الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلا بعلم. وهذا كله داخل في قوله تعالى {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} 1.
وأما
المسألة السادسة
، وهي قولك: إذا ورد حديثان متضادان مثل حديث "القلتين" وحديث 2 "بئر بضاعة"
…
إلخ، وهذه عبارة لا ينبغي أن تقال، وحاشا كلام الله وكلام رسوله من التضاد، بل كله حق يصدق بعضه بعضًا. والواجب على المؤمن في 3 مثل هذا أن يحسن الظن بكلام الله وكلام رسوله، ويقول كما أمر الله:{آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} 4، فإذا تبين له الحق فليقلْ به وليعملْ به، وإلا فليمسكْ وليقل: الله ورسوله أعلم؛ فإن الله تعالى ابتلى الناس بالمتشابه كما ابتلاهم بالمحكم، ليعلم من يقف حيث وقفه الله، ومن يقول على الله بلا علم. نعم قد يرد حديثان متضادان، ولكن أحدهما ليس بصحيح، وقد يكون أحدهما ناسخًا، لكنه قليل جدًا، ومع ذلك لا يرد المنسوخ إلا وقد يرد ما يبينه 5.
وأما قولك: ما يسوغ لمثلنا; فالذي يسوغ بل يجب، ما وصفت لك، وهو: طلب علم ما أنزل الله على رسوله، ورد ما تنازع فيه المسلمون إليه 6. فإن علمه الله شيئاً فليقل به، وإلا فليمسك، ويقول: الله أعلم، ويجعله من العلم الذي لا يعرفه. فلو بلغ الإنسان في العلم ما بلغ لكان 7
1 سورة الإسراء آية: 36.
2 في المخطوطة ساقطة.
3 في طبعة أبا بطين: بدون (في) .
4 سورة آل عمران آية: 7.
5 في طبعة الأسد: (ما يثبته) ، وكذا في طبعة أبا بطين.
6 في طبعة أبا بطين: بدون كلمة (إليه) .
7 في طبعة أبا بطين: (فلو بلغ الإنسان في العلم ما علمه ما بلغ لكان
…
) .
ما علمه قليلاً بالنسبة إلى ما لم يعلمه. وقد قال تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَاّّ قَلِيلاً} 1.
وأما المسألة السابعة، فكونها مروية عن الصحابة فمسلم، ويكفي في ذلك ما ورد عن المحدث الملهم الذي أُمرنا باتباع سنته، ثاني الخلفاء: عمر ابن الخطاب؛ ولكن ليس في هذا ما يرد القول الآخر.
وأما الحديث: " أيُلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟ " 2، فهذا يدل على أن جمع الثلاث لا يجوز؛ وأما كونه ألزم بها فلم يذكر في الحديث. والذي يقول: إنها واحدة، لا يقول: إن التلفظ بها يجوز، بل يقول: هو منكر من القول وزور، كما في الحديث.
وأما رد الإمام أحمد، رحمه الله، ذلك بمخالفة راويه 3 له، فهذه مبنية على مسألة أصولية، وهي: أن الصحابي إذا أفتى بخلاف ما روى، هل يقدح فيه؟ والصحيح أنه لا يقدح فيه؛ فإن الحجة في روايته لا في رأيه. وبالجملة فالمسألة مسألة طويلة، لعل المذاكرة تقع فيها شفاهًا.
وأما المسألة الثامنة، وهي قول من قال: اتفاق العلماء حجة واختلافهم رحمة، فليس المراد به الأئمة الأربعة، بإجماع الأئمة كلهم، وهم علماء الأمة. وأما قولهم: اختلافهم رحمة، فهذا باطل، بل الرحمة في الجماعة، والفرقة عذاب، كما قال تعالى:{وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَاّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} 4، فلما " سمع عمر أن ابن مسعود وأبيًّا اختلفا في صلاة الرجل في الثوب الواحد، صعد المنبر وقال: اثنان من أصحاب رسول الله صلى الله
1 سورة الإسراء آية: 85.
2 النسائي: الطلاق (3401) .
3 في طبعة الأسد: (بما يخالفه راويه) .
4 سورة هود، آية: 118-119.
عليه وسلم، فعن أي فتياكم 1 يصدر المسلمون؟ لا أجد اثنين اختلفا بعد مقامي 2 هذا، إلا فعلت وفعلت ".
لكن قد روي عن بعض التابعين أنه قال: " ما أحسب اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا رحمة للناس، لأنهم لو لم يختلفوا لم يكن رخصة "، ومراده شيء آخر غير ما نحن فيه; ومع هذا فهو قول مستدرك، لأن الصحابة بأنفسهم ذكروا أن اختلافهم عقوبة وفتنة.
وأما المسألة التاسعة، وهي مسألة الحلف بالطلاق، فغاية ما ذكره أنه مذهب أحمد، ومذهب غيره يخالفه، ومن كانت الحجة معه فهو المصيب.
