المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌300 - باب الصلاة قبل المغرب - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ١٤

[ياسر فتحي]

الفصل: ‌300 - باب الصلاة قبل المغرب

‌300 - باب الصلاة قبل المغرب

1281 -

. . . عبد الوارث بن سعيد، عن الحسين المعلم، عن عبد الله بن بُرَيْدَة، عن عبد الله المزني، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلوا قبل المغرب ركعتين"، ثم قال:"صلوا قبل المغرب ركعتين لمن شاء"، خشيةَ أن يتخذَها الناسُ سنةً.

* حديث صحيح

أخرجه البخاري (1183 و 7368)، وابن خزيمة (2/ 267/ 1289)، وابن حبان (4/ 457/ 1588)، وأحمد (5/ 55)، وابن نصر المروزي في قيام الليل (47 و 52 - مختصره)، والروياني (895)، وأبو العباس السراج في مسنده (611 و 1157)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (504)، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (3/ 475/ 2310)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 56/ 1226)، والطحاوي في المشكل (14/ 115/ 5494)، والدارقطني (1/ 265)، والبيهقي في السنن (2/ 474)، وفي المعرفة (2/ 288/ 1338)، والبغوي في شرح السنة (3/ 471/ 894)، وقال:"هذا حديث صحيح". [التحفة (6/ 461/ 9660)، الإتحاف (10/ 558/ 13419)، المسند المصنف (19/ 316/ 8935)].

رواه عن عبد الوارث بن سعيد: عبيد الله بن عمر القواريري [وهذا لفظه]، وأبو معمر عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المنقري المقعد، وعبد الصمد بن عبد الوارث، وعفان بن مسلم، ومحمد بن عبيد بن حساب الغبري [وهم ثقات].

ولفظ أبي معمر [عند البخاري]: "صلوا قبل صلاة المغرب"، قال في الثالثة:"لمن شاء"، كراهيةَ أن يتخذها الناس سنةً.

ولفظه عند الطحاوي: "صلوا قبل صلاة المغرب ركعتين"، ثم قال:"صلوا قبل صلاة المغرب ركعتين"، ثم قال عند الثالثة:"لمن شاء"، كراهة أن يحسبها الناس سنة.

ولفظ أحمد: "صلوا قبل المغرب ركعتين"، ثم قال:"صلوا قبل المغرب ركعتين"، ثم قال عند الثالثة:"لمن شاء"، كراهية أن يتخذها الناس سنة.

* تنبيه: وردت زيادة عند ابن حبان وابن نصر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى قبل المغرب ركعتين، ثم قال:

فذكره، وهي زيادة شاذة، تفرد بها عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث، ولم يتابع عليها، وقد رواه عن عبد الصمد بدونها: أحمد بن حنبل [ثقة حافظ حجة، إمام فقيه]، وهارون بن عبد الله الحمال [ثقة][عند أحمد والسراج]، ثم إنه قد رواه عن عبد الوارث بن سعيد بدون هذه الزيادة أيضًا جماعة من الثقات الحفاظ،

ص: 252

مثل: عبيد الله بن عمر القواريري، وأبي معمر عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج، وعفان بن مسلم، ومحمد بن عبيد بن حساب، والله أعلم.

* وقد روي فعله صلى الله عليه وسلم من وجه آخر لا يثبت من حديث ابن عمر [انظر: جزء نافع بن أبي نعيم لأبي بكر المقرئ (22)].

* والأمر هنا للإباحة بعد الحظر؛ إذ قد ثبت المنع من الصلاة بعد العصر إلى غروب الشمس، فلما أمر بعد ذلك بالصلاة بعد الغروب وقبل صلاة المغرب دل على إباحة ما كان حظر منه الشرع، لا أنه أراد به الإيجاب، وقد دل قوله صلى الله عليه وسلم:"لمن شاء"، على التخيير، لذا فسر الصحابي هذا التخيير الذي أعقب الأمر بقوله: خشيةَ أن يتخذَها الناسُ سنةً [انظر: صحيح ابن خزيمة (2/ 267)، شرح السنة (3/ 471)].

قال ابن نصر في قيام الليل (45 - مختصره): "وقد روي عن جماعة من الصحابة والتابعين أنهم كانوا يصلون قبل المغرب ركعتين، وثبت عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه أذن في ذلك لمن أراد أن يصلي، وفُعل على عهده بحضرته صلى الله عليه وسلم فلم ينه عنه".

وقال إسحاق بن منصور الكوسج في مسائله لأحمد وإسحاق (3444): "قلت لإسحاق: للرجل إذا غربت الشمس أن يزيد على ركعتين إن أبطأ الإمام؟

قال: لا يزيد على ركعتين إذا غربت الشمس قبل أن يصلي المغرب؛ لأن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم حيث سنَّ ذلك فقال: "بين كل أذانين صلاة، لمن شاء" فعل أصحاب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ذلك، ولم يزيدوا على ركعتين بعد الغروب قبل أن يصلوا المغرب، وإذا تركهما تارك فلا حرج عليه؛ لأن ذلك ليس بسنة كالصلاة قبل الظهر وبعده وبعد المغرب وبعد العشاء، إنما هي رخصة، وإن عاب قومٌ ذلك فقد جهلوا أو أخطؤوا؛ لأن الرخصة مباحة من النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وأصحابه رضي الله عنهم بعده في ذلك".

وقال ابن القيم في الزاد (1/ 312): "وهذا هو الصواب في هاتين الركعتين؛ أنهما مستحبتان مندوب إليهما، وليستا بسنة راتبة كسائر السنن الرواتب"[وانظر: شرح النووي على مسلم (6/ 123)، الفتح لابن حجر (3/ 60)].

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ففي هذا الحديث [يعني: حديث "بين كل أذانين صلاة"] أنه يصلي قبل العصر وقبل المغرب وقبل العشاء، وقد صح: أن أصحاب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كانوا يصلون بين أذان المغرب وإقامتها ركعتين، والنبي صلى الله عليه وسلم يراهم فلا ينهاهم، ولم يكن يفعل ذلك، فمثل هذه الصلوات حسنة، ليست سنة، فإن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كره أن تتخذ سنة، ولم يكن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يصلي قبل العصر وقبل المغرب وقبل العشاء، فلا تتخذ سنة، ولا يكره أن يصلى فيها؛ بخلاف ما فعله ورغب فيه فإن ذلك أوكد من هذا"[مجموع الفتاوى (23/ 124)، وانظر أيضًا: (23/ 125 و 126)].

* * *

ص: 253

1282 -

. . . سعيد بن سليمان: حَدَّثَنَا منصور بن أبي الأسود، عن المختار بن فلفل، عن أنس بن مالك، قال: صليتُ الركعتين قبل المغرب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: قلت لأنس: أرآكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، رآنا، فلم يأمرنا ولم ينهنا.

*حديث صحيح

تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1273)، وقد أخرجه مسلم (836) من طريق: محمد بن فضيل، عن مختار بن فلفل، قال: سألت أنس بن مالك عن التطوع بعد العصر، فقال: كان عمر يضرب الأيدي على صلاةٍ بعد العصر، وكنا نصلي على عهد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب، فقلت له: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاهما؟ قال: كان يرانا نصليهما؛ فلم يأمرنا، ولم ينهنا.

* ولحديث أنس هذا طرق أخرى:

أ - روى غندر محمد بن جعفر [وعنه: بندار محمد بن بشار، وأحمد بن حنبل]، ووهب بن جرير، وأبو داود الطيالسي، وعثمان بن عمر بن فارس، وأبو عامر عبد الملك بن عمرو العقدي، وسعيد بن الربيع أبو زيد الهروي [وهم ثقات]:

عن شعبة، قال: سمعت عمرو بن عامر الأنصاري، قال: سمعت أنس بن مالك، قال: إن كان المؤذن إذا أذن قام ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيبتدرون السواري حتى يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم كذلك، يصلون الركعتين قبل المغرب، ولم يكن بين الأذان والإقامة شيء.

