المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌295 - باب من فاتته، متى يقضيها - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ١٤

[ياسر فتحي]

الفصل: ‌295 - باب من فاتته، متى يقضيها

‌295 - باب من فاتته، متى يقضيها

؟

1267 -

. . . ابن نمير، عن سعد بن سعيد: حدثني محمد بن إبراهيم، عن قيس بن عمرو، قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا يصلي بعد صلاة الصبح ركعتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"صلا الصبح ركعتين؟! ".

فقال الرجل: إني لم أني صليتُ الركعتين اللتين قبلهما، فصليتهما الآن، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

* حديث ضعيف

أخرجه ابن ماجه (1154)، وأحمد (5/ 447)، وابن أبي شيبة (2/ 59/ 6440) و (7/ 310/ 36371)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 176/ 2156)، وابن قانع في المعجم (2/ 350)، والطبراني في الكبير (18/ 367/ 937)، وأبو الفضل الزهري في حديثه (581)، والدارقطني (1/ 384)، والحاكم (1/ 275) (1/ 656/ 1031 - ط. الميمان) [ووقع عنده من طريق أبي بكر بن أبي شيبة: قيس بن قهد، وهو وهم]. وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 12/ 5699)، والبيهقي (2/ 483)، وابن عبد البر في التمهيد (13/ 37)، وفي الاستذكار (2/ 134)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (1/ 303).

° رواه عن عبد الله بن نمير: عثمان بن أبي شيبة [واللفظ له]، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأحمد بن حنبل، ومحمد بن عبد الله بن نمير [ولفظهم بنحو لفظ عثمان؛ إلا أنهم قالوا:"أصلاة الصبح مرتين؟! "].

ورواه البيهقي وابن عبد البر من طريق ابن داسة عن أبي داود به، وقال فيه:"صلاة الصبح ركعتان؟! ".

ورواه الخطيب من طريق أبي علي اللؤلؤي عن أبي داود به، وقال فيه:"صلاة الصبح ركعتان؟! "[وكذا هو في المعالم (1/ 275)، والتحفة (8/ 291/ 11102)، والبدر المنير (3/ 264)].

قال ابن ماجه: "قيس بن عمرو هذا: جد يحيى بن سعيد".

° تابع عبد الله بن نمير [وهو ثقة]:

1 -

عبد العزيز بن محمد [الدراوردي: صدوق، كان سيئ الحفظ، يخطئ إذا حدث من حفظه، وكان كتابه صحيحًا؛ إلا أنه كان يحدث من كتب الناس فيخطئ أيضًا. انظر: التهذيب (2/ 592) وغيره]، عن سعد بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن جده قيس، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقيمت الصلاة، فصليت معه الصبح، ثم انصرف النبي صلى الله عليه وسلم فوجدني أصلي، فقال:"مهلا يا قيس! أصلاثان معًا؟ "، قلت: يا رسول الله! إني لم أكن ركعت ركعتي الفجر، قال:"فلا إِذَنْ".

ص: 5

أخرجه الترمذي (422)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 177/ 2157).

2 -

ورواه الحميدي، والشافعي، وحامد بن يحيى البلخي [وهم ثقات حفاظ، من أثبت أصحاب ابن عيينة]، وأبو الحسن عمر بن حفص بن صبيح الشيباني، وإبراهيم بن بشار [وهما ثقتان]، ويعقوب بن حميد بن كاسب [صدوق حافظ، له مناكير وغرائب]:

قال الحميدي: ثنا سفيان [هو: ابن عيينة، وهو ثقة حافظ]، قال: ثنا سعد بن سعيد بن قيس الأنصاري، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن قيس جد سعد [وفي رواية البلخي: جد يحيى بن سعيد، وفي رواية ابن بشار: قيس بن قهد، وهي شاذة]، قال: أبصرني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أصلي ركعتين بعد الصبح، فقال:"ما هاتان الركعتان يا قيس؟ "، فقلت: يا رسول الله! إني لم أكن صليت ركعتي الفجر فهما هاتان الركعتان، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال سفيان: وكان عطاء بن أبي رباح، يروي هذا الحديث، عن سعد بن سعيد.

أخرجه أبو داود (1268)[مقتصرًا على قول سفيان]. وابن خزيمة (2/ 164/ 1116)، والشافعي في الأم (1/ 149)، وفي اختلاف الحديث (107)، والحميدي (892)، والطحاوي في المشكل (10/ 1385/ 432) و (10/ 326/ 4139)، وابن قانع في المعجم (2/ 350)، والطبراني في الكبير (18/ 367/ 938)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 1327/ 3341)، والبيهقي في السنن (2/ 456)، وفي المعرفة (2/ 269/ 1309)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (1/ 325).

° هكذا رواه عن سعد بن سعيد: عبد الله بن نمير، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، وسفيان بن عيينة.

° وخالفهم فوهم في إسناده: عمر بن قيس [سندل: متروك]، فرواه عن سعد بن سعيد - أخي يحيى بن سعيد -، عن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، قال: سمعت سهيل بن سعد - أخا سهل بن سعد - يقول: دخلت المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة فصليت، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم رآني أركع ركعتين، فقال:"ما هاتان الركعتان؟ " قلت: يا رسول الله! جئت وقد أقيمت الصلاة، فأحببت أن أدرك معك الصلاة ثم أصلي، فسكت، وكان إذا رضي شيئًا سكت.

أخرجه ابن منده في معرفة الصحابة (2/ 675)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 1326/ 33396)، وابن عبد البر في التمهيد (13/ 38 - 39)[وتصحفت فيه بعض الأسماء].

قال ابن منده: "هذا حديث غريب من حديث سعد بن سعيد، وهو مديني يُجمع حديثه، لا يُعرف إلا من هذا الوجه".

وقال أبو نعيم: "ذكره بعض المتأخرين [يعني: سهيلًا]، وهو وهم، والصحيح: ما رواه سفيان بن عيينة، وابن نمير، عن سعد بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن قيس بن عمرو،

"، فذكره.

وقال ابن عبد البر: "عمر بن قيس هذا هو المعروف بسندل، وهو أخو حميد بن قيس، وهو: ضعيف، لا يحتج بمثله".

ص: 6

° قال الترمذي: "حديث محمد بن إبراهيم لا نعرفه مثل هذا إلا من حديث سعد بن سعيد. وقال سفيان بن عيينة: سمع عطاء بن أبي رباح، من سعد بن سعيد هذا الحديث.

وإنما يروى هذا الحديث مرسلًا. وقد قال قوم من أهل مكة بهذا الحديث، لم يروا بأسًا أن يصلي الرجل الركعتين بعد المكتوبة قبل أن تطلع الشمس.

وسعد بن سعيد هو أخو يحيى بن سعيد الأنصاري، وقيس هو جد يحيى بن سعيد الأنصاري، ويقال: هو قيس بن عمرو، ويقال: ابن قهد.

وإسناد هذا الحديث ليس بمتصل؛ محمد بن إبراهيم التيمي: لم يسمع من قيس.

وروى بعضهم هذا الحديث عن سعد بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج فرأى قيسًا.

وهذا أصح من حديث عبد العزيز، عن سعد بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم".

وانظر: بيان الوهم (3/ 388/ 1129).

° وقال أبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 2312 - 2313) بعدما رواه من طريق ابن نمير عن سعد بن سعيد: "رواه ابن عيينة، عن سعد بن سعيد مثله. ورواه ابن لهيعة، عن عبد ربه بن سعيد، عن أخيه سعد، عن حفص بن عاصم، عن قيس نحوه.

ورواه الخضر بن محمد بن شجاع، عن عبد الله بن سعد بن سعيد، عن جده سعيد، عن عمه كليب، عن أبيه قيس بن عمرو مثله.

ورواه ابن أبي السري، فقال: عن عبد الرحمن بن سعد ابن أخي يحيى بن سعيد، عن سعد بن سعيد، عن عمه كليب، عن قيس.

ورواه الليث بن سعد، عن يحيى بن سعيد، عن أبيه، عن جده قيس.

ورواه عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن عبد الله بن سعيد أخي يحيى بن سعيد، عن جده. ورواه أيوب بن سويد، عن ابن جريج، عن عطاء، عن قيس بن سهل. ورواه حماد بن سلمة، عن عبد ربه بن سعيد، عن جده".

***

1268 -

قال أبو داود: حدثنا حامد بن يحيى البلخي، قال: قال سفيان: كان عطاء بن أبي رباح يحدث بهذا الحديث عن سعد بن سعيد.

قال أبو داود: وروى عبد ربه ويحيى ابنا سعيد هذا الحديث [مرسلًا]: أن جدَّهم زيدًا صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم[بهذه القصة].

* حديث ضعيف

رواه من طريق أبي داود: البيهقي (2/ 483)، وابن عبد البر في التمهيد (13/ 38)، وفي الاستذكار (2/ 134).

روياه من طريق ابن داسة، فلم يذكر زيدًا، وإنما قال: أن جدَّهم صلى، ولم يسمِّه،

ص: 7

وكذا هو في النكت الظراف (8/ 291/ 11102 - حاشية التحفة)، وفي البدر المنير (3/ 265)؛ غير مسمى، ووقع في الاستذكار:"قال أبو داود: روى هذا الحديث يحيى بن سعيد وعبد ربه بن سعيد مرسلًا، عن جدهم قيس بن عمرو".

قلت: وأيًا كان فإن قوله: أن جدَّهم زيدًا: وهمٌ؛ حيث إن زيدًا هو جدٌّ أعلى لقيس على اختلافٍ في نسبه، ولا صحبة لزيد هذا، بل هو رجل قد مات في الجاهلية، ومما قيل في نسبه: قيس بن عمرو بن سهل بن ثعلبة بن الحارث بن زيد بن ثعلبة بن عبيد بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري، والله أعلم.

وقد وجدته بإثبات زيد في نسخة للسنن بخط ابن حجر (166)، ومع ذلك فقد قال في الإصابة (2/ 627):"زيد: جد يحيى بن سعيد الأنصاري، ذكره أبو داود في باب "من فاتته ركعتا الفجر"، فقال: قال عبد ربه ويحيى ابنا سعيد: صلى جدُّنا زيدٌ مع النبي صلى الله عليه وسلم، هكذا قرأت بخط شيخنا البلقيني الكبير، في هامش نسخة من تجريد الذهبي، ولم أر في النسخ المعتمدة من السنن لفظ زيد؛ بل فيها جدُّنا خاصة، فليحرر؛ فإن نسب يحيى بن سعيد ليس فيه أحد يقال له: زيد؛ إلا زيد بن ثعلبة وهو جدٌّ أعلى، جدٌّ هلك في الجاهلية".

° هكذا روى هذا الحديث: سعد بن سعيد بن قيسًا الأنصاري، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن قيس بن عمرو جد سعد.

وسعد بن سعيد الأنصاري: مدني تابعي، صدوق، يحتج به، كما هو صنيع مسلم، حيث أخرج له واحتج به، إلا أنه كان ممن يهم ويخطئ، وهو حسن الحديث ما لم يخالف من هو أثبت منه [وقد فصلت القول فيه في بحثي في صيام الست من شوال].

