المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب حسن إسلام المرء) - عمدة القاري شرح صحيح البخاري - جـ ١

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌(كتاب الْإِيمَان)

- ‌(بَاب الْإِيمَان وَقَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم بني الْإِسْلَام على خمس)

- ‌(بَاب دعاؤكم إيمَانكُمْ)

- ‌(بَاب أُمُورِ الإِيمَانِ)

- ‌(بَاب المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ)

- ‌(بَاب أيُّ الإِسْلَام أفْضَلُ)

- ‌(بَاب إطْعَامُ الطَّعَامِ مِنَ الإِسْلَامِ)

- ‌(بَاب مِنَ الإِيمَانِ أنْ يُحِبَّ لإِخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)

- ‌(بَاب حُبُّ الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الإِيمَانِ)

- ‌(بَاب حَلَاوَةِ الإِيمَانِ)

- ‌(بَاب عَلَامَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الانْصَارِ)

- ‌(بَاب)

- ‌(بَاب مِنَ الدِّينِ الفِرَارُ مِنَ الفِتَنِ)

- ‌(بَاب قَوْلِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِاللَّه، وأنَّ المَعْرِفَةَ فِعْلُ القَلْبِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {ولَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} )

- ‌(بَاب مَنْ كَرِهَ أنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَن يُلْقَى فِي النارِ مِن الإِيمانِ)

- ‌(بابُ تَفَاضُلِ أَهْلِ الإِيمانِ فِي الأَعْمَالِ)

- ‌(بَاب الحَياءُ مِنَ الإيمانِ)

- ‌(بَاب {فَإِن تَابُوا وَأقَامُوا الصَّلَاةَ وآتُوا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} )

- ‌(بابُ مَنْ قَالَ: إنّ الإيمَانَ هُوَ العَمَلُ لقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} )

- ‌(بابُ إذَا لَمْ يَكُنِ الإسْلَامُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وكانَ عَلَى الإستسْلَامِ أَو الْخَوْفِ مِنَ الْقَتْلِ لِقَوْلِهِ تَعَالىَ {قَالَتِ الَاعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أسْلَمْنَا} فَاذَا كانَ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَهْوَ

- ‌(بابُ إفْشاءُ السَّلَامِ مِنَ الإسْلَامِ)

- ‌(بابُ كُفْرَانِ العَشِيرِ وَكُفْرٍ دُونَ كُفْرٍ)

- ‌(بَاب المَعَاصِي مِنْ أمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ وَلَا يُكَفَّرُ صَاحِبُهَا بِارْتِكابِهَا إلَاّ بِالشِّرْكِ لِقَوْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: إنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جاهِليَّةٌ وقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {إنّ الله لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ

- ‌(بَاب {وإنْ طَائِفَتَانِ مِنْ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فأصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَسَمَّاهُمُ المُؤْمِنِينَ} )

- ‌(بَاب ظُلْمٌ دُونَ ظُلْمٍ)

- ‌(بابُ عَلَاماتِ المُنَافِقِ)

- ‌(بابُ قِيامُ لَيْلَةِ القَدْرِ مِنَ الإيمانِ)

- ‌(بابٌ الْجِهادُ مِنَ الإيمانِ)

- ‌(بابٌ تَطَوُّعُ قِيام رَمَضَانَ مِنَ الْإِيمَان)

- ‌(بابٌ صَوْمُ رَمَضانَ احْتِسابا مِنَ الإيمانِ)

- ‌(بابٌ الدِّينُ يُسْرٌ)

- ‌(بابٌ الصَّلاةُ مِنَ الإيمانِ)

- ‌(بابُ حُسْنِ إسْلَامِ المَرْء)

- ‌(بَاب أحَبُّ الدِّينِ إلَى اللَّهِ أدْوَمُهُ)

- ‌(بابُ زِيَادَةِ الإيمَانِ ونُقْصَانِهِ)

- ‌(قَالَ أَبُو عبد الله قَالَ أبان حَدثنَا قَتَادَة حَدثنَا أنس عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم " عَن إِيمَان " مَكَان " من خير

- ‌(بَاب الزَّكاةُ مِنَ الإسْلَامِ)

- ‌(بابُ اتِّبَاعُ الْجَنائِزِ مِنَ الإِيمَان)

- ‌(بابُ خَوْفِ ألمُؤمِنِ مِنْ أنْ يَحْبَطَ عَملُهُ لَا يَشْعُرُ)

- ‌{بَاب سُؤال جِبْريلَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عنِ الإيمانِ والإسْلامِ والإحْسانِ وعِلْمِ السَّاعةِ} )

- ‌(قَالَ أَبُو عبد الله جعل ذَلِك كُله من الْإِيمَان)

- ‌(بَاب)

- ‌(بابُ فَضْلِ مَنِ اسْتَبْرأَ لِدِينِهِ)

- ‌(بَاب أَدَاءُ الْخُمُسِ مِنَ الإيمانِ)

- ‌(بَاب مَا جاءَ أنّ الأعْمَال بالنِّيَّةِ والحِسْبَةِ ولِكُلِّ امرِىء مَا نَوَى)

- ‌(بَاب قَوْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الدِّينُ النَّصِيحَةُ للَّهِ ولِرَسُولِهِ ولأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ

الفصل: ‌(باب حسن إسلام المرء)