وأما مسألة الوقف، فالكلام فيها طويل يحتاج إلى مذاكرة. وبالجملة: فلا ننكر إلا ما خالف أمر الله ورسوله، وطريقة الصحابة وأتباعهم، وأما ما فعله الصحابة فعلى الرأس والعين.
وأما قوله تعالى: {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} 3، وقوله:{الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ} 4، فقد بسط الكلام عليها في الهدي على وقعة أحد، وقد فسره بأشياء كثيرة نقولها ونعتقدها، ولا نظن إلا أنها عقل وصواب، فتأمل كلامه تأملاً جدًا.
وأما قوله: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} 5، وإدخال البخاري لها في كتاب الطب، فمراد البخاري أن هذه الأمراض التي يكرهها العبد هي مما يكفّر الله بها عن المؤمن سيئاته ويطهّره بها، لأن قوله:{مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} 6 عام في جزاء الدنيا والآخره.
1 في طبعة أبا بطين: (ففي أبي فتياكم
…
) .
2 في طبعة أبا بطين: (قيامي) .
3 سورة آل عمران آية: 154.
4 سورة الفتح آية: 6.
5 سورة النساء آية: 123.
6 سورة النساء آية: 123.
وأما إدخاله هذا في كتاب الطب فواضح، وأهل العلم يذكرون في الباب ما هو أبعد من هذا تعلقًا واستطرادًا.
وأما قوله: " ما من مسلم يصيبه أذى " 1 فهو عام. وأما عطف الأذى على الوصب والنصب والهم، فمن عطف العام على الخاص، وهو كثير جدًا في كلام العرب وفي كلامنا.
وأما سؤالكم: هل هذا في المسلم الذي لم يصدر منه شرك بالكلية، فنقول: 2 أما الشرك الذي يصدر من المؤمن وهو لا يدري، مع كونه مجتهدًا في اتباع أمر الله ورسوله، فأرجو أن لا يخرجه هذا من الوعد. وقد صدر من الصحابة أشياء من هذا الباب: كحلفهم بآبائهم، وحلفهم بالكعبة 3، وقولهم: ما شاء الله وشاء محمد، وقولهم: اجعل لنا ذات أنواط؛ ولكن إذا بان لهم الحق اتبعوه، ولم يجادلوا فيه حمية الجاهلية لمذهب الآباء والعادات. وأما الذي يدعي الإسلام وهو يفعل من الشرك الأمور العظام، فإذا تليت عليه آيات الله استكبر عنها، فهذا ليس بالمسلم 4. وأما الإنسان الذي يفعلها بجهالة، ولم يتيسر له من ينصحه، ولم يطلب العلم الذي أنزله الله على رسوله، بل أخلد إلى الأرض واتبع هواه، فلا أدري ما حاله.
وأما قول من قال: من الشرك: التصنع للمخلوق، فلعل مراده: التصنع بطاعة الله الذي يسمى الرياء، وهو كثير جدًا، فهذا صحيح في أمور
1 البخاري: المرضى (5647)، ومسلم: البر والصلة والآداب (2571) ، وأحمد (1/381، 1/441، 1/455)، والدارمي: الرقاق (2771) .
2 في طبعة أبا بطين: بدون كلمة: (فنقول) .
3 في طبعة أبا بطين: (وحلفهم بالله) ، وهو خطأ قطعًا.
4 في طبعة الأسد: (فليس هذا بالمسلم) ، وكذا في أبا بطين.
لا يفطن لها صاحبها. وأما خوف المخلوق، فالمراد به: الخوف الذي يحملك أن تترك ما فرض الله عليك، وتفعل ما حرم الله عليك، خوفاً من ذلك المخلوق. وأما الرجاء فلعل المراد: الذي يخرج العبد عن التوكل على الله والثقة بوعده. وكل هذه الأمور كثيرة جدًا. (وأما قولك: هل المراد به الشرك الأصغر أو الأكبر؟ فهذا يختلف باختلاف الأحوال؛ وقد يتصنع لمخلوق فيخافه أو يرجوه، فيدخل في الشرك الأصغر. وقد يتزايد ذلك ويتوغل فيه حتى يصل إلى الشرك الأكبر)1.
وأما قوله: الشؤم في الثلاث
…
إلخ. فهذا أشكل على من قبلنا، حتى إن عائشة كذبته وقالت: هذا كلام أهل الجاهلية، ولكنه صح. وقد تكلموا في تفسيره ولم يتبين لي معناه، والله أعلم بمراد رسوله.
وأما ترك الخارص الثلث، فقد سمع الجماعة فيها ما تيسر; وبالجملة، فأرجح الأقوال فيها عندي: قول أكثر أهل العلم إنه غير مقدر 2، بل يترك له 3 قدر ما يأكله ويخرجه رطبًا باجتهاد الخارص. وعلى هذا تجتمع الأدلة ويصدق بعضها بعضًا.
وأما ما ورد من الفضل في حفظ القرآن: هل المراد حفظه مع حفظ المعاني؟ فلا يحضرني جواب يفصل المسألة، ولكن حفظه مع عدم الفهم
1 ما بين القوسين ساقط من طبعة أبا بطين.