وفي رواية: كان لُباب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أن المؤذن بالمغرب ابتدروا السواري يصلون.

قال البخاري: "قال عثمان بن جبلة وأبو داود، عن شعبة: لم يكن بينهما إِلَّا قليل".

وفي رواية غندر [عند أحمد]: ولم يكن بين الأذان والإقامة إِلَّا قريب. ونحوه لعثمان بن عمر [عند السراج].

ولفظ أبي زيد الهروي [عند الدارمي]: كان المؤذن يؤذن لصلاة المغرب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقوم لباب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيبتدرون السواري، حتى يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم كذلك، قال: وقلَّ ما كان يلبث.

أخرجه البخاري (625)، والنسائي في المجتبى (2/ 28/ 682)، وفي الكبرى (2/ 253/ 1658)، والدارمي (1583 - ط. البشائر)، وابن خزيمة (2/ 266/ 1288)، وابن حبان (4/ 459/ 1589) و (6/ 236/ 2489)، وأحمد (3/ 280)، وابن نصر المروزي في قيام الليل (49 - مختصره)، وأبو العباس السراج في مسنده (574 و 614 و 1120

ص: 254

و 1160)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (507)، والطحاوي في المشكل (14/ 119 / 5499)، وابن حزم في المحلى (2/ 255)، والبيهقي (2/ 19)، [التحفة (1/ 513 / 1112)، الإتحاف (2/ 154 / 1449)، المسند المصنف (2/ 53/ 585)].

* رواه عن بندار به هكذا: البخاري، وابن خزيمة، والحسن بن سفيان [عند البيهقيّ][وهم ثقات حفاظ أئمة]، وعمر بن محمد بن بجير الهمداني [عند ابن حبان][ثقة حافظ مصنف، قال: "رحلت إلى محمد بن بشار ثلاث مرار، وسمعت منه ستين ألف حديث أو سبعين ألف". الإرشاد (3/ 978)، الأنساب (1/ 286) و (2/ 370)، تاريخ دمشق (45/ 317)، التقييد (394)، السير (14/ 402)].

* خالفهم: ابن ماجة (1163)، قال: حَدَّثَنَا محمد بن بشار: حَدَّثَنَا محمد بن جعفر: حَدَّثَنَا شعبة، قال: سمعت علي بن زيد بن جدعان، قال: سمعت أنس بن مالك، يقول: إن كان المؤذن ليؤذن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيرى أنها الإقامة من كثرة من يقوم فيصلي الركعتين قبل المغرب. [التحفة (1/ 510/ 1104)، المسند المصنف (2/ 57 / 592)].

قلت: هو محفوظ عن بندار بالوجهين.

فقد رواه أحمد بن حنبل، قال: حَدَّثَنَا محمد بن جعفر: حَدَّثَنَا شعبة، عن علي بن زيد، قال: سمعت أنسًا، يقول: إن كان المؤذن ليؤذن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنرى أنها الإقامة من كثرة من يقوم فيصلي الركعتين قبل المغرب.

أخرجه أحمد (3/ 282)، [الإتحاف (2/ 144/ 1418)، المسند المصنف (2/ 57/ 592)].

• تابع غندرًا على هذا الوجه:

عبد الصمد بن عبد الوارث [ثقة، وهو ثبت في شعبة]، وعبد الرحمن بن زياد الرصاصي [ثقة]، وكثير بن هشام الكلابي [ثقة]، وغيرهم:

عن شعبة، عن علي بن زيد، قال: سمعت أنسًا، يقول:

فذكره.

وفي رواية كثير بن هشام: كانوا إذا سمعوا أذان المغرب قاموا يصلون كأنها فريضة.

أخرجه البزار (14/ 28/ 7434)، والطحاوي في المشكل (14/ 120/ 5500)، والدارقطني (1/ 267)، وابن شاهين في الناسخ (276)، [الإتحاف (2/ 144/ 1418)، المسند المصنف (2/ 57/ 592)].

قلت: علي بن زيد بن جدعان: ضعيف، وحديثه هذا ثابت، تابعه عليه الثقات، وأما الرواية الثانية فهي منكرة، والله أعلم.

ب - ورواه قبيصة بن عقبة، والحسين بن حفص، وعبد الرزاق بن همام [وهم ثقات]:

عن سفيان الثوري، عن عمرو بن عامر، عن أنس بن مالك، قال: لقد رأيت كبار

ص: 255

أصحاب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يبتدرون السواري عند المغرب. وفي رواية عبد الرزاق: ليصلوا ركعتين قبل المغرب.

قال البخاري: "وزاد شعبة، عن عمرو، عن أنس: حتى يخرج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم".

أخرجه البخاري (503)، وعبد الرزاق (2/ 435/ 3986)، والبيهقي (2/ 476)، [التحفة (1/ 513/ 1112)، المسند المصنف (2/ 53/ 585)].

ج - ورواه شيبان بن فروخ [ثقة]، وأبو معمر [عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المنقري المقعد: ثقة ثبت]:

حَدَّثَنَا عبد الوارث بن سعيد، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك، قال: كنا بالمدينة فإذا أذن المؤذن لصلاة المغرب ابتدروا السواري، فيركعون ركعتين ركعتين، حتى إن الرجل الغريب ليدخل المسجد فيحسب أن الصلاة قد صليت من كثرة من يصليهما.

أخرجه مسلم (837)، وأبو عوانة (2/ 8/ 2120)، والبيهقي (2/ 475)، والبغوي في شرح السنة (3/ 472/ 895)، وقال:"هذا حديث صحيح". [التحفة (1/ 496/ 1058)، الإتحاف (2/ 106/ 1317)، المسند المصنف (2/ 55/ 588)].

• تابعه: هشيم بن بشير، وإسماعيل بن إبراهيم ابن علية:

أنا عبد العزيز [بن صهيب] البناني، قال: سمعت أنس بن مالك، قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أذن المؤذن بالمغرب ابتدروا السواري، يصلون ركعتين قبل المغرب، فيجيء الجائي فيظن أنهم قد صلوا المكتوبة؛ لكثرة من يرى من يصليها. لفظ هشيم، ولفظ ابن علية بنحو لفظ عبد الوارث.

أخرجه أبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 428/ 1886)، والدارقطني (1/ 267 و 278)، ومن طريقه: الخطيب في الموضح (2/ 260)، [الإتحاف (2/ 106/ 1317)].

وهذا حديث صحيح.

د - ورواه حجاج بن منهال [ثقة]، وروح بن عبادة [ثقة]:

عن حماد بن سلمة: حَدَّثَنَا ثابت البناني، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أن المؤذن ابتدروا السواري ليصلوا بما خلفها ركعتين قبل المغرب.

أخرجه البزار (13/ 271/ 6819)، والطحاوي في المشكل (14/ 120/ 5501).

وهذا حديث صحيح، إسناده على شرط مسلم.

• تابعه: عبد الملك بن شداد الحديدي [روى عنه جماعة من الثقات، وقال العجلي: [ثقة]. التاريخ الكبير (5/ 419)، الجرح والتعديل (5/ 353)، معرفة الثقات (1135)، تاريخ الإسلام (9/ 508)، الثقات لابن قطلوبغا (6/ 449)]: نا ثابت البناني، عن أنس، قال: إن كان الغريب ليدخل مسجد المدينة وقد نودي بالمغرب، فيرى أن الناس قد صلوا من كثرة من يصلي ركعتين قبل المغرب.

