكم أيها الناس قد فجعتم برجل والله ما أزعم أني رأيت من عباد الله عبداً قط أقل غمزاً ولا أبر صدراً ولا أبعد غائلة ولا أشد حباً للعاقبة ولا أنصح للعامة منه فترحموا عليه رحمه الله ثم اصحروا1 للصلاة عليه فوالله لا يلي عليكم مثله أبداً فاجتمع الناس وأخرج أبو عبيدة وتقدم معاذ فصلى عليه حتى إذا أتي به قبره دخل قبره معاذ بن جبل وعمرو بن العاص والضحاك بن قيس فلما وضعوه في لحده وخرجوا فشنوا عليه التراب فقال معاذ بن جبل: يا أبا عبيدة لأثنين عليك ولا أقول باطلاً أخاف أن يلحقني بها من الله مقت كنت والله ما علمت من الذاكرين الله كثيراً ومن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً ومن الذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً وكنت والله من المخبتين المتواضعين الذين يرحمون اليتيم والمسكين ويبغضون الخائنين المتكبرين"2.
فهذا الثناء من معاذ رضي الله عنه كله تضمن بيان فضائل لأبي عبيدة بن الجراح ذلك هو أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح وتلك طائفة من مناقبه التي دلت على أنه جليل القدر رفيع المنزلة رضي الله عنه وأرضاه.
1ـ أي: اخرجوا.
2ـ المستدرك 3/263-264.
6) سعيد بن زيد:
هو أبو الأعور سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي القرشي العدوي كان أبوه زيد بن عمرو بن نفيل أحد الحنفاء الذين طلبوا دين الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام قبل أن يبعث النبي عليه الصلاة والسلام، وكان لا يذبح للأصنام ولا يأكل الميتة والدم وكان يقول لقومه: يا معشر قريش والله لا آكل ما ذبح لغير الله، والله ما أحد على دين إبراهيم غيري"1.
وأم سعيد بن زيد فاطمة بنت بعجة بن مليح الخزاعية كانت من السابقين إلى الإسلام وهو ابن عم عمر بن الخطاب وصهره كانت تحته فاطمة بنت الخطاب أخت عمر بن الخطاب وكانت أخته عاتكة بنت زيد بن عمرو تحت عمر بن الخطاب وكان سعيد بن زيد من السابقين الأولين إلى الإسلام وأحد العشرة المبشرين بالجنة، أسلم قبل عمر بن الخطاب هو وزوجته فاطمة، وهاجرا، وكان من سادات الصحابة قال عروة والزهري وموسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق والواقدي وغير واحد: لم يشهد بدراً لأنه قد كان بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وطلحة بن عبيد الله بين يديه يتجسسان أخبار قريش، فلم يرجعا حتى فرغ من بدر فضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهميهما وأجرهما، ولم يذكره عمر في أهل الشورى لئلا يحابي بسبب قرابته من عمر فيولى فتركه لذلك ولم يتول بعده ولاية وما زال كذلك حتى مات"2.
وقد وردت بعض الأحاديث المتعدد المصرحة بفضله رضي الله عنه ومنها:
1-
ما رواه البخاري بإسناده إلى قيس بن أبي حازم قال: سمعت سعيد بن زيد يقول للقوم في مسجد الكوفة يقول: والله لقد رأيتني وإن عمر لموثقي
1ـ أخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب انظر: الإصابة 2/4 "حاشية".
2ـ انظر ترجمته في الطبقات الكبرى لابن سعد 3/372، الاستيعاب على حاشية الإصابة 2/2-8، البداية والنهاية 8/62، الرياض النضرة في مناقب العشرة 4/337، الإصابة 2/44.
على الإسلام قبل أن يسلم عمر ولو أن أحداً أرفض1 للذي صنعتم بعثمان لكان محقوقاً أن يرفض2.
ففي هذا بيان فضيلة ظاهرة لسعيد رضي الله عنه وهي أنه كان ممن حظي بشرف السبق إلى الإسلام وأن إسلامه كان قبل إسلام الفاروق رضي الله عنه إذ أنه بين أن صنع عمر هذا به كان قبل أن يسلم.
قال أبو عبد الله الحاكم: "أسلم سعيد بن زيد بن عمرو قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وقبل أن يدعو فيها الناس إلى الإسلام"3.
2-
ومن مناقبه العالية شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة مع جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.
روى الترمذي بإسناده إلى عبد الرحمن بن حميد أن سعيد بن زيد حدثه في نفر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عشرة في الجنة أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة وعلي وعثمان والزبير وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة وسعد ابن أبي وقاص" قال: فعد هؤلاء التسعة وسكت عن العاشر فقال القوم: ننشدك الله يا أبا الأعور من العاشر؟ قال: نشدتموني بالله أبو الأعور في الجنة" 4.
30-
ومن مناقبه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه من الشهداء. فقد روى الترمذي بإسناده إلى سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أنه قال: "أشهد على التسعة أنهم في الجنة ولو شهدت على العاشر لم آثم قيل: وكيف ذاك؟ قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحراء فقال: "اثبت حراء فإنه ليس عليك إلا نبي
1ـ أي: زال من مكانه.
2ـ صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 7/176.
3ـ المستدرك 3/438.
4ـ سنن الترمذي 5/312 وأخرجه أيضاً الإمام أحمد في المسند 1/187، وأبو داود في سننه 2/515، وأخرجه ابن ماجه في سننه 1/48.
أو صديق أو شهيد" قيل: ومن هم؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف قيل: فمن العاشر قال: أنا" قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح وقد روى من غير وجه عن سعيد بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم"1 ففي هذا فضيلة عظيمة لسعيد بن زيد رضي الله عنه حيث شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالشهادة وإن مات على فراشه فهو شهيد لخبر الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام بذلك.
وكانت وفاته رضي الله عنه سنة إحدى وخمسين وقيل سنة اثنتين وخمسين وقد غسله سعد وحمل من العقيق على رقاب الرجال إلى المدينة"2.
قال الشوكاني رحمه الله تعالى مبيناً فضل سعيد بن زيد رضي الله عنه: "ويكفي سعيد بن زيد أنه أحد العشرة المبشرين بالجنة وأنه شهد أحداً وما بعده من المشاهد كلها وصار من جملة أهل بدر بما ضربه له رسول الله صلى الله عليه وسلم من السهم والأجر"أ. هـ3.
ذلك هو سعيد بن زيد وتلك طائفة من مناقبه وبه رضي الله عنه نختم فضل العشرة المبشرين بالجنة الذين قدمنا فضائلهم التي دلت على مكانتهم وعلو منزلتهم، فيجب على المسلم أن يعتقد اعتقاداً جازماً أنهم من أهل الجنة بأعيانهم كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} وكلهم رضي الله عنهم من قريش الذين سبقوا إلى الإسلام وهاجروا إلى الله ورسوله وتركوا ديارهم وأموالهم بغية نصرة دين الإسلام ورفع رايته.
1ـ سنن الترمذي 5/315، وأخرجه الإمام أحمد في المسند 1/187، وأبو داود في سننه 2/515، وابن ماجه 1/48 والحاكم في المستدرك 3/316-317، وأبو نعيم في الحلية 1/95، الطبقات لابن سعد 3/383.
2ـ البداية والنهابة 8/62 وانظر الطبقات الكبرى لابن سعد 3/384-385.
3ـ در السحابة في مناقب القرابة والصحابة ص/257.