المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌299 - باب من رخص فيهما إذا كانت الشمس مرتفعة - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ١٤

[ياسر فتحي]

الفصل: ‌299 - باب من رخص فيهما إذا كانت الشمس مرتفعة

خطؤه، ويثاب على جنس المشروع"، ثم قال: "بخلاف ما لم يشرع جنسه مثل الشرك، فإن هذا لا ثواب فيه، وإن كان الله لا يعاقب صاحبه إلا بعد بلوغ الرسالة؛ كما قال تعالى:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15] "، ثم بين حقيقة ذلك، فليراجع [مجموع الفتاوى (20/ 25 - 32)].

° كذلك فإنه يستفاد من ضرب عمر الناسَ على الركعتين بعد العصر: تعزير من أحدث صلاةً لم تشرع، أو صلى صلاةً لا سبب لها في وقت نهي، ونحو ذلك، من باب سد الذرائع المفضية إلى البدع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"أما التطوع الذي لا سبب له: فهو منهي عنه بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس؛ باتفاق الأئمة، وكان عمر بن الخطاب يضرب من يصلي بعد العصر، فمن فعل ذلك فإنه يعزَّر؛ اتباعًا لما سنَّه عمر بن الخطاب أحد الخلفاء الراشدين، إذ قد تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عن ذلك"[مجموع الفتاوى (23/ 218)، وراجع أيضًا: (21/ 168)].

° وأخيرًا: فإن في هذه الواقعة ما يدل على وقوع الاختلاف بين الصحابة في النظر في الأدلة المتعارضة، وكيفية إعمالها، والجمع بينها:

فمنهم من رأى الفعل أبلغ من القول فعمل بفعله صلى الله عليه وسلم وقدمه على قوله، وجعله مخصصًا له، مع كونه صلى الله عليه وسلم لم يكن يركع هاتين الركعتين إلا في بيت عائشة، وتعمد إخفاءها عن الصحابة، فلم يكن يصليها في المسجد، بخلاف السنن الرواتب فإنه كان أحيانًا يصليها في المسجد [كما دل عليه حديث ابن عمر في السنن الرواتب، وغيره]، وكاستدامة بعض الصلوات حضرًا وسفرًا بحيث لا تخفى على الجميع، مثل الوتر وصلاة الليل وركعتي الفجر.

ومن الصحابة من قدم القول والنهي العام على الفعل الخاص، لا سيما مع قيام القرائن القولية والفعلية الشاهدة على الخصوصية في هذا الفعل بعينه، وقدم المحكم على المتشابه الذي يحتمل التأويل، وهو فعل كبار الصحابة، مثل عمر بن الخطاب وقد استفاض عنه، وأستشهد في هذا بقول أحمد في مسائل ابن هانئ (44):"لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد يفعل الشيء وهو له خاصة، وإذا أمر بالشيء فهو للمسلمين عامة"، والله أعلم.

* * *

‌299 - باب من رخَّص فيهما إذا كانت الشمس مرتفعة

1274 -

. . . شعبة، عن منصور، عن هلال بن يساف، عن وهب بن الأجدع، عن علي: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر إلا والشمسُ مرتفعة.

* حديث شاذ

أخرجه ابن الجارود (281)، وأحمد (1/ 141)، والطيالسي (110)، والطحاوي في المشكل (13/ 285/ 5268 و 5269)، والبيهقي (2/ 459)، والضياء في المختارة

ص: 174

(2/ 381/ 763) و (2/ 382/ 764)، [التحفة (7/ 135/ 10310)، الإتحاف (11/ 654/ 14816)، المسند المصنف (21/ 107/ 9495)].

رواه عن شعبة: مسلم بن إبراهيم [واللفظ له]، وغندر محمد بن جعفر، وأبو داود الطيالسي، وبشر بن عمر الزهراني، وعبد الصمد بن عبد الوارث [وهم ثقات].

ولفظ غندر والطيالسي: "لا تصلوا بعد العصر؛ إلا أن تصلوا والشمس مرتفعة".

• ورواه عبد الرحمن بن مهدي [ثقة ثبت، إمام حجة]، عن سفيان وشعبة، عن منصور، عن هلال بن يساف، عن وهب بن الأجدع، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"لا تصلوا بعد العصر؛ إلا أن تصلوا والشمس مرتفعة".

أخرجه النسائي في الكبرى (2/ 216/ 1564)، وابن خزيمة (2/ 265/ 1285)، وابن حبان (4/ 414/ 1547)، والشافعي في الأم (8/ 405/ 3302)، وأحمد (1/ 129)، والفاكهي في أخبار مكة (1/ 262/ 515)، وأبو يعلى (1/ 329/ 411)، والطحاوي في المشكل (13/ 286/ 5271)، والبيهقي (2/ 459)[ولم يذكر شعبة]. وابن حزم في المحلى (3/ 31)، وأبو طاهر السلفي في الثالث والعشرين من المشيخة البغدادية (19)(1957 - مشيخة المحدثين البغدادية)، والضياء في المختارة (2/ 382/ 765)، [التحفة (7/ 135/ 10310)، الإتحاف (11/ 654/ 14816)، المسند المصنف (21/ 107/ 9495)].

• تابع ابن مهدي عليه عن سفيان وحده:

قبيصة بن عقبة [ثقة، من أصحاب الثوري، وإن كان يخطئ عليه أحيانًا]، فرواه عن سفيان، عن منصور، عن هلال بن يساف، عن وهب بن الأجدع، عن علي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تصلوا بعد العصر؛ إلا أن تصلوا والشمس مرتفعة".

أخرجه السري بن يحيى في حديثه عن شيوخه عن الثوري (95).

• ورواه جرير بن عبد الحميد [كوفي، ثقة]، وأبو عوانة [واسطي، ثقة ثبت]، وعَبيدة بن حميد [كوفي، صدوق]:

عن منصور بن المعتمر، عن هلال بن يساف، عن وهب بن الأجدع، عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة بعد العصر؛ إلا أن تكون الشمس بيضاء نقية"، وفي رواية ثانية:"بيضاء نقية مرتفعة"، وفي ثالثة:"بيضاء مرتفعة"، وفي رابعة:"لا تصلِّ بعد العصر؛ إلا أن تكون الشمس بيضاء مرتفعة". ألفاظ حديث جرير.

ولفظ أبي عوانة: "لا تصلوا بعد العصر؛ إلا أن تصلوا والشمس مرتفعة".

أخرجه النسائي في المجتبى (1/ 280/ 573)، وفي الكبرى (1/ 224/ 371)، وابن خزيمة (2/ 265/ 1284)، وابن حبان (4/ 429/ 1562)، وأحمد (1/ 80 - 81)، وابن أبي شيبة (2/ 131/ 7324)، والفاكهي في أخبار مكة (1/ 262/ 514)، وأبو يعلى (1/ 437/ 581)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 388/ 1085)، والطحاوي في المشكل (13/ 286/ 5270)، والمحاملي في الأمالي (179)، وابن عبد البر في التمهيد (13/ 35)،

ص: 175

والضياء في المختارة (2/ 382/ 766)، [التحفة (7/ 135/ 10310)، الإتحاف (11/ 654/ 14816)، المسند المصنف (21/ 107/ 9495)].

• خالفهم جميعًا فوهم في إسناده:

شريك بن عبد الله النخعي [صدوق، سيئ الحفظ]، فرواه عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن وهب بن الأجدع، عن علي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة بعد العصر، إلا أن تصلي والشمس مرتفعة".

أخرجه الطحاوي في المشكل (13/ 286/ 5272).

قال الدارقطني في العلل (4/ 148/ 476): "وكذلك قال أبو داود الحفري، عن الثوري، من رواية إبراهيم بن أحمد بن يعيش عنه.

ووهما جميعًا [يعني: شريكًا وأبا داود الحفري] في ذكر سالم بن أبي الجعد، وإنما هو: عن هلال بن يساف.

وحدث بهذا الحديث إسحاق الأزرق، عن الثوري بإسناد آخر: عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي؛ ولم يتابع عليه.

والصحيح: حديث منصور، عن هلال بن يساف".

• فإن قيل للحديث إسناد آخر يدل على كونه محفوظًا:

فقد روى إسحق بن يوسف الأزرق [ثقة]: أخبرنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن عاصم، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال:"لا تصلوا بعد العصر؛ إلا أن تصلوا والشمس مرتفعة". قال سفيان: فما أدري بمكة؟ يعني: أو بغيرها.

أخرجه أحمد (1/ 130)، وابن خزيمة (2/ 265/ 1286)، والدارقطني في العلل (4/ 148/ 476)، وقال:"تفرد به إسحاق الأزرق عن الثوري"، [الإتحاف (11/ 439/ 14374)].

° فيقال: هو حديث شاذ بهذا اللفظ، أخطأ فيه إسحاق الأزرق:

والمحفوظ فيه ما رواه عبد الرحمن بن مهدي، ووكيع بن الجراح، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وقبيصة بن عقبة، ومحمد بن كثير العبدي، وأبو عامر عبد الملك بن عمرو العقدي، والحسين بن حفص، وعبد الرزاق بن همام، وعبد الله بن الوليد العدني، وأبو خالد الأحمر، وأسباط بن محمد [وهم ثقات]:

عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على إثر كل صلاة [مكتوبة] ركعتين؛ إلا الفجر والعصر.

وهو حديث صحيح، تقدم تخريجه تحت الحديث السابق برقم (1272).

وقد أعل الدارقطني رواية إسحاق هذه، فقال في العلل (4/ 148/ 476):"ولم يتابع عليه، والصحيح: حديث منصور، عن هلال بن يساف"، ثم أسنده، ثم قال:"تفرد به إسحاق الأزرق عن الثوري"، وتقدم نقل كلامه بأتم من هذا.

ص: 176

° قال الشافعي في الأم (8/ 405): "ولسنا ولا إياهم ولا أحد علمناه يقول بهذا، بل نكره جميعًا الصلاة بعد العصر والصبح؛ نافلةً"، ثم عارض حديث وهب بن الأجدع بحديث أبي إسحاق، عن عاصم، عن علي رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي دبر كل صلاة ركعتين؛ إلا العصر والصبح، ثم قال:"وهذا يخالف الحديث الأول".

وقال أبو بكر الأثرم في الناسخ (105): "والأحاديث في النهي هي التي يعمل بها وهي أوكد، وروى منصور، عن هلال بن يساف، عن وهب بن الأجدع، عن علي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصلوا بعد العصر؛ إلا أن تصلوا والشمس مرتفعة"، فهذا أيضًا مخالف للأحاديث".

وقال ابن خزيمة: "هذا حديث غريب، سمعت محمد بن يحيى يقول: وهب بن الأجدع: قد ارتفع عنه اسم الجهالة، وقد روى عنه الشعبي أيضًا، وهلال بن يساف".

وقال ابن المنذر في الأوسط (2/ 388): "

، فمما دل على ذلك حديث علي بن أبي طالب وابن عمر وعائشة رضي الله عنهم، وهي أحاديث ثابتة بأسانيد جياد، لا مطعن لأحد من أهل العلم فيها".

وقال ابن حزم: "وهب بن الأجدع: تابعٌ ثقة مشهور، وسائر الرواة أشهر من أن يسأل عنهم؛ وهذه زيادة عدل لا يجوز تركها".

وقال النووي في المجموع (4/ 156): "رواه أبو داود وغيره بإسناد حسن، وظاهره يخالف الأحاديث الصحيحة في تعميم النهي من حين صلاة العصر إلى غروب الشمس، ويخالف أيضًا ما عليه مذاهب جماهير العلماء"، وحسن إسناده ابن حجر في الفتح (2/ 61)، وقال في موضع آخر (2/ 63):"رواه أبو داود بإسناد صحيح قوي".

وقال البيهقي في السنن: "وهذا وإن كان أبو داود السجستاني أخرجه في كتاب السنن؛ فليس بمخرج في كتاب البخاري ومسلم، ووهب بن الأجدع: ليس من شرطهما، وهذا حديث واحد، وما مضى في النهي عنها ممتد إلى غروب الشمس: حديث عدد؛ فهو أولى أن يكون محفوظًا، وقد روي عن علي رضي الله عنه ما يخالف هذا، وروي ما يوافقه".

وقال في المعرفة (2/ 280): "ووهب بن الأجدع: لم يحتج به صاحبا الصحيح، فلا يقبل منه ما يخالف فيه الحفاظ الأثبات، كيف وهم عدد، وهو واحد؟ ".

ثم احتج في السنن على المخالفة بما رواه: سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي، قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصلِّي في إثر كلِّ صلاةٍ مكتوبةٍ ركعتينِ؛ إلا الفجرَ والعصرَ [تقدم تخريجه تحت الحديث السابق برقم (1272)، وهو حديث صحيح].

• واحتج في الموافقة بما رواه: شعبة، وزهير بن معاوية، وإسرائيل بن أبي إسحاق:

عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، قال: كنا مع علي رضي الله عنه في سفر فصلى بنا العصر ركعتين، ثم دخل فسطاطه، وأنا أنظر فصلى ركعتين. لفظ شعبة.

ص: 177

ولفظ زهير: أن عليًا صلى وهو منطلق إلى صفين العصر ركعتين، ثم دخل فسطاطه فصلى ركعتين، فلم أره صلاها بعدُ [وفي هذه الرواية ما يشعر بأنه صلاها لحاجة في نفسه؛ كالاستنصار بها على عدوه، ونحو ذلك، والله أعلم].

أخرجه الشافعي في الأم (8/ 405/ 3304)، وابن أبي شيبة (2/ 134/ 7352)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 393/ 1095)، والبيهقي (2/ 459).

وذكر الطحاوي في المشكل خلاف ما تقدم عن علي؛ بما روي عن علي بن أبي طالب؛ أنه سبح بعد العصر ركعتين في طريق مكة، فرآه عمر فتغيَّظ عليه، ثم قال: أما والله لقد علمتَ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها.

تقدم تخريجه تحت الحديث السابق في طرق حديث عمر في ضرب الناس على صلاة الركعتين بعد العصر، الطريق رقم (19)، وهو لا بأس به.

وصلاة علي بن أبي طالب في هذين الموضعين أمر عارض، بدليل أنه لم يكن يداوم على هذه الصلاة، وكلا الموضعين كان في السفر، فهو محتمل للتأويل، ولا يعارض بمثل هذا نقله الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي على إثر كل صلاة مكتوبة ركعتين؛ إلا الفجر والعصر، وعلي أولى بالامتثال بما يرويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

° قال الشافعي: "وهذه الأحاديث يخالف بعضها بعضًا؛ إذا كان علي يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يصلى بعد العصر ولا الصبح؛ فلا يشبه هذا أن يكون صلى ركعتين بعد العصر، وهو يروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصليهما".

يعني: أن عليًا لم يكن ليخالف ما رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وإنما يحمل فعله على أمر عارض اقتضى أن يصلي له هذه الصلاة، والله أعلم.

وقال البيهقي في المعرفة (2/ 280): "يحتمل أن يكون في ركعتين كان يفعلهما، فتركهما، ثم قضاهما، كما روينا في ذلك عن أم سلمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم".

قلت: قد صح النهي عن الصلاة بعد العصر بإطلاق وبدون هذا القيد الوارد في حديث وهب بن الأجدع عن علي، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا صَلاةَ بَعدَ صلاة الصبح حتى تَطلُعَ الشمسُ، ولا صَلاةَ بَعدَ صلاةِ العصرِ حتى تَغرُبَ الشمسُ"، فقد صح ذلك من حديث عمر بن الخطاب [عند الشيخين]، وحديث أبي سعيد الخدري [عند الشيخين]، وحديث أبي هريرة [عند الشيخين]، ومن حديث جماعة غيرهم من الصحابة [ويأتي تخريجها بشواهدها عند الحديث رقم (1276)].

فكيف تعارض هذه الأحاديث الصحيحة المتكاثرة المتواترة بحديث ينفرد به وهب بن الأجدع عن علي بن أبي طالب، ثم هو يخالَف فيه عن علي نفسه، فيروي صاحب علي المكثر عنه، وهو عاصم بن ضمرة، عن علي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُصلِّي في إثر كلِّ صلاةٍ مكتوبةٍ ركعتينِ؛ إلا الفجرَ والعصرَ، فكل هذه القرائن تجعل النفس تتوقف عن قبول خبر وهب بن الأجدع عن علي، لا سيما ووهب هذا: لم يكن مكثرًا من الحديث

ص: 178

والرواية، بل كان مقلًا جدًّا، وقد أعرض عن إخراج حديثه البخاري ومسلم، بل اتفقا على إخراج ثلاثة أحاديث في مخالفته، وابن خزيمة لما أخرج حديثه هذا استغربه، وأشار إلى رد حديثه وعدم قبوله لمخالفته الأحاديث الصحيحة: الشافعي والأثرم والبيهقي، ولا يُعرف له من المسند سوى هذا الحديث الواحد، ولم يوثقه كبير أحد، فهذا ابن سعد يقول فيه:"كان قليل الحديث"، وتوقف عن القول بتوثيقه، وقد استوعب البخاري في ترجمته شيوخه وتلاميذه بقوله:"سمع عمر وعليًا، روى عنه الشعبي وهلال بن يساف، يعد في الكوفيين"، لذا لم يزد أبو حاتم ولا ابنه ولا ابن حبان ولا من أتى بعدهم في ترجمته على ذلك شيئًا، وقال العجلي:"كوفي، تابعي، ثقة"، وذكره ابن حبان في الثقات، وهذان من عادتهما توثيق المجاهيل، فلا يعتمد لذلك على توثيقهما على انفراده، وأما ابن حزم فإنما وثقه من قبل نفسه ليعتمد على روايته بعد ذلك ويحتج بها لمذهبه، وإلا فإن عادته تجهيل أمثاله من الرواة، نعم؛ رواية الشعبي عنه ترفع عنه الجهالة؛ فإنه كان لا يروي إلا عن ثقة، وكلام محمد بن يحيى الذهلي الذي حكاه ابن خزيمة يدل على ذلك، وأما قول ابن المنذر:"وهي أحاديث ثابتة بأسانيد جياد، لا مطعن لأحد من أهل العلم فيها"، فيقال: قد طعن فيها إمامه الشافعي وغيره [الطبقات الكبرى (6/ 127)، التاريخ الكبير (8/ 163)، معرفة الثقات (1951)، الجرح والتعديل (9/ 23)، الثقات (5/ 489)، التهذيب (4/ 328)].

• فإن قيل: ألا يرفع من شأن وهب بن الأجدع ويدل على ثقته رواية الشعبي عنه، فيقال: لم يرو عنه الشعبي هذا الحديث، وكأنه أعرض عنه، وإنما روى عنه قوله: سمعت عمر بن الخطاب يقول: إذا قدمتم فطوفوا بالبيت سبعًا، وصلوا عند المقام ركعتين، ثم ائتوا الصفا فقوموا عليه من حيث ترون البيت، فكبروا سبع تكبيرات، بين كل تكبيرتين حمدٌ لله وثناء عليه، وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ومسألة لنفسك، وعلى المروة مثل ذلك [أخرجه ابن أبي شيبة (3/ 311/ 14501) و (3/ 371/ 15032) و (6/ 82/ 29638)، والفاكهي في أخبار مكة (2/ 222/ 1397)، وإسماعيل بن إسحاق القاضي في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (81)، والبيهقي (5/ 94)، بأسانيد صحيحة إلى زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي به][وروي من وجه آخر عن بيان بن بشر وفراس بن يحيى المكتب عن الشعبي به مختصرًا. أخرجه ابن أخي ميمي الدقاق في فوائده (315)]، وهذا موقوف على عمر قوله، ولا نكارة فيه في الجملة، فهو موافق للسنة الصحيحة المرفوعة من حيث الجملة عدا تقييد التكبير بسبع، فلا عجب أن يروي الشعبي عنه هذا الأثر، فإذا أردت أن توثقه برواية الشعبي عنه، فليكن برواية هذا الأثر بعينه، وإلا فلنا أن نقول: لماذا أعرض الشعبي عن رواية حديثه المرفوع عن علي، لا سيما والرجل ليس عنده من الحديث إلا اليسير، بل لا يُعرف له سوى هذا الحديث المسند الواحد، فلماذا امتنع الشعبي عن التحديث به؟!

فإذا كان الرجل لا يُعرف له من الرواية سوى حديث علي المرفوع، وحديث عمر الموقوف، فأصاب في الثاني ووافق فيه - في الجملة - السنة المشهورة، وخالف في

ص: 179

الأول، وانفرد فيه بما لم يتابع عليه، فكيف يحتج بمثل هذا، وتقيد به السنن الصحيحة المشهورة؟!

لذا فقد صرح جمع من الأئمة النقاد أنه أتى في روايته بما يخالف الأحاديث الصحاح، فلا يقبل منه ما يخالف فيه الحفاظ الأثبات، وقولهم عندي هو الحجة في رد حديثه هذا، وأنه حديث شاذ، لا سيما مع إعراض الشيخين عنه، وإخراجهما لما يخالفه، بل نفى الإمام الشافعي علمه بمن يقول به، فقال:"ولسنا ولا إياهم ولا أحد علمناه يقول بهذا، بل نكره جميعًا الصلاة بعد العصر والصبح؛ نافلةً"، بل الأعظم منه دلالة على خطأ روايته ضرب عمر الناس على الصلاة بعد العصر مباشرة والشمس مرتفعة، بل وقع له ذلك مع علي بن أبي طالب، فيما رواه عنه ربيعة بن دراج:

فقد روى الزهري، عن ربيعة بن دراج؛ أن علي بن أبي طالب سبح بعد العصر ركعتين في طريق مكة، فرآه عمر فتغيَّظ عليه، ثم قال: أما والله لقد علمتَ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها.

وروي بإسناد شامي لا بأس به، عن عبد الله بن محيريز، عن عم له، قال: صليت خلف عمر بن الخطاب صلاة العصر، فلما سلم قامت الناحية اليمنى يصلون، فاتبعهم عمر بن الخطاب بالدرة يجلسهم، حتى انتهى إلى علي بن أبي طالب وهو قائم يصلي، فقال: أما والله لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن هذه الصلاة. [تقدم تخريجه تحت الحديث السابق في طرق حديث عمر في ضرب الناس على صلاة الركعتين بعد العصر، الطريق رقم (19)].

فلو كان عند علي بن أبي طالب في ذلك سنة مرفوعة لحاجَّ بها عمر، ولم يسكت، ولأخبره بما عنده من العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه إنما نهى عن الصلاة بعد العصر إذا لم تكن الشمس مرتفعة، فإذا مالت الشمس واصفرت أو تضيفت للغروب فلا صلاة إذًا، فلما لم يعترض عليٌّ على قول عمر له: والله لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن هذه الصلاة، دل على إقراره بذلك، والله أعلم.

* * *

1275 -

. . . سفيان، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي، قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصلِّي في إثر كلِّ صلاةٍ مكتوبةٍ ركعتينِ؛ إلا الفجرَ والعصرَ.

* حديث صحيح

تقدم تخريجه تحت الحديث السابق برقم (1272).

ص: 180

1276 -

. . . أبان: حدثنا قتادةُ، عن أبي العالية، عن ابن عباس، قال: شهد عندي رجالٌ مَرْضيُّون، فيهم عمر بن الخطاب، وأرضاهم عندي عمر، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا صَلاةَ بَعدَ صلاةِ الصبح حتى تَطلُعَ الشمسُ، ولا صَلاةَ بَعدَ صلاةِ العصرِ حتى تَغرُبَ الشمسُ".

* حديث متفق على صحته

أخرجه أحمد (1/ 18 و 39)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 303)، وفي المشكل (13/ 293/ 5282)، [التحفة (7/ 220/ 10492)، الإتحاف (12/ 232/ 15477)، المسند المصنف (22/ 138/ 9994)].

رواه عن أبان بن يزيد العطار: مسلم بن إبراهيم الفراهيدي، وبهز بن أسد، وعفان بن مسلم [وهم: ثقات أثبات].

• وممن رواه أيضًا عن قتادة:

1 -

هشام الدستوائي، عن قتادة، عن أبي العالية، عن ابن عباس، قال: شهد عندي رجال مرضيون، وأرضاهم عندي عمر؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تُشرِق الشمس، و [عن صلاة] بعد العصر حتى تغرب [الشمس].

أخرجه البخاري (581)، ومسلم (826/ 287)، وأبو عوانة (1/ 317/ 1126)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 420/ 1869)، وابن خزيمة (3/ 310/ 2146)، والطحاوي في المشكل (13/ 293/ 5281)، والبيهقي (2/ 451)، [التحفة (7/ 220/ 10492)، الإتحاف (12/ 232/ 15477)، المسند المصنف (22/ 138/ 9994)].

2 -

ورواه محمد بن جعفر، وخالد بن الحارث، ويحيى بن سعيد القطان [وهم ثقات، من أثبت أصحاب شعبة]:

قالوا: حدثنا شعبة، عن قتادة، قال: سمعت رفيعًا أبا العالية، عن ابن عباس، قال: حدثني رجال، أحسبه قال: من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فيهم عمر بن الخطاب، وأعجبهم إليَّ عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في ساعتين: بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس.

