المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالث: فضل أهل بيته الذكور رضي الله عنهم - عقيدة أهل السنة في الصحابة لناصر بن علي - جـ ١

[ناصر بن علي عائض حسن الشيخ]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الأول

- ‌الباب الأول: الثناء في القرآن والسنة على الصحابة

- ‌الفصل الأول: الثناء عليهم عموما في القرآن والسنة وأقوال السلف

- ‌المبحث الأول: الثناء عليهم في القرآن

- ‌المبحث الثاني الثناء عليهم في السنة

- ‌المبحث الثالث: النثاء عليهم في أقوال السلف

- ‌الفصل الثاني: الثناء على أصناف معينة منهم رضي الله عنهم

- ‌المبحث الأول: الثناء على السابقين الأولين

- ‌المبحث الثاني: الثناء على أهل بدر

- ‌المبحث الثالث: الثناء على أهل أحد

- ‌المبحث الرابع: الثناء على أهل بيعة الرضوان

- ‌الفصل الثالث: فضل العشرة المبشرين بالجنة

- ‌المبحث الأول: فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌المبحث الثاني: فضل عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌المبحث الثالث: فضل ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه

- ‌المبحث الرابع: فضل أبي السبطين علي رضي الله عنه

- ‌المبحث الخامس: فضل السته بقية العشرة

- ‌الفصل الرابع: ما جاء في فضل الصحابة من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الأول: المراد بأهل البيت

- ‌المبحث الثاني: ما جاء في فضل أهل البيت عموماً وزوجات النبي صلى الله عليه وسلم خصوصاً

- ‌المبحث الثالث: فضل أهل بيته الذكور رضي الله عنهم

- ‌المبحث الرابع: فضل أهل بيته الإناث

الفصل: ‌المبحث الثالث: فضل أهل بيته الذكور رضي الله عنهم

‌المبحث الثالث: فضل أهل بيته الذكور رضي الله عنهم

1) إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم:

تقدم معنا في الفصل الثالث من هذا الباب ذكر فضائل أبي السبطين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وفي هذا المبحث أذكر الفضل الوارد في حق غيره من أهل البيت الذكور رضي الله عنهم أجمعين. ولنبدأ هنا بذكر إبراهيم ابن المصطفى عليه الصلاة والسلام.

ولد إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة وأمه مارية القبطية التي أهداها للنبي صلى الله عليه وسلم المقوقس صاحب الإسكندرية ولما ولد بشر النبي صلى الله عليه وسلم به أبو رافع مولاه فوهب له عبداً ومات طفلاً قبل الفطام1.

وقد وردت أحاديث كثيرة فيها بيان فضله وسرور النبي صلى الله عليه وسلم به ومن تلك الأحاديث:

1-

ما رواه الإمام مسلم بإسناده إلى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم"2.

2-

وروى أيضاً بإسناده إلى أنس بن مالك قال: "ما رأيت أحداً كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان إبراهيم مسترضعاً له في عوالي3 المدينة فكان ينطلق ونحن معه فيدخل البيت وإنه ليدخن وكان ظئره4 قينا5 فيأخذه فيقبله ثم يرجع قال عمرو: فلما توفي إبراهيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن إبراهيم ابني وأنه مات في الثدي 6 وإن له..................................................

1ـ انظر الطبقات الكبرى لابن سعد 1/134-135، الاستيعاب على حاشية الإصابة 1/23-27، زاد لمعاد 1/103-104، أسد الغابة 1/38-40.

2ـ صحيح مسلم 4/1807.

3ـ عوالي المدينة: هي القرى التي عند المدينة "شرح النووي" 15/76.

4ـ ظئره: أي زوج مرضعته.

5ـ قينا: أي حداد والقين: هو الحداد والصائغ "النهاية لابن الأثير" 4/135.

6ـ معناه مات: وهو في سن رضاع الثدي، أو في حال تغذيه بلبن الثدي "شرح النووي" 15/76.

ص: 349

لظئرين 1 تكملان رضاعه 2 في الجنة" 3.

3-

وروى الإمام البخاري بإسناده إلى البراء بن عازب قال: لما مات إبراهيم عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن له مرضعاً في الجنة"4.

4-

وروى الإمام أحمد بإسناده إلى البراء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لإبراهيم مرضع في الجنة"5.

5-

وروى محمد بن سعد في الطبقات6 بإسناده إلى البراء بن عازب قال: لما مات إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما إن له مرضعاً في الجنة".

ومعنى هذه الأحاديث أن له مرضعاً في الجنة تكمل إرضاعه لأن لما مات كان ابن ستة عشر شهراً، أو ثمانية عشر شهراً على اختلاف الروايتين7.

فيرضع بقية السنتين فإنه تمام الرضاعة بنص القرآن "وهذا الإتمام لإرضاع إبراهيم رضي الله عنه يكون عقب موته فيدخل الجنة متصلاً بموته فيتم فيها رضاعه كرامة له ولأبيه صلى الله عليه وسلم "8.

6-

وروى البخاري بإسناده إلى إسماعيل بن أبي خالد قال: قلت لابن أبي أوفى رأيت إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: مات صغيراً، ولو قضى أن يكون

1ـ قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث: "فيه ذكر ابنه إبراهيم عليه السلام فقال: إن له طئراً في الجنة "الظئر: المرضع غير ولدها، ويقع على الذكر والأنثى"أهـ 3/154.

2ـ تكملان رضاعه "أي: تتمانه سنتين" شرح النووي على صحيح مسلم 15/76.

3ـ صحيح مسلم 4/1808.

4ـ صحيح البخاري 4/80.

5ـ المسند 4/284.

6ـ 1/139.

7ـ فتح الباري 10/579، وانظر شرح النووي على صحيح مسلم 15/76.

8ـ شرح النووي على صحيح مسلم 15/76.

ص: 350

بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبي عاش ابنه ولكن لا نبي بعده1.

قال الحافظ هكذا جزم به عبد الله بن أبي أوفى ومثل هذا لا يقال بالرأي وقد توارد عليه جماعة:

فأخرج ابن ماجه من حديث ابن عباس قال: لما مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن له مرضعاً في الجنة لو عاش لكان صديقاً نبياً ولأعتقت أخواله القبط"2.

وروى أحمد وابن منده من طريق السدي: "سألت أنساً كم بلغ إبراهيم؟ قال: كان قد ملأ المهد ولو بقي لكان نبياً، ولكن لم يكن ليبقى لأن نبيكم آخر الأنبياء".

ولفظ أحمد لو عاش إبراهيم ابن النبي لكان صديقاً نبياً3 فهذه عدة أحاديث صحيحة عن هؤلاء الصحابة أنهم أطلقوا ذلك فلا أدري ما الذي حمل النووي في ترجمة إبراهيم المذكور من كتاب تهذيب الأسماء واللغات على استنكار ذلك ومبالغته حيث قال: هو باطل وجسارة في الكلام على المغيبات ومجازفة وهجوم على عظيم من الزلل4، ويحتمل أن يكون استحضر ذلك عن الصحابة المذكورين فرواه عن غيرهم ممن تأخر عنهم فقال ذلك وقد استنكر قبله ابن عبد البر في الاستيعاب الحديث المذكور فقال: هذا لا أدري ما هو وقد ولد لنوح من ليس بنبي وكما يلد غير النبي نبياً فكذا يجوز عكسه5 حتى نسب

1ـ صحيح البخاري 4/80.

2ـ سنن ابن ماجه 1/484 وقد تكلم أهل العلم في سند هذا الحديث من جهة إبراهيم بن عثمان فقد قال البخاري: سكتوا عنه وقال يحيى بن معين: ليس بثقة وقال النسائي والدوالابي: متروك الحديث وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث سكتوا عنه وتركوا حديثه، وقال الجوزجاني: ساقط وقال صالح جزره: ضعيف لا يكتب حديثه. "التهذيت" 1/144.

3ـ المسند 3/281.

4ـ تهذيب الأسماء واللغات 1/103.

5ـ الاستيعاب على حاشية الإصابة 1/27.

ص: 351

قائله إلى المجازفة والخوض في الأمور المغيبة بغير علم إلى غير ذلك مع أن الذي نقل عن الصحابة المذكورين إنما أتوا فيه بقضية شرطية1.

ولما مات إبراهيم رضي الله عنه حزن عليه النبي صلى الله عليه وسلم حزناً عظيماً حتى ذرفت عيناه عليه الصلاة والسلام بالدمع عليه فقد روى الإمام مسلم بإسناده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم" ثم دفعه إلى أم سيف امرأة قين يقال له: أبو سيف فانطلق يأتيه واتبعته فانتهينا إلى أبي سيف وهو ينفخ بكيره قد امتلأ البيت دخاناً فأسرعت المشي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا أبا سيف أمسك جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمسك فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بالصبي فضمه إليه وقال ما شاء الله أن يقول: فقال أنس: لقد رأيته وهو يكيد بنفسه2 بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي ربنا والله يا إبراهيم إنا بك لمحزنون"3.

والذي أخلص إليه مما تقدم في الأحاديث أنها اشتملت على بيان فضل إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم وبيان مكانته عند المصطفى عليه الصلاة والسلام، كما دلت على أنه جليل القدر رفيع المنزلة.

1ـ فتح الباري 10/579.

2ـ أي: يجود بها. ومعناه: وهو في النزع.

3ـ صحيح مسلم 4/1807-18508.

ص: 352

2) الحسن بن علي رضي الله عنه:

هو أبو محمد الحسن بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمي، سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، ابن بنته فاطمة الزهراء وريحانته، وأشبه خلق الله به في وجهه ولد للنصف من رمضان سنة ثلاث من الهجرة فحنكه رسول الله صلى الله عليه وسلم بريقه وسماه حسناً، وهو أكبر ولد أبويه، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه حباً شديداً حتى كان يقبل زبيبته1 وهو وربما مص لسانه واعتنقه وداعبه، وربما جاء ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد في الصلاة فيركب على ظهره فيقره على ذلك ويطيل السجود من أجله وربما صعد إلى المنبر2 "وكانت فاته رضي الله عنه سنة خمسين من الهجرة بالمدنية النبوية"3.

وقد وردت أحاديث كثيرة في بيان مناقبه رضي الله عنه منها ما وردت فيه منقبة خاصة به، ومنها ما فيه منقبة مشتركة بينه وبين أخيه الحسين وكذلك الحسين رضي الله عنه وردت له مناقب انفرد بها ومناقب أخرى اشترك فيها مع أخيه الحسن وسأبدأ بذكر طائفة من المناقب التي انفرد بها: كل واحد منهما، ثم أعقب ذلك بذكر طائفة من المناقب التي اشتركا فيها معاً رضي الله عنهما، فمن المناقب التي انفرد بها الحسن رضي الله عنه:

1-

ما رواه البخاري بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال: عانق النبي صلى الله عليه وسلم الحسن4.

وروى البخاري بإسناده إلى أبي بكر رضي الله عنه قال سمعت النبي

1ـ زبيبته: الزبيبة زبدة ترى في شدق الإنسان إذا أكثر الكلام، وقيل: قرحة سوداء تظهر على الجبين، انظر لسان العرب 1/445.

2ـ البداية والنهاية 8/36، وانظر الاستيعاب على حاشية الإصابة 1/368-377، صفة الصفوة 1/758-76، حلية الأولياء 2/35، الإصابة 1/327-330، سير أعلام النبلاء 3/245.

3ـ صفة الصفوة 1/762، الإصابة 1/330، فتح الباري 7/95.

4ـ صحيح البخاري 2/305.

ص: 353

صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن إلى جنبة ينظر إلى الناس مرة وإليه مرة ويقول: "ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين"1.

هذا الحديث فيه منقبة للحسن رضي الله عنه فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيد. قال ابن الأثير: "قيل أراد به الحليم لأنه قال في تمامه: " وإن الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين" 2.

وجاء في تحفة الأحوذي: "فيه أن السيادة لا تختص بالأفضل بل هو الرئيس على القوم والجمع سادة وهو مشتق من السؤدد وقيل السواد لكونه يرأس على السواد العظيم من الناس: أي الأشخاص الكثيرة ولعل الله أن يصلح به بين فئتين تثنية فئة وهي الفرقة"3.

ووصفه عليه الصلاة والسلام للفئتين بالعظيمتين كما في رواية عند البخاري4 "لأن المسلمين كانوا يومئذ فرقتين فرقة مع الحسن رضي الله عنه وفرقة مع معاوية وهذه معجزة عظيمة من النبي صلى الله عليه وسلم حيث أخبر بهذا فوقع مثل ما أخبر، وأصل القضية أن علي بن أبي طالب لما ضربه عبد الرحمن بن ملجم المرادي يوم الجمعة وليلة السبت وتوفي ليلة الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من رمضان سنة أربعين من الهجرة وبويع لابنه الحسن بالخلافة في شهر رمضان من هذه السنة وأقام الحسن أياماً مفكراً في أمره ثم رأى اختلاف الناس فرقة من جهته وفرقة من جهة معاوية ولا يستقيم الأمر، ورأى النظر في إصلاح المسلمين وحقن دمائهم أولى من النظر في حقه سلم الخلافة لمعاوية في الخامس من ربيع الأول من سنة إحدى وأربعين، وقيل من ربيع الآخر وقيل في غرة جمادى الأولى وكانت خلافته ستة أشهر إلا أياماً وسمي هذا العام عام الجماعة وهذا الذي أخبر به النبي

1ـ صحيح البخاري 2/306.

