الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فوائد وقواعد
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في " ملحق شرح علل الترمذي "(ج2 ص756):
قاعدة مهمة:
حذاق النقاد من الحفاظ لكثرة ممارستهم للحديث ومعرفتهم بالرجال وأحاديث كل واحد منهم، لهم فهم خاص يفهمون به أن هذا الحديث يشبه حديث فلان ولا يشبه حديث فلان فيعللون الأحاديث بذلك.
وهذا مما لا يعبَّر عنه بعبارة تحصره، وإنما يرجع فيه أهله إلى مجرد الفهم والمعرفة، التي خصوا بها عن سائر أهل العلم، كما سبق ذكره في غير موضع.
- فمن ذلك:
- سعد بن سنان، ويقال سنان بن سعد:
يروي عن أنس ويروي عنه أهل مصر.
قال أحمد: تركت حديثه، حديثه حديث مضطرب، وقال: يشبه
حديثه حديث الحسن، لا يشبه أحاديث سنان، نقله عبد الله بن أحمد عن أبيه.
ومراده: أن الأحاديث التي يرويها عن أنس مرفوعة، إنما تشبه كلام الحسن البصري أو مراسيله.
وقال الجوزجاني: أحاديثه واهية لا تشبه أحاديث الناس عن أنس.
- حديث شعيب بن أبي حمزة عن ابن المنكدر:
روى عنه أحاديث:
منها: حديث ابن المنكدر عن جابر مرفوعاً: " من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة .. "الحديث، وقد خرجه البخاري في " صحيحه ".
وله علة: ذكرها ابن أبي حاتم عن أبيه قال: قد طعن في هذا الحديث، وكان عَرض شعيب عن أي حمزة بن المنكدر كتابًا فأمر بقراءته عليه فعرف بعضًا وأنكر بعضًا وقال لابنه أو ابن أخيه: اكتب هذا الأحاديث، فدوَّن شعيب ذلك الكتاب، ولم تثبت رواية شعيب تلك الأحاديث على الناس، وعرض عليَّ بعض تلك الكتب فرأيتها متشابهة لحديث إسحاق عن أبي فروة، وهذا الحديث من تلك الأحاديث.
قلت: ومصداق ما ذكره أبو حاتم أن شعيب بن أبي حمزة روى عن ابن المنكدر عن جابر حديث الاستفتاح في الصلاة بنحو سياق حديث علي.
وروي عن شعيب عن ابن المنكدر عن الأعرج عن محمد بن
مسلمة، فرجع الحديث إلى الأعرج.
وإنما رواه الناس عن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب.
ومن جملة من رواه عن الأعرج بهذا الإسناد: إسحاق بن أبي فروة.
وقيل: إنه رواه عن عبد الله بن الفضل عن الأعرج.
وروي عن محمد بن حمير عن شعيب بن أبي حمزة عن ابن أبي فروة وابن المنكدر عن الأعرج عن محمد بن مسلمة.
رواه حيوة عن شعيب عن إسحاق عن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن محمد بن مسلمة، فظهر بهذا أن الحديث عند شعيب عن أبي فروة.
وكذا قال أبو حاتم الرازي: هذا الحديث من حديث إسحاق بن أبي فروة يرويه شعيب عنه.
وحاصل الأمر: أن حديث الاستفتاح رواه شعيب عن اسحاق بن أبي فروة وابن المنكدر، فمنهم من ترك إسحاق وذكر ابن المنكدر، ومنهم من كنى عنه، فقال: عن ابن المنكدر وآخر، وكذا وقع في " سنن النسائي ".
وهذا مما لا يجوز فعله، وهو أن يروي الرجل حديثًا عن اثنين: أحدهما مطعون فيه، والآخر ثقة، فيترك ذكر المطعون فيه ويذكر الثقة.
وقد نص الإمام أحمد على ذلك، وعَلَّلَه بأنه ربما كان في حديث
الضعيف شيء ليس في حديث الثقة وهو كما قال، فإنه ربما كان سياق الحديث للضعيف وحديث الآخر محمولٌ عليه.
فهذا الحديث يرجع إلى رواية إسحاق بن أبي فروة وابن المنكدر، ويرجع إلى حديث الأعرج، ورواية الأعرج له معروفة عن ابن أبي رافع عن علي، وهو الصواب عند النسائي والدارقطني وغيرهما.