أخرجه البخاري (581 م)، ومسلم (826/ 287)، وأبو عوانة (1/ 316/ 1123) و (1/ 317/ 1124)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 420/ 1869)، وابن ماجه (1250)، وابن خزيمة (2/ 254/ 1271)، وأحمد (1/ 50)، وأبو يعلى (1/ 146/ 159)، والطحاوي في المشكل (13/ 292/ 5279)، والبيهقي (2/ 452)، وابن عبد البر في التمهيد (13/ 32)، [التحفة (7/ 220/ 10492)، الإتحاف (12/ 232/ 15477)، المسند المصنف (22/ 138/ 9994)].

ص: 181

3 -

ورواه عبد الأعلى بن عبد الأعلى [ثقة، من أروى الناس عن ابن أبي عروبة]، وروح بن عبادة [ثقة، سمع من ابن أبي عروبة قبل الاختلاط، قدمه أبو حاتم على الخفاف وأبي زيد النحوي في ابن أبي عروبة، وقال أحمد: "وروح حديثه عنه صالح"؛ يعني: عن ابن أبي عروبة. التهذيب (1/ 615)، شرح العلل (2/ 744)]، ومحمد بن أبي عدي [بصري ثقة، ممن سمع من ابن أبي عروبة بعد الاختلاط، واستشهد الشيخان بروايته عن ابن أبي عروبة]، وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف [صدوق، كان عالمًا بسعيد بن أبي عروبة إلا أنه سمع منه قبل الاختلاط وبعده، فلم يميز بين هذا وهذا]، ومحمد بن جعفر [ثقة، سمع من ابن أبي عروبة بعد الاختلاط]، والمغيرة بن موسى [أبو عثمان البصري، وهو: منكر الحديث، وقد حدث بأصناف ابن أبي عروبة. التاريخ الكبير (7/ 319)، التاريخ الأوسط (2/ 249)، ضعفاء البخاري (349)، الجرح والتعديل (8/ 230)، المجروحين (3/ 7)، الثقات (9/ 169)، الكامل (6/ 357)، اللسان (8/ 136)]:

عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي العالية، عن ابن عباس، قال: شهد عندي رجال مرضيون، فيهم عمر، وأرضاهم عندي عمر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس.

أخرجه مسلم (826/ 287)، وأبو عوانة (1/ 317/ 1125)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 420/ 1869)، وأحمد (1/ 51)، والبزار (1/ 288/ 184)، والطحاوي في المشكل (13/ 292/ 5280)، والسهمي في تاريخ جرجان (94)، [التحفة (7/ 220/ 10492)، الإتحاف (12/ 232/ 15477)، المسند المصنف (22/ 138/ 9994)].

4 -

ورواه هشيم بن بشير: أخبرنا منصور بن زاذان، عن قتادة، قال: أخبرنا أبو العالية، عن ابن عباس، قال: سمعت غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم عمر بن الخطاب، وكان أحبَّهم إليَّ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس.

أخرجه مسلم (826/ 286)، وأبو عوانة (1/ 317/ 1127)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 420/ 1868)، والترمذي (183)، وقال:"حسن صحيح"، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(1/ 451/ 167)، والنسائي في المجتبى (1/ 276/ 562)، وفي الكبرى (1/ 223/ 367)، وابن خزيمة (2/ 254/ 1272)، والبزار (1/ 288/ 185)، وأبو يعلى (1/ 137/ 147)، والطحاوي (1/ 303)، وابن شاهين في الناسخ (256)، [التحفة (7/ 220/ 10492)، الإتحاف (12/ 232/ 15477)، المسند المصنف (22/ 138/ 9994)].

5 -

ورواه همام بن يحيى، عن قتادة، عن أبي العالية الرياحي، عن ابن عباس، قال: شهد عندي رجال مرضيون، فيهم عمر، وأرضاهم عندي عمر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صلاةٍ بعد العصر حتى تغرب الشمس، وعن صلاةٍ بعد الصبح حتى تُشرِق الشمس.

ص: 182

وفي رواية عفان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا صلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس".

أخرجه ابن ماجه (1250)، والدارمي (1575 - ط. البشائر)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 420/ 1869)، وابن خزيمة (3/ 310/ 2146)، وأحمد (1/ 20 - 21 و 39)، والطيالسي (29)، وابن أبي شيبة (2/ 131 - 132/ 7329)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 387/ 1082)، والرامهرمزي في المحدث الفاصل (469)، وابن حزم في المحلى (3/ 11)، وابن عبد البر في الاستذكار (1/ 114)، [التحفة (7/ 220/ 10492)، الإتحاف (12/ 232/ 15477)، المسند المصنف (22/ 138/ 9994)].

رواه عن همام: عفان بن مسلم، وأبو داود الطيالسي، وعبد الصمد بن عبد الوارث.

6 -

ورواه سعيد بن منصور [ثقة حافظ]، ويحيى بن حماد [ثقة، ختن أبي عوانة]:

قالا: حدثنا أبو عوانة [ثقة ثبت]، عن قتادة، عن أبي العالية، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: شهد عندي رجال مرضيون، وأرضاهم عندي عمر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس.

أخرجه الطحاوي في شرح المعاني (1/ 303)، وفي المشكل (13/ 291/ 5277 و 5278).

وهو حديث صحيح، متفق على صحته من حديث قتادة.

7 -

ورواه أبو عمر الضرير [حفص بن عمر: صدوق عالم]، قال: نا أبو هلال الراسبي [محمد بن سليم: ليس بالقوي]، عن قتادة، عن رفيع أبي العالية، عن ابن عباس، قال: حدثني رجال مرضيون، فيهم عمر، وأرضاهم عندي عمر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وعن صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس.

أخرجه الطبراني في الأوسط (3/ 79/ 2548).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن أبي هلال إلا أبو عمر".

قلت: إسناده جيد في المتابعات، وهو حديث متفق على صحته من حديث قتادة.

• قال البزار: "وهذا الحديث قد رواه عن قتادة: سعيد، وشعبة، وهشام، وهمام، وأبان، ومنصور بن زاذان، كل هؤلاء ذكره، فاجتزينا بمن ذكرنا، والنهي عن الصلاة بعد العصر وبعد الصبح قد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم جماعة كثيرة".

° وقوله في رواية هشام وهمام: "حتى تُشرِقَ الشمس"؛ يعني: حتى تصفو وتضيء، والإشراق من الإضاءة والصفاء، ولا يكون ذلك إلا بارتفاعها، فيتفق بذلك حديث عمر مع حديث ابنه عبد الله، وقيل: حتى تطلع، كما في بقية الروايات، وقيل: هي رواية بالمعنى، قال ابن الملقن في الإعلام (2/ 314):"ذكر في هذا الحديث النهي عن الصلاة: "حتى تُشرِق"، وفي الحديث الآتي بقيد: "حتى ترتفع"، وهما بمعنى، وبذلك تبين أن المراد بالطلوع في باقي الروايات: ارتفاعها، وإشراقها، وإضاءتها، لا مجرد ظهور قرصها"

ص: 183

[انظر: أعلام الحديث (1/ 436)، إكمال المعلم (3/ 203)، الفتح لابن رجب (3/ 263)، التوضيح لابن الملقن (6/ 259)].

• وقد روى خالد بن يزيد بن مسلم الغنوي، قال: نا البراء بن يزيد الغنوي، عن الحسن بن أبي الحسن، قال: حدثني أبو العالية الرياحي، قال: حدثني ابن عباس، عن عمر بن الخطاب؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس أو تشرق، وبعد العصر حتى تغرب الشمس.

وقال: "لتأمرُنَّ بالمعروف ولتنهوُنَّ عن المنكر، أو ليسلِّطنَّ الله عليكم شراركم، فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم".

أخرجه البزار (1/ 188/292)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 16).

قال البزار: "وهذا الحديث قد روى بعضه قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس عن عمر، وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الفجر وبعد العصر، وأما: لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر؛ فلم يروه إلا البراء عن الحسن عن أبي العالية عن ابن عباس عن عمر، ولا نعلم أسند الحسن عن أبي العالية حديثًا إلا هذا الحديث، ولم يروه عنه إلا خالد بن يزيد، ولم يرو أبو العالية عن ابن عباس عن عمر إلا هذا الحديث، والبراء بن يزيد: ليس بالقوي، وقد احتمل حديثه، وروى عنه جماعة".

وقال العقيلي: "وهذا الحديث ليس بمعروف من حديث الحسن، إنما هذا من حديث قتادة، رواه شعبة، وهشام، وسعيد، وأبان، ومنصور بن زاذان، عن قتادة، عن أبي العالية، عن ابن عباس، عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، نحوه".

وكان قد أخرج هذا الحديث في ترجمة خالد بن يزيد الغنوي، وصدر ترجمته بقوله:"بصري، الغالب على حديثه الوهم".

قلت: هو حديث منكر من حديث الحسن البصري، تفرد به عنه: البراء بن يزيد الغنوي، وهو: البراء بن عبد الله بن يزيد الغنوي المترجم له في التهذيب، وهو: بصري، ضعيف [التهذيب (1/ 216)، اللسان مع الحاشية (2/ 266 - ط. أبي غدة)، الجرح والتعديل (2/ 400)، المجروحين (1/ 198)، إكمال مغلطاي (2/ 362)]، وخالد بن يزيد بن مسلم الغنوي: الغالب على حديثه الوهم [اللسان (3/ 347)]، ويحتمل أن يكون هو المترجم له في الجرح والتعديل (3/ 359)، وتحرفت عنده: الغنوي إلى: العنبري، وقال فيه أبو حاتم:"ثقة"، والله أعلم.

° نعود مرة أخرى لحديث الجماعة: عن قتادة، عن أبي العالية، عن ابن عباس، عن عمر:

قال ابن الجنيد في سؤالاته (295): "قلت ليحيى بن معين: قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس: أخبرني رجال مرضيون، ترى قتادة سمع هذا من أبي العالية؟ قال: نعم، قد سمع هذا قتادة من أبي العالية".

ص: 184

وقال الترمذي: "حديث ابن عباس عن عمر: حديث حسن صحيح.

وهو قول أكثر الفقهاء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم؛ أنهم كرهوا الصلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس، وأما الصلوات الفوائت فلا بأس أن تقضى بعد العصر وبعد الصبح.

قال علي بن المديني: قال يحيى بن سعيد: قال شعبة: لم يسمع قتادة من أبي العالية إلا ثلاثة أشياء: حديث عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس، وحديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا ينبغي لأحد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى"، وحديث علي: القضاة ثلاثة" [وانظر أيضًا: المعرفة والتاريخ (2/ 89)، مختصر الأحكام للطوسي (1/ 452)، المراسيل (628)، الجرح والتعديل (1/ 127)، وعقب عليه ابن أبي حاتم بقوله: "بلغ من علم شعبة بقتادة أن عرف ما سمع من أبي العالية وما لم يسمع"، سنن البيهقي (1/ 121)، تاريخ دمشق (18/ 173)، تحفة التحصيل (263)، الفتح لابن حجر (11/ 145)، وقال: "وكأن البخاري لم يعتبر بهذا الحصر لأن شعبة ما كان يحدث عن أحد من المدلسين إلا بما يكون ذلك المدلس قد سمعه من شيخه"].

ونقل ذلك أبو داود أيضًا في السنن (202)، لكنه لم يذكر الناقل عن شعبة، وجعل الأحاديث أربعة، فقال:"وقال شعبة: إنما سمع قتادة من أبي العالية أربعة أحاديثه: حديث يونس بن متى، وحديث ابن عمر في الصلاة، وحديث القضاة ثلاثة، وحديث ابن عباس: حدثني رجال مرضيون منهم عمر، وأرضاهم عندي عمر"[ونقل المزي في التحفة (4/ 286/ 5421) نحو هذا مختصرًا بعد حديث يونس بن متى].

وقال يعقوب بن شيبة في العاشر من مسند عمر (38): "وحديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة بعد العصر وبعد الصبح: حديث حسن الإسناد ثبت، رواه قتادة، عن أبي العالية، عن ابن عباس، عن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواية قتادة عن أبي العالية: مرسلة كلها إلا أربعة أحاديث سمعها من أبي العالية، هذا الحديث أحد الأربعة، فرواه عن قتادة: سعيد بن أبي عروبة، وهشام الدستوائي، وشعبة، ومنصور بن زاذان، وهمام بن يحيى، وأبان العطار، وأبو هلال الراسبي".

وقد نقل محقق مسند البزار عن هامش النسخة المغربية المحفوظة بالخزانة العامة بالرباط، ما نصه: "قال يعقوب بن شيبة: سمعت علي بن عبد الله، وقيل له:

قتادة من أبي العالية؟ فقال: قال يحيى: قال شعبة: لم يسمع قتادة من أبي العالية إلا ثلاثة أشياء، حديث:"ما ينبغي لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى"، وحديث: شهد عندي رجال مرضيون، وحديث: القضاة ثلاثة. قال علي عن يحيى: هذه فلا أدري، أوهم الرابعة أم لا؟ ولكن قد روى قتادة رابعًا عن أبي العالية، يقول: سمعت رفيعًا، عن ابن عمر، في صلاة المريض. قال يعقوب: ورفيع هو أبو العالية، وقال: قلت ليحيى بن

ص: 185

معين: سمع قتادة من أبي العالية

ثلاثة أحاديث" [مسند البزار (1/ 288)].

وقال ابن المديني: "هذا حديث صحيح مثبت"[مسند الفاروق (1/ 263)].

وقال ابن عبد البر: "وهذا الحديث هو أثبت الأحاديث، رواه عن قتادة جماعة، منهم: شعبة، وسعيد بن أبي عروبة، وهشام الدستوائي، وأبان العطار، وهمام بن يحيى، ومنصور بن زاذان، ولم يختلفوا فيه".

قلت: قد أخرج الشيخان لقتادة عن أبي العالية حديثين آخرين غير هذه الأربعة [راجع التحفة (5420 و 5422)]، وعلى هذا: فكل حديث رواه شعبة عن قتادة، وصح عن شعبة؛ فإنه يكون مسموعًا لقتادة من أبي العالية؛ فإن شعبة لم يكن يتحمل عن شيوخه إلا ما سمعوه من شيوخهم، وكذلك نقبل كلَّ ما ثبت فيه السماع لقتادة من أبي العالية من وجه صحيح محفوظ، ويحمل حصر شعبة حينئذٍ على المبالغة في التقليل، والله أعلم.

* ولحديث عمر شواهد كثيرة بلفظه أو بمعناه غير ما أخرجه أبو داود، منها:

1 -

حديث أبي سعيد الخدري، وله طرق:

أ - رواه يونس بن يزيد الأيلي، وابن جريج، وصالح بن كيسان، وعبد الرحمن بن نمر اليحصبي [وهم ثقات، من أصحاب الزهري]:

عن ابن شهاب، قال: أخبرني عطاء بن يزيد الليثي، أنه سمع أبا سعيد الخدري، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد صلاة الفجر حى تطلع الشمس". لفظ يونس، وابن جريج، وقال في رواية:"تبزغ".

ولفظ صالح بن كيسان [عند البخاري (586)]: "لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حى تغيب الشمس".

أخرجه البخاري (586)، ومسلم (827)، وأبو عوانة (1/ 317/ 1128) و (1/ 318/ 1129)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 421/ 1870)، والنسائي في المجتبى (1/ 278/ 567 و 568)، وفي الكبرى (1/ 259 - 260/ 465)، وأحمد (3/ 95)، وعبد الرزاق (2/ 427/ 3958)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 388/ 1084)، والطحاوي (1/ 304)، وابن عدي في الكامل (4/ 292)، والخطيب في تلخيص المتشابه في الرسم (2/ 881)، والبغوي في شرح السنة (3/ 319/ 775)، وقال:"هذا حديث متفق على صحته"، [التحفة (3/ 383/ 4155)، الإتحاف (5/ 311/ 5461)، المسند المصنف (28/ 97/ 12562)].

وانظر فيمن وهم في إسناده على الزهري: علل ابن أبي حاتم (4/ 344/ 1474)، المعجم الأوسط للطبراني (3/ 344/ 3353).

ب - ورواه غندر محمد بن جعفر، وأبو الوليد الطيالسي، وسليمان بن حرب، حفص بن عمر الحوضي، وحجاج بن المنهال، ويحيى بن سعيد القطان، وعفان بن مسلم، ووهب بن جرير، ومحمد بن كثير العبدي، وسعيد بن عامر [وهم ثقات]، وغيرهم [منهم من رواه بتمامه، ومنهم من روى طرفًا منه]:

ص: 186

عن شعبة، عن عبد الملك بن عمير: سمعت قزعة مولى زياد، قال: سمعت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه وقد غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثنتي عشرة غزوة، قال: أربع سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأعجبنني وآنقنني، قال:"لا تسافر امرأة مسيرة يومين - أو: ليلتين -، إلا ومعها زوجها أو ذو محرم، ولا يصوم يومين: يوم الفطر، ويوم النحر، ولا صلاة بعد صلاتين: بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا تشدُّ الرحالُ إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجد الحرام، ومسجد الأقصى، ومسجدي هذا".

أخرجه بتمامه أو بطرف منه: البخاري (1188 و 1197 و 1864 و 1995)، ومسلم (827/ 416)، وأبو عوانة (5/ 394/ 5640 - إتحاف المهرة)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (4/ 13/ 3113)، والدارمي (1905 - ط. البشائر)، وابن حبان (6/ 436/ 2723)، وأحمد (3/ 34 و 71)(5/ 2451/ 11860 - ط. المكنز)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (2/ 169)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 152/ 329 - السفر الثالث)، وأبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (2/ 219/ 307)، والطحاوي في شرح المعاني (2/ 113)، وفي المشكل (2/ 53/ 577)، وفي أحكام القرآن (857)، وأبو نعيم في مسند أبي حنيفة (162)، وفي تاريخ أصبهان (2/ 158)، والبيهقي (10/ 82)، والخطيب في المتفق والمفترق (3/ 1884/ 1479)، والبغوي في شرح السُّنَّة (2/ 336/ 450)، وقال:"هذا حديث متفق على صحته"، [التحفة (3/ 432/ 4279)، الإتحاف (5/ 393/ 5639) و (5/ 394/ 5640)، المسند المصنف (28/ 533/ 1265)].

• ورواه جرير بن عبد الحميد، وزهير بن معاوية، وزائدة بن قدامة، وأبو عوانة، وسفيان بن عيينة [وعنه: أحمد بن حنبل، والحميدي، ومحمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ، وابن أبي عمر العدني، وإبراهيم بن بشار الرمادي، وعبد الجبار بن العلاء]، ويحيى بن يعلى التيمي، وعبيد الله بن عمرو الرقي [وهم ثقات]، ومسعر بن كدام [ثقة ثبت، وعنه: علي بن قادم، وهو: صدوق]، وسفيان الثوري [وهو غريب من حديثه، تفرد به عنه: النعمان بن عبد السلام، وهو: أصبهاني ثقة]، وعمر بن شبيب المسلي [ضعيف]:

عن عبد الملك بن عمير، قال: أخبرني قزعة، عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"لا تُشدُّ الرِّحالُ إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، ومسجد إيليا [وفي رواية زهير: والمسجد الأقصى] ".

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسافر امرأة فوق ثلاث إلا ومعها ذو محرم"[وفي رواية زهير: "لا تسافر المرأة إلا مع زوجها، أو ذي محرم منها"].

ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وعن صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس [وفي رواية جرير عند أبي يعلى:"لا تصلح الصلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس"].

ونهى عن صيام يومين: يوم الأضحى، ويوم الفطر [وفي رواية جرير عند مسلم في

ص: 187

الصيام: "لا يصلح الصيام في يومين: يوم الأضحى، ويوم الفطر من رمضان"].

وفي رواية جرير عند مسلم في الحج: "لا تشدُّوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى"، وسمعته يقول:"لا تسافر المرأة يومين من الدهر إلا ومعها ذو محرم منها، أو زوجها".

أخرجه بتمامه أو بطرف منه: مسلم في الصيام (827/ 140)، وفي الحج (827/ 415)، وأبو عوانة (5/ 394/ 5640 - إتحاف المهرة)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (4/ 12/ 3112)، والبخاري في التاريخ الكبير (7/ 204)، والترمذي (326)، وقال:"هذا حديث حسن صحيح"، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(1/ 453/ 168)، وابن ماجه (1249 و 1721)، وابن خزيمة (5/ 394/ 5639 - إتحاف المهرة)، وابن حبان (4/ 495/ 1617) و (6/ 436/ 2724)، وأحمد (3/ 7 و 51 و 52 و 59 - 60)، وأبو يوسف في الآثار (91)، ومحمد بن الحسن الشيباني في الآثار (148)، والحميدي (767)، وابن أبي شيبة (2/ 150/ 7538) و (2/ 346/ 9769) و (3/ 419/ 15550)، وعبد بن حميد (965)، والأزرقي في أخبار مكة (2/ 63)، والفاكهي في أخبار مكة (2/ 89/ 1202)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (2/ 294)، وأبو يعلى (2/ 388/ 1160)، والطحاوي في شرح المعاني (2/ 113)، والمحاملي في الأمالي (237 - رواية ابن مهدي الفارسي)، وابن الأعرابي في المعجم (2/ 677/ 1355)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (2/ 220 و 230)، وأبو نعيم في مسند أبي حنيفة (162)، وفي تاريخ أصبهان (1/ 116) و (2/ 158)، والخطيب في تاريخ بغداد (13/ 25 - ط. الغرب)، وفي تلخيص المتشابه في الرسم (1/ 345)، وفي المتفق والمفترق (3/ 1884/ 1479)، [التحفة (3/ 432/ 4279)، الإتحاف (5/ 393/ 5639) و (5/ 394/ 5640)، المسند المصنف (28/ 65/ 12533)].

• وروى يحيى بن آدم: حدثنا مسعر، عن عبد الملك بن ميسرة [قال أحمد بن حنبل: كذا قال يحيى بن آدم]، عن قزعة، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسافر امرأة فوق يومين إلا ومعها زوجها، أو ذو محرم منها".

أخرجه أحمد (3/ 62)(5/ 2429/ 11771 - ط. المكنز)، [الإتحاف (5/ 393/ 5639)].

يشير أحمد بذلك إلى وهم يحيى بن آدم في إسناد هذا الحديث حيث قال: عبد الملك بن ميسرة، وسلك فيه الجادة، وإنما هو: عبد الملك بن عمير.

قال الدارقطني في العلل (11/ 305/ 2300): "وقيل: عن عبد الملك بن ميسرة، ولا يصح".

• وخالفه فأتى به على الصواب: علي بن قادم، قال: ثنا مسعر، عن عبد الملك بن عمير به مرفوعًا بطرف سفر المرأة.

ص: 188

أخرجه أبو عوانة (5/ 394/ 5640 - إتحاف المهرة).

• وقد روي عن مسعر أيضًا كالجماعة بموضع الشاهد وحده، لكنه لا يثبت عنه؛ إذ راويه عن مسعر: خالد بن عمرو الأموي السعيدي، وهو: كذاب، رمي بالوضع.

أخرجه ابن سمعون في الأمالي (145).

ج - ورواه سعيد بن أبي عروبة [وعنه: يزيد بن زريع، وروح بن عبادة، وابن أبي عدي، وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف، ومحمد بن جعفر، وفيهم ممن روى عن ابن أبي عروبة قبل الاختلاط: يزيد بن زريع، وروح بن عبادة]، وهشام بن أبي عبد الله الدستوائي [وعنه: معاذ بن هشام، ويزيد بن زريع، وروح بن عبادة، ومحمد بن بكر البرساني، وأبو داود الطيالسي، ومسلم بن إبراهيم الفراهيدي، وهم ثقات]، وهمام بن يحيى، وحماد بن سلمة [وعنه: حجاج بن منهال]، وعمر بن عامر السلمي [صدوق، وعنه: سالم بن نوح العطار: ليس به بأس، لكن له غرائب وأفراد لينوه بسببها. انظر: التهذيب (1/ 680)، الميزان (2/ 113)]، وغيرهم:

عن قتادة، عن قزعة، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما تشد الرحال إلى ثلاثة مساجد: مسجد إبراهيم، ومسجد محمد، وبيت المقدس".

ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة في ساعتين: بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الغداة حتى تشرق الشمس.

وعن صوم يومين: يوم الفطر ويوم الأضحى.

ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسافر المرأة فوق ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم.

وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجد الحرام، ومسجدي، ومسجد بيت المقدس".

"ولا تسافر المرأة فوق ثلاث ليال، إلا مع زوج أو ذي محرم".

"ولا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس".

ونهى عن صوم يوم الفطر ويوم النحر.

أخرجه مسلم (827/ 418) مختصرًا. وأبو عوانة (5/ 394/ 5640 - إتحاف المهرة)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (4/ 13/ 3115 و 3116)، والبخاري في التاريخ الكبير (7/ 204)، والنسائي في الكبرى (3/ 218 و 219/ 2804 - 2806)، وأحمد (3/ 45)(11585 و 11586 و 11593 - ط. المكنز)، والطيالسي (3/ 682/ 2352)، والطحاوي في المشكل (2/ 578/53)، وابن الأعرابي في المعجم (3/ 967/ 2057)، وابن عدي في الكامل (2/ 53)، والبيهقي (2/ 452) و (3/ 138)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (49/ 314)، [التحفة (3/ 432/ 4279)، الإتحاف (5/ 393/ 5639) و (5/ 394/ 5640)، المسند المصنف (28/ 65/ 12533)].

ص: 189

وانظر فيمن وهم فيه على همام: ما أخرجه البزار (1/ 291/ 187).