وإسناد هذا الحديث ليس بمتصل؛ فإن محمد بن إبراهيم التيمي: لم يسمع من قيس، قاله الترمذي والطحاوي.

ثم إنه هنا قد خالف اثنين من أهل بيته، هما فوقه في الحفظ والضبط والإتقان:

أ - فرواه ابن جريج [ثقة حافظ]، قال: وسمعت عبد ربه بن سعيد - أخا يحيى بن سعيد -، يحدث عن جده، قال: خرج إلى الصبح فوجد النبي صلى الله عليه وسلم في الصبح، ولم يكن ركع ركعتي الفجر، فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قام حين فرغ من الصبح فركع ركعتي الفجر، فمر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"ما هذا الصلاة؟ "، فأخبره، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ومضى، ولم يقل شيئًا.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 442/ 4016)، وعنه: أحمد (5/ 447).

رواه عن ابن جريج: عبد الرزاق بن همام.

° وانظر فيمن وهم في إسناده على ابن جريج، أو دخل له إسناد في إسناد: ما أخرجه الطبراني في الكبير (18/ 368/ 939)، والخطيب في المبهمات (4/ 267)، وعلقه ابن أبي حاتم في العلل (2/ 448/ 504) [تفرد به عن ابن جريج: أيوب بن سويد الرملي، وتحرف اسم أبيه في المعجم، وهو: ضعيف، صاحب مناكير. انظر: التهذيب (1/ 204)، الميزان (1/ 287)].

ص: 8

° وتابع ابن جريج عليه:

حماد بن سلمة [ثقة]، قال: وأخبرني عبد ربه بن سعيد - أخو يحيى بن سعيد الأنصاري -؛ أن جده فاتته ركعتا الفجر، فصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الغداة، فلما قضى صلاته قام، فصلى الركعتين، فقال له رسول الله عليه السلام:"ما هاتان الركعتان؟ " قال: لم أكن صليتهما قبل الغداة، فصليتهما الآن، فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أخرجه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (4/ 195/ 2755)، والطحاوي في المشكل (10/ 326/ 4140).

وهذا مرسل بإسناد صحيح.

قال أبو داود في مسائله لأحمد (1881): "قلت لأحمد بن حنبل: حديث: رأى النبي صلى الله عليه وسلم قيس يصلي بعد صلاة الفجر؛ رواه ابن جريج، عن عبد ربه، أعني: ابن سعيد؟ قال: أراه رواه، قلت: فلا يصح؟ قال: لا أدري يرويه مرسلًا، وابن عمر كان يصلي إذا طلعت الشمس. يعني: إذا فاتته ركعتا الفجر كان يصليهما إذا طلعت الشمس".

ب - وروى الربيع بن سليمان المرادي [ثقة]، ونصر بن مرزوق [صدوق. الجرح والتعديل (8/ 472)، مغاني الأخيار (3/ 978)]:

قالا: ثنا أسد بن موسى: ثنا الليث بن سعد: حدثني يحيى بن سعيد، عن أبيه، عن جده قيس بن قهد [وقيل: قيس بن عمرو، ومنهم من لم يسمه]؛ أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح، ولم يكن ركع ركعتي الفجر، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قام فركع ركعتي الفجر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه، فلم ينكر ذلك عليه.

أخرجه ابن خزيمة (2/ 164/ 1116)، وابن حبان (4/ 1563/429) و (6/ 222/ 2471)، والحاكم (1/ 275)(1/ 655/ 1030 - ط. الميمان)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 391/ 1094) و (5/ 226/ 2751)، والطحاوي في المشكل (10/ 324/ 4137)، وأبو بكر النيسابوري في الزيادات على المزني (64)، وابن قانع في المعجم (2/ 350)، والدارقطني في السنن (1/ 383)، وفي الأفراد (2/ 116/ 4281 - أطرافه)، وأبو محمد الخلال في ذكر من لم يكن عنده إلا حديث واحد (85)، وتمام في الفوائد (1258)، والبيهقي (2/ 483).

قال الحاكم: "قيس بن قهد الأنصاري صحابي، والطريق إليه صحيح على شرطهما".

قلت: لم يخرج الشيخان لأحد من رواة هذا الإسناد سوى يحيى بن سعيد الأنصاري، والليث بن سعد، وقد تفرد به عن الليث: أسد بن موسى، والحمل عليه في هذا الحديث، فقد كان كثير الغرائب، وهو هنا قد تفرد بهذا الحديث عن الليث بن سعد، ولم يتابعه عليه أحد من أصحاب الليث المصريين ولا الغرباء، ولا يُعرف من حديث يحيى بن سعيد على كثرة أصحابه إلا من هذا الوجه، وقد نص أبو داود والترمذي أن هذا الحديث إنما يروى مرسلًا، وقال إبراهيم بن أبي داود [هو: إبراهيم بن سليمان بن داود الأسدي البرلسي، وهو: ثقة حافظ متقن. تاريخ دمشق (6/ 414)، الأنساب (1/ 328)، السير (12/ 612) و (13/ 393)]: "رأيت هذا الحديث في أصل الكتب موقوفًا على

ص: 9

يحيى بن سعيد"، وقال الطحاوي: "هو حديث مقطوع" لأنه في كتب الليث مقطوع على يحيى بن سعيد"، واستغربه ابن خزيمة والدارقطني، وقال الطحاوي:"هذا الحديث مما ينكره أهل العلم بالحديث على أسد بن موسى".

° قال أبو داود: "وروى عبد ربه ويحيى ابنا سعيد هذا الحديث مرسلًا: أن جدَّهم صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، بهذه القصة".

وقال الترمذي: "وإنما يروى هذا الحديث مرسلًا".

وقال ابن خزيمة: "ثنا الربيع بن سليمان المرادي، ونصر بن مرزوق، بخبر غريب غريب،

".

وقال الطحاوي في المشكل: "فكان هذا الحديث مما ينكره أهل العلم بالحديث على أسد بن موسى، منهم إبراهيم بن أبي داود، فسمعته يقول: رأيت هذا الحديث في أصل الكتب موقوفًا على يحيى بن سعيد.

ومما ينكره أهل الأنساب أيضًا، ويزعمون أن يحيى بن سعيد أيضًا ليس قيس جده؛ قيس بن قهد، وإنما هو قيس بن عمرو بن سهل، منهم محمد بن عيسى بن فليح، سمعته يقول - وكان موضعه من هذه الأشياء أجل موضع -: يحيى بن سعيد إنما جده قيس بن عمرو بن سهل، ليس قيس بن قهد، وقد ذكر ذلك محمد بن إسحاق في أنساب الأنصار".

وقال أيضًا: "فأما حديث سعد بن سعيد، وإن كان سعد بن سعيد ليس عند الناس كواحد من أخويه يحيى وعبد ربه، وهم يتكلمون في حديثه؛ فإنه ذكره عن محمد بن إبراهيم التيمي عن قيس جده، ومحمد بن إبراهيم: فإنما حديثه عن أبي سلمة وأمثاله من التابعين، لا يعرف له لقاء لأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل هذا الحديث في الأحاديث المنقطعة التي لا يحتج أهل الإسناد بمثلها".

وقال في اختلاف العلماء (1/ 274 - مختصره): "هو حديث مقطوع؛ لأنه في كتب الليث مقطوع على يحيى بن سعيد، ويروى عن محمد بن إبراهيم التيمي عن قيس جد يحيى بن سعيد، ومحمد بن إبراهيم لم يكن سمع قيسًا".

وقال الدارقطني في الأفراد: "غريب من حديث يحيى بن سعيد عن أبيه عن جده"، ثم قال:"تفرد به الليث بن سعد عنه، وتفرد به عنه أسد بن موسى"، وقال عن جد يحيى بن سعيد:"هو قيس بن عمرو".

وقال أبو محمد الخلال: "ليس ليحيى بن سعيد الأنصاري عن أبيه عن جده سوى هذا الحديث الواحد، وجده قيس بن قهد، وما حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بغيره".

وقال ابن عبد البر في الاستيعاب (3/ 1297): "يقولون: إن سعيدًا والد يحيى بن سعيد لم يسمع من أبيه قيس شيئًا".

وقال ابن رجب في الفتح (3/ 318): "خرجه ابن حبان في صحيحه والدارقطني والحاكم وزعم أنه صحيح، وليس كذلك، قال ابن أبي خيثمة، ذكر عن أبيه؛ أنه قال: يقال: إن سعيدًا لم يسمع من أبيه قيس شيئًا، فهو أيضًا مرسل، وقد ضعف أحمد هذا الحديث، وقال: ليس بصحيح".

ص: 10

والحاصل: فإن رواية عبد ربه بن سعيد [وهو: مدني ثقة]، ورواية أخيه يحيى بن صعيد الأنصاري [المدني القاضي، وكان من جلة أهل المدينة وعلمائها، وهو ثقة ثبت، حافظ حجة، كان يوازى بالزهري] المرسلة: مقدمة على رواية أخيهما سعد بن سعيد [وهو: صدوق، ممن كان يهم ويخطئ في الروايات].

وعليه: فإن هذا الحديث صوابه: مرسل؛ فهو حديث ضعيف، لا يحتج به على قضاء ركعتي الفجر بعد انصراف الإمام من الصلاة، وقبل طلوع الشمس، والله أعلم.

• وممن ضعف هذا الحديث أيضًا: عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (2/ 66)، وفي الكبرى (2/ 392)، والنووي في الخلاصة (776)، وفي المجموع (4/ 153)، وقال:"إسناده ضعيف، فيه انقطاع"، وفي تهذيب الأسماء (2/ 373)، وقال:"وهو حديث ضعيف"، وقال أيضًا:"واتفقوا على ضعف حديثه المذكور في الركعتين بعد الصبح، رواه أبو داود والترمذي وغيرهما، وضعفوه"، وساق كلامهم ابن الملقن في البدر المنير (3/ 266)، ولم يقنع به.

وانظر: شرح مشكل الوسيط (2/ 35).

• وله طريق آخر: يرويه الطحاوي، قال: حدثنا أحمد بن عبد المؤمن المروزي [ذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن يونس وابن الجوزي: "كان ثقة"، الثقات (8/ 44)، المنتظم (5/ 60)، مغاني الأخيار (1/ 28)، الثقات لابن قطلوبغا (1/ 403)]، بحديث ثبتني فيه بعض أهل العلم من أصحابنا، قال: حدثنا علي بن يونس: حدثنا جرير بن عبد الحميد، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن قيس بن قهد؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم رآه يصلي ركعتين بعد صلاة الغداة، فقال:"ما هاتان الركعتان يا قيس؟ "، قال: لم أكن ركعتهما قبل الصلاة، فسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم.

أخرجه الطحاوي في المشكل (10/ 327/ 4141).

قال الطحاوي: "وأهل الحديث ينكرون هذا الحديث ولا يعرفونه، ولا يعرفون علي بن يونس الذي حدثناه ابن عبد المؤمن عنه، فلم نجد في هذا الباب من حديث قيس شيئًا مما يجب استعماله في هذا الباب، فطلبنا ذلك من حديث غيره".