وهذا الاضطراب في الحديث الظاهر أنه من ابن أبي فروة لسوء حفظه وكثرة اضطرابه في الأحاديث، وهو يروي عن ابن المنكدر، وقد روى هذا الحديث يزيد بن عياض بن جعدبة عن ابن المنكدر عن الأعرج عن ابن أبي رافع عن علي.
وقد كان بعض المدلسين يسمع الحديث من ضعيف فيرويه عنه ويدلسه معه عن ثقة لم يسمعه منه، فيظن أنه سمعه منهما، كما روى معمر عن ثابت وأبان وغير واحد عن أنس عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه نهى عن الشغار.
قال أحمد: هذا عمل أبان - يعني أنه حديث أبان - وإنما معمر يعني لعله دلسه، ذكره الخلال عن الهلال بن العلاء الرقي عن أحمد.
- ومن هذا المعنى: أن ابن عيينة كان يروي عن ليث وابن أبي نجيح جميعًا عن مجاهد عن أبي معمر عن علي حديث القيام للجنازة.
قال الحميدي: فكنا إذا وقفناه عليه لم يدخل في الإسناد أبا معمر إلى في حديث ليث خاصة.
يعني أن حديث ابن أبي نجيح كان يرويه عن مجاهد عن علي منقطعًا، وقد رواه ابن المديني وغيره عن ابن عيينة بهذين الإسنادين.
ورواه ابن أبي شيبة وغيره عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح وحده، وذكر في إسناده مجاهدًا وهو وَهْمٌ.
قال يعقوب بن شيبة: كان سفيان بن عيينة ربما يحدث بالحديث عن اثنين فيسند الكلام عن أحدهما، فإذا حدث به عن الآخر على الانفراد أوقفه أو أرسله.
- معقله بن عبيد الله الجزري:
لقد سبق قول أحمد: إن حديثه عن أبي الزبير يشبه حديث ابن لهيعة، وظهر مصداق قول أحمد إن أحاديثه عن أبي الزبير مثل أحاديث ابن لهيعة سواء كحديث اللمعة في الوضوء وغيره.
وقد كانوا يستدلون باتفاق حديث الرجلين في اللفظ على أن أحدهما أخذه عن صاحبه.
كما قال ابن معين في مطرف بن مازن: إنه قابل كتبه عن ابن جريج ومعمر فإذا هي مثل كتب هشام بن يوسف سواء، وكان هشام يقول: لم يسمعها من ابن جريج ومعمر إنما أخذها من كتبي.
قال يحيى: فعلمت أن مطرقًا كذاب، يعني علم صدق قول هشام عنه.
*ومن ذلك:
قول أحمد وأبي حاتم في أحاديث الدراوردي عن عبيد الله بن عمر:
إنها تشبه أحاديث عبد الله بن عمر.
*ومن ذلك:
ما ذكره البرذعي قال: قال لي أبو زرعة: خالد بن يزيد المصري وسعيد بن أبي هلال صدوقان وربما وقع في قلبي من حسن حديثهما.
قال: وقال لي أبو حاتم: أخاف أن يكون بعضها مراسيل عن ابن أبي فروة وابن سمعان. انتهى.
ومعنى ذلك انه عرض حديثهما على حديث ابن أبي فروة وابن سمعان فوجده يشبهه، ولا يشبه حديث الثقات الذين يحدثان عنهم، فخاف أن يكونا أخذا حديث ابن أبي فروة وابن سمعان ودلساه عن شيوخهما.
- ومن ذلك:
أن مسلمًا خرَّج في " صحيحه " عن القواريري عن أبي بكر الحنفي عن عاصم بن محمد العمري ثنا سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " قال الله عز وجل: أبتلي عبدي المؤمن فإن لم يشكني إلى عواده أطلقته من أساري ثم أبدلته لحمًا خيرًا من لحمه
…
" الحديث.
قال الحافظ أبو الفضل بن عمار الهروي الشهيد رحمه الله: هذا حديث منكر وإنما رواه عاصم بن محمد عن عبد الله بن سعيد المقبري عن أبيه. وعبد الله ابن سعيد شديد الضعف. قال يحي القطان: ما رأيت أحدًا أضعف منه.
