الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَي: حَتَّى ينشىء الله خلقا فيسكنهم من الإسكان فضل الْجنَّة أَي: الْموضع الَّذِي فضل مِنْهَا وَبَقِي عَنْهُم، ويروى: أفضل بِصِيغَة. أفعل التَّفْضِيل. فَقيل: هُوَ مثل: النَّاقِص والأشج أعد لِابْني مَرْوَان، يَعْنِي: عَاد لِابْني مَرْوَان. وَفِيه: أَن دُخُول الْجنَّة لَيْسَ بِالْعَمَلِ.
8
-
(بابُ قوْلِ الله تَعَالَى: {وَقَالُواْ لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِءَايَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلٍ ءايَةً وَلَاكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {وَقَالُواْ لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِءَايَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلٍ ءايَةً وَلَاكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} أَي: بِكَلِمَة الْحق، وَهِي قَوْله: كن، وَقيل: ملتبساً بِالْحَقِّ لَا بِالْبَاطِلِ، وَذكر ابْن التِّين أَن الدَّاودِيّ قَالَ: إِن الْبَاء هَاهُنَا بِمَعْنى اللَّام أَي: لأجل الْحق. قلت: ذكر النُّحَاة أَن الْبَاء تَأتي لأربعة عشر معنى وَلم يذكرُوا فِيهَا أَنَّهَا تَجِيء بِمَعْنى اللَّام، وَقَالَ ابْن بطال: المُرَاد بِالْحَقِّ هَاهُنَا ضد الْهزْل، وَقيل: يُقَال لكل مَوْجُود من فعل الله تَعَالَى يَقْتَضِي الْحِكْمَة حق، وَيُطلق على الِاعْتِقَاد فِي الشَّيْء المطابق فِي الْوَاقِع، وَيُطلق على الْوَاجِب وَاللَّازِم الثَّابِت والجائز، وَعَن الْحَلِيمِيّ: الْحق مَا لَا يسع إِنْكَاره وَيلْزم إثْبَاته وَالِاعْتِرَاف بِهِ، وَوُجُود الْبَارِي أولى مَا يجب الِاعْتِرَاف بِهِ وَلَا يسع جحوده إِذْ لَا مُثبت تظاهرت عَلَيْهِ الْبَيِّنَة مَا تظاهرت على وجوده عز وجل.
7385 -
حدّثنا قَبِيصَةُ، حَدثنَا سُفْيان، عنِ ابنِ جُرَيْجٍ، عنْ سُلَيْمانَ، عنْ طاوُسٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما، قَالَ: كَانَ النَّبيُّ يَدْعُو مِنَ اللَّيْلِ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ أنْتَ ربُّ السَّماوَاتِ والأرْضِ لَكَ الحَمْدُ أنْت قَيِّمُ السَّماوَاتِ والأرْضِ، ومنْ فِيهِنَّ، لَكَ الحَمْدُ أنْتَ نُورُ السَّماوَاتِ والأرْضِ، قَوْلُكَ الحَقُّ وَوعْدُكَ الحَقُّ، ولِقاؤُكَ حَقٌّ، والجَنَّةُ حَقٌّ والنَّارُ حَقٌّ، والسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أسْلَمْتُ وبِكَ آمَنْتُ وعَليك تَوَكْلَتُ وإلَيْكَ أنَبْتُ، وبِكَ خاصَمْتُ وإلَيْكَ حاكَمْتُ، فاغْفِرْ لي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أخَّرْتُ وأسْرَرتُ وأعْلَنْتُ، أنْتَ إلاهِي لَا إلاهَ لي غَيْرُكَ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: أَنْت رب السَّمَوَات وَالْأَرْض لِأَن مَعْنَاهُ: أَنْت مَالك السَّمَوَات وَالْأَرْض وخالقهما.
وَقبيصَة بِفَتْح الْقَاف ابْن عقبَة، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَابْن جريج عبد الْملك، وَسليمَان الْأَحول.