2ـ النهاية في غريب الحديث 3/417.

3ـ تحفة الأحوذي 10/277.

4ـ صحيح البخاري 2/114.

ص: 354

صلى الله عليه وسلم "لعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين"1.

"فالحديث فيه علم من أعلام النبوة، ومنقبة للحسن بن علي فإنه ترك الملك لا لقلة ولا لذلة ولا لعلة بل لرغبته فيما عند الله لما رآه من حقن دماء المسلمين فراعى أمر الدين ومصلحة الأمة2.

3-

وروى الشيخان في صحيحهما عن البراء بن عازب قال: رأيت الحسن بن علي على عاتق النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "اللهم إني أحبه فأحبه"3.

4-

وروى البخاري بإسناده إلى أسامة بن زيد رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأخذه والحسن ويقول: "اللهم إني أحبهما فأحبهما"4.

5-

وروى الإمام مسلم بإسناده إلى أبي هريرة قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من النهار لا يكلمني ولا أكلمه حتى جاء سوق بني قينقاع ثم انصرف حتى أتى خباء فاطمة فقال: "أثم لكع أثم لكع" يعني "حسناً" فظننا أنه إنما تحبسه أمه لأن تغسله وتلبسه سخابا5 "فلم يلبث أن جاء يسعى حتى اعتنق كل واحد منهما صاحبه"6.

هذه الثلاثة الأحاديث فيها بيان لفضل الحسن بن علي كما تضمنت الحث على حبه رضي الله عنه وأرضاه.

6-

وروى البخاري بإسناده إلى أنس رضي الله عنه قال: لم

1ـ عمدة القاري 13/282، وانظر تاريخ الأمم والملوك للطبري 5/158، الكامل 3/404، سير أعلام النبلاء 3/144-145، معالم السنن 4/311.

2ـ فتح الباري 13/66.

3ـ صحيح البخاري 2/306، صحيح مسلم 4/1883.

4ـ صحيح البخاري 2/306.

5ـ سخاباً: جمعه سخب وهو قلادة من القرنفل والمسك والعود ونحوها من أخلاط الطيب يعمل على هيئة السبحة ويجعل قلادة للصبيان، النهاية في غريب الحديث 2/349.

6ـ صحيح مسلم 4/1882-1883.

ص: 355

يكن أحد أشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم من الحسن بن علي1.

7-

وروى أيضاً بإسناده إلى عقبة بن الحارث قال: رأيت أبا بكر رضي الله عنه وحمل الحسن وهو يقول: بأبي شبيه بالنبي ليس شبيها بعلي وعلي يضحك2.

فكونه رضي الله عنه شبه جده عليه الصلاة والسلام في الخلق منقبة عظيمة له وفضيلة ظاهرة.

8-

وروى أبو عبد الله الحاكم بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه أنه لقى الحسن بن علي فقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بطنك فاكشف الموضع الذي قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبله قال: وكشف فقبله"3.

فتقبيل المصطفى عليه الصلاة والسلام لأبي محمد الحسن بن علي رضي الله عنهما منقبة عظيمة، وفضيلة ظاهرة، ولذلك حرص أبو هريرة على أن يقبله في الموضع الذي قبله فيه النبي صلى الله عليه وسلم لإظهار هذه المنقبة العظيمة.

9-

وروى أيضاً بإسناده إلى أبي سعيد المقبري قال: كنا مع أبي هريرة فجاء الحسن بن علي بن أبي طالب علينا فسلم فرددنا عليه السلام ولم يعلم به أبو هريرة فقلنا له يا أبا هريرة هذا الحسن بن علي قد سلم علينا فلحقه وقال: وعليك السلام يا سيدي ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنه سيد"4.

فإخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأن الحسن سيد مفخرة عظيمة وميزة شريفة له رضي الله عنه وأرضاه.

10-

وروى أيضاً بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال لا أزال أحب هذا الرجل بعد ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ما يصنع رأيت الحسن في

1ـ صحيح البخاري 2/306.

2ـ المصدر السابق.

3ـ المستدرك 3/168، ثم قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأقره الذهبي.

4ـ المصدر السابق 3/169 ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

ص: 356

حجر النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدخل أصابعه في لحية النبي والنبي صلى الله عليه وسلم يدخل لسانه في فمه ثم قال: "اللهم إني أحبه فأحبه"1.

11-

وروى الإمام أحمد بإسناده إلى معاوية رضي الله عنه قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمص لسانه أو قال شفتيه ـ يعني الحسن بن علي ـ وإنه لن يعذب لسان أو شفتان يمصهما رسول الله صلى الله عليه وسلم"2.

فإدخاله عليه الصلاة والسلام لسانه في فم الحسن رضي الله عنه ومص لسانه وإخباره بأنه يحبه ودعا الله تعالى أن يحبه منقبة عظيمة تدل على علو شأنه وبيان مكانته عند النبي صلى الله عليه وسلم وقد كان الحسن رضي الله عنه مكرماً معززاً عند الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين الذين ولوا أمر الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الحافظ ابن كثير: "وقد كان الصديق يجله ويعظمه ويكرمه ويحبه ويتفداه، وكذلك عمر بن الخطاب، فروى الواقدي عن موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التميمي عن أبيه أن عمر لما عمل الديوان فرض للحسن والحسين مع أهل بدر في خمسة آلاف خمسة آلاف، وكذلك كان عثمان بن عفان يكرم الحسن والحسين ويحبهما وقد كان الحسن بن علي يوم الدار وعثمان بن عفان محصور عنده ومعه السيف متقلداً به يحاجف عن عثمان، فخشي عثمان عليه فأقسم عليه ليرجعن إلى منزلهم تطييباً لقلب علي، وخوفاً عليه رضي الله عنهم وكان علي يكرم الحسن إكراماً زائداً ويعظمه ويبجله وقد قال له يوماً: يا بني ألا تخطب حتى أسمعك؟ فقال: إني أستحي أن أخطب وأنا أراك فذهب علي فجلس حيث لا يراه الحسن، ثم قام الحسن في الناس خطيباً وعلي يسمع فأدى خطبة بليغة فصيحة فلما انصرف جعل علي يقول: {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ

1ـ المستدرك 3/169 ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

2ـ المسند مع الفتح الرباني 23/167 وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 9/177 وقال أحمد ورجاله رجال الصحيح.

ص: 357

سَمِيعٌ عَلِيمٌ} 1.

وقد كان ابن عباس يأخذ الركاب للحسن والحسين إذا ركبا، ويرى هذا من النعيم عليه، وكانا إذا طافا بالبيت يكاد الناس يحطمونهما مما يزدحمون عليهما للسلام عليهما رضي الله عنهما وأرضاهما.

وكان ابن الزبير يقول: "والله ما قامت النساء عن مثل الحسن بن علي.

وقال غيره: كان الحسن إذا صلى الغداة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس في مصلاه يذكر الله حتى يرتفع الشمس، ويجلس إليه من يجلس من سادات الناس يتحدثون عنده، ثم يقوم فيدخل على أمهات المؤمنين فيسلم عليهن وربما أتحفنه، ثم ينصرف إلى منزله"2 تلك طائفة من مناقب الحسن بن علي التي انفرد بها رضي الله عنه وكلها تدل على أنه جليل القدر رفيع المنزلة رضي الله عنه وأرضاه.

1ـ سورة آل عمران آية/ 34.

2ـ البداية والنهاية 8/40.

ص: 358

3) الحسين بن علي رضي الله عنه:

هو أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي السبط الشهيد بكربلاء، ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة الزهراء وريحانته من الدنيا، عاصر النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه إلى أن توفي وهو عنه راض، ولكنه كان صغيراً، ثم كان الصديق يكرمه ويعظمه، وكذلك عمر وعثمان وصحب أباه وروى عنه، وكان معظماً موقراً ولم يزل في طاعة أبيه حتى قتل، ولد بعد أخيه الحسن، وكان مولده سنة أربع للهجرة، ومات رضي الله عنه قتلاً في يوم عاشوراء من شهر الله المحرم سنة إحدى وستين هجرية1 بكربلاء من أرض العراق وذلك لما مات معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه واستخلف من بعده ابنه يزيد قام أهل الكوفة بمكاتبة الحسين بن علي رضي الله عنه وذكروا له أنهم في طاعته فخرج إليهم الحسين فسبقه عبيد الله بن زياد إلى الكوفة فخذل غالب الناس عنه فتأخروا رغبة ورهبة، وقتل ابن عمه مسلم بن عقيل، وكان الحسين قد قدمه قبله ليبايع له الناس فجهز إليه ابن زياد عسكراً فقاتلوه رضي الله عنه إلى أن قتل هو وجماعة من أهل بيته2.

وقد وردت أحاديث كثيرة في بيان مناقبه التي اختص بها وتفرد بها ومنها:

1-

ما رواه البخاري بإسناده إلى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أتي عبيد الله بن زياد برأس الحسين عليه السلام فجعل في طست فجعل ينكت وقال في حسنة شيئاً فقال أنس: كان أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم وكان مخضوباً بالوسمة3.

1ـ البداية والنهاية لابن كثير 8/162-163 وانظر الاستيعاب على حاشية الإصابة 1/377-383، سير أعلام النبلاء 3/280-321، الإصابة لابن حجر 1/331-334، أسد الغابة 2/18-22.

2ـ فتح الباري 7/95، تحفة الأحوذي 10/272.

3ـ صحيح البخاري 2/306.

ص: 359

2-

وفي رواية أخرى عن أنس قال لما أتى عبيد الله بن زياد برأس الحسين جعل ينكت بالقضيب ثناياه يقول: لقد كان أحسبه قال جميلاً فقلت: والله لأسوءنك إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلثم1 حيث يقع قضيبك قال فانقبض2.

3-

وروى الطبراني كما في البداية والنهاية لابن كثير عن زيد بن أرقم أنه قال لابن زياد وهو ينكت بقضيبه بين ثنيتي الحسين "ارفع هذا القضيب عن هاتين الثنيتين، فوالله الذي لا إله إلا هو لقد رأيت شفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم على هاتين الثنيتين يقبلهما"3.

هذه الثلاثة الأحاديث فيها بيان فضل الحسين رضي الله عنه فقد كان رضي الله عنه أشبه أهل البيت برسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تقدم في حق الحسن "أنه لم يكن أحد أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم من الحسن بن علي فيحصل التعارض ولكن الحافظ ابن حجر جمع بيهما فقال رحمه الله: "ويمكن الجمع بأن يكون أنس قال ما وقع في رواية الزهري في حياة الحسن لأنه يومئذ كان أشد شبهاً بالنبي صلى الله عليه وسلم من أخيه الحسين وأما ما وقع في رواية ابن سيرين فكان بعد ذلك كما هو ظاهر من سياقه أو المراد عن فضل الحسين عليه في الشبه من عدا الحسن ويحتمل أن يكون كل منهما كان أشد شبهاً في بعض أعضائه.

فقد روى الترمذي وابن حبان من طريق هانيء بن هانيء عن علي قال: الحسن أشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الرأس إلى الصدر والحسين أشبه النبي صلى الله عليه وسلم ما أسفل من ذلك4 ووقع في رواية عبد الأعلى عن معمر عند الإسماعيلي وفي رواية الزهري هذه وكان أشبههم وجهاً بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يؤيد حديث علي هذا والله

1ـ يلثم: أي يقبل.

2ـ مجمع الزوائد 9/195 ثم قال: رواه البزار والطبراني بأسانيد ورجاله وثقوا.

3ـ البداية والنهاية 8/206.

4ـ سنن الترمذي 5/325.

ص: 360

أعلم"1.

4-

وروى الحاكم بإسناده إلى يعلى العامري رضي الله عنه أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طعام دعوا له قال: فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام القوم وحسين مع الغلمان يلعب فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذه فطفق الصبي يفر هاهنا مرة وهاهنا مرة فجعل رسول الله يضاحكه حتى أخذه قال: فوضع إحدى يديه تحت قفاه والأخرى تحت ذقنه فوضع فاه على فيه يقبله فقال: "حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسيناً حسين سبط من الأسباط"2.

جاء في تحفة الأحوذي: قال القاضي: "كأنه صلى الله عليه وسلم علم بنور الوحي ما سيحدث بينه وبين القوم فخصه بالذكر وبين أنهما كالشيء الواحد في وجوب المحبة وحرمة التعرض والمحاربة، وأكد ذلك بقول: "أحب الله من أحب حسيناً" فإن محبته محبة الرسول ومحبة الرسول محبة الله3.

فالحديث اشتمل على منقبة عالية للحسين رضي الله عنه وأرضاه.

5-

وروى أيضاً بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال: ما رأيت الحسين بن علي إلا فاضت عيني دموعاً وذاك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوماً فوجدني في المسجد فأخذ بيدي واتكأ علي فانطلقت معه حتى جاء سوق بني قينقاع قال: وما كلمني فطاف ونظر ثم رجع ورجعت معه فجلس في المسجد واحتبى وقال لي: "ادع لي لكاع" فأتى حسين يشتد حتى وقع في حجرة ثم أدخل يده في لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتح فم الحسين فيدخل فاه في فيه ويقول:"اللهم إني أحبه فأحبه"4.