• خالف أصحاب قتادة في إسناده، فوهم وسلك فيه الجادة:

حماد بن سلمة، فرواه عن قتادة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغيب الشمس، ونهى عن صوم يومين: يوم الفطر ويوم النحر.

أخرجه النسائي في الكبرى (3/ 219/ 2807)، والبزار (18/ 69/ 4)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 304) و (2/ 247)، وفي أحكام القرآن (854)، [التحفة (3/ 304/ 3972) و (3/ 472/ 4379)، الإتحاف (5/ 412/ 5677)، المسند المصنف (28/ 103/ 12570)].

وانظر: أطراف الغرائب والأفراد (2/ 235/ 4877).

هكذا رواه عن حماد بن سلمة: حجاج بن منهال، وعبد الواحد بن غياث، وعبد الأعلى بن حماد النرسي [وقرن الأخير أبا نضرة ببشر بن حرب، وهو: ضعيف].

قال النسائي: "بشر بن حرب: ضعيف، وإنما أخرجناه لعلة الحديث، والصواب: حديث سعيد وهشام، والله أعلم"؛ يعني: عن قتادة، عن قزعة، عن أبي سعيد مرفوعًا.

وقال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم رواه عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد؛ إلا حماد بن سلمة".

قلت: فوهم في ذلك، والمحفوظ: حديث جماعة الحفاظ من أثبت أصحاب قتادة.

د - وروى ابن عيينة [وعنه: سعيد بن منصور، وعبد الرزاق]، عن عبيد الله بن أبي يزيد، عن قزعة، قال: كنت أصلي ركعتين بعد العصر، فلقيني أبو سعيد الخدري، فنهاني عنهما، فقلت: أتركهما لك؟ قال: نعم.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 428/ 3960)، والسرقسطي في الدلائل (2/ 831/ 341).

وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين.

هـ - وروى زهير بن معاوية، قال: حدثنا عاصم بن سليمان الأحول، عن قزعة، عن أبى سعيد، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن الركعتين بعد العصر، فهاتوا من سمعه يأمر بهما.

أخرجه الطبراني في الأوسط (2/ 14/ 1072) و (6/ 272/ 6392)، من طريقين عن زهير به، وفي أحدهما ضعف.

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن عاصم إلا زهير".

قال الطبراني في الموضع الثاني: حدثنا محمد بن عمرو [هو: ابن خالد الحراني ثم المصري، أبو علاثة: روى عنه الطبراني والعقيلي والدولابي وغيرهم، وقال ابن يونس: "كان ثقة"، المقفى الكبير (6/ 448)، بيان الوهم (3/ 535/ 1315)، تاريخ الإسلام (22/ 286)]: ثنا أبي [عمرو بن خالد بن فروخ الحراني: ثقة]: ثنا زهير به.

ص: 190

قلت: هو حديث غريب، رجاله ثقات.

و - ورواه جرير بن عبد الحميد [كوفي، ثقة]، عن الأعمش، عن عمارة بن عمير [التيمي الكوفي: ثقة ثبت، من الطبقة الرابعة]، عن قزعة، قال: ذكر قول عائشة لأبي سعيد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بعد العصر ركعتين، قال: فيقول: أما أنا فأشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا بعد الفجر حتى تطلع الشمس".

أخرجه أبو يعلى (2/ 389/ 1161)، [المسند المصنف (28/ 65/ 12533)].

قلت: هو حديث غريب من حديث الأعمش، رجاله ثقات رجال الشيخين.

• وروي أيضًا من وجه آخر، عن قزعة، عن أبي سعيد مرفوعًا مطولًا [أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (7/ 204)، وأحمد (3/ 78)، والطبراني في الأوسط (2/ 321/ 2101) و (4/ 317/ 4312)][وفي إسناده قَسِيم مولى عمارة بن عقبة، لم يرو عنه سوى أبان بن صالح، وذكره ابن حبان في الثقات (7/ 348)، التعجيل (885)، وحديثه هذا مستقيم، تابع فيه الثقات عن قزعة][وانظر فيمن وهم في إسناده: ما أخرجه الدارقطني في المؤتلف (4/ 1939)][الإتحاف (5/ 393/ 5639)، المسند المصنف (28/ 65/ 12533)].

• وروي من حديث: قيس بن الربيع [ليس بالقوي]، عن أبي حَصين، عن المغيرة بن عبد الله اليشكري [ثقة، من الرابعة]، عن قزعة، عن أبي سعيد بنحوه مرفوعًا، ولا يثبت عنه [أخرجه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي (1/ 118/ 103)، [رواه عن قيس: إسماعيل بن عمرو البجلي، وهو: ضعيف، صاحب غرائب ومناكير. اللسان (1/ 155)].

• روى هذا الحديث عن قزعة بن يحيى، عن أبي سعيد الخدري ببعض أطرافه مرفوعًا، دون موضع الشاهد:

• سهم بن منجاب [ثقة]، فرواه عن قزعة، عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا، ببعض أطرافه دون موضع الشاهد، في سفر المرأة بغير محرم، وفي شد الرحال.

أخرجه مسلم (827/ 417)، وأبو عوانة (5/ 394/ 5640 - إتحاف المهرة)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (4/ 13/ 3114)، والنسائي في الكبرى (3/ 218/ 2803)، وابن حبان (8/ 363 - 364/ 3599)، وأحمد (3/ 62 و 77)، وعبد الله بن أحمد في زياداته على المسند (3/ 77)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 151/ 328 - السفر الثالث)، وأبو يعلى في المسند (2/ 393/ 1166 و 1167)، وفي المعجم (106)، [التحفة (3/ 432/ 4279)، الإتحاف (5/ 393/ 5639)، المسند المصنف (28/ 65/ 12533)].

• المغيرة بن عبد الله اليشكري [ثقة، من الرابعة]، عن قزعة، عن أبي سعيد مرفوعًا، في سفر المرأة بغير محرم، وفي صيام العيدين.

أخرجه أبو عوانة (5/ 394/ 5640 - إتحاف المهرة)، [الإتحاف (5/ 394/ 5640)].

ص: 191

• يزيد بن أبي مريم [دمشقي، لا بأس به]، عن قزعة بن يحيى، عن أبي سعيد، وعبد الله بن عمرو بن العاص [وأفرد بعضهم عبد الله بن عمرو، ولم يذكر أبا سعيد] مرفوعًا، في سفر المرأة بغير محرم، وفي شد الرحال.

أخرجه ابن ماجه (1410)، وأبو عوانة (5/ 394/ 5640 - إتحاف المهرة)، وابن خزيمة (4/ 134/ 2522)، والفاكهي في أخبار مكة (2/ 99/ 1207)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (2/ 170)، والطحاوي في المشكل (2/ 54/ 579)، وخيثمة الأطرابلسي في حديثه (185)، والطبراني في مسند الشاميين (2/ 308/ 1400)، والدارقطني في الأفراد (1/ 618/ 3618 - أطرافه)، وأبو طاهر المخلص في السادس من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (235)(1254 - المخلصيات)، وتمام في الفوائد (1255)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (65/ 381 و 382)، [التحفة (3/ 432/ 4279) و (6/ 127/ 8913)، الإتحاف (5/ 394/ 5640)، المسند المصنف (17/ 375/ 8206) و (28/ 65/ 12533)].

قال الدارقطني في العلل (11/ 307/ 2305): "والصحيح: قول من قال: عن قزعة عن أبي سعيد".

• الحسن بن عمرو الفقيمي، عن قزعة، عن أبي سعيد مرفوعًا، في شد الرحال.

أخرجه الطبراني في الأوسط (2/ 346 - 347/ 2187)، والدارقطني في الأفراد (2/ 228/ 48/ 36 - أطرافه)[لم يروه عن الحسن بن عمرو إلا مندل بن علي العنزي، وهو: ضعيف].

• يحيى بن أبي كثير، عن قزعة بن يحيى، عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا، في النهي عن سفر المرأة من غير محرم.

أخرجه الطبراني في الأوسط (7/ 251/ 7418)[وهو حديث منكر، تفرد به سليمان بن داود اليمامي عن يحيى بن أبي كثير، وسليمان: متروك، منكر الحديث. اللسان (4/ 140 و 158)].

• وانظر أيضًا: ما أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (2/ 451/ 1684)[بإسناد شامي لا يثبت مثله، تقدم الكلام عليه تحت الحديث رقم (1045)].

ز - ورواه وهيب بن خالد، وسليمان بن بلال، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، وعبد العزيز بن المختار [وهم ثقات]، ومحمد بن فليح [ما به بأس، ليس بذاك القوي]:

حدثنا عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن أبي سعيد رضي الله عنه، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يومين: يوم الفطر، ويوم الأضحى، وعن لبستين: الصماء، وأن يحتبي الرجل في الثوب، وعن صلاةٍ في ساعتين: بعد الصبح، وبعد العصر.

أخرجه مطولًا بتمامه، أو بأحد أطرافه: البخاري (1991 و 1992)، ومسلم في الصيام (827/ 141)، وأبو عوانة (2/ 218/ 2911)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم

ص: 192

(3/ 217/ 2587)، وأبو داود (2417)، والترمذي (772)، وقال:"حديث حسن صحيح"، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(3/ 431/ 716)، وأحمد (3/ 96)، والطيالسي (3/ 685/ 2356)، والطحاوي (1/ 304)، والمؤمل بن أحمد الشيباني في السادس من فوائده (33)، والبيهقي (4/ 297)، [التحفة (3/ 485/ 4404)، الإتحاف (5/ 467/ 5787 و 5788)، المسند المصنف (28/ 99/ 12565)].

ح - ورواه سفيان بن عيينة [ثقة حافظ، إمام فقيه]، وفليح بن سليمان [مدني، صدوق، كثير الخطأ، احتج به البخاري]:

قال ابن عيينة: ثنا ضمرة بن سعيد المازني، قال: سمعت أبا سعيد الخدري، يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، وعن صلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس.

وقال فليح: عن ضمرة بن سعيد، عن أبي سعيد الخدري، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاتين، وعن صيام يومين، وعن لبستين.

عن الصلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس، وبعد الفجر حتى تطلع الشمس.

ونهى عن صيام يوم العيدين [وفي رواية: عن صيام يوم الأضحى، ويوم الفطر].

وعن اشتمال الصماء، وأن يحتبي الرجل في الثوب الواحد [ليس على فرجه شيء].

أخرجه النسائي في المجتبى (1/ 277/ 566)، وفي الكبرى (2/ 215/ 1561)، وأحمد (3/ 6 و 66)، والحميدي (748)، وابن أبي شيبة (2/ 131/ 7320)، وأبو يعلى (2/ 266/ 977) و (2/ 364/ 1121)، [التحفة (3/ 347/ 4084)، الإتحاف (5/ 258/ 5362)، المسند المصنف (28/ 101/ 12567) و (28/ 102/ 12568)].

وهذا حديث صحيح.

ط - ورواه عبد الحميد بن بهرام [ثقة، وهو أثبت الناس في شهر بن حوشب، قال أبو حاتم: "هو في شهر بن حوشب مثل الليث بن سعد في سعيد المقبري"، وقال يحيى بن سعيد القطان: "من أراد حديث شهر فعليه بعبد الحميد بن بهرام"، الجرح والتعديل (6/ 8)، التهذيب (2/ 472)]، وليث بن أبي سليم [ضعيف لاختلاطه وعدم تميز حديثه]:

حدثني شهر، قال: سمعت أبا سعيد الخدري، وذُكِرت عنده صلاةٌ في الطور؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ينبغي للمَطيِّ أن تُشدَّ رحالُه إلى مسجد تبتغى فيه الصلاة، غير المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا. ولا ينبغي لامرأة دخلت الإسلام، أن تخرج من بيتها مسافرةً إلا مع بَعلٍ، أو ذي محرم منها.

ولا ينبغي الصلاة في ساعتين من النهار: من بعد صلاة الفجر إلى أن ترحَلَ الشمس، ولا بعد صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس.

ولا ينبغي الصوم في يومين من الدهر: يوم الفطر من رمضان، ويوم النحر" [لفظ عبد الحميد].

ص: 193

أخرجه أحمد (3/ 64 و 73 و 93)، وأبو يعلى (2/ 489/ 1326)، [الإتحاف (5/ 253/ 5350)، المسند المصنف (28/ 70/ 12534)].

وهذا حديث صحيح، ضبطه شهر ولم يضطرب فيه.

ورواه ليث مرة أخرى عن شهر ببعضه موقوفًا على أبي سعيد في شد الرحال، والاضطراب فيه من ليث.

أخرجه ابن أبي شيبة (3/ 419/ 15548).

ي - ورواه ابن جريج [ثقة حافظ فقيه، أحد الأعلام]، قال: أخبرني عمر بن عطاء بن أبي الخوار [مكي، ثقة، روى له مسلم]، عن عبيد الله بن عياض، وعن عطاء بن بخت، كلاهما عن أبي سعيد الخدري؛ أنهما سمعاه يقول: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: "لا صلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد صلاة العصر حتى الليل"، فقال له عبيد الله بن عياض: إن ابن الزبير يصلي بعد العصر، وقبل طلوع الشمس في فتية، فقال له أبو سعيد: أما إنه قد كان يعيب ذلك على القوم؛ يعني: بني أمية.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 428/ 3959)، وأحمد (3/ 95)، والطبراني في من اسمه عطاء (7)، [الإتحاف (5/ 302/ 5446)، المسند المصنف (28/ 98/ 12563)].

قلت: هو حديث صحيح، وعطاء بن بخت: روى عنه عمر بن عطاء بن أبي الخوار، وقال العجلي:"مكي تابعي ثقة"، وذكره ابن حبان في الثقات [التاريخ الكبير (6/ 463)، الجرح والتعديل (6/ 331)، الثقات (5/ 201)، معرفة الثقات (1234)، الثقات لابن قطلوبغا (7/ 133)]، وعبيد الله بن عياض القاري: ثقة، روى له البخاري.

ك - وروى محمد بن أبي حرملة [ثقة، روى له الشيخان]، سمع النعمان بن أبي عياش الزرقي [تابعي ثقة، روى له الشيخان]، سمع أبا سعيد الخدري، سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس".

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 59)، وعلي بن حجر السعدي في حديثه عن إسماعيل بن جعفر (318).

وهو حديث صحيح.

ل - وروى يحيى بن سعيد القطان، عن مجالد بن سعيد: حدثني أبو الوداك [جبر بن نوف]، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"لا تصوموا يومين، ولا تصلوا صلاتين: ولا تصوموا يوم الفطر ولا يوم الأضحى، ولا تصلوا بعد الفجر حتى تطلع الشمس، ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس".

"ولا تسافر المرأة ثلاثًا إلا ومعها محرم".

"ولا تشدُّ الرِّحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجد الحرام، ومسجدي، ومسجد بيت المقدس".

ص: 194

أخرجه أحمد (3/ 53)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 388)، [الإتحاف (5/ 190/ 5182)، المسند المصنف (28/ 71/ 12535)].

قلت: هذا إسناد لا بأس به في المتابعات؛ أبو الوداك جبر بن نوف: صالح، ومجالد بن سعيد: ليس بالقوي، والأكثر على تضعيفه، وقال عبد الرحمن بن مهدى:"حديث مجالد عند الأحداث؛ يحيى بن سعيد وأبى أسامة: ليس بشيء، ولكن حديث شعبة وحماد بن زيد وهشيم وهؤلاء القدماء"، قال ابن أبي حاتم:"يعني: أنه تغير حفظه في آخر عمره"[الجرح والتعديل (8/ 361)، التهذيب (4/ 24)]، وقد توبع عليه، ولم يأت فيه بما ينكر.

م - وروى إبراهيم بن سعد [ثقة حجة، أثبت الناس في ابن إسحاق، وقد صرح في حديثه بالسماع، عند ابن نصر والدقاق]، ويزيد بن هارون، وعبد الله بن نمير، ومحمد بن عبيد الطنافسي، وعبدة بن سليمان، ويونس بن بكير، وأحمد بن خالد [وهم ثقات]:

عن محمد بن إسحاق، عن [وفي رواية إبراهيم بن سعد: حدثني] يعقوب بن عتبة، عن سليمان بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن صيام يومين، وعن صلاتين، وعن نكاحين:

سمعته ينهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس.

وعن صيام يوم الفطر والأضحى.

وأن يجمع بين المرأة وخالتها، وبين المرأة وعمتها.

أخرجه مطولًا، أو مقتصرًا على بعض أطرافه: الترمذي في العلل (278)، والنسائي في الكبرى (5/ 189/ 5403)، وابن ماجه (1930)، وأحمد (3/ 67)، وابن أبي شيبة (2/ 347/ 9773) و (3/ 526/ 16761)، وابن نصر المروزي في السنة (276 و 277)، وأبو يعلى (2/ 377/ 1143) و (2/ 456/ 1268)، وابن أخي ميمي الدقاق في فوائده (249)، وابن عبد البر في الاستذكار (5/ 451)، والخطيب في تلخيص المتشابه في الرسم (2/ 740)، وعلقه البخاري في التاريخ الكبير (5/ 437)، [التحفة (3/ 341/ 4070)، الإتحاف (5/ 251/ 5343)، المسند المصنف (28/ 100/ 12566)].

قال الترمذي بعد أن اقتصر على طرفه الأخير: "سألت محمدًا - يعني: ابن إسماعيل البخاري -، عن هذا الحديث، فقال: روى هذا الحديث بكير بن الأشج، عن سليمان بن يسار، عن عبد الملك بن يسار، وهو أخوه، عن أبي هريرة. ورواه زيد بن أسلم، عن أبي سعيد، مرسلًا".

• قلت: رواه عبد الله بن عبد الحكم، وشعيب بن الليث، ويحيى بن عبد الله بن بكير، وعبد الله بن يوسف، وعبد الله بن صالح [وهم ثقات]:

قالوا: حدثنا الليث بن سعد [ثقة ثبت، إمام فقيه]، عن أيوب بن موسى [أبو موسى

ص: 195

الأموي المكي: ثقة]، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن سليمان بن يسار، عن عبد الملك بن يسار، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا تُنكَح المرأةُ على عمتها، ولا على خالتها".

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (5/ 437)، والنسائي في المجتبى (6/ 97/ 3292)، وفي الكبرى (5/ 189/ 5404)، وابن نصر المروزي في السنة (278)، والطحاوي في المشكل (15/ 208/ 5954 و 5955)، والطبراني في الأوسط (8/ 281/ 8641)، وابن عبد البر في التمهيد (18/ 277)، وعلقه الترمذي في العلل (279)، [التحفة (10/ 39/ 14103)، المسند المصنف (32/ 55/ 14667)].

• خالفه: عمرو بن الحارث [ثقة ثبت، لكن في الإسناد إليه: بكر بن سهل الدمياطي، وهو: ضعيف. اللسان (2/ 344)، تاريخ دمشق (10/ 379)، راجع ترجمته تحت الحديث رقم (652)، وقد تقدمت ترجمته مرارًا]، ورباح بن أبي معروف المكي [صالح، وعنه: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو: ليس بالقوي]:

عن بكير بن عبد الله الأشج، عن سليمان بن يسار، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا تنكح المرأة على عمتها، ولا على خالتها".

أخرجه النسائي في الكبرى (5/ 190/ 5405)، والطبراني في الأوسط (3/ 293/ 3195)، [التحفة (9/ 469/ 13487)، المسند المصنف (32/ 55/ 14667)].

وله إسناد آخر عن ابن الأشج، ولا يثبت [أخرجه الطبراني في الأوسط (4/ 336/ 4362)] [تفرد به عن يحيى بن أبي كثير: مبارك بن سعد اليمامي، وهو: مجهول. التهذيب (4/ 17)، المغني (2/ 540)، الميزان (3/ 431)، السنن الكبرى للنسائي (7/ 27/ 7381)].

قلت: رواية أيوب بن موسى أولى بالصواب، وقد زاد في الإسناد رجلًا، والزيادة من الثقة مقبولة.

وقد أعل البخاري رواية ابن إسحاق عن يعقوب برواية الليث بن سعد عن أيوب عن بكير بن الأشج، وهو الصواب، والوهم فيه عندي من ابن إسحاق نفسه.

وأما يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس الثقفي المدني، فهو: ثقة عالم مشهور [التهذيب (4/ 444)].

ومحمد بن إسحاق بن يسار المدني: إمام في المغازي والسير، وهو: صدوق، حسن الحديث، واسع الرواية جدًّا، سبق الكلام عن تدليسه مفصلًا عند الحديث رقم (814)، وخلاصة الكلام فيه: أنه لا يُردُّ حديثه بمجرد العنعنة، وإنما بثبوت التدليس في حديث بعينه، وهو هنا قد صرح بالسماع.

وعلى هذا فالأقرب عندي أنه دخل له حديث في حديث، حيث أدخل حديث أبي هريرة في النهي عن نكاح المرأة على عمتها وخالتها، على حديث أبي سعيد في النهي عن صيام يومين، وعن صلاتين.

ص: 196

° والحاصل: فإن حديث ابن إسحاق هذا حديث حسن في النهي عن صيام يومين، وعن صلاتين؛ دون طرفه الثالث في النهي عن نكاحين؛ وإنما هو من حديث أبي هريرة، دخل لابن إسحاق فيه حديث في حديث، والله أعلم [وانظر ما وقع لابن إسحاق أيضًا من الوهم في روايته عن يعقوب بن عتبة: فضل الرحيم الودود (10/ 221/ 944)].

ن - وروى ابن وهب، قال: أخبرني مخرمة بن بكير، عن أبيه، عن عبيد الله بن مقسم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صلاتين: بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس.

أخرجه الحسن بن رشيق في جزئه (59)، بإسناد صحيح إلى ابن وهب.

وهذا حديث غريب من حديث عطاء بن يسار، ثم من حديث عبيد الله بن مقسم المدني، ومخرمة بن بكير بن عبد الله بن الأشج: لم يسمع من أبيه شيئًا، وروايته عنه إنما هي من كتاب أبيه وجادة [تقدم الكلام عليه تحت الحديث المتقدم برقم (207)] [وانظر: تخريج أحاديث الذكر والدعاء برقم (459)(3/ 999) و (529)(3/ 1081 - 1082)]، وكثيرًا ما يدخل الخلل والوهم والخطأ على المحدث إذا روى من صحيفة وجدها ولم يسمعها، والله أعلم.

س - وروى أبو معاوية [محمد بن خازم الضرير: ثقة ثبت في الأعمش، وقد يهم في حديث غيره]: ثنا أبو بكر النهشلي [كوفي، ثقة]، عن عطاء، عن عائشة، قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بعد العصر ركعتين.

فقال أبو سعيد: حدثيني بما رأيتِ، وأحدثُ بما سمعتُ؛ سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا بعد العصر حتى تغرب".

أخرجه إسحاق بن راهويه (3/ 1007/ 1749)، وعنه: أبو العباس السراج في مسنده (1550)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (2347).

قلت: هو حديث غريب؛ لا يُعرف عن عطاء بن أبي رباح بهذا السياق إلا من هذا الوجه، تفرد به عنه أهل الكوفة.

• خالفه: أبو داود الطيالسي [سليمان بن داود: ثقة حافظ]، قال: ثنا أبو بكر النهشلي، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن ذلك، بنحو ما تقدم.

أخرجه الطحاوي (1/ 304).

قلت: وهذا أولى؛ وعطية بن سعد العوفي: ضعيف الحفظ [انظر: التهذيب (3/ 114)، الميزان (3/ 79)].

° ورواه أحمد بن الخليل [هو: ابن ثابت، أبو جعفر البُرجُلاني: ثقة]: ثنا خلف بن تميم [ثقة]: ثنا أبو بكر النهشلي، عن عطية بن سعد، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يومان من الدهر لا تصوموهما، وساعتان من النهار لا تصلوهما، فإن

ص: 197

النصارى واليهود يتحرونهما، يوم الفطر ويوم الأضحى، وبعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد صلاة العصر إلى غروب الشمس".

أخرجه الدارقطني (1/ 246)، [الإتحاف (5/ 336/ 5509)].

وهذا حديث منكر بهذا السياق، إسناده غريب، ولعل التبعة فيه على عطية العوفي، والله أعلم.

• وقد تابع النهشلي على هذا السياق، وزاد فيه أيضًا:

أبو مريم عبد الغفار بن القاسم [وهو: رافضي، متروك الحديث، بل كان يضع الحديث. اللسان (5/ 226)]، فرواه عن عطية، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يومان من الدهر لا تصوموهما، وساعتان من النهار لا تصلوا فيهما، فإن اليهود والنصارى يتحرونهما: لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا تصوموا يوم الفطر ولا يوم الأضحى، وأبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم".

أخرجه أبو الحسن الحمامي في جزء من حديثه (8 - جزء الاعتكاف)، بإسناد مجهول إلى أبي مريم به.

وهذا حديث باطل.

ع - ورواه أحمد بن بكر أبو سعيد البالسي ببالس، قال: حدثنا محمد بن عبيد [هو: ابن أبي أمية الطنافسي: ثقة]، قال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال: ذُكر عند أبي سعيد الخدري ركعتين بعد العصر، فقال أبو سعيد: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما، فجيؤونا بمن يخبرنا أنه أمر بهما بعد ذلك.

أخرجه الدارقطني في الأفراد (2/ 228/ 4835 - أطرافه)، وأبو طاهر المخلص في السادس من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (200)(1219 - المخلصيات).

قال ابن صاعد: "لا أعرف علة هذا الحديث".

