الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قبر معروف أو غيره يدعو عنده، لكن لا يدعو (إلا) 1 الله مخلصًا له الدين، فأين هذا مما نحن فيه؟
المسألة الحادية عشرة:
في لمس القبر أو قصده للدعاء عنده، فليس هذا من دين المسلمين، فهذا هو الصواب بلا ريب. وكون الشارح ذكر كلام الحربي أن قبر معروف الترياق المجرب، فهذا لا ينكر لأن العلماء يذكرون في المسألة القولين أو أكثر، ويرجحون الراجح، أو يتوقف بعضهم، ولكن كلام الشيخ بضد كلام الحربي مخالف له، منكر له. ولكن ليكن منك على بال ما أخرجاه 2 في الصحيحين:" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن، قال له: إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه: أن يوحدوا الله. فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات " 3، فتدبر هذا، وأرعه سمعك، وأحضر قلبك. إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم ما أمره أن لا يدعوهم إلى الصلوات الخمس إلا إن استجابوا للتوحيد، فكيف بمن لا يهمه في دينه إلا بعض مسائل الاجتهاد، مع ما يراه من سب الناس للتوحيد، واستحلالهم دم من دان به وماله، ودعوتهم إلى الشرك الأكبر، ودعواهم أن أهله السواد الأعظم، ثم مع هذا إذا أخذهم السيف كرهًا، قالوا: ما خالفنا، والناس يكذبون علينا وعرفنا الكذب، وإلا جميع ما جرى منهم لم يقروا به، ولم يتوبوا منه؛ والرسول صلى الله عليه وسلم هذه وصيته لمعاذ. فالله الله! 4 في تدبر هذا الحديث، وتدبر ما عليه أعداء الله من العداوة للتوحيد.
1 في طبعة أبا بطين: بدون (إلا) .
2 في طبعة أبا بطين: (ما أخرج) .
3 البخاري: التوحيد (7372)، ومسلم: الإيمان (19)، والترمذي: الزكاة (625) والبر والصلة (2014)، والنسائي: الزكاة (2435)، وأبو داود: الزكاة (1584)، وابن ماجة: الزكاة (1783) ، وأحمد (1/233)، والدارمي: الزكاة (1614) .
4 في طبعة الأسد وأبا بطين: (فاتق الله) .
وأما المسائل التي ذكر في الجنائز: من لمس القبر، والصلاة عنده، وقصده لأجل الدعاء، أو كذا وكذا، فهذا أنواع: أما بناء القباب عليها فيجب هدمها، ولا علمت أنه يصل إلى الشرك الأكبر، وكذلك الصلاة عنده، وقصده لأجل الدعاء، فكذاك لا أعلمه يصل إلى ذلك؛ ولكن هذه الأمور من أسباب حدوث الشرك، فيشتد نكير العلماء لذلك، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:" لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد "1. وذكر العلماء أنه يجب التغليظ في هذه الأمور، لأنه يفتح باب الشرك; كما أنه أول ما حدث في الأرض بسبب ود وسواع ويعوق ونسر، لما عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم يتذكرون بها الآخرة، ثم بعد ذلك بقرون عبدوا؛ فكذلك في هذه الأمة كما قال صلى الله عليه وسلم: " لتتبعنّ سنن من كان قبلكم، حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه " 2. فأول ما حدث الصلاة عند القبور والبناء عليها من غير شرك، ثم بعد ذلك بقرون وقع الشرك.
وأول ما جرى من هذا: أن بني أمية - لما بنوا مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وسعوه واشتروا بيوتًا حوله، ولم يمكنهم إدخال بيت النبي صلى الله عليه وسلم الذي فيه قبره وقبر صاحبيه، ولكن أدخلوا البيت في المسجد لأجل توسيع المسجد ولم يقصدوا تعظيم الحجرة بذلك، لكن قصدوا تعظيم المسجد، ومع هذا أنكره علماء المدينة، حتى قُتل خبيب بن عبد الله بن الزبير بسبب إنكاره ذلك. فانظر إلى سد العلماء الذرائع.
وأما النذر له، ودعاؤه والخضوع له، فهو من الشرك الأكبر، فتأمل ما ذكره البغوي في تفسير سورة نوح في قوله تعالى: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ
1 البخاري: الصلاة (436)، ومسلم: المساجد ومواضع الصلاة (531)، والنسائي: المساجد (703) ، وأحمد (1/218، 6/34، 6/80، 6/121، 6/146، 6/252، 6/255، 6/274)، والدارمي: الصلاة (1403) .
2 البخاري: أحاديث الأنبياء (3456)، ومسلم: العلم (2669) ، وأحمد (3/84، 3/89، 3/94) .
آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً} 1 الآية، وما ذكر أيضاً في سورة النجم في قوله:{أَفَرَأَيْتُمُ اللَاّتَ وَالْعُزَّى} 2، أن اللات قبر رجل صالح. فتأمل الأصنام التي بعثت الرسل بتغييرها، كيف تجد فيها قبور الصالحين.
والحمد لله رب العالمين.
1 سورة نوح آية: 23.
2 سورة النجم آية: 19.