1ـ فتح الباري 7/97، وانظر البداية والنهاية 8/206.

2ـ المستدرك 3/177 ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

3ـ تحفة الأحوذي 10/279.

4ـ المستدرك 3/178 ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

ص: 361

6-

وروى أبو يعلى بإسناده إلى جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى الحسين بن علي فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله1.

تلك طائفة من الأحاديث التي تضمنت ذكر فضل الحسين بن علي رضي الله عنه منفرداً وقد وردت أحاديث كثيرة تضمنت ذكر مناقب مشتركة بين الحسن والحسين رضي الله عنهما ومنها:

1-

ما رواه البخاري بإسناده إلى ابن عمر وقد سأله رجل من أهل العراق عن المحرم يقتل الذباب فقال رضي الله عنه: أهل العراق يسألون عن الذباب وقد قتلوا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هما ريحانتاي من الدنيا"2.

ففي هذا الحديث منقبة ظاهرة للحسن والحسين رضي الله عنهما حيث شبههما عليه الصلاة والسلام بالريحان الذي له رائحة زكية، وشبههما النبي صلى الله عليه وسلم بالريحان لأن الولد يشم ويقبل وقد جاء من حديث أنس عند الترمذي أنه عليه الصلاة والسلام كان يقول لفاطمة أمهما رضي الله عنها:"ادعي لي ابني فيشمهما ويضمهما إليه"3.

قال الكرماني: شارحاً لقوله عليه الصلاة والسلام: "هما ريحانتاي من الدنيا" الريحان الرزق أو المشموم وتعقبه العيني بقوله: "لا وجه هنا أن يكون بمعنى الرزق على ما لا يخفى"4 والأمر كما قرره العيني.

1ـ أورده الهيثمي في المجمع 9/187 وقال: رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح غير الربيع بن سعد، وقيل ابن سعيد وهو ثقة.

2ـ صحيح البخاري 2/306.

3ـ سنن الترمذي 5/327 وقال عقبه: "هذا حديث حسن صحيح".

4ـ عمدة القاري 16/243.

ص: 362

2-

وروى أبو عبد الله الحاكم بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه الحسن والحسين هذا على عاتقه وهذا على عاتقه وهو يلثم1 هذا مرة وهذا مرة حتى انتهى إلينا فقال له رجل: يا رسول الله إنك تحبهما. فقال: "نعم من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني"2.

3-

وروى أيضاً بإسناده إلى علي بن أبي طالب قال: لما ولدت فاطمة الحسن جاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أروني ابني ما سميتموه" قال: قلت: سميته حرباً قال: "بل هو حسن" فلما ولدت الحسين جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أروني ابني ما سميتموه" قال: قلت: سميته حرباً فقال: "بل هو حسين"، ثم لما ولدت الثالث جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أروني ابني ما سميتموه" قلت: سمتيه حرباً قال: "بل هو محسن"3.

فتسميته المصطفى عليه الصلاة والسلام لهما بالحسنين منقبة وفضيلة لهما رضي الله عنهما.

4-

وروى أبو عيسى الترمذي بإسناده إلى البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصر حسناً وحسيناً فقال: "اللهم إني أحبهما فأحبهما"4.

هذا الحديث والحديثان المتقدمان عليه فيها بيان واضح من النبي صلى الله عليه وسلم لفضل الحسن والحسين رضي الله عنهما كما تضمنت حث الأمة جميعاً على حبهما وبين عليه الصلاة والسلام أن حبهما حب له عليه الصلاة والسلام وبغضهما بغض له صلى الله عليه وسلم ومن حل في قلبه بغض الرسول كان من الخاسرين.

5-

وروى أبو عبد الله الحاكم بإسناده إلى ابن عمر رضي الله عنهما قال:

1ـ يلثم: أي يقبل فاه.

2ـ المستدرك 3/166 ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

3ـ المستدرك 3/165 ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

4ـ سنن الترمذي 5/327 وقال عقبه: "هذا حديث حسن صحيح".

ص: 363

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما"1.

هذا الحديث اشتمل على منقبتين عظيمتين للحسنين رضي الله عنهما: الأولى: شهادة النبي صلى الله عليه وسلم لهما بالجنة. الثانية: إخباره عليه الصلاة والسلام بأنهما سيدا شباب أهل الجنة وهذا يعني: "أنهما أفضل من مات شاباً في سبيل الله من أصحاب الجنة ولم يرد به سن الشباب لأنهما ماتا وقد كهلا بل ما يفعله الشباب من المروءة كما يقال: فلان فتى وإن كان شيخاً يشير إلى قوته وفتوته أو أنهما سيدا أهل الجنة سوى الأنبياء والخلفاء الراشدين وذلك لأن أهل الجنة كلهم في سن واحد وهو الشباب وليس فيهم شيخ ولا كهل. قال الطيبي: "ويمكن أن يراد هما الآن سيدا شباب من هم من أهل الجنة من شبان هذا الزمان"2.

6-

روى الإمام مسلم بإسناده إلى إياس عن أبيه قال: لقد قدت بنبي الله صلى الله عليه وسلم والحسن والحسين بغلته الشهباء حتى أدخلتهم حجرة النبي صلى الله عليه وسلم هذا قدامه وهذا خلفه"3.

هذا الحديث فيه فضيلة ظاهرة للحسن والحسين رضي الله عنهما وهذه الفضيلة هي إركابه عليه الصلاة والسلام إياهما حيث جعل أحدهما أمامه والآخر خلفه على بغلته الشهباء.

7-

وروى أيضاً بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها قالت: خرج النبي صلى الله عليه وسلم غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله ثم جاء الحسين فدخل معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال:

1ـ المستدرك 3/167 ثم قال: هذا حديث صحيح بهذه الزيادة ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

2ـ انظر تحفة الأحوذي 10/273، عارضة الأحوذي لابن العربي 13/192.

3ـ صحيح مسلم 4/1883.

ص: 364

{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} 1.

وهذا الحديث اشتمل على ذكر فضيلة لعلي بن أبي طالب وابنيه الحسن والحسين وأمهما فاطمة رضي الله عنهم أجمعين وتلك المنقبة هي إدخاله إياهم عليه الصلاة والسلام في الكساء الذي كان يرتديه، ثم أخبر أنهم من أهل البيت الذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم منه تطهيراً.

قال النووي رحمه الله تعالى: قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} قيل: هو الشك. وقيل: العذاب. وقيل: الإثم قال الأزهري: الرجس اسم لكل مستقذر من عمل2.

8-

وروى أبو عبد الله الحاكم بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء فكان يصلي فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره وإذا رفع رأسه أخذهما فوضعهما وضعاً رفيقاً فإذا عاد عادا فلما صلى جعل واحداً هاهنا وواحداً هاهنا فجئته فقلت: يا رسول الله ألا أذهب بهما إلى أمهما قال: "لا" فبرقت برقة فقال: "إلحقا بأمكما" فما زالا يمشيان في ضوئها حتى دخلا3.

وهذا الحديث فيه إظهار فضل الحسن والحسين وبيان منزلتهما وعظم شأنهما.

9-

وروى أيضاً بإسناده إلى عبد الله بن شداد بن الهاد عن أبيه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشي الظهر أو العصر وهو حامل أحد ابنيه الحسن أو الحسين فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه عند قدمه اليمنى فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم سجدة أطالها قال أبي فرفعت رأسي من بين الناس فإذا رسول الله

1ـ صحيح مسلم 4/1883.

2ـ شرح النووي على صحيح مسلم 15/195.

3ـ المستدرك 3/167 ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

ص: 365

صلى الله عليه وسلم ساجد وإذا الغلام راكب على ظهره فعدت فسجدت فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الناس: يا رسول الله لقد سجدت في صلاتك هذه سجدة ما كنت تسجدها أفشيء أمرت به أو كان يوحى إليك؟ قال: "كل ذلك لم يكن ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته"1.

10-

وروى الترمذي بإسناده إلى أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: طرقت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في بعض الحاجة فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو مشتمل على شيء لا أدري ما هو فلما فرغت من حاجتي قلت: ما هذا الذي أنت مشتمل عليه فكشفه فإذا حسن وحسين على وركيه فقال: "هذان ابناي وابنا ابنتي اللهم إني أحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما"2.

ومن مناقبهما التي أكرمهما الله بها أنهما ماتا شهيدين وهذا من إكرام الله ـ تعالى ـ لهما تكميلاً لكرامتهما ورفعا لدرجاتهما.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "ومن ذلك أن اليوم الذي هو يوم عاشوراء الذي أكرم الله فيه سبط نبيه وأحد سيدي شباب أهل الجنة بالشهادة على أيدي من قتله من الفجرة والأشقياء وكان ذلك مصيبة عظيمة من أعظم المصائب الواقعة في الإسلام

ولا ريب أن ذلك إنما فعله الله كرامة للحسين رضي الله عنه، رفعاً لدرجته ومنزلته عند الله وتبليغاً له منازل الشهداء وإلحاقاً له بأهل بيته الذين ابتلوا بأصناف البلاء، ولم يكن الحسن والحسين حصل لهما من الابتلاء ما حصل لجدهما ولأمهما وعمهما لأنهما ولدا في عز الإسلام وتربيا في حجور المؤمنين فأتم الله نعمته عليهما بالشهادة أحدهما مسموماً3

1ـ المستدرك 3/165-166 ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأقره الذهبي.

2ـ سنن الترمذي في شرحه تحفة الأحوذي 10/273-274 وقال: هذا حديث حسن غريب.

3ـ انظر الكامل لابن الأثير 3/460، البداية والنهاية 8/46، فتح الباري 7/95.

ص: 366

والآخر مقتولاً1 لأن الله عنده من المنازل العالية في دار كرامته ما لا ينالهما إلا أهل البلاء"أ. هـ2.

فأهل السنة يعتقدون أن الحسين رضي الله عنه قتل مظلوماً وقتله كذلك فيه تكريم له ورفع لدرجته عند الله عز وجل كما يعتقدون أن قتله من أعظم المصائب التي وقعت في الإسلام وهم يلتزمون عند المصائب ما شرعه الله لهم من الاسترجاع وإن تقادم عهد المصيبة أما أعداء الصحابة والزاعمون أنهم شيعة أهل البيت فإنهم يعملون بخلاف ما أمرهم الله به فلا يسترجعون عند المصيبة وإنما يعملون المآتم في المصائب ويتخذون أوقاتها مآتم باستمرار وهذا ليس من دين الإسلام وهو: "أمر لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من السابقين الأولين ولا من التابعين لهم بإحسان ولا من عادة أهل البيت ولا غيرهم وقد شهد مقتل علي أهل بيته، وشهد مقتل الحسين من شهده من أهل بيته وقد مرت على ذلك سنون، وهم متمسكون بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحدثون مأتماً ولا نياحة، بل يصبرون ويسترجعون كما أمر الله ورسوله أو يفعلون ما لا بأس به من الحزن والبكاء عند قرب المصيبة"3.

وهذا ما عليه الفرقة الناجية التي تعمل بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي قلوبهم ممتلئة بحب أصحاب نبيه وأهل بيته رضوان الله عليهم أجمعين وكل ما تقدم ذكره من مناقب للحسن والحسين على سبيل الانفراد أو على سبيل الاشتراك بينهما كلها دلت على أنهما جليلا القدر عظيما المكانة فعلى المسلم أن يعتقد اعتقاداً جازماً أنهما من أهل الفضل ومن صفوة الأمة المحمدية رضي الله عنهما وأرضاهما.

1ـ انظر تاريخ الأمم والملوك للطبري 5/400-467، الكامل لابن الأثير 4/46-93، البداية والنهاية 8/186-220.

2ـ حقوق آل البيت ص/44-45، مجموع الفتاوى 4/511.

3ـ حقوق آل البيت ص/46.

ص: 367

4) حمزة بن عبد المطلب:

هو حمزة بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب الإمام البطل الضرغام أبو عمارة وأبو يعلى القرشي الهاشمي المكي ثم المدني البدري الشهيد عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة أرضعتهما ثويبة مولاة أبي لهب وهو أسد الله وأسد رسوله، ولد قبل النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين، وقيل بأربع كان من فرسان قريش وسادتها وصناديدها المعدودين أسلم في السنة الثانية من البعثة وهاجر إلى المدينة وشهد بدراً وأبلى فيها بلاء حسناً واستشهد في معركة أحد في النصف من شوال من السنة الثالثة للهجرة وسماه المصطفى عليه الصلاة والسلام سيد الشهداء وحزن عليه حزناً شديداً فرضي الله عنه وأرضاه"1.

وقد وردت أحاديث كثيرة فيها ذكر مناقبه التي دلت على عظيم شأنه، وجليل قدره، وعلى أنه ذو مكانة عالية في الدنيا والآخرة ومن تلك الأحاديث:

1-

ما رواه محمد بن سعد في كتابه الطبقات2 بإسناده إلى يزيد بن رومان قال: أول لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة لحمزة بن عبد المطلب بعثة سرية في ثلاثين راكباً حتى بلغوا قريباً من سيف البحر يعترض لعير قريش وهي منحدرة إلى مكة قد جاءت من الشام وفيها أبو جهل بن هشام في ثلاثمائة راكب فانصرف ولم يكن بينهم قتال.

