المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الرابع: موضوع المنهج القرآني ووحدته - عناية المسلمين بإبراز وجوه الإعجاز في القرآن الكريم - حسن عبد الفتاح أحمد

[حسن عبد الفتاح أحمد]

الفصل: ‌المبحث الرابع: موضوع المنهج القرآني ووحدته

‌المبحث الرابع: موضوع المنهج القرآني ووحدته

لا تعنى الوحدة الموضوعية احتواء القرآن الكريم على موضوع واحد، وإنما إذا كان القرآنُ الكتابَ المقروء، والكون هو الكتابَ المنظور، فإن محتواهما واحد، بمعنى أن الكون تمتد منه شواهدُ كثيرةُُ لكن دلالاتها واحدة، هي أن للكون إلهاً، والقرآن هو القصة الصادقة الوحيدة للإنسان وما يحيط به، بكل ما ترامت أطراف اتصافه، وبكل أبعاد آثار وجوده وفكره وحركته في الحياة، فالقرآن قضيته واحدة هي التوحيد، يُصَرِّفُ الدافعَ إليه نحو كل نمط من أنماط السلوك البشري لئلا يكون للناس على الله تعالى حجة.

والقرآن يُصَرِّفُ الآيات الكونية في اعتبار القارئ ليستجمع دلائل التوحد بين كلام الله المقروء وكلامه المنظور، ثم لا يجد المرء نفسه إلا بين خيارين، إقرارِهِ بالعبودية لله لأنه لا يمكن أن يخرج من إطار ما سيق من صفات بشرية في القرآن بحجة أنه لم يكن فيه ما لا يريده القرآن ولا تحدث عنه، وكذلك لا يخرج بحال عن قوة حاجته إلى ما يحيط به من مكونات مخلوقة لله تقوم بها حياةُ ذلك الإنسان، فأنَّى يُصْرف.

والأمر الثاني أو الخيار الآخر جحوده لكل ما حوله من أعلام القول الأفقي في الكون بأن للكون خالقا هو الإله الحق الله ، وأعني بالقول الأفقي أن الإنسان يدرك في عمره بسطة أفقية مكانية على قدر سيره في الأرض يتبين من خلالها جلائل الآيات في الأرض على عظمة الخالق الناطق بها عظمةُ المخلوق.

ص: 92

ويأتيه القرآن بأعلام الكون المستطيل مضروبا على الزمن بكل ما يحتويه من آيات الأحداث تاريخاً للآثار البشرية على طول الزمن في عَرْضِ الكون.

فالقرآن بأسلوبه الفريد يستحيي في قارئه الشعورَ بجلال المتكلم في جمال الكلام فيدرك في الأشياء أسرارها على نحو ما أقامها الله في آفاق الخلائق إقرارا منها بلسان تعيه القلوب فتجيبها بأنه لا إله إلا الله، وجمال الكلام وبروز العجائب فيه تستنطق من العجز قدرة الشهادة بأن محمدا رسول الله.

صرفت آيات القرآن، فالقصص آيات، والأحكام آيات، والأمر آيات، والنهى آيات، والوعد آيات، والوعيد آيات، ويمكنك أن تقول: القرآن آيات، ولا يمكنك قول القرآن قصص أو أحكام أو أوامر أو نواه أو وعد أو وعيد. لأنك حين تقول هذا تكون مخطئا من وجهين: أحدهما أنك صنفت المخاطَبَ على نحو واحد، والناس على أَنحاء عدة، ثانيهما: أن القرآن استجمع صفاتِ المكلفين مخاطِباً كلا بما يليق به، فمن يرى في حياته عبرة تُنَبِّهُ فيه اليقينَ بأن الإنسان خُلِقَ ضعيفاً أو خَلْقُُ ضعيف أَوْ كَلَتْ آياتُ القصص شعورَه إلى الاعتبار إلى الماضي، ليعيد نفسه على أساس أنه بذاته سيكون ماضيا كمن سبقه.

وليس للمطيع خطاب الوعيد كالعاصي، والناس صور تَنَاوَلَهَا القرآن ممزوجة كي ينقب كل إنسان فيه عن دخائلِ نفسِه، فإنه حين يتوزع القرآن على مجموع الصفات البشرية، كل بحسب ما يوافقه، فإن الشخصيات النفسية يضفي الحديث عنها توافقا أو إحساسا بالتوافق بين الكلام وبين نفس القارئ، وليس فيه من ذلك شيء، وحين يُبْسَط الحديثُ بسطًا مصروفا من كذا إلى كذا وتصادف النفسُ حقائقَ تحرِّك في القارئ شعوراً بحقيقة العلاقة

ص: 93

بين الخالق والمخلوق، لا يكون من الإنسان إلا صدق الالتجاء إلى حمى ربه وخالقه سبحانه.

فالوحدة الموضوعية للقرآن يراد بها أن إلى ربك المنتهى، إذ تنتهي الآيات كلها إلى الرجوع من الإنسان عن الخلق إلى الخالق سبحانه وتعالى.

ص: 94