المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌{باب سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلم الساعة} ) - عمدة القاري شرح صحيح البخاري - جـ ١

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌(كتاب الْإِيمَان)

- ‌(بَاب الْإِيمَان وَقَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم بني الْإِسْلَام على خمس)

- ‌(بَاب دعاؤكم إيمَانكُمْ)

- ‌(بَاب أُمُورِ الإِيمَانِ)

- ‌(بَاب المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ)

- ‌(بَاب أيُّ الإِسْلَام أفْضَلُ)

- ‌(بَاب إطْعَامُ الطَّعَامِ مِنَ الإِسْلَامِ)

- ‌(بَاب مِنَ الإِيمَانِ أنْ يُحِبَّ لإِخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)

- ‌(بَاب حُبُّ الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الإِيمَانِ)

- ‌(بَاب حَلَاوَةِ الإِيمَانِ)

- ‌(بَاب عَلَامَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الانْصَارِ)

- ‌(بَاب)

- ‌(بَاب مِنَ الدِّينِ الفِرَارُ مِنَ الفِتَنِ)

- ‌(بَاب قَوْلِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِاللَّه، وأنَّ المَعْرِفَةَ فِعْلُ القَلْبِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {ولَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} )

- ‌(بَاب مَنْ كَرِهَ أنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَن يُلْقَى فِي النارِ مِن الإِيمانِ)

- ‌(بابُ تَفَاضُلِ أَهْلِ الإِيمانِ فِي الأَعْمَالِ)

- ‌(بَاب الحَياءُ مِنَ الإيمانِ)

- ‌(بَاب {فَإِن تَابُوا وَأقَامُوا الصَّلَاةَ وآتُوا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} )

- ‌(بابُ مَنْ قَالَ: إنّ الإيمَانَ هُوَ العَمَلُ لقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} )

- ‌(بابُ إذَا لَمْ يَكُنِ الإسْلَامُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وكانَ عَلَى الإستسْلَامِ أَو الْخَوْفِ مِنَ الْقَتْلِ لِقَوْلِهِ تَعَالىَ {قَالَتِ الَاعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أسْلَمْنَا} فَاذَا كانَ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَهْوَ

- ‌(بابُ إفْشاءُ السَّلَامِ مِنَ الإسْلَامِ)

- ‌(بابُ كُفْرَانِ العَشِيرِ وَكُفْرٍ دُونَ كُفْرٍ)

- ‌(بَاب المَعَاصِي مِنْ أمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ وَلَا يُكَفَّرُ صَاحِبُهَا بِارْتِكابِهَا إلَاّ بِالشِّرْكِ لِقَوْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: إنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جاهِليَّةٌ وقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {إنّ الله لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ

- ‌(بَاب {وإنْ طَائِفَتَانِ مِنْ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فأصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَسَمَّاهُمُ المُؤْمِنِينَ} )

- ‌(بَاب ظُلْمٌ دُونَ ظُلْمٍ)

- ‌(بابُ عَلَاماتِ المُنَافِقِ)

- ‌(بابُ قِيامُ لَيْلَةِ القَدْرِ مِنَ الإيمانِ)

- ‌(بابٌ الْجِهادُ مِنَ الإيمانِ)

- ‌(بابٌ تَطَوُّعُ قِيام رَمَضَانَ مِنَ الْإِيمَان)

- ‌(بابٌ صَوْمُ رَمَضانَ احْتِسابا مِنَ الإيمانِ)

- ‌(بابٌ الدِّينُ يُسْرٌ)

- ‌(بابٌ الصَّلاةُ مِنَ الإيمانِ)

- ‌(بابُ حُسْنِ إسْلَامِ المَرْء)

- ‌(بَاب أحَبُّ الدِّينِ إلَى اللَّهِ أدْوَمُهُ)

- ‌(بابُ زِيَادَةِ الإيمَانِ ونُقْصَانِهِ)

- ‌(قَالَ أَبُو عبد الله قَالَ أبان حَدثنَا قَتَادَة حَدثنَا أنس عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم " عَن إِيمَان " مَكَان " من خير

- ‌(بَاب الزَّكاةُ مِنَ الإسْلَامِ)

- ‌(بابُ اتِّبَاعُ الْجَنائِزِ مِنَ الإِيمَان)

- ‌(بابُ خَوْفِ ألمُؤمِنِ مِنْ أنْ يَحْبَطَ عَملُهُ لَا يَشْعُرُ)

- ‌{بَاب سُؤال جِبْريلَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عنِ الإيمانِ والإسْلامِ والإحْسانِ وعِلْمِ السَّاعةِ} )

- ‌(قَالَ أَبُو عبد الله جعل ذَلِك كُله من الْإِيمَان)

- ‌(بَاب)

- ‌(بابُ فَضْلِ مَنِ اسْتَبْرأَ لِدِينِهِ)

- ‌(بَاب أَدَاءُ الْخُمُسِ مِنَ الإيمانِ)

- ‌(بَاب مَا جاءَ أنّ الأعْمَال بالنِّيَّةِ والحِسْبَةِ ولِكُلِّ امرِىء مَا نَوَى)

- ‌(بَاب قَوْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الدِّينُ النَّصِيحَةُ للَّهِ ولِرَسُولِهِ ولأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ

الفصل: ‌{باب سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلم الساعة} )

بِكَسْر الْهمزَة عطف على قَوْله إِنِّي وَالضَّمِير فِيهِ للشان وَقَوله " تلاحى فلَان " جملَة فِي مَحل الرّفْع على انه خبر أَن قَوْله " فَرفعت " عطف على تلاحى وَالْفَاء تصلح للسَّبَبِيَّة قَوْله " وَعَسَى أَن يكون " قد علم أَن فَاعل عَسى على نَوْعَيْنِ أَحدهمَا أَن يكون اسْما نَحْو عَسى زَيْدَانَ يخرج فزيد مَرْفُوع بالفاعلية وَأَن يخرج فِي مَوضِع نصب لانه بِمَنْزِلَة قَارب زيد الْخُرُوج وَالثَّانِي أَن تكون أَن مَعَ جُمْلَتهَا فِي مَوضِع الرّفْع نَحْو عَسى أَن يخرج زيد فَتكون إِذْ ذَاك بِمَنْزِلَة قرب أَن يخرج أَي خُرُوجه إِلَّا أَن الْمصدر لم يسْتَعْمل وَقَوله عَسى أَن يكون من قبيل الثَّانِي وَالضَّمِير فِي يكون يرجع إِلَى الرّفْع الدَّال عَلَيْهِ قَوْله فَرفعت وَقَوله خير لنصب بِأَنَّهُ خبر يكون (بَيَان الْمعَانِي) قَوْله " فتلاحى رجلَانِ " هما عبد الله بن أبي حَدْرَد بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة وَفِي آخِره دَال اخرى وَكَعب بن مَالك كَانَ على عبد الله دين لكعب يَطْلُبهُ فتنازعا فِيهِ ورفعا صوتيهما فِي الْمَسْجِد قَوْله " فَرفعت " قَالَ النَّوَوِيّ أَي رفع بَيَانهَا أَو علمهَا والافهى بَاقِيَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة قَالَ وشذ قوم فَقَالُوا رفعت لَيْلَة الْقدر وَهَذَا غلط لِأَن آخر الحَدِيث يرد عَلَيْهِم فَأَنَّهُ قَالَ عليه الصلاة والسلام " التمسوها " وَلَو كَانَ المُرَاد رفع وجودهَا لم يَأْمُرهُم بالتماسها لَا يُقَال كَيفَ يُؤمر بِطَلَب مَا رفع علمه لانا نقُول المُرَاد طلب التَّعَبُّد فِي مظانها وَرُبمَا يَقع الْعَمَل مصادفاً لَهَا أَنه مَأْمُور بِطَلَب الْعلم بِعَينهَا والاوجه أَن يُقَال رفعت من قلبِي بِمَعْنى نسيتهَا يدل عَلَيْهِ مَا جَاءَ فِي رِوَايَة مُسلم من حَدِيث أبي سعيد " فجَاء رجلَانِ يحتقنان " بتَشْديد الْقَاف أَي يدعى كل مِنْهُمَا أَنه المحق " مَعَهُمَا الشَّيْطَان فنسيتها " وَيعلم من حَدِيث عبَادَة ان سَبَب الرّفْع التلاحى وَمن حَدِيث أبي سعيد هُوَ النسْيَان وَيحْتَمل أَن يكون السَّبَب هُوَ الْمَجْمُوع وَلَا مَانع مِنْهُ قَوْله " وَعَسَى أَن يكون خير لكم " لتزيدوا فِي الِاجْتِهَاد وتقوموا فِي اللَّيَالِي لطلبها فَيكون زِيَادَة فِي ثوابكم وَلَو كَانَت مُعينَة لاقتنعتم بِتِلْكَ اللَّيْلَة فَقل عَمَلكُمْ قَوْله " التمسوها فِي السَّبع " أَي لَيْلَة السَّبع وَالْعِشْرين من رَمَضَان وَالتسع وَالْعِشْرين مِنْهُ وَالْخمس وَالْعِشْرين مِنْهُ وَهَكَذَا وَقع فِي مستخرج ابي نعيم فان قلت من أَيْن اسْتُفِيدَ التَّقْيِيد بالعشرين وبرمضان قلت من الْأَحَادِيث الآخر الدَّالَّة عَلَيْهِمَا وَقد مر فِي بَاب قيام لَيْلَة الْقدر الْأَقْوَال الَّتِي ذكرت فِيهَا بَيَان استنباط الْأَحْكَام الأول فِيهِ ذمّ الملاحاة وَنقص صَاحبهَا الثَّانِي أَن الملاحاة والمخاصمة سَبَب الْعقُوبَة للعامة بذنب الْخَاصَّة فَإِن الْأمة حرمت اعلام هَذِه اللَّيْلَة بِسَبَب التلاحى بِحَضْرَتِهِ الشَّرِيفَة لَكِن فِي قَوْله " وَعَسَى أَن يكون خيرا " بعض التأنيس لَهُم وَقَالَ النَّوَوِيّ ادخل البُخَارِيّ فِي هَذَا الْبَاب لِأَن رفع لَيْلَة الْقدر كَانَ بِسَبَب تلاحيهما ورفعهما الصَّوْت بِحَضْرَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَفِيهِ مذمة الملاحاة ونقصان صَاحبهَا وَقَالَ الْكرْمَانِي فَأن قلت إِذا جَازَ أَن يكون الرّفْع خيرا فلامذمة فِيهِ وَلَا شَرّ وَلَا حَبط عمل قلت أَن أُرِيد بِالْخَيرِ اسْم التَّفْصِيل فَمَعْنَاه أَن الرّفْع عَسى أَن يكون خيرا من عدم الرّفْع خير فلامذمة فِيهِ وَلَا شَرّ وَلَا حَبط عمل قلت أَن أُرِيد بِالْخَيرِ اسْم التَّفْضِيل فَمَعْنَاه أَن الرّفْع عَسى أَن يكون خيرا وَأَن عدم الرّفْع أَزِيد خيرا وَأولى مِنْهُ ثمَّ أَن خيرية ذَاك كَانَت مُحَققَة وخيرية هَذَا مرجوة لِأَن مفَاد عَسى هُوَ الرَّجَاء لَا غير. الثَّالِث فِيهِ الْحَث على طلب لَيْلَة الْقدر. الرَّابِع قَالَ القَاضِي عِيَاض فِيهِ دَلِيل على أَن الْمُخَاصمَة مذمومة وَأَنَّهَا مثل الْعقُوبَة المعنوية وَقَالَ بَعضهم فان قيل كَيفَ تكون الْمُخَاصمَة فِي طلب الْحق مذمومة قُلْنَا إِنَّمَا كَانَت كَذَلِك لوقوعها فِي الْمَسْجِد وَهُوَ مَحل الذّكر لَا اللَّغْو سِيمَا فِي الْوَقْت الْمَخْصُوص أَيْضا بِالذكر وَهُوَ شهر رَمَضَان قلت طلب الْحق غير مَذْمُوم لَا فِي الْمَسْجِد وَلَا فيا لوقت الْمَخْصُوص وَإِنَّمَا المذمة فِيهَا لَيست رَاجِعَة إِلَى مُجَرّد الْخُصُومَة فِي الْحق وَإِنَّمَا هِيَ رَاجِعَة إِلَى زِيَادَة مُنَازعَة حصلت بَينهمَا عَن الْقدر الْمُحْتَاج إِلَيْهِ وَتلك الزِّيَادَة هِيَ اللَّغْو وَالْمَسْجِد لَيْسَ بِمحل اللَّغْو مَعَ مَا كَانَ فِيهَا من رفع الصَّوْت بِحَضْرَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَافْهَم.