ففي هذا منقبة عظيمة تشرف بها حمزة رضي الله عنه وهي أن أول لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة كان لعمه حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه

1ـ الطبقات الكبرى لابن سعد 3/8-19، الجرح والتعديل 3/212، صفة الصفوة 1/370-377، الاستيعاب على حاشية الإصابة 1/270-276، أسد الغابة 2/46-50، تهذيب الأسماء واللغات 1/168-169، سير أعلام النبلاء 1/171-184، الإصابة 1/353.

2ـ 3/9، المستدرك 3/187.

ص: 368

وقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام يجله ويكرمه ويقدره ويظهر له أنه ذو مكانة عنده.

2-

فقد روى الحاكم بإسناده إلى علي بن الحسين عن أبيه عن جده قال: جاء علي وحمزة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد اغتسلا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كيف صنعتما؟ " قال أحدهما: يا رسول الله سترته بالثوب وقال الآخر: فجعلت مثل ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو فعلتما غير ذلك لسترتكما"1.

ففي هذا الحديث فضيلة ظاهرة لحمزة وعلي رضي الله عنهما وأرضاهما.

3-

وروى الإمام مسلم بإسناده إلى قيس بن عباد قال: سمعت أبا ذر يقسم قسماً أن {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} 2. إنها نزلت في الذين برزوا يوم بدر: حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث وعتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة"3.

4-

وروى الحاكم بإسناده إلى علي رضي الله عنه قال: نزلت {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} في الذين برزوا يوم بدر حمزة بن عبد المطلب وعلي وعبيدة بن الحارث وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة قال علي: وأنا أول من يجثو للخصومة على ركبتيه بين يدي الله يوم القيامة"4.

فهذان الحديثان تضمنا ذكر فضيلة ظاهرة لحمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه إذ المراد بالذين اختصموا في الله ـ سبحانه ـ هم حزب الله، وحزب الشيطان، فحزب الله كان في مقدمتهم حمزة بن عبد المطلب، وأما حزب الشيطان فهم عتبة بن ربيعة وأخوه شيبة، وابنه الوليد فنصر الله حزبه، وخذل حزب الشيطان، فحمزة رضي الله عنه كان في مقدمة الذين برزوا يوم بدر

1ـ المستدرك 3/193، ثم قال عقبه: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

2ـ سورة الحج آية/ 19.

3ـ صحيح مسلم 4/2323.

4ـ المستدرك 3/386-387 ثم قال: لقد صح الحديث بهذه الروايات عن علي كما صح عن أبي ذر الغفاري وإن لم يخرجاه ووافقه الذهبي.

ص: 369

لضرب المشركين بغية إعلاء كلمة الله ونصر الدين الحنيف.

5-

وروى الحاكم أيضاً بإسناده إلى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "فقد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد حمزة حين فاء الناس من القتال قال: فقال رجل: رأيته عند تلك الشجرة وهو يقول: أنا أسد الله وأسد رسوله اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء لأبي سفيان وأصحابه وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء من انهزامهم فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه فلما رأى جبهته بكى ولما رأى ما مثل به شهق ثم قال: "ألا كفن" فقال رجل من الأنصار فرمى بثوب قال جابر: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيد الشهداء عند الله يوم القيامة حمزة"1.

6-

وروى أيضاً: بإسناده إلى سعد بن أبي وقاص قال: كان حمزة بن عبد المطلب يقاتل يوم أحد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: أنا أسد الله2.

وهذان الحديثان فيهما بيان منقبتين عظيمتين لحمزة رضي الله عنه وتلك المنقبتان هما: الأولى: قوة عزيمته وشجاعته الصارمة في مواطن القتال ضد أولياء الشيطان من المشركين والكافرين حتى أنه أطلق عليه أنه أسد الله وأسد رسوله.

الثانية: التي تفرد بها وامتاز بها عن غيره إخبار المصطفى عليه الصلاة والسلام بأنه سيد الشهداء عند الله تعالى يوم القيامة.

7-

ومن مناقبه الشريفة رضي الله عنه أنه جاهد في سبيل الله حق الجهاد حتى أنه في يوم أحد مثل به المشركون مثلة لم تكن لأحد سواه وذلك من شدة غيظ المشركين وحقدهم عليه إذ أنه واجههم في يوم بدر ويوم أحد مواجهة الشجاع المقدام فكانوا لا يطيقون الوقوف أمامه في ساعة القتال فإنه ما وقف

1ـ المستدرك 3/199 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

2ـ المستدرك 3/194 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

ص: 370

أمامه فارس إلا كان كأمس الذاهب ولما استشهد في أحد على يد وحشي لم يكن عن مواجهة وإنما كمن له تحت الصخرة فرماه بحربته1 ولما سقط على الأرض شهيداً فعل به المشركون ما فعلوا من التجديع والتمثيل، فقد روى الحاكم بإسناده إلى أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ بحمزة يوم أحد وقد جدع ومثل به وقال:"لولا أن صفية تجد لتركته حتى يحشره الله من بطون الطير والسباع" فكفنه في نمرة2.

فهذا التجديع والمثلة التي حصلت لحمزة رضي الله عنه كانت في ذات الله عز وجل ولذلك أكرمه الله بأن كان سيد الشهداء.

8-

وروى الحاكم بإسناده أيضاً: إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزلت هذه الآية في حمزة وأصحابه {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} 3 وهذا الحديث فيه بيان ما أكرم الله به حمزة وإخوانه الذين استشهدوا معه في موقعة أحد حيث جعلهم الله أحياء يرزقون عنده في الجنة ففي هذا منقبة عظيمة لشهداء أحد الذين في مقدمتهم سيد الشهداء حمزة رضي الله عن الجميع وأرضاهم وجعل الجنة مثواهم.

تلك طائفة من الأحاديث التي جاء التنويه فيها بفضل حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم، فلقد دلت على أنه عظيم القدر عالي المكانة في الدنيا والآخرة رضي الله عنه وأرضاه

1ـ انظر صحيح البخاري مع شرح فتح الباري 7/367.

2ـ المستدرك 3/196 ثم قال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وأقره الذهبي.

3ـ المصدر السابق 2/387 ثم قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأقره الذهبي، وانظر المصنف لابن أبي شيبة 12/107، فضائل الصحابة للنسائي ص/92، الدر المنثور للسيوطي 2/371.

ص: 371

5) العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه:

هو أبو الفضل بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمه نتيلة بنت جناب بن كلب ـ ولد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين، وهو من سادة قريش في الجاهلية والإسلام، وجد الخلفاء العباسيين، وكانت إليه في الجاهلية السقاية وعمارة المسجد الحرام، حضر مع النبي صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة مع الأنصار قبل أن يسلم وشهد بدرا مع الكفار مكرهاً فأسر، ثم افتدى نفسه وافتدى ابن أخيه عقيل بن أبي طالب ورجع إلى مكة، وأسلم وكتم إسلامه وكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأخبار قريش، وهاجر إلى المدينة قبل الفتح بقليل وشهد فتح مكة، وثبت يوم حنين، وكان عظيم المكانة عند النبي صلى الله عليه وسلم يعترف له بسداد الرأي، وكان الفاروق رضي الله عنه يستسقي به إذا قحطوا، توفي بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين للهجرة ودفن بالبقيع رضي الله عنه وأرضاه1.

وقد وردت في بيان مناقبه أحاديث كثيرة كلها دلت على أنه عظيم المقام جليل القدر ومن تلك الأحاديث:

1-

ما رواه أبو القاسم الطبراني بإسناده إلى أبي رافع رضي الله عنه أنه بشر النبي صلى الله عليه وسلم بإسلام العباس فأعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم2.

فلقد فرح النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامه وأعتق أبا رافع لما بشره بإسلامه ففيه منقبة ظاهرة للعباس.

وروى الترمذي وغيره عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن العباس

1ـ طبقات ابن سعد 4/5-33، الجرح والتعديل 6/210، المستدرك 3/321، الاستيعاب على حاشية الإصابة 3/94-101، صفة الصفوة 1/506-510، مجمع الزوائد 9/268، تهذيب التهذيب 5/214-215، الإصابة 2/263، أسد الغابة 3/109-112.

2ـ أورده الهيثمي في المجمع 9/268، وقال: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن.

ص: 372

مني وأنا منه" 1.

جاء في تحفة الأحوذي: قوله: "العباس مني وأنا منه" قال: في المرقاة: "أي من أقاربي، أو من أهل بيتي أو متصل بي"أ. هـ2.

3-

ومن مناقبه رضي الله عنه أنه كان سباقاً لأداء ما أوجب الله عليه من الفرائض فقد طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يرخص له بأداء زكاته قبل أن يحل وقتها.

فقد روى الحاكم بإسناده إلى علي رضي الله عنه أن العباس بن عبد المطلب سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تعجيل صدقته قبل أن تحل فرخص له في ذلك "3.

4-

وروى الإمام مسلم بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر على الصدقة فقيل: منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيراً فأغناه الله وأما خالد فإنكم تظلمون خالداً وقد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله وأما العباس فهي علي ومثلها معها" ثم قال: " يا عمر أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه"4.

5-

وروى الإمام أحمد وغيره إلى ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب "أن العباس بن عبد المطلب دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضباً وأنا عنده فقال: "ما أغضبك؟ " قال: يا رسول الله مالنا ولقريش اذا تلاقوا بينهم تلاقوا بوجوه مبشرة؟ وإذا لقونا بغير ذلك قال: فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمر وجهه ثم قال: والذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله"

1ـ سنن الترمذي 5/317 وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، المستدرك 3/325 وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وأخرجه ابن سعد في الطبقات 4/24.

2ـ تحفة الأحوذي 10/265.

3ـ المستدرك 3/332 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

4ـ صحيح مسلم 4/676-677.

ص: 373

ثم قال: "يا أيها الناس من آذى عمي فقد آذاني فإنما عم الرجل صنو أبيه"1.

هذه الأحاديث الثلاثة بين النبي صلى الله عليه وسلم للأمة فيها فضل العباس بن عبد المطلب ومكانته منه عليه الصلاة والسلام.

قال ابن الأثير رحمه الله تعالى: "الصنو: المثل، وأصله أن تطلع نخلتان من عرق واحد يريد أن أصل العباس وأصل أبي واحد وهو مثل أبي أو مثلي وجمعه صنوان"2.

وعلى هذا فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم: " وأن عم الرجل صنو أبيه" أي: مثله يعني أصلهما واحد فتعظيمه كتعظيمه وإيذاءه كإيذائه".

6-

ومن مناقبه العظيمة التي اختص بها وشرف بها رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجله إجلال الولد والده ويبالغ في إكرامه. فقد روى الحاكم بإسناده إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجل العباس إجلال الولد والده خاصة خص الله العباس بها من بين الناس"3.

7-

وروى الحاكم أيضاً بإسناده إلى جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كان العباس بالمدينة فطلبت الأنصار ثوباً يلبسونه فلم يجدوا قميصاً يصلح عليه إلا قميص عبد الله بن أبيّ فكسوه إياه قال جابر: وكان العباس أسير رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر وإنما أخرج كرهاً فحمل إلى المدينة فكساه عبد الله بن أبي قميصه فلذلك كفنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قميصه مكافأة لما فعل بالعباس4.

1ـ المسند 4/165 والترمذي في سننه 5/317-318 وقال: هذا حديث حسن صحيح، والحاكم في المستدرك 3/333.

2ـ النهاية في غريب الحديث 3/57.

3ـ المستدرك 3/324-325 ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

4ـ المستدرك 3/330-331 ثم قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأقره الذهبي.

ص: 374

وهذا الحديث فيه بيان فضيلة ظاهرة للعباس رضي الله عنه بإكرام النبي صلى الله عليه وسلم له حيث أعطى ثوبه عليه الصلاة والسلام كفناً لعبد الله بن أبي مكافأة له على إعطائه قميصاً للعباس حين كان أسير رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر.

8-

وروى أيضاً: بإسناده إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن العلاء بن الحضرمي بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من البحرين بثمانين ألفاً فما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم مال أكثر منه لا قبلها ولا بعدها فأمر بها ونثرت على حصير ونودي بالصلاة فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يميل على المال قائماً فجاء الناس وجعل يعطيهم وما كان يومئذ عدد ولا وزن وما كان إلا قبضاً فجاء العباس فقال: يا رسول الله إني أعطيت فدائي وفداء عقيل يوم بدر ولم يكن لعقيل مال أعطني من هذا المال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خذ" فحثى في خميصة كانت عليه ثم يذهب ينصرف فلم يستطع رفع رأسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ارفع علي فابتسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: أما أحد ما وعد الله فقد أنجز لي ولا أدري الأخرى" {قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} هذا خير مما أخذ مني ولا أدري ما يصنع بالمغفرة 1.

