الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: دراسة الأسانيد والطرق وثمرتها وخطواتها
البحث الأول: الخطوة الأولى مندراسة الأسانيد
…
الفصل الثاني: دراسة الأسانيد والطرق وثمرتها وخطواتها
وفيه مدخل وثلاثة مباحث:
بعد ذكر هذه الأمور المهمة أشرع في الشق الثاني من التخريج وهو دراسة الأسانيد والطرق التي تجمعت لدينا من خلال تخريج الحديث وطرقه وعزوها إلى مخرجيها، فالذي يلزم بعد هذه المرحلة هو القيام بدراسة تلك الطرق، ثم الحكم على الحديث والطرق على ضوء تلك الدراسة.
المدخل: بعض الأمور المهمة
لا يخفى ما للأسانيد من أهمية، إذ هي الأساس المتين للتخريج والركن القوي الذي لا يمكن البناء عليه إلاّ به وبدونها لا يعرف الحكم، وكذا دراستها ودراسة طرقها - ما عدا الصحيحين - في غاية من الأهمية في هذا العلم، وبدونها لا يقال للتخريج تخريج وإنما هو عزو.
ويكون الحكم على الحديث باعتبارين: باعتبار سنده الذي بين أيدينا من كتاب معين، بصرف النظر عن طرقه الأخرى، فإذا تبيّن لنا بعد دراسة الإسناد توافر شروط الصحة فيه بحيث كان رجاله ثقات، وكان الإسناد متصلا، وليس فيه شذوذ ولا علة، حكمنا له بالصحة، وإلا فبضدها عند فَقْدِ شرط من شروط الصحة (1) .
(1) استفدت من عدة كتب في دراسة الأسانيد من أهمها كتاب دراسة الأسانيد للدكتور عبد العزيز العثيم وأكثره مبني على خبرتي في هذا المجال.
لو فرضنا أن الحديث الذي بين أيدينا في سنن ابن ماجه مثلاً، ووجد هذا الحديث في الصحيح، فإنّه لا يؤخذ به إلاّ بعد النظر في سنده ومتنه، فإن وافق ما في الصحيح كان صحيحاً، وإن اختلف الإسناد حكم عليه بمقتضى الجرح والتعديل وكذا المتن إن وافق الصحيح صحّ، وإن كان فيه زيادة يدرس الإسناد ويحكم على ضوئها.
أو يكون الحكم راجعاً إلى الحديث نفسه باعتبار طرقه الأخرى، أي: باعتبار متابعاته وشواهده، ومن القدماء من يطلق على المتابع شاهداً وعلى الشاهد متابعاً، لكن هذا في الاستعمال كما قال الحافظ ابن حجر:
((وقد تطلق المتابعة على الشاهد وبالعكس، والأمر فيه سهل)) .
وفي الحقيقة يصدق على الاثنين معنى الشاهد؛ لأن الجميع يشهد له بالصحة، غير أنه استقر في الاصطلاح على الراجح، أنّ المتابع للإسناد والشاهد للمتن (1) . وذكر الدكتور عبد العزيز العثيم: ((أنّ المتابع يفيد في تقوية السند والمتن، بخلاف الشاهد، فإنه لا يقوي إلا المتن، والمتن يستفيد من المتابعة، سواء كانت تامة أو قاصرة إذا كانت صالحة للاعتبار، ثم فصّل هذه الأقسام بالأمثلة التوضيحية من يريد المزيد فليراجع كتابه دراسة الأسانيد
(ص 147-149)، ثم ذكر أنه إذا كان بين يديه حديث يريد أن يبين درجته فعليه النظر في رجاله فإن كانوا ثقات قال فيه: الحديث (2) صحيح
(1) المصدر السابق/ 99، 100، 101، والمتابعة: إن حصلت للراوي نفسه في شيخه فهي التامة، وإن حصلت لشيخه فمن فوقه فهي القاصرة، المصدر نفسه.