ص: 256

أخرجه الدارقطني (1/ 267)، [الإتحاف (1/ 546/ 689)].

هـ - ورواه يزيد بن هارون، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، وهشيم بن بشير [وهم ثقات]:

عن حميد، عن أنس؛ أن ثابتًا سأل أنسًا عن الركعتين قبل المغرب، فقال: أليس كان المؤذن يؤذن فيبادر ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصلون الركعتين قبل المغرب، فلا يعاب ذلك عليهم. لفظ يزيد.

أخرجه أبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 428/ 1886)، وابن أبي شيبة (2/ 136/ 7379)، وأبو العباس السراج في مسنده (615 و 1161)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (558)، [المسند المصنف (2/ 55/ 587)].

وهذا حديث صحيح، إسناده على شرط الشيخين.

• وروي من وجوه أخرى عن ثابت، لكنها غرائب، أو في إسنادها من يُترَك: أخرجها الطيالسي (3/ 510/ 2133)، وعبد بن حميد (1333)، والبزار (14/ 28/ 7435 و 7436)، وابن الأعرابي في المعجم (3/ 885/ 1846)، وأبو نعيم في الحلية (2/ 331)، [المسند المصنف (2/ 57/ 591)].

و - ورواه حجاج بن منهال [ثقة]: حَدَّثَنَا حفص بن غياث [ثقة]، عن مصعب بن سليم، قال: رأيت أنس بن مالك يصلي ركعتين إذا وجبت الشمس قبل المغرب، قلت له: أصلاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا، قلت: فأمركم بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: لا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان يرى من يصليهما فلا ينهاه.

أخرجه الطحاوي في المشكل (14/ 118/ 5497).

وهذا حديث صحيح، ومصعب بن سليم الأسدي: صدوق، وثقه النسائي.

ز - ورواه غندر محمد بن جعفر، وأبو داود الطيالسي، وعثمان بن عمر بن فارس: حَدَّثَنَا شعبة: أنباني يعلى بن عطاء، قال: سمعت أبا فزارة، يحدث عن أنس، قال: كنا نصلي الركعتين قبل المغرب على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي رواية غندر [عند ابن أبي شيبة]: سألت أنسًا عن الركعتين قبل المغرب؟ فقال: كنا نبتدرهما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أخرجه الطيالسي (3/ 603/ 2258)، وابن أبي شيبة (2/ 136/ 7380)، وأحمد (3/ 129)، وبحشل في تاريخ واسط (61)، والطحاوي في المشكل (14/ 119 / 5498)، [الإتحاف (2/ 405/ 1994)، المسند المصنف (2/ 54/ 586)].

تنبيه: رواه أحمد في المسند، قال: حَدَّثَنَا محمد بن جعفر: حَدَّثَنَا شعبة، عن يعلى بن عطاء، عن أبي فزارة، قال: سألت أنسًا عن الركعتين قبل المغرب؟ قال: كنا نبتدرهما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال شعبة: ثم قال بعدُ: وسألته غير مرة، فقال: كنا نبتدرهما، ولم يقل: على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص: 257

قلت: لا يقدح ذلك في رفع الحديث، فمن حفظ ولم يشك أولى ممن رواه مرة مرفوعًا، ومرة مع وقوع التردد من الراوي، ثم إن السائل في العادة لا يسأل أنسًا عن حال الصحابة بعد عهد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وإنما جرت العادة بالسؤال عما يفيد حكمًا شرعيًا، وهو إقرار النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لهم على صلاة هاتين الركعتين، وإلا لما كان للسؤال معنى، ومن ثم فإن اختصار الراوي لهذه الجملة لا يؤثر في ثبوتها، لاسيما مع مجيئها عن أنس من طرق صحيحة متعددة، تقدم ذكرها، والله أعلم.

قال بحشل: "ليس هذا أبو فزارة الكوفي، ذاك راشد بن كيسان".

قلت: ويؤيده ذكر مسلم له في الوحدان (656)، وفرق بينهما أبو حاتم، فقال في صاحب الترجمة:"أبو فزارة: سمع أنس بن مالك، روى عنه يعلى بن عطاء"، وترجم لراشد بن كيسان في الأسماء بترجمة ضافية [الجرح والتعديل (3/ 485) و (9/ 423)].

وعلى هذا فالأقرب عندي أنه مجهول، لكن حديثه هذا صحيح؛ فقد رواه عن أنس جماعة من أصحابه بمثل رواية أبي فزارة، والله أعلم.

• وقد روي هذا الحديث من وجوه أخرى عن أنس في إسنادها مقال، أو في متنه غرابة وشذوذ لا يحتمل من راويه، مثل رواية: كان إذا قام المؤذن فأذن صلاة المغرب، في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قام من شاء فصلى ركعتين حتى تقام الصلاة، ومن شاء ركع ركعتين ثم قعد، وذلك بعيني النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم[ولا يحتمل التفرد بهذه الزيادة على ركعتين قبل صلاة المغرب، حيث تفرد بها المعلى بن جابر؛ فإنه ليس بذاك الذي تقبل زيادته، روى عنه جماعة من الثقات، وذكره ابن حبان في الثقات، وقد سقط من المطبوعة، وهو مقلٌّ. العلل ومعرفة الرجال (1/ 470)، الجرح والتعديل (8/ 332)، التعجيل (2/ 275/ 1055)، وحديثه هذا شاذ، بل منكر، قال إسحاق بن راهويه: "لا يزيد على ركعتين إذا غربت الشمس قبل أن يصلي المغرب؛ لأن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم حيث سنَّ ذلك فقال: "بين كل أذانين صلاة، لمن شاء" فعل أصحاب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ذلك، ولم يزيدوا على ركعتين بعد الغروب قبل أن يصلوا المغرب". مسائل إسحاق الكوسج (3444)][أخرج هذه الطرق: عبد الرزاق (2/ 434/ 3980) و (2/ 435/ 3983)، وأحمد (3/ 199)، وابن شاهين في الناسخ (277)، [الإتحاف (2/ 349/ 1860)، المسند المصنف (2/ 56/ 590) و (2/ 57/ 591)].

* ومن شواهد حديث أنس:

1 -

حديث عقبة بن عامر:

رواه سعيد بن أبي أيوب [ثقة ثبت]، وعمرو بن الحارث [ثقة ثبت]، ورشدين بن سعد [ضعيف]:

حَدَّثَنِي يزيد بن أبي حبيب، قال: سمعت أبا الخير [مرثد بن عبد الله اليزني]، يقول: رأيت أبا تميم الجيشاني عبد الله بن مالك يركع ركعتين حين يسمع أذان المغرب، فأتيت عقبة بن عامر الجهني، فقلت: ألا أعجبك من أبي تميم يركع ركعتين قبل المغرب، فقال

ص: 258

عقبة: أما إنا كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: فما يمنعك الآن؟ قال: الشغل. لفظ سعيد بن أبي أيوب.

أخرجه البخاري (1184)، والنسائي في المجتبى (1/ 282/ 582)، وفي الكبرى (1/ 225/ 373)، وأحمد (4/ 155)، والطبراني في الكبير (17/ 287/ 792 و 793)، وفي الأوسط (9/ 133 - 134/ 9336)، والدارقطني (1/ 268)، وابن حزم في المحلى (2/ 255)، والبيهقي (2/ 475)، [التحفة (6/ 627/ 9961)، الإتحاف (11/ 181/ 13856)، المسند المصنف (20/ 395/ 9321)].

2 -

حديث عبد الرحمن بن عوف:

رواه أبو عبد الرحمن المقرئ [عبد الله بن يزيد: ثقة]: ثنا سعيد - يعني: ابن أبي أيوب -[ثقة ثبت]: حَدَّثَنِي أبو مرحوم، عن محمد بن يوسف الدمشقي، عن قبيصة بن ذؤيب، عن عبد الرحمن بن عوف، قال: كنا نركعهما إذا قمنا بين الأذان والإقامة من المغرب.