في هذا الحديث فضيلة ظاهرة للعباس رضي الله عنه وهي أنه عليه الصلاة والسلام كان يحبه حباً شديداً فقد أعطى المصطفى عليه الصلاة والسلام الصحابة من مال البحرين بيده ولما جاء العباس أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذ لنفسه بيده.

9-

ومن مناقبه العظيمة التي رفعت من شأنه وعلت من مكانته ثبوته الصادق حين حمى الوطيس وفر الناس يوم حنين. فقد روى مسلم في صحيحه بإسناده إلى العباس رضي الله عنه قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فلزمت أنا وأبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نفارقه

1ـ المستدرك 3/329-330 ثم قال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وأقره الذهبي.

ص: 375

ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له بيضاء أهداها له فروة الجذامي فلما التقى المسلمون والكفار ولى المسلمون مدبرين فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قبل الكفار قال عباس: وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكفها إرادة ألا تسرع وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أي عباس ناد أصحاب السمرة" فقال عباس: "وكان رجلاً صيتاً" فقلت بأعلى صوتي أين أصحاب السمرة قال: فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها فقالوا: يا لبيك يا لبيك قال: فاقتتلوا والكفار والدعوة في الأنصار يقولون: يا معشر الأنصار قال: ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج فقالوا: يا بني الحارث بن الخزرج يا بني الحارث بن الخزرج فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا حين حمي الوطيس" قال: ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيات فرمى بهن في وجوه الكفار ثم قال: "انهزموا ورب محمد" قال: فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى قال: فوالله ما هو إلا أن رماهم بحصياته فما زلت أرى حدهم كليلاً وأمرهم مدبراً"1.

هذا الحديث اشتمل على بيان منقبة عظيمة لأبي الفضل رضي الله عنه حيث أنه وقف موقف الشجاع المقدام لحرب المشركين من أجل إعلاء كلمة الحق ونصرة دين الإسلام فلقد ثبت في وقعة حنين من أول المعركة إلى آخرها مع المصطفى صلى الله عليه وسلم ولذلك فصل المعركة وما دار فيها تفصيلاً كاملاً رضي الله عنه وأرضاه.

10-

لقد بين الفاروق رضي الله عنه للأمة عامة فضل العباس بن عبد المطلب ومكانته من سيد الخلق ووضح ذلك وضوحاً كاملاً. فقد روى البخاري إلى أنس بن مالك رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك

1ـ صحيح مسلم مع شرح النووي 12/113-117.

ص: 376

بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا قال: فيسقون"1.

ففي هذا الأثر عن الفاروق رضي الله عنه بيان لفضل العباس بن عبد المطلب، كما تضمن أيضاً فضل عمر لتواضعه للعباس ومعرفته بحقه.

والمراد بتوسل عمر رضي الله عنه بالعباس بدعائه لا بذاته إذ التوسل بدعاء أهل الصلاح والفضل نوع من أنواع التوسل المشروع.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: "وقد بين الزبير بن بكار في الأنساب صفة ما دعا به العباس في هذه الواقعة والوقت الذي وقع فيه ذلك فأخرج بإسناد له أن العباس لما استسقى به عمر قال: اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فأسقنا الغيث فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض وعاش الناس"2.

تلك طائفة من الأحاديث التي تضمنت مناقب عالية للعباس رضي الله عنه وكلها دلت على أنه عظيم المقام جليل القدر رفيع المنزلة رضي الله عنه وأرضاه.

1ـ صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 2/494.

2ـ فتح الباري 2/497.

ص: 377

6) عبد الله بن عباس رضي الله عنه:

هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي أبو العباس الهاشمي ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم حبر هذه الأمة، ومفسر كتاب الله وترجمانه، كان يقال له: الحبر والبحر، وروى عن الرسول صلى الله عليه وسلم شيئاً كثيراً، وعن جماعة من الصحابة وأخذ عنه خلق من الصحابة وأمم من التابعين، وله مفردات ليست لغيره من الصحابة لاتساع علمه وكثرة فهمه وكمال عقله وسعة فضله ونبل أصله رضي الله عنه وأرضاه، وأمه أم الفضل لبابة بنت الحارث الهلالية أخت ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين وهو ولد الخلفاء العباسيين هاجر مع أبيه قبل الفتح فاتفق لقياهما النبي صلى الله عليه وسلم بالجحفة وهو ذاهب لفتح مكة فشهد الفتح وحنيناً والطائف عام ثمان، وقيل كان في سنة تسع وصحب النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ ولزمه وأخذ عنه وحفظ وضبط الأقوال والأفعال والأحوال وأخذ عن الصحابة علماً عظيماً ومع الفهم الثاقب والبلاغة والفصاحة، والجمال والملاحة والأصالة والبيان وكانت وفاته رضي الله عنه سنة ثمان وستين بالطائف رضي الله عنه وأرضاه وجعل الجنة مثواه1.

وقد وردت في بيان فضله أحاديث كثيرة صحيحة عن رسول الرحمن صلى الله عليه وسلم ومن تلك الأحاديث:

1-

ما رواه البخاري بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الخلاء فوضعت له وضوآ قال: "من صنع هذا؟ " فأخبر فقال: "اللهم فقه في الدين"2.

1ـ البداية والنهاية 8/317-318، وانظر أنساب الأشراف 3/27، كتاب المعرفة والتاريخ 1/241، الجرح والتعديل 5/116، الاستيعاب على حاشية الإصابة 2/342، أسد الغابة 3/192، حلية الأولياء 1/314-328، صفة الصفوة 1/746-758، تهذيب التهذيب 5/276، الإصابة 2/322-326.

2ـ صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 1/244.

ص: 378

هذه الدعوة النبوية فيها منقبة ظاهرة لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما وهي دعاؤه عليه الصلاة والسلام له بالفقه في الدين. قال ابن المنير: "مناسبة الدعاء لابن عباس للتفقه على وضعه الماء من جهة أنه تردد بين ثلاث أمور:

إما أن يدخل إليه بالماء إلى الخلاء، أو يضعه على الباب ليتناوله من قرب، أو لا يفعل شيئاً. فرأى الثاني أوفق لأن في الأول تعرضاً للاطلاع والثالث يستدعي مشقة في طلب الماء والثاني أسهلها ففعله يدل على ذكائه فناسب أن يدعي له بالتفقه في الدين ليحصل به النفع وكذا كان1.

2-

وروى أيضاً بإسناده إلى ابن عباس قال: ضمني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "اللهم علمه الكتاب"2.

وفي هذا الحديث فضيلة ظاهرة لابن عباس رضي الله عنه وهي ضم النبي صلى الله عليه وسلم إياه ودعوته له أن يعلمه الله الكتاب. "والمراد بالكتاب القرآن لأن العرف الشرعي عليه والمراد بالتعليم ما هو أعم من حفظه والتفهم فيه"3.

3-

وروى مسلم بإسناده إلى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى الخلاء فوضعت له وضوء فلما خرج قال: من وضع هذا" في رواية زهير: قالوا وفي رواية أبي بكر قلت: ابن عباس قال: "اللهم فقه" 4.

قال النووي: "قوله صلى الله عليه وسلم "اللهم فقه" فيه فضيلة الفقه واستحباب الدعاء بظهر الغيب واستحباب الدعاء لمن عمل عملاً خيراً مع الإنسان وفيه إجابة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له فكان من الفقه بالمحل الأعلى"أ. هـ5.

1ـ فتح الباري 1/244-245.

2ـ صحيح البخاري 1/25، ورواه أحمد في المسند انظر "الفتح الرباني" 22/292.

3ـ فتح الباري 1/170.

4ـ صحيح مسلم 4/1927.

5ـ شرح النووي على صحيح مسلم 16/37.

ص: 379

4-

وروى الإمام أحمد بإسناده إلى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في بيت ميمونة فوضعت له وضوآ من الليل قال: فقالت ميمونة: يا رسول الله وضع لك هذا عبد الله بن عباس فقال: " اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل"1.

5-

وروى أيضاً بإسناده إلى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على كتفي أو على منكبي شك سعيد ثم قال: "اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل"2.

6-

وروى محمد بن سعد بإسناده إلى ابن عباس قال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح على ناصيتي وقال: "اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب"3.

7-

وفي مسند الإمام أحمد عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم أعط ابن عباس الحكمة وعلمه التأويل"4.

8-

وبلفظ آخر عن عكرمة عن ابن عباس قال: مسح النبي صلى الله عليه وسلم رأسي ودعا لي بالحكمة"5.

9-

وروى الإمام الترمذي بإسناده إلى ابن عباس قال: "دعا لي

1ـ المسند مع الفتح الرباني 22/292.

2ـ المصدر السابق فقد أورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" 9/276 وقال: رواه أحمد والطبراني بأسانيد ولأحمد طريقان رجالهما رجال الصحيح" أهـ ورواه الحاكم في المستدرك 3/534 وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

3ـ الطبقات 2/365.

4ـ المسند مع الفتح الرباني 22/292.

5ـ المصدر السابق وانظر البداية والنهاية لابن كثير 8/320 فقد قال رحمه الله "تفرد به أحمد وقد روى هذا الحديث غير واحد عن عكرمة بنحو هذا ومنهم من أرسله عن عكرمة والمتصل هو الصحيح فقد رواه واحد من التابعين عن ابن عباس"أهـ.

ص: 380

رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤتيني الله الحكم مرتين" ثم قال هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث عطاء وقد رواه عكرمة عن ابن عباس1.

ومعنى قوله: "أن يؤتيني الله الحكم مرتين" أي: العلم والفقه والقضاء بالعدل والظاهر أن المراد به هنا الفهم في القرآن2.

10-

وروى الإمام البخاري بإسناده إلى ابن عباس قال: ضمني النبي صلى الله عليه وسلم إلى صدره وقال: "اللهم علمه الحكمة"3.

هذه الأحاديث المتقدمة فيها بيان فضل عبد الله بن عباس رضي الله عنه وقد استجاب الله هذا الدعاء النبوي في ابن عباس فلقد كان إماماً في العلم وعلماً من أعلام الأمة المحمدية الذين نشر الله بهم أحكام دين الإسلام من أوامر ونواهي وحلال وحرام.

قال الحافظ رحمه الله تعالى: "وهذه الدعوة مما تحقق إجابة النبي صلى الله عليه وسلم فيها لما علم من حال ابن عباس في معرفة التفسير والفقه في الدين رضي الله تعالى عنه، وقد اختلف الشراح في المراد بالحكمة هنا فقيل: القرآن وقيل: العمل به، وقيل: السنة، وقيل: الإصابة في القول، وقيل: الخشية وقيل: الفهم عن الله، وقيل: العقل، وقيل: ما يشهد العقل بصحته، وقيل: نور يفرق به بين الإلهام والوسواس، وقيل: سرعة الجواب مع الإصابة وبعض هذه الأقوال ذكرها بعض أهل التفسير في تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} 4 والأقرب أن المراد بها في حديث ابن عباس الفهم في القرآن"أهـ5.

1ـ سنن الترمذي 5/344.

2ـ تحفة الأحوذي 10/337.

3ـ صحيح البخاري 2/306، سنن الترمذي 5/344.

4ـ سورة لقمان آية/12.

5ـ فتح الباري 1/170، 7/100.

ص: 381

11-

وروى الإمام أحمد بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر الليل فصليت خلفه فأخذ بيدي فجرني فجعلني حذاءه1 فلما أقبل على صلاته خنست2 فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما انصرف قال لي: "ما شأني أجعلك حذائي فتخنس" فقلت: يا رسول الله أوينبغي لأحد أن يصلي حذاءك وأنت رسول الله الذي أعطاك الله قال: "فأعجبته فدعا الله لي أن يزيدني علماً وفهماً قال: ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نام حتى سمعته ينفخ ثم أتاه بلال فقال: يا رسول الله الصلاة فقام فصلى ما أعاد وضوآ3.

هذا الحديث فيه فضيلة ظاهرة لعبد الله بن عباس رضي الله عنه فقد حظي بهذه الدعوة المباركة وهي الزيادة في العلم والفهم وقد كان كذلك رضي الله عنه وأرضاه.

12-

وروى الإمام مسلم بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت ألعب مع الصبيان فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فتواريت خلف باب قال: فجاء فحطأني حطأة4 وقال: " اذهب وادع لي معاوية" الحديث5.

وفي هذا الحديث منقبة لابن عباس رضي الله عنه حيث جاءه النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوار خلف باب فضرب بيده الشريفة وهي مبسوطة بين كتفيه وأمره أن ينادي له معاوية رضي الله عنه.

13-

وروى الإمام أحمد بإسناده إلى ابن عباس قال: كنت مع أبي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده رجل يناجيه فكان كالمعرض عن أبي فخرجنا من عنده فقال لي أبي: أي بني ألم تر إلى ابن عمك كالمعرض عني فقلت: يا أبتي إنه كان عنده رجل يناجيه قال فرجعنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبي: يا رسول الله قلت لعبد الله

1ـ أي: بجواره.

2ـ أي: تأخرت.

3ـ المسند مع الفتح الرباني 22/293 وأورد الهيثمي في "مجمع الزوائد" 9/284 ثم قال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ورواه الحاكم في المستدرك 3/534 ثم قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأقره الذهبي.