37 -

( ‌

{بَاب سُؤال جِبْريلَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عنِ الإيمانِ والإسْلامِ والإحْسانِ وعِلْمِ السَّاعةِ} )

الْكَلَام فِيهِ على أَنْوَاع. الأول: أَن التَّقْدِير: هَذَا بَاب فِي بَيَان سُؤال جِبْرَائِيل عليه السلام الخ. وَالْبَاب مُضَاف إِلَى السُّؤَال، وَالسُّؤَال

ص: 281

إِلَى جِبْرِيل إِضَافَة الْمصدر إِلَى فَاعله، وَجِبْرِيل لَا ينْصَرف للعلمية والعجمة، وَقد تكلمنا فِيهِ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة فِي أَوَائِل الْكتاب. وَقَوله:(النَّبِي) مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول الْمصدر، وَقَوله:(عَن الْإِيمَان) يتَعَلَّق بالسؤال. الثَّانِي: وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ من حَيْثُ إِن الْمَذْكُور فِي الْبَاب الأول هُوَ الْمُؤمن الَّذِي يخَاف أَن يحبط عمله وَفِي هَذَا الْبَاب يذكر بِمَاذَا يكون الرجل مُؤمنا، وَمن الْمُؤمن فِي الشَّرِيعَة. الثَّالِث: قَوْله (وَعلم السَّاعَة) عطف على قَوْله: الْإِيمَان، أَي: علم الْقِيَامَة. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: سميت سَاعَة لوقوعها بَغْتَة، أَو لسرعة حِسَابهَا، أَو على الْعَكْس لطولها. فَهُوَ تمليح، كَمَا يُقَال فِي الْأسود كافورا، وَلِأَنَّهَا عِنْد الله تَعَالَى على طولهَا كساعة من السَّاعَات عِنْد الْخلق. فَإِن قلت: كَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول: وَوقت السَّاعَة، لِأَن السُّؤَال عَن وَقتهَا حَيْثُ قَالَ، مَتى السَّاعَة؟ وَكلمَة مَتى، للْوَقْت، وَلَيْسَ السُّؤَال عَن علمهَا. قلت: فِيهِ حذف تَقْدِيره: وَعلم وَقت السَّاعَة، بِقَرِينَة ذكر: مَتى، وَالْعلم لَازم السُّؤَال، إِذْ مَعْنَاهُ: أتعلم وَقت السَّاعَة؟ فَأَخْبرنِي، فَهُوَ مُتَضَمّن للسؤال عَن علم وَقتهَا.

وبيَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَهُ ثمَّ قَالَ جاءَ جِبْرِيلُ عليه السلام يُعَلِّمُكمْ دِينَكُمْ فَجَعلَ ذلِكَ كُلَّهُ دِينا. وَمَا بَيَّنَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لِوَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ مِنَ الإيمانِ. وقَوْلِهِ تَعَالَى {ومَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنهُ} (آل عمرَان: 85) .

و: بَيَان، مجرور لِأَنَّهُ عطف على قَوْله: سُؤال، قَوْله:(لَهُ) أَي: لجبريل، عليه السلام، وَقد أعَاد الْكرْمَانِي الضَّمِير إِلَى الْمَذْكُور من قَوْله:(عَن الْإِيمَان وَالْإِسْلَام والاحسان وَعلم السَّاعَة) ، وَهَذَا وهم مِنْهُ، ثمَّ تكلّف بِجَوَاب عَن سُؤال بناه على مَا زَعمه ذَلِك، فَقَالَ: فَإِن قلت: لم يبين النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَقت السَّاعَة، فَكيف قَالَ: وَبَيَان النَّبِي، عليه السلام، لَهُ لِأَن الضَّمِير إِمَّا رَاجع إِلَى الْأَخير أَو إِلَى مَجْمُوع الْمَذْكُور؟ قلت: إِمَّا أَنه أطلق وَأَرَادَ أَكْثَره، إِذْ حكم مُعظم الشَّيْء حكم كُله، أَو جعل الحكم فِيهِ بِأَنَّهُ لَا يُعلمهُ إلَاّ الله بَيَانا لَهُ. قَوْله:(ثمَّ قَالَ) أَي: النَّبِي، عليه السلام، وَهَذَا إِشَارَة إِلَى كَيْفيَّة استدلاله من سُؤال جِبْرِيل، عليه السلام، وَجَوَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِيَّاه على جعل كل ذَلِك دينا، فَلذَلِك قَالَ: ثمَّ قَالَ، بِالْجُمْلَةِ الفعلية عطفا على الْجُمْلَة الاسمية، لِأَن الأسلوب يتَغَيَّر بِتَغَيُّر الْمَقْصُود، لِأَن مَقْصُوده من الْكَلَام الأول هُوَ التَّرْجَمَة، وَمن هَذَا الْكَلَام كَيْفيَّة الِاسْتِدْلَال، فلتغاير المقصودين تغاير الأسلوبان، وَفِي عطف الفعلية على الاسمية وعكسها خلاف بَين النُّحَاة. قَوْله:(فَجعل) أَي: رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَوْله: (ذَلِك) إِشَارَة إِلَى مَا ذكر فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْآتِي. فَإِن قلت: علم وَقت السَّاعَة لَيْسَ من الْإِيمَان، فَكيف قَالَ كُله، قلت: الِاعْتِقَاد بوجودها، وبعدم الْعلم بوقتها لغير الله تَعَالَى من الدّين أَيْضا أَو أعْطى للْأَكْثَر حكم الْكل مجَازًا، فِيهِ نظر لِأَن لَفظه: كل، يدْفع الْمجَاز. قَوْله:(وَمَا بَين النَّبِي صلى الله عليه وسلم كلمة الْوَاو هُنَا بِمَعْنى المصاحبة، وَالْمعْنَى: جعل النَّبِي، عليه السلام، سُؤال جِبْرِيل، وَجَوَاب النَّبِي، عليه السلام، كُله دينا مَعَ مَا بيَّن لوفد عبد الْقَيْس من الْإِيمَان، وَبَينه فِي قصتهم بِمَا فسر بِهِ الاسلام هَهُنَا، وَأَرَادَ بِهَذَا الْإِشْعَار بِأَن الْإِيمَان وَالْإِسْلَام وَاحِد، على مَا هُوَ مذْهبه وَمذهب جمَاعَة من الْمُحدثين، وَقد نقل أَبُو عوَانَة الاسفرائني فِي (صَحِيحه) عَن الْمُزنِيّ صَاحب الشَّافِعِي، رحمه الله، الْجَزْم بِأَنَّهُمَا وَاحِد، وَأَنه سمع ذَلِك مِنْهُ. وَعَن الإِمَام أَحْمد الْجَزْم بتغايرهما، وَقد بسطنا الْكَلَام فِيهِ فِي أَوَائِل كتاب الْإِيمَان. وَكلمَة مَا، مَصْدَرِيَّة تَقْدِيره: مَعَ بَيَان النَّبِي، عليه السلام، لوفد عبد الْقَيْس. قَوْله: وَقَوله {وَمن يبتغ غير الاسلام دينا فَلَنْ يقبل مِنْهُ} (آل عمرَان: 85) عطف على قَوْله: (وَمَا بَين النَّبِي عليه السلام ، وَالتَّقْدِير: وَمَعَ قَوْله تَعَالَى: {وَمن يبتغ} (آل عمرَان: 85) أَي مَعَ مَا دلّت عَلَيْهِ الْآيَة أَن الْإِسْلَام هُوَ الدّين، أَي: وَمن يطْلب غير الْإِسْلَام دينا، والابتغاء: الطّلب.

(حَدثنَا مُسَدّد قَالَ حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم أخبرنَا أَبُو حَيَّان التَّيْمِيّ عَن أبي زرْعَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم بارزاً يَوْمًا للنَّاس فَأَتَاهُ جِبْرِيل فَقَالَ مَا الْإِيمَان قَالَ الْإِيمَان أَن تؤمن بِاللَّه وَمَلَائِكَته وبلقائه وَرُسُله وتؤمن بِالْبَعْثِ قَالَ الْإِسْلَام قَالَ الْإِسْلَام أَن تعبد الله وَلَا تشرك بِهِ وتقيم الصَّلَاة وَتُؤَدِّي الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة وتصوم رَمَضَان قَالَ مَا الْإِحْسَان

ص: 282

قَالَ أَن تعبد الله كَأَنَّك ترَاهُ فَإِن لم تكن ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك قَالَ مَتى السَّاعَة قَالَ مَا المسؤل عَنْهَا بِأَعْلَم من السَّائِل وسأخبرك عَن أشراطها إِذا ولدت الْأمة رَبهَا وَإِذا تطاول رُعَاة الْإِبِل البهم فِي الْبُنيان فِي خمس لَا يعلمهُنَّ إِلَّا الله ثمَّ تَلا النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِن الله عِنْده علم السَّاعَة الْآيَة ثمَّ أدبر فَقَالَ ردُّوهُ فَلم يرَوا شَيْئا فَقَالَ هَذَا جِبْرِيل جَاءَ يعلم النَّاس دينهم) مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة (بَيَان رِجَاله) وهم خَمْسَة الأول مُسَدّد بن مسرهد وَقد مر ذكر فِي بَاب من الْإِيمَان أَن يحب لِأَخِيهِ الثَّانِي اسمعيل بن إِبْرَاهِيم بن سهم بن مقسم أَبُو بشر مولى بني اسد بن خُزَيْمَة الْمَشْهُور بِابْن عَلَيْهِ بِضَم الْعين وَفتح اللَّام وَتَشْديد الْيَاء وَكَانَت امْرَأَة عَاقِلَة نبيلة وَكَانَ صَالح الْمزي ووجوه أهل الْبَصْرَة وفقهاؤها يدْخلُونَ عَلَيْهَا فَتبرز لَهُم وتحادثهم وتسأئلهم وَقد مر ذكره فِي بَاب حب الرَّسُول من الْإِيمَان الثَّالِث أَبُو حبَان بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف واسْمه يحيى بن حَيَّان الْكُوفِي فِي التَّيْمِيّ قَالَ أَحْمد بن عبد الله هُوَ ثِقَة صَالح بر صَاحب سنة مَاتَ سنة خمس وَأَرْبَعين وَمِائَة روى لَهُ الْجَمَاعَة ونسبته إِلَى تيم الربَاب وحيان أما مُشْتَقّ من الْحَيَاة فَلَا ينْصَرف أَو من الْحِين فَيَنْصَرِف الرَّابِع أَبُو زرْعَة هرم بن عَمْرو بن جرير البجلى تقدم ذكره فِي بَاب الْجِهَاد من الْإِيمَان الْخَامِس أَبُو هُرَيْرَة (بَيَان لطائف اسناده) . مِنْهَا أَن التحديث والعنعة. وَمِنْهَا أَن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم قد ذكره البُخَارِيّ فِي بَاب حب الرَّسُول من الْإِيمَان بنسبته إِلَى أمه حَيْثُ قَالَ حَدثنَا يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم حَدثنَا ابْن علية عَن عبد الْعَزِيز وَذكره هَهُنَا باسم أَبِيه وَهَذَا دَلِيل على كال ضبط البُخَارِيّ وأمانته حَيْثُ نقل لفظ الشُّيُوخ بِعَيْنِه فأداه كَمَا سَمعه وَمِنْهَا أَن فِيهِ أَبَا حَيَّان وَهُوَ غير تَابِعِيّ وَقد روى عَنهُ تابعيان كَبِير أَن أَيُّوب وَالْأَعْمَش (بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه هَهُنَا عَن مُسَدّد عَن إِسْمَاعِيل وَفِي التَّفْسِير عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن جرير كِلَاهُمَا عَن ابي حَيَّان وَفِي الزَّكَاة مُخْتَصرا عَن عبد الرَّحِيم عَن عقيل عَن زُهَيْر عَن أبي حَيَّان أخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَزُهَيْر بن حَرْب كِلَاهُمَا عَن إِسْمَاعِيل بن علية وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير عَن مُحَمَّد بن بشر عَن ابي حَيَّان وَعَن زُهَيْر عَن جرير عَن عمَارَة كِلَاهُمَا عَن أبي زرْعَة وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي السّنة بِتَمَامِهِ وَفِي الْفِتَن بِبَعْضِه عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي السّنة عَن عُثْمَان عَن جرير عَن أبي فَرْوَة الهمذاني عَن أبي زرْعَة عَن أبي ذَر وَأبي هُرَيْرَة وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْإِيمَان عَن مُحَمَّد بن قدامَة عَن جريرية وَفِي الْعلم عَن إِسْحَاق ابْن إِبْرَاهِيم عَن جرير مُخْتَصرا من غير ذكر سُؤال السَّائِل وَقد أخرجه مُسلم من حَدِيث عمر بن الْخطاب رضي الله عنه وَلم يُخرجهُ البُخَارِيّ لاخْتِلَاف فِيهِ على بعض رُوَاته فمشهوره رِوَايَة كهمس بن الْحسن عَن عبد الله عَن بُرَيْدَة يحيى ابْن يعمر بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْمِيم عَن عبد الله بن عمر عَن أَبِيه عمر بن الْخطاب رضي الله عنهما وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان وَأخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا فِي السّنة عَن عبيد الله بن معَاذ بِهِ وَعَن مُسَدّد عَن يحيى ابْن سعيد بِهِ وَعَن مَحْمُود بن خَالِد عَن الْفرْيَابِيّ عَن سُفْيَان عَن عَلْقَمَة بن مرْثَد عَن سُلَيْمَان بن بُرَيْدَة عَن يحيى بن يعمر بهَا الحَدِيث يزِيد وَينْقص. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْإِيمَان عَن ابي عَلْقَمَة بن مرْثَد عَن سُلَيْمَان بن بُرَيْدَة عَن يحيى بن يعمر بِهَذَا الحَدِيث يزِيد وَينْقص. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْإِيمَان عَن أبي عمار الْحُسَيْن بن حُرَيْث الْخُزَاعِيّ عَن وَكِيع بِهِ. وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن معَاذ بن معَاذ بِهِ وَعَن أَحْمد بن مُحَمَّد عَن ابْن الْمُبَارك عَن كهمس بِهِ وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي السّنة عَن عَليّ بن مُحَمَّد عَن وَكِيع بِهِ قلت رَوَاهُ عَن كهمس جمَاعَة من الْحفاظ وَتَابعه مطر الْوراق عَن عبيد الله بن بُرَيْدَة وأخرجهما أَبُو عوانه فِي صَحِيحه وَسليمَان التَّيْمِيّ عَن يحيى بن يعمر أخرجهُمَا ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَكَذَا رَوَاهُ عُثْمَان بن عُثْمَان وَعبد الله بن بُرَيْدَة لكنه قَالَ يحيى بن يعمر وَحميد بن عبد الرَّحْمَن مَعًا عَن ابْن عمر عَن عمر رضي الله عنه وَأخرجه أَحْمد فِي مُسْنده وَقد خالفهم سُلَيْمَان بن بُرَيْدَة أَخُو عبد الله فَرَوَاهُ عَن يحيى بن يعمر عَن عبد الله بن عمر قَالَ بَيْنَمَا " نَحن عِنْد النَّبِي صلى الله عليه وسلم " فَجعله من مُسْند ابْن عمر لامن رِوَايَته عَن أَبِيه وأخره أَحْمد أَيْضا وَكَذَا أَبُو نعيم فِي الْحِلْية من طَرِيق عَطاء الْخُرَاسَانِي