وقال الدارقطني: "تفرد به أحمد بن بكر البالسي عن محمد بن عبيد عن إسماعيل عنه".

قلت: هو حديث منكر بهذا الإسناد عن الطنافسي، وأحمد بن بكر البالسي: قال ابن عدي: "روى أحاديث مناكير عن الثقات"، وقال الدارقطني:"ضعيف"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال "كان يخطئ"، وقال الأزدي:"كان يضع الحديث"[الثقات (8/ 51)، الكامل (1/ 188)، اللسان (1/ 411)، الثقات لابن قطلوبغا (1/ 288)].

• ولحديث أبى سعيد طرق أخرى لا تثبت، وفيها زيادات، فمنها:

• ما أخرجه أحمد (3/ 39)[وفي إسناده: جابر بن يزيد الجعفي، وهو: متروك، يكذب][الإتحاف (5/ 261/ 5367)، المسند المصنف (28/ 99/ 12564)].

• وطريق آخر: أخرجه عبد الرزاق (2/ 429/ 3962)، وأحمد (3/ 85)، وإسحاق بن

ص: 198

راهويه (2/ 90/ 555)، وأبو يعلى (2/ 372/ 1134)، وأبو إسماعيل الهروي في ذم الكلام (277)، [وراويه عن أبي سعيد: أبو هارون عمارة بن جوين العبدي البصري: متروك، كذبه جماعة. التهذيب (3/ 207)، وفي رواية: بشر بن حرب أبو عمرو الندبي، وهو: ضعيف. راجع ترجمته في فضل الرحيم الودود (8/ 255/ 741)] [الإتحاف (5/ 175/ 5142)، المسند المصنف (28/ 103/ 12569) و (28/ 104/ 12571 و 12572)].

° وطريق آخر: أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (3/ 242/ 2174) و (4/ 361/ 3560)، وفي المعجم الأوسط (1/ 42/ 115) [وفي إسناده: ابن لهيعة، وهو: ضعيف].

2 -

حديث أبي هريرة، وله طرق:

أ - روى مالك، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن الأعرج، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس.

أخرجه مالك في الموطأ (1/ 303/ 588)، ومن طريقه: مسلم (825)، وأبو عوانة (1/ 316/ 1122)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 419/ 1867)، والنسائي في المجتبى (1/ 276/ 561)، وفي الكبرى (2/ 214/ 1557) و (3/ 219 - 220/ 2808)، وابن حبان (4/ 411/ 1543) و (4/ 412/ 1544)، والشافعي في الأم (1/ 147)، وفي اختلاف الحديث (98)، وفي الرسالة (103)، وفي المسند (166)، وأحمد (2/ 462 و 529)، وأبو العباس السراج في مسنده (940)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1210)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 388/ 1083)، والطحاوي (1/ 304)، والجوهري في مسند الموطأ (254)، وابن الغطريف في جزئه (71)، والبيهقي في السنن (2/ 452)، وفي المعرفة (2/ 261/ 1292)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (1/ 299)، والبغوي في شرح السنة (3/ 319/ 774)، وقال:"هذا حديث متفق على صحته". [التحفة (9/ 630/ 13966)، الإتحاف (15/ 189/ 19131) و (15/ 190/ 19134)، المسند المصنف (30/ 430/ 13996) و (32/ 160/ 14760)].

قال ابن عبد البر في التمهيد (13/ 30): "هذا حديث لا يختلف في ثبوته، وصحة إسناده".

قلت: هكذا رواه عن مالك جمهور رواة الموطأ، وفيهم أثبت أصحابه: الشافعي، وعبد الله بن مسلمة القعنبي (23)، وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى بن يحيى النيسابوري، وأبو مصعب الزهري (35)، وعبد الرحمن بن القاسم (96 - بتلخيص القابسي)، ويحيى بن يحيى الليثي (588)، وعثمان بن عمر، وإسحاق بن عيسى الطباع، وقتيبة بن سعيد، وسويد بن سعيد الحدثاني (20).

وعامة أصحاب مالك ورواة الموطأ قد فرقوا هذا الحديث على الأبواب، ورواه عثمان بن عمر بن فارس [عند أحمد (2/ 529)؛ فجمعه في سياق واحد، وقد أخذت بعمل جماعة أصحاب مالك في تفريق الحديث.

ص: 199

• وقد وهم فيه أيضًا على مالك بجمع أطراف الحديث في سياق واحد، وزاد فيه وهمًا في الإسناد: محمد بن الحسن الشيباني في موطئه (921)[والشيباني: ضعيف][وانظر: علل الدارقطني (8/ 217/ 1528)].

• ووهم في إسناده: أبو خليفة [الفضل بن الحباب: ثقة؛ تكلم فيه، وأخطأ في أحاديث. انظر: الإرشاد (2/ 526)، سؤالات حمزة السهمي (247)، الثقات (9/ 8)، السير (14/ 7)، التذكرة (2/ 670)، الميزان (3/ 350)، اللسان (6/ 337)]، قال: حدثنا القعنبي، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس.

أخرجه ابن الغطريف في جزئه (72).

قلت: هكذا وهم في إسناده أبو خليفة، وسلك فيه الجادة والطريق السهل؛ فإن مالكًا عن أبي الزناد عن الأعرج، أسهل وأشهر وأسبق إلى اللسان من: مالك عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج، والله أعلم.

• وروي من حديث يحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن الأعرج، عن أبي هريرة مرفوعًا، ولا يثبت [أخرجه الطبراني في الأوسط (2/ 205/ 1741)، وفي الصغير (116)، والخطيب في تاريخ بغداد (5/ 36)][تفرد به عن يحيى: يزيد بن يوسف الرحبي الصنعاني الدمشقي، وهو: ضعيف، تركه أحمد والنسائي والدارقطني وغيرهم، ولا يحتمل منه تفرده بذلك عن أهل الحجاز].

ب - ورواه أبو أسامة حماد بن أسامة، وعبدة بن سليمان، وعبد الله بن نمير، ومحمد بن عبيد الطنافسي، ووكيع بن الجراح، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، وأبو داود الطيالسي، ومعتمر بن سليمان:

عن عبيد الله بن عمر، عن خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين، وعن لبستين، وعن صلاتين:

نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس.

وعن اشتمال الصماء، وعن الاحتباء في ثوب واحد، يفضي بفرجه إلى السماء.

وعن المنابذة، والملامسة.

أخرجه بتمامه، أو بطرف منه: البخاري (584 و 588 و 5819)، ومسلم (1511)، وأبو عوانة (3/ 258/ 4878)، والنسائي في المجتبى (7/ 261/ 4517)، وفي الكبرى (6/ 26/ 6063)، وابن ماجه (1248 و 2169 و 3560)، وابن حبان (6/ 68/ 2290)، وأحمد (2/ 478 و 496 و 510)، والطيالسي (4/ 209/ 2585)، وابن أبي شيبة (2/ 131/ 7322)(5/ 110/ 7400 - ط. عوامة)(5/ 66/ 7520 - ط. الشثري)، و (4/ 476/ 22275) و (5/ 200/ 25216)، والبزار (15/ 14/ 8185)، وابن حزم في المحلى (4/ 73) و (8/ 340)، والبيهقي في السنن (2/ 224 و 452)، وفي الآداب (579)، [التحفة (9/ 42/ 12265)،

ص: 200

الإتحاف (14/ 446/ 17978) و (14/ 448/ 17983)، المسند المصنف (32/ 163/ 14762)].

• وانظر فيمن وهم فيه على خبيب: ما أخرجه عبد الرزاق (2/ 428/ 3961).

° وانظر فيمن وهم فيه على عبيد الله بن عمر: ما علقه ابن أبي حاتم في العلل (2/ 496/ 544)، ووصله الدارقطني في الأفراد (1/ 575/ 3339 و 3340 - أطرافه)[وقد تقدم ذكره تحت الحديث رقم (1273)، في طرق حديث ابن عمر].

ج - ورواه ابن وهب، قال: أنا عمرو بن الحارث؛ أن المنذر بن عبيد حدثه؛ أن أبا صالح السمان حدثه؛ أنه سمع أبا هريرة، يخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين: الفطر والأضحى، وعن صلاتين: بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد [صلاة] الصبح حتى ترتفع الشمس، وعن لبستين: الصماء، وأن يحتبي الرجل بثوب ليس على فرجه منه شيء، وعن بيعتين: الملامسة والمنابذة.

أخرجه الطحاوي في شرح المعاني (2/ 248)، وفي أحكام القرآن (856)، وأبو بكر محمد بن بشر العكري في فوائده (10)، وابن شاهين في الناسخ (257).

وهذا حديث صحيح، إسناده جيد غريب، والمنذر بن عبيد المدني: روى عنه جماعة من الثقات، وذكره ابن حبان في الثقات [التهذيب (4/ 154)، بيان الوهم (4/ 485/ 2051)]، وله أحاديث مستقيمة، هذا منها.

د - وروى مروان بن معاوية: ثنا سعيد بن أبي راشد، عن عطاء بن أبي رباح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس، من طاف فليصلِّ، أيَّ حينٍ طاف".

أخرجه ابن عدي في الكامل (3/ 389)، ومن طريقه: البيهقي (2/ 462)، وعلقه البخاري في التاريخ الكبير (3/ 492).

قال البخاري بعد أن ذكره في ترجمة سعيد بن عبد الرحمن أبي شيبة الزبيدي: "لا يتابع عليه".

وقال ابن عدي: "وهذا يرويه عن عطاء سعيدٌ، وزاد في متنه: "من طاف فليصلِّ أيَّ حينٍ طاف""، قال:"وهو يحدث عن عطاء وغيره بما لا يتابع عليه".

قلت: فهو حديث منكر؛ سعيد بن أبي راشد: ضعيف، لا يعرف، حدث عن عطاء بما لا يتابع عليه، وقد تفرد هنا بهذه الجملة:"من طاف فليصلِّ أيَّ حينٍ طاف"، ولم يتابع عليها [الكامل (3/ 389)، التاريخ الكبير (3/ 492) وحاشية المعلمي عليه. الجرح والتعديل (4/ 19)، الثقات (6/ 372)، علل الدارقطني (8/ 275/ 1563)، اللسان (4/ 49)].

3 -

حديث عبد الله بن عمرو:

رواه حسين بن ذكوان المعلم [ثقة]، وعبد الكريم بن مالك الجزري [ثقة متقن]، والحكم بن عتيبة [ثقة ثبت، لكن الراوي عنه: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو:

ص: 201

ليس بالقوي، وقد توبع عليه]، والمثنى بن الصباح [ضعيف]، والحجاج بن أرطأة [ليس بالقوي، ولم يذكر سماعًا، قال أبو نعيم الفضل بن دكين: "لم يسمع حجاج من عمرو بن شعيب إلا أربعة أحاديث، والباقي عن محمد بن عبيد الله العرزمي"، قال ابن رجب: "يعني: أنه يدلس بقية حديثه عن عمرو: عن العرزمي"، شرح العلل (2/ 855)، والعرزمي: متروك، رواه عن الحجاج: نصر بن باب، وهو: متروك، كذبه أبو خيثمة]:

عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده [عبد الله بن عمرو]، قال: لما فُتِح على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، قال:"كفوا السلاح، إلا خزاعة عن بني بكر"، فأذن لهم حتى صلوا العصر، ثم قال:"كفوا السلاح"، فلقي من الغد رجلٌ من خزاعة رجلًا من بني بكر، بالمزدلفة فقتله، فبلغ ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقام خطيبًا، فقال:"إن أعدى الناس على الله من عدا في الحرم، ومن قتل غير قاتله، ومن قتل بذُحُول الجاهلية"، فقال رجل: يا رسول الله! إن ابني فلانًا عاهرتُ بأمه في الجاهلية؟ فقال: "لا دعوة في الإسلام، ذهب أمرُ الجاهلية، الولد للفراش، وللعاهر الأثلب"، قيل: يا رسول الله! وما الأثلب؟ قال: "الحجر، وفي الأصابع عشرٌ عشرٌ، وفي المواضح خمسٌ خمسٌ، ولا صلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا تُنكَح المرأة على عمتها، ولا على خالتها، ولا يجوز لامرأة عطيةٌ إلا بإذن زوجها، وأوفوا بحلف الجاهلية، فإن الإسلام لم يزده إلا شدة، ولا تحدثوا حلفًا في الإسلام". [لفظ حسين المعلم عند أحمد (2/ 179 و 207)].

وقد روي مختصرًا [عند ابن أبي شيبة]: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وعن صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس.

وفي رواية عبد الكريم الجزري [عند عبد الرزاق (10750)، وأحمد (2/ 182)]: أن النبي صلى الله عليه وسلم استند إلى الكعبة، فوعظ الناس وذكرهم، ثم قال:"لا يصلين أحدٌ بعد العصر ختى الليل، ولا بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا تسافر امرأةٌ إلا مع ذي محرم ثلاثة أيام، ولا تَقدَمَنَّ المرأة على عمتها، ولا على خالتها"[وبنحوه لفظ الحكم والمثنى].

أخرجه مطولًا مشتملًا على موضع الشاهد، أو مقتصرًا منه على موضع الشاهد حسب: أحمد (2/ 179 و 182 و 207)، وعبد الرزاق (6/ 260/ 10750 و 10751)، وابن أبي شيبة (2/ 131/ 7327)، وابن أبي عمر العدني في مسنده (5/ 248/ 4614 - إتحاف الخيرة)، والفاكهي في أخبار مكة (1/ 263/ 517 و 518)، وأبو يعلى (1/ 460/ 859 - إتحاف الخيرة) و (4/ 197/ 3416 - إتحاف الخيرة)، وأبو بكر النجاد في أماليه (8)، والطبراني في الأوسط (5/ 345/ 5505)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (64/ 342)، وأبو طاهر السلفي في الثاني والعشرين من المشيخة البغدادية (6)(1762 - مشيخة المحدثين البغدادية)، [الإتحاف (9/ 524/ 11833)، المسند المصنف (17/ 228/ 8082)].

وهذا حديث حسن.

ص: 202

ولم أذكر المصادر التي خرجت أطراف الحديث دون موضع الشاهد في النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر، وسيأتي تخريج كل طرف في موضعه من السنن إن شاء الله تعالى؛ فإن تخريج هذا الحديث بجميع أطرافه؛ مع الكلام على كل طرفٍ مستقلًا بشواهده يحتاج إلى جزء حديثي مستقل، والله المستعان.

• ورواه خليفة بن خياط [أبو هبيرة، جد شباب العصفري: صدوق. سؤالات الآجري (1026)، علل الترمذي الكبير (114)، الجرح والتعديل (3/ 378)، الثقات (6/ 269)، المتفق والمفترق (2/ 871)، التهذيب (1/ 551)، الثقات لابن قطلوبغا (4/ 162)]، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبهم وهو مسند ظهره إلى الكعبة، فقال:"لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد صلاة الغداة حتى تطلع الشمس، والمؤمنون تكافأ دماؤهم، يسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم، ألا لا يُقتلُ مؤمنٌ بكافر، ولا ذو عهد في عهده"[واللفظ لأحمد].

أخرجه مطولًا مشتملًا على موضع الشاهد، أو مقتصرًا منه على موضع الشاهد حسب: أحمد (2/ 211)، والطيالسي (4/ 19/ 2374)، الإتحاف (9/ 524/ 11833)، المسند المصنف (17/ 831/ 8023)].

وهذا حديث حسن.

ولم أذكر المصادر التي خرجت أطراف الحديث دون موضع الشاهد في النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر، وسيأتي تخريج كل طرف في موضعه من السنن إن شاء الله تعالى.

• خالفهم: الأوزاعي [وعنه: أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج، وهو: ثقة]، قال: حدثنا عمرو بن شعيب، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن عمر بن الخطاب؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا صلاة بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس، ولا بعد العصر حتى تغيب الشمس".

أخرجه أحمد (1/ 19)، [الإتحاف (12/ 293/ 15614)، المسند المصنف (22/ 140/ 9995)].

وهذه الرواية وهم، والمحفوظ رواية الجماعة: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، من مسند عبد الله بن عمرو، لا من مسند عمر، والله أعلم.

• وقد روي نحوه بأطول من رواية حسين المعلم، بإسناد آخر غريب جدًّا، وجعلوه مرة من مسند ابن عمر، ومرة من مسند ابن عباس [أخرجه ابن حبان (13/ 340/ 5996 - إحسان)(5/ 110/ 4096 - التقاسيم والأنواع)، والبزار (2/ 198/ 1512 - كشف الأستار)، وبحشل في تاريخ واسط (164)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 97/ 122 - مسند ابن عباس)، والطبراني في الأحاديث الطوال (59)، والدارقطني في السنن (4/ 218 - 219)، وفي المؤتلف (3/ 1207)، وفي الأفراد (1/ 551/ 3162)، [الإتحاف

ص: 203

(8/ 630/ 10107)، المسند المصنف (14/ 497/ 7081)] [إسناده غريب جدًّا، تُكُلِّم في رجاله، وفي أحدهم جهالة، وهو: سنان بن الحارث، ويروي أحدهم عن شيخه الغرائب، وهو: يحيى بن عبد الرحمن الأرحبي، وهذا منها].

• وروي نحوه أيضًا من حديث عائشة [أخرجه أبو يعلى (8/ 197/ 4757)، والبيهقي (8/ 29)، والخطيب في الموضح (2/ 480)][وفي إسناده: عبيد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن موهب، وهو: ليس بالقوي، وهو منكر من حديث عمرة عن عائشة].

4 -

حديث أبي بصرة الغفاري:

رواه الليث بن سعد، عن خير بن نعيم الحضرمي، عن ابن هبيرة، عن أبي تميم الجيشاني، عن أبي بصرة الغفاري، قال: صلى بنا صلى الله عليه وسلم العصر بالمخمص، فقال:"إن هذه الصلاة عرضت على من كان قبلكم فضيعوها، فمن حافظ عليها كان له أجره مرتين، ولا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد"، والشاهد: النجم.

أخرجه مسلم (830)، وقد تقدم تخريجه بطرقه في فضل الرحيم الودود (5/ 165/ 418).

5 -

حديث معاوية بن أبي سفيان:

رواه غندر محمد بن جعفر، وشبابة بن سوار، وحجاج بن محمد المصيصي، ومعاذ بن معاذ العنبري [وهم ثقات، وفيهم أثبت أصحاب شعبة]، وغيرهم:

عن شعبة، عن أبي التياح، قال: سمعت حمران بن أبان، يحدث عن معاوية، قال: إنكم لتصلون صلاةً لقد صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رأيناه يصليها، ولقد نهى عنهما؛ يعني: الركعتين بعد العصر. لفظ غندر [عند البخاري]، وفي رواية شبابة وحجاج: أنه نظر إلى أناس يصلون بعد العصر، فقال:

فذكره.

أخرجه البخاري (587 و 3766)، وأحمد (4/ 99 و 100)، وابن أبي شيبة (2/ 131/ 7326)، وأبو يعلى (13/ 346/ 7360)، والطحاوي (1/ 304)، والطبراني في الكبير (19/ 333/ 766)، والبيهقي (2/ 452)، [التحفة (8/ 131/ 11406)، الإتحاف (13/ 339/ 16810)، المسند المصنف (24/ 572/ 11106)].

° خالفهم: أبو داود الطيالسي [ثقة حافظ]، وعثمان بن عمر بن فارس [ثقة]:

فروياه عن شعبة: أخبرنا أبو التياح، عن معبد الجهني، قال: خطب معاوية رضي الله عنه، فقال: ألا ما بال أقوام يصلون صلاة لقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رأيناه يصليها؟ وقد سمعناه ينهى عنها؛ يعني: الركعتين بعد العصر.

أخرجه الطيالسي (2/ 308/ 1050)، والطبراني في الكبير (19/ 350/ 818)، والبيهقي (2/ 453).

قال البيهقي: "وكأن أبا التياح سمعه منهما، والله أعلم".

وقال ابن حجر في الفتح (2/ 62): "والطريق التي اختارها البخاري أرجح، ويجوز أن يكون لأبي التياح فيه شيخان".

ص: 204

6 -

حديث أم سلمة:

رواه عمرو بن الحارث، عن بكير بن الأشج، عن كريب مولى ابن عباس؛ أن عبد الله بن عباس، وعبد الرحمن بن أزهر، والمسور بن مخرمة، أرسلوه إلى عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم،

فذكر الحديث في الركعتين بعد العصر، والشاهد منه: فقالت أم سلمة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنهما، ثم رأيته يصليهما،

ثم قالت للجارية: قومي بجنبه فقولي له: تقول أم سلمة: يا رسول الله! أسمعُك تنهى عن هاتين الركعتين، وأراك تصليهما؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:"يا ابنةَ أبي أمية! سألتِ عن الركعتين بعد العصر، إنه أتى ناسٌ من عبد القيس بالإسلام من قومهم، فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر، فهما هاتان".

تقدم برقم (1273)، وهو حديث متفق على صحته، فلو كان النهي عن الصلاة بعد العصر قد نسخ، أو خصص بما إذا كانت الشمس مرتفعة بيضاء نقية، قبل أن تصفر؛ لما تأخر البيان عن موضع الحاجة، بل جاء التعليل لفعله صلى الله عليه وسلم بانشغاله عن فعلهما في وقتهما بعد الظهر، فقضاهما بعد العصر، فدل إقراره لها على بقاء النهي على عمومه إلا ما استثني، ودل قوله وتعليله صلى الله عليه وسلم على جواز قضاء نافلة الظهر في وقت النهي بعد العصر، ولا نتجاوز بهذا الدليل موضع الإباحة بعد المنع، إلا ما كان في معناها أو أعلى منها؛ كقضاء الراتبة، أو الفريضة، فيبقى المنع من الصلاة على أصله، إلا ما خصه الدليل، ونبيح بهذا الدليل قضاء نافلة راتبة، أو فريضة فائتة، ولا نزيد شيئًا من قبل أنفسنا، وأما مداومة النبي صلى الله عليه وسلم على الركعتين بعد العصر بعد ذلك فإنما هو من خصائصه صلى الله عليه وسلم، كما تقدم بيانه في آخر الحديث المشار إليه.

7 -

حديث أبي ذر الغفاري:

رواه يزيد بن هارون [ثقة متقن]، عن عبد الله بن المؤمل، عن قيس بن سعد، عن مجاهد، عن أبي ذر؛ أنه أخذ بحلقة باب الكعبة، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا بعد الفجر حتى تطلع الشمس؛ إلا بمكة، إلا بمكة".

أخرجه أحمد (5/ 165)، [الإتحاف (14/ 183/ 17598)، المسند المصنف (27/ 271/ 12286)].

° وخالفه: أبو أحمد الزبيري [محمد بن عبد الله بن الزبير: ثقة ثبت]: ثنا عبد الله بن المؤمل، عن حميد بن قيس، عن مجاهد، قال: قال أبو ذر - وهو آخذ بحلقة الباب -: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، ولا بعد العصر حتى تغرب؛ إلا بمكة".

أخرجه ابن منيع في مسنده (1/ 458/ 857 - إتحاف الخيرة).

هكذا جعل حميد بن قيس بدل: قيس بن سعد.

ص: 205

• وخالفهما: سعيد بن سالم القداح [ليس به بأس، وعنه: عبد الله بن عمران العابدي، وهو: صدوق]، فرواه عن عبد الله بن مؤمل - يعني المخزومي -، عن حميد مولى عفراء، عن مجاهد، عن أبي ذر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة بعد الصبح، ولا بعد العصر؛ إلا بمكة إلا بمكة إلا بمكة".

أخرجه ابن خزيمة (4/ 226/ 2748)(3/ 349/ 2828 - ط. التأصيل)، وابن عدي في الكامل (4/ 137)، [الإتحاف (14/ 183/ 17598)، المسند المصنف (27/ 271/ 12286)].

قال أبو بكر بن خزيمة: "أنا أشك في سماع مجاهد من أبي ذر".

وقال ابن عدي بعد أن سرد جملة أحاديث مما أنكره على ابن المؤمل هذا: "وهذا مع ما أمليت من أحاديث ابن المؤمل: فكلها غير محفوظة"، ثم قال في آخر ترجمته:"ولابن المؤمل هذا غير ما ذكرت من الحديث، وعامة ما يرويه الضعف عليه بين".

• وخالفهم: الإمام الشافعي [ثقة فقيه، إمام حجة]، ومعن بن عيسى [ثقة ثبت]، وسعيد بن سليمان [الواسطي: ثقة حافظ]، وسعيد بن سالم القداح [ليس به بأس، وعنه: علي بن حرب، وعبد الله بن عمران العابدي، وهما صدوقان]:

عن عبد الله بن المؤمل، قال: نا حميد مولى عفراء، عن قيس بن سعد [مكي، ثقة]، عن مجاهد، قال: قدم علينا أبو ذر، فأخذ بحلقة باب الكعبة، فنادى بصوته الأعلى، فقال: يا أيها الناس، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، إلا بمكة، إلا بمكة".

أخرجه الفاكهي في أخبار مكة (1/ 256/ 491 و 492)، والطبراني في الأوسط (1/ 258/ 847)، والدارقطني (1/ 424) و (2/ 265)، وأبو نعيم في الحلية (9/ 159)، والبيهقي في السنن (2/ 461)، وفي المعرفة (2/ 275/ 1316) و (4/ 79/ 2975)، [الأتحاف (14/ 183/ 17598)].