2 في طبعة أبا بطين: (غير مطرد) .
3 في طبعة أبا بطين: بدون (له) .
لا يوجد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء، إلا شيئاً لا أعلمه 1، وأظنه لو وجد في زمانهم لكان مشهورًا (كشهرة الرجل) 2 الذي يسمى عندنا (حمار) 3، الفروع، لما ذكر أنه يحفظ الفروع ولا يفهمه، وقد قال تعالى:{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} 4، وذكر ابن القيم أن هذه لو نزلت في التوراة، فالقرآن كذلك، لا فرق بينهما. ولذلك ذم الله 5 الذين يقرؤون بلا فهم، كقوله:{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَاّ أَمَانِيَّ} 6 أي: تلاوة بلا فهم! والمراد من إنزال القرآن: فهمُ معانيه والعمل به، لا مجرد تلاوته.
وأما قوله: " طعام الواحد يكفي الاثنين
…
إلخ"، فلا أعلم له معنى غير ظاهره.
وأما إغلاق الباب أيام 7 الجذاذ 8، فلا أتجسر على الجزم بتحريمه، ولكن أظنه لا يجوز في هذا المعنى، ومن 9 الكتاب والسنة وكلام أهل العلم، من ذلك ما ذكرها الله في سورة "ن" عن أصحاب الجنة: {إِذْ أَقْسَمُوا
1 في طبعة أبا بطين: (لا يوجد فهذا من النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء لا أعلم) .
2 ما بين القوسين ساقط من طبعة أبا بطين.
3 ساقطة من طبعة أبا بطين.
4 سورة الجمعة آية: 5.
5 ساقطة من طبعة الأسد، وكذا في طبعة أبا بطين.
6 سورة البقرة آية: 78.
7 في طبعة الأسد: (وقت) ، وكذا في طبعة أبا بطين.
8 الجذاذ، بفتح الجيم وكسرها: وقت الصرام، وفي الحديث:(نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن جذاذ الليل (، الجذاذ: صرام النخل، وهو قطع ثمرها. قال أبو عبيد: نهى أن تجذ النخل ليلاً، ونهيه عن ذلك لمكان المساكين، لأنهم يحضرون في النهار فيتصدق عليهم منه. (اللسان) .
9 في طبعة الأسد: (في) .
لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ} 1، وهم لم يغلقوا الباب، بل تحيلوا بالصرام في وقت لا 2 يأتي فيه المساكين.
وأما تأخير الزكاة فلا يجوز، ومن استدل بحديث:" هي علي، ومثلها معها " 3، فقد أخطأ خطأً واضحاً: الأول: أن ظني أن الحديث لا يدل على المسألة المسؤول عنها. فإن المسألة المسئول عنها (أن) 4 صاحب المال هل يحل له تأخير الزكاة عن وقتها لحاجة أو غيرها؟ والمسألة التي قال بعض أهل العلم: الحديث يدل عليها، ليست هذه، بل إذا رأى الإمام أو الساعي أن يؤخر الزكاة لمصلحة; وهذه مسألة غير الأولى. والدليل على هذا 5 أن أحمد سئل عن تأخير الزكاة، فمنعه وشدد فيه، وسئل عن الساعي إذا أراد تأخيرها في سنة مجدبة، فرخص له واستدل بفعل عمر. مثال ذلك: أن ولي اليتيم إذا قيل له: إنه يجوز (له) 6 بيع عقاره لمصلحة 7، هل يحل لأحد أن يستدل بهذه المسألة، إذا كان عندهم ليتيم دار أو عقار، لا يعلم بها وليه، فأراد أن يعطي الولي أو اليتيم عنها لمصلحة المعطى، هل يقول أحد إن هذا جائز؟ ولو استدل أحد على جوازه ببيع وليه عقاره لمصلحة، لعده الناس ضحكة! فينبغي لطالب العلم أن يتفطن لصورة المسألة في الدليل الذي يدل عليها، ويجيل 8 نظره في ذلك؛ فإن كثيرًا من الأغاليط وقعت
1 سورة القلم آية: 17.
2 في طبعة أبا بطين: بدون (لا) .
3 البخاري: الزكاة (1468)، ومسلم: الزكاة (983)، والترمذي: المناقب (3761)، والنسائي: الزكاة (2464)، وأبو داود: الزكاة (1623) .
4 ساقطة من المخطوطة.
5 ساقطة من طبعة الأسد، وكذا في طبعة أبا بطين.
6 ساقطة من المخطوطة.
7 اللام ساقطة من المخطوطة.
8 في المخطوطة: (أو يجيل) ، وكذا في طبعة أبا بطين.
في مسألة واضحة جدًا، ويستدل بشيء من القرآن أو السنة، وهو لا يدل على ذلك، كما فعله الرافضة والقدرية والجهمية وغيرهم، قال تعالى:{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} 1 الآية.
فنسأل الله تعالى أن يهدينا لما يحبه ويرضاه.
1 سورة آل عمران آية: 7.