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 263)، والبيهقي (2/ 475)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (56/ 340).

وهذا حديث ضعيف؛ محمد بن يوسف الدمشقي: مجهول، لا يُعرف بغير هذا الإسناد، ولا بغير هذا الحديث [التاريخ الكبير (1/ 263)، الجرح والتعديل (8/ 119)، الثقات (7/ 434)، تاريخ دمشق (56/ 340)]، وأبو مرحوم عبد الرحيم بن ميمون: ليس بالقوي [التهذيب (2/ 571)، راجع ترجمته عند الحديث رقم (1110)].

* خالفه: الوليد بن مسلم [ثقة ثبت]: ثنا ابن لهيعة [ضعيف]، عن أبي مرحوم، عن محمد بن يوسف، عن قبيصة بن ذؤيب، أنه سأل عبد الرحمن بن عوف عن السبحة عند أذان المغرب؟ فقال: كنا إذا صمنا صليناها.

أخرجه الطَّبراني في مسند الشاميين (3/ 224/ 2130).

وهذا حديث منكر.

* وفي الباب أيضًا مما لا يخلو من مقال: عن أبي أمامة، وعن أبي أيوب، وعن معاوية بن حيدة، وغيرهم [أخرجه ابن شاهين في الناسخ (279)، والبيهقي (2/ 476)][وانظر الطريق (22) من طرق حديث عمر في ضربه الناس على الركعتين بعد العصر تحت الحديث رقم (1273)].

* قال ابن حزم في المحلى (2/ 256): "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُقِرُّ إِلَّا على الحق الحسن، ولا يرى مكروهًا إِلَّا كرهه، ولا خطأً إِلَّا نهى عنه، قال الله تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44]، وقال بهذا جمهور الناس".

* * *

ص: 259

1283 -

. . . ابن علية، عن الجريري، عن عبد الله بن بُرَيْدَة، عن عبد الله بن مغفل، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بين كل أذانينِ صلاةٌ، بين كل أذانينِ صلاةٌ، لمن شاء".

* حديث متفق على صحته

أخرجه ابن حبان (4/ 427/ 1560)، وأبو عوانة (1/ 373/ 1352)، وأبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (1/ 454 / 169)، وابن حزم في المحلى (2/ 251) و (3/ 123)، [التحفة (6/ 460/ 9658)، الإتحاف (10/ 558/ 13419) و (10/ 559/ 13420)، المسند المصنف (19/ 314/ 8934)].

رواه عن ابن علية [وهو: ثقة ثبت، ممن سمع من الجريري قبل اختلاطه]: عبد الله بن محمد أبو جعفر النفيلي [ثقة حافظ]، وأيوب بن محمد الوزان [ثقة]، والمؤمل بن هشام اليشكري البصري [ثقة، مكثر عن ابن علية، وهو ختنه].

* تابع ابن علية عليه عن الجريري:

خالد بن عبد الله الواسطي الطحان، ويزيد بن زريع، وبشر بن المفضل، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى، وأبو أسامة حماد بن أسامة، ويزيد بن هارون، وسالم بن نوح العطار [وهم ثقات، وأكثرهم ممن سمع من الجريري قبل اختلاطه، ويزيد بن هارون: ممن سمع منه بعد الاختلاط]:

فرووه عن سعيد بن إياس الجريري، عن [عبد الله] بن بُرَيْدَة، عن عبد الله بن مغفل المزني؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"بين كل أذانين صلاة"، ثلاثًا "لمن شاء". لفظ الطحان.

وبمثله لفظ عبد الأعلى [عند مسلم]؛ إِلَّا أنه قال: في الرابعة: "لمن شاء"، وهو وهم أشار إليه مسلم [وانظر: بيان الوهم (4/ 344/ 1930)].

ولفظ يزيد بن هارون [عند أحمد والسراج]: "عند كل أذانين صلاة، عند كل أذانين صلاة، عند كل أذانين صلاة، لمن شاء، ورواه عنه الدارمي به لكن قال: بين، بدل: عند، وكذا وقع عند أبي عوانة والبيهقي بلفظ: "بين كل أذانين صلاة"، وهو الصواب، ويزيد بن هارون ممن سمع من الجريري بعد الاختلاط.

أخرجه البخاري (624)، ومسلم (838)، وأبو عوانة (1/ 373/ 1351) و (2/ 8/ 2117)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 429/ 1888)، وابن خزيمة (2/ 266 / 1287)، والدارمي (1582 - ط. البشائر)، وأحمد (5/ 57)(9/ 4757/ 20905 - ط. المكنز)، وابن أبي شيبة (2/ 136/ 7384)، وابن نصر المروزي في قيام الليل (46 - مختصره)، والروياني (875)، وأبو العباس السراج في مسنده (1546)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (2342)، والطحاوي في المشكل (14/ 113 / 5493)، وابن قانع في المعجم

ص: 260

(2/ 123)، والدارقطني (1/ 266)، والبيهقي في السنن (2/ 19 و 474)، وفي المعرفة (2/ 287/ 1337)، [التحفة (6/ 460/ 9658)، الإتحاف (10/ 558/ 13419) و (10/ 559/ 13420)، المسند المصنف (19/ 314/ 8934)].

• وانظر فيمن رواه عن الجريري بعد اختلاطه: ما أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (3/ 457)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 99)، [وانظر: بيان الوهم (4/ 345/ 1932)].

* وروي من وجه آخر:

رواه أبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرئ، وأبو أسامة حماد بن أسامة، ووكيع بن الجراح، ويحيى بن سعيد القطان، والنضر بن شميل، وخالد بن الحارث، ويزيد بن زريع، ومحمد بن جعفر، ويزيد بن هارون، وعبد الله بن المبارك، وسليم بن أخضر، والمعتمر بن سليمان، وروح بن عبادة، وعثمان بن عمر بن فارس [وهم ثقات، أكثرهم حفاظ]، وعون بن كهمس [صدوق]:

عن كهمس بن الحسن، عن [وفي رواية: حَدَّثَنَا، عبد الله بن بُرَيْدَة، عن عبد اللّه بن مغفل [المزني]، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة"، [قالها ثلاثًا] ثم قال في الثالثة:"لمن شاء".

زاد بعضهم في آخره: فكان ابن بُرَيْدَة يصلي قبل المغرب ركعتين.

أخرجه البخاري (627)، ومسلم (838)، وأبو عوانة (1/ 373/ 1351 و 1353) و (2/ 8/ 2116 و 2117)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 429/ 1887)، والترمذي (185)، وقال:"حديث حسن صحيح". والنسائي في المجتبى (2/ 28/ 681)، وفي الكبرى (1/ 225 - 226/ 374) و (2/ 253/ 1657)، وابن ماجة (1162)، وابن خزيمة (2/ 266 / 1287)، وابن حبان (4/ 426/ 1559) و (4/ 428/ 1561) و (13/ 121/ 5804)، وأحمد (4/ 86) و (5/ 54 و 56 و 57)، وابن أبي شيبة (2/ 136/ 7383)، وأبو العباس السراج في مسنده (1545 و 1546)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (2341 و 2342)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 56/ 1225)، والطحاوي في المشكل (14/ 113/ 5493)، والدارقطني (1/ 266)، والبيهقي (2/ 474)، والبغوي في شرح السنة (2/ 293/ 430)، وقال:"هذا حديث متفق على صحته". [التحفة (6/ 460 / 9658)، الإتحاف (10/ 558/ 13419) و (10/ 559 / 13420)، المسند المصنف (19/ 314/ 8934)].