الله عَنْهُمَا، قَالَ: لما وَجه النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِلَى الْكَعْبَة قَالُوا: يَا رَسُول الله! كَيفَ إِخْوَاننَا الَّذين مَاتُوا وهم يصلونَ إِلَى بَيت الْمُقَدّس؟ فَأنْزل الله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ الله لِيُضيع ايمانكم} (الْبَقَرَة: 143)، وَكَذَا أخرجه ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) وَالْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه) . قَوْله:(إِنَّه) أَي: إِن الشَّأْن. قَوْله: (مَاتَ) فعل وفاعله. قَوْله (رجال)، وَقَوله:(على الْقبْلَة قبل أَن تحول) معترض بَينهمَا، وَأَرَادَ بالقبلة بَيت الْمُقَدّس، وَهِي الْقبْلَة المنسوخة، و: أَن، مَصْدَرِيَّة، وَالتَّقْدِير: قبل التَّحْوِيل إِلَى الْكَعْبَة، وَالَّذين مَاتُوا على الْقبْلَة المنسوخة قبل تحويلها إِلَى الْكَعْبَة عشرَة أنفس: ثَمَانِيَة مِنْهُم من قُرَيْش: وهم عبد الله بن شهَاب الزُّهْرِيّ، وَالْمطلب بن أَزْهَر الزُّهْرِيّ، والسكران بن عمر والعامري، مَاتُوا بِمَكَّة. وحطاب، بِالْمُهْمَلَةِ، ابْن الْحَارِث الجُمَحِي، وَعَمْرو بن أُميَّة الْأَسدي، وَعبد الله بن الْحَارِث السَّهْمِي، وَعُرْوَة بن عبد الْعُزَّى الْعَدوي، وعدي بن نَضْلَة الْعَدوي، وَاثْنَانِ من الْأَنْصَار، وهما: الْبَراء بن معْرور، بالمهملات، وأسعد بن زُرَارَة مَاتَا بِالْمَدِينَةِ، فَهَؤُلَاءِ الْعشْرَة مُتَّفق عَلَيْهِم. وَمَات أَيْضا قبل التَّحْوِيل: اياس بن معَاذ الأشْهَلِي، لكنه مُخْتَلف فِي إِسْلَامه. قَوْله:(وَقتلُوا) على صِيغَة الْمَجْهُول، عطف على قَوْله:(مَاتَ رجال) . فَإِن قلت: كَيفَ يتَصَوَّر إِطْلَاق الْقَتْل على الْمَيِّت، لِأَن الَّذِي يَمُوت حتف أَنفه لَا يُسمى مقتولا؟ قلت: قَالَ الْكرْمَانِي: يحْتَمل أَن يكون المقتولون نفس الْمِائَتَيْنِ، وَفَائِدَة ذكر الْقَتْل بَيَان كَيْفيَّة مَوْتهمْ إشعاراً بشرفهم، واستبعاداً لضياع طاعتهم، وَأَن الْعقل قرينَة لكَون الْوَاو بِمَعْنى: أَو قلت: كَلَامه يشْعر بقتل رجال قبل تَحْويل الْقبْلَة، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء، لِأَنَّهُ لم يعرف قطّ فِي الْأَخْبَار أَن الْوَاحِد من الْمُسلمين قتل قبل تَحْويل الْقبْلَة، على أَن هَذِه اللَّفْظَة، اعني قَوْله:(وَقتلُوا) لَا تُوجد غير رِوَايَة زُهَيْر بن مُعَاوِيَة، وَفِي بَاقِي الرِّوَايَات كلهَا ذكر الْمَوْت فَقَط، فَيحْتَمل أَن تكون هَذِه غير مَحْفُوظَة. وَقَالَ بَعضهم: فَإِن كَانَت هَذِه مَحْفُوظَة، فَتحمل على أَن بعض الْمُسلمين مِمَّن لم يشْتَهر قتل فِي تِلْكَ الْمدَّة فِي غير الْجِهَاد، وَلم يضْبط اسْمه لقلَّة الاعتناء بالتاريخ إِذْ ذَاك، ثمَّ وجدت فِي الْمَغَازِي ذكر رجل اخْتلف فِي إِسْلَامه وَهُوَ: سُوَيْد بن الصَّامِت، فقد ذكر ابْن اسحق أَنه لَقِي النبيَّ صلى الله عليه وسلم قبل أَن يلقاه الْأَنْصَار فِي الْعقبَة، فَعرض عَلَيْهِ الْإِسْلَام، فَقَالَ: إِن هَذَا القَوْل حسن، وأتى الْمَدِينَة فَقتل بهَا فِي وقْعَة بُعَاث، وَكَانَت قبل الْهِجْرَة، قَالَ: فَكَانَ قومه يَقُولُونَ: لقد قتل وَهُوَ مُسلم، فَيحْتَمل أَن يكون هُوَ المُرَاد. قلت: فِيهِ نظر من وُجُوه. الأول: أَن هَذَا حكم بِالِاحْتِمَالِ فَلَا يَصح. الثَّانِي: قَوْله: لقلَّة الاعتتاء بالتاريخ إِذْ ذَاك لَيْسَ كَذَلِك، فَكيف اعتنوا بضبط أَسمَاء الْعشْرَة الميتين وَلم يعتنوا بضبط الَّذين قتلوا، بل الاعتناء بالمقتولين أولى، لِأَن لَهُم مزية على غَيرهم. وَالثَّالِث: أَن الَّذِي وجده فِي الْمَغَازِي لَا يصلح دَلِيلا لتصحيح اللَّفْظَة الْمَذْكُورَة من وَجْهَيْن: احدهما: أَن هَذَا الرجل لم يتَّفق على إِسْلَامه، وَالْآخر: أَن هَذَا وَاحِد، وَقَوله:(وَقتلُوا) ، صِيغَة جمع تدل على أَن المقتولين جمَاعَة، وأقلها ثَلَاثَة أنفس. وَالرَّابِع: من وُجُوه النّظر أَن وقْعَة بُعَاث كَانَت بَين الاوس والخزرج فِي الْجَاهِلِيَّة، وَلم يكن فِي ذَلِك الْوَقْت اسلام، فَكيف يسْتَدلّ بقتل الرجل الْمَذْكُور فِي وقْعَة بُعَاث على أَن قَتله كَانَ فى وَقت كَون الْقبْلَة هُوَ بَيت الْمُقَدّس؟ وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيح؟ وَقَالَ الصغاني: بُعَاث، بِالضَّمِّ، على لَيْلَتَيْنِ من الْمَدِينَة، وَيَوْم بُعَاث يَوْم، كَانَ بَين الْأَوْس والخزرج فِي الْجَاهِلِيَّة، وَوَقع فِي كتاب الْعين بالغين الْمُعْجَمَة وَالصَّوَاب بِالْعينِ الْمُهْملَة لَا غير، ذكره فِي فصل الثَّاء الْمُثَلَّثَة من كتاب الْبَاء الْمُوَحدَة. قَوْله:(فَلم يدر) أَي: فَلم يعلم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ان طاعتهم ضائعة ام لَا فَأنْزل الله الْآيَة.

31 -

(بابُ حُسْنِ إسْلَامِ المَرْء)

اي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حسن إِسْلَام الْمَرْء، وَالْبَاب هُنَا مُضَاف قطعا، وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ من حَيْثُ إِن الْمَذْكُور فِي الْبَاب الأول أَن الصَّلَاة من الْإِيمَان، وَهَذَا الْبَاب فِيهِ حسن إِسْلَام الْمَرْء، وَلَا يحسن إِسْلَام الْمَرْء إلَاّ بِإِقَامَة الصَّلَاة. وَقَالَ بَعضهم فِي فَوَائِد حَدِيث الْبَاب السَّابِق: وَفِيه بَيَان مَا كَانَ فِي الصَّحَابَة من الْحِرْص على دينهم والشفقة على أخوانهم، وَقد وَقع لَهُم نَظِير هَذِه الْمَسْأَلَة لما نزل تَحْرِيم الْخمر، كَمَا صَحَّ من حَدِيث الْبَراء ايضاً، فَنزلت:{لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا} إِلَى قَوْله: {وَالله يحب الْمُحْسِنِينَ} (الْمَائِدَة: 93) وَقَوله تَعَالَى: {انا لَا نضيع أجر من احسن عملا} (الْكَهْف: 30) ولملاحظة هَذَا الْمَعْنى عقَّب المُصَنّف هَذَا الْبَاب بقوله: بَاب حسن إِسْلَام الْمَرْء، فَانْظُر إِلَى هَذَا، هَل ترى لَهُ تنَاسبا لوجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ؟ وَقَالَ بعض الشَّارِحين: ومناسبة التَّبْوِيب زِيَادَة الْحسن على الْإِسْلَام وَاخْتِلَاف أَحْوَاله بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَعْمَال، قلت: هَذَا أَيْضا قريب من الأول.