ثم احتج الطحاوي بحديث أبي حازم عن أبي هريرة الآتي ذكره، وهو حديث معلول، ثم بأثر ابن عمر الآتي.

قلت: علي بن يونس المروزي هذا لم أجد من ترجم له؛ وليس هو الأصبهاني، ولا البلخي، وقد قال فيه الطحاوي بأن أهل الحديث لا يعرفونه، وينكرون عليه هذا الحديث؛ فإن كان كذلك، وقد تفرد به عن جرير بن عبد الحميد بهذا الإسناد الكوفي الصحيح؛ فهو حديث منكر، والله أعلم.

فائدة: قيل: إن صحابي هذا الحديث هو قيس بن قهد:

قلت: فرق البخاري بين قيس بن قهد، وقيس بن عمرو، وقال في الثاني (7/ 142):"جد يحيى بن سعيد الأنصاري، له صحبة، وقال بعضهم: قيس بن قهد، ولم يثبت".

ص: 11

وقال في ترجمة يحيى بن سعيد الأنصاري (8/ 275): "يحيى بن سعيد بن قيس بن عمرو الأنصاري، وقال بعضهم: قيس بن قهد، ولا يصح"[وانظر أيضًا: (3/ 507) و (4/ 56) و (6/ 76)].

وقال ابن أبي خيثمة: "وقيس بن عمرو الأنصاري: جد يحيى بن سعيد.

أخبرنا مصعب أنه: يحيى بن سعيد بن قيس بن قهد. وهذا وهم.

سمعت أبي ويحيى بن معين يقولان: يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري. كذاك نسباه، وقد تقدم في الأنصار.

وقيس بن قهد آخر: أخبرني مصعب؛ قال: قيس بن قهد الأنصاري لم يكن بالمحمود في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم ذكرهما في الأنصار" [التاريخ الكبير (1/ 507 - 509/ 2082 و 2083 - السفر الثاني)، وانظر أيضًا: (2/ 299 و 300/ 3019 - 3022 - السفر الثالث)].

وساق ابن عساكر في تاريخه (64/ 241 - 242)، بإسناد لا بأس به [تقدم الكلام عليه بالتفصيل تحت الحديث رقم (1250)]، عن المفضل بن غسان الغلابي، قال:"نا يزيد بن هارون: أنا يحيى بن سعيد بن قيس بن قهد الأنصاري؛ وهذا خطأ في نسبه، وإنما هو: يحيى بن سعيد بن قيس بن عمرو بن سهل".

ثم ساق ابن عساكر في تاريخه (64/ 242)، بإسناده إلى: نوح بن حبيب [القومسي: ثقة]، قال:"يحيى بن سعيد الأنصاري هو: ابن سعيد بن قيس بن عمرو، وكان يزيد بن هارون يقول: ابن قيس بن قهد، وهو خطأ؛ أهله أعلم به، وقيس بن قهد شيء آخر، جده قيس بن عمرو، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثًا واحدًا في ركعتي الفجر".

وقد روي ذلك أيضًا عن أبي أسامة؛ أنه قال: "حدثني يحيى بن سعيد بن قيس بن قهد الأنصاري"[السير (5/ 469)]، قلت: وهذا وهم أيضًا.

وترجم أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة لكل من قيس بن قهد، وقيس بن عمرو، ففرق بينهما، وجزم بأن الثاني هو جد يحيى بن سعيد الأنصاري [المعجم (4/ 189 و 194)].

وقال أبو أحمد الحاكم في الأسامي والكنى (4/ 104/ 2214) في ترجمة يحيى بن سعيد: "ويقال: ابن قيس بن قهد، ولا يصح".

وقال البيهقي في المعرفة (2/ 270): "قال بعض الرواة فيه: قيس بن عمرو، وقال بعضهم: قيس بن قهد، وقيس بن عمرو أصح، قال يحيى بن معين: هو قيس بن عمرو بن سهل، جد يحيى بن سعيد بن قيس".

وقال ابن عبد البر في الاستيعاب (3/ 1297): "قيس بن عمرو بن سهل بن ثعلبة بن الحارث بن زيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري مدني، هو جد يحيى وسعد وعبد ربه بني سعيد بن قيس المدنيين الفقهاء؛ كذلك قال أحمد بن حنبل ويحيى بن معين

ص: 12

وجماعة، وقال مصعب: جد يحيى بن سعيد الأنصارى قيس بن قهد، قال ابن أبي خيثمة: غلط مصعب في ذلك، والقول ما قاله أحمد ويحيى، قال: وقيس بن قهد وقيس بن عمرو كلاهما من بني مالك بن النجار، يقولون: إن سعيدًا والد يحيى بن سعيد لم يسمع من أبيه قيس شيئًا، وقد روى عن قيس جد يحيى بن سعيد: محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي".

ثم فرق ابن عبد البر بينه وبين قيس بن قهد، وقال في ترجمة الآخر (3/ 1298):"وهو كما قال ابن أبي خيثمة، وقد غلط فيه مصعب، وكلهم خطَّأه في قوله هذا".

وقال النووي في المجموع (4/ 153): "ورواه أبو داود والأكثرون: قيس بن عمرو، وهو الصحيح عند جمهور أئمة الحديث"[وانظر أيضًا: تهذيب الأسماء (2/ 373) و (2/ 593)].

وممن قال بذلك أيضًا: ابن سعد في الطبقات [معجم الصحابة لأبي القاسم البغوي (4/ 195)، تاريخ بغداد (16/ 155)، تاريخ دمشق (64/ 243)، القسم المتمم من الطبقات (335)]، ومسلم في المنفردات والوحدان (267)، ووكيع في أخبار القضاة (3/ 243)، وابن يونس في تاريخ الغرباء [تاريخ دمشق (64/ 245)]، وأبو أحمد الحاكم في الأسامي والكنى (4/ 104/ 2214)، وأبو نصر الكلاباذي في رجال البخاري (2/ 490 و 791)، والخطيب في تاريخ بغداد (16/ 155)، وابن حجر في الإصابة (5/ 491 و 496)، وغيرهم.

وانظر: الآحاد والمثاني (4/ 176)، فوائد أبي بكر الشافعي (قبل 1013)، رجال مسلم لابن منجويه (2/ 20 و 341)، تالي التلخيص (1/ 313)، التعديل والتجريح (2/ 916) و (3/ 1216)، تاريخ دمشق (64/ 238 - 244)، إيضاح الإشكال لابن القيسراني (14)، تذكرة الحفاظ (1/ 137)، تاريخ الإسلام (4/ 292) و (8/ 481) و (9/ 333)، إتحاف المهرة (12/ 734).

ومما يؤيد ما ذهب إليه البخاري وغيره، ما رواه وكيع محمد بن خلف في أخبار القضاة (1/ 179)، قال: حدثنا إسماعيل بن إسحاق، قال: حدثنا محمد بن عبيد، قال: حماد بن زيد، قال: نسب لنا يحيى بن سعيد نفسه، فقال: أنا يحيى بن سعيد بن قيس بن عمرو بن سهل.

وهذا إسناد صحيح يحسم الخلاف، فلا أحد أعلم بنسب الرجل من نفسه.

° وقد سلك أبو حاتم الرازي في ذلك مسلكًا وسطًا، فقال:"يحيى بن سعيد الأنصاري، وهو ابن سعيد بن قيس بن قهد، ويقال: ابن قيس بن عمرو بن سهل، وقهد: لقب أحد بني مالك بن النجار"[الجرح والتعديل (9/ 147)، وانظر أيضًا: (4/ 55 و 84) و (6/ 41) و (7/ 101)].

وتبعه على ذلك ابن حبان حيث قال في الثقات (3/ 339): "قيس بن قهد الأنصاري؛ جد يحيى بن سعيد، وسعد بن سعيد، وعبد ربه بن سعيد، له صحبة، وقهد

ص: 13

لقب، اسمه عمرو " [وانظر أيضًا: الثقات (4/ 281) و (4/ 298) و (5/ 131 و 521) و (6/ 379) و (7/ 153)، مشاهير علماء الأمصار (581 و 1042 و 1576)].

° وعلى العكس من ذلك؛ قال أحمد بن حنبل: "يحيى بن سعيد الذي روى عنه يزيد بن هارون وحماد وغيرهما هو: شيخ ثقة مأمون من أهل العلم، وهو يحيى بن سعيد بن قيس بن قهد، وأخوه عبد ربه بن سعيد"[مسائل حرب (3/ 1262)].

وقال النسائي في الكبرى (1/ 201): "عبد ربه بن سعيد، ويحيى بن سعيد، وسعد بن سعيد بن قيس بن قهد الأنصاري، وهم ثلاثة إخوة،

".

وقال ابن قانع: "وإنما هو قيس بن قهد"[المعجم (2/ 349)].

وكذا قال العجلي في الثقات (563 و 593 و 894 و 1977)، وخليفة بن خياط في الطبقات (270 و 470)، والطبراني في المعجم الكبير (18/ 367)، وأبو نعيم في معرفة الصحابه (4/ 2312)، والسمعاني في الأنساب (5/ 460)، والذهبي في تاريخ الإسلام (3/ 352) و (4/ 292).

والحاصل: فإن الراجح في نسب يحيى بن سعيد الأنصاري هو: يحيى بن سعيد بن قيس بن عمرو بن سهل، كما قال يحيى نفسه، وبه قال جماعة من الأئمة على رأسهم البخاري، وخطؤوا من قال في نسبه: قيس بن قهد، والله أعلم.

• وقد روي هذا الحديث من وجه آخر مرسلًا:

رواه عبد الملك بن أبي سليمان [وعنه: هشيم بن بشير]، وقيس بن سعد [وعنه: حماد بن سلمة] [وهم ثقات]:

عن عطاء؛ أن رجلًا صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم قام الرجل فصلى ركعتين، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"ما هاتان الركعتان؟ "، فقال: يا رسول الله! جئتُ وأنتَ في الصلاة، ولم أكن صليتُ الركعتين قبل الفجر، فكرهت أن أصليهما وأنت تصلي، فلما قضيت الصلاة قمتُ فصليتهما، قال: فلم يأمره، ولم ينهه. وفي حديث قيس بن سعد: فسكت عنه.

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 59/ 6441) و (7/ 310/ 36372)، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (4/ 194/ 2754).

• هذا هو المحفوظ فيه مرسلًا، وممن وهم في وصله:

أ - روى لوين محمد بن سليمان بن حبيب المصيصي [ثقة]، عن سعيد بن راشد السماك، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه صلى الفجر، فأبصر رجلًا يصلي الركعتين

فذكر الحديث.

أخرجه ابن أبي حاتم في العلل (2/ 309/201).

قلت: هو حديث منكر، لتفرد سعيد بن راشد به عن عطاء، وسعيد بن راشد المازني السماك: منكر الحديث، متروك، يروي عن عطاء وغيره ما لا يتابع عليه [الكامل (3/ 381)، اللسان (4/ 48)].