(2)
الحديث الصحيح على درجات: الأول: ما اتفق عليه البخاري ومسلم، الثاني: ما انفرد به البخاري الثالث: ما انفرد به مسلم، الرابع: ما كان على شرطهما، الخامس: ما كان على شرط البخاري، السادس ما كان على شرط مسلم، السابع: ما صح عند غيرهما ولم يكن على شرط واحد منهما، انظر: نزهة النظر للحافظ ابن حجر / 89-90.
لذاته – قلت: مع توافر بقية شروط الصحة وإلا قد يكون رجاله رجال الصحيح لكن الإسناد غير متصل
…
فلا يكون صحيحاً عندئذ – ثم ينظر هل له طريق أخرى، فإن لم يكن له طرق، قال فيه:«حديث صحيح، لكنه فرد أو غريب» ، كما يفعله الترمذي وغيره من العلماء.
وإن كان له طرق نظر فيها فإن كان رواتها في درجة الرواة أو أقل، ذكر المتابعة؛ لينقل الحديث من الغريب إلى العزيز، ومن العزيز إلى المشهور، ثم إلى المستفيض، ثم إلى المتواتر، فالحديث كلما زادت طرقه زاد الوثوق بصحته (1)
ثم ننظر إن كان فيه صدوق والمتابع كذلك ولو زاد عدد المتابعات - فيرتقي الحديث إلى درجة الصحيح لكنه لغيره، ويقال فيه "الحديث صحيح لغيره" وذلك لأن حديث الصدوق إذا لم يعتضد فهو الحسن لذاته، وإن اعتضد بصدوق مثله أو أكثر فهو الصحيح لغيره (2) .
وأما إذا كان الراوي ضعيفاً وضعفه ينجبر، وتفرَّد بالحديث، فيقال: حديث ضعيف صالح للاعتبار، وإن اعتضد بطرق أخرى فيها ضعف كضعفه، فيحكم عليه بالحسن لغيره كما ذكر الحافظ ابن حجر حيث قال:((ومتى توبع السيئ الحفظ بمعتبر وكذا المستور والمرسل والمدلّس، صار حديثهم حسنا لا لذاته، بل بالمجموع)) (3) .
(1) نزهة النظر/ 82 والنكت لابن حجر أيضاً (1/413) بتفصيل أكثر.
(2)
دراسة الأسانيد/ 14.
(3)
انظر: نزهة النظر/ 82، 139.
أمّا إن كان الضعف شديداً فلا يعتضد ولا يعضد غيره.
وذكر الدكتور عبد العزيز العثيم أن الحكم على الحديث له ثلاثة طرق:
الأول: الحكم على إسناد المصنف فقط، كفعل الهيثمي حيث يقول مثلاً: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح،
الثاني: بيان درجة ذلك الحديث مطلقا، بعد جمع طرقه المختلفة من أماكن متعددة ودراستها والنظر فيها.
والثالث: الحكم على الحديث من غير جمع طرقه، وهذا العمل فيه تساهل وتجاوز ولا يسمى تخريجاً (1)، قلت: هو داخل في التخريج القاصر وعليه اكتفى كثير من العلماء كما تقدم، وإن كان التخريج في حقيقة الأمر هو الشامل لجميع المتابعات والشواهد، ثم القيام بدراستها، واستخلاص الحكم على ضوء ما توصل إليه.
وإليك الآن خطوات دراسة الأسانيد وأحوال الرواة في المباحث الآتية:
(1) دراسة الأسانيد/ 19.
المبحث الأول: الخطوة الأولى من دراسة الأسانيد
عرض الإسناد المراد دراسة رواته من المصدر الذي يقصده بدءاً من شيخ المصنف إلى الصحابي أو العكس، ثم يقوم بدراسة سلسلة الرواة من حيث الضبط، لمن يحتاج إلى الضبط ومن حيث تمييز راوي الإسناد المقصود فيه عن غيره من المتفق معه أو المشتبه معه، ومن حيث تعيين المهمل فيه، وكذا المبهم إن أمكن، ومن حيث العدالة والضبط.