ص: 283

عَن يحيى بن يعمر وذكا روى من طَرِيق عكطاء بن أبي رَبَاح عَن عبد الله بن عمر أخرجهُمَا الطَّبَرَانِيّ وَفِي الْبَاب عَن أنس رضي الله عنه أخرجه الْبَزَّار بِإِسْنَادِهِ حسن وَعَن جرير البَجلِيّ أخرجه أَبُو عوَانَة فِي صَحِيحه وَعَن ابْن عَبَّاس وَأبي عَامر الْأَشْعَرِيّ أخرجهُمَا أَحْمد بِإِسْنَادِهِ حسن (بَيَان اخْتِلَاف الرِّوَايَات فِيهِ) قَوْله " كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم بارزا يَوْمًا للنَّاس " وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد عَن أبي فَرْوَة " كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يجلس بَين أَصْحَابه فَيَجِيء الْغَرِيب فَلَا يدْرِي أَيهمْ هُوَ حَتَّى يسْأَل فطلبنا إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن نجْعَل لَهُ مَجْلِسا يعرفهُ الْغَرِيب إِذا أَتَاهُ قَالَ فبنينا لَهُ دكانا من طين يجلس عَلَيْهِ وَكُنَّا نجلس بجنبته " واستنبط مِنْهُ الْقُرْطُبِيّ اسْتِحْبَاب جُلُوس الْعَالم بمَكَان يخْتَص بِهِ وَيكون مرتفعاً إِذا احْتَاجَ لذَلِك لضَرُورَة تَعْلِيم وَنَحْوه قَوْله " فاتاه رجل " وَفِي التَّفْسِير للْبُخَارِيّ " إِذْ أَتَاهُ رجل يمشي " وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ عَن أبي فَرْوَة " فأناا الْجُلُوس عِنْده إِذا قبل رجل أحسن النَّاس وَجها وَأطيب النَّاس ريحًا كَأَن ثِيَابه يَمَسهَا دنس " وَفِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق كهمس من حَدِيث عمر رضي الله عنه " بَيْنَمَا نَحن ذَات يَوْم عِنْد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذْ طلع علينا رجل شَدِيد بَيَاض الثِّيَاب شَدِيد سَواد الشّعْر " وَفِي رِوَايَة ابْن حبَان " شَدِيد سَواد اللِّحْيَة لَا يرى عَلَيْهِ أثر السّفر وَلَا يعرفهُ منا أحد حَتَّى جلس إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأسْندَ رُكْبَتَيْهِ وَوضع كفيه على فَخذيهِ " ولسليمان التَّيْمِيّ " لَيْسَ عَلَيْهِ سحناء وَلَيْسَ من الْبَلَد فتخطى حَتَّى برك بَين يَدي النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَمَا يجلس أَحَدنَا فِي الصَّلَاة ثمَّ وضع يَده على ركبتي النَّبِي صلى الله عليه وسلم " قلت السحناء بِفَتْح السِّين والحاء الْمُهْمَلَتَيْنِ وَالنُّون وَهِي الْهَيْئَة وَكَذَلِكَ السحنة بِالتَّحْرِيكِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَة لم اسْمَع أحدا يَقُولهَا أعنى السحناء بِالتَّحْرِيكِ غير الْفراء قَوْله " فَقَالَ مَا الْإِيمَان " وَزَاد البُخَارِيّ فِي التَّفْسِير " فَقَالَ يَا رَسُول الله مَا الْإِيمَان " قَوْله " أَن تؤمن بِاللَّه وَمَلَائِكَته وبلقائه وَرُسُله " وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ واتفقت الروَاة على ذكرهَا فِي التَّفْسِير قَوْله " وبلقائه " كَذَا وَقعت هُنَا بَين الْكتب وَالرسل وَكَذَا الْمُسلم من الطَّرِيقَيْنِ وَلم يَقع فِي بَقِيَّة الرِّوَايَات وَوَقع فِي حَدِيثي أنس وَابْن عَبَّاس " وبالموت وبالبعث بعد الْمَوْت " قَوْله " وَرُسُله " وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ " وبرسوله " وَوَقع فِي حَدِيث أنس وَابْن عَبَّاس رضي الله عنهم " وَالْمَلَائِكَة وَالْكتاب والنبين " وَكَذَا فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ عَن أبي ذَر وَعَن أبي هُرَيْرَة قَوْله " تؤمن بِالْبَعْثِ " زَاد البُخَارِيّ فِي التَّفْسِير " وبالبعث الآخر " وَفِي رِوَايَة مُسلم فِي حَدِيث عمر رضي الله عنه " وَالْيَوْم الآخر " وَزَاد الاسماعيلي فِي مستخرجه هُنَا " وتؤمن بِالْقدرِ " وَهِي رِوَايَة أبي فَرْوَة أَيْضا. وَفِي رِوَايَة كهمس وَسليمَان التيمى " وتؤمن بِالْقدرِ " وَهِي رِوَايَة أبي فَرْوَة أَيْضا. وَفِي رِوَايَة كهمس وَسليمَان التَّيْمِيّ " وتؤمن بِالْقدرِ خَيره وشره " وَكَذَا فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس وَكَذَا الْمُسلم فِي رِوَايَة عمَارَة بن الْقَعْقَاع واكده بقوله فِي رِوَايَة عَطاء عَن ابْن عمر بِزِيَادَة " حلوه ومره فِي الله " قَوْله " وتصوم رَمَضَان " وَفِي حَدِيث عمر رضي الله عنه " وتحج الْبَيْت إِن اسْتَطَعْت إِلَيْهِ سَبِيلا وَكَذَا فِي حَدِيث أنس فِي رِوَايَة عَطاء الْخُرَاسَانِي لم يذكر الصَّوْم فِي حَدِيث أبي عَامر ذكر الصَّلَاة وَالزَّكَاة فَحسب وَلم يذكر فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس غير الشَّهَادَتَيْنِ وَفِي رِوَايَة سُلَيْمَان التَّيْمِيّ ذكر الْجَمِيع وَزَاد بعد قَوْله " وتحج الْبَيْت وتعتمر وتغتسل من الْجَنَابَة وتتم الْوضُوء " وَفِي رِوَايَة مطر الْوراق " وتقيم الصَّلَاة وتؤتي الزَّكَاة " وَفِي رِوَايَة مُسلم " وتقيم الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة " قَوْله " أَن تعبد الله كَأَنَّك ترَاهُ " وَفِي رِوَايَة عمَارَة بن الْقَعْقَاع أَن تخشى الله كَأَنَّك ترَاهُ وَفِي رِوَايَة أبي فَرْوَة " فَإِن لم تره فَإِنَّهُ يراك " قَوْله " مَا المسؤول عَنْهَا بِأَعْلَم من السَّائِل " وَفِي رِوَايَة أبي فَرْوَة " فَنَكس فَلم يجبهُ ثمَّ أعَاد فَلم يجبهُ شَيْئا ثمَّ رفع رَأسه قَالَ مَا المسؤول " قَوْله " سأخبرك " وَفِي التَّفْسِير " سأحدثك " قَوْله " عَن أشراطها " وَفِي حَدِيث عمر رضي الله عنه " قَالَ فَأَخْبرنِي عَن اماراتها " وَفِي رِوَايَة أبي فَرْوَة " وَلَكِن لَهَا عَلَامَات تعرف بهَا " وَفِي رِوَايَة سُلَيْمَان التَّيْمِيّ " وَلَكِن ان شِئْت عَن أشراطها قَالَ أجل " وَنَحْوه فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس وَزَاد " فَحَدثني " قَوْله " إِذا ولدت الْأمة رَبهَا " وَفِي التَّفْسِير " ربتها " بتاء التَّأْنِيث وَكَذَا فِي حَدِيث عمر رضي الله عنه وَفِي رِوَايَة عُثْمَان بت غياث " إِذا ولدت الأماء اربابهن " بِلَفْظ الْجمع قَوْله " رُعَاة الْإِبِل إِلَيْهِم " بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي رِوَايَة الإصيلي بِفَتْحِهَا وَفِي رِوَايَة " الصم والبكم " قَوْله " فِي خمس " وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما " سُبْحَانَ الله خمس " وَفِي رِوَايَة عَطاء الْخُرَاسَانِي قَالَ " فَمَتَى السَّاعَة قَالَ فِي خمس من الْغَيْب لَا يعلمهَا إِلَّا الله " قَوْله " وَالْآيَة "