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن قيس بن سعد إلا حميد مولى عفراء، وهو حميد بن قيس الأعرج، تفرد به: عبد الله بن المؤمل المخزومي".

وقال البيهقي: "وهذا الحديث يعد في أفراد عبد الله بن المؤمل، وعبد الله بن المؤمل: ضعيف؛ إلا أن إبراهيم بن طهمان قد تابعه في ذلك عن حميد، وأقام إسناده".

وقال ابن العربي في المسالك (1/ 469)، وفي القبس (2/ 428):"لا يصح".

وقال ابن الصلاح في شرح مشكل الوسيط (2/ 38): "حديث أبي ذر في استثناء مكة: فيه نظر، وإسناده ضعيف".

قلت: هكذا اضطرب في إسناده: عبد الله بن المؤمل المخزومي العابدي، وهو: ضعيف، قال أحمد:"أحاديث عبد الله بن المؤمل مناكير"، وقال أبو داود:"منكر الحديث"، وقال العقيلي:"لا يتابع على كثير من حديثه"، والأكثر على تضعيفه، وعدَّ ابن

ص: 206

عدي حديثه هذا في جملة ما أنكر عليه [التهذيب (2/ 440)، العلل ومعرفة الرجال (1/ 567/ 1361)، ترتيب علل الترمذي الكبير (92)، ضعفاء العقيلي (2/ 302)، السنن الكبرى للبيهقي (2/ 461) و (5/ 158)].

• وأما متابعة إبراهيم بن طهمان التي ذكرها البيهقي، فلا تثبت عنه؛ وإنما يُعرف الحديث بعبد الله بن المؤمل:

فقد رواه أبو نصر عمر بن عبد العزيز بن قتادة [محدث مشهور، روى عنه جماعة، أكثر عنه البيهقي جدًّا في كتبه، ووُصف بأنه من المشايخ الكبار، وصحح له البيهقي، وحدث عنه من أصل كتابه، ولم أقف على من ترجم له. سنن البيهقي (4/ 147)، تاريخ بيهق (368)، المنتخب من السياق لتاريخ نيسابور (1446)]: أنبأ أبو محمد أحمد بن إسحاق بن شيبان البغدادي الهروي بها [لم يترجم له الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد، ولم أقف له على ترجمة، ولا كثير رواية، ولا يُعرف بغير هذا الإسناد، فهو مجهول الحال]: أنبأ معاذ بن نجدة [ابن العريان الهروي: قال الذهبي: "صالح الحال، قد تكلم فيه"، تاريخ الإسلام (21/ 309)، المغني (2/ 664)، الميزان (4/ 133)، اللسان (8/ 96)]: ثنا خلاد بن يحيى [ليس به بأس]: ثنا إبراهيم - هو ابن طهمان -[ثقة، يغرب]: ثنا حميد مولى عفراء، عن قيس بن سعد، عن مجاهد، قال: جاءنا أبو ذر فأخذ بحلقة الباب، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بأذني هاتين: "لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا بعد الفجر حتى تطلع الشمس إلا بمكة إلا بمكة إلا بمكة].

أخرجه البيهقي (2/ 461)، عن أبي نصر به.

وعادة الذهبي في تهذيبه لسنن البيهقي الكبير أنه يحذف من نهاية الإسناد ما صح سنده إلى من عليه مدار الحديث، وقد ذكر ذلك في خطبة كتابه (1/ 5)، حيث قال:"لم أختصر من أحاديث الكتاب شيئًا، بل اختصرت الأسانيد، فإن بها طال الكتاب، وبقَّيتُ من السند ما يُعرف به مخرج الحديث، وما حذفت من السند إلا ما صح إلى المذكور".

وهو هنا في هذا الموضع لم يحذف شيئًا من السند بل ساقه بإسناد البيهقي بتمامه، وهذا يؤكد غرابة السند، وعدم شهرة رجاله؛ فهو حديث غريب جدًّا من حديث إبراهيم بن طهمان، ثم من حديث خلاد بن يحيى؛ مع كثرة أصحابهما؛ فلا يثبت.

° قال البيهقي: "حميد الأعرج: ليس بالقوي، ومجاهد: لا يثبت له سماع من أبي ذر، وقوله: جاءنا يعني: جاء بلدنا، والله أعلم".

وكان قال قبلُ: "خبر منقطع، في ثبوته نظر".

وذهب ابن عبد البر أيضًا إلى أنه حديث ليس بالقوي؛ لضعف حميد مولى عفراء، ولأن مجاهدًا لم يسمع من أبي ذر [التمهيد (13/ 45)].

وقال أبو حاتم الرازي: "مجاهد عن أبي ذر: مرسل"[المراسيل لابن أبي حاتم (758)].

ص: 207

وقال البزار: "لا نعلم سمع مجاهد من أبي ذر"[مسند البزار (9/ 461/ 4076)].

وانظر أيضًا: الخلاصة (1/ 272/ 774)، البدر المنير (3/ 273 - 278)، التنقيح (2/ 372).

قلت: حميد بن قيس الأعرج المكي: ليس به بأس [وانظر ترجمته عند الحديث رقم (785)].

وهذا حديث منكر؛ تفرد به عبد الله بن المؤمل، واضطرب في إسناده، ولم يتابع عليه، وهو من جملة مناكيره التي أنكرت عليه، ولا يُعرف الحديث إلا به.

• فإن قيل: جاء من طرق متعددة في بعضها مقال: عن اليسع بن طلحة - القرشي من أهل مكة -، قال: سمعت مجاهدًا، يقول: بلغنا أن أبا ذر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بحلقتي الكعبة، يقول ثلاثًا:"لا صلاة بعد العصر إلا بمكة".

أخرجه الفاكهي في أخبار مكة (1/ 255/ 490)، وابن عدي في الكامل (7/ 289)، ومن طريقه: البيهقي (2/ 462).

فيقال: هذا أشد وهاء من حديث ابن المؤمل، وحديث ابن المؤمل قد اشتهر عنه، ورواه عنه جماعة من الثقات الحفاظ بخلاف هذا، واليسع بن طلحة: منكر الحديث، لا يتابع على حديثه [اللسان (8/ 515)]، والله أعلم.

قال ابن عدي بعد أن أخرج هذا الحديث في ترجمة اليسع: "واليسع بن طلحة هذا: عامة ما يروى عنه من الحديث هو هذا الذي ذكرت، وأحاديثه غير محفوظة".

وقال البيهقي: "اليسع بن طلحة: قد ضعفوه، والحديث منقطع، مجاهد لم يدرك أبا ذر، والله أعلم، وروي في تقوية الوجه الأول خبر ضعيف"؛ يعني: حديث أبي هريرة المتقدم بهذا الاستثناء، من طريق: سعيد بن أبي راشد، عن عطاء بن أبي رباح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس، من طاف فليصلِّ، أيَّ حينٍ طاف"، وهو حديث منكر.

8 -

حديث ابن عباس:

رواه سريج بن النعمان [بغدادي، ثقة]: ثنا أبو الوليد العدني: ثنا رجاء أبو سعيد

[رجاء بن الحارث أبو سعيد]: ثنا مجاهد، عن ابن عباس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "يا بني

عبد المطلب، أو: يا بني عبد مناف! لا تمنعوا أحدًا يطوف بالبيت ويصلي، فإنه لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس؛ إلا بمكة عند هذا البيت، يطوفون ويصلون".

أخرجه الدارقطني (1/ 426)، [الإتحاف (8/ 12/ 8793)].

قال الشيخ الضياء: "أبو الوليد العدني: لم أر له ذكرًا في الكنى لأبي أحمد الحاكم"[التنقيح (2/ 373)، وعزى الزيلعي في نصب الراية (1/ 254) هذا القول لابن عبد الهادي نفسه، وعزاه ابن الملقن في البدر المنير (3/ 284) للضياء المقدسي].

ص: 208

قلت: فهو مجهول، ورجاء بن الحارث أبو سعيد: قال البخاري والعقيلي: "حديثه ليس بالقائم"، وذكر له العقيلي حديثًا، وقال:"لا يتابع عليه"، وقال ابن معين:"ضعيف"، وفي رواية عنه:"ليس به بأس"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن عدي:"مقدار ما يرويه غير محفوظ"[التاريخ الكبير (3/ 313)، ضعفاء العقيلي (2/ 61)، الجرح والتعديل (3/ 501)، الثقات (6/ 305)، الكامل (7/ 299)، سؤالات البرقاني (150 و 591)، تاريخ الإسلام (9/ 347)، ذيل الميزان (373)، اللسان (3/ 464) و (9/ 77)، التهذيب (1/ 602)].

وحديثه هذا منكر بهذا السياق؛ ولا يحتمل تفرده به عن مجاهد، وقد روي أصله عن ابن عباس بدون الزيادة موضع الشاهد.

• رواه محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب [ثقة]، قال: ثنا حسان بن إبراهيم [الكرماني: لا بأس به، يهم ويخطئ، كثير الأفراد. انظر: التهذيب (1/ 379)، الميزان (1/ 477)]، عن إبراهيم بن يزيد بن مردانبة [كوفي، قال أبو حاتم: "شيخ يكتب حديثه، ولا يحتج به"، وروى له النسائي على تشدده في الرجال، وذكره ابن حبان في الثقات، وكان راويًا لرقبة بن مصقلة. التهذيب (1/ 93)، التقريب (66)، وقال: "صدوق"]، عن عطاء، عن ابن عباس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"يا بني عبد مناف إن وليتم هذا الأمر؛ فلا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت وصلى أي ساعة شاء من ليل أو نهار".

أخرجه الطحاوي (2/ 186)، قال: حدثنا محمد بن خزيمة، قال: حدثنا محمد به. [الإتحاف (7/ 423/ 8114)].

هكذا رواه محمد بن خزيمة فقال فيه: عن إبراهيم بن يزيد بن مردانبة، ومحمد بن خزيمة: ذكره ابن حبان في الثقات، وقال:"مستقيم الحديث"، ووثقه مسلمة بن قاسم، وابن يونس [الثقات (9/ 133)، المقفى الكبير (5/ 623)، الثقات لابن قطلوبغا (8/ 267)، تاريخ ابن يونس (2/ 203)].

° وخالفه من هو أثبت منه: عبد الله بن أحمد بن حنبل [ثقة ثبت، له معرفة بالرجال والعلل]: حدثني محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب: ثنا حسان بن إبراهيم، عن إبراهيم الصائغ: حدثني عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يا بني عبد مناف! إن وليتم هذا الأمر بعدي، فلا تمنعُنَّ أحدًا طاف بهذا البيت أو صلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار".

أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 159/ 11359)، ومن طريقه: الضياء في المختارة (11/ 237/ 235).

هكذا قال فيه: إبراهيم الصائغ، وهو: ابن ميمون أبو إسحاق المروزي: صدوق، معروف بالرواية عن عطاء بن أبي رباح، وهذا الأقرب للصواب، وإسناده حسن غريب.

• ورواه أحمد بن زكريا العابدي [روى عنه جماعة من الحفاظ المصنفين والنقاد،

ص: 209

مثل: العقيلي وابن قانع والطبراني والرامهرمزي وغيرهم]، قال: نا عبد الوهاب بن فليح المكي [المقرئ: صدوق. الجرح والتعديل (6/ 73)، الثقات (8/ 411)، معرفة القراء الكبار (1/ 180)]، قال: نا سَليم بن مسلم الحساب، قال: نا ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يا بني عبد مناف! يا بني عبد المطلب! إن وليتم هذا الأمر، فلا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت أن يصلي أي ساعة شاء، من ليل أو نهار".

أخرجه الطبراني في الأوسط (1/ 159/ 497)، وفي الصغير (55).

قال أبو القاسم الطبراني: "يعني: الركعتين بعد طواف السبع؛ أن يصلي بعد صلاة الصبح قبل طلوع الشمس، وبعد صلاة العصر قبل غروب الشمس، وفي كل النهار، لم يروه عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس؛ إلا سليم بن مسلم".

قلت: فهو منكر من حديث ابن جريج؛ إذ لا يحتمل تفرد سليم به عن ابن جريج، وسَليم بن مسلم الحساب: متروك، منكر الحديث [اللسان (4/ 189)].

• ورواه محمد بن علي بن زيد الصائغ [راوي سنن سعيد بن منصور، وهو: ثقة. الثقات (9/ 152)، سؤالات السهمي (5)، التقييد (88)، السير (13/ 428)]: ثنا محمد بن سليمان المكي [لم أميزه؛ إلا أن يكون ابن مسمول، وهو: ضعيف الحديث، وعامة ما يرويه لا يتابع عليه. اللسان (7/ 171)]: ثنا ثمامة بن عَبِيدة: ثنا أيو الزبير، عن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، سمعته يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بني عبد المطلب! يا بني عبد مناف! إن وليتم أمر الدنيا فلا تمنعوا أحدًا يطوف بهذا البيت يصلي أي حين كان".

أخرجه أبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/ 243)، والخطيب في تلخيص المتشابه (1/ 121).

قال أبو نعيم: "تفرد به ثمامة عن أبي الزبير".

قلت: وهذا حديث منكر؛ تفرد به عن أبي الزبير: ثمامة بن عَبِيدة السلمي، وهو: منكر الحديث، كذبه ابن المديني [اللسان (2/ 400)].

وإنما يُعرف هذا الحديث: عن أبي الزبير، عن عبد الله بن باباه، عن جبير بن مطعم مرفوعًا [يأتي تخريجه في السنن برقم (1894)، إن شاء الله تعالى].

ولحديث ابن عباس هذا إسناد آخر لا يثبت أيضًا، وفيما ذكرت غنية، والله أعلم.

9 -

حديث سلمة بن الأكوع:

رواه عبد الرحمن بن مهدي، وأبو عامر العقدي عبد الملك بن عمرو، ويحيى بن أبي بكير، وأبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي [وهم ثقات]:

عن زهير بن محمد، عن يزيد بن خصيفة، عن سلمة بن الأكوع، قال: كنت أسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما رأيته صلى بعد العصر ولا بعد الصبح قط.

أخرجه أحمد (4/ 51)، وإسحاق بن راهويه (3/ 259/ 291 - مطالب)، وابن أبي

ص: 210

شيبة في المسند (3/ 259/ 291 - مطالب)، والطبراني في الكبير (7/ 36/ 6304)، وأبو الفضل الزهري في حديثه (284)، [المسند المصنف (9/ 352/ 4525)].

قلت: زهير بن محمد التميمي: رواية أهل الشام عنه ضعيفة فيها مناكير، ورواية أهل العراق عنه مستقيمة؛ قال الإمام أحمد:"أما رواية أصحابنا عنه فمستقيمة: عبد الرحمن بن مهدي وأبي عامر"، وقال الإمام البخاري:"أحاديث أهل العراق عن زهير بن محمد: مقاربة مستقيمة"، وهذا الحديث مما رواه عنه من أهل العراق [انظر: التهذيب (1/ 639)، الميزان (2/ 84)، إكمال مغلطاي (5/ 90)، ترتيب علل الترمذي ص (395)، جامع الترمذي (3291)، وغيرها].

ومع كون هذا الحديث من صحيح حديث زهير بن محمد؛ إلا أنه منقطع بين يزيد بن خصيفة وسلمة بن الأكوع:

° فقد رواه سعيد بن سلمة [هو: ابن أبي الحسام: صدوق، صحيح الكتاب]: ثنا يزيد بن خصيفة، عن ابن سلمة بن الأكوع، عن سلمة قال: كنت أسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم، فما رأيته صلى بعد العصر ولا بعد الصبح قط.

أخرجه الطبراني في الأوسط (7/ 285/ 7508)، [المسند المصنف (9/ 352/ 4525)].

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن ابن سلمة إلا يزيد بن خصيفة، تفرد به: سعيد بن سلمة".

قلت: يزيد بن عبد الله بن خصيفة: مدني ثقة، توفي بعد الثلاثين ومائة [السير (6/ 157)]، وتوفي سلمة سنة أربع وسبعين، فيكون بين وفاتيهما قرابة ستين سنة.

قال ابن رجب في الفتح (3/ 308): "وذكره الترمذي في علله، وقال: سألت عنه محمدًا - يعني: البخاري -، فقال: لا أعرف ليزيد بن خصيفة سماعًا من سلمة بن الأكوع، قال: ولم نعرف هذا الحديث إلا من هذا الوجه، كذا قال، وقد خرجه من طريق سعيد بن أبي الربيع: حدثنا سعيد بن سلمة: ثنا يزيد بن خصيفة، عن ابن سلمة بن الأكوع، عن أبيه سلمة، فذكره، فأدخل بينهما: ابن سلمة، لكنه لم يسمه".

قلت: هذا حديث لا يصح؛ في إسناده مبهم لم يسمَّ، وليس هو في معنى الباب؛ فإن المحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم في أسفاره أنه لم يكن يزيد على المكتوبة شيئًا؛ يعني: من الرواتب، وإنما كان يصلي راتبة الفجر والوتر وصلاة الليل، وعليه فهذا الحديث لا معنى له؛ لأن هذا كان معهودًا عنه صلى الله عليه وسلم في الحضر، أنه لا يصلي بعد الفجر ولا بعد العصر شيئًا، فإذا سافر امتنع من صلاة النوافل الراتبة أيضًا؛ وإنما كان يداوم في السفر على راتبة الفجر والوتر وصلاة الليل، والله أعلم.

10 -

حديث زيد بن ثابت:

رواه ابن لهيعة: حدثنا عبد الله بن هبيرة، قال: سمعت قبيصة بن ذؤيب، يقول: إن

ص: 211

عائشة أخبرت آل الزبير؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى عندها ركعتين بعد العصر، فكانوا يصلونها.

قال قبيصة: فقال زيد بن ثابت: يغفر الله لعائشة نحن أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم من عائشة، إنما كان ذلك لأن أناسًا من الأعراب أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بهجير، فقعدوا يسألونه ويفتيهم، حتى صلى الظهر ولم يصل ركعتين، ثم قعد يفتيهم حتى صلى العصر فانصرف إلى بيته، فذكر أنه لم يصل بعد الظهر شيئًا، فصلاهما بعد العصر، يغفر الله لعائشة، نحن أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم من عائشة، نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد العصر.

أخرجه أحمد (5/ 185)، والطبراني في الكبير (5/ 146/ 4900)، وفي مسند الشاميين (3/ 229/ 2142)، [إتحاف المهرة (4/ 647/ 4831)، المسند المصنف (8/ 255/ 4106)].

فهو حديث ضعيف؛ لأجل ابن لهيعة.

11 -

حديث ابن مسعود:

يرويه أبو المعافى الحراني [محمد بن وهب بن عمر بن أبي كريمة الحراني: لا بأس به. التهذيب (7/ 476)، الإكمال (10/ 383)]: ثنا محمد بن سلمة [هو: ابن عبد الله الباهلي مولاهم، الحراني: ثقة]، عن أبي عبد الرحيم [خالد بن أبي يزيد الحراني: لا بأس به]، عن زيد بن أبي أنيسة، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صومين، وعن صلاتين، وعن لباسين، وعن مطعمين، وعن نكاحين، وعن بيعتين:

فأما اليومان: فيوم الفطر ويوم الأضحى.

وأما الصلاتان: فصلاة بعد الغداة حتى تطلع الشمس، وصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس.

وأما اللباسان: فأن يحتبي في ثوب واحد، ولا يكون بين عورته وبين السماء شيء، فتدعى تلك الصماء.

وأما المطعمان: فأن يأكل بشماله ويمينه صحيحة، ويأكل متكئًا.

وأما البيعتان: فيقول الرجل: تبيع لي وأبيع لك.

وأما النكاحان: فنكاح البغي، ونكاح على الخالة والعمة.

أخرجه الطبراني في الكبير (10/ 101/ 10087).

قلت: هذا حديث غريب جدًّا من حديث أبي إسحاق السبيعي؛ تفرد به عنه: زيد بن أبي أنيسة [والإسناد إليه حراني، لا بأس به]، وزيد: ثقة، لكن ينفرد عن أبي إسحاق بما لا يتابع عليه [راجع شيئًا مما وهم فيه زيد على أبي إسحاق: فضل الرحيم الودود (10/ 332/ 969)، وما تحت الحديث رقم (1044)، الشاهد الخامس. السنن الكبرى للنسائي (5/ 432/ 5961) و (7/ 447/ 8440)، مسند البزار (5/ 242/ 1854)، علل الحديث لابن

ص: 212

أبي حاتم (946)، علل الدارقطني (4/ 352/ 620) و (5/ 312/ 904) و (5/ 322/ 914) و (11/ 302/ 2298)، تاريخ دمشق (39/ 335)].

وقد وقع له وهم في وصف اللبستين والبيعتين، حيث جاء وصفهما على خلاف ما ثبت في عدد من الأحاديث الصحيحة في الصحيحين وغيرهما، راجع مثلًا ما تقدم معنا في الشواهد: حديث أبي سعيد، وحديث أبي هريرة، والله أعلم.

12 -

حديث سعد بن أبي وقاص:

رواه منصور بن أبي مزاحم، وإسحاق بن عيسى الطباع، ويونس بن محمد المؤدب، ومحمد بن جعفر الوركاني، وإبراهيم بن مهدي [وهم ثقات]، وأبو عمر الضرير [حفص بن عمر: صدوق، ولكنه أبهم معاذًا]:

عن إبراهيم بن سعد [ثقة حجة]، عن أبيه [سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف: ثقة فاضل]، عن معاذ التيمي [هو: ابن عبد الرحمن]، عن سعد بن أبي وقاص [وفي رواية ابن الطباع: سمعت سعد بن أبي وقاص]، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"صلاتان لا صلاة بعدهما: صلاة العصر حتى تغرب الشمس، وصلاة الصبح حتى تطلع الشمس".

أخرجه ابن حبان (4/ 417/ 1549)، وأحمد (1/ 171)، والدورقي في مسند سعد (118)، والفاكهي في أخبار مكة (1/ 264/ 519)[ولم يصرح فيه باسم معاذ]. والحارث بن أبي أسامة (217 - بغية الباحث)، وأبو يعلى (2/ 111/ 773)، والخطيب في تاريخ بغداد (6/ 178)، [الإتحاف (5/ 113/ 5025)، المسند المصنف (9/ 14/ 4265)].

وهذا إسناد صحيح، وسماع معاذ بن عبد الرحمن التيمي من سعد بن أبي وقاص غير مستنكر؛ فإن سعدًا قد توفي سنة (55) على المشهور، ومعاذ: تابعي من الطبقة الثالثة، والله أعلم.

• لكن يشكل على هذه الرواية: أن شعبة قد رواه عن سعد بن إبراهيم فزاد في إسناده رجلًا مجهولًا بين سعد وبين معاذ بن عبد الرحمن:

فقد رواه شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن نصر بن عبد الرحمن [مكي، مجهول. التهذيب (4/ 218)]، عن جده معاذ القرشي [وفي رواية: رجل من بني تيم]، أنه طاف بالبيت مع معاذ بن عفراء بعد العصر وبعد الصبح، فلم يصلِّ، فسأله، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة بعد صلاتين: بعد الغداة حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس".

يأتي ذكر مصادره في حديث معاذ بن عفراء.

وقد اختلف فيه على شعبة، ومنهم من أسقط من إسناده معاذًا التابعي، ولا يثبت مثله لجهالة نصر بن عبد الرحمن، ورواية شعبة أولى بالصواب من رواية إبراهيم بن سعد؛ حيث زاد في الإسناد رجلًا، والحكم لمن زاد، لا سيما إن كان حافظًا متقنًا مثل شعبة، والله أعلم.

ص: 213

* وفي الباب أيضًا مما لا يخلو من مقال:

13 -

عن أبي أمامة [أخرجه عبد الرزاق (2/ 424/ 3948)، وأحمد (5/ 260)، والحارث بن أبي أسامة (218 - بغية الباحث)، وانظر: علل الدارقطني (12/ 272/ 2707)][وفي سنده انقطاع].

[وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير (8/ 142)، وأبو بكر الشافعي في فوائده "الغيلانيات" (320)، والطبراني في الكبير (8/ 235/ 7917)، وابن عدي في الكامل (10/ 278/ 17448 - ط. الرشد)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (63/ 117 و 118)][وفي إسناده: الوليد بن جميل، قال أبو حاتم: "روى عن القاسم أحاديث منكرة"، ولينه أبو زرعة، ومشاه بعضهم. التهذيب (4/ 315)، علل الترمذي الكبير (493)، الجرح والتعديل (9/ 3)، الكامل (10/ 276 - ط. الرشد)، تاريخ دمشق (63/ 116)، تاريخ الإسلام (9/ 659)، الميزان (4/ 337)].

14 -

عن معاذ بن عفراء [أخرجه النسائي في المجتبى (1/ 258/ 518)، وفي الكبرى (1/ 224/ 370)، وأحمد (4/ 219) (7/ 4049/ 18208) و (7/ 4050/ 18209 - ط. المكنز)، والطيالسي (2/ 553/ 1322)، وابن أبي شيبة (2/ 131/ 7321) و (3/ 182/ 13258)، والفاكهي في أخبار مكة (1/ 263/ 516)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (1/ 143)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 542/ 2220 - السفر الثاني)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 21/ 1966)، والبزار (609 - كشف الأستار)، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (4/ 352/ 3064)، والطحاوي (1/ 303)، وابن قانع في المعجم (3/ 27)، والطبراني في الكبير (20/ 176 و 177/ 377 - 379)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (5/ 2440/ 5966 و 5967)، والبيهقي (2/ 464)، والخطيب في تلخيص المتشابه في الرسم (1/ 473 و 474)][اختلف فيه على شعبة، وفي إسناده من يجهل حاله][التحفة (8/ 113/ 11374)، الإتحاف (13/ 311/ 16775)، المسند المصنف (24/ 534/ 11081)].