ص: 14

قال أبو حاتم: "يُرى ضعفُ الرجل في روايته مثل هذا؛ روى هذا الحديث سفيان بن عيينة، عن سعد بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن قيس بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن عيينة: روى عطاء هذا الحديث عن سعد بن سعيد.

فكيف سمع عطاء من ابن عمر، وهو قد سمع من سعد بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن قيس بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم".

ب - وروى محمد بن سليمان بن أبي داود الحراني، عن أبيه، عن عطاء، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم،

بهذا الحديث.

علقه ابن أبي حاتم في العلل (2/ 202/ 309)، والدارقطني في العلل (13/ 383

3275)، ووصله الخطيب في المبهمات (4/ 266).

قال أبو حاتم: "سليمان بن أبي داود: ضعيف الحديث".

وقال الدارقطني: "يرويه محمد بن سليمان بن أبي داود، عن أبيه، عن عطاء، عن جابر.

وخالفه عبد الملك بن أبي سليمان، وقيس بن سعد المكي، روياه عن عطاء مرسلًا، وهو أشبه بالصواب.

ويقال: إن عطاء بن أبي رباح إنما أخذ هذا الحديث من سعد بن سعيد - أخي يحيى بن سعيد -، وسعد يرويه، عن محمد بن إبراهيم، عن قيس بن عمرو".

قلت: هو أيضًا حديث منكر؛ محمد بن سليمان لقبه بومة: قال النسائي: "لا بأس به، وأبوه: ليس بثقة ولا مأمون"، ووثقه مسلمة وغيره، ووذكره ابن حبان في الثقات [التهذيب (3/ 579)، الميزان (3/ 569)]، وأبوه سليمان بن أبي داود: منكر الحديث [اللسان (4/ 150)].

ج - ورواه أيضًا: يحيى بن فَصِيل: نا الحسن بن صالح: نا أبو سعد، عن عطاء، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: صلى رجل الفجر، ثم صلى بعدها ركعتين، فقيل له:"ما هاتان الركعتان؟ "، فقال: الركعتان اللتان قبل الفجر، لم أكن صليتهما، فلم يأمره، ولم ينهه.

أخرجه ابن الأعرابي في المعجم (2/ 697/ 1412).

قلت: يغلب على ظني أن أبا سعد شيخ الحسن بن صالح هو: البقال سعيد بن المرزبان [انظر في رواية الحسن بن صالح عن أبي سعد البقال: المعجم الكبير (10/ 222/ 10537)، الكامل (4/ 14)، علل الدارقطني (5/ 192/ 813)، الموضح (1/ 249)]، وأبو سعد البقال الأعور، سعيد بن المرزبان: ضعيف، مدلس، تركه جماعة من الأئمة، وقال البخاري:"منكر الحديث"[التهذيب (2/ 41)، الميزان (2/ 158)].

ويحيى بن فَصِيل: لم أر من تكلم فيه بجرح أو تعديل سوى أنه كان عنده نسخة من حديث الحسن بن صالح يحدث بها، وله عنه غرائب [تلخيص المتشابه في الرسم (2/ 246)،

ص: 15

الجرح والتعديل (9/ 181)، الكامل (2/ 316)، التوضيح (7/ 110)، المؤتلف (1817)، إكمال ابن ماكولا (7/ 67)، المهروانيات (11) ص (56 و 57)، تاريخ الإسلام (14/ 449)].

وعليه: فهو حديث منكر؛ والمعروف فيه عن عطاء مرسلًا، والله أعلم.

وفي الباب، مما روي في قضاء ركعتي الفجر لمن فاتته قبل صلاة الفريضة:

1 -

حديث أبي هريرة:

يرويه مروان بن معاوية، عن يزيد بن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم نام عن ركعتي الفجر، فقضاهما بعدما طلعت الشمس.

وفي رواية: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فاتته ركعتا الفجر، صلاهما إذا طلعت الشمس.

وهو حديث معلول، مختصر من حديث المبيت في السفر حتى أيقظهم حر الشمس، وصلى حينئذٍ يومها ركعتي الفجر قبل الفريضة، كما كان يفعل كل يوم [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1256)].

2 -

حديث أبي هريرة:

يرويه عمرو بن عاصم الكلابي [صدوق؛ في حفظه شيء]، قال: حدثنا همام، عن قتادة، عن النضر بن أنس، عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم يصل ركعتي الفجر، فليصلهما بعد ما تطلع الشمس"، وفي رواية:"من نسي ركعتي الفجر، فليصلهما إذا طلعت الشمس".

وهو حديث منكر، والمعروف: حديث جماعة الحفاظ عن همام: حدثنا قتادة، عن النضر بن أنس، عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صلى من الصبح ركعة ثم طلعت الشمس، فليصل إليها أخرى".

تقدم تخريجه في فضل الرحيم الودود (5/ 96/ 412).

وقد صح عن ابن عمر أنه كان يقضيهما بعد طلوع الشمس:

• روى محمد بن النعمان السقطي [هو: ابن بشير، أصله من نيسابور، وسكن بيت المقدس، شيخ لابن خزيمة وأبي عوانة وأبي العباس الأصم وابن صاعد وابن الأعرابي والطحاوي وغيرهم، ثقة. تاريخ دمشق (56/ 129)، التهذيب (3/ 719)، التقريب (721)]: حدثنا يحيى بن يحيى النيسابوري [ثقة ثبت إمام]: حدثنا سليم بن أخضر [ثقة ضابط]، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع؛ أن ابن عمر جاء فدخل المسجد وهم في صلاة الصبح، ولم يكن صلى ركعتي الفجر، فدخل معهم في صلاتهم، ثم انتظر حتى إذا طلعت الشمس وحلت الصلاة صلاهما.

أخرجه الطحاوي في المشكل (10/ 328).

وهذا موقوف على ابن عمر بإسناد صحيح غريب.

° وروى أحمد بن عبد المؤمن الخراساني [ذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن

ص: 16

يونس وابن الجوزي: "كان ثقة"، الثقات (8/ 44)، المنتظم (5/ 60)، مغاني الأخيار (1/ 28)، الثقات لابن قطلوبغا (1/ 403)]، قال: ثنا علي بن الحسن بن شقيق [المروزي: ثقة حافظ]، قال: أنا الحسين بن واقد [مروزي: ليس به بأس. التهذيب (1/ 438)، الميزان (1/ 549)، سؤالات المروذي والميموني (146 و 444)، وقد تقدم ذكره مرارًا، انظر مثلًا: ما تقدم برقم (896)]، قال: ثنا يزيد النحوي [هو: يزيد بن أبي سعيد النحوي: مروزي ثقة]، عن أبي مجلز [لاحق بن حميد: بصري، ثقة، من كبار الثالثة]، قال: دخلت المسجد في صلاة الغداة مع ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم، والإمام يصلي، فأما ابن عمر رضي الله عنهما فدخل في الصف، وأما ابن عباس رضي الله عنهما فصلى ركعتين، ثم دخل مع الإمام، فلما سلم الإمام قعد ابن عمر مكانه، حتى طلعت الشمس فقام فركع ركعتين.

أخرجه الطحاوي في شرح المعاني (1/ 374).

وهذا موقوف على ابن عمر بإسناد لا بأس به، وهو إسناد غريب.

° ورواه أيوب السختياني [ثقة ثبت، وعنه: حماد بن سلمة، ومعمر بن راشد]، وعبيد الله بن عمر [ثقة ثبت، وعنه: حماد بن سلمة]، وفضيل بن غزوان [كوفي، ثقة]، وعبد الله بن عمر العمري [ليس بالقوي]:

عن نافع؛ أن عبد الله بن عمر فاتتاه [يعني: ركعتي الفجر]، فصلاهما بعدما طلعت الشمس.

ولفظ فضيل: أنه جاء إلى القوم وهم في الصلاة، ولم يكن صلى الركعتين، فدخل معهم ثم جلس في مصلاه، فلما أضحى قام فقضاهما.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 443/ 4017 و 4019)، وابن أبي شيبة (2/ 59/ 6445)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 227/ 2753)، والطحاوي في المشكل (10/ 329)، والبيهقي (2/ 484).

وهذا موقوف صحيح.

° ورواه أبو بكرة بكار بن قتيبة [صدوق. راجع ترجمته في آخر الحديث رقم (1153)]، قال: حدثنا عبد الله بن حمران [بصري، صدوق]: حدثنا الأشعث [هو: ابن عبد الملك الحمراني: ثقة فقيه، ثبت في ابن سيرين]، عن محمد [هو: ابن سيرين؛ ثقة ثبت]، عن سعيد بن المسيب، قال: كان ابن عمر إذا لم يصلهما قبل صلاة الفجر صلاهما من الضحى.

أخرجه الطحاوي في المشكل (10/ 329).

• خالفه: وكيع بن الجراح [ثقة حافظ]، فزواه عن يزيد بن إبراهيم التستري [ثقة ثبت، من أثبت أصحاب ابن سيرين]، وربيع بن صبيح [ليس بالقوي. انظر: التهذيب (1/ 593)، الميزان (2/ 41)]، عن ابن سيرين، عن ابن عمر؛ أنه صلاهما بعدما أضحى.

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 59/ 6446).

ص: 17

هكذا نقصا من الإسناد رجلًا، وزاده الأشعث، وهو ثبت في ابن سيرين، وبه يتصل الإسناد، ويصح عن ابن عمر موقوفًا عليه من وجه آخر، والله أعلم.

ورواه مالك بلاغًا عن ابن عمر [الموطأ (1/ 187/ 339)].

وبه يقول الأوزاعي، والشافعي، وأحمد [مسائل أبي داود (353)، الأوسط (5/ 228)].

• وروي عن ابن عمر خلاف ذلك؛ أنه صلاهما بعد سلام الإمام، ولا يصح [أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 60/ 6448)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 227/ 2752)، [وفي إسناده: عطية بن سعد العوفي، وهو: ضعيف الحفظ. انظر: التهذيب (3/ 114)، الميزان (3/ 79)؛ وقد خالف في روايته هذه: نافعًا وسعيد بن المسيب وأبا مجلز؛ فهي رواية منكرة].

• وأما حديث: "لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر"؛ فلا متعلق له بموضوع الباب، وإنما الكلام هنا عمن فاتته ركعتا الفجر أن يصليهما قبل الفريضة، فمتى يقضيها؟، ويأتي تخريجه قريبًا إن شاء الله تعالى، برقم (1278).

° وهنا مسألة لم يبوب لها أبو داود، ولعل من المناسب أن نذكرها في هذا الموضع، وهي: مسألة قضاء الفوائت من الفرائض؛ هل يشترط فيها الترتيب؟

1 -

حديث جابر بن عبد الله:

رواه هشام الدستوائي، وعلي بن المبارك، وشيبان بن عبد الرحمن:

عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن جابر بن عبد الله، قال: جاء عمر [بن الخطاب] يوم الخندق [بعدما غربت الشمس][وفي رواية: وذلك بعدما أفطر الصائم]، فجعل يسبُّ كفار قريش، ويقول: يا رسول الله! ما صليت العصر حتى كادت الشمس أن تغيب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"وأنا والله ما صليتها بعدُ" قال: فنزل إلى بُطحان، فتوضأ وصلى العصر بعد ما غابت الشمس، ثم صلى المغرب بعدها.