4ـ فحطأني حطأة: أي: ضربه بيده مبسوطه بين كتفيه.

5ـ صحيح مسلم 4/2010.

ص: 382

كذا وكذا فأخبرني أنه كان عندك رجل يناجيك فهل كان عندك أحد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وهل رأيته يا عبد الله" قال: قلت: نعم قال: "فإن ذاك جبريل وهو الذي شغلني عنك"1.

14-

وروى أبو القاسم الطبراني كما في مجمع الزوائد2 عن ابن عباس قال: بعث العباس بعبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة فوجد معه رجل فرجع ولم يكلمه فقال: "رأيته؟ " قال: نعم قال: "ذاك جبريل أما إنه لن يموت حتى يذهب بصره ويؤتى علماً". هذان الحديثان تضمنا منقبة ومفخرة عظيمة لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما حيث أكرمه الله تعالى برؤية جبريل الأمين كما تضمن حديث الطبراني علماً من أعلام النبوة حيث حصل لابن عباس ما أخبر به عليه الصلاة والسلام من ذهاب بصره وإيتائه علماً واسعاً وكذلك كان رضي الله عنه وأرضاه.

ولقد بين فضله ومكانته العلمية فاروق هذه الأمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد كان يدخله في مجلس كبار الصحابة من مشيخة بدر رضي الله عنهم وقد كان لهم أبناء في سنة رضي الله عنه ولم يحظ بهذا التكريم سواه.

15-

فقد روى الإمام البخاري بإسناده إلى ابن عباس قال: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر فكأن بعضهم وجد في نفسه فقال: لم تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله فقال عمر: إنه من حيث علمتم فدعا ذات يوم فأدخله معهم فما رؤيت إنه دعاني يومئذ إلا ليريهم قال: ما تقولون في قول الله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} فقال بعضهم: أمرنا نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئاً فقال لي: أكذاك تقول يا ابن عباس فقلت: لا قال: فما تقول؟: قلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه له قال: إذا جاء نصر الله والفتح

1ـ المسند مع الفتح الرباني 22/294 وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 9/276 ثم قال: رواه أحمد والطبراني بأسانيد ورجالها رجال الصحيح.

2ـ مجمع الزوائد 9/277 وقال الهيثمي: رواه الطبراني بأسانيد ورجاله ثقات.

ص: 383

وذلك علامة أجلك. فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً فقال عمر: ما أعلم منها إلا ما تقول1.

16-

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: "وأخرج البغوي في معجم الصحابة من طريق زيد بن أسلم عن ابن عمر قال: كان عمر يدعو ابن عباس ويقربه ويقول: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاك يوماً فمسح رأسك وقال: "اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل"2.

وتقريب عمر رضي الله عنه لابن عباس وإدخاله مع أشياخ بدر من أجل أن يقرر عندهم جلالة قدره، وكبير منزلته في العلم والفهم.

17-

وذكر الحافظ ابن كثير أن عمر رضي الله عنه كان يقول: نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس. وكان يقول إذا أقبل: جاء فتى الكهول، وذو اللسان السؤول، والقلب العقول3.

18-

وروى ابن سعد بإسناده إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال: ما رأيت أحداً أحضر فهماً ولا ألب لباً ولا أكثر علماً ولا أوسع حلماً من ابن عباس ولقد رأيت عمر يدعوه للمعضلات ثم يقول: عندك قد جاءتك معضلة ثم لا يجاوز قوله وإن حوله لأهل بدر من المهاجرين والأنصار4.

19-

وقال طلحة بن عبيد الله: لقد أعطي ابن عباس فهماً ولقناً وعلماً ما كنت أرى عمر بن الخطاب يقدم عليه أحد.5.

20-

وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنه حين بلغه موت ابن عباس: "مات أعلم الناس وأحلم الناس ولقد أصيبت به هذه الأمة مصيبة لا ترتق.

1ـ صحيح البخاري 3/222.

2ـ فتح الباري 1/170.

3ـ البداية والنهاية 8/321.

4ـ الطبقات 2/369.

5ـ المصدر السابق 2/370.

ص: 384

وقال رافع بن خديج: مات اليوم من كان يحتاج إليه من بين المشرق والمغرب1.

22-

وقال معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه لعكرمة: مولاك والله أفقه من مات وعاش2.

23-

وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنه: "ابن عباس أعلم الناس بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم"3

24-

وقال مجاهد: كان ابن عباس يسمى البحر لكثرة علمه. وقال محمد بن علي يوم مات ابن عباس: اليوم مات رباني هذه الأمة4.

25-

وقال طاووس: كان ابن عباس قد بسق على الناس في العلم كما تبسق النخل السحوق5 على الودي الصغار6. ذلك هو عبد الله بن عباس وتلك طائفة من مناقبه التي دلت على علو شأنه وسمو منزلته وكلها دلت على أنه كان جليل القدر وأنه كان ذا مكانة عظيمة عند الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولقد اعترف بفضله ونبله كبار الصحابة رضي الله عنهم، والتابعون لهم بإحسان. فرضي الله عنه وأرضاه.

1ـ المصدر السابق 2/372.

2ـ الطبقات الكبرى 2/369-370.

3ـ البداية والنهاية 8/323.

4ـ المستدرك 3/535، الطبقات 2/366.

5ـ السحوق: هي النخلة الطويلة التي بعد ثمرها على المجتني "النهاية في غريب الحديث" 2/347.

6ـ طبقات ابن سعد 2/370.

ص: 385

7) الفضل بن عباس بن عبد المطلب رضي الله عنه:

هو الفضل بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أكبر إخوانه وبه كان يكنى أبوه وأمه واسمها لبابة بنت الحارث الهلالية، غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم مكة وحنيناً وثبت معه يوم إذ وشهد معه حجة الوداع، وكان يكنى أبا العباس وأبا عبد الله، وقيل كان يكنى أبا محمد، مات في خلافة الصديق رضي الله عنه وأرضاه1 وقد وردت له بعض المناقب رضي الله عنه، فمن مناقبه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم زوجه وأمهر عنه:

1-

فقد روى مسلم في حديث طويل بإسناده إلى الزهري أن عبد الله بن عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب حدثه وفيه أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث والفضل بن عباس انطلقا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريدان منه أن يوليهما على بعض الصدقة قال أحدهما: "فلما صلى رسول الله الظهر سبقناه إلى الحجرة فقمنا عندها حتى جاء فأخذ بآذاننا ثم قال: "أخرجا ما تصرران" ثم دخل ودخلنا عليه وهو يومئذ عند زينب بنت جحش قال: "فتواكلنا الكلام، ثم تكلم أحدنا فقال: يا رسول الله أنت أبر الناس وأوصل الناس وقد بلغنا الحلم فجئنا لتأمرنا على بعض هذه الصدقات فنؤدي إليك كما يؤدي الناس ونصيب كما يصيبون قال: فسكت طويلاً حتى أردنا أن نكلمه قال: وجعلت زينب تلمع2 علينا من وراء الحجاب أن لا تكلما قال: ثم قال: "إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس" 3 ادعوا لي محمية وكان على الخمس ونوفل بن الحارث بن

1ـ طبقات ابن سعد 4/45، التاريخ الكبير 7/114، التاريخ الصغير 1/36، الجرح والتعديل 7/63، المستدرك 3/274، الاستعياب على حاشية الإصابة 3/202-204، أسد الغابة 3/183، الإصابة 3/208، تهذيب التهذيب 8/280.

2ـ تلمع: أي: تشير بيدها "النهاية" 4/271.

3ـ أوساخ الناس: أي: أنها تطهير لأموالهم ونفوسهم كما قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ =

ص: 386

عبد المطلب قال: فجاءه فقال لمحمية: "أنكح هذا الغلام ابنتك" للفضل بن عباس فأنكحه وقال لنوفل بن الحارث: "أنكح هذا الغلام ابنتك""لي" فأنكحني: وقال لمحمية: أصدق عنهما من الخمس كذا وكذا "قال الزهري: ولم يسمه لي"1.

هذا الحديث فيه بيان منقبة عظيمة ظاهرة للفضل بن عباس ولعبد المطلب بن ربيعة حيث زوجهما النبي صلى الله عليه وسلم وأصدق عنهما، كما دل الحديث على تحريم الصدقة على جميع بني هاشم وليس الحال كما ورد عن زيد بن أرقم أن الذين تحرم عليهم الصدقة هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس فهذا عبد المطلب بن ربيعة بين النبي صلى الله عليه وسلم أنه ممن تحرم عليه الصدقة وليس هو من المذكورين الذين ذكرهم زيد بن أرقم رضي الله عنه والذي يظهر من هذا أن زيداً لم يرد حصر بني هاشم فيمن ذكرهم.

2-

ومن مناقب الفضل رضي الله عنه أنه كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم من المزدلفة إلى منى2.

3-

ومن مناقبه رضي الله عنه ما أخرجه البغوي من طريق يزيد بن عبد الله بن قسيط عن عطاء عن ابن عباس عن أخيه الفضل قال: جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "خذ بيدي" وقد عصب رأسه فأخذت بيده فأقبل حتى جلس على المنبر فقال: "ناد في الناس" فصحت فيهم فاجتمعوا له

فذكر الحديث3.

ذلك هو الفضل بن عباس وتلك بعض مناقبه التي دلت على أنه من فضلاء الصحابة رضي الله عنه وأرضاه.

= وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} فهي كغسالة الأوساخ.

1ـ صحيح مسلم 2/752-753.

2ـ صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 3/404، صحيح مسلم 2/931، المستدرك 3/275.

3ـ أورده الحافظ ابن حجر في الإصابة 3/203.

ص: 387

8) جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه:

هو جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أكبر من أخيه علي بعشر سنين، وكان رضي الله عنه من متقدمي الإسلام والسابقين إليه، وهاجر رضي الله عنه إلى الحبشة وكانت له هناك مواقف مشهورة، ومقامات محمودة، وأجوبة سديدة، وأحوال رشيدة، وقدم المدينة يوم فتح خيبر، وفرح به النبي صلى الله عليه وسلم فرحاً شديداً فقام إليه واعتنقه وقبله بين عينيه1، ولما بعثه إلى مؤتة جعله نائباً لزيد بن حارثة، ولما استشهد في غزوة مؤتة وجدوا فيه بضعاً وتسعين ما بين ضربة بسيف وطعنة برمح ورمية بسهم وهو في ذلك كله مقبل غير مدبر، وكانت قد قطعت يده اليمنى ثم اليسرى وهو ممسك للّواء فلما فقدهما احتضنه حتى قتل وهو كذلك، فيقال إن رجلاً من الروم ضربه بسيف فقطعه باثنتين رضي الله عن جعفر ولعن قاتله، وقد أخبر عليه الصلاة والسلام بأنه شهيد، فهو ممن يقطع له بالجنة، وجاء في الأحاديث تسميته بذي الجناحين وكان يقال له بعد قتله ـ الطيار ـ، وكان كريماً جواداً ممدحاً، وكان لكرمه يقال له: أبا المساكين لإحسانه إليهم وكان استشهاده رضي الله عنه في السنة الثامنة من الهجرة2 رضي الله عنه وأرضاه.

وقد وردت مناقبه رضي الله عنه في كثير من الأحاديث الصحيحة ومن تلك الأحاديث:

1-

ما رواه الإمام أحمد وغيره بإسناده إلى عبيد الله بن أسلم مولى النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول لجعفر بن أبي طالب رضي الله عنه: "أشبهت

1ـ انظر مجمع الزوائد 9/271-272.

2ـ البداية والنهاية 4/285 وانظر الجرح والتعديل 2/482، وحلية الأولياء 1/114-118، الاستيعاب على حاشية الإصابة 1/211-214، وأسد الغابة 1/386، تهذيب الأسماء واللغات 1/148-149، سير أعلام النبلاء 1/206-217، الإصابة 1/239-240.

ص: 388

خلقي وخلقي" 1.

هذا الحديث فيه منقبة عظيمة لجعفر بن أبي طالب من حيث أنه أشبه النبي صلى الله عليه وسلم خلقاً وخُلقاً وأكرم بها من منقبة فقد قال ـ جل وعلا ـ مادحاً نبيه عليه الصلاة والسلام {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} 2.

2-

روى الإمام مسلم بإسناده إلى أبي موسى قال: بلغنا مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن فخرجنا مهاجرين إليه أنا وإخوان لي أنا أصغرهما أحدهما أبو بردة والآخر أبو رهم ـ إما قال بضعاً وإما قال ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلا من قومي ـ قال: فركبنا سفينة فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة فوافقنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده فقال جعفر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا هاهنا وأمرنا بالإقامة فأقيموا معنا فأقمنا معه حتى قدمنا جميعاً قال: فوافقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر فأسهم لنا، أو قال أعطانا منها وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئاً إلا لمن شهد معه إلا لأصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه قسم لهم معهم قال: فكان ناس من الناس يقولون لنا: ـ يعني لأهل السفينة ـ نحن سبقناكم بالهجرة.