هكذا رواه كهمس بن الحسن، وسعيد بن إياس الجريري، وحسين بن ذكوان المعلم [وهم ثقات]:

عن عبد الله بن بُرَيْدَة، عن عبد الله بن مغفل، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:

فذكروه، مع اختلاف بينهم في المتن.

* خالفهم:

حيان بن عبيد الله العدوي [وعنه: عبد الواحد بن غياث، وعبد الغفار بن داود

ص: 261

الحراني، وعبد الله بن صالح، وهم ثقات في الجملة]، قال: كنا جلوسًا عند عبد الله بن بُرَيْدَة فأذن مؤذن صلاة الظهر، فلما سمع الأذان قال: قوموا فصلوا ركعتين قبل الإقامة؛ فإن أبي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عند كل أذانين ركعتان قبل الإقامة؛ ما خلا أذان المغرب".

قال ابن بُرَيْدَة: لقد أدركت عبد الله بن عمر يصلي تينك الركعتين عند المغرب لا يدعهما على حال، قال: فقمنا فصلينا الركعتين قبل الإقامة، ثم انتظرنا حتى خرج الإمام فصلينا معه المكتوبة.

أخرجه البزار (10/ 303/ 4422)(693 - كشف)، والطحاوي في المشكل (14/ 116/ 5495)، والطبراني في الأوسط (8/ 179/ 8328)، والدارقطني (1/ 264 و 265)، وابن شاهين في الناسخ (280)، وابن حزم في المحلى (2/ 252)، والبيهقي (2/ 474)، [الإتحاف (2/ 563/ 2264)].

وأخطا ابن الجوزي بإخراجه في الموضوعات (2/ 92).

قال أبو بكر الأثرم في الناسخ (171): "فهذه الأحاديث مختلفة، وتلك الأحاديث الأولى أثبت وأكثر"؛ يعني: حديث عبد الله بن مغفل بطرقه، وحديث عقبة بن عامر، وحديث أنس، كل هذه في جهة، ويعارضها حديث بُرَيْدَة هذا، ثم قال:"فأما هذا الآخر فليس بشيء؛ قد رواه عن ابن بُرَيْدَة ثلاثة ثقات: الجريري وكهمس وحسين المعلم، على خلاف ما رواه هذا الشيخ الذي لا يعرف، في الإسناد والكلام جميعًا".

وقال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم أحدًا يرويه إِلَّا بُرَيْدَة، ولا نعلم أحدًا رواه عن عبد الله بن بُرَيْدَة إِلَّا حيان بن عبيد الله، وحيان: رجل من أهل البصرة مشهور، ليس به بأس".

وقال الطَّبراني: "لم يرو هذا الحديث عن حيان إِلَّا عبد الواحد"، قلت: قد توبع عليه كما ترى.

قال ابن خزيمة على إثر هذا الحديث: "حيان بن عبيد الله هذا قد أخطأ في الإسناد؛ لأن كهمس بن الحسن، وسعيد بن إياس الجريري، وعبد المؤمن العتكي، رووا الخبر عن ابن بُرَيْدَة، عن عبد الله بن مغفل؛ لا عن أبيه، هذا - علمي - من الجنس الذي كان الشافعي رحمه الله يقول: أخذ طريق المجرة، فهذا الشيخ لما رأى أخبار ابن بُرَيْدَة عن أبيه، توهم أن هذا الخبر هو أيضًا عن أبيه، ولعله لما رأى العامة لا تصلي قبل المغرب؛ توهم أنه لا يصلى قبل المغرب، فزاد هذه الكلمة في الخبر، وزاد علمًا بأن هذه الرواية خطأ أن ابن المبارك قال في حديثه عن كهمس: فكان ابن بُرَيْدَة يصلي قبل المغرب ركعتين، فلو كان ابن بُرَيْدَة قد سمع من أبيه عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هذا الاستثناء الذي زاد حيان بن عبيد الله في الخبر: ما خلا صلاة المغرب؛ لم يكن يخالف خبر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم"[سنن البيهقيّ (2/ 474)].

وقال الطحاوي: "وجدنا حيان بن عبيد الله أبا زهير - وهو رجل محمود في روايته -

ص: 262

قد روى هذا الحديث عن ابن بريدة، فخالف كهمسًا والجريري والحسين المعلم فيما رووه عليه عنه"، ثم قال: "فخالف حيانٌ: كهمسًا والجريري والحسين في إسناد هذا الحديث، فذكره بما يعود به إلى بريدة، وخالفهم في متنه على ما قد ذكرناه من خلافه إياهم فيهما"، ثم رجح حديث حيان هذا الفرد على ما فيه من ضعف وسلوكه فيه للجادة والطريق السهل، على رواية جماعة الثقات.

وقال ابن عدي في الكامل (2/ 426): "ولحيان غير ما ذكرت من الحديث، وليس بالكثير، وعامة ما يرويه إفرادات ينفرد بها".

وقال الدارقطني: "خالفه حسين المعلم، وسعيد الجريري، وكهمس بن الحسن، وكلهم ثقات، وحيان بن عبيد الله: ليس بقوي، والله أعلم"، ثم قال بعد حديث حسين المعلم:"هذا أصح من الذي قبله، والله أعلم".

وقال ابن حزم: "هذه اللفظة انفرد بها حيان بن عبيد الله، وهو مجهول، والصحيح هو ما رواه الجريري عن عبد الله بن بريدة".

وقال البيهقيّ في السنن: "ورواه حيان بن عبيد الله عن عبد الله بن بريدة، وأخطأ في إسناده، وأتى بزيادة لم يتابع عليها، وفي رواية حسين المعلم ما يبطلها ويشهد بخطئه فيها".

وقال في المعرفة: "ورواه حيان بن عبيد الله عن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وزاد فيه: ما خلا المغرب، وهذا منه خطأ في الإسناد والمتن جميعًا، وكيف يكون ذلك صحيحًا؟! وفي رواية عبد الله بن المبارك عن كهمس في هذا الحديث قال: فكان ابن بريدة يصلي قبل المغرب ركعتين، وفي رواية حسين المعلم عن عبد الله بن بريدة عن عبد الله المزني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلوا قبل المغرب ركعتين، صلوا قبل المغرب ركعتين، صلوا قبل المغرب ركعتين لمن شاء"، خشية أن يتخذها الناس سنة".

وقال ابن حجر في الفتح (2/ 108): "وأما رواية حيان فشاذة؛ لأنه وإن كان صدوقًا عند البزار وغيره؛ لكنه خالف الحفاظ من أصحاب عبد الله بن بريدة في إسناد الحديث ومتنه، وقد وقع في بعض طرقه عند الإسماعيلي: وكان بريدة يصلي ركعتين قبل صلاة المغرب، فلو كان الاستثناء محفوظًا لم يخالف بريدة روايته".

قلت: هو حديث منكر؛ آفته حيان بن عبيد الله بن حيان أبو زهير البصري، قال ابن راهويه أو روح بن عبادة، والأقرب عندي أنه قول ابن راهويه:"كان رجل صدق"، وفي رواية:"كان ثقة"، وقال أبو حاتم:"صدوق"، وقال البزار:"مشهور، ليس به بأس"، وقال الطحاوي:"رجل محمود في روايته"، وذكره ابن حبان في الثقات، وصحح له الحاكم.

لكن ذكر الصلت منه الاختلاط، وقال الأثرم:"لا يُعرف"، وذكر له العقيلي حديثًا تفرد به عن عطاء بن أبي رباح، ثم قال:"لا يتابع عليه"، وقال ابن عدي:"عامة ما يرويه إفرادات ينفرد بها"، وقال الدارقطني في السنن:"ليس بقوي"، وفي كتاب ابن زريق:

ص: 263

"ضعيف"، وقال ابن حزم:"مجهول"، وقال البيهقيّ:"تكلموا فيه"، وليس هو الذي قال فيه عمرو بن علي الفلاس:"كان كذابًا"، فقد فرق بينهما الأئمة.