ولا تخفى صعوبة هذه المرحلة للباحث الذي يقصد البحث عن الرواة وتمييزهم، ولذا ينبغي لمن يشتغل في هذا الفن أن يضع معرفة كتب هذا الفن نصب عينيه؛ لكي تسهل عليه الأمور، وإلا فقد يتعب كثيراً في أمر سهل، فربما يكون الراوي من رواة الستة، وهو يبحث عنه في غيرها، وقد يجده وقد لا يجده، أو يكون الراوي ضعيفا ومن رجال الستة فهو يبحث عنه في لسان الميزان ولا يجده - لأنه حذف المترجمين في التهذيب وسرد أسماءهم في المجلد الأخير - أو يكون الراوي من الثقات وهو يبحث في كتب الضعفاء أو العكس فلا يجده، فمن هنا يجب أن يكون له إلمام بكتب الفن، حتى يرجع إلى الرواة الثقات إلى كتب مؤلفة في الثقات، أو التي جمعت بين الثقات وغيرهم مثل التاريخ الكبير للبخاري، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم وغيرهما، ويراجع للرواة الضعفاء الكتب المعنية بهم، وهي كثيرة، وللمختلطين يراجع الكتب المخصصة لهم، وهكذا في المدلّسين ورواة المراسيل يُراجع الكتب المفردة لهم، وهكذا فيمن عرفوا واشتهروا بكناهم وألقابهم يراجع الكتب التي خصّت لهم، وهي كثيرة أيضاً، مثل: كتب الكنى لمسلم والبخاري والدولابي وابن عبد البر والذهبي.
كما يلزم الباحث في هذا الفن معرفة طبقات الرواة والتاريخ وفياتهم، وهو مهم جداً لكي لا يقع في االخطأ لأنه كثير مايتفق الرواة في الأسماء وأسماء الآباء، وفي أنسابهم وبلدانهم أحياناً، وليس الفارق بينهما إلا الطبقة، أحدهما متقدم والآخر متأخر، فيظن الباحث أن المراد منه في الإسناد المتقدم بينما المقصود هو المتأخر أو العكس، مثال ذلك: سعد بن إبراهيم الزهري أبو اسحاق القاضي، وهما اثنان قد اتفقا في الإسم واسم الأب وكنية والنسب والشهرة، والفارق بينهما الطبقة؛ هو سعد بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، والجدهو سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، فيحصل الاختلاط بينهما فيلزم التأكد من مراد بهما وهكذا في الرواة الذين ولدوا بعد سنة360هـ لا يمكن أن نجدهم في كتب البخاري لأنه توفي قبل التاريخ المذكور.
لايخلو أحوال رواة الإسناد من حالتين:
الأول: أن مذكور الراوي بكامل اسمه واسم أبيه وجده وكنيته أو ذكر بلقبه الذي انفرد به، فالأمر في الوقوف عليه سهل، ويبقى التعب في تعيينه من بين الرواة الذين اتفقوا معه فيما ذكر فيه، مثل: حميد بن قيس وهما اثنان في طبقة واحدة ويشتركان في بعض الشيوخ والتلاميذ، والفارق بينهما، أن أحدهما مكيّ والآخر أنصاريّ (1) .
(1) انظر المحدث الفاصل / 281.
وكذا بشر بن غالب الأسدي، قال الأزدي (1) فيه: مجهول، وقال ابن حبان (2) : بشر بن غالب الأسدي، يروي عن الحسين بن علي، وقال الحافظ ابن حجر:((والظاهر أن هذا غير الذي ذكره النسائي، ولكن اتفق في الاسم واسم الأب والنسبة، وقد فرق بينهما أيضاً الأزدي)) (3) .
ومن ذلك إبراهيم بن عمر الصنعاني وهما اثنان إلا أن أحدهما من صنعاء اليمن والآخر من صنعاء دمشق، فيميزان بالبلد، وكذا بالطبقة؛ لأن أحدهما من الطبقة العاشرة والآخر من السابعة (4)
وكذا إسماعيل بن أبان الكوفي اثنان: أحدهما ثقة والآخر متروك، والفارق بينهما هو النسب؛ لأن الوراق الأزدي ثقة والخياط الغنوي متروك (5) .