قال: فدخلت أسماء بنت عميس وهي ممن قدم معنا على حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم زائرة وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر إليه فدخل عمر على حفصة وأسماء عندها فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟ قالت أسماء بنت عميس: قال عمر الحبشية هذه؟ البحرية هذه؟ فقالت أسماء: نعم فقال عمر: سبقناكم بالهجرة فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم فغضبت وقالت: كذبت3 يا عمر كلا والله كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم، ويعظ

1ـ المسند مع الفتح الرباني 22/214، صحيح البخاري مع فتح الباري 7/499 من رواية البراء رضي الله عنه.

2ـ سورة القلم آية /4.

3ـ كذبت: هنا بمعنى أخطأت وليس المراد بها شتم الفاروق وسبه فالصحابة رضي الله عنهم كانوا أطهر الناس ألسنة من بذيء الكلام قال الحافظ رحمه الله تعالى: وأهل الحجاز يقولون "كذبت" في

ص: 389

ما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن كنا نؤذى ونخاف وسأذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأسأله ووالله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد على ذلك قال: فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا نبي الله إن عمر قال كذا وكذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس بأحق بي منكم وله ولأصحابه هجرة واحدة ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان

" الحديث2.

هذا الحديث فيه بيان فضيلة عظيمة للذين هاجروا الهجرة الأولى إلى الحبشة فقد أكرمهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقسم من غنائم خيبر ولم يقسم لأحد غاب عن هذا الفتح سواهم، وأخبر أنهم أحق الصحابة به عليه الصلاة والسلام وأن لهم أجر الهجرتين وفي مقدمتهم جميعاً جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وعنهم أجمعين.

3-

وروى الإمام أحمد بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال: ما احتذى النعال ولا انتعل ولا ركب المطايا ولا لبس الكور3 من رجل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من جعفر بن أبي طالب4.

قال الحافظ ابن كثير بعد إيراد هذا الحديث بسنده: "وهذا إسناد جيد إلى أبي هريرة وكأنه إنما يفضله في الكرم، فأما في الفضيلة الدينية فمعلوم أن الصديق والفاروق ـ بل وعثمان بن عفان ـ أفضل منه، وأما أخوه علي رضي الله

موضع أخطأت" أهـ.فتح الباري 7/64.

1ـ البعداء البغضاء قال العلماء: البعداء في النسب البغضاء في الدين لأنهم كفار إلا النجاشي وكان يستخفي بإسلامه عن قومه ويوري لهم"أهـ شرح النووي على صحيح مسلم 16/65.

2ـ صحيح مسلم 4/1946-1947.

3ـ الكور: رحل الناقة بأداته وهو كالسرج وآلته للفرس "النهاية في غريب الحديث" 4/208.

4ـ المسند 2/213-214 وفيه "يعني الجود والكرم" سنن الترمذي 5/320 وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب ورواه النسائي في فضائل الصحابة ص/86، والحاكم في المستدرك 3/209 وقال: صحيح على شرط البخاري وأقره الذهبي.

ص: 390

عنهما فالظاهر أنهما متكافئان أو علي أفضل منه"1.

ولا شك أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أفضل الخلق على الإطلاق بعد الخلفاء الثلاثة ولا يساويه أحد في فضله بعدهم رضي الله عنهم أجمعين.

4-

ومن مناقب جعفر رضي الله عنه التي اشتهر بها أنه كان كثير العطف والحنو على المساكين وكان يحبهم ويسكن إليهم حتى إنه كان يكنى بأبي المساكين.

فقد روى الإمام البخاري بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه أن الناس كانوا يقولون: أكثر أبو هريرة وإني كنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشبع بطني حتى لا آكل الخمير ولا ألبس الحبير2 ولا يخدمني فلان ولا فلانة وكنت ألصق بطني بالحصاء من الجوع وإن كنت لأستقرئ الرجل الآية هي معي كي ينقلب بي فيطعمني، وكان أخير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب كان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته حتى إن كان ليخرج إلينا العكة3 التي ليس فيها شيء فيشقها فنلعق ما فيها"4.

ففي هذا بيان فضيلة لجعفر رضي الله عنه وشهادة من أبي هريرة رضي الله عنه بأنه كان أشفق الناس على المساكين.

قال الحافظ ابن حجر: "وهذا التقييد يحمل عليه المطلق الذي جاء عن عكرمة عن أبي هريرة قال: "ما احتذى النعال وما ركب المطايا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من جعفر بن أبي طالب"5.

5-

ومن مناقبه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم جعله نائباً لزيد بن حارثة في غزوة مؤتة وأبلى فيها بلاء حسناً. فقد روى الإمام البخاري بإسناده إلى ابن

1ـ البداية والنهاية 4/286.

2ـ الحبير: قال في النهاية: "الحبير من البرود وما كان موشياً مخططاً" 1/328 وانظر فتح الباري 7/76.

3ـ العكة: ظرف السمن. وقوله: ليس فيها شيء "مع قوله": فنعلق ما فيها "لا تنافي بينهما لأنه أراد بالنفي أي: لا شيء فيها يمكن إخراجه منها بغير قطعها، وبلإثبات ما يبقى في جوانبها" فتح الباري 7/76.

4ـ صحيح البخاري مع الفتح 7/75.

5ـ فتح الباري 7/76.

ص: 391

عمر رضي الله عنهما قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ـ مؤتة ـ زيد بن حارثة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن قتل زيد فجعفر، وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة" قال عبد الله: كنت فيهم في تلك الغزوة فالتمسنا جعفر بن أبي طالب فوجدناه في القتلى ووجدنا ما في جسده بضعاً وتسعين من طعنة ورمية.

وروى أيضاً بإسناده إلى نافع أن ابن عمر أخبره أنه وقف على جعفر يومئذ وهو قتيل فعددت به خمسين بين طعنة وضربة ليس منها شيء في دبره يعني في ظهره1.

هذان الحديثان ظاهرهما التعارض "ويجمع بأن العدد قد لا يكون له مفهوم أو بأن الزيادة باعتبار ما وجد فيه من رمي السهام، أو الخمسين مقيدة بكونها ليس فيها شيء في دبره أي: في ظهره، فقد يكون الباقي في بقية جسده ولا يستلزم ذلك أنه ولى دبره، وهو محمول على أن الرمي إنما جاء من جهة قفاه أو جانبيه

ووقع في رواية البيهقي في "الدلائل" بضعاً وتسعين أو بضعاً وسبعين، وأشار إلى أن بضعاً وتسعين أثبت في قوله "ليس فيها شيء في دبره" بيان فرط شجاعة جعفر وإقدامه"أ. هـ2.

7-

ومن مناقبه إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أنه مات شهيداً في سبيل الله تعالى وشهد له بذلك.

فقد روى الإمام أحمد بإسناده إلى أبي قتادة فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيش الأمراء وقال: "عليكم زيد بن حارثة فإن أصيب زيد فجعفر فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة الأنصاري" فوثب جعفر فقال: بأبي أنت يا نبي الله وأمي ما كنت أرهب أن تستعمل علي زيداً قال: "امضوا فإنك لا تدري أي ذلك خير" قال: فانطلق الجيش فلبسوا ما شاء الله ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد المنبر وأمر أن ينادى الصلاة جامعة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثاب خبر أو

1ـ الحديثان في صحيح البخاري 3/58.

2ـ فتح الباري 7/512، وانظر البداية والنهاية لابن كثير 4/274.

ص: 392

ثاب خبر ـ شك عبد الرحمن ـ ألا أخبركم عن جيشكم هذا الغازي إنهم انطلقوا فلقوا العدو فأصيب زيد شهيداً استغفروا له فاستغفر له الناس، ثم أخذ اللواء جعفر بن أبي طالب فشد على القوم حتى استشهد أشهد له بالشهادة فاستغفروا له، ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة فأثبت قدميه حتى قتل شهيداً فاستغفروا له، ثم أخذ اللواء خالد بن الوليد، ولم يكن من الأمراء هو أمر نفسه" فرفع رسول الله أصبعيه وقال:"اللهم هو سيف من سيوفك فانصره" وقال عبد الرحمن مرة: فانتصر به فيؤمئذ سمي خالد سيف الله، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم:"انفروا فأمدوا إخوانكم ولا يتخلفن أحد فنفر الناس في حر شديد مشاة وركباناً"1.

قال الحافظ ابن كثير: "وقد أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه شهيد فهو ممن يقطع له بالجنة "أ. هـ2.

8-

ومن مناقبه رضي الله عنه إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم عنه بأن له جناحين يطير بهما مع الملائكة.

روى البخاري بإسناده إلى ابن عمر رضي الله عنه أنه كان إذا حيا ابن جعفر قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين3.

وفي هذا بيان فضيلة لجعفر رضي الله عنه من حيث إطلاق ذي الجناحين عليه وهي منقبة عظيمة له رضي الله عنه. وتحية ابن عمر لابن جعفر بقوله: "السلام عليك يا ابن ذي الجناجين" كأنه يشير إلى حديث عبد الله بن جعفر وأبي هريرة رضي الله عنهما.

فقد روى الطبراني بإسناده إلى عبد الله بن جعفر قال: قال لي رسول الله

1ـ المسند 5/299 وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 6/156 وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير خالد بن سمير وهو ثقة.

2ـ البداية والنهاية 4/285.

3ـ صحيح البخاري 3/58.

ص: 393

صلى الله عليه وسلم: "هنيئاً لك يا عبد الله بن جعفر أبوك يطير مع الملائكة في السماء 1.

وروى الحاكم بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مرَّ بي جعفر الليلة في ملأ من الملائكة وهو مخضب الجناحين بالدم أبيض الفؤاد"2.

9-

ومن مناقبه رضي الله عنه أنه كان ذا مكانة عظيمة عند النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك لما بلغه نبأ استشهاده حزن حزناً عظيماً عليه عرف ذلك في وجهه عليه الصلاة والسلام.

فقد روى أبو عبد الله الحاكم بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها قالت: لما أتى نعي جعفر عرفنا في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم الحزن3.

وجاء في صحيح البخاري أنه حزن على الأمراء الثلاثة الذين أمّرهم في غزوة مؤتة حزناً عظيماً حتى ظهر أثر الحزن عليه عليه الصلاة والسلام.

فقد روى الإمام البخاري بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها قالت: "لما جاء قتل ابن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف فيه الحزن" الحديث4.

10-

ومن مناقبه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتنى بأولاده عناية عظيمة بعد أن استشهد في غزوة مؤتة فقد قام بزيارتهم وتفقد أحوالهم ودعا لهم فقد روى الإمام أحمد بإسناده إلى عبد الله بن جعفر

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهل آل جعفر ثلاثاً أن يأتيهم ثم أتاهم فقال: "لا تبكوا على أخي بعد اليوم ادعوا لي ابن أخي" قال: فجيء بنا كأنا أفرخ فقال: "ادعوا إلى الحلاق" فجيء بالحلاق فحلق رؤوسنا ثم قال: "أما محمد فشبيه عمنا أبي طالب. وأما عبد الله فشبيه

1ـ مجمع الزوائد 9/273 وقال: رواه الطبراني وإسناده حسن وأورده الحافظ في فتح الباري 7/76 وقال: رواه الطبراني بإسناد حسن.

2ـ المستدرك 3/212 وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وأقره الذهبي.

3ـ المستدرك 3/209 وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وأقره الذهبي.

4ـ صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 7/512.

ص: 394

خلقي وخُلقي" ثم أخذ بيدي فأشلهما فقال: "اللهم اخلف جعفراً في أهله وبارك لعبد الله في صفقة يمينه" قالها ثلاث مرار قال: فجاءت أمنا فذكرت له يتمنا وجعلت تفرح له1 فقال: "العيلة تخافين وأنا وليهم في الدنيا والآخرة"2.

وروى الإمام مسلم بإسناده إلى عبد الله بن جعفر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر تلقي بصبيان أهل بيته قال: وإنه قدم من سفر فسبق بي إليه فحملني بين يديه، ثم جيء بأحد ابني فاطمة فأردفه خلفه قال: فأدخلنا المدينة ثلاثة على دابة3.

وروى الإمام أحمد بإسناده إلى عبد الله بن جعفر قال: لو رأيتني وقثم وعبيد الله ابنا عباس ونحن صبيان نلعب إذ مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم على دابة فقال: " ارفعوا هذا إليّ" قال: فحملني أمامه وقال لقثم: "ارفعوا هذا إلي" فجعله وراءه وكان عبيد الله أحب إلى عباس من قثم فما استحى من عمه أن حمل قثماً وتركه قال: ثم مسح على رأسي ثلاثاً وقال كلما مسح: "اللهم أخلف جعفراً في ولده" قال: قلت لعبد الله! ما فعل قثم قال: استشهد قال: قلت: الله ورسوله أعلم بالخير4.

ذلك هو جعفر بن أبي طالب وتلك طائفة من مناقبه التي دلت على عظيم مكانته وعلو شأنه وأنه أوتي خيراً كثيراً وفضلاً عظيماً رضي الله عنه وأرضاه.

1ـ تفرح له أي: ذكرت له صلى الله عليه وسلم يتم أولادها وثقل مؤونتهم وما ستلقاه من العناء في تربيتهم "انظر النهاية" 3/424.