15 -

عن مرة بن كعب أو: كعب بن مرة [تقدم تحت الحديث السابق برقم (1083)][وفي سنده اختلاف، ورجح الدارقطني قول الثوري ومن تابعه، وفي سندهم رجل مبهم].

16 -

عن أبي عبد الله الصنابحي؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان، فإذا ارتفعت فارقها، فإذا استوت قارنها، فإذا زالت فارقها، فإذا دنت للغروب قارنها، فإذا غربت فارقها"[تقدم تحت الحديث السابق برقم (1083)][وأبو عبد الله الصنابحي: تابعي، لا صحبة له، وحديثه مرسل].

17 -

عن أبي قتادة [تقدم عند أبي داود برقم (1083)][وهو حديث غريب، مع ضعف إسناده وانقطاعه].

ص: 214

18 -

عن واثلة [تقدم تحت الحديث السابق برقم (1083)][وهو حديث كذب موضوع].

19 -

عن علي بن أبي طالب، بنحو حديث قزعة، عن أبي سعيد الخدري مطولًا [أخرجه الطبراني في الأوسط (4/ 71/ 3638)، وفي الصغير (482)][وهو حديث منكر؛ تفرد به يحيى بن سلمة بن كهيل، وهو: متروك، منكر الحديث. التهذيب (4/ 361)، وتفرد به عنه: ابنه إسماعيل، وهو: متروك. التهذيب (1/ 170)، وحفيده: إبراهيم: ضعيف، اتهمه أبو زرعة. التهذيب (1/ 59)].

• وروي من وجه آخر مطولًا، وأوله: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاتين وقراءتين وأكلتين ولبستين:

الحديث [أخرجه الحاكم (4/ 119) (9/ 76/ 7308 - ط. التأصيل)][قال الذهبي في التلخيص: "فيه عمر بن عبد الرحمن، وهو: واهٍ"، قلت: وأيًا كان عمر بن عبد الرحمن هذا، فحديثه غير محفوظ، فقد قال الدارقطني في العلل (3/ 81/ 295) في سياق سرد الاختلاف الواقع في حديث علي بن أبي طالب في النهي عن القراءة في الركوع والسجود والنهي عن التختم بالذهب ولبس المعصفر، قال: "ورواه زيد بن أسلم، واختلف عنه: فرواه إسماعيل بن عياش ومحمد بن جعفر بن أبي كثير عن زيد بن أسلم عن إبراهيم عن أبيه عن علي، وخالفه: عمر بن عبد الرحمن - شيخ لأبي أحمد الزبيري - فرواه عن زيد بن أسلم عن أبيه عن علي، والقول: قول ابن عياش"، وسياق كلام الدارقطني يدل على كون عمر المذكور لا يُعرف إلا بكونه شيخًا لأبي أحمد الزبيري، وفيه إشارة لكونه مجهولًا، وهو: عمر بن عبد الرحمن بن أسيد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، كما وقع في تاريخ المدينة لابن شبة (2/ 739)، وفي طبقات ابن سعد (3/ 313)، وفي أنساب الأشراف للبلاذري (10/ 392)، وهو مترجم له في: التاريخ الكبير (6/ 174)، الجرح والتعديل (6/ 121)، الإكمال (1/ 62)، وسبق أن تكلمت عليه في فضل الرحيم الودود (4/ 391/ 394)، وقلت بأنه في عداد المجاهيل، والله أعلم].

20 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس؛ إلا يوم الجمعة [تقدم تحت الحديث السابق برقم (1083)][وهو حديث باطل].

21 -

عن أبي هريرة؛ أن رجلًا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال: أمِن ساعات الليل والنهار ساعة تأمرني أن لا أصلي فيها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا صليت الصبح فأقصر عن الصلاة حتى ترتفع الشمس،

" في حديث طويل بنحو حديث عمرو بن عبسة [تقدم تحت الحديث السابق برقم (1083)][وإسناده ليس بذاك القوي، والمحفوظ في هذا: حديث عمرو بن عبسة].

22 -

عن أبي هريرة، قال: سأل صفوانُ بن المعطل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! إني سائلك عن أمر أنت به عالم، وأنا به جاهل،

فذكر حديثًا في أوقات النهي [تقدم تحت الحديث السابق برقم (1083)، [ولا يثبت].

ص: 215

23 -

عن صفوان بن المعطل السلمي؛ أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله! إني أسألك عما أنت به عالم، وأنا به جاهل،

فذكر حديثًا في أوقات النهي [تقدم تحت الحديث السابق برقم (1083)][ولا يثبت].

24 -

عن عبد الرحمن بن عوف [تقدم تحت الحديث السابق برقم (1083)][وإسناده حمصي ضعيف، وقد سبق الكلام عليه فيما تقدم تحت الحديث رقم (226)].

25 -

عن أبي أسيد الساعدي [أخرجه أبو يعلى (3/ 291/ 301 - مطالب)، وابن دحيم في فوائده (69)، والطبراني في الكبير (19/ 268/ 593)][وفي سنده: قرة بن أبي قرة، وهو: مجهول. اللسان (6/ 393)].

26 -

عن جابر بن عبد الله، قال: كنا نطوف، فنمسح الركن الفاتحة والخاتمة، ولم نكن نطوف بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، ولا بعد العصر حتى تغرب، وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تطلع الشمس في قرني الشيطان"[أخرجه أحمد (3/ 348 و 393)][وفي إسناده: ابن لهيعة، وهو: ضعيف، وقد تفرد به عن أبي الزبير][الإتحاف (3/ 430) حاشية رقم (84) و (3/ 432) حاشية رقم (100)، المسند المصنف (5/ 346/ 2688)].

* * *

1277 -

قال أبو داود: حدثنا الربيعُ بنُ نافع: حدثنا محمدُ بنُ المهاجر، عن العباسِ بنِ سالم، عن أبي سلام، عن أبي أمامة، عن عمرو بن عبَسَة السُّلمي؛ أنه قال: قلت: يا رسول الله! أيُّ الليلِ أسمعُ؟ قال: "جَوفُ الليل الآخر، فصلِّ ما شئتَ، فإن الصلاةَ مشهودةٌ مكتوبةٌ، حتى تُصليَ الصبحَ، ثم أَقصِر حتى تَطلُعَ الشمسُ، فترتفعَ قِيسَ رُمْحٍ، أو رمحين، فإنها تَطلعُ بين قَرنَي شيطان، ويصلي لها الكفارُ، ثم صلِّ ما شئتَ، فإن الصلاةَ مشهودةٌ مكتوبةٌ، حتى يَعدِلَ الرمحُ ظلَّه، ثم أقْصِرْ، فإن جهنم تُسجَرُ وتفتحُ أبوابُها، فإذا زاغتِ الشمسُ، فصلِّ ما شئتَ، فإن الصلاةَ مشهودة، حتى تُصلِّيَ العصرَ، ثم أقصِرْ حتى تغرب الشمسُ، فإنها تَغرُبُ بين قَرني شيطانٍ، ويصلي لها الكفارُ"، وقصَّ حديثًا طويلًا، قال العباس: هكذا حدثني أبو سلّام، عن أبي أمامة، إلا أن أُخطئَ شيئًا لا أريدُه، فأستغفرُ الله وأتوبُ إليه.

* حديث صحيح

أخرجه من طريق أبي داود: ابن حزم في المحلى (3/ 12)، والبيهقي (2/ 455)، وابن عبد البر في التمهيد (4/ 55). [التحفة (7/ 359/ 10758)، المسند المصنف (23/ 151/ 10358)].

ص: 216

° ورواه يعقوب بن سفيان الفارسي [ثقة حافظ][واللفظ له]، وعثمان بن سعيد الدارمي [ثقة حافظ]، وأحمد بن خليد الحلبي [ثقة]:

قالوا: ثنا أبو توبة الربيع بن نافع [الحلبي][ثقة حجة]: ثنا محمد بن المهاجر [ابن أبي مسلم الأنصاري الشامي: ثقة]، عن العباس بن سالم [اللخمي الدمشقي: ثقة]، عن أبي سلام، عن أبي أمامة، عن عمرو بن عبسة، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول ما بُعث وهو بمكة، وهو حينئذٍ مستخفٍ، فقلت: ما أنت؟ قال: "أنا نبي"، قلت: وما نبي؟ قال: "رسول الله"، قلت: الله أرسلك؟ قال: "نعم"، قلت: بما أرسلك؟ قال: "أن تعبد الله، وتكسر الأوثان والأديان، وتوصل الأرحام"، قلت: نِعم ما أرسلك به، قلت: فمن يتبعك على هذا؟، قال:"عبد وحر"، - يعني: أبا بكر وبلالًا -، فكان عمرو يقول: لقد رأيتني وأنا رُبع، أو رابع الإسلام، قال: فأسلمت، قلت: أتبعك يا رسول الله؟ قال: "لا، ولكن الحق بقومك، فإذا أُخبرت أني قد خرجت فاتبعني"، قال: فلحقت بقومي، وجعلت أتوقع خبره وخروجه، حتى أقبلت رُفقة من يثرب فلقيتهم، فسألتهم عن الخبر، فقالوا: قد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، فقلت: وقد أتاها؟ قالوا: نعم، قال: فارتحلت حتى أتيته، قلت: أتعرفني يا رسول الله؟ قال: "نعم، أنت الرجل الذي أتاني بمكة"، فجعلت أتحيَّنُ خلوته، فلما خلا قلت: يا رسول الله! علمني مما علمك الله وأجهلُ، قال:"فسلْ عمَّ شئتَ"، قلت: أيُّ الليل أسمع؟ قال: "جوف الليل الآخر، فصل ما شئتَ، فإن الصلاة مشهودة مكتوبة حتى تصلي الصبح، ثم أقصِر حتى تطلعَ الشمس فترتفع قِيدَ رمح أو رمحين، فإنها تطلع بين قرني شيطان، وتصلي لها الكفار، ثم صلِّ ما شئت، فإن الصلاة مشهودة مكتوبة حتى يعدل الرمحُ ظلَّه، ثم أقصر فإن جهنم تُسجَر وتُفتح أبوابها، فإذا زالت الشمس فصلِّ ما شئت، فإن الصلاة مشهودة مكتوبة، ثم صلِّ حتى تصلي العصر، ثم أقصر حتى تغرب الشمس، فإنها تغرب بين قرني شيطان وتصلي لها الكفار، وإذا توضأت فأغسل يديك فإنك إذا غسلت يديك خرجت خطاياك من أظفار أناملك [وفي رواية: من أطراف أناملك]، ثم إذا غسلت وجهك خرجت خطاياك من وجهك، ثم إذا مضمضت واستنثرت خرجت خطاياك من مناخرك، ثم إذا غسلت يديك خرجت خطاياك من ذراعيك، ثم إذا مسحت برأسك خرجت خطاياك من أطراف شعرك، ثم إذا غسلت رجليك خرجت خطاياك من رجليك، فإن ثبتَّ في مجلسك كان ذلك حظك من وضوئك، وإن قمت فذكرت ربك وحمدته، وركعت ركعتين مقبلًا عليهما بقلبك كنت من خطاياك كيوم ولدتك أمك".

قال: قلت: يا عمرو، اعلم ما تقول، فإنك تقول أمرًا عظيمًا، فقال: والله لقد كبرت سني ودنا أجلي وإني لغني عن الكذب، ولو لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة أو مرتين ما حدثته، ولكن قد سمعته أكثر من ذلك، هكذا حدثني أبو سلام عن أبي أمامة إلا أن أخطئ شيئًا، أو أزيده [وفي رواية ابن خزيمة بدل أو أزيده: لا أريده] فأستغفر الله، وأتوب إليه.

ص: 217

أخرجه ابن خزيمة (1/ 129/ 260)(1/ 245/ 277 - ط. التأصيل)، والحاكم (1/ 164)(1/ 394/ 593 - ط. الميمان)(1/ 526/ 594 - ط. التأصيل)، و (3/ 65)(6/ 14/ 4467 - ط. الميمان)، و (3/ 617)(8/ 249/ 6729 - ط. الميمان)، و (4/ 148)(9/ 145/ 7426 - ط. الميمان)، والطبراني في الأوسط (1/ 135/ 422)، وفي مسند الشاميين (2/ 315/ 1410)، والبيهقي في الصغرى (1/ 324/ 925)، وفي الدلائل (2/ 168)] [الإتحاف (12/ 505/ 16003)، المسند المصنف (23/ 151/ 10358)].

قال الحاكم: "قد خرج مسلم بعض هذه الألفاظ من حديث النضر بن محمد الجرشي، عن عكرمة بن عمار، عن شداد بن عبد الله، عن أبي أمامة، قال: قال عمرو بن عبسة، وحديث العباس بن سالم هذا أشفى وأتم من حديث عكرمة".

وقال في الموضع الثاني: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وقد تابع أبا سلام على روايته: ضمرة بن حبيب وأبو طلحة الراسبي وشداد بن عبد الله أبو عمار".

وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن العباس بن سالم إلا محمد بن مهاجر".

قلت: هذا إسناد شامي صحيح إلى أبي سلام عن أبي أمامة عن عمرو بن عبسة، ولم يذكر فيه أبو سلام سماعًا من أبي أمامة، لا سيما وقد قال فيه أبو حاتم الرازي:"ممطور أبو سلام الأعرج الحبشي الدمشقي: روى عن ثوبان، والنعمان بن بشير، وأبي أمامة، وعمرو بن عبسة؛ مرسل"[المراسيل لابن أبي حاتم (813)].

وظاهر هذه العبارة أن رواية ممطور أبي سلام عن جميع هؤلاء الصحابة مرسلة، ومنهم أبو أمامة، لكن يفسر هذه العبارة، ويزيدها إيضاحًا، ويزيل عنها إشكال الإجمال؛ ما قاله ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (8/ 431) نقلًا عن أبيه في ترجمة ممطور:"روى عن ثوبان، والنعمان بن بشير، وأبي أمامة، وسُلمى مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى عن عمرو بن عبسة: مرسل".

فدل هذا الكلام المفصل على أن أبا سلام معروف بالرواية عن هؤلاء الأربعة، بينما روايته عن عمرو بن عبسة مرسلة، وأن قوله في المراسيل:"مرسل"، إنما يعود فقط على أقرب مذكور، وهو عمرو بن عبسة، وأن أبا سلام لم يسمع منه، لكونه يدخل بينهما أبا أمامة، ويؤكد هذا أن ابن أبي حاتم لما سأل أباه عن حديث آخر من رواية الوليد بن مسلم، عن عبد الله بن العلاء بن زبر؛ أنه سمع أبا سلام الأسود، قال: سمعت عمرو بن عبسة، قال أبو حاتم:"ما أدري ما هذا!؟ لم يسمع أبو سلام من عمرو بن عبسة شيئًا، إنما يروي عن أبي أمامة عنه"[العلل (3/ 330/ 908)].

ولو نظرنا فيمن جزم الأئمة بعدم سماع ممطور منه، لوجدناه ثوبان، فقد جزم بعدم سماعه منه: ابن معين وابن المديني، وتوقف في ذلك أو لم يجزم بعدم السماع: أحمد وأبو حاتم [المراسيل (812 و 814)، جامع التحصيل (286)، تحفة التحصيل (315)]، وثوبان قد توفي سنة (54)، ولو كان النقل الأول عن أبي حاتم دالًا على الجزم بالإرسال؛

ص: 218

لما قال أبو حاتم مرة أخرى حين سأله ابنه: "هل سمع أبو سلام من ثوبان؟ " فقال أبو حاتم: "قد روى عنه، ولا أدري سمع منه أم لا؟ "، ولو كان جازمًا لقال: لم يسمع.

كذلك فقد جزم الدارقطني بعدم سماعه من حذيفة بن اليمان [التتبع (182)، تحفة التحصيل (315)]، وحذيفة أقدم وفاة من ثوبان، كانت وفاته سنة (36).

وأما النعمان بن بشير فقد ثبت سماع أبي سلام منه، وأخرج له مسلم في صحيحه من حديث أبي توبة: حدثنا معاوية بن سلام، عن زيد بن سلام؛ أنه سمع أبا سلام، قال: حدثني النعمان بن بشير، قال: كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . الحديث، وقد تأخرت وفاة النعمان عن حذيفة وثوبان، فكانت وفاته سنة (65) [انظر: صحيح مسلم (1879)، مسند أحمد (4/ 269)، مسند البزار (8/ 200/ 3238)، مسند أبي عوانة (4/ 465/ 7353)، صحيح ابن حبان (10/ 451/ 4591)، وغيرها].

بل إن أبا مسهر قد أثبت السماع لأبي سلام من عبادة بن الصامت [تاريخ أبي زرعة الدمشقي (374)، تاريخ دمشق (60/ 271)، تاريخ الإسلام (7/ 263)]، ووفاة عبادة كانت سنة (34)، وقيل: عاش إلى خلافة معاوية، وكان يدخل بينهما أبا أمامة أيضًا، كما سمع أبو سلام أيضًا من الحارث بن الحارث الأشعري، ولم أقف على سنة وفاته [راجع: فضل الرحيم الودود (10/ 50/ 910)].

إذا تبين لك ذلك، وهو ثبوت سماع أبي سلام من النعمان، مع تقدم وفاته على وفاة أبي أمامة بأكثر من عشرين سنة، حيث توفي أبو أمامة سنة (86)، فهذا مما يجعل النفس تطمئن إلى ثبوت سماع أبي سلام من أبي أمامة، كما سيأتي ذلك بإسناد صحيح، والله أعلم.

* ولحديث عمرو بن عبسة طرق كثيرة منها:

1 -

ما رواه إسماعيل بن عياش [روايته عن أهل الشام مستقيمة، وهذه منها]، عن يحيى بن أبي عمرو السيباني [حمصي، ثقة، من السادسة]، عن أبي سلام الدمشقي [ممطور الحبشي: ثقة، من الثالثة]، وعمرو بن عبد الله [الحضرمي أبو عبد الجبار الشامي: قال يعقوب بن سفيان والعجلي: "شامي، ثقة"، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين. التاريخ الكبير (6/ 349)، معرفة الثقات (1271)، المعرفة والتاريخ (2/ 437)، الجرح والتعديل (6/ 244)، الثقات (5/ 179)، الميزان (3/ 270)، التهذيب (3/ 287)]، أنهما: سمعا أبا أمامة الباهلي، يحدث عن حديث عمرو بن عبسة السلمي، قال: رغبت عن آلهة قومي في الجاهلية، ورأيت أنها آلهة باطلة، كانوا يعبدون الحجارة، والحجارة لا تضر ولا تنفع، قال: فلقيت رجلًا من أهل الكتاب فسألته عن أفضل الدين، فقال: رجل يخرج من مكة، ويرغب عن آلهة قومه، ويدعو إلى غيرها، وهو يدعو إلى أفضل الدين، فإذا سمعت به فاتبعه،

فذكر الحديث، قال: فسألت عنه فوجدته مستخفيًا بشأنه، [ووجدت قريشًا عليه جرءاء]، فتلطفت له حتى دخلت عليه، فسلمت عليه، فقلت له: ما أنت؟ فقال:

ص: 219

"نبي"، فقلت: وما النبي؟ فقال: "رسول الله"، فقلت: ومن أرسلك؟ قال: "الله عز وجل"، قلت: بماذا أرسلك؟ فقال: "بأن توصل الأرحام، وتحقَنَ الدماء، وتؤَمَّنَ السُّبُل، وتُكسَرَ الأوثان، ويعبد الله وحده لا يشرك به شيء"، قلت: نِعم ما أرسلك به، وأشهدك أني قد آمنت بك وصدقتك، أفأمكث معك، أم ما ترى؟ فقال:"قد ترى كراهةَ الناس لما جئتُ به، فامكث في أهلك، فإذا سمعتم بي قد خرجت مخرجي، فأتني"،

فذكر الحديث بطوله في المواقيت وفضل الوضوء.

أخرجه أحمد (4/ 111)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3/ 41/ 1330)، وفي الديات (283)، والطبراني في الدعاء (129)، وفي مسند الشاميين (2/ 30/ 863)، والآجري في الشريعة (3/ 1448/ 977)، والخطابي في غريب الحديث (1/ 134)، وأبو نعيم في الدلائل (198)، وفي معرفة الصحابة (4/ 1983/ 4978)، وابن عبد البر في التمهيد (4/ 51)، وفي الاستيعاب (3/ 1193)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (46/ 262)، [الإتحاف (12/ 508/ 16007)، المسند المصنف (23/ 150/ 10358)].

وهذا إسناد شامي صحيح، وفيه إثبات سماع أبي سلام من أبي أمامة.

° ومنهم من أسقط أبا أمامة من الإسناد بين أبي سلام وعمرو بن عبسة، وهو وهم:

2 -

فقد رواه العباس بن الوليد الخلال الدمشقي [العباس بن الوليد بن صبح الدمشقي، وهو: صدوق]، وصفوان بن صالح [ثقة، من أصحاب الوليد]، ودحيم [عبد الرحمن بن إبراهيم بن عمرو الدمشقي: ثقة حافظ متقن]، ومحمد بن مصفى [حمصي، صدوق]:

قالوا: ثنا الوليد بن مسلم [ثقة ثبت]: ثنا عبد الله بن العلاء بن زبر [دمشقي ثقة]: ثنا أبو سلام الأسود، قال: سمعت عمرو بن عبسة يقول: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الليل أسمع دعوة؟ قال: "جوف الليل". لفظ الأولين، ولفظ الأخيرين: أُلقي في روعي أن عبادة الأوثان باطل،

فذكرا قصة إسلامه، وفيه: فبسط يده فبايعته، فقلت: من تبعك على هذا؟ قال: "حر وعبد"؛ يعني: أبا بكر وبلالًا، فقلت: لقد رأيتني وأنا في تلك الحال ربع الإسلام، فقلت: أقيم معك؟ قال: "لا؛ بل الحق بقومك، فإذا سمعت بي قد خرجت مخرجًا فاقدم عليَّ"، فرجعت إلى قومي فمكثت فيهم حتى سمعت بمهاجره إلى المدينة، فقدمت عليه فسلمت، فردَّ عليَّ، فقلت: أتعرفني يا رسول الله؟ قال: "نعم، أنت القادم عليَّ بمكة". واللفظ لدحيم.

أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3/ 39/ 1326) و (3/ 40/ 1329)، والطبراني في مسند الشاميين (1/ 454/ 803) و (1/ 455/ 806)، وفي الدعاء (134).

وأورد البخاري في التاريخ الكبير (8/ 57) بهذا الإسناد حديثًا آخر في ترجمة ممطور أبي سلام، ولم يثبت به السماع له من عمرو بن عبسة، فكأنه لم يرتضه، والله أعلم.

وسأل ابن أبي حاتم أباه عن حديث آخر بهذا الإسناد وفيه ذكر السماع، فقال: "ما

ص: 220

أدري ما هذا!؟ لم يسمع أبو سلام من عمرو بن عبسة شيئًا، إنما يروي عن أبي أمامة عنه" [العلل (3/ 330/ 958)].

قلت: رجال هذا الإسناد كلهم ثقات؛ لكن قد رواه العباس بن سالمٍ اللخمي الدمشقي [وهو: ثقة]، عن أبي سلام، عن أبي أمامة، عن عمرو بن عبسة مرفوعًا.

وتابعه: يحيى بن أبي عمرو السيباني الحمصي [وهو: ثقة]، فرواه عن أبي سلام الدمشقي، وعمرو بن عبد اللّه، أنهما: سمعا أبا أمامة الباهلي، يحدث عن حديث عمرو بن عبسة السلمي مرفوعًا.

هكذا زاد اثنان من الثقات في إسناده أبا أمامة بين أبي سلام وعمرو بن عبسة، والحكم لمن زاد، وأما الاعتراض بكون إسناد الوليد بن مسلم إسناد صحيح، وقد صرح فيه ثقة ثبت بسماع أبي سلام من عمرو بن عبسة؛ فيجاب عنه بأن عمرو بن عبسة كان كبيرًا حيث أسلم في أول الإسلام بعد إسلام أبي بكر وبلال، وقد توفي أبو بكر في السنة الثالثة عشرة، وتوفي بلال ما بين (17 - 20) في خلافة عمر بن الخطاب، وأما عمرو بن عبسة فلم يؤرخوا وفاته؛ قاله الذهبي في السير (2/ 456)، لكن قال بعد ذلك:"لعله مات بعد سنة ستين"[وانظر أيضًا: تاريخ الإسلام (5/ 201)]، وهذا عندي بعيد - والله أعلم -؛ لأنه كان رجلًا ذا عقل وحكمة حين أسلم، ظهر ذلك من خلال إنكاره عبادة الأوثان قبل مقدمه على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، حين قال: رغبت عن آلهة قومي في الجاهلية، ورأيت أنها آلهة باطلة، ومثل هذا لا يصدر إِلَّا عن عقل وحكمة وإدراك للحقائق والتي لا تتبدى غالبًا في سن الشباب، وكذلك من خلال أسئلته للنبي صلى الله عليه وسلم، والتي تنم عن خبرة بالأمور وحنكة وتجربة وكبر سن، وبقاؤه إلى سنة ستين يعني أنه قد طال عمره جدًّا، ولم يؤثَر ذلك، وقصته مع معاوية في الجهاد والصلح لا يلزم منها أنه عاش إلى وفاة معاوية، فإن معاوية كان واليا على الشام عشرين سنة في خلافة عمر وعثمان، وتمت له الخلافة من سنة أربعين إلى أن توفي سنة ستين، والله أعلم.