ورواه معاذ بن معاذ عن عاصم بن محمد عن عبد الله بن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة، وهو يشبه أحاديث عبد الله بن سعيد. انتهى.
- ومن ذلك:
قول ابن المديني في حديث الفضل بن عباس عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في خطبة الوداع، الذي رواه القاسم بن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبيه عن عطاء عن الفضل: إنه يشبه أحاديث القصاص وليس يشبه أحاديث عطاء عن أبي رباح.
- ومن ذلك:
حديث يرويه عمر بن يزيد الرفاء عن شعبة عن عمرو بن مرة
عن أبي وائل عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم: " ما بال أقوام يشرفون المترفين، ويستخفون بالعابدين، ويعملون بالقرآن ما وافق أهواءهم، وما خالف اهواءهم تركوه
…
) الحديث.
قال ابن عدي: هذا يعرف بعمر بن يزيد عن شعبة، وهو بهذا الإسناد باطل.
قال العقيلي: وليس لهذا الحديث أصل من حديث شعبة. قال: وهذا الكلام عندي والله أعلم يشبه كلام عبد الله بن المسور الهاشمي المدايني وكان يضع الحديث، وقد روى عمرو بن مرة عنه؛ فلعل هذا الشيخ حمله عن رجل عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن المسور مرسلاً وأحاله على شعبه. انتهى. والأمر على ما ذكره العقيلي رحمه الله.
وقد روى عمرو بن مرة عن ابن المسور المدايني حديثًا آخر أصله مرسل عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: لما نزل قوله تعالى: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام)[الأنعام:125]، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " إذا دخل النور القلب انشرح وانفسح
…
" الحديث.
فهذا هو أصل الحديث ثم وصله قوم وجعلوا له إسنادًا موصولاً مع اختلافهم فيه.
قال الدارقطني: يرويه عمرو بن مرة، واختلف عنه؛ فرواه مالك ابن مغول عن عمرو بن مرة عن عبيدة عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قاله عبد الله بن محمد بن المغيرة تفرد بذلك.
ورواه زيد بن أبي أنيسة عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود، قاله أبوعبد الرحيم عن زيد.
وخالفه يزيد بن سناه فرواه عن زيد عن عمرو بن مرة عن عبد الله ابن الحارث عن ابن مسعود، وقال وكيع: عن المسعودي عن عمرو ابن مرة عن أبي عبيدة عن عبد الله.
وكلها وَهْم، والصواب: عن عمرو بن مرة عن أبي جعفر عبد الله ابن المسور مرسلاً عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كذلك قاله الثوري.
وعبد الله بن المسور هذا متروك، وهو عبد الله بن المسور بن عون ابن جعفر بن أبي طالب. انتهى. والصحيح عن وكيع، كما رواه الثوري فقد خرَّجه وكيع في " كتاب الزهد " عن المسعودي عن عمرو ابن مرة عن أبي جعفر عبد الله بن مسور عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مرسلاً. وما ذكره الدارقطني عن وكيع لا يثبت عنه.
*ومن ذلك:
ما ذكره عبد الله بن الإمام أحمد في " كتاب العلل " قال: حدثني أبومعمر نا أبو اسامة قال: كنت عند سفيان الثوري فحدثه زائدة عن شعبة عن سلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير: (فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله)[الزمر: 68] قال: هم الشهداء.
فقال له سفيان: إنك لثقة وإنك لتحدثنا عن ثقة، وما يقبل قلبي أن هذا من حديث سلمة، فدعا بكتاب فكتب من سفيان بن سعيد إلى شعبة
…
وجاء كتاب شعبة: من شعبة إلى سفيان: إني لم أحدث بهذا عن سلمة، ولكن حدثني عمارة بن أبي حفصة عن حجر الهجري عن سعيد بن جبير.
- ومن ذلك:
أنهم يعرفون الكلام الذي يشبه كلام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، من الكلام الذي لا يشبه كلامه.
قال ابن أبي حاتم الرازي عن أبيه: تعلم صحة الحديث بعدالة ناقليه، وإن يكون كلامًا يصلح أن يكون مثله كلام النبوة، ويعرف سقمه وإنكاره بتفرد من لم تصح عدالته بروايته، والله أعلم.