أخرجه البخاري (596 و 598 و 641 و 945 و 4112)، ومسلم (631)، وتقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1242).

2 -

حديث أبي سعيد الخدري:

رواه يحيى بن سعيد القطان، ويزيد بن هارون، ومحمد بن إسماعيل بن أبي فديك، وشبابة بن سوار، وحجاج بن محمد المصيصي، وبشر بن عمر الزهراني، وعبد الله بن وهب، وعبد الله بن مسلمة القعنبي، وأبو داود الطيالسي، وأبو عامر عبد الملك بن عمرو العقدي، وعثمان بن عمر بن فارس، وأبو خالد سليمان بن حيان الأحمر [وهم ثقات، أكثرهم حفاظ]، وعمار بن عبد الجبار الخراساني [صدوق. الجرح والتعديل (6/ 393)، الثقات (8/ 518)، سؤالات مسعود السجزي (92)، الإرشاد (3/ 897)، تاريخ بغداد (12/ 254)، اللسان (6/ 46)]:

ص: 18

عن ابن أبي ذئب: ثنا سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه، قال: حُبسنا يوم الخندق [وفي رواية: عن الظهر والعصر والمغرب والعشاء] حتى كان بعد المغرب هويًا [وفي رواية: شغلنا المشركون يوم الخندق عن صلاة الظهر حتى غربت الشمس]، وذلك قبل أن ينزل في القتال، فلما كفينا القتال، وذلك قول الله عز وجل:{وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25)} [الأحزاب: 25]، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالًا، فأقام الظهر، فصلاها [وأحسن صلاتها] كما كان يصليها في وقتها، ثم أقام العصر فصلاها كما كان يصليها في وقتها، ثم أقام المغرب فصلاها كما كان يصليها في وقتها، [ثم أقام العشاء فصلاها كما كان يصليها قبل ذلك]. زاد الباقون في آخره: وذلك قبل أن ينزل {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239].

وفي رواية الطيالسي: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق، فشغلنا عن صلواتٍ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالًا فأقام لكل صلاةٍ إقامة، وذلك قبل أن ينزل عليه:{فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} .

أخرجه النسائي في المجتبى (2/ 17/ 661)، وفي الكبرى (2/ 244/ 1637)، والدارمي (1668 - ط. البشائر)، وابن خزيمة (2/ 99/ 996) و (3/ 100/ 1703)، وابن حبان (7/ 147/ 2890)، وأحمد (3/ 25 و 49 و 67)، والشافعي في الأم (1/ 86)، وفي الرسالة (42 و 58)، وفي السنن (1)، وفي المسند (32)، والطيالسي (3/ 676/ 2345)، وابن أبي شيبة (1/ 416/ 4780) و (7/ 322/ 36502) و (7/ 377/ 36814)، ومسدد في مسنده (2/ 238/ 1417 - إتحاف الخيرة)، وأبو يعلى (2/ 471/ 1296)، وابن جرير الطبري في تفسيره (19/ 70 - ط. هجر)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 33/ 1187)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 321)، وفي أحكام القرآن (441 - 443)، والدارقطني في العلل (11/ 301/ 22961 - تحقيق: د. محفوظ الرحمن) (5/ 459/ 2296 - تحقيق: الدباسي)، وأبو نعيم في الإمامة والرد على الرافضة (26)، والبيهقي في السنن (1/ 402) و (3/ 251)، وفي المعرفة (1/ 431/ 569)، وفي الدلائل (3/ 445)، وابن عبد البر في التمهيد (5/ 235 - 236)، وفي الاستذكار (1/ 86)[وفي سنده تحريف] و (2/ 408)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (1/ 254)، والبغوي في شرح السُّنَّة (2/ 303/ 436)، والحازمي في الاعتبار (1/ 435/ 155).

• تنبيهان: الأول: وقع عند النسائي في الكبرى، وقد رواه عن عمرو بن علي الفلاس عن يحيى القطان به؛ إلا أنه قال فيه: وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالًا، فأذن للظهر، وهو خطأ، فقد رواه النسائي نفسه في المجتبى من نفس الوجه كالجماعة، بذكر الإقامة دون الأذان، وكذلك رواه جماعة عن يحيى بدون ذكر الأذان، وهي رواية الجماعة عن ابن أبي ذئب.

• الثاني: النسخ الموجودة من علل الدارقطني وقع فيها سقط ظاهر، لم يظهر معه

ص: 19

سياق كلام الدارقطني في سرد الخلاف، وآخر كلام الدارقطني في بيان الراجح يبين ذلك [العلل (11/ 300/ 2296 - تحقيق: د. محفوظ الرحمن) (5/ 458/ 2296 - تحقيق: الدباسي)].

• خالف الجماعة فوهم في إسناده ومتنه:

معمر بن راشد، وجعفر بن عون [وعنه: أحمد بن حازم الغفاري]:

فروياه عن ابن أبي ذئب، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصلِّ يوم الأحزاب الظهر والعصر والمغرب والعشاء، حتى ذهب هوي من الليل، قال: وذلك قبل أن تنزل صلاة الخوف، فأمر بلالًا فأذن ثم أقام الظهر،

ثم ذكر الحديث بمثله. واللفظ لمعمر.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 502/ 4233)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (1/ 254).

قلت: أما معمر بن راشد؛ فإنه ثبت في الزهري وابن طاووس، وقد يهم في حديث غيرهما، وقد وهم هنا في موضعين: أحدهما: بإسقاط عبد الرحمن بن أبي سعيد من الإسناد، والثاني: بزيادة الأذان، وأما جعفر بن عون؛ فإنه ثقة، لكن الوهم فيه عندي من ابن أبي غرزة، وهو: أحمد بن حازم بن محمد بن يونس بن قيس بن أبي غرزة أبو عمرو الغفاري الكوفي صاحب المسند، وهو وإن قال فيه ابن حبان:"كان متقنًا"، وقال الذهبي:"حافظ صدوق"[الجرح والتعديل (2/ 48)، الثقات (8/ 44)، المؤتلف للدارقطني (3/ 1688)، السير (13/ 239)، تذكرة الحفاظ (2/ 594)، تاريخ الإسلام (20/ 249)]؛ إلا أن الدارقطني قال عنه في الأفراد (2/ 4808/224 - أطرافه): "يقال: إن أبا عمرو ابن أبي غرزة: اختلط عليه حديث سهل بن عامر بحديث جعفر بن عون"، والله أعلم.

° وانظر فيمن وهم فيه وهمًا قبيحًا: ما أخرجه الدارقطني في العلل (11/ 301/ 2296 - تحقيق: د. محفوظ الرحمن)(5/ 459/ 2296 - تحقيق الدباسي).

° قال الدارقطني في العلل (11/ 300/ 2296): "والصحيح: قول يحيى القطان ومن تابعه، عن ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبيه".

وعليه: فإن ذكر الأذان في حديث أبي سعيد شاذ لا يثبت، والله أعلم.

قال البيهقي في الخلافيات (1/ 482 - مختصره): "رواة هذا الحديث كلهم ثقات، وقد احتج مسلم بعبد الرحمن بن أبي سعيد، وسائرهم متفق على عدالتهم"[البدر المنير (3/ 318)].

وقال النووي في المجموع (3/ 91): "حديث أبي سعيد رضي الله عنه صحيح، رواه الإمامان أبو عبد الله الشافعي وأحمد بن حنبل في مسنديهما بلفظه هنا بإسناد صحيح".

وقال ابن الملقن في البدر المنير (3/ 317): "هذا الحديث صحيح".

قلت: هو كما قالوا؛ حديث صحيح، ولا تعارض بينه وبين حديث جابر المتفق عليه، لإمكان التعدد في هذه الواقعة، والله أعلم.

ص: 20

قال ابن الملقن في الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (2/ 345): "والجمع ممكن، فإن الخندق كان أيامًا، فكان هذا في بعض الأيام وهذا في بعضها".

وحديث أبي سعيد هذا يتفق مع ما سبق تقريره في صلاة الخوف، من أن أول ما صُلِّيت صلاة الخوف في عسفان، وكانت في عمرة الحديبية، وهي بعد الخندق وقريظة، وقد صُلِّيت صلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع، وهي بعد عسفان، فتعيَّن تأخُّرُها عن الخندق وعن قريظة وعن الحديبية أيضًا، والله أعلم [راجع الحديث رقم (1248)].

3 -

حديث ابن مسعود:

رواه هشيم بن بشير، عن أبي الزبير، عن نافع بن جبير، عن أبي عبيدة، قال: قال عبد الله: إن المشركين شغلوا النبي صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات يوم الخندق، فأمر بلالًا فأذن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء.

أخرجه الترمذي (179)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(1/ 433/ 162)، والنسائي في المجتبى (2/ 17/ 662)، وفي الكبرى (2/ 1638/245)، وأحمد (1/ 375)، وابن أبي شيبة في المصنف (1/ 416/ 4779) و (7/ 322/ 36501) و (7/ 378/ 36821)، وفي المسند (309)، وأبو يعلى (9/ 238/ 5351)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 32/ 1186)، وابن عبد البر في التمهيد (5/ 236)، والبيهقي في السنن (1/ 403).

قال الترمذي: "حديث عبد اللّه ليس بإسناده بأس، إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من عبد الله، وهو الذي اختاره بعض أهل العلم في الفوائت، أن يقيم الرجل لكل صلاة إذا قضاها، وإن لم يقم أجزأه، وهو قول الشافعي".

قال ابن المنذر: "وممن مال إلى القول بهذا الحديث: أحمد بن حنبل وأبو ثور".

قال الأثرم: "سمعت أبا عبد الله [يعني: أحمد بن حنبل] يُسأل عن رجل يقضي صلاة، كيف يصنع في الأذان؟ فذكر حديث: هشيم، عن أبي الزبير، عن نافع بن جبير، عن أبي عبيدة بن عبد الله، عن أبيه؟ أن المشركين شغلوا النبي صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات يوم الخندق، حتى ذهب من الليل ما شاء الله، قال: فأمر بلالًا فأذن وأقام، وصلى الظهر، ثم أمره فأقام، فصلى العصر، ثم أمره فأقام، فصلى المغرب، ثم أمره فأقام، فصلى العشاء. قال أبو عبد الله: وهشام الدستوائي لم يقل كما قال هشيم، جعلها إقامة إقامة"[المغني (1/ 251)].