والحاصل: أنه قد وقع منه في حديثه ما يدل على قلة ضبطه، وعدم توقيه مخالفة الثقات، وتفرده عن الثقات بما لا يتابع عليه، وهذا جرح مفسر، وهو مقدم على التعديل المجمل، لذا قال الذهبي في التاريخ:"وله مناكير وغرائب، وما رأيت أحدًا وهاه"، وقال مرة:"ليس بحجة"، وقال في الديوان:"جائز الحديث"[التاريخ الكبير (3/ 58 و 87)، السنة لابن نصر المروزي (177)، ضعفاء العقيلي (1/ 319)، الجرح والتعديل (3/ 246)، الثقات (6/ 230)، الكامل (2/ 426)، المحلى (2/ 253) و (8/ 479) و (8/ 483)، سنن البيهقيّ (5/ 286)، ضعفاء ابن الجوزي (1045)، من تكلم فيه الدارقطني في السنن لابن زريق (92)، تاريخ الإسلام (4/ 347 - ط. الغرب). المغني (1/ 198)، الديوان (1194)، اللسان (3/ 309)، الثقات لابن قطلوبغا (4/ 79)].

وقد خطَّأه في هذا الحديث بعينه: الأثرم، وابن خزيمة، والدارقطني، وابن حزم، والبيهقي، وابن حجر.

* ووجه إعلال الحديث:

• مخالفة حيان لثلاثة من الثقات المشاهير في إسناد الحديث ومتنه، وقول الجماعة أبعد عن الوهم من الواحد.

• سلوكه للجادة والطريق السهل؛ فإن عبد الله بن بريدة عن أبيه طريق مسلوكة، بخلاف عبد الله بن بريدة عن عبد الله بن مغفل؛ فإنها تحتاج إلى حافظ لندرتها.

• انفراد حيان بهذا الإسناد وبهذا المتن جميعًا عن عبد الله بن بريدة، ولم يتابع عليه متابعة معتبرة، مع كون حيان معروفًا بأنه لا يتابع على أكثر ما يروى من الأحاديث.

• أن ابن المبارك قال في حديثه عن كهمس: فكان ابن بريدة يصلي قبل المغرب ركعتين، فلو كان هذا الاستثناء: ما خلا صلاة المغرب؛ ثابتًا لم يخالفه ابن بريدة.

• وقع في رواية حسين المعلم ما يبطل هذه الزيادة ويشهد بخطأ حيان فيها، حيث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلوا قبل المغرب ركعتين، صلوا قبل المغرب ركعتين، صلوا قبل المغرب ركعتين لمن شاء"، خشية أن يتخذها الناس سنة، وهذا الحديث الصحيح المرفوع لا يحتمل التأويل بنسخ ولا غيره في إباحة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم صلاة الركعتين قبل المغرب، وحسين بن ذكوان المعلم أثبت من مائة من مثل حيان، وأوسع منه رواية، وأكثر منه حديثًا، وقد توارد الأئمة على توثيقه.

• اتفق الشيخان على إخراج حديث كهمس والجريري، عن عبد الله بن بريدة، عن عبد اللّه بن مغفل المزني، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة"، [قالها ثلاثًا] ثم قال في الثالثة:"لمن شاء".

وانفرد البخاري بإخراج حديث الحسين المعلم، عن عبد الله بن بريدة، عن عبد اللّه

ص: 264

المزني، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلوا قبل صلاة المغرب"، قال في الثالثة:"لمن شاء"، كراهيةَ أن يتخذها الناس سنةً.

وأعرض الشيخان عن حديث حيان في الاستثناء، وفي هذا إشارة جلية إلى ضعفه ونكارته، والله أعلم.

* وانظر أيضًا فيمن وهم في إسناده فسلك فيه الجادة، وجعله من مسند بريدة بن الحصيب: ما أخرجه أبو إسحاق إبراهيم بن محمد المزكي في الأول من فوائده "المزكيات" بانتقاء الدارقطني (45)، والدارقطني في السنن (1/ 266)، وفي الأفراد (1/ 285/ 1496 و 1497 - أطرافه)، والخطيب في الموضح (2/ 326) [قال الدارقطني:"والمحفوظ: عن ابن بريدة عن عبد الله بن مغفل"].

*ومن شواهده:

حديث عبد الله بن الزُّبَير:

رواه عثمان بن سعيد [ابن كثير بن دينار الحمصي: ثقة][وعنه: ابنه عمرو، وعباس بن عبد الله الترقفي، وهما ثقتان، وأبو عتبة أحمد بن الفرج: ضعفه أهل بلده؛ محمد بن عوف، وابن جوصاء، وغيرهما، وخفي أمره على الغرباء؛ فحسنوا الرأي فيه، وأهل بلد الرجل أعلم بحاله من غيرهم. انظر: اللسان (1/ 575) وغيره]:

عن محمد بن مهاجر [الأنصاري الشامي: ثقة]، عن سليم بن عامر أبي عامر الخبايري، عن عبد الله بن الزُّبَير؛ أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال:"ما من صلاة مكتوبة إِلَّا بين يديها ركعتان". وفي رواية: "ما من صلاة مفروضة".

أخرجه الدارقطني (1/ 267)(1/ 501 - 502/ 1046 - ط. الرسالة). [الإتحاف (6/ 598/ 7038)، المسند المصنف (11/ 188/ 5285)].

هكذا وقع في سنن الدارقطني بإسقاط ثابت بن عجلان من الإسناد، وسياق ابن حجر في الإتحاف يقتضي إثباته.

• ثم وجدته من طريق عمرو بن عثمان: ثنا أبي: ثنا محمد بن مهاجر، عن ثابت بن عجلان، عن سليم بن عامر، عن عبد الله بن الزُّبَير؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ما من صلاة مكتوبة إِلَّا وبين يديها ركعتان".

أخرجه الطَّبراني في مسند الشاميين (3/ 283/ 2266)، هكذا بإثبات ثابت بن عجلان في إسناد عمرو بن عثمان عن أبيه.

• ووجدته أيضًا في جزء عباس الترقفي (5)، قال: ثنا عثمان بن سعيد الحمصي: ثنا محمد بن مهاجر، عن ثابت بن عجلان، عن سليم بن عامر، عن عبد الله بن الزُّبَير، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من صلاة مفروضة إِلَّا وبين يديها ركعتان".

هكذا بإثبات ثابت بن عجلان في إسناد عباس الترقفي عن عثمان بن سعيد؛ فلعل الدارقطني حمل إسناد الحديث على رواية أبي عتبة أحمد بن الفرج، ولم يكن فيها ذكر

ص: 265

ثابت بن عجلان، أو سقط ذكره من النساخ، وهو محفوظ في الأسانيد المروية عن عثمان بن سعيد الحمصي، والله أعلم.

• فقد رواه أيضًا محمد بن عمرو بن الجراح الغَزِّي [لا بأس به. الجرح والتعديل (8/ 33)، الثقات (9/ 92)، الإكمال (7/ 112)، الأنساب (4/ 293)، السير (11/ 464)]، قال: حَدَّثَنَا عثمان بن سعيد القرشي، قال: حَدَّثَنَا محمد بن مهاجر، عن ثابت بن عجلان، عن سليم بن عامر، عن عبد الله بن الزُّبَير، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من صلاة مفروضة إلا وبين يديها ركعتان".

أخرجه ابن حبان (6/ 208/ 2455) و (6/ 235/ 2488)، [الإتحاف (6/ 598/ 7038)، المسند المصنف (11/ 188 / 5285)].