ص: 284

وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ " وتلا الْآيَة إِلَى آخر السُّورَة " وَفِي رِوَايَة مُسلم " إِلَى قَوْله خَبِير " وَكَذَا فِي رِوَايَة أبي فَرْوَة وَوَقع البُخَارِيّ فِي التَّفْسِير " إِلَى الارحام " قَوْله " فَقَالَ ردُّوهُ " وَزَاد فِي التَّفْسِير " فَأخذُوا ليردوه فَلم يرَوا شَيْئا " قَوْله " جَاءَ يعلم " وَفِي التَّفْسِير " ليعلم " وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ " أَرَادَ أَن تعلمُوا إِذْ لم تسألوا " وَمثله لعمارة وَفِي رِوَايَة أبي فَرْوَة " وَالَّذِي بعث مُحَمَّد بِالْحَقِّ مَا كنت بِأَعْلَم بِهِ من رجل مِنْكُم وَإنَّهُ لجبريل " وَفِي حَدِيث أبي عَامر " ثمَّ ولي فَلم نر طَريقَة قَالَ النَّبِي عليه السلام " سُبْحَانَ الله هَذَا جِبْرِيل جَاءَ ليعلم النَّاس دينهم وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ مَا جَاءَ فِي قطّ إِلَّا وَأَنا أعرفهُ إِلَّا أَن تكون هَذِه الْمرة " وَفِي رِوَايَة سُلَيْمَان التَّيْمِيّ " ثمَّ نَهَضَ فولى فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم على بِالرجلِ فطلبناه كل مطلبة فَلم يقدر عَلَيْهِ فَقَالَ هَل تَدْرُونَ من هَذَا هَذَا جِبْرِيل عليه السلام أَتَاكُم ليعلمكم دينكُمْ خُذُوا عَنهُ فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ مَا اشْتبهَ على مُنْذُ اتاني قبل مرتى هَذِه وَمَا عَرفته حَتَّى ولى " وَفِي حَدِيث عمر رضي الله عنه " قَالَ ثمَّ انْطلق فَلبث مَلِيًّا ثمَّ قَالَ يَا عمر أَتَدْرُونَ من السَّائِل قلت الله وَرَسُوله اعْلَم قَالَ فَإِنَّهُ جِبْرِيل أَتَاكُم ليعلمكم دينكُمْ " هَذَا لفظ مُسلم وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ قَالَ عمر رضي الله عنه " فلقيني رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بعد ثَلَاث فَقَالَ يَا عمر هَل تَدْرِي من السَّائِل " الحَدِيث وَأخرجه أَبُو دَاوُد بِنَحْوِهِ وَفِيه " فَلبث ثَلَاثًا " وَفِي رِوَايَة أبي عوَانَة " فلبثا ليَالِي فلقيني رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بعد ثَلَاث " وَفِي رِوَايَة ابْن حبَان " بعد ثَالِثَة " وَفِي رِوَايَة ابْن مندة " بعد ثَلَاثَة أَيَّام " (بَيَان اللُّغَات) قَوْله كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم بارزا يَوْمًا للنَّاس " أَي ظَاهر الْهم وجالسا مَعَهم غير محتجب والبروز الظُّهُور وَقَالَ ابْن سَيّده برزيبر زبروزا خرج إِلَى الْبَزَّار وَهُوَ الفضاء وبرزه إِلَيْهِ وابرزه وَكلما ظهر بعد خَفَاء فقد برز قَالَ تَعَالَى (وَترى الأَرْض بارزة) قَالَ الْهَرَوِيّ أَي ظَاهره لَيْسَ فِيهَا مستظل وَلَا متفيأ وَفِي الافعال لِابْنِ ظريف برز الشَّيْء برزا ذكره عَنهُ صَاحب الواعي قَوْله " فَأَتَاهُ رجل " أَي ملك فِي صُورَة رجل قَوْله " وَمَلَائِكَته " جمع ملك واصلة ملاك مفعل من الالوكة بِمَعْنى الرسَالَة وزيدت لاتاءفية لتأكيد معنى الْجمع أَو التَّأْنِيث الْجمع وهم اجسام علوِيَّة نورنية مشكلة بِمَا شَاءَت من الاشكال قَوْله " وبلقائه " قَالَ الْخطابِيّ ي بِرُؤْيَة ربه تَعَالَى فِي الْآخِرَة قَوْله " وَرُسُله " جمع رَسُول قَالَ الْكرْمَانِي الرَّسُول هُوَ النَّبِي الَّذِي انْزِلْ عَلَيْهِ الْكتاب وَالنَّبِيّ اعم مِنْهُ قلت هَذَا التَّعْرِيف غير صَحِيح لِأَنَّهُ غير جَامع لِأَن كثير من الانبياء عليهم السلام لم ينزل عَلَيْهِم كتب وهم ورسل مثل سُلَيْمَان وَأَيوب وَلُوط وَيُونُس وزَكَرِيا ويحي وَنَحْوهم والتعريف الصَّحِيح أَن يُقَال الرَّسُول من انْزِلْ عَلَيْهِ كتاب أَو أنزل عَلَيْهِ ملك وَالنَّبِيّ بِخِلَافِهِ فَكل رَسُول نَبِي وَلَا عكس قَوْله " بِالْبَعْثِ " وَهُوَ بعث الْمَوْتَى من الْقُبُور وَيُقَال المُرَاد مِنْهُ بعثة الْأَنْبِيَاء عليهم السلام وَالْأول اظهر قَوْله " أَن تعبدوا الله " من الْعِبَادَة وَهِي الطَّاعَة مَعَ خضوع وتذلل قَالَ الْهَرَوِيّ يُقَال طَرِيق معبد إِذا كَانَ مذللا للسالكين وكل من دَان للْملك فَهُوَ عَابِد لَهُ. وَفِي الْمُحكم عبد الله يعبده عبَادَة ومعبدة ومعبدة تأله لَهُ وَفِي الصِّحَاح التَّعَبُّد التنسك قَوْله " مَا الاحسان " مصدر أحسن من حسن من الْحسن وَهُوَ ضد الْقبْح وَيَأْتِي عَن قريب مَعْنَاهُ الشَّرْعِيّ قَوْله " عَن اشارطها " بِفَتْح الْهمزَة جمع شَرط بِالتَّحْرِيكِ يعْنى علاماتها وَقيل مقدماتها وَقيل صغَار أمورها وَفِي الْمُحكم وَالْجَامِع أوائلها وَفِي الغريبين عَن الاصمعي وَمِنْه الِاشْتِرَاط الَّذِي يشْتَرط بعض النَّاس على بعض إِنَّمَا هِيَ عَلامَة يجعلونها بَينهم وَالْمرَاد اشراطها السَّابِقَة لاشراطها الْمُقَارنَة لَهَا كطلوع الشَّمْس من مغْرِبهَا وَخُرُوج الدَّابَّة وَنَحْوهمَا قَوْله " رَبهَا " الرب الْمَالِك وَالسَّيِّد والمصلح وَفِي الْعباب رب كل شَيْء مَالِكه والرب اسْم من أَسمَاء الله تَعَالَى وَلَا يُقَال فِي غَيره إِلَّا بِالْإِضَافَة وَقد قَالُوهُ فِي الْجَاهِلِيَّة للْمَالِك قَالَ الْحَارِث بن حلزة الْيَشْكُرِي فِي الْمُنْذر مَاء السَّمَاء وَهُوَ الرب والشهيد على يَوْم الحوارين والبلابلا وَقَالَ الْأَنْبَارِي مخففا وربيت الْقَوْم أَي كنت فَوْقهم وَرب الضَّيْعَة أَصْحَابهَا وأتممها وَرب فلَان وَلَده يربه رَبًّا وَرب بِالْمَكَانِ أَقَامَ بِهِ والربة المولاة ثمَّ قَالَ وَفِي حَدِيث النَّبِي عليه السلام حِين سَأَلَهُ جِبْرِيل عليه السلام عَن أَمَارَات السَّاعَة فَقَالَ " أَن تَلد الْأمة ربتها " وَيُقَال فُلَانَة ربة الْبَيْت وَهن ربات الحجال قَوْله " وَإِذا تطاول " إِي تفاخر بطول الْبُنيان وتكبر بِهِ والرعاة بِضَم الرَّاء جمع رَاع كالقضاة جمع قَاض وَكَذَا الرُّعَاة بِكَسْر الرَّاء جمع رَاع كالجياع جمع جايع قَوْله " والبهم " بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة جمع الإبهم وَهُوَ الَّذِي لاشية لَهُ قَالَه الْكرْمَانِي وَقَالَ القَاضِي جمع بهيم وَهُوَ الْأسود

ص: 285

الَّذِي لَا يخالطه لون غَيره وَهُوَ شَرّ الْإِبِل قلت إِذا كَانَ البهم صفة للرعاة يَنْبَغِي أَن يكون جمع بهيم وَإِن كَانَ صفة الْإِبِل يَنْبَغِي أَن يكون جمه بهماء وكلا الْوَجْهَيْنِ جَائِز كَمَا نذكرهُ فِي الْإِعْرَاب وَأما لبهم بِفَتْح الْبَاء كَمَا هُوَ فِي رِوَايَة الاصيلي فَلَا وَجه لَهُ هَهُنَا قَالَه القَاضِي عِيَاض وَأما قَوْله فِي رِوَايَة مُسلم " رعاء البهم " فَهُوَ بِفَتْح الْبَاء فَهُوَ جمع بَهِيمَة وَهِي صغَار الضَّأْن والمعز وَقَالَ النَّوَوِيّ هَذَا قَول الْجُمْهُور وَقَالَ بَعضهم رِوَايَة مُسلم " إِذا رَأَيْت رعاء البهم " بِحَذْف لَفْظَة ابل انسب من رِوَايَة البُخَارِيّ وَهِي زِيَادَة لَفْظَة الابل لأَنهم أَضْعَف أهل الْبَادِيَة أما أهل الْإِبِل فَهُوَ أهل الْفَخر وَالْخُيَلَاء وَالْمعْنَى فِي الْكل أَن أهل الْفقر وَالْحَاجة تصير لَهُم الدُّنْيَا حَتَّى يتباهوا فِي الْبُنيان قلت ذكر ابْن التياني فِي كتاب الموعب أَن البهم صغَار الضَّأْن الْوَاحِدَة بهمة للذّكر وَالْأُنْثَى وَالْجمع بهم وَجمع البهم بهام وبهامات وَفِي الْعين البهمة اسْم للذّكر وَالْأُنْثَى من أَوْلَاد بقر الْوَحْش وَمن كل شَيْء من ضرب الْغنم والمعز وَفِي الْمُخَصّص يكون بعد الْعشْرين يَوْمًا بهمة من الضَّأْن والمعز إِلَى أَن يفطم. وَفِي الْمُحكم وَقيل هِيَ بهمة إِذا شبت وَالْجمع بهم وبهم وبهام وبهامات جمع الْجمع وَقَالَ ثَعْلَب البهم صغَار الْمعز وَفِي الْجَامِع للقزاز بهمة مَفْتُوحَة الْبَاء سَاكِنة الْهَاء يُقَال لاولاد الْوَحْش من الظبأ وَمَا جانس الضَّأْن والمعز بهم وَفِي الصِّحَاح البهام جمع بهم والبهم جمع بهمة والبهمة اسْم للمذكر والمؤنث والسخال أَوْلَاد الْمعز فَإِذا اجْتمعت البهام والسخال قلت لَهما جَمِيعًا بهام وبهم أَيْضا وَفِي المغيث لأبي مُوسَى الْمَدِينِيّ وَقيل البهمة السخلة انْتهى. والبهيمة ذَوَات الْأَرْبَع من دَوَاب الْبر وَالْبَحْر قَوْله " ثمَّ أدبر " من الادبار وَهُوَ التولي (بَيَان الْإِعْرَاب) قَوْله " بارزا نصب لِأَنَّهُ خبر كَانَ قَوْله " يَوْم نصب " على الظروف قَوْله " للنَّاس " يتَعَلَّق ببارزا قَوْله " مَا الْإِيمَان " جملَة اسمية وَقعت مقول القَوْل قَوْله " أَن تؤمن " خبر الْمُبْتَدَأ أعنى قَوْله " الْإِيمَان " وَأَن مَصْدَرِيَّة قَوْله " وتؤمن " بِالنّصب عطفا على قَوْله " أَن تؤمن " قَوْله " أَن تعبد الله " فِي مَحل الرّفْع على أَنه خبر للمبتدأ أعنى قَوْله الْإِسْلَام وَأَن مَصْدَرِيَّة قَوْله " لَا تشرك " بِالنّصب عطفا على أَن تعبد قَوْله " شَيْئا " نصب على أَنه مفعول لتشرك قَوْله " وتقيم " بِالنّصب عطفا على أَن تعبد وَكَذَلِكَ وتؤدى الزَّكَاة وَكَذَلِكَ وتصوم رَمَضَان وَأَن مقدرَة فِي الْجَمِيع قَوْله " مَا الْإِحْسَان " كلمة مَا للاستفهام مُبْتَدأ أَو الْإِحْسَان خَبره وَالْألف وَاللَّام فِيهِ للْعهد فِي قَوْله تَعَالَى (للَّذين أَحْسنُوا الْحسنى وَزِيَادَة) و (هَل جَزَاء لإحسان إِلَّا الْإِحْسَان) (وأحسنوا أَن الله يحب الْمُحْسِنِينَ) ولتكرره فِي الْقُرْآن ترَتّب الثَّوَاب عَلَيْهِ سَأَلَ عَنهُ جِبْرِيل عليه السلام قَوْله " قَالَ أَن تعبد الله " أَي قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي جَوَابه الْإِحْسَان أَن تعبد الله كَأَنَّك ترَاهُ فَقَوله أَن مَصْدَرِيَّة فِي مَحل الرّفْع على أَنَّهَا خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره الْإِحْسَان عبادتك الله كَأَنَّك ترَاهُ وَقَالَ الْكرْمَانِي فَإِن قلت كَأَنَّك مَا مَحَله من الْإِعْرَاب قلت هُوَ حَال من الْفَاعِل أَي تعبد الله مشبها بِمن يرَاهُ انْتهى كَلَامه قلت تَحْقِيق الْكَلَام هُنَا أَن كَأَن للتشبيه قَالَ الْجَوْهَرِي فِي فصل أَن وَقد تزاد على أَن كَاف التَّشْبِيه تَقول كَأَنَّهُ شمس وَقَالَ غَيره أَنه حرف مركب عِنْد الْجُمْهُور حَتَّى ادّعى ابْن هِشَام وَابْن الخباز الْإِجْمَاع عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِك قَالُوا وَالْأَصْل فِي كَأَن زيدا أَسد ثمَّ قدم حرف التَّشْبِيه اهتماماً بِهِ ففتحت همزَة أَن لدُخُول الْجَار وَذكروا لَهَا أَرْبَعَة معَان أَحدهَا وَهُوَ الْغَالِب عَلَيْهَا والمتفق عَلَيْهِ التَّشْبِيه وَهَذَا الْمَعْنى أطلقهُ الْجُمْهُور لكأن وَزعم مِنْهُم ابْن السَّيِّد أَنه لَا يكون إِلَّا إِذا كَانَ خَبَرهَا اسْما جَامِدا نَحْو كَأَن زيدا أَسد بِخِلَاف كَأَن زيدا قَائِم أَو فِي الدَّار أَو عنْدك أَو يقدم فَإِنَّهَا فِي ذَلِك كُله للظن الثَّانِي وَالشَّكّ وَالظَّن وَالثَّالِث التَّحْقِيق وَالرَّابِع التَّقْرِيب قَالَه الْكُوفِيُّونَ وحملوا عَلَيْهِ قَوْله " كَأَنَّك بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل " فَإِذا علم هَذَا فَنَقُول قَوْله كَأَنَّك ترَاهُ ينزل على أَي معنى من الْمعَانِي الْمَذْكُورَة فَالْأَقْرَب أَن ينزل على معنى التَّشْبِيه فالتقدير الْإِحْسَان عبادتك الله تَعَالَى حَال كونك فِي عبادتك مثل حَال كونك رائياً وَهَذَا التَّقْدِير أحسن وَأقرب للمعنى من تَقْدِير الْكرْمَانِي لِأَن الْمَفْهُوم من تَقْدِيره أَن يكون هُوَ فِي حَال الْعِبَادَة مشبهاً بالرائي إِيَّاه وَفرق بَين عبَادَة الرَّائِي نَفسه وَعبادَة الْمُشبه بالرائي بِنَفسِهِ وَأما على قَول ابْن السَّيِّد فَتحمل كَأَن على معنى الظَّن لِأَن خَبَرهَا غير جامد فَافْهَم قَوْله " فَإِن لم تكن ترَاهُ " أَي فَإِن لم تكن ترى الله وَكلمَة أَن للشّرط وَقَوله " لم تكن ترَاهُ " جملَة وَقعت فعل الشَّرْط فَإِن قلت أَيْن جَزَاء الشَّرْط قلت مَحْذُوف تَقْدِيره فَإِن لم تكن ترَاهُ فَأحْسن الْعِبَادَة فَإِنَّهُ يراك فَإِن قلت لم لَا يكون قَوْله فَإِنَّهُ يراك جَزَاء للشّرط قلت لَا يَصح لِأَنَّهُ لَيْسَ مسبباً عَنهُ