2ـ المسند مع الفتح الرباني 22/213-214 وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 6/156-157 ثم قال: رواه أحمد والطبراني ورجالهما رجال الصحيح.

3ـ صحيح مسلم 4/1885.

4ـ المسند مع الفتح الرباني 22/215 قال الحافظ ابن حجر في الإصابة: 2/280: أخرجه أحمد وغيرها.

ص: 395

9) عبد الله بن جعفر رضي الله عنه:

هو عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بن عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم أبو جعفر القرشي الهاشمي1 وأمه أسماء بنت عميس الخثعمية أخت ميمونة بنت الحارث لأمها ولد بأرض الحبشة لما هاجر أبواه إليها وهو أول من ولد بها من المسلمين وحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه رضي الله عنه وأرضاه. وقد وردت له بعض المناقب دلت على عظيم شأنه وعلو مكانته.

1-

فمن مناقبه رضي الله عنه أنه كان ممن شمهلم شرف الهجرة من الحبشة إلى المدينة وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن للناس هجرة واحدة ولهم هجرتان فقد روى أبو عبد الله الحاكم بإسناده إلى أسماء بنت عميس رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "للناس هجرة ولكم هجرتان"2.

2-

ومن مناقبه رضي الله عنه أنه كان من الذين شبهوا النبي صلى الله عليه وسلم خَلقاً وخُلقاً ودعا له ولإخوانه عامة ودعا له خاصة أن يبارك له في تجارته.

فقد روى الإمام أحمد بإسناده إلى عبد الله بن جعفر

أن النبي صلى الله عليه وسلم أمهل آل جعفر ثلاثاً أن يأتيهم ثم أتاهم فقال: "لا تبكوا على أخي بعد اليوم ادعوا لي ابني أخي" قال: فجيء بنا كأنا أفرخ فقال: "ادعوا إلي الحلاق" فجيء بالحلاق فحلق رؤوسنا ثم قال: "أما محمد فشبيه عمنا أبي طالب وأما عبد الله فشبيه خلقي وخلقي" ثم أخذ بيدي فأشلهما فقال: "اللهم اخلف جعفراً في أهله وبارك لعبد الله في صفقة يمينه" قالها ثلاث مرار

الحديث3.

وروى أبو يعلى والطبراني كما في "مجمع الزوائد"4 عن عمرو بن حريث

1ـ انظر ترجمته في الاستيعاب على حاشية الإصابة 2/266-267، أسد الغابة 3/132-135، سير أعلام النبلاء 3/456-462، البداية والنهاية 9/36، الإصابة 2/280-281.

2ـ المستدرك 3/566 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

3ـ المسند 1/204، ورواه النسائي مختصراً 8/182.

4ـ المجمع 9/286 ثم قال: رواه أبو يعلى والطبراني ورجالها ثقات

ص: 396

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ بعبد الله بن جعفر وهو يبيع بيع الغلمان أو الصبيان قال: "اللهم بارك له في بيعه أو قال في صفقته".

2-

ومن مناقبه رضي الله عنه إرداف المصطفى عليه الصلاة والسلام له على دابته بين يديه وخلفه. فقد روى الإمام مسلم بإسناده إلى عبد الله بن جعفر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر تلقي بصبيان أهل بيته قال: وإنه قدم من سفر فسبق بي إليه فحملني بين يديه ثم جيء بأحد ابني فاطمة فأردفه خلفه قال: فأدخلنا ثلاثة على دابة1.

وروى أيضاً بإسناده إلى عبد الله بن جعفر قال: أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خلفه فأسر إلي حديثاً لا أحدث به أحد من الناس2.

ذلك هو عبد الله بن جعفر وتلك طائفة من مناقبه التي دلت على فضله وجلالة قدره رضي الله عنه وأرضاه.

1ـ صحيح مسلم 4/1885.

2ـ المصدر السابق 4/1886.

ص: 397

10) أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب:

هو أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل: اسمه المغيرة أسلم عام الفتح وحسن إسلامه، وكان قبل إسلامه من أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى دينه ومن تبعه وكان شاعراً بارعاً هجا الإسلام وأهله، وهو الذي رد عليه حسان بن ثابت رضي الله عنه في قصيدته التي مطلعها:

ألا أبلغ أبا سفيان عني

مغلغلة فقد برح الخفاء

هجوت محمداً وأوجبت عنه

وعند الله في ذلك الجزاء1

شهد أبو سفيان حنيناً وأبلى فيها بلاء حسناً وكان ممن ثبت ولم يفر يومئذ ولم تفارق يده لجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انصرف الناس إليه وكان يشبه النبي صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه وشهد له بالجنة وكان يقول: " أرجو أن تكون خلفاً من حمزة" وهو معدود في فضلاء الصحابة2.

قال الذهبي رحمه الله تعالى: "تلقى النبي صلى الله عليه وسلم في الطريق قبل أن يدخل مكة مسلماً فانزعج النبي صلى الله عليه وسلم وأعرض عنه لأنه بدت منه أمور في أذية النبي صلى الله عليه وسلم فتذلل للنبي صلى الله عليه وسلم حتى رق له، ثم حسن إسلامه ولزم هو والعباس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين إذ فر الناس وأخذ بلجام البغلة وثبت معه وكان أخا النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة أرضعتهما حليمة3.

وكانت وفاته رضي الله عنه سنة عشرين للهجرة "وكان سبب وفاته أنه حج فلما حلق الحلاق رأسه قطع أثلولاً كان في رأسه فلم يزل مريضاً منه حتى مات بعد مقدمه من الحج بالمدينة سنة عشرين"4.

1ـ انظر طبقات ابن سعد 4/49-54، أسد الغابة 5/215، المستدرك 3/255، سير أعلام النبلاء 1/202، البداية 7/114.

2ـ الاستيعاب على حاشية الإصابة 4/84.

3ـ سير أعلام النبلاء 1/203.

4ـ الاستيعاب على حاشية الإصابة 4/85.

ص: 398

وأبو سفيان هذا وردت له بعض المناقب دلت على جلالة قدره وهي:

1-

ما رواه الطبراني بإسناده عن أبي حبة البدري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين لا ينظر في ناحية إلا رأى أبا سفيان بن الحارث يقاتل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أبا سفيان خير أهلي أو من خير أهلي"1.

هذا الحديث فيه فضيلة ظاهرة لأبي سفيان بن الحارث حيث بين النبي صلى الله عليه وسلم أنه من خيار أهل البيت النبوي رضي الله عنهم أجمعين.

2-

وروى أبو عبد الله الحاكم بإسناده إلى العباس بن عبد المطلب قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فلقد رأيته وما معه إلا أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وهو آخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راكبها وأبو سفيان لا يألوا أن يسرع نحو المشركين2.

وفي هذا الحديث بيان منقبة عظيمة لأبي سفيان رضي الله عنه وهي فرط شجاعته وإقدامه لمناجزة أعداء الدين من المشركين والكافرين من أجل نصرة الإسلام ورفع رايته.

3-

وروى الحاكم أبو عبد الله بإسناده إلى عروة بن الزبير قال: أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رضي الله عنه كان أحب قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان شديداً عليه فلما أسلم كان أحب الناس إليه3.

ففي قول عروة بيان ما حصل لأبي سفيان بن الحارث من المكانة عند النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن كان من أشد الناس عداوة له، فإنه صار بعد ذلك من أحب الناس إليه رضي الله عن أبي سفيان وأرضاه.

4-

وروى الحاكم أيضاً: بإسناده إلى عروة بن الزبير قال: قال رسول الله

1ـ أورده الهيثمي في مجمع الزوائد 9/274 وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط وإسناده حسن.

2ـ المستدرك 3/255 ثم قال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأقره الذهبي.

3ـ المصدر السابق 3/255 وهذا مرسل ولعله أخذه عن أبيه أو غيره من الصحابة.

ص: 399

صلى الله عليه وسلم: "سيد فتيان الجنة أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب" قال: حلقه الحلاق بمنى وفي رأسه ثألول فقطعه فمات فيرون أنه شهيد1.

فقول عروة هذا لا بد أنه سمعه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يمكن أن يقوله من تلقاء نفسه، والصحابة لا بد أنهم سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم لأن هذا من باب الإخبار بالغيب لأنه متضمن الشهادة لمعين بالجنة، ولا يخبر بهذا إلا المصطفى عليه الصلاة والسلام.

ذلك هو أبو سفيان بن الحارث وتلك بعض مناقبه فقد كان من فضلاء الصحابة وأجلهم ورضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين.

1ـ المستدرك 3/255 وأورده الحافظ في "الإصابة" 4/60 وقال: "أخرجه الحاكم أبو أحمد من طريق حماد بن سلمة عن هشام عن عروة عن أبيه، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبو سفيان بن الحارث سيد فتيان أهل الجنة" ثم ساق كلام عروة بكامله ثم قال: "هذا مرسل رجاله ثقات"أهـ.

ص: 400

11) عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب:

هو عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف القرشي الهاشمي كان إسلامه قديماً قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وكان أسن من النبي صلى الله عليه وسلم بعشر سنين هاجر إلى المدينة وشهد بدراً، وعقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم أول راية وأمره على سرية قبل وقعة بدر ومات رضي الله عنه عقب غزوة بدر إذ قطعت رجله فمات بالصفراء رضي الله عنه وأرضاه1.

وقد وردت له بعض المناقب دلت على جليل قدره وعظيم مكانته:

1-

فمن مناقبه رضي الله عنه أن أول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له رضي الله عنه.

ذكر ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم عقد لعبيدة بن الحارث راية وأرسله في سرية قبل وقعة بدر فكانت أول راية عقدت في الإسلام2.

وأما الواقدي فذكر أن أول لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لحمزة3.

قال الحافظ ابن حجر: "ويمكن الجمع على رأي من يغاير بين الراية واللواء والله أعلم"4.

2-

ومن مناقبه رضي الله عنه أنه كان أحد الذين برزوا يوم بدر فقد كان في حسب الله الذين قاتلوا في سبيل الله وهم حمزة وعلي وثالثهم عبيدة بن الحارث، وحزب الشيطان كان يمثله عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة.

فقد روى الشيخان وغيرهما عن قيس بن عباد قال: "سمعت أبا ذر يقسم قسماً إن هذه الآية {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} 5. نزلت في الذين

1ـ الاستيعاب على حاشية الإصابة 2/436-438، الإصابة 2/442، أسد الغابة 3/356-357.

2ـ سيرة ابن هشام 1/595.

3ـ مغازي الواقدي 1/9.

4ـ الإصابة 2/442.

5ـ سورة الحج آية/19.

ص: 401

برزوا يوم بدر: حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة1.

ففي هذا الحديث منقبة واضحة لعبيدة بن الحارث حيث إنه كان من الصحابة الذين أنزل الله فيهم قرآناً يتلى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها: وأكرم بها من منقبة فإنها أكسبته منزلة عظيمة وميزة شريفة رضي الله عنه وأرضاه.

وروى أبو داود بإسناده إلى حارثة بن مضرب عن عليّ قال: تقدم يعني عتبة بن ربيعة ـ وتبعه ابنه وأخوه فنادى من يبارز؟ فانتدب له شباب من الأنصار فقال من أنتم؟ فأخبروه فقال: لا حاجة لنا فيكم إنما أردنا بني عمنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "قم يا حمزة، قم يا عليّ قم يا عبيدة بن الحارث" فأقبل حمزة إلى عتبة، وأقبلت على شيبة، واختلف بين عبيدة والوليد ضربتان، فأسخن كل واحد منهما صاحبه، ثم ملنا على الوليد فقتلناه واحتملنا عبيدة"2.

3-

ومن مناقبه رضي الله عنه أن سبب وفاته ضربة بسيف في ساقه يوم بدر ضربه به عتبة بن ربيعة فكانت وفاته رضي الله عنه في سبيل الله فقد روى الحاكم بإسناده إلى عبد الله بن عباس وذكر حديث المبارزة وأن عتبة بن ربيعة قتل عبيدة بن الحارث وبارز ضربه عتبة على ساقه فقطعها فحمله رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات بالصفراء منصرفه من بدر فدفنه هنالك3.

ذلك هو عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب فقد كان رضي الله عنه من السابقين الأولين إلى الإسلام ومن الذين أخلصوا دينهم لله وقاتل في سبيل الله نصرة لدين الإسلام حتى فارق الدنيا وهو على ذلك فرضي الله عنه وأرضاه.

والذي أخلص إليه في هذا المبحث أنني ضمنته ذكر فضائل أحد عشر

1ـ صحيح البخاري 3/5، صحيح مسلم 4/2323.

2ـ سنن أبي داود 2/49.

3ـ المستدرك 3/187-188 ثم قال عقبه: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

ص: 402

شخصاً من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم الذكور عدا أمير المؤمنين علي بن طالب رضي الله عنه فإنني كما قلت في أول هذا المبحث قد تقدم معنا ذكر فضائله في "الفصل الثالث" من هذا الباب، وهناك أفراد من أهل البيت صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرد لهم ذكر فضائل تخصهم فهؤلاء يكفيهم ما جاء في فضلهم عموماً من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، كما يكفيهم ما حصل لهم من شرف الصحبة التي لا يعدلها شيء.

ص: 403