ص: 249

41 -

قَالَ مَالِكٌ أخْبَرَنِى زَيْدُ بنُ أَسْلَمَ أنّ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِىَّ أخبَرَهُ أَنه سَمِعَ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ إِذا أَسْلَمَ العَبْدُ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ يُكَفِّرُ اللَّهُ عنهُ كلَّ سَيِّئَةٍ كَانَ زَلَفها وَكَانَ يَعْدَ ذلكَ القِصاصُ الحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثالِها إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ والسَّيِئَةُ بِمثْلِها إلَاّ أَن يَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهَا

مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لَا تخفى.

بَيَان رِجَاله: وهم أَرْبَعَة. الأول: مَالك بن أنس، رحمه الله. الثَّانِي: زيد بن أسلم، ابو اسامة الْقرشِي الْمَكِّيّ، مولى عمر بن الْخطاب، رضي الله عنه. الثَّالِث: عَطاء بن يسَار، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَالسِّين الْمُهْملَة، أَبُو مُحَمَّد الْمدنِي، مولى مَيْمُونَة أم الْمُؤمنِينَ. الرَّابِع: ابو سعيد سعد بن مَالك الْخُدْرِيّ، وَقد مر ذكرهم.

بَيَان لطائف اسناده مِنْهَا: أَن رُوَاته أَئِمَّة أجلاء مَشْهُورُونَ. وَمِنْهَا: أَنه مسلسل بِلَفْظ الْإِخْبَار على سَبِيل الِانْفِرَاد وَهُوَ الْقِرَاءَة على الشَّيْخ إِذا كَانَ القارىء وَحده، وَهَذَا عِنْد من فرق بَين الْإِخْبَار والتحديث، وَبَين أَن يكون مَعَه غَيره أَولا يكون. وَمِنْهَا: أَن فِيهِ التَّصْرِيح بِسَمَاع الصَّحَابِيّ من النَّبِي، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ يدْفع احْتِمَال سَمَاعه من صَحَابِيّ آخر، فَافْهَم.

بَيَان حكم الحَدِيث: ذكره البُخَارِيّ مُعَلّقا، وَلم يوصله فِي مَوضِع فِي الْكتاب، وَالْبُخَارِيّ لم يدْرك زمن مَالك، فَيكون تَعْلِيقا وَلكنه بِلَفْظ جازم، فَهُوَ صَحِيح وَلَا قدح فِيهِ، وَقَالَ ابْن حزم: إِنَّه قَادِح فِي الصِّحَّة لِأَنَّهُ مُنْقَطع، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، لِأَنَّهُ مَوْصُول من جِهَات أخر صَحِيحَة، وَلم يذكرهُ لشهرته، وَكَيف وَقد عرف من شَرطه وعادته أَنه لَا يجْزم إلَاّ بتثبت وَثُبُوت؟ وَلَيْسَ كل مُنْقَطع يقْدَح فِيهِ، فَهَذَا، وَإِن كَانَ يُطلق عَلَيْهِ أَنه مُنْقَطع بِحَسب الِاصْطِلَاح، إلَاّ أَنه فِي حكم الْمُتَّصِل فِي كَونه صَحِيحا، وَقد وَصله أَبُو ذَر الْهَرَوِيّ فِي بعض النّسخ فَقَالَ: أخبرنَا النضروي، وَهُوَ الْعَبَّاس بن الْفضل، ثَنَا الْحُسَيْن بن إِدْرِيس، ثَنَا هِشَام بن خَالِد، ثَنَا الْوَلِيد بن مُسلم، عَن مَالك بِهِ. وَكَذَا وَصله النَّسَائِيّ عَن أَحْمد بن الْمُعَلَّى بن يزِيد، عَن صَفْوَان بن صَالح، عَن الْوَلِيد بن مُسلم، عَن مَالك بن زيد بن أسلم بِهِ. وَقد وَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ بِزِيَادَة فِيهِ، فَقَالَ: أَخْبرنِي الْحسن بن سُفْيَان، ثَنَا حميد بن قُتَيْبَة الْأَسدي، قَالَ: قَرَأت على عبد الله بن نَافِع الصَّانِع أَن مَالِكًا اخبره قَالَ: واخبرني عبد الله بن مُحَمَّد بن مُسلم أَن أَبَا يُونُس بن عبد الْأَعْلَى حَدثنِي يحيى بن عبد الله بن بكير، ثَنَا عبد الله بن وهب أَبَا مَالك ابْن انس، وَاللَّفْظ لِابْنِ نَافِع، عَن زيد بن أسلم، عَن عَطاء بن يسَار، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، ان رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:(أذا اسْلَمْ العَبْد كتب الله لَهُ كل حَسَنَة قدمهَا، ومحى عَنهُ كل سَيِّئَة زلفها، ثمَّ قيل لَهُ: أيتنف الْعَمَل الْحَسَنَة بِعشر أَمْثَالهَا إِلَى سَبْعمِائة، والسيئة بِمِثْلِهَا، إلَاّ أَن يغْفر الله) . وَكَذَا أوصله الْحسن بن سُفْيَان من طَرِيق عبد الله بن نَافِع، وَالْبَزَّار من طَرِيق إِسْحَاق الْفَروِي، وَالْبَيْهَقِيّ فِي (الشّعب) من طَرِيق اسماعيل بن أبي أويس، كلهم عَن مَالك. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي كتاب (غرائب مَالك) : اتّفق هَؤُلَاءِ التِّسْعَة: ابْن وهب، والوليد بن مُسلم، وَطَلْحَة بن يحيى، وَزيد بن شُعَيْب، واسحاق الْفَروِي، وَسَعِيد الزبيرِي، وَعبد الله بن نَافِع، وابراهيم بن الْمُخْتَار، وَعبد الْعَزِيز بن يحيى فَرَوَوْه عَن مَالك عَن زيد عَن عَطاء عَن أبي سعيد، وَخَالفهُم معن بن عِيسَى فَرَوَاهُ عَن مَالك عَن زيد عَن عَطاء عَن أبي هُرَيْرَة، وَهِي رِوَايَة شَاذَّة وَرَوَاهُ سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن زيد بن اسْلَمْ عَن عَطاء مُرْسلا، وَقد حفظ مَالك الْوَصْل فِيهِ، وَهُوَ اتقن لحَدِيث أهل الْمَدِينَة من غَيره، وَقَالَ الْخَطِيب: هُوَ حَدِيث ثَابت، وَذكر الْبَزَّار أَن مَالِكًا تفرد بوصله، وَقَالَ ابْن بطال: حَدِيث أبي سعيد أسقط البُخَارِيّ بعضه، وَهُوَ حَدِيث مَشْهُور من رِوَايَة مَالك فِي غير الْمُوَطَّأ، وَنَصه:(إِذا أسلم الْكَافِر فَحسن إِسْلَامه كتب الله لَهُ لكل حَسَنَة كَانَ زلفها، ومحى عَنهُ كل سَيِّئَة كَانَ زلفها) . وَذكر بَاقِيه بِمَعْنَاهُ.