والْحَدِيث مضى فِي صَلَاة اللَّيْل عَن عَليّ بن عبد الله وَفِي الدَّعْوَات عَن عبد الله بن مُحَمَّد، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
اللَّيْل أَي: فِي اللَّيْل أَو من قيام اللَّيْل. قَوْله: رب السَّمَوَات الرب السَّيِّد والمصلح وَالْمَالِك. قَوْله: أَنْت قيم السَّمَوَات أَي: مدبرها ومقومها. قَوْله: نور السَّمَوَات أَي: منورها وَهُوَ من جملَة صِفَات الْفِعْل، وَقد مر تَفْسِير الْحق. قَوْله: وَعدك حق من عطف الْخَاص على الْعَام لِأَن الْوَعْد أَيْضا قَول. قَوْله: لقاؤك المُرَاد باللقاء الْبَعْث. قَوْله: إِلَيْك أنبت أَي: رجعت إِلَى عبادتك. قَوْله: وَبِك خَاصَمت أَي: ببراهينك الَّتِي أَعْطَيْتنِي خَاصَمت الْأَعْدَاء. قَوْله: وَإِلَيْك حاكمت يَعْنِي: من جحد الْحق حاكمته إِلَيْك أَي: جعلتك حَاكما بيني وَبَينه لَا غَيْرك مِمَّا كَانَت الْجَاهِلِيَّة تتحاكم إِلَى الصَّنَم وَنَحْوه. قَوْله: فَاغْفِر لي سُؤَاله الْمَغْفِرَة تواضع مِنْهُ أَو تَعْلِيم لأمته.
حدّثنا ثابِتُ بنُ مُحَمَّدٍ حدّثنا سُفْيانُ بِهَذا، وَقَالَ: أنْتَ الحَقُّ وقَوْلُكَ الحَقُّ.
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن فِي رِوَايَة قبيصَة سقط مِنْهَا: أَنْت الْحق قبل قَوْله: قَوْلك الْحق وَثَبت فِي رِوَايَة ثَابت بالثاء الْمُثَلَّثَة فِي أَوله ابْن مُحَمَّد العابد الْبنانِيّ بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف النُّون الأولى عَن سُفْيَان الثَّوْريّ. قَوْله: بِهَذَا، أَي: بالسند الْمَذْكُور والمتن، وَسَيَأْتِي بَيَانه فِي: بَاب قَوْله تَعَالَى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ}
9 -
(بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالَاْخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً} )
أَي: هَذَا بَاب فِي قَول الله تَعَالَى: {مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالَاْخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً} غَرَضه من هَذَا الرَّد على الْمُعْتَزلَة حَيْثُ قَالُوا: إِنَّه سميع بِلَا سمع، وعَلى من قَالَ: معنى السَّمِيع الْعَالم بالمسموعات لَا غير، وَقَوْلهمْ هَذَا يُوجب مساواته تَعَالَى للأعمى والأصم الَّذِي يعلم أَن السَّمَاء خضراء وَلَا يَرَاهَا، وَأَن فِي الْعَالم أصوتاً وَلَا يسْمعهَا، وفساده ظَاهر، فَوَجَبَ كَونه سميعاً بَصيرًا مُفِيدا أمرا زَائِدا على مَا يُفِيد كَونه
عَالما. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: السَّمِيع من لَهُ سمع يدْرك بِهِ المسموعات، والبصير من لَهُ بصر يدْرك بِهِ المرئيات، قيل: كَيفَ يتَصَوَّر السّمع لَهُ وَهُوَ عبارَة عَن وُصُول الْهَوَاء المتموج إِلَى العصب المفروش فِي مقعر الصماخ؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ لَيْسَ السّمع ذَلِك بل هُوَ حَالَة يخلقها الله فِي الْحَيّ، نعم جرت سنة الله تَعَالَى أَنه لَا يخلقه عَادَة إلَاّ عِنْد وُصُول الْهَوَاء إِلَيْهِ، وَلَا مُلَازمَة عقلا بَينهمَا، وَالله تَعَالَى يسمع المسموع بِدُونِ هَذِه الوسائط العادية. كَمَا أَنه يرى بِدُونِ المواجهة والمقابلة وَخُرُوج الشعاع وَنَحْوه من الْأُمُور الَّتِي لَا يحصل الإبصار عَادَة إلَاّ بهَا.