ص: 286

وَيَنْبَغِي أَن يكون فعل الشَّرْط سَببا لوُقُوع الْجَزَاء كَمَا تَقول فِي إِن جئتني أكرمتك فَإِن الْمَجِيء هُوَ السَّبَب للاكرام وَعَدَمه سَبَب لعدمه وَهَهُنَا عدم رُؤْيَة العَبْد لَيست بِسَبَب لرؤية الله تَعَالَى يرَاهُ سَوَاء وجدت من العَبْد رُؤْيَة أولم تُوجد فَإِن قلت مَا الْفَاء فِي قَوْله فَإِن قلت للتَّعْلِيل على مَا لَا يخفى قَوْله " مَتى السَّاعَة " جملَة اسمية وَقعت مقول القَوْل وَفِي بعض النّسخ فَمَتَى فَإِن صحت فالفاء فِيهَا زَائِدَة قَوْله " ماالمسؤل " كلمة مَا بِمَعْنى لَيْسَ وَقَوله باعلم خَبَرهَا وزيدت فِيهَا الْبَاء لتأكيد معنى النَّفْي قَوْله " وسأخبرك " السِّين هُنَا لتأكيد الْوَعْد بالإخبار كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَسَيَكْفِيكَهُم الله وَهُوَ السَّمِيع الْعَلِيم} وَمعنى السِّين إِن ذَلِك كَائِن لَا محَالة وَإِن تَأَخّر إِلَى حِين قَوْله " إِذا ولدت الْأمة " إِنَّمَا قَالَ إِذا وَلم يقل أَن لَان الشَّرْط مُحَقّق الْوُقُوع فجَاء بِلَفْظ إِذا الَّتِي للجزم بِوُقُوع مدخولها فَلهَذَا يَصح أَن يُقَال إِذا قَامَت الْقِيَامَة كَانَ كَذَا وَلَا يَصح أَن يُقَال إِن قَامَت الْقِيَامَة كَانَ كَذَا فَإِن قلت أَيْن الْجَزَاء قلت هُوَ مَحْذُوف تَقْدِيره إِذا ولدت الْأمة فَهِيَ أَي الْولادَة من أشراطها وَقَالَ الْكرْمَانِي وَإِذا ظهر أَن تكون إِذا متمحضة لمُجَرّد الْوَقْت ي وَقت الْولادَة وَوقت التطاول قلت هَذَا تَقْدِير نَاقص وَالْمعْنَى الصَّحِيح عِنْدِي كَون إِذا لمُجَرّد الْوَقْت أَي وَقت الْولادَة وَوقت التطاول قلت هَذَا تَقْدِير نَاقص وَالْمعْنَى الصَّحِيح عِنْدِي كَون إِذا لمُجَرّد الْوَقْت وَأَن يقدر مُبْتَدأ مَحْذُوف وَالتَّقْدِير وسأخبرك عَن اشراطها هِيَ وَقت ولادَة الْأمة رَبهَا وَوقت تطاول الرعاء فِي الْبُنيان قَوْله " رُعَاة الْإِبِل " كَلَام اضافي مَرْفُوع لِأَنَّهُ فَاعل تطاول وَقَوله " البهم " روى بِالرَّفْع على أَنه صفة للرعاة أى الرُّعَاة السود وَقَالَ الْخطابِيّ مَعْنَاهُ الرُّعَاة المجهولون الَّذين لَا يعْرفُونَ جمع ابهم وَمِنْه ابهم الْأَمر فَهُوَ مُبْهَم إِذا لم تعرف حَقِيقَته وروى بِالْجَرِّ على أَنه صفة لِلْإِبِلِ أى رُعَاة الْإِبِل السود قَالُوا وَهِي شَرها كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب قَوْله " فِي الْبُنيان " يتَعَلَّق بقوله تطاول قَوْله " فِي خمس " فِي مَحل الرّفْع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره علم وَقت السَّاعَة فِي جملَة خمس وَقَوله " لَا يعلمهُنَّ إِلَّا الله " صفة لخمس ومحلها الْجَرّ أَو التَّقْدِير هِيَ فِي خمس من الْغَيْب كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَة عَطاء الْخُرَاسَانِي " هِيَ فِي خمس من الْغَيْب لَا يعلمهَا إِلَّا الله " قَوْله " الْآيَة " يجوز فِيهِ الرّفْع على تَقْدِير أَن يكون مُبْتَدأ مَحْذُوف الْخَبَر أَي الْآيَة مقروء إِلَى آخرهَا وَالنّصب على تَقْدِير أَن يكون مَفْعُولا لفعل مُقَدّر أَي اقْرَأ الْآيَة ة والجر على تَقْدِير إِلَى الْآيَة أَي إِلَى مقطعها وتمامها وَفِيه ضعف لَا يخفي قَوْله " هَذَا جِبْرِيل " جَاءَ مثل قَوْلك هَذَا وَيَد قَامَ قَوْله " يعلم النَّاس " جملَة وَقعت حَالا فَإِن قلت لم يكن معلما وَقت المجىء فَكيف يكون حَالا قلت هَذِه حَال مقرة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لتدخلن الْمَسْجِد الْحَرَام إِن شَاءَ الله آمِنين} (بَيَان الْمعَانِي) قَوْله " فَأَتَاهُ رجل " قد ذكرنَا فِي حَدِيث عمر فِي رِوَايَة مُسلم (بَيْنَمَا نَحن جُلُوس عِنْد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ذَات يَوْم غذ طلع علينا رجل شَدِيد بَيَاض الثِّيَاب شَدِيد سَواد الشّعْر لَا يرى عَلَيْهِ أثر السّفر وَلَا يعرفهُ منا أحد حَتَّى جلس إِلَى النَّبِي عليه السلام فاسند رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوضع كفيه على فَخذيهِ وَقَالَ يَا مُحَمَّد أَخْبرنِي عَن الْإِسْلَام " الحَدِيث وَالضَّمِير فِي فَخذيهِ يعود على النَّبِي عليه السلام وَقَالَ النَّوَوِيّ على فَخذي نَفسه يَعْنِي نفس جِبْرِيل عليه السلام وَأعَاد الضَّمِير إِلَيْهِ وَتَبعهُ على ذَاك التوربشتي شَارِح المصابيح وَلَيْسَ كَذَلِك بل الضَّمِير يعود على النَّبِي عليه السلام كَمَا ذكرنَا وَالدَّلِيل على ذَلِك مَا جَاءَ فِي روية سُلَيْمَان التَّيْمِيّ " ثمَّ وضع يَدَيْهِ على ركبتي النَّبِي " وَبِه جزم الْبَغَوِيّ وَإِسْمَاعِيل التَّيْمِيّ وَرجحه الطَّيِّبِيّ من جِهَة الْبَحْث وَالظَّاهِر أَنه لم يقف على رِوَايَة سُلَيْمَان فَلذَلِك رَجحه من جِهَة الْبَحْث وَنظر النَّوَوِيّ فِي مَا قَالَه التَّنْبِيه على أَنه جلس كَهَيئَةِ المتعلم بَين يَدي من يتَعَلَّم مِنْهُ لإقتضاء بَاب الْأَدَب ذَلِك وَلَكِن على رِوَايَة سُلَيْمَان إِنَّمَا فعل جِبْرِيل ذَلِك لزِيَادَة الْمُبَالغَة فِي تعمية أمره ليقوى ظن الحاضربن أَنه من جُفَاة الْأَعْرَاب وَلِهَذَا تخطى النَّاس حَتَّى انْتهى إِلَى النَّبِي عليه السلام كَمَا ذكرنَا نافي رِوَايَة سُلَيْمَان التَّيْمِيّ وَلِهَذَا استغربت الصَّحَابَة رضي الله عنهم صَنِيعَة لِأَنَّهُ لَيْسَ من أهل الْبَلَد وَجَاء مَاشِيا لَيْسَ لَهُ أثر السّفر فَإِن قيل كَيفَ عرف عمر رضي الله عنه أَنه لم يعرفهُ أحد قيل من قَول الْحَاضِرين كَمَا فِي رِوَايَة عُثْمَان بن عَفَّان فَنظر الْقَوْم بَعضهم إِلَى بعض فَقَالُوا مَا نَعْرِف قَوْله " أَن تؤمن بِاللَّه " الْإِيمَان بِاللَّه هُوَ التَّصْدِيق بِوُجُودِهِ تَعَالَى وَأَنه لَا يجوز عَلَيْهِ الْعَدَم وَأَنه تَعَالَى مَوْصُوف بِصِفَات الْجلَال والكمال من الْعلم وَالْقُدْرَة الْإِرَادَة وَالْكَلَام والسمع وَالْبَصَر والحياة وَأَنه تَعَالَى منزه عَن صِفَات النَّقْص الَّتِي عي اضداد تِلْكَ الصِّفَات وَعَن صِفَات الإجسام والمثحيزات وَأَنه وَاحِد حق صمج فَرد خَالق جَمِيع الْمَخْلُوقَات متصرف فِيهَا بِمَا شَاءَ من التَّصَرُّفَات يفعل فِي ملكه مَا يُرِيد وَيحكم فِي خلقه.