بَيَان اللُّغَات: قَوْله: (فَحسن إِسْلَامه) معنى: حسن الْإِسْلَام الدُّخُول فِيهِ بِالظَّاهِرِ وَالْبَاطِن جَمِيعًا، يُقَال فِي عرف الشَّرْع: حسن إِسْلَام فلَان، إِذا دخل فِيهِ حَقِيقَة، وَقَالَ ابْن بطال: مَعْنَاهُ مَا جَاءَ فِي حَدِيث جِبْرِيل، عليه السلام:(الْإِحْسَان ان تعبد الله كَأَنَّك ترَاهُ) ، فاراد مُبَالغَة الْإِخْلَاص لله، سبحانه وتعالى، بِالطَّاعَةِ والمراقبة لَهُ. قَوْله:(يكفر الله) من التَّكْفِير وَهُوَ التغطية فِي الْمعاصِي، كالإحباط فِي الطَّاعَات، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: التَّكْفِير إمَاطَة الْعقَاب من الْمُسْتَحق بِثَوَاب

ص: 250

أَزِيد اَوْ بتوبة. قَوْله: (كَانَ زلفها) أَي: قربهَا. وَقَالَ ابْن سَيّده: زلف الشَّيْء وزلفه قدمه. وَعَن ابْن الْأَعرَابِي: ازلف الشَّيْء قربه، وَفِي (الْجَامِع) : الزلفة تكون الْقرْبَة من الْخَيْر وَالشَّر، وَفِي (الصِّحَاح) : الزلف التَّقْدِيم، عَن أبي عبيد، وتزلفوا وازدلفوا أَي: تقدمُوا. وَقَالَ الْكرْمَانِي: زلفها، بتَشْديد اللَّام وَالْفَاء، أَي: أسلفها وقدمها. يُقَال: زلفته تزليفاً وأزلفته إزلافاً، بِمَعْنى التَّقْدِيم. وأصل الزلفة: الْقرْبَة، وَفِي بعض نسخ المغاربة: زلفها، بتَخْفِيف اللَّام. قلت: أزلفها بِزِيَادَة الْألف رِوَايَة أبي ذَر، وَرِوَايَة غَيره: زلفها بِدُونِ الالف وبالتخفيف. وَقَالَ النَّوَوِيّ بِالتَّشْدِيدِ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق طَلْحَة بن يحيى عَن مَالك بِلَفْظ:(مَا من عبد يسلم فَيحسن إِسْلَامه إلَاّ كتب الله كل حَسَنَة زلفها ومحى عَنهُ كل خَطِيئَة زلفها) . بِالتَّخْفِيفِ فيهمَا، وللنسائي نَحوه، لَكِن قَالَ: ازلفها، وزلف بِالتَّشْدِيدِ وأزلف بِمَعْنى وَاحِد، قَالَ الْخطابِيّ. وَفِي (الْمُحكم) : أزلف الشَّيْء: قربه، وزلفه، مخففاً ومثقلا: قدمه، وَفِي (الْمَشَارِق) : زلف بِالتَّخْفِيفِ أَي: جمع وَكسب، وَهَذَا يَشْمَل الْأَمريْنِ، وَأما الْقرْبَة فَلَا تكون إلَاّ فِي الْخَيْر، فَإِن قيل: على هَذَا رِوَايَة غير أبي ذَر راجحة. قلت: الَّذِي قَالَه الْخطابِيّ يساعد رِوَايَة أبي ذَر. فَافْهَم. قَوْله: (كتب الله) أَي: أَمر أَن يكْتب، وروى الدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق زين بن شُعَيْب عَن مَالك بِلَفْظ:(يَقُول الله لملائكته اكتبوا) . قَوْله: (الْقصاص)، قَالَ الصغاني: هُوَ الْقود. قلت: المُرَاد بِهِ هَهُنَا مُقَابلَة الشَّيْء بالشَّيْء أَي: كل شَيْء يعمله يعْطى فِي مُقَابِله شَيْء، ان خيرا فخيراً، وَإِن شرا فشراً. قَوْله:(ضعف) قَالَ الْجَوْهَرِي: ضعف الشَّيْء مثله، وضعفاه مثلاه، وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: فَلم أوجب الْفَقِيه فِيمَا لَو اوصى بِضعْف نصيب ابْنه مثلي نصِيبه، وبضعفي نصِيبه ثَلَاثَة أَمْثَاله؟ قلت: الْمُعْتَبر فِي الْوَصَايَا والأقارير الْعرف الْعَام لَا الْمَوْضُوع اللّغَوِيّ، أَقُول: الَّذِي قَالَه الجوهرى مَنْقُول عَن أبي عُبَيْدَة، وَلَكِن قَالَ الْأَزْهَرِي: الضعْف فِي كَلَام الْعَرَب الْمثل إِلَى مَا زَاد، وَلَيْسَ بمقصور على المثلين، بل جَائِز فِي كَلَام الْعَرَب أَن تَقول: هَذَا ضعفه أَي: مثلاه وَثَلَاثَة أَمْثَاله، لِأَن الضعْف فِي الأَصْل زِيَادَة غير محصورة. ألَا ترى إِلَى قَوْله تَعَالَى:{فاؤلئك لَهُم جَزَاء الضعْف بِمَا عمِلُوا} (سبإ: 59) لم يرد مثلا وَلَا مثلين، وَلَكِن أَرَادَ بالضعف الْأَضْعَاف، فَأَقل الضعْف مَحْصُور، وَهُوَ: الْمثل، وَأَكْثَره غير مَحْصُور. فَإِذا كَانَ كَذَلِك يجوز أَن يكون إِيجَاب الْفَقِيه فِي الْمَسْأَلَة الْمَذْكُورَة غير مَوْضُوع على الْعرف الْعَام، بل لوحظ فِيهِ اللُّغَة.