• وقد توبع هشيم على ذكر الأذان:

فقد أخرج أبو الشيخ فيما رواه أبو الزبير عن غير جابر (140)، قال: حدثنا أحمد بن جعفر بن نصر الجمال [رازي، أصبهاني: وثقه أبو يعلى الخليلي، وروى عنه جماعة من الحفاظ، وكان من العباد. طبقات المحدثين (1/ 241)، تاريخ أصبهان (1/ 158)، تاريخ الإسلام (23/ 297 و 472)]: حدثنا علي بن هاشم بن مرزوق [الرازي: ثقة. الجرح

ص: 21

والتعديل (6/ 208)، التهذيب (3/ 198)]: حدثنا سليمان بن حسان [مصري، وقع بالري، قال العقيلي: "لا يتابع على حديثه"، وقال أبو حاتم: "سألت ابن أبي غالب عنه، فقال: لا أعرفه"، فقال ابن أبي حاتم لأبيه: "ما تقول فيه؟ قال: صحيح الحديث"، وذكره ابن حبان في الثقات. علل الحديث (1917)، الجرح والتعديل (4/ 107)، الثقات (8/ 280)، تاريخ بغداد (9/ 21)، اللسان (4/ 138)، الثقات لابن قطلوبغا (5/ 97)]، عن يونس بن يزيد الأيلي، عن أبي الزبير، عن نافع بن جبير، عن أبي عبيدة، عن عبد الله؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شغل يوم الأحزاب عن صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء إلى نصف الليل، فقام فنادى بالصلاة، فصلى الظهر، ثم العصر، ثم المغرب، ثم العشاء.

قلت: هو غريب من حديث يونس بن يزيد الأيلي، ولا أظنه يثبت عنه.

ورواه الدارقطني في الأفراد (2/ 49/ 3946 - أطرافه)، وقال:"غريب من حديث يونس بن يزيد الأيلي عن علي بن زيد بن جدعان، تفرد به سليمان بن حسان أبو عبد الله السلمي عنه"، كذا وقع فيه عن ابن جدعان، ولا يعرف من حديثه، إنما هو حديث نافع بن جبير بن مطعم، وسليمان بن حسان: شامي، وليس سلميًا، والله أعلم.

ورواه سعيد بن أبي عروبة [وعنه: زائدة بن قدامة]، وعبد الله بن المبارك، وأبو داود الطيالسي، وعبد الوارث بن سعيد، وكثير بن هشام [وهم ثقات]، وحجاج بن نصير [ضعيف]:

عن هشام الدستوائي؛ أن أبا الزبير المكي حدثهم، عن نافع بن جبير؛ أن أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود حدثهم؛ أن عبد الله بن مسعود قال: كنا في غزوة فحبسنا المشركون عن صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء، فلما انصرف المشركون أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديًا [وفي رواية ابن المبارك: بلالًا]، فأقام لصلاة الظهر فصلينا، وأقام لصلاة العصر فصلينا، وأقام لصلاة المغرب فصلينا، وأقام لصلاة العشاء فصلينا، ثم طاف علينا، فقال:"ما على الأرض عصابة يذكرون الله عز وجل غيركم".

أخرجه النسائي في المجتبى (1/ 297/ 622) و (2/ 18/ 663)، وفي الكبرى (2/ 231/ 1602) و (2/ 245/ 1639)، وأحمد (1/ 423)، والطيالسي (1/ 261/ 331)، والطبراني في الكبير (10/ 10283/150)، وأبو الشيخ فيما رواه أبو الزبير عن غير جابر (138 و 139)[وفي سنده تحريف]. وأبو نعيم في الحلية (4/ 207)، وابن عبد البر في التمهيد (5/ 237)، وفي الاستذكار (1/ 87).

قال النسائي: "هذا حديث غريب من حديث سعيد عن هشام، ما رواه غير زائدة".

وقال البيهقي في السنن (1/ 402): "أبو عبيدة لم يدرك أباه، وهو مرسل جيد"[وانظر: الخلافيات (1/ 489 - مختصره)].

ورواه أيضًا: الوليد بن مسلم [ثقة ثبت، من أثبت أصحاب الأوزاعي]، وبشر بن بكر التنيسي [ثقة، من أصحاب الأوزاعي]:

ص: 22

عن أبي عمرو الأوزاعي: أخبرني أبو الزبير المكي، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن أبي عبيدة، عن أبيه عبد الله بن مسعود، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نوازي العدو يوم الخندق، فشغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الظهر والعصر والمغرب والعشاء، حتى كان نصف الليل، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدأ بالظهر فصلاها، ثم العصر، ثم المغرب، ثم العشاء، يتابع بعضها بعضًا بإقامةٍ إقامةٍ.

أخرجه حرب الكرماني في مسائله لأحمد وإسحاق (528 - ط. الريان)، وابن دحيم في فوائده (133)، والبيهقي (1/ 407) و (2/ 219).

فهذا الحديث قد رواه هشيم بن بشير، وهشام الدستوائي، وأبو عمرو الأوزاعي، ثلاثتهم [وهم ثقات حفاظ]: عن أبي الزبير المكي، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن أبي عبيدة، عن أبيه عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا حديث جيد، وفيه إثبات الأذان في الأولى فقط من الفوائت، وهي زيادة من هشيم بن بشير، وهو ثقة حافظ، وقد احتج أحمد بروايته هذه، كما تقدم.

فإن قيل: أبو عبيدة لم يسمع من أبيه؟ فيقال: لكن حديثه عنه صحيح، كما سبق تقريره قبل ذلك مرارًا، راجع مثلًا: الحديثين السابقين برقم (754 و 877).

قال الترمذي: "حديث عبد الله ليس بإسناده بأس، إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من عبد الله".

وقال النسائي في حديثٍ يرويه أبو عبيدة عن أبيه: "أبو عبيدة لم يسمع من أبيه، والحديث جيد".

وقال ابن رجب في شرح العلل (1/ 544): "قال ابن المديني في حديث يرويه أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه: هو منقطع، وهو حديث ثبت.

قال يعقوب بن شيبة: إنما استجاز أصحابنا أن يدخلوا حديث أبي عبيدة عن أبيه في المسند؛ يعني: في الحديث المتصل، لمعرفة أبي عبيدة بحديث أبيه، وصحتها، وأنه لم يأت فيها بحديث منكر".

وقال في الفتح (5/ 187): "وأبو عبيدة وإن لم يسمع من أبيه؛ إلا أن أحاديثه عنه صحيحة، تلقاها عن أهل بيته الثقات العارفين بحديث أبيه، قاله ابن المديني وغيره"[وانظر أيضًا: الفتح (5/ 60) و (6/ 14)].

وقال الدارقطني في السنن (3/ 172 و 173) في حديث لأبي عبيدة عن أبيه: "وهذا إسناد حسن، ورواته ثقات"، ثم رواه من حديث خشف بن مالك عن ابن مسعود، ثم قال: "هذا حديث ضعيف، غير ثابت عند أهل المعرفة بالحديث من وجوه عدة، أحدها: أنه مخالف لما رواه أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه، بالسند الصحيح عنه الذي لا مطعن فيه، ولا تأويل عليه، وأبو عبيدة أعلم بحديث أبيه، وبمذهبه وفتياه من خشف بن مالك ونظرائه،

".

ص: 23

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: "ويقال: إن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه، لكن هو عالم بحال أبيه، متلقٍّ لآثاره من أكابر أصحاب أبيه،

، ولم يكن في أصحاب عبد الله من يُتَّهم عليه حتى يخاف أن يكون هو الواسطة، فلهذا صار الناس يحتجون برواية ابنه عنه، وإن قيل: إنه لم يسمع من أبيه" [مجموع الفتاوى (6/ 404)].

فتحصل من مجموع هذه النقول وغيرها: احتجاج الأئمة بحديث أبي عبيدة عن أبيه، مع تصريحهم بأنه لم يسمع منه، وذلك لكونه أخذ هذه الأحاديث عن كبار أصحاب ابن مسعود، وأهل بيته، وليس فيهم مجروح، وأنه لم يرو فيها منكرًا.

• وقد وهم بعضهم في إسناده على أبي الزبير، وسلك فيه الجادة:

رواه أبو الأشعث [أحمد بن المقدام العجلي: ثقة]: ثنا محمد بن عبد الرحمن: ثنا أيوب [السختياني: ثقة ثبت]، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: شغل المشركون النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الظهر والعصر، فصلاهما بعد ما غربت الشمس.

أخرجه أبو العباس السراج في مسنده (1369).

قلت: لعل الوهم فيه من محمد بن عبد الرحمن الطفاوي، وهو: بصري، ليس به بأس، كما قال جماعة من الأئمة، وله أوهام ضُعِّف لأجلها؛ فقال فيه أبو زرعة:"منكر الحديث"، وقال مرة:"صدوق؛ إلا أنه يهم أحيانًا"، وقال فيه أبو حاتم:"ليس به بأس، صدوق صالح، إلا أنه يهم أحيانًا"، وقال مرة:"ضعيف الحديث"[التهذيب (3/ 631)، الجرح والتعديل (7/ 324)].

* وله إسناد ثالث: رواه بشر بن الوليد، عن أبي يوسف، عن يحيى بن أبي أنيسة، عن زبيد الأيامي، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن عبد الله بن مسعود، قال: شغل المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلوات الظهر والعصر والمغرب والعشاء، حتى ذهب ساعة من الليل، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالًا فأذن وأقام ثم صلى الظهر، ثم أمره فأذن وأقام فصلى العصر، ثم أمره فأذن وأقام فصلى المغرب، ثم أمره فأذن وأقام فصلى العشاء.

أخرجه أبو يعلى (5/ 2628/39)، والخطيب في تاريخ بغداد (4/ 350).

قلت: نعم؛ لم يسمع أبو عبد الرحمن السلمي من ابن مسعود، قاله شعبة [انظر: المراسيل (382 و 387)، تحفة التحصيل (171)، وما تقدم في فضل الرحيم الودود (9/ 474/ 868)]، لكن الشأن ليس في ذلك؛ فهو حديث منكر بهذا السياق، بذكر الأذان مع الإقامة مع كل صلاة، وقد تفرد به عن زبيد الأيامي: يحيى بن أبي أنيسة، وهو: متروك الحديث [التهذيب (4/ 341)].

وأبو يوسف القاضي يعقوب بن إبراهيم: صدوق، كثير الخطأ [اللسان (6/ 368)، تاريخ بغداد (14/ 242 - 262)، صحيح ابن خزيمة (1/ 265)، الإرشاد (2/ 569)، طبقات ابن سعد (7/ 330)][وانظر في أوهامه مما تقدم معنا: الأحاديث (300 و 440)، وما قبل (534)، وما قبل (1021)].

ص: 24

وبشر بن الوليد الكندي الفقيه: صدوق، لكنه خرف، وصار لا يعقل ما يحدث به [تاريخ بغداد (7/ 80)، اللسان (2/ 316)].