ص: 287

مَا يَشَاء قَوْله " وَمَلَائِكَته " أَي الْإِيمَان بِجَمِيعِ مَلَائكَته فَمن ثَبت تَعْيِينه كجبريل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وعزرائيل عليهم السلام وَجب الْإِيمَان بِهِ وَمن لم يعرف اسْمه آمنا بِهِ اجمالا وَكَذَلِكَ الانبياء المُرْسَلُونَ من علمنَا آمنا بِهِ وَمن لم نعلم آمنا بِهِ اجمالا وَمَا كَانَ من ذَلِك ثَابتا بِالنَّصِّ أَو التَّوَاتُر كفر من يكفر بِهِ والايمان برسل الله عليهم السلام هُوَ بِأَنَّهُم صَادِقُونَ فِيمَا اخبروا بِهِ عَن الله تَعَالَى وَأَن الله تَعَالَى أَيّدهُم بالمعجزات الدَّالَّة على صدقهم وَأَنَّهُمْ بلغُوا عَن الله رسالاته وبينوا للمكلفين مَا آمُرهُم ببيانه وَأَنه يجب احترامهم وَإِن لَا يفرق بَين أحد مِنْهُم قَوْله " وبلقائه " الْأَيْمَان بلقائه هُوَ التَّصْدِيق بِرُؤْيَة الله تَعَالَى فِي الْآخِرَة قَالَه الْخطابِيّ وَاعْترض عَلَيْهِ النَّوَوِيّ بِأَن أحدا لَا يقطع لنَفسِهِ بِرُؤْيَة الله تَعَالَى فَأَنَّهَا مُخْتَصَّة لمن مَاتَ مُؤمنا والمرء لَا يدْرِي بِمَ يخْتم لَهُ فَكيف يكون من شُرُوط الْإِيمَان ورد عَلَيْهِ بَان المُرَاد الْإِيمَان بَان ذَلِك حق فِي نفس الْأَمر وَقد قيل أَنَّهَا مكررة لِأَنَّهَا دَاخِلَة فِي الْإِيمَان بِالْبَعْثِ وَهُوَ الْقيام من الْقُبُور قُلْنَا لَا نسلم التّكْرَار لِأَن المُرَاد باللقاء مَا بعد تِلْكَ وَقَالَ النَّوَوِيّ اخْتلفُوا فِي المُرَاد بِالْجمعِ بَين الْإِيمَان بلقاء الله والبعث فَقيل اللِّقَاء يحصل بالانتقال إِلَى دَار الْجَزَاء والبعث عِنْد قيام السَّاعَة وَقيل اللِّقَاء مَا يكون بعد الْبَعْث عِنْد الْحساب قَوْله " وتقيم الصَّلَاة " المُرَاد بهَا الْمَكْتُوبَة كَمَا صرح بهَا فِي رِوَايَة مُسلم وَهُوَ احْتِرَاز عَن النَّافِلَة فَإِنَّهَا وَأَن كَانَت من وظائف الْإِسْلَام لَكِنَّهَا لَيست من أَرْكَانه فَتحمل الْمُطلقَة هَهُنَا على الْمقيدَة فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى جمعا بَيْنَمَا قَوْله " الزكوة الْمَفْرُوضَة " قيل احْتَرز بالمفروضة عَن الزكوة المعجلة قبل الْحول فَإِنَّهَا لَيست مَفْرُوضَة حَال الإداء وَقيل احْتَرز من صَدَقَة التَّطَوُّع فَإِنَّهَا زَكَاة لغوية قَوْله " مَا الْإِحْسَان " وَهُوَ يسْتَعْمل لمعنيين احدهما مُتَعَدٍّ بِنَفسِهِ كَقَوْلِك احسنت كَذَا إِذا حسنته وكملته منقولة بِالْهَمْزَةِ من حسن الشَّيْء وَالْآخر بِحرف الْجَرّ كَقَوْلِك أَحْسَنت إِلَيْهِ إِذا أوصلت إِلَيْهِ النَّفْع وَالْإِحْسَان وَفِي الحَدِيث بِالْمَعْنَى الأول فَإِنَّهُ يرجع إِلَى اتقان الْعِبَادَات ومراعاة حق الله تَعَالَى ومراقبته وَيُقَال الْإِحْسَان على مقامين الأول كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم " إِن تعبد الله كَأَنَّك ترَاهُ " فَهَذَا مقَام. الثَّانِي قَوْله " فَإِن لم تكن ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك " قَالَ عبد الْجَلِيل الأول على ثَلَاثَة أَقسَام الأول فِي مقَام الْإِسْلَام وَذَلِكَ أَن الْأُمُور فِي عَالم الْحسن ثَلَاثَة معاصي وطاعات ومباحات المعايش فَأَما قسم الْمعاصِي على اخْتِلَاف أَنْوَاعهَا فَإِن العَبْد مَأْمُور بِأَن يعلم أَن الله يرَاهُ فَإِذا هم بِمَعْصِيَة وَعلم أَن الله يرَاهُ ويبصره على أَي حَالَة كَانَت وَأَنه يعلم خائنه الْأَعْين وَمَا تخفى الصُّدُور كف عَن الْمعْصِيَة وَرجع عَنْهَا وَأما الأنسان فيذهل عَن نظر الله إِلَيْهِ فينسى حِين الْمعْصِيَة أَنه يرَاهُ أَو يكون جَاهِلا فيظن أَن الله تَعَالَى بعيد مِنْهُ وَلَا يتَذَكَّر وَيعلم أَنه يُحَرك جوارحه حِين الْعَمَل الْمَعْمُول فينسى ذَلِك أَو يجهل فَيَقَع فيا لمعصية وَلَو علم وَتحقّق أَن وَالِده أَو رجلا كَبِيرا لَو يرَاهُ حِين الْمعْصِيَة لكف عَنْهَا وهرب مِنْهَا فَإِذا علم العَبْد أَن الله يرَاهُ فِي حِين الْمعْصِيَة كف عَنْهَا بِحُصُول الْبُرْهَان الإحساني عِنْده وَهُوَ الْبُرْهَان عِنْده وَهُوَ الْبُرْهَان الَّذِي أوتيه وَرَآهُ يُوسُف عليه السلام وَهُوَ قيام الدَّلِيل الْوَاضِح العلمي بِأَن الله تَعَالَى مَوْجُود حق وَأَنه نَاظر إِلَى كل شَيْء ومصرف لكل شَيْء ومحركه ومسكنه فَمن أرَاهُ الله تَعَالَى هَذَا الْبُرْهَان عِنْد جَمِيع الْمُهِمَّات صرف عَنهُ السوء والفحشاء من جَمِيع الْمُنْكَرَات الثَّانِي قسم الطَّاعَات فَهِيَ أَن تعلم أَن الله تَعَالَى مَوْجُود وتبرهن عِنْده أَنه يرَاهُ لَا محَالة إِلَّا أَن يكون زنديقا جاحدا لَا يقر بِرَبّ فَإِن كَانَ مقرّ بِوُجُودِهِ فَترك الْعِبَادَة فَإِنَّمَا تَركهَا تهاونا لنُقْصَان الْبُرْهَان الإحساني عِنْده وَهَذِه حَال المضيعين للفرائض لجهلهم بِقدر إِلَّا مرو قدر أمره الثَّالِث من الْمُبَاحَات وَهُوَ مَحل الْغَفْلَة والسهو عَن هَذَا الْمقَام الإحساني فَإِذا تذكر العَبْد أَن الله تَعَالَى يرَاهُ فِي تصريفه وَأَنه أره بالإقبال عَلَيْهِ وَقلة الْأَعْرَاض عَنهُ استحي أَن يرَاهُ مكبا على الخسيس الفاني مستغر قافي الِاشْتِغَال بِهِ عَن ذكره وَعَن الإقبال على مَا يقطع عَنهُ الْمقَام الثَّانِي فِي عَالم الْغَيْب فَإِن العَبْد إِذْ فكر فِي مَوَاطِن الْآخِرَة من موت وقبر وَحشر وَعرض وحساب وغي ذَلِك وَعلم أَنه معروض على الله تَعَالَى فِي ذَلِك الْعَالم ومواطنه تهَيَّأ لذَلِك الْعرض فيتزين للآخرة بزينة أهل الْآخِرَة مَا اسْتَطَاعَ وَأما الْمقَام الثَّالِث فِي الْإِحْسَان فَإِن العَبْد إِذا علم فِي قُلُوب اوليائه فيزيل الصِّفَات الممهلكات ويطهره مِنْهَا ويتصف المحمودات حَتَّى يَجْعَل سره كالمرآة المجلوة قَوْله " كَأَنَّك ترَاهُ فَإِن لم تكن ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك " قَالَ النَّوَوِيّ هَذَا اصل عَظِيم من أصُول الدّين وَقَاعِدَة مهمة من قَوَاعِد الْمُسلمين وَهُوَ عُمْدَة الصديقين وبغية السالكين

ص: 288

وكنز العارفين ودأب الصَّالِحين وتلخيص مَعْنَاهُ أَن تعبد الله عبَادَة من يرى الله تَعَالَى وَيَرَاهُ الله تَعَالَى فَإِنَّهُ لَا يستبقي شَيْئا من الخضوع وَالْإِخْلَاص وَحفظ الْقلب والجوارح ومراعاة الْآدَاب مَا دَامَ فِي عِبَادَته وَقَوله " فَإِن لم تكن ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك " يَعْنِي أَنَّك إِنَّمَا تراعي الْآدَاب إِذا رَأَيْته ورآك لكَونه يراك لَا لكونك ترَاهُ وَهَذَا الْمَعْنى مَوْجُود وَإِن لم تره لِأَنَّهُ يراك وَحَاصِله الْحَث على كَمَال الْإِخْلَاص فِي الْعِبَادَة وَنِهَايَة المراقبة فِيهَا وَقَالَ هَذَا من جَوَامِع الْكَلم الَّتِي أوتيها رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَقد ندب أهل الْحَقَائِق إِلَى مجالسة الصَّالِحين ليَكُون ذَلِك مَانِعا من تلبسه بِشَيْء من النقائص احتراما لَهُم واستحياء مِنْهُم فَكيف بِمن لَا يزَال الله تَعَالَى مطلعا عَلَيْهِ فِي سره وعلانيته وَقَالَ القَاضِي عِيَاض قد اشْتَمَل على شرح جَمِيع وظائف الْعِبَادَات الظَّاهِرَة والباطنة من عُقُود الْإِيمَان وأعمال الْجَوَارِح وإخلاص السرائر وَالْحِفْظ من آفَات الْأَعْمَال حَتَّى أَن عُلُوم الشَّرِيعَة كلهَا رَاجِعَة إِلَيْهِ ومتشعبة مِنْهُ قَوْله " مَتى السَّاعَة " السَّاعَة مِقْدَار من الزَّمَان غير معِين لقَوْله تَعَالَى {مَا لَبِثُوا غير سَاعَة} وَفِي عرف أهل الشَّرْع عبارَة عَن يَوْم الْقِيَامَة وَفِي عرف المعدلين جُزْء من أَرْبَعَة وَعشْرين جزأ من أَوْقَات اللَّيْل وَالنَّهَار قَوْله " إِذا ولدت الْأمة رَبهَا " أَي مَالِكهَا وسيدها وَذكروا فِي معنى خذا أوجها الأول قَالَ الْخطابِيّ مَعْنَاهُ اتساع الْإِسْلَام واستيلاء أَهله على بِلَاد الشّرك وَسبي دراريهم فَإِذا ملك الرجل الْجَارِيَة واستولدها كَانَ الْوَلَد فِيهَا بِمَنْزِلَة رَبهَا لِأَنَّهُ ولد سَيِّدهَا وَقَالَ النَّوَوِيّ وَغَيره هَذَا قَول الْأَكْثَرين وَقَالَ بَعضهم وَقَالَ بَعضهم لَكِن فِي كَونه المُرَاد نظر لِأَن استيلاد الْإِمَاء كَانَ مَوْجُودا حِين الْمقَالة والاستيلاء لعى بِلَاد الشّرك وَسبي ذَرَارِيهمْ واتخاذهم سرارى وَقع أَكْثَره فِي صدر الْإِسْلَام وَسِيَاق الْكَلَام يَقْتَضِي الْإِشَارَة إِلَى وُقُوع مَا لم يَقع مِمَّا سيقع فِي قيام السَّاعَة قلت فِي نظره نظر لِأَن قَوْله إِذا ولدت الْأمة رَبهَا كِنَايَة عَن كَثْرَة التَّسَرِّي من كَثْرَة فتوح الْمُسلمين واستيلائهم على بِلَاد الشّرك وَالْمرَاد أَن يكون من هَذِه الْجِهَة فَافْهَم وَالثَّانِي مَعْنَاهُ أَن الْإِيمَاء يلدن الْمُلُوك فَتكون أم الْملك من جملَة الرّعية وَهُوَ سَيِّدهَا وَسيد غَيرهَا من رَعيته وَهَذَا قَول إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ وَالثَّالِث مَعْنَاهُ أَن تفْسد أَحْوَال النَّاس فيكثر بيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد فِي آخر الزَّمَان فيكثر تردادها فِي ايدي المشترين حَتَّى يَشْتَرِيهَا ابْنهَا وَهُوَ لَا يدْرِي وعَلى هَذَا القَوْل لَا يخْتَص بأمهات الْأَوْلَاد بل يتَصَوَّر فِي غَيْرهنَّ فَإِن الْأمة قد تَلد حرا بوطئ غير سَيِّدهَا بِشُبْهَة أَو ولدا رَقِيقا بِنِكَاح أَو زنا ثمَّ تبَاع الْأمة فِي بيع لأمهات الْأَوْلَاد وَالرَّابِع أَن أم الْوَلَد لما عتقت بِوَلَدِهَا فَكَأَنَّهُ سَيِّدهَا وَهَذَا بطرِيق الْمجَاز لِأَنَّهُ لما كَانَ سَببا فِي عتقهَا بِمَوْت أَبِيه أطلق عَلَيْهِ ذَلِك وَالْخَامِس أَن يكثر العقوق فِي الْأَوْلَاد فيعامل الْوَلَد أمه مُعَاملَة السَّيِّد أمته من الإهانة وَغير ذَلِك وَأطلق عَلَيْهِ رَبهَا مجَازًا لذَلِك وَقَالَ بَعضهم لذَلِك وَقَالَ بَعضهم يجوز أَن يكون المُرَاد بالرب المربي فَيكون حَقِيقَة وَهَذَا أوجه الْأَوْجه عِنْدِي لعمومه قل هَذَا لَيْسَ بأوجه الْأَوْجه بل أضعفها لِأَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا عد هَذَا من أَشْرَاط السَّاعَة لكَونه على نمط خَارج على وَجه الاستغراب أَو على وَجه دَال على فَسَاد أَحْوَال النَّاس وَالَّذِي ذكره هَذَا الْقَائِل لَيْسَ من هَذَا الْقَبِيل فَافْهَم. وَأما رِوَايَة بَعْلهَا فَالصَّحِيح فِي مَعْنَاهَا أَن البعل هُوَ السَّيِّد أَو الْمَالِك فَيكون بِمَعْنى رَبهَا على مَا سلف قَالَ أهل اللُّغَة بعل الشَّيْء ربه ومالكه قَالَ تَعَالَى {أَتَدعُونَ بعلا} أَي رَبًّا قَالَه ابْن عَبَّاس والمفسرون وَقيل المُرَاد هُنَا الزَّوْج وعَلى هَذَا مَعْنَاهُ نَحْو مَا سبق أَنه يكثر بيع السرارى حَتَّى يتَزَوَّج الْإِنْسَان أمه وَلَا يدْرِي وَهَذَا أَيْضا معنى صَحِيح إِلَّا أَن الأول أظهر لِأَنَّهُ إِذا أمكن حمل الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْقَضِيَّة الْوَاحِدَة على معنى وَاحِد كَانَ أولى قَوْله " وَإِذا تطاول رُعَاة الْإِبِل البهم فِي الْبُنيان " الْمَعْنى أَن أهل الْبَادِيَة أهل الْفَاقَة تنبسط لَهُم الدُّنْيَا حَتَّى يتباهوا فِي إطالة الْبُنيان يَعْنِي الْعَرَب تستولي على النَّاس وبلادهم وَيزِيدُونَ فِي بنيانهم وَهُوَ إِشَارَة إِلَى اتساع دين الْإِسْلَام كَمَا أَن الْعَلامَة الأولى أَيْضا فِيهَا اتساع الْإِسْلَام قَالَ الْكرْمَانِي ومحصله أَن من أشراطها تسلط الْمُسلمين على الْبِلَاد والعباد وَقَالَ ابْن بطال مَعْنَاهُ أَن ارْتِفَاع الأسافل من العبيد والسفلة الجمالين وَغَيرهم من عَلَامَات الْقِيَامَة. وروى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث ابْن أبي جَمْرَة عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما مَرْفُوعا " من انقلاب الدّين تفصح النبط واتخاذهم الْقُصُور فِي الْأَمْصَار " وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ الْمَقْصُود الْأَخْبَار عَن تبدل الْحَال بِأَن يستولي أهل الْبَادِيَة على الْأَمر ويتملكوا الْبِلَاد بالقهر فتكثر أَمْوَالهم وتنصرف هممهم إِلَى تشييد