بَيَان الْإِعْرَاب: قَوْله: (يَقُول)، فِي مَحل النصب على أَنه مفعول ثَان لقَوْله:(سمع) : على قَول من يَدعِي أَنه يتَعَدَّى إِلَى مفعولين، وَالصَّحِيح أَنه لَا يتَعَدَّى، فَحِينَئِذٍ يكون نصبا على الْحَال، فان قيل: لِمَ لَمْ يقل: قَالَ مناسباً لسمع، مَعَ أَن الْقَضِيَّة مَاضِيَة؟ قلت: أُجِيب لغَرَض الاستحضار كَأَنَّهُ يَقُول الْآن، وَكَأَنَّهُ يُرِيد أَن يطلع الْحَاضِرين على ذَلِك القَوْل مُبَالغَة فِي تحقق وُقُوع القَوْل، وَذَلِكَ كَقَوْلِه تَعَالَى:{ان مثل عِيسَى عِنْد الله كَمثل آدم خلقه من تُرَاب ثمَّ قَالَ لَهُ كن فَيكون} (آل عمرَان: 59) من حَيْثُ لم يقل: فَكَانَ. قَوْله: (فَحسن) : عطف على: (أسلم) . قَوْله: (يكفر الله) ، جَزَاء الشَّرْط، أَعنِي قَوْله: اذا، وَيجوز فِيهِ الرّفْع والجزم، كَمَا فِي قَول الشَّاعِر:

(وَإِن أَتَاهُ خَلِيل يَوْم مسغبة

يَقُول: لَا غَائِب مَا لي وَلَا حرم)

وَذَلِكَ إِذا كَانَ فعل الشَّرْط مَاضِيا وَالْجَوَاب مضارعاً، وَعند الْجَزْم يلتقي الساكنان فَتحَرك الرَّاء بِالْكَسْرِ لِأَن الأَصْل فِي السَّاكِن إِذا حرك حرك بِالْكَسْرِ، وَلَكِن الرِّوَايَة هَهُنَا بِالرَّفْع، وَوَقع فِي رِوَايَة الْبَزَّار: كفر الله، بِصِيغَة الْمَاضِي، فَوَافَقَ فعل الشَّرْط. وَقَالَ بَعضهم: يكفر الله، بِضَم الرَّاء، لِأَن إِذا، وَإِن كَانَت من أدوات الشَّرْط لَكِنَّهَا لَا تجزم. قلت: هَذَا كَلَام من لم يشم من الْعَرَبيَّة شَيْئا. وَقد قَالَ الشَّاعِر:

(استغن مَا أَغْنَاك رَبك بالغنى

وَإِذا تصبك خصَاصَة فَتحمل)

قد جزم إِذا. قَوْله: (تصبك)، وَقد قَالَ الْفراء: تسْتَعْمل إِذا للشّرط، ثمَّ أنْشد الشّعْر الْمَذْكُور، ثمَّ قَالَ: وَلِهَذَا جزمه قَوْله: (كل سَيِّئَة) كَلَام إضافي مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول: (يكفر الله) . قَوْله: (كَانَ زلفها)، جمله فعلية فِي مَحل الْجَرّ لِأَنَّهَا صفة سَيِّئَة. قَوْله:(وَكَانَ بعد ذَلِك) أَي: بعد حسن الْإِسْلَام الْقصاص، وَهُوَ مَرْفُوع لِأَنَّهُ إسم كَانَ، وَهُوَ يحْتَمل أَن تكون نَاقِصَة وَأَن تكون تَامَّة، وَإِنَّمَا ذكره بِلَفْظ الْمَاضِي، وَإِن كَانَ السِّيَاق يَقْتَضِي لفظ الْمُضَارع، لتحَقّق وُقُوعه كَأَنَّهُ وَاقع، وَذَلِكَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {ونادى

ص: 251

اصحاب الْجنَّة} (الْأَعْرَاف: 44) قَوْله الْحَسَنَة مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ (وبعشر أَمْثَالهَا) فِي مَحل الرّفْع على الخبرية. قَوْله (إِلَى سَبْعمِائة) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف ومحلها النصب على الْحَال، أَي: منتهية إِلَى سَبْعمِائة. قَوْله: (والسيئة) مُبْتَدأ، (وبمثلها) خَبره، أَي: لَا يُزَاد عَلَيْهَا. قَوْله (إِلَّا أَن يتَجَاوَز الله عَنْهَا) أَي: عَن السَّيئَة، يعْنى: يعْفُو عَنْهَا.

بَيَان الْمعَانِي: فِيهِ اسْتِعْمَال الْمُضَارع مَوضِع الْمَاضِي، والماضي الْمُضَارع لنكات ذَكرنَاهَا، وَفِيه: الْجُمْلَة الاستئنافية وَهِي قَوْله: (الْحَسَنَة بِعشر أَمْثَالهَا) وَهِي فِي الْحَقِيقَة جَوَاب عَن السُّؤَال، وَلَا مَحل لَهَا من الْإِعْرَاب، وَقد علم أَن الْجُمْلَة من حَيْثُ هِيَ هى، غير معربة وَلَا تسْتَحقّ الْإِعْرَاب إلَاّ إِذا وَقعت موقع الْمُفْرد، فَحِينَئِذٍ تكتسي إعرابه محلا، وَقد نظم ابْن ام قَاسم النَّحْوِيّ الْجمل الَّتِي لَهَا مَحل من الْإِعْرَاب وَالَّتِي لَا مَحل لَهَا مِنْهُ بِثمَانِيَة أَبْيَات، وَهِي قَوْله:

(جمل أَتَت وَلها مَحل مُعرب

سبع لِأَن حلت مَحل الْمُفْرد)

(خبرية، حَالية، محكية

وَكَذَا الْمُضَاف لَهَا بِغَيْر تردد)

(ومعلق عَنْهَا، وتابعة لما

هُوَ مُعرب، أَو ذُو مَحل فاعدد)

(وَجَوَاب شَرط جازمٍ بالفاءِ أَو

بإذا وَبَعض، قَالَ: غير مُقَيّد)

(وأتتك سبع مَا لَهَا من مَوضِع:

صلَة، ومعترض، وَجُمْلَة مبتدى)

(وَجَوَاب أَقسَام، وَمَا قد فسرت

فِي أشهر وَالْخلف غير مبعد)

(وبعيد تحضيض، وَبعد مُعَلّق

لَا جازمٍ، وَجَوَاب ذَلِك اورد)

(وكذاك تَابِعَة لشَيْء مَا لَهُ

من مَوضِع، فاحفظه غير مُفند)

وَقد نظمها الشَّيْخ أثير الدّين أَبُو حَيَّان بِسِتَّة أَبْيَات، وَهِي قَوْله:

(وَخذ جملا سِتا، وَعشرا فنصفها

لَهَا مَوضِع الْإِعْرَاب جَاءَ مُبينًا)

(فوصفية، حَالية، خبرية

مُضَاف إِلَيْهَا، واحكِ بالْقَوْل مُعْلنا)

(كَذَلِك فِي التَّعْلِيق وَالشّرط والجزا

إِذا عَامل يَأْتِي بِلَا عمل هُنَا)

(وَفِي غير هَذَا لَا مَحل لَهَا كَمَا

أَتَت صلَة مبدوة فاتك العنا)

(مُفَسّر أَيْضا، وحشواً كَذَا أَتَت

كَذَلِك فِي التَحضيض نلْت بِهِ الْغِنَا)

(وَفِي الشَّرْط لم يعْمل كَذَاك جَوَابه

جَوَاب يَمِين مثله سرك المنى)