كما أن إدراك أبي سلام لعمرو بن عبسة مستبعد لأمور؛ الأول: أنه يدخل بينهما أبا أمامة، والثاني: تأخر وفاة أبي سلام، وغلبة الظن بتقدم وفاة عمرو، والثالث: نصَّ أبو حاتم على استنكار هذا السماع ونفيه، بقوله:"ما أدري ما هذا!؟ لم يسمع أبو سلام من عمرو بن عبسة شيئًا، إنما يروي عن أبي أمامة عنه"، والرابع: أن البخاري لما ترجم لممطور أبي سلام في التاريخ الكبير (8/ 58)، لم يعتد بهذا السماع الذي ذكره في آخر الترجمة؛ إذ لم يثبت به السماع ولا حتى الرواية عن عمرو بن عبسة، وإنما ابتدأ ترجمته بقوله:"عن ثوبان، وعن أبي أمامة"، ثم ذكر الأسانيد، والخامس: أن أبا حاتم قال في المراسيل (290): "سالم بن أبي الجعد: أدرك أبا أمامة، ولم يدرك عمرو بن عبسة، ويحدث هذا الحديث في المعتق عن رجل عن عمرو بن عبسة"، وهذا مؤيد لما ذهبت إليه، من وجهين: الأول: أن سالمًا وممطورًا من طبقة واحدة، وتقاربت وفاتهما جدًّا،

ص: 221

والثاني: أن كلًا منهما يدخل بينه وبين عمرو بن عبسة رجلًا، والسادس: أن عمرو بن عبسة يروي عنه الكبار، روى عنه: أبو أمامة، وهو صحابي تأخرت وفاته، وقيل: روى عنه عبد الله بن مسعود - على جلالة قدره -، وسهل بن سعد الساعدي، وروى عنه: شرحبيل بن السمط، وهو مختلف في صحبته، توفي سنة (40) أو بعدها، والله أعلم.

3 -

ورواه الليث بن سعد [واللفظ له]، وعبد الله بن وهب، ومعن بن عيسى، وأبو صالح عبد الله بن صالح [وهم ثقات؛ عدا الأخير ففيه كلام يسير]:

قالوا: حَدَّثَنَا معاوية بن صالح [هو الحضرمي الحمصي: صدوق، له إفرادات وغرائب وأوهام، ولأجل ذلك تكلم فيه من تكلم، والأكثر على توثيقه، وقد أكثر عنه مسلم، لكن أكثره في المتابعات والشواهد. راجع: فضل الرحيم الودود (7/ 358/ 666)]، قال: أخبرني أبو يحيى سليم بن عامر [الخبائري: ثقة، من الثالثة]، وضمرة بن حبيب [أبو عتبة الحمصي: ثقة، من الرابعة]، وأبو طلحة نعيم بن زياد [ثقة، من الثالثة]، قالوا: سمعنا أبا أمامة الباهلي، يقول: سمعت عمرو بن عبسة، يقول:[وفي رواية: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل فتح مكة، وفي أخرى: وهو نازل بعكاظ]، قلت: يا رسول الله! هل من ساعة أقرب من الأخرى؟ أو: هل من ساعة يبتغى [وفي الكبرى: يتَّقى] ذكرها؟ قال: "نعم؛ إن أقرب ما يكون الرب عز وجل من العبد جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله عز وجل في تلك الساعة فكن؛ فإن الصلاة محضورة مشهودة إلى طلوع الشمس، فإنها تطلع بين قرني الشيطان، وهي ساعة صلاة الكفار، فدع الصلاة حتى ترتفع قيد رمح ويذهب شعاعها، ثم الصلاة محضورة مشهودة حتى تعتدل الشمس اعتدال الرمح بنصف النهار؛ فإنها ساعة تفتح فيها أبواب جهنم وتسجر؛ فدع الصلاة حتى يفيء الفيء، ثم الصلاة محضورة مشهودة حتى تغيب الشمس؛ فإنها تغيب بين قرني شيطان وهي صلاة الكفار".

قلت: يا رسول الله كيف الوضوء؟ قال: "أما الوضوء؛ فإنك إذا توضأت فغسلت كفيك فأنقيتهما خرجت خطاياك من بين أظفارك وأناملك، فإذا مضمضت واستنشقت منخريك وغسلت وجهك ويديك إلى المرفقين ومسحت رأسك وغسلت رجليك إلى الكعبين اغتسلت من عامة خطاياك، فإن أنت وضعت وجهك لله عز وجل خرجت من خطاياك كيوم ولدتك أمك".

قال أبو أمامة: فقلت: يا عمرو بن عبسة انظر ما تقول؟ أكل هذا يعطى في مجلس واحد؛ فقال: أما والله لقد كبرت سني ودنا أجلي وما بي من فقر فأكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد سمعته أذناي ووعاه قلبي من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولفظ معن عند الترمذي مختصرًا: قال معن: حَدَّثَنِي معاوية بن صالح، عن ضمرة بن حبيب، قال: سمعت أبا أمامة، يقول: حَدَّثَنِي عمرو بن عبسة، أنه سمع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، يقول:"أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن".

ص: 222

ورواه ابن سعد وغيره عن معن به بقصة إسلام عمرو بن عبسة.

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (6/ 302)، والترمذي (3579)، والنسائي في المجتبى (1/ 91/ 147) و (1/ 279/ 572)، وفي الكبرى (1/ 144/ 176) و (2/ 213/ 1556)، وابن خزيمة (2/ 182/ 1147)، والحاكم (1/ 309)(2/ 79/ 1175 - ط. الميمان)(2/ 1771/ 124 - ط. التأصيل)، و (3/ 66)(6/ 4468/15 - ط. الميمان)، و (3/ 285)(6/ 5329/495 - ط. الميمان)، وأبو عبيد القاسم بن سلام في الطهور (23)، وابن سعد في الطبقات (4/ 215) و (7/ 403)، وابن أبي الدنيا في التهجد وقيام الليل (244)، وابن نصر في قيام الليل (98 - مختصره)، وابن جرير الطبري في التاريخ (1/ 539)، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (1/ 1 278/ 34)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 89/ 1832)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 37 و 152)، في المشكل (10/ 132/ 3971)، والطبراني في الدعاء (128)، وفي مسند الشاميين (3/ 148/ 1969)، وابن بطة في الابانة (9/ 443/ 96)، وأبو نعيم في الإمامة (17)، والبيهقي (3/ 4)، وابن عبد البر في التمهيد (4/ 13 و 22)، وإسماعيل الأصبهاني في الترغيب والترهيب (2/ 440/ 1955)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (46/ 261)، [التحفة (7/ 359/ 10758)، الإتحاف (12/ 505/ 16003) و (12/ 507/ 16004)، المسند المصنف (23/ 143/ 10358)].

قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح، غريب من هذا الوجه".

وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه".

وقال ابن عبد البر: "وهو حديث صحيح، وطرقه كثيرة حسان شامية؛ إِلَّا أن قوله في هذا الحديث: ثم الصلاة محضورة مشهودة حتى تغيب الشمس؛ قد خالفه فيه غيره في هذا الحديث، فقال: ثم الصلاة مشهودة متقبلة حتى يصلى العصر، وهذا أشبه بالسنن المأثورة في ذلك".

قلت: وهو كما قال؛ فإن الرواية الصحيحة في ذلك: "فإذا أقبل الفيء فصلِّ، فإن الصلاة مشهودةٌ محضورةٌ حتى تصلي العصر، ثم أقصِر عن الصلاة حتى تغرب الشمس"، والوهم فيه عندي من معاوية بن صالح.

قلت: وكذلك وهم معاوية بن صالح في وقت النهي بعد صلاة الصبح، حين قال:"إن أقرب ما يكون الرب عز وجل من العبد جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله عز وجل في تلك الساعة فكن؛ فإن الصلاة محضورة مشهودة إلى طلوع الشمس"، والصواب قول غيره في هذا الحديث:"جوف الليل الآخر، فصلِّ ما شئتَ، فإن الصلاة مشهودة مكتوبة حتى تصلي الصبح، ثم أقصِر حتى تطلعَ الشمس فترتفع قِيدَ رمح أو رمحين"، وفي رواية مسلم الآتية:"صلِّ صلاة الصبح، ثم أقصِر عن الصلاة حتى تطلع الشمس [فإذا طلعت فلا تصلِّ] حتى ترتفع".

* ومنهم من أسقط أبا أمامة من الإسناد بين سليم بن عامر وعمرو بن عبسة:

4 -

فقد رواه يزيد بن هارون [ثقة متقن]، وشبابة بن سوار [ثقة حافظ]، ويحيى بن

ص: 223

أبي بكير [ثقة]، وعلي بن عياش [حمصي، ثقة ثبت]، وعبد الصمد بن النعمان [بغدادي، صدوق مكثر، وله أوهام. تقدم الكلام عليه مفصلًا تحت الحديث رقم (782)، الشاهد الثاني. وانظر: اللسان (5/ 190)]:

حَدَّثَنَا حريز بن عثمان - وهو: الرحبي -[ثقة ثبت]: حَدَّثَنَا سليم بن عامر، عن عمرو بن عبسة، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعُكاظ، فقلت: من تبعك على هذا الأمر؟ فقال: "حر وعبد"، ومعه أبو بكر وبلال رضي الله عنهما، فقال لي:"ارجع حتى يمكن الله عز وجل لرسوله"، فأتيته بعدُ، فقلت: يا رسول الله! جعلني اللّه فداءك، شيئًا تعلمه وأجهله، لا يضرك وينفعني الله عز وجل به، هل من ساعة أفضل من ساعة؟ وهل من ساعة يتقى فيها؟ فقال:" [يا عمرو بن عبسة!] لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك، إن الله عز وجل يتدلى في جوف الليل [الآخر]، فيغفر إِلَّا ما كان من الشرك والبغي، فالصلاة مشهودة محضورة، فصلِّ حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت فأقصر عن الصلاة، فإنها تطلع بين قرني شيطان، وهي صلاة الكفار، حتى ترتفع، فإذا استقلت الشمس فصلِّ، فإن الصلاة محضورة مشهودة حتى يعتدل النهار، فإذا اعتدل النهار فاقصر عن الصلاة، فإنها ساعة تسجر فيها جهنم، حتى يفيء الفيء، فإذا ناء الفيء فصلِّ، فإن الصلاة محضورة مشهودة حتى تدلى الشمس للغروب، فإذا تدلت فأقصر عن الصلاة حتى تغيب الشمس، فإنها تغيب على قرني شيطان، وهي صلاة الكفار".

لفظ يزيد بن هارون، وبنحوه لفظ الجماعة، وفي رواية شبابة: أتيت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بعكاظ، وليس معه إِلَّا أبو بكر وبلال، فقال:"انطلق حتى يمكن الله لرسوله"، قال: ثم أتيته بعد ما ظهر.

أخرجه أحمد (4/ 385)، وابن سعد في الطبقات (4/ 215)، وعبد بن حميد (297)، وابن الأعرابي في المعجم (122)، وابن بطة في الإبانة (7/ 222/ 172) و (9/ 438/ 94)، والدارقطني في النزول (66 و 67)، وابن منده في التوحيد (982)، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (3/ 493/ 761)، وأبو نعيم في الإمامة (18)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (10/ 438)، [الإتحاف (12/ 506/ 16503)، المسند المصنف (23/ 152/ 10358)].

هكذا رواه عن يزيد بن هارون: أحمد بن حنبل، وعبد بن حميد، ومحمد بن سعد، وأحمد بن منصور الرمادي، وأحمد بن سنان القطان الواسطي [وهم ثقات حفاظ]، وغيرهم.

* وخالفهم فزاد في إسناده أبا أمامة فوهم: إبراهيم بن خالد الكلبي [أبو ثور الفقيه: ثقة]، قال: حَدَّثَنَا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا حريز بن عثمان، قال: حَدَّثَنَا سليم بن عامر، عن أبي أمامة، عن عمرو بن عبسة، قال: أتيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهو بعكاظ،

فذكر الحديث.

ص: 224

أخرجه ابن عبد البر في التمهيد (4/ 14).

قلت: والمحفوظ رواية الجماعة، وهذه الرواية منقطعة، والحكم لمن زاد، وقد حفظه معاوية بن صالح عن ثلاثة من ثقات التابعين، قالوا: سمعنا أبا أمامة الباهلي، يقول: سمعت عمرو بن عبسة، وفي كلتا الروايتين وهمٌ في إغفال وقت النهي بعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر.

قال أبو حاتم الرازي: "سليم بن عامر: لم يدرك عمرو بن عبسة"[المراسيل لابن أبي حاتم (310)].

وقال ابن أبي حاتم: "سألت أبي عن حديث رواه سعيد بن عبد الجبار الزبيدي، عن صفوان بن عمرو، عن سليم بن عامر، قال: سمعت عمرو بن عبسة، قال: لقد أتيت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وإني لربع الإسلام؟ قال أبي: هذا خطأ، روى هذا الحديث حريز بن عثمان، عن سليم بن عامر؛ أن أبا أمامة سأل عمرو بن عبسة، وسعيد بن عبد الجبار: ليس بقوي"[علل الحديث (6/ 350/ 2581)].

قلت: رواية سعيد بن عبد الجبار الزبيدي [الحمصي: ضعيف جدًّا، عامة حديثه مما لا يتابع عليه، وكان يُرمى بالكذب. التهذيب (2/ 28)،؛ وصلها عبد الله بن أحمد في فضائل الصحابة (299)، والطبراني في مسند الشاميين (2/ 80/ 952)، والخطيب في المتفق والمفترق (2/ 1101/ 682).

5 -

ورواه النضر بن محمد [واللفظ له، وهو: يمامي ثقة، روى عن عكرمة بن عمار ألف حديث، وقد انفرد بإقران يحيى بن أبي كثير مع شداد]، وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، وأبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرئ، وغندر محمد بن جعفر، وأبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي [وهم ثقات]، ويزيد بن عبد الله بن يزيد بن ميمون بن مهران أبو محمد [روى عنه جماعة من الثقات الحفاظ والمصنفين، وذكره ابن حبان في الثقات. التهذيب (4/ 420)، التقريب (675)، الثقات (7/ 620)][ولم يذكر أحد منهم يحيى في الإسناد]:

عن عكرمة بن عمار: حَدَّثَنَا شداد بن عبد الله أبو عمار، ويحيى بن أبي كثير، عن أبي أمامة - قال عكرمة: ولقي شدادٌ أبا أمامة، وواثلة، وصحب أنسًا إلى الشام، وأثنى عليه فضلًا وخيرًا -، عن أبي أمامة، [وفي رواية: قال أبو أمامة: يا عمرو بن عبسة صاحب العُقُل - عُقُل الصَّدَقَة، رجل من بني سليم -؛ بأي شيء تدعي أنك ربع الإسلام؟]، قال: قال عمرو بن عبسة السلمي: كنت وأنا في الجاهلية أظن الناس على ضلالة، وأنهم ليسوا على شيء وهم يعبدون الأوثان، فسمعت برجل بمكة يخبر أخبارًا، فقعدت على راحلتي، فقدمت عليه، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفيًا جُرءاء عليه قومه، فتلطفتُ حتى دخلتُ عليه بمكة، فقلت له: ما أنت؟ قال: "أنا نبي"، فقلت: وما نبي؟ قال: "أرسلني الله عز وجل، فقلت: وبأي شيء أرسلك؟ قال: "أرسلني بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يوحَّد الله، لا

ص: 225

يُشرَك به شيءٌ"، قلت له: فمن معك على هذا؟ قال: "حر، وعبد"، قال: ومعه يومئذٍ أبو بكر، وبلال، ممن آمن به، فقلت: إني متبعك، قال: "إنك لا تستطيع ذلك يومك هذا، ألا ترى حالي وحال الناس، ولكن ارجع إلى أهلك فإذا سمعت بي قد ظهرت فأتني".

قال: فذهبت إلى أهلي [وفي رواية المقرئ: وقد أسلمت]، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وكنت في أهلي فجعلت أتخبر الأخبار، وأسأل الناس حين قدم المدينة، حتى قدم على نفر من أهل يثرب من أهل المدينة، فقلت: ما فعل هذا الرجل الذي قدم المدينة؟ فقالوا: الناسُ إليه سِراعٌ، وقد أراد قومه قتله فلم يستطيعوا ذلك، فقدمت المدينة فدخلت عليه، فقلت: يا رسول الله! أتعرفني؟ قال: "نعم، أنت الذي لقيتني بمكة"، قال: فقلت: بلى.

فقلت: يا نبي الله أخبرني عما علمك الله وأجهلُه، أخبرني عن الصلاة؟ قال:"صلِّ صلاة الصبح، ثم أقصِر عن الصلاة حتى تطلع الشمس [فإذا طلعت فلا تصلِّ] حتى ترتفع، فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان، وحينئدٍ يسجد لها الكفار، ثم صلِّ [وفي رواية أبي الوليد وابن المقرئ وغندر: فإذا ارتفعت قيد رمح أو رمحين فصلِّ]؛ فإن الصلاة مشهودةٌ محضورةٌ حتى يستقلَّ الظلُّ بالرمح، ثم أقصِر عن الصلاة، فإن حينئذٍ تسجر جهنم، فإذا أقبل الفيء فصل، فإن الصلاة مشهودةٌ محضورةٌ حتى تصلي العصر، ثم أقصِر عن الصلاة حتى تغرب الشمس، فإنها تغرب بين قرني شيطان، وحينئذٍ يسجد لها الكفار".

قال: فقلت: يا نبي الله! فالوضوء حَدَّثَنِي عنه، قال:"ما منكم رجل يقرِّب وضوءه فيتمضمض، ويستنشق فينتثر إلا خرت خطايا وجهه وفيه وخياشيمه [في رواية ابن المقرئ: مع الماء]، ثم إذا غسل وجهه كما أمره الله، إِلَّا خرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء، ثم يغسل يديه إلى المرفقين، إِلَّا خرت خطايا يديه من أنامله مع الماء، ثم يمسح رأسه، إِلَّا خرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء، ثم يغسل قدميه إلى الكعبين، إِلَّا خرت خطايا رجليه من أنامله مع الماء، فإن هو قام فصلى، فحمد الله وأثنى عليه ومجده بالذي هو له أهلٌ، وفرغ قلبه لله [في رواية ابن المقرئ: ثم يركع ركعتين]، إِلَّا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه".

فحدث عمرو بن عبسة بهذا الحديث أبا أمامة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له أبو أمامة: يا عمرو بن عبسة! انظر ما تقول؛ في مقام واحد يعطى هذا الرجل؟ فقال عمرو: يا أبا أمامة، لقد كبرت سني، ورق عظمي، واقترب أجلي، وما بي حاجة أن أكذب على الله ولا على رسول الله، لو لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلَّا مرة، أو مرتين، أو ثلاثًا حتى عد سبع مرات، ما حدثت به أبدًا، ولكني سمعته أكثر من ذلك.

أخرجه مسلم (832)، وأبو عوانة (1/ 17/ 7) و (1/ 206/ 668) و (1/ 322/ 1146 و 1147)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (4/ 242 / 1877)، وابن خزيمة (1/ 85 / 165)، والحاكم (3/ 66)(6/ 15/ 4469 - ط. الميمان)، وأحمد (4/ 111 و 112)، وابن

ص: 226

سعد في الطبقات (4/ 216)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3/ 1327/39)، وأبو العباس السراج في مسنده (1518)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (2279)، وابن قانع في المعجم (2/ 196)، والطبراني في الأحاديث الطوال (11)، والدارقطني (1/ 107 و 108)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (9/ 233 - 235)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 1983/ 4977)، والبيهقي (1/ 81) و (2/ 454) و (6/ 369)، وابن عبد البر في التمهيد (4/ 54)، والبغوي في شرح السنة (3/ 322/ 777)، والجوزقاني في الأباطيل والمناكير (1/ 147/295)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (46/ 257 و 259)، [التحفة (7/ 359/ 10759)، الإتحاف (12/ 503/ 16002) و (12/ 505/ 16003) و (12/ 508/ 16007)، المسند المصنف (23/ 151/ 10358)].

قال الدارقطني: "هذا إسناد ثابت صحيح".

وقال ابن عبد البر في التمهيد (4/ 15): "وهو حديث صحيح من حديث الشاميين".

وصححه البيهقيّ (1/ 71).

5 قال ابن الجوزي في كشف المشكل (4/ 197): "وقوله: قال أبو أمامة لعمرو لصاحب العُقُل رجل من بني سليم: قد رواه أحمد في مسنده فقال فيه: فقال أبو أمامة: يا عمرو بن عبسة صاحب العُقُل عُقُل الصدقة رجل من بني سليم، بأي شيء تدعي أنك ربع الإسلام؟ والمعنى: أنت صاحب العُقُل، وهي جمع عقال، وكأنه تولى أمر الصدقة، وأنت رجل من بني سليم فمن أين تدعي هذا؟ وإنّما ادعى أنه ربع الإسلام؛ لأنه لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فقال له: من معك على هذا الأمر؟ فقال: "حر وعبدٌ"، وكان معه أبو بكر وبلال، فلما أسلم عمرو رأى نفسه ربع الإسلام؛ لأنه صار رابع أربعة، إِلَّا أنه لما أسلم رجع إلى بلاده، ثم هاجر بعد دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة".

6 -

ورواه الليث بن سعد، عن سعيد المقبري، عن عون بن عبد الله بن عتبة، عن عبد الله بن مسعود؛ أنه قال: بينا نحن جلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد جاءه رجل من بني سليم، يقال له: عمرو بن عبسة، وإن ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فلم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدم بالمدينة، فقال: علمني يا رسول الله، ما أنت به عالم، وأنا به جاهل، وأنبئني بما ينفعني الله ولا يضرك، هل من الليل والنهار ساعة تبقى فيها الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أما الليل إذا صلينا المغرب فالصلاة مقبولة مشهودة حتى نصلي صلاة الفجر فاجتنب الصلاة حتى ترتفع الشمس وتبيض؛ فإن الشمس تطلع بين قرني الشيطان، فإذا أبيضت الشمس" فإن صلاة محضورة مقبولة حتى ينتصف النهار، وتعتدل الشمس كأنها رمح منصوب، ويقوم كل شيء في ظله، فتلك الساعة التي تستعر فيها جهنم؛ فإن شدة الحر من فيح جهنم، فإذا مالت الشمس فإن الصلاة مقبولة محضورة حتى تصفر الشمس، فإنها تغرب بين قرني الشيطان".

تقدم تخريجه تحت الحديث السابق برقم (1083)، وفي سنده انقطاع.

ص: 227

7 -

ورواه عبد الله بن نمير [ثقة]، ويعلى بن عبيد الطنافسي [ثقة]، وعنبسة بن عبد الرحمن [الأموي: متروك، منكر الحديث، قال أبو حاتم:"كان يضع الحديث"، واتهمه أيضًا: الأزدي وابن حبان. التهذيب (3/ 333)]:

حَدَّثَنَا حجاج بن دينار [صدوق. التهذيب (1/ 358)]، عن محمد بن ذكوان [الأزدي الطاحي، مولى الجهاضم: منكر الحديث. التهذيب (3/ 558)]، عن شهر بن حوشب، عن عمرو بن عبسة، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، من معك على هذا الأمر؟ قال:(حر وعبد)، قلت: ما الإسلام؟ قال: "طيب الكلام، وإطعام الطعام"، قلت: ما الإيمان؟ قال: "الصبر والسماحة"، قال: قلت: أي الإسلام أفضل؟ قال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده"، قال: قلت: أي الإيمان أفضل؟ قال: "خلق حسن"، قال: قلت: أي الصلاة أفضل؛ قال: "طول القنوت"، قال: قلت: أي الهجرة أفضل؛ قال: "أن تهجر ما كره ربك عز وجل" قال: قلت: فأي الجهاد أفضل؟ قال: "من عقر جواده وأهريق دمه"، قال: قلت: أي الساعات أفضل؟ قال: "جوف الليل الآخر، ثم الصلاة مكتوبة مشهودة حتى يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر، فلا صلاة إِلَّا الركعتين حتى تصلي الفجر، فإذا صليت صلاة الصبح، فأمسك عن الصلاة حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس، فإنها تطلع في قرني شيطان، وإن الكفار يصلون لها، فأمسك عن الصلاة حتى ترتفع، فإذا ارتفعت فالصلاة مكتوبة مشهودة حتى يقوم الظل قيام الرمح، فإذا كان كذلك فأمسك عن الصلاة حتى تميل، فإذا مالت فالصلاة مكتوبة مشهودة حتى تغرب الشمس، فإذا كان عند غروبها فأمسك عن الصلاة، فإنها تغرب أو تغيب في قرني شيطان، وإن الكفار يصلون لها".

أخرجه ابن ماجة (2794)، وأحمد (4/ 385)، وابن أبي شيبة في المسند (2/ 263 / 757)، وعبد بن حميد (300)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 158/ 359 - السفر الثالث)، والخرائطي في مكارم الأخلاق (157)، والطبراني في مكارم الأخلاق (155)، وابن بشران في الأمالي (568 و 1035)، والبيهقي في الشعب (6/ 242/ 8015)، [التحفة (7/ 358/ 10757)، الإتحاف (12/ 506/ 16003)، المسند المصنف (23/ 157/ 10360)].