وله إسناد رابع: رواه سليمان بن أحمد الطبراني [ثقة حافظ مصنف]: حدثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي [ثقة مكثر مشهور. سؤالات السلمي (2)، سؤالات السجزي (134)، الإرشاد (2/ 609)، تاريخ بغداد (4/ 82)، السير (14/ 152)، اللسان (1/ 429)]: حدثنا الحارث بن أسد [هو المحاسبي، الزاهد المشهور: لم يوثقه نقاد الحديث، مع اشتهاره بالكلام في الخواطر والأحوال والزهد، ولم يخرج له أصحاب الكتب الستة، مع قلة حديثه. سؤالات البرذعي (2/ 561)، تاريخ بغداد (8/ 211)، المتفق والمفترق (2/ 766)، السير (12/ 110)، تاريخ الإسلام (18/ 205)، الميزان (1/ 430)، التهذيب (1/ 326)]: حدثنا محمد بن كثير الكوفي، عن ليث بن أبي سليم، عن عبد الرحمن بن الأسود، في أبيه، عن عبد الله بن مسعود، قال: شغل النبي صلى الله عليه وسلم في شيء من أمر المشركين فلم يصلِّ الظهر والعصر والمغرب والعشاء، فلما فرغ صلاهُنَّ الأول فالأولَ، وذلك قبل أن تنزل صلاة الخوف.

أخرجه الطبراني في الأوسط (2/ 48 - 49/ 1208)، ومن طريقه: و أبو نعيم في الحلية (10/ 110)، والخطيب في تاريخ بغداد (8/ 212)، والحازمي في الاعتبار (1/ 433/ 154).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن عبد الرحمن إلا ليث، تفرد به: محمد بن كثير".

قلت: هو حديث منكر؛ ليث بن أبي سليم: ضعيف، لاختلاطه وعدم تميز حديثه، ومحمد بن كثير الكوفي: ضعيف، روى أحاديث منكرة [التهذيب (3/ 683)]، ولا يحتمل تفرد أمثال هؤلاء بهذا عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن ابن مسعود.

4 -

حديث جابر بن عبد الله:

رواه محمد بن معمر البحراني [ثقة]: ثنا مؤمل بن إسماعيل [صدوق، كثير الغلط]: ثنا حماد بن سلمة [ثقة]، عن عبد الكريم بن أبي المخارق، عن مجاهد، عن جابر؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم شغل يوم الخندق عن صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء، فأمر بلالًا فأذن وأقام فصلى الظهر، ثم أمره فأذن وأقام فصلى العصر، ثم أمره فأذن وأقام فصلى المغرب، ثم أمره فأذن وأقام فصلى العشاء، ثم قال:"ما على وجه الأرض قوم يذكرون الله غيركم".

أخرجه البزار (365 - كشف)، والطبراني في الأوسط (2/ 72/ 1285).

قال البزار: "لا نعلم رواه بهذا الإسناد إلا مؤمل، ولا نعلمه يروى عن جابر بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه، وقد رواه بعضهم عن عبد الكريم عن مجاهد عن أبي عبيدة عن عبد الله".

وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن حماد بن سلمة إلا مؤمل".

ص: 25

قلت: نعم؛ هو غريب من حديث حماد بن سلمة، لكن آفته: عبد الكريم بن أبي المخارق، أبو أمية البصري، وهو: مجمع على ضعفه، وقال النسائي والدارقطني: متروك، وقال أحمد في رواية ابنه عبد الله:"ضعيف"، وفي رواية أبي طالب:[ليس هو بشيء، شبه المتروك" [التهذيب (2/ 603)، الميزان (2/ 646)، الجرح والتعديل (6/ 60)]، فلا يثبت هذا من حديث جابر، ولا عن مجاهد بن جبر، والله أعلم.

• ثم إنه قد خالفه: نصر بن طريف، فرواه عن عبد الكريم أبي أمية، قال: سمعت نافع بن جبير بن مطعم، يحدث عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه، قال: حبسنا يوم الخندق عن أربع صلوات: الظهر والعصر والمغرب والعشاء، قال: فوجدت في نفسي، فقلت: إنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سبيل الله، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالًا فأقام لكل صلاة إقامةً ثم صلى، قال: فطاف علينا فقال: "ما في الأرض عصابة يذكرون الله عز وجل غيركم".

أخرجه أبو طاهر المخلص في الرابع من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (129)(744 - المخلصيات).

وهذا باطل؛ نصر بن طريف: متروك، معروف بالوضع [اللسان (8/ 261)].

5 -

حديث ابن عباس:

قال الأثرم في الناسخ (12): وروى بشر بن المفضل [ثقة ثبت]، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن معاوية، عن ابن عباس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم الخندق الظهر والعصر والمغرب والعشاء بعد ما غاب الشفق.

قلت: هذا إسناد ضعيف؛ أبو الحويرث عبد الرحمن بن معاوية: ليس بالقوي [تقدمت ترجمته عند الحديث رقم (1105)]، وهو من الطبقة السادسة، ولم يدرك ابن عباس، وعبد الرحمن بن إسحاق المدني: ليس به بأس، وليس هو ممن يعتمد على حفظه، وفي بعض حديثه ما ينكر، وما لا يتابع عليه [التهذيب (2/ 487)، الميزان (2/ 547)].

وحاصل ما تقدم: أنه قد صح في الباب: حديث جابر، وحديث أبي سعيد، وحديث ابن مسعود، وقد دلت جميعها على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قضى الصلوات الفوائت مرتبةً، الأُولى فالأُولى، ودل حديث أبي سعيد وابن مسعود على الإقامة لكل صلاة، ودل حديث ابن مسعود على أنه يؤذن للأولى منها.

° وقد بوب البخاري لحديث جابر بقوله: "قضاء الصلوات؛ الأُولى، فالأُولى".

وقال ابن رجب في الفتح (3/ 370): "وقد دلت هذه الأحاديث على أن من فاتته صلوات، فإنه يبدأ بالأولى فالأولى، هذا هو المشروع في قضائها بالاتفاق".

ثم قال: "وأما الترتيب، فقد ذكرنا أنه مستحب بالاتفاق.

واختلفوا: هل هو شرط لصحة الصلاة، أم لا؟

ص: 26

فمذهب أحمد: أنه شرط، قلت الفوائت أو كثرت، وهو قول زفر.

ومذهب مالك وأبي حنيفة: يجب الترتيب فيها إن كانت خمسًا فما دون، ولا يجب فيما زاد.

ومذهب الشافعي: أنه لا يجب الترتيب بحال، وهو قول أبي ثور وداود، ورواية عن الأوزاعي".

ثم قال: "واستدل بعض من أوجب الترتيب:

بما روى ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن محمد بن يزيد؛ أن عبد الله بن عوف حدثه، عن أبي جمعة حبيب بن سباع - وكان قد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم عام الأحزاب صلى المغرب، فلما فرغ قال:"هل علم أحد منكم أني صليت العصر؟ " فقالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! ما صليتها، فأمر المؤذن فأقام، وصلى العصر، ثم أعاد المغرب".

ثم قال ابن رجب: "وهذا حديث ضعيف الإسناد، وابن لهيعة لا يحتج بما ينفرد به.

قال ابن عبد البر: هذا حديث لا يعرف إلا عن ابن لهيعة، عن مجهولين، لا تقوم به حجة. قلت: أما عبد الله بن عوف، فإنه الكناني، عامل عمر بن عبد العزيز على فلسطين، مشهور، روى عنه الزهري وجماعة.

وأما محمد بن يزيد، فالظاهر أنه ابن أبي زياد الفلسطينى، صاحب حديث الصور الطويل، وقد ضعفوه"، انتهى كلام ابن رجب.

قلت: حديث ابن لهيعة: أخرجه أحمد (4/ 106)، وابن سعد في الطبقات (2/ 73)[وفي سنده تحريف]. وابن عبد الحكم في فتوح مصر (212)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 179/ 587 - السفر الثاني)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 153/ 2137)، والدولابي في الكنى (1/ 53/ 166)، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (2/ 174/ 735)، والطبراني في الكبير (4/ 23/ 3542)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2/ 826/ 2168)، والبيهقي (2/ 220)، والخطيب في المتفق والمفترق (3/ 1438/ 827).

قال ابن عبد البر في التمهيد (6/ 409): "وهذا حديث منكر، يرويه ابن لهيعة عن مجهولين"، زاد في الاستذكار (1/ 89):"لا تقوم بهم حجة".

وسبق نقل تضعيف ابن رجب له، وقال ابن حجر في الفتح (2/ 69):"وفي صحة هذا الحديث نظر؛ لأنه مخالف لما في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم لعمر: "والله ما صليتها"، ويمكن الجمع بينهما بتكلف".

قلت: عبد الله بن عوف الكناني القارئ أبو القاسم: من أهل دمشق، رأى عثمان ومعاوية، وسمع أبا جمعة، وكان عامل عمر بن عبد العزيز على ديوان فلسطين، روى عنه الزهري وجماعة، وذكره ابن حبان في الثقات [التاريخ الكبير (5/ 156)، الجرح والتعديل (5/ 135)، الثقات (5/ 42)، تاريخ دمشق (31/ 322)، تاريخ الإسلام (6/ 117) و (7/ 139)، تعجيل المنفعة (575)، الثقات لابن قطلوبغا (6/ 84)].

ص: 27

والراوي عنه هو: محمد بن يزيد بن أبي زياد الثقفي الفلسطيني، ويقال: الكوفي، نزيل مصر، وهو راوي حديث الصور الطويل؛ كما قال ابن رجب، وهو حديث لا يصح، ومحمد بن يزيد: مجهول [التهذيب (3/ 734)، الميزان (4/ 67)، التقريب (908)، وقال: "مجهول الحال"].

والحاصل: فإنه حديث منكر؛ تفرد به ابن لهيعة، وهو: ضعيف، وشيخ شيخه محمد بن يزيد: مجهول، وهو مخالف لما رواه جابر بن عبد الله، قال: جاء عمر بن الخطاب يوم الخندق بعدما غربت الشمس، فجعل يسبُّ كفار قريش، ويقول: يا رسول الله! ما صليت العصر حتى كادت الشمس أن تغيب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"وأنا والله ما صليتها بعدُ" قال: فنزل إلى بُطحان، فتوضأ وصلى العصر بعد ما غابت الشمس، ثم صلى المغرب بعدها. وهو حديث متفق عليه، تقدم ذكره في أول المسألة، والأصل أنهما واقعة واحدة بدليل اشتراكهما في قضاء العصر مع المغرب حسب، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينس صلاة العصر، بل ابتدأ بها أولًا، ثم أتبعها بصلاة المغرب، على الترتيب المعهود، والله أعلم.

* ومما احتج به بعضهم أيضًا في اشتراط الترتيب:

ما رواه إسماعيل بن إبراهيم أبو إبراهيم الترجماني، قال: حدثنا سعيد بن عبد الرحمن الجمحي، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نسي صلاةً فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام، فإذا فرغ من صلاته فليُعِد الصلا التي نسي، ثم ليُعِد الصلاة التي صلاها مع الإمام".

أخرجه أبو يعلى في المعجم (110)، وفي المسند (3/ 445/824 - مطالب)، والطحاوي (1/ 467)، وابن حبان في المجروحين (1/ 323)، والطبراني في الأوسط (5/ 218/ 5132)، وابن عدي في الكامل (3/ 400)(5/ 528/ 8590 - ط. الرشد)، والدارقطني (1/ 421)، والبيهقي في السنن (2/ 221)، وفي المعرفة (2/ 89/ 985)، والخطيب في تاريخ بغداد (9/ 67)، وابن الجوزي في التحقيق (760)، وفي العلل المتناهية (751).

