الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثامنة عشرة
سئل، رحمه الله: عن هذه المسألة، وهي: قلب الديْن في ذمة المدين بثمر أو غيره؟
فأجاب بقوله: من محمد بن عبد الوهابن إلى محمد بن عبد الله بن إسماعيل، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد، فقد وصلنا كتابك، تسأل عن المسألة التي يفعلها كثير، إذا ورد له على رجل دراهم وأراد أن يقلبها بزاد، وأخرج من بيته دراهم، وصحح بها وأوفاه بها. وأنا قد ذكرت لك أنها من الحيل الباطلة التي ينكرها الإمام أحمد وغيره من الأئمة، وأغلظوا القول في أهلها. وذلك أن عندهم لا بد من كون رأس مال السلم مقبوضًا في مجلس العقد، وعندهم أن كونه دينًا أعني رأس مال السلم ربا، وهذه بعينها مسألتكم; إلا أنه لما اعترف بكونه ربا أحضر من بيته عدة الديْن المقلوب وعقد بها. والعارف والشهود ومن حضرهم يعلمون أن المكتوب هو الديْن الحال. والتاجر يقول له: أوفني أو اكتبها. والمشتري يقول: ورد له دراهم وكتبتها منه. ويفهمون أن الدراهم الحاضرة غير مقصودة، ويسمون هذا العقد: التصحيح. وهذا لا ينكره إلا مكابر معاند. وحينئذ فعباراتهم: الحيل التي تحل حرامًا أو تحرم حلالاً، لا تجوز في شيء من الدين، وهي 1 أن يظهرا عقدًا صحيحًا، ومرادهما التوصل به إلى عقد 2 غير صحيح. هذا معنى عبارة الإقناع وشرحه.
1 في المخطوطة: (وهو) .
2 زائدة على المخطوطة.
فإن جادلكم أحد في أن هذه الصورة غير داخلة في ذلك، فقل له: مثّل صورة الحيل المحرمة، فإنه لا يذكر شيئًا من الصور إلا ومسألتكم 1 مثلها أو أشد بطلانًا.
وأعجب من هذا: أن ابن القيم ذكر في إعلام الموقعين في صورة أحسن من هذه وأقرب إلى الحل، ما صورته: لو أراد أن يجعل رأس مال السلم ديناً يوفيه إياه في وقت آخر بأن يكون معه نصف دينار، ويريد أن يسلم إليه دينارًا غير معين في كونه حنطة، فالحيلة أن يسلم إليه ديناراً غير معين، ثم يوفيه نصف الدينار، ثم يعود فيستقرضه منه، ثم يوفيه إياه، فيفترقان وقد بقي له في ذمته نصف دينار. وهذه الحيلة من أقبح الحيل؛ فإنهما لا يخرجان بها عن تأخير رأس مال السلم، ولكن توصلا إلى ذلك 2 بالقرض الذي جعلا صورته مبيحة لصريح الربا ولتأخير رأس مال السلم، وهذا غير القرض الذي جاءت به الشريعة، وإنما اتخذه المتعاقدان تلاعبًا بحدود الله. انتهى كلامه.
فإذا كان هذا كلامه 3 فيمن أراد أن يسلم إلى رجل محمدية من بيته، باطنًا وظاهرًا، ولكن لم يحضر في المجلس إلا خمسين وكتبها عليه، ثم استقرضها وكتبها أخرى، إلى أن يخرج بالخمسين في آخر النهار أو غد، فكيف بكلامه في التحيل على قلب الدين وجعله رأس مال السلم؟ وإذا كان هذا كلامه في إعلام الموقعين، وهو الذي ينسبون عنه إذا أراد أن يشتري دابة بخمسين وجاء رجل وربحه في الخمسين خمسًا أو أكثر أو
1 في طبعة أبا بطين: (إلا وسئلتم مثلها) .
2 في المخطوطة: (توصلا بذلك) .
3 في الأسد: (فانظر، فهذا كان كلامه) ، وكذا في طبعة أبا بطين.
أقل وقال: أنا موكلك 1 تشتريها، ثم تبيعها على نفسك. وهذه الحيلة الملعونة التي هي مغلظ الربا 2، واستباح بها إلى الآن أكثر المطاوعة الربا الصريح، وينسبونها إلى إعلام الموقعين، وحاشاه منها؛ بل هذا صفة كلامه في رأس مال السلم الحاضر إذا تأخر قبض بعضه إلى آخر النهار، فضلاً عن هذه وأمثالها. ومع هذا، فالله سبحانه لا مرد لحكمه، يهدي من يشاء ويضل من يشاء. {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ} 3. والسلام.
1 في طبعة أبا بطين: (أنا موكلكم) .
2 في طبعة الأسد: (التي هي أغلظ من الربا) .
3 سورة يونس آية: 96-97.