ص: 289

الْبُنيان والتفاخر بِهِ وَقد شاهدنا ذَلِك فِي هَذَا الزَّمَان وَقَالَ الطَّيِّبِيّ الْمَقْصُود أَن علاماتها انقلاب الْأَحْوَال والقرينة الثَّانِيَة ظَاهِرَة فِي صيرورة الأعزة أَذِلَّة أَلا ترى إِلَى الملكة بنت النُّعْمَان حَيْثُ سبيت واحضرت بَين يَدي سعد بن أبي وَقاص رضي الله عنه كَيفَ أنشدت

(بَينا نسوس النَّاس وَالْأَمر أمرنَا

إِذا نَحن فيهم سوقة تنتصف)

(فأف لدُنْيَا لَا يَدُوم نعيمها

تقلب تارات بِنَا وَتصرف)

قَوْله " فِي خمس " إِلَى آخِره قَالَ الْقُرْطُبِيّ لَا مطمع لأحد فِي علم شَيْء من هَذِه الْأُمُور الْخمس لهَذَا الحَدِيث وَقد فسر النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَول الله تَعَالَى {وَعِنْده مفاتح الْغَيْب لَا يعلمهَا إِلَّا هُوَ} بِهَذِهِ الْخمس وَهُوَ الصَّحِيح قَالَ فَمن ادّعى علم شَيْء مِنْهَا غير مُسْند إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ كَاذِبًا فِي دَعْوَاهُ قَالَ وَأما ظن الْغَيْب فقد يجوز من المنجم وَغَيره إِذا كَانَ غير أَمر عادي وَلَيْسَ ذَلِك بِعلم وَقد نقل ابْن عبد الْبر الْإِجْمَاع على تَحْرِيم أَخذ الْأُجْرَة والجعل وإعطائها فِي ذَلِك (استنباط الْأَحْكَام) وَهُوَ على وُجُوه. الأول أَن الْإِيمَان هُوَ أَن يُؤمن العَبْد بِاللَّه وَمَلَائِكَته وبلقائه وَرُسُله ويؤمن بِالْبَعْثِ والنشور. الثَّانِي أَن الْإِسْلَام أَن تعبد الله وَلَا تشرك بِهِ شَيْئا وتقيم الصَّلَاة وتؤتي الزَّكَاة وتصوم رَمَضَان. الثَّالِث إِن الْإِحْسَان أَن تعبد الله كَأَنَّهُ يراك وتراه. الرَّابِع احْتج بِهِ من يَدعِي تغاير الْإِيمَان وَالْإِسْلَام وَمَعَ هَذَا تقدم غير مرّة أَن الْإِسْلَام وَالْإِيمَان وَالدّين عِنْد البُخَارِيّ عِبَارَات عَن معنى وَاحِد وَقَالَ محيي السّنة جعل النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْإِسْلَام اسْما لما ظهر من الْأَعْمَال وَالْإِيمَان اسْما لما بطن من الِاعْتِقَاد وَلَيْسَ ذَلِك لِأَن الْأَعْمَال لَيست من الْإِيمَان والتصديق بِالْقَلْبِ لَيْسَ من الْإِسْلَام بل ذَلِك تَفْصِيل لجملة هِيَ كلهَا شَيْء وَاحِد وجماعها الدّين وَلِهَذَا قَالَ عليه الصلاة والسلام " أَتَاكُم جِبْرِيل يعلمكم دينكُمْ " والتصديق وَالْعَمَل يتناولهما الِاسْم وَالْإِيمَان وَالْإِسْلَام جَمِيعًا وَقَالَ ابْن الصّلاح مَا فِي الحَدِيث بَيَان لأصل الْإِيمَان وَهُوَ التَّصْدِيق الْبَاطِن وأصل الْإِسْلَام وَهُوَ الاستسلام والانقياد الظَّاهِر ثمَّ اسْم الْإِيمَان يتَنَاوَل مَا فسر بِهِ الْإِسْلَام وَسَائِر الطَّاعَات لكَونهَا ثَمَرَات للتصديق الْبَاطِن الَّذِي هُوَ أصل الْإِيمَان وَلِهَذَا فسر الْإِيمَان فِي حَدِيث الْوَفْد بِمَا هُوَ الْإِسْلَام هَهُنَا وَاسم الْإِسْلَام يتَنَاوَل أَيْضا مَا هُوَ أصل الْإِيمَان وَهُوَ التَّصْدِيق الْبَاطِن ويتناول الطَّاعَات فَإِن ذَلِك كُله استسلام فتحقق مَا ذكرنَا إنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ فِيهِ ويفترقان وَقَالَ من قَالَ إنَّهُمَا حقيقتان متباينتان إِن حَدِيث جِبْرِيل عليه السلام جَاءَ على الْوَضع الْأَصْلِيّ بالتفرقة بَين الْإِيمَان وَالْإِسْلَام فالإيمان فِي اللُّغَة التَّصْدِيق مُطلقًا وَفِي الشَّرْع التَّصْدِيق بقواعد الشَّرْع وَالْإِسْلَام فِي اللُّغَة الاستسلام والانقياد وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {قل لم تؤمنوا وَلَكِن قُولُوا أسلمنَا} وَفِي الشَّرْع الانقياد فِي الْأَفْعَال الظَّاهِرَة الشَّرْعِيَّة لَكِن الشَّرْع توسع فاطلق الْإِيمَان على الْإِسْلَام فِي حَدِيث وَفد عبد الْقَيْس وَقَوله " الْإِيمَان بضع وَسَبْعُونَ بَابا أدناها إمَاطَة الْأَذَى عَن الطَّرِيق " وَأطلق الْإِسْلَام يُرِيد بِهِ الْأَمريْنِ قَالَ الله تَعَالَى {إِن الدّين عِنْد الله الْإِسْلَام} وَقَالَ بعض الْعلمَاء تنافس الْعلمَاء فِي هَذِه الْأَسْمَاء تنافسا لَا طائل تَحْتَهُ فَإِنَّهُم متفقون على أَنه يُسْتَفَاد مِنْهَا بِالشَّرْعِ زِيَادَة على أصل الْوَضع فَهَل ذَلِك الْمَعْنى يصير تِلْكَ الْأَسْمَاء مَوْضُوعَة كالوضع الابتدائي كَمَا فِي لفظ الدَّابَّة أَو هِيَ مبقاة على الْوَضع اللّغَوِيّ وَالشَّرْع إِنَّمَا تصرف فِي شُرُوطهَا وأحكامها قلت وَهَذَا الثَّانِي هُوَ قَول القَاضِي أبي بكر الباقلاني قَالَ وَالْقَوْل بِالْأولِ يحصل غَرَض الشِّيعَة على الصَّحَابَة فَإِذا قيل إِن الله تَعَالَى وعد الْمُؤمنِينَ بِالْجنَّةِ وهم قد آمنُوا يَقُولُونَ الْإِيمَان هُوَ التَّصْدِيق فِي قُلُوبهم لَكِن الشَّرْع نقل هَذِه الْأَلْفَاظ إِلَى الطَّاعَات وهم صدقُوا وَمَا أطاعوا فِي أَمر الْخلَافَة فَإِذا قُلْنَا لم تنقل انسد الْبَاب الردي وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ يمكننا أَن نقُول بِأَن الْأَسْمَاء الشَّرْعِيَّة منقولة إِلَّا هَذِه الْمَسْأَلَة. الْخَامِس فِيهِ وجوب الْإِيمَان بِهَذِهِ الْمَذْكُورَات فِي الحَدِيث. السَّادِس فِيهِ عظم مرتبَة هَذِه الْأَركان الَّتِي فسر الْإِسْلَام بهَا السَّابِع فِيهِ جَوَاز قَول رَمَضَان بِلَا شهر الثَّامِن فِيهِ غظم مَحل الْإِخْلَاص والمراقبة التَّاسِع يه لَا أَدْرِي من الْعلم وَالِاعْتِرَاف بِعَدَمِ الْعلم وَإِن ذَلِك لَا ينقصهُ وَلَا يزِيل مَا عرف من جلالته بل ذَلِك دَلِيل على ورعه وتقواه ووفور علمه وَعدم يبجحه بِمَا لَيْسَ عِنْده الْعَاشِر فِيهِ دَلِيل على تمثل الْمَلَائِكَة بِأَيّ صُورَة شاؤا من صور بني

ص: 290

آدم كَقَوْلِه تَعَالَى {فتمثل لَهَا بشرا سويا} وَقد كَانَ جِبْرِيل عليه السلام يتَمَثَّل بِصُورَة دحْيَة وَلم يره النَّبِي عليه السلام فِي صورته الَّتِي خلق عَلَيْهَا غير مرَّتَيْنِ. فَإِن قلت لَو كَانَ جِبْرِيل عليه السلام متمثلا بِصُورَة دحْيَة فِي ذَلِك الْوَقْت لَكَانَ النَّبِي عليه السلام عرفه من أول الْأَمر مَا عرف أَنه جِبْرِيل إِلَّا فِي آخر الْحَال قلت من ادّعى أَن جِبْرِيل مَا يتَمَثَّل إِلَّا بِصُورَة دحْيَة فَقَط فَعَلَيهِ الْبَيَان على أَن الَّذِي ذكرنَا من الرِّوَايَات أَن جِبْرِيل أَتَاهُ فِي صُورَة رجل حسن الْهَيْئَة لكنه غير مَعْرُوف لديهم يرد عَلَيْهِ. فَإِن قلت وَقع فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ من طَرِيق أبي فَرْوَة فِي آخر الحَدِيث وَأَنه لجبريل نزل فِي صُورَة دحْيَة الْكَلْبِيّ قلت قَوْله نزل فِي صُورَة دحْيَة الْكَلْبِيّ وهم لِأَن دحْيَة مَعْرُوف عِنْدهم وَقد قَالَ عمر رضي الله عنه فِي حَدِيثه مَا يعرفهُ منا أحد وَقد أخرجه مُحَمَّد بن نصر الْمروزِي فِي كتاب الْإِيمَان لَهُ من الْوَجْه الَّذِي أخرجه مِنْهُ النَّسَائِيّ فَقَالَ فِي آخِره " فَإِنَّهُ جِبْرِيل جَاءَ ليعلمكم دينكُمْ " حسب وَهَذِه الرِّوَايَة هِيَ المحفوظة لموافقته بَاقِي الرِّوَايَات الْحَادِي عشر قَالَ الْقُرْطُبِيّ هَذَا الحَدِيث يصلح أَن يُقَال لَهُ أم السّنة لما تضمن من جملَة عِلّة السّنة وَقَالَ الطَّيِّبِيّ لهَذِهِ النُّكْتَة استفتح بِهِ الْبَغَوِيّ كِتَابه المصابيح وَشرح السّنة اقْتِدَاء بِالْقُرْآنِ فِي افتتاحه بِالْفَاتِحَةِ لِأَنَّهَا تَضَمَّنت عُلُوم الْقُرْآن إِجْمَالا وَقَالَ القَاضِي عِيَاض اشْتَمَل هَذَا الحَدِيث على جَمِيع وظائف الْعِبَادَات الظَّاهِرَة والباطنة من عُقُود الْإِيمَان ابْتِدَاء وَحَالا ومآلا وَمن أَعمال الْجَوَارِح وَمن إخلاص السرائر والتحفظ من آفَات الْأَعْمَال حَتَّى أَن عُلُوم الشَّرِيعَة كلهَا رَاجِعَة إِلَيْهِ ومتشعبة مِنْهُ الثَّانِي عشر فِيهِ دَلِيل على أَن رُؤْيَة الله تَعَالَى فِي الدُّنْيَا بالأبصار غير وَاقعَة فَإِن قلت فالنبي صلى الله عليه وسلم قد رَآهُ قلت قَالَ بَعضهم وَأما النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَذَاك لدَلِيل آخر قلت رُؤْيَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل لم يكن فِي دَار الدُّنْيَا بل كَانَت فِي الملكوت الْعليا وَالدُّنْيَا لَا تطلق عَلَيْهَا وَالدَّلِيل الصَّرِيح على عدم وُقُوع رُؤْيَة الله تَعَالَى بالأبصار فِي الدُّنْيَا مَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث أبي أُمَامَة قَالَ عليه السلام " وَاعْلَمُوا أَنكُمْ لن تروا ربكُم حَتَّى تَمُوتُوا " وَأما الرُّؤْيَة فِي الْآخِرَة فمذهب أهل الْحق أَنَّهَا وَاقعَة بالأبصار. فَإِن قلت الرُّؤْيَة يشْتَرط فِيهَا خُرُوج شُعَاع وانطباع صُورَة المرئي فِي الحدقة والمواجهة والمقابلة وَرفع الْحجب فَكيف يجوز ذَلِك على الله سبحانه وتعالى قلت هَذِه الشُّرُوط للرؤيا عَادَة فِي الدُّنْيَا وَأما فِي الْآخِرَة فَيجوز أَن يكون الله تَعَالَى مرئيا لنا إِذْ هِيَ حَالَة يخلقها الله تَعَالَى فِي الحاسة فَتحصل بِدُونِ هَذِه الشُّرُوط وَلِهَذَا جوز الأشاعرة أَن يرى أعمى الصين بقْعَة أندلس وَقد ادّعى بعض غلات الصُّوفِيَّة جَوَاز رُؤْيَة الله تَعَالَى بالأبصار فِي دَار الدُّنْيَا وَقَالَ فِي قَوْله " فَإِن لم تكن ترَاهُ " إِشَارَة إِلَى مقَام المحو والفناء وَتَقْدِيره فَإِن لم تصر شَيْئا وفنيت عَن نَفسك حَتَّى كَأَنَّك لَيْسَ بموجود فَإنَّك حِينَئِذٍ ترَاهُ. قلت هَذَا تَأْوِيل فَاسد بِدَلِيل رِوَايَة كهمس فَإِن لَفظهَا " فَإنَّك أَن لَا ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك " فَسلط النَّفْي على الرُّؤْيَة لَا على الْكَوْن وَكَذَلِكَ يبطل تأويلهم رِوَايَة أبي فَرْوَة " فَإِن لم ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك " ورد عَلَيْهِم بَعضهم بقوله لَو كَانَ المُرَاد مَا زَعَمُوا لَكَانَ قَوْله " ترَاهُ " نحذوف الْألف لِأَنَّهُ يصير مَجْزُومًا لكَونه على تأويلهم جَوَاب الشَّرْط وَلم يَجِيء حذف الْألف فِي شَيْء من طرق هَذَا الحَدِيث وَهَذَا الْجَواب لَا يقطع بِهِ شغبهم لِأَن لَهُم أَن يَقُولُوا الْجَزَاء جملَة حذف صدرها تَقْدِيره فَأَنت ترَاهُ والجزم فِي الْجُمْلَة لَا يظْهر والمقدر كالملفوظ قَوْله " مَتى السَّاعَة " قَالَ الْقُرْطُبِيّ الْمَقْصُود من هَذَا السُّؤَال كف السامعين عَن السُّؤَال عَن وَقت السَّاعَة لأَنهم كَانُوا قد أَكْثرُوا السُّؤَال عَنْهَا كَمَا ورد فِي كثير من الْآيَات والْحَدِيث فَلَمَّا حصل الْجَواب بِمَا ذكر حصل الْيَأْس من مَعْرفَتهَا بِخِلَاف الأسئلة الْمَاضِيَة فَإِن المُرَاد بهَا اسْتِخْرَاج الْأَجْوِبَة ليتعلمها السامعون ويعملوا بهَا وَهَذَا السُّؤَال وَالْجَوَاب وَقعا بَين عِيسَى ابْن مَرْيَم وَجِبْرِيل عليهما السلام أَيْضا لَكِن كَانَ عِيسَى سَائِلًا وَجِبْرِيل مسئولا قَالَ الْحميدِي حَدثنَا سُفْيَان حَدثنَا مَالك ابْن مغول عَن إِسْمَاعِيل بن رَجَاء عَن الشّعبِيّ قَالَ " سَأَلَ عِيسَى ابْن مَرْيَم جِبْرِيل عليه السلام عَن السَّاعَة قَالَ فانتفض بأجنحته وَقَالَ مَا المسؤل عَنْهَا بِأَعْلَم من السَّائِل " قَوْله " جَاءَ يعلم النَّاس دينهم " أَي قَوَاعِد دينهم وكلياتها وَقَالَ ابْن الْمُنِير فِيهِ دلَالَة على أَن السُّؤَال الْحسن يُسمى علما وتعليما لِأَن جِبْرِيل عليه السلام لم يصدر مِنْهُ سوى السُّؤَال وَمَعَ ذَلِك فقد سَمَّاهُ معلما وَقد اشْتهر قَوْلهم. السُّؤَال نصف الْعلم (الأسئلة والأجوبة) مِنْهَا مَا قيل مَا سَبَب وُرُود هَذَا الحَدِيث وَأجِيب بِأَن سَببه مَا رَوَاهُ مُسلم من رِوَايَة عمَارَة بن الْقَعْقَاع أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ " سلوني فهابوه أَن يسألوه فجَاء رجل فَجَلَسَ عِنْد رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ يَا رَسُول الله