قَوْله: (الْحَسَنَة بِعشر أَمْثَالهَا) من قَوْله تَعَالَى: {من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ عشر أَمْثَالهَا} (الْأَنْعَام: 160) وَقَوله: (إِلَى سَبْعمِائة ضعف) من قَوْله تَعَالَى: {مثل الَّذين يُنْفقُونَ أَمْوَالهم فِي سَبِيل الله كَمثل حَبَّة أنبتت سبع سنابل فِي كل سنبلة مائَة حَبَّة وَالله يُضَاعف لمن يَشَاء} (الْبَقَرَة: 261) فَإِن قيل: بَين فِي الحَدِيث الِانْتِهَاء إِلَى سَبْعمِائة، وَقَوله تَعَالَى:{وَالله يُضَاعف لمن يَشَاء} (الْبَقَرَة: 261) يدل على أَنه قد يكون الِانْتِهَاء إِلَى أَكثر، وَالْجَوَاب: أَن الله يُضَاعف تِلْكَ المضاعفة، وَهِي أَن يَجْعَلهَا سَبْعمِائة، وَهُوَ ظَاهر. وَإِن قُلْنَا: إِن مَعْنَاهُ أَنه يُضَاعف السبعمائة بِأَن يزِيد عَلَيْهَا أَيْضا، فَذَلِك فِي مَشِيئَته تَعَالَى، واما المتحقق فَهُوَ إِلَى السبعمائة فَقَط، وَفِيه نظر، لِأَنَّهُ صرح فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس، رضي الله عنهما، أخرجه البُخَارِيّ فِي الرقَاق، وَلَفظه:(كتب الله لَهُ عشر حَسَنَات إِلَى سَبْعمِائة ضعف إِلَى أَضْعَاف كَثِيرَة) . وَفِي كتاب الْعلم، لابي بكر أَحْمد بن عَمْرو بن أبي عَاصِم النَّبِيل، ثَنَا شَيبَان الْأَيْلِي، ثَنَا سُوَيْد بن حَاتِم، ثَنَا أَبُو الْعَوام الجزار، عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ، عَن أبي هُرَيْرَة أَنه قَالَ:(إِن الله تَعَالَى يُعْطي بِالْحَسَنَة الفي ألف حَسَنَة) . وَأَيْضًا: فَفِي جملَة حَدِيث مَالك، مِمَّا اسقطه البُخَارِيّ (ان الْكَافِر إِذا حسن إِسْلَامه يكْتب لَهُ فِي الْإِسْلَام كل حَسَنَة عَملهَا فِي الشّرك) ، فَالله تَعَالَى من فَضله إِذا كتب الْحَسَنَات الْمُتَقَدّمَة قبل الاسلام فبالاولى أَن يتفضل على عَبده الْمُسلم بِمَا شَاءَ من غير حِسَاب، وَنَظِير هَذَا الَّذِي أسْقطه البُخَارِيّ مَا جَاءَ فِي حَدِيث حَكِيم بن حزَام:(أسلمت على مَا أسلفت من خير) . أخرجه البُخَارِيّ فِي الزَّكَاة، وَفِي الْعتْق. وَمُسلم فِي الْإِيمَان. فان قلت: لِمَ أسقط البُخَارِيّ هَذِه الزِّيَادَة؟ قلت: قيل: إِنَّه أسْقطه عمدا، وَقيل: لِأَنَّهُ مُشكل على الْقَوَاعِد، فَقَالَ الْمَازرِيّ، ثمَّ القَاضِي وَغَيرهمَا: ان الْجَارِي على الْقَوَاعِد وَالْأُصُول، أَنه لَا يَصح من الْكَافِر التَّقَرُّب، فَلَا يُثَاب على طَاعَته فِي شركه، لِأَن من شَرط التَّقَرُّب أَن يكون عَارِفًا بِمن تقرب

ص: 252

اليه، وَالْكَافِر لَيْسَ كَذَلِك، وَأولُوا حَدِيث حَكِيم بن حزَام من وُجُوه. الأول: أَن معنى قَوْله صلى الله عليه وسلم: (اسلمت على مَا اسلفت من خير) : إِنَّك اكْتسبت طباعاً جميلَة تنْتَفع بِتِلْكَ الطباع فِي الْإِسْلَام بِأَن يكون لَك مَعُونَة على فعل الطَّاعَات. وَالثَّانِي: اكْتسبت ثَنَاء جميلاً بَقِي لَك فِي الاسلام. وَالثَّالِث: لَا يبعد أَن يُزَاد فِي حَسَنَاته الَّتِي يَفْعَلهَا فِي الْإِسْلَام، وَيكثر أجره لما تقدم لَهُ من الْأَفْعَال الحميدة. وَقد جَاءَ أَن الْكَافِر إِذا كَانَ يفعل خيرا فَإِنَّهُ يُخَفف عَنهُ بِهِ، فَلَا يبعد أَن يُزَاد فِي أجوره. وَالرَّابِع: زَاده القَاضِي، وَهُوَ أَنه ببركة مَا سبق لَك من الْخَيْر هداك الله لِلْإِسْلَامِ، أَي: سبق لَك عِنْد الله من الْخَيْر مَا حملك على فعله فِي جاهليتك، وعَلى خَاتِمَة الْإِسْلَام. وتعقبهم النَّوَوِيّ فِي (شَرحه) فَقَالَ: هَذَا الَّذِي ذَكرُوهُ ضَعِيف، بل الصَّوَاب الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ، وَقد ادّعى فِيهِ الْإِجْمَاع على أَن الْكَافِر إِذا فعل أفعالاً جميلَة على جِهَة التَّقَرُّب إِلَى الله تَعَالَى: كصدقة وصلَة رحم واعتاق وَنَحْوهَا من الْخِصَال الجميلة، ثمَّ أسلم، يكْتب لَهُ كل ذَلِك ويثاب عَلَيْهِ إِذا مَاتَ على الْإِسْلَام، وَدَلِيله حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ الذى يَأْتِي الْآن، وَحَدِيث حَكِيم بن حزَام ظَاهر فِيهِ، وَهَذَا أَمر لَا يحيله الْعقل، وَقد ورد الشَّرْع بِهِ، فَوَجَبَ قبُوله. وَأما دَعْوَى كَونه مُخَالفا لِلْأُصُولِ فَغير مَقْبُولَة، وَأما قَول الْفُقَهَاء: لَا تصح عبَادَة من كَافِر وَلَو اسْلَمْ، لم يعْتد بهَا، فمرادهم: لَا يعْتد بهَا فِي أَحْكَام الدُّنْيَا، وَلَيْسَ فِيهِ تعرض لثواب الْآخِرَة، فان أقدم قَائِل على التَّصْرِيح بِأَنَّهُ إِذا أسلم لَا يُثَاب عَلَيْهَا فِي الْآخِرَة، فَهُوَ مجازف، فَيرد قَوْله بِهَذِهِ السّنة الصَّحِيحَة. وَقد يعْتد بِبَعْض أَفعَال الْكَافِر فى الدُّنْيَا، فَقَالَ: قَالَ الْفُقَهَاء: إِذا لزمَه كَفَّارَة ظِهَار وَغَيرهَا فَكفر فِي حَال كفره اجزأه ذَلِك، وَإِذا اسْلَمْ لَا يلْزم إِعَادَتهَا، وَاخْتلفُوا فِيمَا لَو اجنب واغتسل فِي كفره، ثمَّ اسْلَمْ، هَل يلْزمه إِعَادَة الْغسْل؟ وَالأَصَح اللُّزُوم، وَبَالغ بعض أَصْحَابنَا فَقَالَ: يَصح من كل كَافِر طَهَارَة، غسلا كَانَت أَو وضوء أَو تيمماً، وَإِذا أسلم صلى بهَا، وَقد ذهب إِلَى مَا ذهب إِلَيْهِ النَّوَوِيّ ابراهيم الْحَرْبِيّ وَابْن بطال والقرطبي وَابْن مُنِير، وَقَالَ ابْن مُنِير: الْمُخَالف للقواعد دَعْوَى أَنه يكْتب لَهُ ذَلِك فِي حَال كفره واما أَن الله يضيف إِلَى حَسَنَاته فِي الْإِسْلَام ثَوَاب مَا كَانَ صدر مِنْهُ مِمَّا كَانَ يَظُنّهُ خيرا، فَلَا مَانع مِنْهُ كَمَا لَو تفضل عَلَيْهِ ابْتِدَاء من غير عمل، وكما يتفضل على الْعَاجِز بِثَوَاب مَا كَانَ يعْمل وَهُوَ قَادر، فَإِذا جَازَ أَن يكْتب لَهُ ثَوَاب مَا لم يعْمل أَلْبَتَّة، جَازَ أَن يكْتب لَهُ ثَوَاب مَا عمله غير موفي الشُّرُوط. وَقَالَ ابْن بطال: لله تَعَالَى ان يتفضل على عباده بِمَا شَاءَ، وَلَا اعْتِرَاض عَلَيْهِ.