قال أبو زرعة: "هذا خطأ؛ رواه مالك، عن نافع، عن ابن عمر، موقوف؛ وهو الصحيح. وأخبرت: أن يحيى بن معين انتخب على إسماعيل بن إبراهيم، فلما بلغ هذا الحديث جاوزه، فقيل له: كيف لا تكتب هذا الحديث؟ فقال يحيى: فعل الله بي إن كتبت هذا الحديث"[العلل لابن أبي حاتم (293)].

وقال موسى بن هارون الحمال: "وحدثناه أبو إبراهيم الترجماني: ثنا سعيد به، ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ووهم في رفعه، فإن كان قد رجع عن رفعه فقد وفق للصواب"[سنن الدارقطني (1/ 421)، الجامع لأحكام القرآن (11/ 180)].

وأنكره ابن حبان على سعيد بن عبد الرحمن الجمحي.

ص: 28

وقال الطبراني: "لم يرفع هذا الحديث عن عبيد الله بن عمر إلا سعيد بن عبد الرحمن، تفرد به: الترجماني".

وقال ابن عدي: "وهذا لا أعلم أحدًا رفعه عن عبيد الله غير سعيد بن عبد الرحمن، ويروى عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق واحد، وهو موقوف عن مالك أيضًا، لقَّن البغداديون بهلولًا الأنباري، عن محمد بن عمرو بن حنان، عن عثمان بن سعيد الحمصي، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، فلقنوه: عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو موقوف، حدثناه بهلول به موقوفًا".

وسئل الدارقطني في العلل (13/ 24/ 2913) عن هذا الحديث، فقال: "يرويه عبيد الله بن عمر، واختلف عنه؛ فرواه إبراهيم الترجماني، عن سعيد بن عبد الرحمن الجمحي، عن عبيد الله كذلك مرفوعًا، ووهم في رفعه.

والصحيح: موقوفًا من قول ابن عمر.

كذلك رواه عبيد الله، ومالك، عن نافع، عن ابن عمر، قوله".

وقال البيهقي في السنن: "تفرد أبو إبراهيم الترجماني برواية هذا الحديث مرفوعًا، والصحيح: أنه من قول ابن عمر موقوفًا، وهذا رواه غير أبي إبراهيم، عن سعيد"؛ يعني: موقوفًا.

وقال في المعرفة: "وهذا خطأ من جهته، وقد رواه يحيى بن أيوب عن سعيد بن عبد الرحمن بهذا الإسناد موقوفًا، وهو الصحيح".

وقال عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (1/ 271): "رفعه سعيد بن عبد الرحمن الجمحي، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، وهو وهم، والصحيح: من قول ابن عمر".

وقال النووي في المجموع (3/ 77): "وهذا حديث ضعيف، ضعفه موسى بن هارون الحمال - بالحاء - الحافظ، وقال أبو زرعة الرازي ثم البيهقي: الصحيح أنه موقوف"، وذكره في قسم الضعيف من الخلاصة (753).

قلت: منهم من حمل التبعة في هذا الحديث على سعيد بن عبد الرحمن الجمحي، وهو: ليس به بأس، روى أحاديث لم يتابع عليها، وتكلم ابن حبان والساجي في روايته عن عبيد الله بن عمر وهشام بن عروة وسهيل بن أبي صالح، وروى له مسلم مقرونًا (381)[التهذيب (2/ 30)، الميزان (2/ 148)، تاريخ بغداد (9/ 67)].

وقد أفرط فيه ابن حبان، فقال:"يروي عن عبيد الله بن عمر وغيره من الثقات أشياء موضوعة، يتخايل إلى من سمعها أنه كان المعتمد لها"، ثم ذكر له هذا الحديث، منكرًا به عليه.

• قلت: قد برئ من عهدته سعيد، وإنما الحمل فيه على أبي إبراهيم الترجماني إسماعيل بن إبراهيم بن بسام البغدادي، وهو: ليس به بأس [التهذيب (1/ 138)]:

ص: 29

فقد رواه يحيى بن أيوب [المقابري البغدادي: ثقة]، والليث بن سعد [ثقة ثبت]:

عن سعيد بن عبد الرحمن الجمحي، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: إذا نسي أحدكم صلاته، فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام، فليصل مع الإمام، فإذا فرغ من صلاته فليصل الصلاة التي نسي، ثم ليعد صلاته التي صلى مع الإمام.

أخرجه ابن المنذر في الأوسط (2/ 417 / 1139)(3/ 119/ 1135 - ط. الفلاح)[وفي سنده سقط]. والطحاوي (1/ 467)، والدارقطني (1/ 421)، والبيهقي (2/ 221)، والخطيب في تاريخ بغداد (9/ 67).

• تابع عبيد الله بن عمر على هذا الوجه موقوفًا على ابن عمر:

مالك بن أنس [رأس المتقنين، وكبير المتثبتين]، وعبد الله بن عمر العمري [ليس بالقوي]:

فروياه عن نافع؛ أن عبد الله بن عمر كان يقول: من نسي صلاةً فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام، فإذا سلم الإمام فليصلِّ الصلاة التي نسي، ثم ليصلِّ بعدها الأخرى.

أخرجه مالك في الموطأ (1/ 467/239)، وابن وهب في الجامع (463)، وعبد الرزاق (2/ 5/ 2254)، وابن أبي شيبة (1/ 414/ 4764)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 417/ 1138)، والطحاوي (1/ 467)، وابن عدي في الكامل (3/ 400)، والبيهقي (2/ 222).

وهذا موقوف على ابن عمر بإسناد صحيح.

* وفي مقابل ذلك: فقد روى علي بن حجر [السعدي: ثقة حافظ]: ثنا بقية: ثنا عمر بن أبي عمر، عن مكحول، عن ابن عباس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا نسي أحدكم صلاةً فذكرها وهو في صلاة مكتوبة، فليبدأ بالتي هو فيها، فإذا فرغ صلى التي نسي".

أخرجه ابن عدي في الكامل (5/ 22)، والدارقطني (1/ 421)، والبيهقي (2/ 222).

قال ابن عدي: "وهذه الأحاديث بهذه الأسانيد غير محفوظات، وعمر بن أبي عمر: مجهول، ولا أعلم يروي عنه غير بقية، كما يروي عن سائر المجهولين".

وقال الدارقطني: "عمر بن أبي عمر: مجهول".

وذكره النووي في قسم الضعيف من الخلاصة (753).

قلت: هو حديث منكر؛ مكحول: لم يسمع من ابن عباس، وعمر بن أبي عمر الكلاعي: أحد شيوخ بقية المجاهيل الذين لا يُعرفون إلا من طريقه، وهو: منكر الحديث، قال فيه ابن عدي:"ليس بالمعروف، حدث عنه بقية، منكر الحديث عن الثقات"، وقال البيهقي:"وهو من مشايخ بقية المجهولين، ورواياته منكرة"[التهذيب (3/ 245)، الكامل (5/ 22)، سنن البيهقي (6/ 77)، تاريخ دمشق (45/ 309)].

* وأما ما يجري على ألسنة الناس: لا صلاة لمن عليه صلاة؛ فلا أصل له [قال أحمد: "لا أعرف هذا البتة"، وقال إبراهيم الحربي: "ولا سمعت أنا هذا عن

ص: 30

رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وقال ابن الجوزي: "ما عرفنا له أصلًا"، وقال ابن العربي: "هو باطل"، وقال ابن قدامة: "هذا الحديث لا أصل له"، وكذا قال ابن تيمية، وقال ابن الملقن: "لا يُعرف"، الحاوي للماوردي (2/ 160)، العلل المتناهية (1/ 439)، المغني (1/ 355)، الإمام لابن دقيق العيد (3/ 598)، شرح العمدة (4/ 246)، المنار المنيف (276)، التوضيح (6/ 284)، الفتح لابن رجب (3/ 366)، التلخيص (1/ 272)، وغيرها].

° والحاصل: فإنه لا يصح حديث في اشتراط الترتيب، بل ولا يصح حديث صريح في إيجاب الترتيب، وإنما الصحيح هو مجرد فعله صلى الله عليه وسلم في قضاء الفوائت مرتبةً، الأولى فالأُولى، كما جاء ترتيبها في القرآن، وفي السُّنَّة الصحيحة، مؤيدًا بعموم ما صح عنه صلى الله عليه وسلم من قوله:"صلوا كما رأيتموني أصلي"[وهو حديث صحيح من حديث مالك بن الحويرث، راجع الحديث رقم (589) (6/ 544 - فضل الرحيم)]، وهو وإن كان أصله في صفة صلاته صلى الله عليه وسلم، إلا أن في بعض طرقه في الصحيح تعليم الأوقات [ففي صحيح البخاري (685):"لو رجعتم إلى بلادكم فعلمتموهم، مروهم فليصلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلاة كذا في حين كذا"، وفي رواية أخرى من نفس المخرج (6008):"ارجعوا إلى أهليكم، فعلموهم ومروهم، وصلوا كما رأيتموني أصلي"، وانظر أيضًا:(7246)]، فيدخل في عموم الأمرِ قضاءُ الفوائت مرتبةً كما أمروا بها في أوقاتها، وكما فعل صلى الله عليه وسلم في صلاتها مرتبة في غزوة الخندق، ولأن أحكام الصلاة مبناها على التوقيف، وعلى هذا فإن الأقرب هو القول بوجوب ترتيب الفوائت، لكن ليس مع من أبطل صلاة من خالف الترتيب لأجل إدراك الحاضرة في الجماعة نص صريح صحيح، ولا لمن ذكر فائتة في أثناء حاضرة، ومما يستشهد به في هذا المعنى:

حديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة الا المكتوبة"[تقدم برقم (1266)، وهو حديث صحيح].

وحديث ابن عمر؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصلوا صلاة في يوم مرت"[تقدم برقم (579) (6/ 500 - فضل الرحيم)، وهو حديث صحيح].

ومن جعل الترتيب شرطًا؛ فإنه أسقطه بالنسيان، وخوف فوت الوقتية الحاضرة، وأن تزيد على خمس، ولا يسقط الشرط بمثل ذلك، فتعين القول بالوجوب أو الندب، والقول بالوجوب أقرب إلى معاني الشريعة ومقاصدها، وهو قول الأكثر، والله أعلم [انظر: مسائل عبد الله (199)، مسائل أبي داود (344 و 346)، مسائل ابن هانئ (365)، مسائل الكوسج (123)، مسائل حرب الكرماني (482 و 483)].

قال النووي في المجموع (3/ 77) بعد أن ضعف أدلة الخصوم: "واحتج أصحابنا بأحاديث ضعيفة أيضًا، والمعتمد في المسألة أنها ديون عليه؛ فلا يجب ترتيبها إلا بدليل ظاهر، وليس لهم دليل ظاهر، ولأن من صلاهنَّ بغير ترتيب فقد فعل الصلاة التي أُمر بها، فلا يلزمه وصف زائد بغير دليل ظاهر، والله أعلم"، قلت: تقدم بيان الدليل، والله أعلم.

ص: 31