الحالة الثانية: أن يذكر الراوي في الإسناد مهملاً أو مبهماً:
والمهمل: هو الذي أهمل ذكر نسبه، يقول الراوي حدَّثنا سفيان أو حدثنا حماد، أو حدثنا الوراق، أو حدثنا أبو عبد الله الحافظ كما يقول البيهقي كثيراً في كتبه ونحو ذلك، وهم يكثرون من ذلك بغية الاختصار لوضوح أمرهم عندهم، وهم فرسان هذا الفن.
والمبهم هو الذي لم يُسمّ أصلاً إنما يقول: حدثني رجل أو امرأة أو جار لفلان ونحو ذلك.
(1) لسان الميزان (2/28) .
(2)
الثقات له (4/96) .
(3)
لسان الميزان (2/29) .
(4)
انظر التقريب / 92 برقم 223، 224.
(5)
المصدر السابق/ 105 برقم 410، 411.
والطريق إلى معرفتهما هو جمع الطرق وتتبعها وتتبع أقوال العلماء فيهم، بجانب النظر في شيوخهم وتلاميذهم، وطبقاتهم، والنظر في أسانيد المؤلف في أوائل كتابه، حيث إنهم في الغالب ينسبون الرواة في أول الكتاب ثم يختصرون.
ولعلّ أقوى الطرق في تعيين عين الراوي المهمل أو المبهم هو جمع الطرق.
فمتى عرف المبهم في الإسناد ارتفعت الجهالة عنه، وحكم بكونه ثقة أو ضعيفاً، وعلى ضوئه يحكم على الإسناد، وإن لم يعرف فلا يحتج به حتى يتبين أمره (1) .
متى يضرّ عدم تميزّ الراوي المهمل؟.
على الأغلب يتم الوقوف على تمييز الراوي المهمل من خلال جمع الطرق وتصريح بعض الأئمة، فيكون الحكم على حسب حاله توثيقاً وتجريحاً.
أما إذا لم يتميز المهمل عن غيره لاشتراكهما في الاسم والطبقة والشيوخ والتلاميذ، فإذا كان كلاهما ثقة، فإنه لا يضرّ إهماله في الإسناد كالسفيانين- ابن عيينة والثوري – والحمادين – حماد بن زيد وحماد بن سلمة.
وقد ذكر العلماء بعض الأمور المساعدة على التمييز بينهم، لا يتسع البحث لذكرها (2) .
أما إذا كان أحدهما ثقة والآخر ضعيفاً، فلا بد من التمييز بينهما لتباين
(1) انظر فتح المغيث (1 / 351) للسخاوي، وتوضيح الأفكار للصنعاني (4/301) .
(2)
انظر في ذلك سير أعلام النبلاء (7/464) للحمادين و (7/466) لاشتراك السفيانين، والتقييد والإيضاح للعراقي / 411 وفتح الباري للحافظ ابن حجر (12/319) .
الحكم بينهما، كما روى ابن ماجه عن علي بن محمد عن سفيان بن عيينة عن الزهري فأهمل علي بن محمد، وهما اثنان في هذه الطبقة (1) ، وكلاهما من شيوخ ابن ماجه وكلاهما كوفي، ّ وكلاهما يروي عن سفيان بن عيينة، أحدهما الطنافسيّ وهو ثقة، والآخر ابن أبي الخصيب، صدوق ربما أخطأ (2) .
وقد سبق في بيان أصناف الرواة الثقات المتفق عليهم مطلقاً أو مقيداً، والضعفاء المتفق على ضعفهم، والمسكوت عنهم أي المجاهليل بأنواعها، والمختلف فيهم وآراء العلماء في حكم روايتهم فليراجع هناك للعلم بهم، ولا أرى حاجة في إعادتهم.
وهناك كتب معتمدة ألَّفها العلماء في الرجال عموما، ولاسيما أنها تساعد الباحث على دراسة سلسلة الإسناد، ومعرفة أحوال الرواة أذكر أهمها بعد الانتهاء من بيان الخطوات في دراسة الأسانيد وتخريج الطرق.
(1) كلاهما من العاشرة انظر التقريب/ 405 برقم 4791 و 4792.
(2)
انظر دراسة الأسانيد / 55.