فَوَائِد: مِنْهَا: أَن فِيهِ الْحجَّة على الْخَوَارِج وَغَيرهم من الَّذين يكفرون بِالذنُوبِ ويوجبون خُلُود المذنبين فِي النَّار. وَمِنْهَا: أَن قَوْله: (إلَاّ ان يتَجَاوَز الله عَنْهَا) دَلِيل لمَذْهَب أهل السّنة أَنه تَحت الْمَشِيئَة، إِن شَاءَ الله تجَاوز عَنهُ، وَإِن شَاءَ أَخذه. وَمِنْهَا: أَن فِيهِ دَلِيلا لَهُم فِي أَن أَصْحَاب الْمعاصِي لَا يقطع عَلَيْهِم بالنَّار، خلافًا للمعتزلة، فَإِنَّهُم قطعُوا بعقاب صَاحب الْكَبِيرَة إِذا مَاتَ بِلَا تَوْبَة. وَمِنْهَا: مَا قَالَ بَعضهم: أول الحَدِيث يرد على من أنكر الزِّيَادَة وَالنَّقْص فِي الْإِيمَان، لِأَن الْحسن تَتَفَاوَت درجاته، قلت: هَذَا كَلَام سَاقِط، لِأَن الْحسن من أَوْصَاف الْإِيمَان، وَلَا يلْزم من قابلية الْوَصْف الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان قابلية الذَّات إيَّاهُمَا، لِأَن الذَّات من حَيْثُ هُوَ لَا يقبل ذَلِك كَمَا عرف فِي مَوْضِعه.

42 -

حدّثنا إسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ قَالَ حّدثنا عبدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ همامٍ عَنْ أَبى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذا أحْسَنَ أحَدُكُمْ إسْلَامَهُ فَكُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ لَهُ بِعَشْرِ أمْثَالِهَا إلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ وكُلُّ سَيِّئَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ لَهُ بِمِثْلِهَا.

مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

بَيَان رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: اسحق بن مَنْصُور بن بهْرَام، وَقَالَ النَّوَوِيّ، بِكَسْر الْبَاء، وَالْمَشْهُور فتحهَا، أَبُو يَعْقُوب الكوسج من أهل مرو سكن بنيسابور ورحل إِلَى الْعرَاق وَالشَّام والحجاز، روى عَنهُ الْجَمَاعَة إلَاّ أَبَا دَاوُد، وَهُوَ أحد الْأَئِمَّة من أَصْحَاب الحَدِيث، وَهُوَ الَّذِي دوَّن عَن أَحْمد الْمسَائِل. قَالَ النَّسَائِيّ: ثِقَة ثَبت، مَاتَ بنيسابور سنة إِحْدَى وَخمسين وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: عبد الرَّزَّاق بن همام بن نَافِع الْيَمَانِيّ الصَّنْعَانِيّ، سمع عبد الله المعمرى ومعمراً وَالثَّوْري ومالكاً وَغَيرهم، قَالَ معمر: عبد الرَّزَّاق خليق أَن يضْرب إِلَيْهِ أكباد الْإِبِل. وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: مَا رَأَيْت أحسن من عبد الرَّزَّاق. وَقَالَ

ص: 253

الْحَافِظ أَبُو احْمَد بن عدي، قَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِالْقَوِيّ، وَنسبه الْعَبَّاس بن عبد الْعَظِيم إِلَى الْكَذِب. قَالَ: والواقدي أصدق مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو أَحْمد: لعبد الرَّزَّاق حَدِيث كثير، وَقد رَحل إِلَيْهِ النَّاس وَكَتَبُوا عَنهُ، وَلم يرَوا بحَديثه بَأْسا، إلَاّ أَنهم نسبوه إِلَى التَّشَيُّع، وَقد روى أَحَادِيث فِي فَضَائِل أهل الْبَيْت ومثالب غَيرهم مِمَّا لم يُوَافقهُ عَلَيْهَا أحد من الثِّقَات، فَهَذَا أعظم مَا ذموه بِهِ من رِوَايَته الْمَنَاكِير، وَقَالَ النَّسَائِيّ فِي كتاب (الضُّعَفَاء) : عبد الرَّزَّاق بن همام فِيهِ نظر لمن كتب عَنهُ بِآخِرهِ، وَزَاد بَعضهم عَن النَّسَائِيّ: كتبت عَنهُ أَحَادِيث مَنَاكِير. وَقَالَ البُخَارِيّ فِي (التَّارِيخ الْكَبِير) : مَا حدث بِهِ عبد الرَّزَّاق من كِتَابه فَهُوَ أصح، مَاتَ سنة إِحْدَى عشرَة وَمِائَتَيْنِ، روى لَهُ الْجَمَاعَة. الثَّالِث: معمر، بِفَتْح الميمين، ابْن رَاشد، أَبُو عُرْوَة الْبَصْرِيّ، وَقد مر ذكره، فِي أول الْكتاب. الرَّابِع: همام، بتَشْديد الْمِيم، بن مُنَبّه بن كَامِل بن سيج، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَقيل بِكَسْرِهَا وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره جِيم، أَبُو عقبَة الْيَمَانِيّ الصَّنْعَانِيّ الذمارِي الأبناوي، أَخُو وهب، وَهُوَ أكبر مِنْهُ، تَابِعِيّ، سمع أَبَا هُرَيْرَة وَابْن عَبَّاس وَمُعَاوِيَة، قَالَ يحيى بن معِين: ثِقَة، توفّي سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَة بِصَنْعَاء، روى لَهُ الْجَمَاعَة، وَهُوَ من الْأَفْرَاد وَإِن كَانَ يشْتَرك مَعَه فِي الِاسْم دون الْأَب جمَاعَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، وَلَا يلْتَفت إِلَى تَضْعِيف الفلاس لَهُ، فَإِنَّهُ من فرسَان الصَّحِيحَيْنِ. الْخَامِس: ابو هُرَيْرَة، رضي الله عنه.