* ورواه سويد بن عبد العزيز [دمشقي، ضعيف. انظر: التهذيب (2/ 134)، الميزان (2/ 252)، إكمال مغلطاي (6/ 166)]: عن ثابت بن عجلان: حَدَّثَنِي سليم بن عامر، قال: سمعت عبد الله بن الزُّبَير رضي الله عنه يقول: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "ما من صلاة مفروضة إلا وبين يديها ركعتان".

أخرجه ابن نصر المروزي في قيام الليل (48 - مختصره)، والروياني (1337)، والطبراني في الكبير (14/ 261/ 14899)، وفي مسند الشاميين (3/ 282/ 2265)، وابن عدي في الكامل (2/ 97).

* والحاصل: فإن هذا الحديث قد رواه:

محمد بن مهاجر الأنصاري الشامي [ثقة]، وسويد بن عبد العزيز [ضعيف]:

عن ثابت بن عجلان [حمصي، صدوق]، عن سليم بن عامر أبي عامر الخبائري [حمصي، ثقة، من الثالثة]، عن عبد الله بن الزُّبَير رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:

فذكره.

ولم أقف على سماع سليم بن عامر من ابن الزُّبَير؛ إِلَّا من رواية سويد بن عبد العزيز، وهو محتمل لإدراك سليم زمن ابن الزُّبَير، وله ذكر في التواريخ أيام ابن الزُّبَير، وقد أثبت له السماع من ابن الزُّبَير: ابن عساكر في تاريخه (72/ 261).

وعليه: فهو حديث شامي جيد، والله أعلم.

* * *

1284 -

قال أبو داود: حَدَّثَنَا ابن بشار: حَدَّثَنَا محمد بن جعفر: حَدَّثَنَا شعبة، عن أبي شعيب، عن طاووس، قال: سئل ابن عمر عن الركعتين قبل المغرب، فقال: ما رأيتُ أحدًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما، ورخص في الركعتين بعد العصر.

ص: 266

قال أبو داود: سمعت يحيى بن معين يقول: هو شعيب - يعني: وهم شعبة في اسمه -.

* حديث شاذ

أخرجه من طريق أبي داود: البيهقيّ (2/ 476)، [التحفة (5/ 214/ 7104)، المسند المصنف (14/ 353/ 6970)].

* ورواه يحيى بن معين [ثقة حافظ، حجة إمام]، وأحمد بن عبد الله بن الحكم [ثقة]: عن غندر [محمد بن جعفر]، قال: حَدَّثَنَا شعبة، عن أبي شعيب صاحب الطيالسة، عن طاووس، قال: سئل ابن عمر عن الركعتين قبل المغرب؟ فقال: ما رأيت أحدًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاهما. لفظ ابن معين.

ولفظ ابن الحكم: ما أدركت أحدًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما.

أخرجه النسائي في الرابع من الإغراب (195)، والدولابي في الكنى (2/ 641/ 1142).

* ورواه أبو داود سليمان بن داود الطيالسي [ثقة حافظ، من أصحاب شعبة المكثرين عنه]، عن شعبة، عن أبي شعيب، قال: سمعت طاووسًا، يقول: سئل ابن عمر عن الركعتين قبل المغرب؟ فقال: ما رأيت أحدًا يصليهما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أخرجه عبد بن حميد (802)، [المسند المصنف (14/ 353/ 6970)].

* ورواه يحيى بن كثير [أبو غسان العنبري: صالح الحديث، وله عن شعبة غرائب. التهذيب (4/ 382)]، قال: نا شعبة، عن أبي شعيب، عن طاووس، قال: سألت ابن عمر عن الركعتين قبل المغرب؟ فقال: ما رأيت أحدًا صلاهما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بعده.

أخرجه خيثمة الأطرابلسي في حديثه (28).

هكذا رواه عن شعبة ثلاثة من أصحابه: غندر محمد بن جعفر، وأبو داود الطيالسي، ويحيى بن كثير العنبري.

* خالفهم: وكيع بن الجراح [ثقة حافظ، قال فيه أحمد: "كان مطبوع الحفظ، وكان أحفظ من عبد الرحمن بن مهدي كثيرًا كثيرًا"، وقدمه مرة على يحيى بن سعيد القطان]، فرواه عن شعبة، قال: سمعت شيخًا بواسط [يقال له: شعيب، أو أبو شعيب]، يقول: سمعت طاووسًا، يقول: سألت ابن عمر عن الركعتين قبل المغرب؟ فلم ينه عنهما. موقوف.

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 137/ 7387)، وبحشل في تاريخ واسط (111)، [المسند المصنف (14/ 353/ 6970)].

هكذا رواه عن وكيع: أبو بكر بن أبي شيبة [ثقة حافظ مصنف]، وعلي بن الحسن بن سليمان الحضرمي [ثقة].

ص: 267

• وروي من طريق في إسناده مجهول، وهو: محمد بن عون بن الحسن الوحيدي القيسي [تاريخ الإسلام (23/ 335)]، قال: ثنا أحمد بن أبي الحواري [ثقة]: ثنا وكيع: ثنا شعبة، قال: سمعت شيخًا بواسط يقال له: شعيب أو أبو شعيب، قال: سمعت طاووسًا، يقول: سئل ابن عمر عن الركعتين بعد العصر، فقال: ما رأيت - أو: ما رأينا - أحدًا يصليهما، قال: وسئل عن الركعتين قبل النوم فلم ينه عنهما.

أخرجه أبو نعيم في الحلية (10/ 30).

قلت: ولا يثبت هذا، والمحفوظ عن وكيع الأول، وقد ذكرته تحت الحديث رقم (1273)، في طرق حديث ابن عمر.

* ويمكن أن يقال بأن رواية وكيع رواية بالمعنى، من جهة أن عدم النهي عنها مرجعه إلى عدم وقوف ابن عمر على دليل بالمنع سوى أنه لم ير أحدًا يصليهما، والله أعلم.

والأظهر عندي أن هذا الحديث شاذ؛ لمخالفته ما في الصحيحين، من حديث عبد الله بن مغفل في إباحة هاتين الركعتين، ثم في نقل أنس بن مالك عن كبار الصحابة أنهم كانوا يصلون هاتين الركعتين، ويبتدرون السواري مسارعة إليها، بل يصلونها حتى يخرج عليهم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وهم كذلك، وذلك لقصر الوقت فيما بين الأذان والإقامة، إذ لم يكن بينهما إِلَّا قليل، حتى إن الرجل الغريب ليدخل المسجد فيحسب أن الصلاة قد صليت من كثرة من يصليهما؛ فكيف يقال بعد هذا الوصف المفصل أن مثل ذلك يخفى على الصحابة، لاسيما ابن عمر في شدة تتبعه للسنن وتحريه لأفعال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وتقريراته، إِلَّا لو قيل بأن ابن عمر لم يكن يأتي المسجد إِلَّا بعد تكبيرة الإحرام وهذا مستبعد، والله أعلم.

وشيخ شعبة في هذا الحديث: هو شعيب صاحب الطيالسة، روى عن طاووس وابن سيرين ومعاوية بن قرة، وعنه: موسى بن إسماعيل أبو سلمة التبوذكي، هكذا ترجم له البخاري في التاريخ الكبير (4/ 223)، وابن حبان في الثقات (6/ 445)، ولم يذكرا شعبة فيمن روى عنه.

وقال أبو داود: "سمعت يحيى بن معين يقول: هو شعيب - يعني: وهم شعبة في اسمه".