ص: 291

مَا الْإِسْلَام " الحَدِيث. وَمِنْهَا مَا قيل مَا وَجه تَفْسِير الْإِيمَان بِأَن تؤمن وَفِيه تَعْرِيف الشَّيْء بِنَفسِهِ وَأجِيب بِأَنَّهُ لَيْسَ تعريفا بِنَفسِهِ إِذا المُرَاد من الْمَحْدُود الْإِيمَان الشَّرْعِيّ وَمن الْحَد الْإِيمَان اللّغَوِيّ أَو المتضمن للاعتراف وَلِهَذَا عدى بِالْبَاء أَي أَن تصدق معترفا بِكَذَا. وَمِنْهَا مَا قيل كَيفَ بَدَأَ جِبْرِيل عليه السلام بالسؤال قبل السَّلَام وَأجِيب بِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون ذَلِك مُبَالغَة فِي التعمية لأَمره أَو ليبين أَن ذَلِك غير وَاجِب أَو سلم فَلم يَنْقُلهُ الرَّاوِي قلت الْأَوَّلَانِ ضعيفان والاعتماد على الثَّالِث لِأَنَّهُ ثَبت فِي رِوَايَة أبي فَرْوَة بعد قَوْله " كَأَن ثِيَابه لم يَمَسهَا دنس حَتَّى سلم من طرف الْبسَاط فَقَالَ السَّلَام عَلَيْك يَا مُحَمَّد فَرد عليه السلام قَالَ ادنو يَا مُحَمَّد قَالَ أدن فَمَا زَالَ يَقُول أدنو مرَارًا وَيَقُول أدن " وَنَحْوه فِي رِوَايَة عَطاء عَن ابْن عمر رضي الله عنهما لَكِن قَالَ " السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله " وَفِي رِوَايَة " يَا رَسُول الله أدنو فَقَالَ أدن " وَلم يذكر السَّلَام فاختلفت الرِّوَايَة هَل قَالَ يَا مُحَمَّد أَو قَالَ يَا رَسُول الله وَهل سلم أَولا وَطَرِيق التَّوْفِيق أَن رِوَايَة من قَالَ سلم مُقَدّمَة على رِوَايَة من سكت عَنهُ أَو أَنه قَالَ أَولا يَا مُحَمَّد كَمَا كَانَ الْأَعْرَاب يَقُوله قصدا ااتعمية ثمَّ خاطبه بعد ذَلِك بقوله يَا رَسُول الله وَوَقع عِنْد الْقُرْطُبِيّ أَنه قَالَ السَّلَام عَلَيْكُم يَا مُحَمَّد واستنبط من هَذَا أَنه يسْتَحبّ للداخل أَن يعمم بِالسَّلَامِ ثمَّ يخصص من يُرِيد تَخْصِيصه. وَمِنْهَا مَا قيل لم قدم السُّؤَال عَن الْإِيمَان وَأجِيب بِأَنَّهُ الأَصْل وَثني بِالْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ يظْهر بِهِ تَصْدِيق الدَّعْوَى وَثلث بِالْإِحْسَانِ لِأَنَّهُ مُتَعَلق بهما وَقد وَقع فِي رِوَايَة عمَارَة بن الْقَعْقَاع بَدَأَ بِالْإِسْلَامِ وثنى بِالْإِيمَان وَقَالُوا إِنَّمَا بَدَأَ بِالْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ بِالْأَمر الظَّاهِر ثمَّ بِالْإِيمَان لِأَنَّهُ بِالْأَمر الْبَاطِن وَرجح الطَّيِّبِيّ هَذَا وَقَالَ لما فِيهِ من الترقي وَوَقع فِي وَرَايَة مطر الْوراق بَدَأَ بِالْإِسْلَامِ وثنى بِالْإِحْسَانِ وَثلث بِالْإِيمَان وَيُمكن أَن يُقَال عَنَّا أَن الْإِحْسَان هُوَ الْإِخْلَاص كَمَا ذكرنَا فَكَمَا أَن مَحَله الْقلب فَكَذَلِك ذكر فِي الْقلب وَالْحق أَن هَذَا التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير من الروَاة وَالله تَعَالَى أعلم. وَمِنْهَا مَا قيل أَن السُّؤَال عَن مَاهِيَّة الْإِيمَان لِأَنَّهُ سَأَلَهُ بِكَلِمَة مَا وَلَا يسْأَل بهَا إِلَّا عَن الْمَاهِيّة وماهية الْإِيمَان التَّصْدِيق وَالْجَوَاب غير مُطَابق وَأجِيب بِأَنَّهُ عليه السلام علم مِنْهُ إِنَّه إِنَّمَا سَأَلَهُ عَن متعلقات الْإِيمَان إِذْ لَو كَانَ سُؤَاله عَن حَقِيقَته لَكَانَ جَوَابه التَّصْدِيق وَقَالَ الطَّيِّبِيّ قَوْله " أَن تؤمن بِاللَّه " يُوهم التّكْرَار وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِنَّهُ يتَضَمَّن معنى أَن تعترف وَلِهَذَا عداهُ بِالْبَاء وَقَالَ بَعضهم والتصديق أَيْضا يعدي بِالْبَاء فَلَا يحْتَاج إِلَى دَعْوَى التَّضْمِين قلت الطَّيِّبِيّ ادّعى تضمين الْإِيمَان معنى الِاعْتِرَاف وَكَون التَّصْدِيق يتَعَدَّى بِالْبَاء لَا يمْنَع دَعْوَى تضمين الْإِيمَان معنى الِاعْتِرَاف حَتَّى يُقَال لَا يحْتَاج إِلَى دَعْوَى التَّضْمِين. وَمِنْهَا مَا قيل الْإِيمَان بالكتب أَيْضا وَاجِب وَلم تَركه وَأجِيب بِأَن الْإِيمَان بالرسل مُسْتَلْزم للْإيمَان بِمَا أنزل عَلَيْهِم على أَنه مَذْكُور فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ هَهُنَا كَمَا ذَكرْنَاهُ وَمِنْهَا مَا قيل لم كرر لفظ تؤمن فِي قَوْله " وتؤمن بالعبث " وَأجِيب بِأَنَّهُ نوع آخر من الْمُؤمن بِهِ لِأَن الْبَعْث سيوجد فِيمَا بعد واخواته مَوْجُودَة الْآن وَمِنْهَا مَا قيل ظَاهر الحَدِيث يدل على أَن الْإِيمَان لَا يتم إِلَّا على من صدق بِجَمِيعِ مَا ذكر فَمَا بَال الْفُقَهَاء يكتفون بِإِطْلَاق الْإِيمَان على من آمن بِاللَّه وَرَسُوله وَأجِيب بِأَن الْإِيمَان بِرَسُولِهِ هُوَ الْإِيمَان بِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ من ربه فَيدْخل جَمِيع ذَلِك تَحت ذَلِك وَمِنْهَا مَا قيل أَن المُرَاد من قَوْله (أَن تعبد الله وَلَا تشرك بِهِ شَيْئا) إِن كَانَ معرفَة الله تَعَالَى وتوحيده فَلَا يحْتَاج إِلَى قَوْله (وَلَا تشرك بِهِ شَيْئا) وَإِن كَانَ المُرَاد الطَّاعَة مُطلقًا فَيدْخل فِيهَا جَمِيع الْوَظَائِف وَمَا الْفَائِدَة بعد ذَلِك فِي ذكر الصَّلَاة وَالصَّوْم وَأجِيب بِأَن المُرَاد النُّطْق بِالشَّهَادَتَيْنِ صرح بذلك فِي حَدِيث عمر رضي الله عنه قَالَ " الْإِسْلَام أَن تشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله " وَلما عبر الرَّاوِي عَن ذَلِك بِالْعبَادَة احْتِيجَ أَن يُوضح ذَلِك بقوله وَلَا تشرك بِهِ شَيْئا وَلم يحْتَج إِلَيْهِ من بَاب عطف الْخَاص على الْعَام. وَمِنْهَا مَا قيل أَن السُّؤَال عَن الْإِسْلَام عَام وَالْجَوَاب خَاص لقَوْله " أَن تعبد الله " وَكَذَا قَوْله فِي الْإِيمَان " أَن تؤمن " وَفِي الْإِحْسَان " أَن تعبد " وَأجِيب بِأَنَّهُ لَيْسَ المُرَاد بمخاطبة الْأَفْرَاد اخْتِصَاصه بذلك بل المُرَاد تَعْلِيم السامعين الحكم فِي حَقهم وَحقّ من تخَاف عَنْهُم وَقد بَين ذَلِك بقوله فِي آخر الحَدِيث " يعلم النَّاس دينهم " وَمِنْهَا مَا قيل لم لم يذكر الْحَج وَأجِيب بِأَنَّهُ فرض حِينَئِذٍ وَيرد هَذَا مَا رَوَاهُ ابْن مَنْدَه فِي كتاب الْإِيمَان بِإِسْنَادِهِ الَّذِي هُوَ على شَرط مُسلم من طَرِيق سُلَيْمَان التَّيْمِيّ من حَدِيث عمر رضي الله عنه أَوله أَن رجلا فِي آخر عمر النَّبِي صلى الله عليه وسلم جَاءَ إِلَى

ص: 292