ذكر الانساب: الصَّنْعَانِيّ: نِسْبَة إِلَى صنعا مَدِينَة بِالْيمن، بِزِيَادَة النُّون فِي آخِره، وَالْقِيَاس أَن يُقَال: صنعاوي، وَمن الْعَرَب من يَقُوله، فابدلوا من الْهمزَة النُّون، لِأَن الالف وَالنُّون يشابهان ألفي التَّأْنِيث، وصنعا أَيْضا قَرْيَة بِالشَّام، وَهَذِه النِّسْبَة شَاذَّة. الْيَمَانِيّ: نِسْبَة إِلَى الْيمن، بِزِيَادَة الْألف، قَالَ الْجَوْهَرِي: الْيمن بِلَاد الْعَرَب، وَالنِّسْبَة إِلَيْهَا يمني ويمان، مُخَفّفَة وَالْألف عوض من يَاء النِّسْبَة، فَلَا يَجْتَمِعَانِ. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَبَعْضهمْ يَقُول: يماني، بِالتَّشْدِيدِ. فَافْهَم. الذمارِي، بِكَسْر الذَّال الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْمِيم، نِسْبَة إِلَى ذمار، على مرحلَتَيْنِ من صنعاء وَفِي الْعباب: ذمار بِفَتْح الذَّال وَيُقَال ذمار مثل قطام، قَرْيَة بِالْيمن على مرحلة من صنعاء، سميت بقيل من أقيال حمير. الأبناوي، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح النُّون، نِسْبَة إِلَى: الْأَبْنَاء، وهم قوم بِالْيمن من ولد الْفرس الَّذين جهزهم كسْرَى مَعَ سيف بن ذِي يزن إِلَى ملك الْحَبَشَة، فغلبوا الْحَبَشَة وَأَقَامُوا بِالْيمن، وَقَالَ ابو حَاتِم بن حبَان: كل من ولد بِالْيمن من أَوْلَاد الْفرس، وَلَيْسَ من الْعَرَب يُقَال: ابناوي، وهم: الابناويون.

بَيَان لطائف اسناده: مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث والإخبار والعنعنة، قَوْله:(حَدثنَا إِسْحَاق بن مَنْصُور)، وَفِي النّسخ: حَدثنِي، بِالْإِفْرَادِ، وَقَوله:(حَدثنَا معمر)، وَفِي بعض النّسخ: اُخْبُرْنَا معمر. وَمِنْهَا: أَن هَذَا الْإِسْنَاد إِسْنَاد حَدِيث من نُسْخَة همام الْمَشْهُورَة المروية بِإِسْنَاد وَاحِد عَن عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَنهُ، وَقد اخْتلفُوا فِي إِفْرَاد حَدِيث من نُسْخَة هَل يساق بإسنادها وَلَو لم يكن مُبْتَدأ بِهِ أَو لَا، فالجمهور على جَوَازه، وَمِنْهُم البُخَارِيّ، وَقيل: بِالْمَنْعِ، وَمُسلم أَيْضا أخرجه بِهَذَا السَّنَد، غير أَنه عَن شَيْخه مُحَمَّد بن رَافع عَن عبد الرَّزَّاق

الخ، وَلكنه أخرجه معلولاً، وَهُوَ أَيْضا أخرجه فِي كتاب الْإِيمَان، وغالب مَا يتَعَلَّق بِالْحَدِيثِ من الْكَلَام فِي الْوُجُوه الْمَذْكُورَة قد مر فِي الحَدِيث السَّابِق، قَوْله:(أحدكُم) ، الْخطاب فِيهِ بِحَسب اللَّفْظ، وَإِن كَانَ للحاضرين من الصَّحَابَة، لَكِن الحكم عَام لما علم أَن حكمه، عليه الصلاة والسلام، على الْوَاحِد حكم على الْجَمَاعَة إلَاّ بِدَلِيل مُنْفَصِل، وَكَذَا حكمه تنَاول النِّسَاء، وَكَذَا فِيمَا إِذا قَالَ: إِذا أسلم الْمَرْء أَو العَبْد، فَإِن المُرَاد مِنْهُ الرِّجَال وَالنِّسَاء جَمِيعًا بالِاتِّفَاقِ، وَأما النزاع فِي كَيْفيَّة التَّنَاوُل أَهِي حَقِيقَة عرفية أَو شَرْعِيَّة أَو مجَاز أَو غير ذَلِك؟ قَوْله:(إِذا أحسن أحدكُم إِسْلَامه) كَذَا فِي رِوَايَة مُسلم أَيْضا، وَوَقع فِي مُسْند إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه عَن عبد الرَّزَّاق: إِذا أحسن إِسْلَام أحدكُم، وَرَوَاهُ الاسماعيلي من طَرِيق ابْن الْمُبَارك عَن عبد الرَّزَّاق عَن معمر كالاول، فَإِن قيل: فِي الحَدِيث السَّابِق: الْحَسَنَة والسيئة، وَهَهُنَا: كل حَسَنَة وكل سَيِّئَة، فَمَا الْفرق بَينهمَا؟ قلت: لَا فرق بَينهمَا فِي الْمَعْنى، لِأَن الْألف وَاللَّام فيهمَا هُنَاكَ للاستغراق، وكل: أَيْضا، للاستغراق، وَكَذَا لَا فرق فِي إِطْلَاق الْحَسَنَة ثمَّة، وَالتَّقْيِيد هُنَا بقوله:(يعملها) إِذْ الْمُطلق مَحْمُول على الْمُقَيد، لِأَن الْحَسَنَة المنوية لَا تكْتب بالعشر، إِذْ لَا بُد من الْعَمَل حَتَّى تكْتب بهَا، وَأما السَّيئَة فَلَا اعْتِدَاد بهَا دون الْعَمَل أصلا، وَكَذَا فِي زِيَادَة لفظ تكْتب هُنَا، إِذْ ثمَّة أَيْضا مُقَدّر بِهِ، لِأَن الْجَار لَا بُد لَهُ من مُتَعَلق، وَهُوَ: تكْتب، أَو تثبت، أَو نَحْوهمَا. قَوْله:(بِمِثْلِهَا)، وَزَاد مُسلم واسحاق والأسماعيلي فِي روايتهم: حَتَّى يلقى الله تَعَالَى، فَإِن قلت: أَيْن جَوَاب إِذا؟ قلت: الْجُمْلَة بِالْفَاءِ، أَعنِي قَوْله:(فَكل حَسَنَة يعملها تكْتب لَهُ) فَقَوله: كل حَسَنَة، كَلَام

ص: 254