وقال عبد الله بن أحمد في العلل ومعرفة الرجال (3/ 18/ 3954): "سألت يحيى، قلت: شعبة عن أبي شعيب الشامي؟ فقال: إنما هو بصري، كان له ابن بالبصرة يحدث، قلت: فمن قال الشامي؟ قال: أخطأ؛ إنما هو بصري".

ونقل إسحاق بن منصور الكوسج عن ابن معين أنه قال: "أبو شعيب الذي روى عن طاووس عن ابن عمر: مشهور بصري"[الجرح والتعديل (9/ 389)].

وأما ابن أبي حاتم فقد ترجم ثلاث تراجم في كتابه مفرِّقًا بينها:

الأولى: شعيب بن الصلح [أو: ابن صالح]، صاحب الطيالسة بصري: روى عن

ص: 268

طاووس والحسن وعدي بن أرطاة وابن سيرين ومعاوية بن قرة، روى عنه: موسى بن إسماعيل ومحمد بن معاذ العنبري، سمعت أبي يقول ذلك، ثنا عبد الرحمن، قال: سألت أبي عنه؟ فقال: صالح الحديث [الجرح والتعديل (4/ 348)، تاريخ الإسلام (4/ 83 - ط. الغرب].

الثانية: شعيب السمان: روى عن طاووس، روى عنه: أبو أسامة، نا عبد الرحمن، قال: سألت أبا زرعة عن شعيب السمان؟ فقال: لا بأس به، وروى وكيع عن شعيب بن بيان الشيباني، عن طاووس [الجرح والتعديل (4/ 353 - 354)].

الثالثة: أبو شعيب: روى عن طاووس عن ابن عمر في الركعتين قبل المغرب، سمعت أبي يقول ذلك، نا عبد الرحمن قال: ذكره أبي عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين؛ أنه قال: أبو شعيب الذي روى عن طاووس عن ابن عمر: مشهور بصرى [الجرح والتعديل (9/ 389)].

قلت: إذا نظرنا إلى طرق هذا الحديث وجدنا أن شعيبًا هذا هو صاحب الطيالسة، ومن ثم فهو المترجم له في تاريخ البخاري وثقات ابن حبان، وترجم له ابن أبي حاتم مرتين، وهي الترجمة والأولى والثالثة، وبناءً على ذلك فليس هو السمان، ولا ابن كيسان، ولا ابن بيان [انظر: الثقات لابن قطلوبغا (5/ 254)].

والحاصل: أن صاحب الترجمة قال فيه أبو حاتم: "صالح الحديث"، وقال ابن معين:"مشهور"، وذكره ابن حبان في الثقات، ولا يحتمل من مثله التفرد بهذا عن طاووس دون بقية أصحابه الثقات على كثرتهم، كما لا يحتمل منه مثل هذا في مخالفة مرويات الثقات المشاهير فيما ثبت عن الصحابة بأسانيد صحيحة متعددة حتى بلغ درجة الاشتهار عن الصحابة أنهم كانوا يصلون هاتين الركعتين، وكان ذلك من الكثرة بمكان بحيث لا يخفى على أحد من الصحابة، فهو حديث شاذ، كما تقدم تقريره، والله أعلم.

قال ابن حزم في المحلى (2/ 254): "وذكروا عن ابن عمر أنه قال: ما رأيت أحدًا يصليهما، وهذا لا شيء؛ أوَّلُ ذلك: أنه لا يصح؛ لأنه عن أبي شعيب أو شعيب، ولا ندري من هو؟ وأيضًا فليس في هذا لو صح نهي عنهما، ونحن لا ننكر ترك التطوع ما لم ينه عنه بغير حق، ثم لو صح عنه النهي عنهما؛ وهو لا يصح أبدًا؛ بل قد روي عنه جواز صلاتهما؛ لما كان فيه حجة على رسول الله كل ولا على سائر الصحابة النادبين إليهما"[انظر: التوضيح (6/ 47)].

قال البيهقيّ: "القول في مثل هذا قول من شاهد دون من لم يشاهد، وبالله التوفيق".

وقال النووي في المجموع (4/ 11): "إسناده حسن، وأجاب النبي صلى الله عليه وسلم وآخرون عنه بأنه نفى ما لم يعلمه، وأثبته غيره ممن علمه، فوجب تقديم رواية الذين أثبتوا لكثرتهم، ولما معهم من علم ما لا يعلمه ابن عمر".

وقال الرملي في نهاية المحتاج (2/ 110): "وصح أن كبار الصحابة رضي الله عنهم كانوا

ص: 269

يبتدرون السواري لها إذا أذن المغرب؛ حتى إن الرجل الغريب ليدخل المسجد فيحسب أن الصلاة قد صليت من كثرة من يصليهما، وقول ابن عمر: ما رأيت أحدًا يصليهما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غير قادح في ذلك؛ لأنه نفي غير محصور، وعجيب ممن زعم كونه محصورًا، إذ من المعلوم أن كثيرًا من الأزمنة في عهده صلى الله عليه وسلم لم يحضره ابن عمر، ولا أحاط بما يقع فيه، على أنه لو فرض الحصر فالمثبت معه زيادة علم، فليقدَّم، كما قدَّموا رواية مثبت صلاته عليه الصلاة والسلام في الكعبة على رواية نافيها مع اتفاقهما على أنهما كانا معه فيها.

مع أن مدعاه نفي الرؤية، ولا يلزم من عدم رؤيته نفي رؤية غيره، وبفرض التساقط يبقى معنا "صلوا قبل المغرب ركعتين" لعدم المعارض له، والخبر الصحيح:"بين كل أذانين"؛ أي: أذان وإقامة "صلاة"؛ إذ هو يشملهما نصًا".

* وروي النفي أيضًا من طريق آخر:

رواه نعيم بن حماد: حَدَّثَنَا ابن المبارك: أخبرنا شعبة، عن قتادة، قال: قلت لسعيد بن المسيب: إن أبا سعيد الخدري كان يصلي الركعتين قبل المغرب، فقال: كان ينهى عنهما، ولم أدرك أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما غير سعد بن مالك رضي الله عنه.

أخرجه الطحاوي في المشكل (14/ 122/ 5501 م).

قلت: ولا يثبت هذا؛ لا من حديث شعبة، ولا من حديث ابن المبارك، تفرد به: نعيم بن حماد المروزي، وهو: ضعيف، يروي المناكير عن الثقات، ويروي ما لا أصل له، يشبَّه عليه [انظر: التهذيب (4/ 234)، الميزان (4/ 267)].

• ورواه وكيع بن الجراح [ثقة حافظ]، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب: ما رأيت فقيهًا يصلي [الركعتين] قبل المغرب؛ إِلَّا سعد بن أبي وقاص.

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 137/ 7386)، وعلقه ابن حزم في المحلى (2/ 257).

ولا يثبت هذا من حديث ابن أبي عروبة؛ فإن وكيعًا سمع من ابن أبي عروبة بعد الاختلاط [الجرح والتعديل (9/ 37)، الكفاية (136)].

• وروى معمر بن راشد، عن الزُّهري، عن ابن المسيب، قال: كان المهاجرون لا يركعون الركعتين قبل المغرب، وكانت الأنصار تركع بهما، قال الزُّهري: وكان أنس يركعهما.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 435/ 3984).

وهذا إسناد صحيح إلى ابن المسيب، يحكي حال عدد من الصحابة ممن أدركهم، فأثبت لبعضهم فعل الركعتين بعد المغرب، ونفاه عن بعضهم وهم المهاجرون عامة، وقد ثبت عن عبد الرحمن بن عوف أنه كان يصليهما وهو من المهاجرين، وقول أنس في هذا أولى من قول ابن المسيب؛ إذ كان أعلم منه بحال الصحابة، لاسيما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن كبار الصحابة كانوا يصلونها على عهد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وقد أقرهم على

ص: 270