وَقَالَ الأعْمَشُ: عَنْ تَميمٍ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ قالَتِ: الحَمْدُ لله الّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الأصْواتَ، فأنْزلَ الله تَعَالَى عَلى النبيِّ {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِى تُجَادِلُكَ فِى زَوْجِهَا وَتَشْتَكِى إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}
أَي: وَقَالَ سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن تَمِيم بن سَلمَة الْكُوفِي التَّابِعِيّ عَن عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت:
…
إِلَى آخِره، وَوصل هَذَا التَّعْلِيق أَحْمد وَالنَّسَائِيّ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور هُنَا، وَأخرجه ابْن مَاجَه من رِوَايَة أبي عُبَيْدَة بن معن عَن الْأَعْمَش بِلَفْظ: تبَارك الَّذِي وسع سَمعه كل شي، إِنِّي أسمع كَلَام خَوْلَة، وَيخْفى عَليّ بعضه وَهِي تَشْتَكِي زَوجهَا إِلَى رَسُول الله وَهِي تَقول: أكل شَبَابِي وَنَثَرت لَهُ بَطْني حَتَّى إِذا كَبرت سني وَانْقطع وَلَدي ظَاهر مني، اللَّهُمَّ إِنِّي أشكوا إِلَيْك، فَمَا بَرحت حَتَّى نزل جِبْرِيل، عليه السلام، بهؤلاء الْآيَات:{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِى تُجَادِلُكَ فِى زَوْجِهَا وَتَشْتَكِى إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} انْتهى. وَمعنى قَول عَائِشَة أوعى: وسع سَمعه الْأَصْوَات، لَا أَنه اتَّسع صَوته لَهَا، لِأَن الْمَوْصُوف بِالسَّعَةِ لَا يَصح وَصفه بالضيق بَدَلا مِنْهُ، والوصفان جَمِيعًا من صِفَات الْأَجْسَام فيستحيل هَذَا فِي حق الله فَوَجَبَ صرف قَوْلهَا عَن ظَاهره إِلَى مَا اقْتَضَاهُ صِحَة الدَّلِيل.
7386 -
حدّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْب، حدّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عنْ أيُّوبَ، عنْ أبي عُثْمانَ، عنْ أبي مُوساى قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبيِّ فِي سَفَرٍ، فَكنَّا إِذا عَلَوْنا كَبَّرْنا، فَقَالَ: أرْبَعُوا على أنْفُسِكُمْ فإنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أصَمَّ وَلَا غائِباً، تَدْعُونَ سَمِيعاً بَصِيراً قَرِيباً ثُمَّ أتَى عَليَّ، وَأَنا أقُولُ فِي نَفْسِي: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِالله، فَقَالَ لي: يَا عَبْدَ الله بنَ قَيْسٍ قُلْ: لَا حَوْلَ وَلَا قوَّةَ إلَاّ بِالله، فإنّها كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الجَنَّةِ أوْ قَالَ: أَلا أدُلُّكَ بِهِ؟
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: تدعون سميعاً بَصيرًا
وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَأَبُو عُثْمَان عبد الرَّحْمَن بن مل النَّهْدِيّ بِفَتْح النُّون، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ واسْمه عبد الله بن قيس.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الدَّعْوَات فِي: بَاب الدُّعَاء إِذا علا عقبَة، وَأخرجه هُنَاكَ بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد عَن سُلَيْمَان بن حَرْب إِلَى آخِره، وبعين هَذَا الْمَتْن، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: أربعوا بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: ارْفَعُوا وَلَا تبالغوا فِي الْجَهْر، وَحكى ابْن التِّين أَنه وَقع فِي رِوَايَة بِكَسْر الْبَاء، وَأَنه فِي كتب أهل اللُّغَة وَبَعض كتب الحَدِيث بِفَتْحِهَا. قلت: الْفَتْح هُوَ الصَّحِيح لِأَنَّهُ من الْكَلِمَة الَّتِي فِي لَام فعله حرف حلق وَلَا يَجِيء مضارعه إلَاّ بِفَتْح عين الْفِعْل. قَوْله: أَصمّ ويروى: أصماً، وَلَعَلَّه لمناسبة: غَائِبا. قَوْله: وَلَا غَائِبا قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: الْمُنَاسب، وَلَا أعمى، وَقلت: الْأَعْمَى غَائِب عَن الإحساس بالبصر وَالْغَائِب كالأعمى فِي عدم رُؤْيَة ذَلِك المبصر، فنفى لَازمه ليَكُون أبلغ وأعم، وَزَاد: الْقَرِيب، إِذْ رب سامع وباصر لَا يسمع وَلَا يبصر لبعده عَن المحسوس، فَأثْبت الْقَرِيب لتبين وجود الْمُقْتَضى وَعدم الْمَانِع، وَلم يرد بِالْقربِ قرب الْمسَافَة لِأَنَّهُ تَعَالَى منزه عَن الْحُلُول فِي مَكَان بل الْقرب بِالْعلمِ أَو هُوَ مَذْكُور عل سَبِيل الِاسْتِعَارَة. قَوْله: كنز أَي: كالكنز فِي نفاسته. أَو قَالَ شكّ من الرَّاوِي أَي: أَلا أدلك على كلمة هِيَ كنز بِهَذَا الْكَلَام.
وَقَالَ ابْن بطال: فِي هَذَا الحَدِيث: نفي الآفة الْمَانِعَة من السّمع، والآفة الْمَانِعَة من الْبَصَر وَإِثْبَات كَونه سميعاً بَصيرًا قَرِيبا مُسْتَلْزم أَن لَا يَصح أضداد