وانظر فيمن وهم في إسناده: ما أخرجه ابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق (58 و 59)، وابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (308 و 644)، وفي قيام الليل (311 - مختصره)، والبيهقي في الشعب (6/ 242/ 8014).

قال أبو حاتم الرازي: "شهر بن حوشب: لم يسمع من عمرو بن عبسة، إنما يحدث عن أبي ظبية، عن عمرو بن عبسة"[المراسيل لابن أبي حاتم (324)].

وقال أبو زرعة الرازي: "شهر بن حوثب: لم يلق عمرو بن عبسة"[المراسيل لابن أبي حاتم (325)، الجرح والتعديل (4/ 382)].

* وقد روي هذا الحديث عن شهر بن حوشب من وجوه أخرى ليس فيها موضع

ص: 228

الشاهد في أوقات النهي، وقد رواه عن شهر جماعة من الثقات وغيرهم، ويبدو لي أن شهرًا قد اضطرب في متنه، وفي إسناده أيضًا، فمرة يقول: عن أبي أمامة، ومرة: عن أبي أمامة عن عمرو بن عبسة، ومرة: عن أبي ظبية عن عمرو بن عبسة، وغير ذلك [انظر مثلًا: ما أخرجه البخاري في الكنى (47)، والترمذي (3526)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (807 - 809)، وأحمد (13/ 14 و 386) و (5/ 251 و 252 و 256 و 261 و 263 و 264)، والطيالسي (2/ 451/ 1225)، وأبو عبيد القاسم بن سلام في الطهور (22 و 66)، وابن أبي شيبة (1/ 111/ 1267)، وعبد بن حميد (304)، وابن أبي عاصم في الجهاد (164)، والروياني (1249)، والطحاوي (1/ 87)، والطبراني في الكبير (8/ 123 - 125/ 7560 - 7572)، وفي الأوسط (2/ 140/ 1505) و (4/ 361/ 4439)، وفي الدعاء (126 و 127)، وفي فضل الرمي (20 و 22)، والآجري في الأربعين (22)، وأبو الفضل الزُّهري في حديثه (170)، وإسحاق القراب في فضائل الرمي (23 و 24)، وابن بشران في الأمالي (19)، وابن عبد البر في التمهيد (4/ 50)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (2/ 294)، وغيرهم كثير، [التحفة (4889 و 4890 و 10770 و 10771)، الإتحاف (12/ 508/ 16007)، المسند المصنف (23/ 161/ 10366) و (26/ 40 / 1629) و (26/ 43/ 11630 و 11631) و (26/ 116/ 11721)].

قلت: حديث شهر بن حوشب هذا حديث ضعيف مضطرب، لم يضبطه شهر، ولم يسمعه من عمرو بن عبسة، وقد اشتمل على ألفاظ منكرة.

منها قوله: "ثم الصلاة مكتوبة مشهودة حتى يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر، فلا صلاة إلا الركعتين حتى تصلي الفجر"، ومنها: "فإذا مالت فالصلاة مكتوبة مشهودة حتى تغرب الشمس]، وقد سبق التنبيه على نحو ذلك في رواية معاوية بن صالح.

* ورواه محمد بن عمر الواقدي [متروك]، قال: حَدَّثَنِي الحجاج بن صفوان [مدني، ثقة]، عن ابن أبي حسين [عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين النوفلي: ثقة]، عن شهر بن حوشب، عن عمرو بن عبسة السلمي به نحو حديث الجماعة بطوله، وفيه موضع الشاهد، لكن أسقط من إسناده ذكر أبي أمامة.

أخرجه ابن سعد في الطبقات (4/ 217)، ومن طريقه: البلاذري في أنساب الأشراف (13/ 333)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (46/ 264).

وهو واهٍ بهذا الإسناد؛ لأجل الواقدي.

8 -

ورواه محمد بن علي المروزي [ثقة حافظ. تاريخ بغداد (3/ 68)، الأنساب (5/ 635)، السير (14/ 311)]: ثنا خلف بن عبد العزيز بن عثمان بن جبلة بن أبي رواد: حَدَّثَنِي أبي، عن جدي: ثنا علي بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير: حَدَّثَنِي أبو قلابة؛ أن أبا إدريس أخبره؛ أن عمرو بن عبسة رضي الله عنه أخبره؛ أنه سأل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: أي الليل خير للدعاء؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جوف الليل الآخر".

ص: 229

ثم قال: "صلِّ ما شئت حتى تصلي صلاة الصبح، ثم اقتصر حتى تطلع الشمس، فإنها تطلع في قرن الشيطان، وحينئذٍ يسجد الكفار لها، ثم صل إذا شئت حتى إذا انتصف النهار فاقتصر، فإن جهنم تسجر حينئذٍ، فإذا فاء الفيء فصلِّ ما شئت حتى تصلي العصر، ثم اقتصر، فإن الشمس تغرب في قرن الشيطان، وحينئذٍ يسجد الكفار لها". قال: وسألته عن الطهور، فقال:"إذا مضمضت فاك فإنك تمج خطيئته، وإذا غسلت يديك غسلت خطيئة يديك وأظفارك وأناملك، وإذا غسلت رجليك غسلت خطيئتك من بطن قدميك، وإذا صليت فأقبلت إلى الله بقلبك كانت كفارة، وإن جلست وجب أجرك".

أخرجه الطَّبراني في الأوسط (7/ 96/ 6964)، وفي الدعاء (130).

قال الطَّبراني: "لم يرو هذين الحديثين عن يحيى بن أبي كثير إِلَّا علي بن المبارك، تفرد بهما: عثمان بن جبلة بن أبي رواد".

قلت: هو حديث غريب جدًّا بهذا الإسناد؛ من حديث أبي قلابة، ثم من حديث يحيى بن أبي كثير، ثم من حديث علي بن المبارك الهنائي البصري، تفرد به عنه أهل مرو دون أهل العراق: عثمان بن جبلة بن أبي رواد المروزي، وهو: ثقة، كان شريكًا لشعبة، وابنه عبد العزيز: روى عنه جماعة من الثقات، وروى له البخاري، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الدارقطني والخليلي:"ثقة"[سؤالات الحاكم (358)، الإرشاد (3/ 891)، التعديل والتجريح (2/ 900)، تاريخ الإسلام (16/ 264)، التهذيب (2/ 590)]، وابنه خلف بن عبد العزيز المروزي: ترجم له ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (3/ 371)، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، والله أعلم.

* وللحديث طرق أخرى عن أبي أمامة عن عمرو بن عبسة لا تخلو من مقال:

أخرجها عبد بن حميد (298)[وفي إسناده: بشر بن نمير، وهو: متروك متهم][المسند المصنف (23/ 10358/151)].

وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 353/157 - السفر الثالث)، والطبراني في مسند الشاميين (2/ 405/ 1590)، وأبو أحمد الحاكم في فوائده (5) [وفي إسناده: فرج بن فضالة، وهو: ضعيف].

وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 378/ 1331 - السفر الثاني) و (1/ 158/ 355 - السفر الثالث)[وفي إسناده: يزيد بن سنان أبو فروة الرهاوي، وهو: ضعيف].

وأبو نعيم في الحلية (5/ 203)[وفي إسناده: عثمان بن عطاء بن أبي مسلم الخراساني، وهو: ضعيف روى عن أبيه أحاديث منكرة].

* وله طرق أخرى:

• منها: ما أخرجه النسائي في المجتبى (1/ 283 / 584)، وفي الكبرى (2/ 219/ 1573)، وابن ماجة (283 و 1251 و 1364)، وأحمد (4/ 111 و 113 و 114)، وأبو عبيد القاسم بن سلام في الطهور (13)، وابن سعد في الطبقات (4/ 215)، وابن أبي شيبة

ص: 230

في المصنف (1/ 15/ 43) و (2/ 133 / 7344)(5/ 117/ 7422 - ط. عوامة)، وفي المسند (2/ 261/ 755)، وابن أبي الدنيا في التهجد وقيام الليل (239)، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (1/ 342/ 281)، وخيثمة الأطرابلسي في حديثه (131)، والطبراني في الدعاء (131 و 132)، وابن بطة في الإبانة (9/ 440/ 95)، وابن عبد البر في التمهيد (4/ 24)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (46/ 265 و 266) [وفي سنده: عبد الرحمن بن البيلماني، وهو: ضعيف، وروايته عن عمرو بن عبسة: مرسلة، قال صالح جزرة:"حديثه منكر، ولا يعرف أنه سمع من أحد من الصحابة إِلَّا من سُرَّق"، والراوي عنه: يزيد بن طلق، وهو: مجهول، وفي بعض طرقه:"جوف الليل الأوسط"، وهو حديث منكر بهذا اللفظ] [التحفة (7/ 360/ 10762 و 10763)، الإتحاف (12/ 506/ 16003)، المسند المصنف (23/ 154/ 10359)].

وانظر فيمن وهم في إسناده: ما أخرجه أحمد (4/ 385)، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (1/ 342/ 280)، [الإتحاف (12/ 506/ 16003)، المسند المصنف (23/ 156/ 10359)].

• ومنها: ما أخرجه الطَّبراني في الدعاء (133)، وفي مسند الشاميين (3/ 86/ 1847) [وفي إسناده: عبد الله بن سالم الأشعري الحمصي: ليس به بأس؛ إِلَّا أن الإسناد إليه: إسناد حمصي لا يثبت مثله، تقدم الكلام عليه غير مرة، انظر مثلًا: فضل الرحيم الودود (10/ 178/ 936)].

• ومنها: ما أخرجه أبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 1946/ 4901)[وفي إسناده: عدي بن الفضل، وهو: متروك، فضلًا عن بعض المجاهيل].

• وقد تقدم ذكر بعض شواهد حديث عمرو بن عبسة هذا في شواهد الحديث السابق، مما لا تخلو أسانيده من مقال.

* وحاصل الكلام في النهي عن الصلاة في الأوقات الخمسة:

• أن هناك وقتين نهي عن الصلاة فيهما، ولم يعلل النهي في أي منهما بعلة:

1 -

من صلاة الصبح حتى تأخذ الشمس في الطلوع.

2 -

من صلاة العصر حتى تأخذ الشمس في الغروب.

• وأن هناك ثلاثة أوقات قد علل النهي فيها:

3 -

إذا قام قائم الظهيرة واستقلَّ الظلُّ بالرمحِ.

وقد علل النهي بقوله صلى الله عليه وسلم: "فإن حينئذٍ تسجر جهنم"[كما في حديث عمرو بن عبسة].

4 -

إذا بدا حاجب الشمس حتى ترتفع قيد رمح.

وقد علل النهي بقوله صلى الله عليه وسلم: "فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان، وحينئذٍ يسجد لها الكفار"[كما في حديث ابن عمر، وعمرو بن عبسة، وسمرة].

ص: 231

5 -

إذا غاب حاجب الشمس حتى تغيب.

وقد علل النهي بقوله صلى الله عليه وسلم: "فإنها تغرب بين قرني شيطان، وحينئذٍ يسجد لها الكفار"[كما في حديث ابن عمر، وعمرو بن عبسة، وسمرة].

ويمكن أن يقال بأن هذا الوقت الأخير يبدأ بتدلي الشمس للغروب لحديث عقبة بن عامر الجهني، قال: ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن، أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب. وفي رواية: وحين تصوَّب الشمس لغروبها، وفي رواية: وعند اصفرار الشمس وإضافتها حتى تغيب.

وعلى هذا يدل كلام أحمد، ففي مسائل أبي داود (1034 و 1035):"سئل عن الصلاة على الجنازة عند غروب الشمس؟ قال: إذا تدلت الشمس للغروب فلا يصلى عليها"، قيل لأحمد:"الشمس على الحيطان مصفرة؟ قال: يُصلَّى عليها ما لم تدلى للغروب".

وقال ابن قدامة في المغني (1/ 428): "والصحيح: أن الوقت الخامس من حين تتضيف الشمس للغروب إلى أن تغرب".

ويلاحظ أن الوقتين الأول والثاني لم يغلظ فيهما النهي، وقد حكى ابنُ المنذر عن الشافعي الإجماعَ على إقامة الجنائز في هذين الوقتين، ثم حكاه بعضهم عن ابن المنذر، وإنما هو كلام الشافعي في اختلاف الحديث (10/ 101 - أم) حيث قال:"ثم إجماع الناس في الصلاة على الجنائز بعد الصبح والعصر"[انظر: الأوسط (2/ 397) و (5/ 395)، المغني (2/ 82)، مجموع الفتاوى (23/ 191)، الفتح لابن رجب (3/ 283)، التوضيح لابن الملقن (6/ 260)، وغيرها]، وهذا محمول على ما إذا صلي على الجنازة بعد الصبح وبعد العصر في أول وقتها، وقد اختلفت الرواية عن ابن عمر؛ فصح عنه أنه أجازها بعد الصلاة إذا صُليت للوقت، ففي الموطأ (613) بإسناد صحيح كالشمس، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، قال: يُصلَّى على الجنازة بعد العصر وبعد الصبح، إذا صُلّيتا لوقتهما، وصح عنه أيضًا المنع مطلقًا، ففي مصنف عبد الرزاق (6669) بإسناد صحيح كالشمس أيضًا، عن معمر، عن الزُّهري، عن سالم، عن ابن عمر؛ أنه قال: إنه لا يصلح لكم أن تصلوا على الجنازة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس، ولا بعد العصر حتى تغيب الشمس [راجع مثلًا: ما أخرجه مالك في الموطأ (1/ 314/ 612 و 613)، وعبد الرزاق (3/ 523 و 524/ 6560 و 6561 و 6563 - 6565 و 6568)(3/ 391 و 392/ 6664 و 6665 و 6667 - 6669 و 6672 - ط. التأصيل)، وابن أبي شيبة (2/ 485/ 11324 و 11328)، والبيهقي (2/ 460) و (4/ 32)]، ولعله يحمل على فعلها في آخر الوقت قبل الشروق والغروب، وقال الجمهور بجواز صلاة النافلة الفائتة، وركعتي الطواف، وركعتي تحية المسجد، ونحو ذلك من ذوات الأسباب، وعلى هذا فإن عموم

ص: 232

النهي عن الصلاة في هذين الوقتين عموم مخصوص بمثل هذه النصوص الدالة على جواز إيقاع هذه الصلوات في هذين الوقتين.

قال الشافعي في اختلاف الحديث (10/ 102 - أم) بعدما ذكر جملة من الأدلة، في الأمر بقضاء الفوائت، وصلاة ركعتي الطواف في أية ساعة شاء، وصلاة الجنائز بعد العصر والصبح، وقضاء ركعتي الظهر بعد العصر، وقضاء ركعتي الفجر بعد الصلاة، وذلك كله في معارضة عموم النهي عن الصلاة في أوقات النهي الخمسة، قال الشافعي:"فلا يجوز إِلَّا أن يكون نهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في الساعات التي نهى عنها على ما وصفتُ من كل صلاة لا تلزم، فأما كل صلاة كان يصليها صاحبها فأغفلها، أو شغل عنها، وكل صلاة أُكِّدت وإن لم تكن فرضًا؛ كركعتي الفجر والكسوف، فيكون نهي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فيما سوى هذا ثابتًا".

كذلك فإن النهي عن الصلاة في هذين الوقتين معلق بفعل الصلاة، وذلك أن وقت العصر إذا دخل فالتنفل فيه جائز ما لم يصل العصر؛ فإذا صلى العصر منع من التنفل بعدها، وكذلك إذا طلع الفجر فقد أباح بعضهم صلاة وتره لمن لم يكن صلاه من الليل حتى يصلي الفجر، فإذا صلى الفجر منع من التنفل بعدها، وهذا بخلاف الأوقات الثلاثة المعللة.

وذلك كله فضلًا عن كون النص قد دل على أن كلًا من الوقتين هو وقت لأداء الصلاة الحاضرة حتى تطلع الشمس، أو حتى تغرب، لقوله صلى الله عليه وسلم:"من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر"[متفق عليه، راجع فضل الرحيم (5/ 90/ 412)]، وفي رواية بإسناد مدني صحيح:"من صلى سجدة واحدة من العصر قبل غروب الشمس، ثم صلى ما بقي بعد غروب الشمس، فلم تفته العصر"، قال:"ومن صلى سجدة واحدة من الصبح قبل طلوع الشمس، ثم صلى ما بقي بعد طلوع الشمس، فلم تفته الصبح"[راجع فضل الرحيم (5/ 91/ 412)]، وصح أيضًا من حديث أبي هريرة مرفوعًا:"من صلى ركعة من صلاة الصبح ثم طلعت الشمس فليتم صلاته"، وفي رواية:"من أدرك من صلاة الغداة ركعة قبل أن تطلع الشمس، فليصل إليها أخرى"[راجع فضل الرحيم (5/ 97/ 412)]، وفي رواية في الصحيح:"إذا أدرك أحدكم سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته، وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته"، وفي رواية:"فلم تفته".

كذلك فإن من نسي صلاة أو نام عنها ثم ذكرها في أي من هذين الوقتين وجب عليه قضاؤها فيه لقوله صلى الله عليه وسلم: "من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها"[أخرجه مسلم (684)، راجع فضل الرحيم (5/ 323/ 442)]، وفي رواية:"من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك"[متفق عليه. راجع فضل الرحيم (5/ 321/ 442)]، وأما زيادة:"فإن ذلك وقتها"؛ فإنها شاذة [راجع فضل الرحيم (5/ 326/ 442)].

ص: 233

وأما الأوقات الثلاثة الأخيرة فقد اقترن النهي عن الصلاة فيها بالنهي عن دفن الموتى، مع التغليظ في أسلوب النهي في الوقتين الأخيرين، مثل قوله صلى الله عليه وسلم:"لا تتحروا طلوع الشمس، ولا غروبها؛ فتصلوا عند ذلك"[كما في حديث ابن عمر]، ومثل قول عائشة: إنما نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يُتحرَّى طلوعُ الشمس، وغروبها.

ويظهر من خلال هذا العرض أن أشد الأوقات نهيًا عن الصلاة فيها، هما وقت طلوع الشمس، ووقت غروبها؛ حيث علل بعلتين: الأولى: أنها تطلع وتغرب بين قرني شيطان، والثانية: أنها حينئذٍ يسجد لها الكفار، ولا شك أن هذا التحريم لهو أشد وأغلظ من غيره، حيث اقترن بسد ذريعة مشابهة الكفار في عبادتهم للشمس، ولكون الشيطان يقترن بها في هذين الوقتين حتى يُعبد بعبادتهم للشمس؛ عندئذ يظهر بجلاء المعنى المراد في أمر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أمته أن تؤخر الصلاة حين طلوع الشمس حتى ترتفع، وحين غروبها حتى تغيب، ففي حديث ابن عمر مرفوعًا:"إذا طلع حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى ترتفع، وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغيب"[وهو متفق عليه، وهذا لفظ البخاري]، ولما كان الوقت السابق على هذين الوقتين هو وقت نهي أيضًا، نهي عن الصلاة فيه، فليس هو موضع للتنفل، لقوله صلى الله عليه وسلم:"لا صَلاةَ بَعدَ صلاةِ الصبح حتى تَطلُعَ الشمسُ، ولا صَلاةَ بَعدَ صلاة العصرِ حتى تَغْرُبَ الشمسُ"، [قال ابن الملقن في الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (2/ 310)، وفي التوضيح (6/ 260): "أجمعت الأمة على كراهة صلاة لا سبب لها في أوقات النهي، واتفقوا على جواز الفرائض المؤداة فيها"، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "أما التطوع الذي لا سبب له: فهو منهي عنه بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس؛ باتفاق الأئمة، وكان عمر بن الخطاب يضرب من يصلي بعد العصر، فمن فعل ذلك فإنه يعزَّر؛ اتباعًا لما سنَّه عمر بن الخطاب أحد الخلفاء الراشدين، إذ قد تواترت الأحاديث عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بالنهي عن ذلك"، مجموع الفتاوى (23/ 218)]، وإنّما تجوز فيه صلاة الفريضة لمن أخرها لعذر كنوم ونسيان ونحو ذلك كما سبق بيانه، أو الصلوات ذوات الأسباب، ويؤكد ذلك لام التعريف في الصلاة، وهي لام العهد، فأي صلاة معهودة أمر الصحابة بتأخيرها، وهل عهد عن الصحابة صلاة النوافل المطلقة في هذا الوقت حتى ينهوا عنها؟! وعلى فرض أنها لام الاستغراق فهو يؤيد قولنا أيضًا، وعلى هذا فإن الخطاب في حديث ابن عمر هذا لا يتوجه حينئذ ليصلي النافلة المطلقة، بل لمن صلى صلاة لها سبب كركعتي الطواف أو سنة الوضوء أو تحية المسجد مثلًا، أو لمن أخر الفريضة لعذر؛ فإذا كان عذره قد زال قبل الطلوع أو الغروب بركعة جاز له أن يشرع في الصلاة ويستديمها أثناء الطلوع أو الغروب، للدليل السابق ذكره، ولأنه يغتفر في الاستدامة ما لا يغتفر في الابتداء، ولأن ابتداء الصلاة قبل شروق الشمس وقبل غروبها قد خالف فعل الكفار، فتباينت الأفعال واختلفت؛ كذلك فإن الشرع قد جاء بتشريع ابتداء الصلاة قبل الشروق والغروب ولو بركعة، ولم يشرع ذلك

ص: 234

فيما إذا بدا حاجب الشمس أو غاب، بل قد نهى عنه، والله أعلم.

وأما إذا برز حاجب الشمس وبدأ في الظهور، أو بدأ قرص الشمس في المغيب؛ فليس للمكلف أن يبتدئ في الصلاة حينئذٍ، بل قد أُمر بتأخير الفريضة أو ذات السبب حتى يكتمل طلوعها وترتفع، أو حتى يكتمل غروبها، وصار حديث ابن عمر هذا مخصِّصًا لحديث أنس فيمن نسي صلاة أو نام عنها، أو للأحاديث الدالة على مشروعية صلاة ذوات الأسباب في أوقات النهي، ويستأنس في ذلك بفعله صلى الله عليه وسلم لما نام عن صلاة الفجر في السفر، فصلاها بعد ارتفاع الشمس، وأمرهم باقتياد رواحلهم، وتنحيهم عن ذلك المكان الذي ناموا فيه [كما في حديث أبي هريرة، راجع فضل الرحيم (5/ 306/ 436)]، وفي حديث أبي قتادة عند مسلم (681): فكان أول من استيقظ: رسول الله صلى الله عليه وسلم، والشمس في ظهره، قال: فقمنا فزعين، ثم قال:"اركبوا"، فركبنا فسرنا، حتى إذا ارتفعت الشمس نزل [راجع فضل الرحيم (5/ 437/310)]، وفي رواية بإسناد صحيح: فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد طلع حاجب الشمس، فقال:"يا بلال [أين ما قلت] "، قال: يا رسول الله! والذي بعثك بالحق! ما أُلْقِيَت عليَّ نومةٌ مثلها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنَّ الله عز وجل قبض أرواحكم حين شاء، وردَّها عليكم حين شاء"، ثم أمرهم، فانتشروا لحاجتهم، فتوضؤوا وقد ارتفعت الشمس، فصلى بهم الفجر، ومن نفس الطريق عند البخاري (7471): وتوضؤوا إلى أن طلعت الشمس وابيضت فقام فصلى، ومن وجه آخر عند البخاري (595): فلما ارتفعت الشمس وابياضَّت قام فصلى [راجع فضل الرحيم (5/ 321/ 440)]، وفي حديث عمران بن حصين عند مسلم (682): ثم استيقظ عمر، فقام عند نبي الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يكبر ويرفع صوته بالتكبير، حتى استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رفع رأسه ورأى الشمس قد بزغت، قال:"ارتحلوا"، فسار بنا، حتى إذا ابيضت الشمس نزل، فصلى بنا الغداة [راجع فضل الرحيم (5/ 333/ 443)]، فصار فعله صلى الله عليه وسلم في هاتين الواقعتين مبينًا مفسرًا لمراده من قوله صلى الله عليه وسلم:"من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها"، وفي حديث أبي قتادة:"فمن فعل ذلك فليُصلها حين ينتبه لها"؛ يعني: بعد ارتفاع الشمس، لا سيما ولا يثبت عندنا أنه صلى الله عليه وسلم أمر بالتنحي أو أنه علل بحضور الشيطان في ذلك المكان في كلتا الواقعتين معًا، وإنما قال ذلك في إحدى الواقعتين دون الأخرى، فبقيت دون تعليل سوى التعليل بتأخير الصلاة حتى ترتفع الشمس، فيتفق الحديث عندئذ مع حديث ابن عمر الآمر بتأخير الصلاة حتى ترتفع الشمس، والله أعلم.

وعائشة رضي الله عنها وإن رأت جواز صلاة ركعتين بعد العصر لفعله صلى الله عليه وسلم؛ إِلَّا أنها رأت المنع من ذلك عند غروب الشمس وعند طلوعها:

فقد روى حبيب المعلم، عن عطاء، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها؛ أن ناسًا طافوا بالبيت بعد صلاة الصبح، ثم قعدوا إلى المذكر حتى إذا طلعت الشمس قاموا يصلون، فقالت عائشة رضي الله عنها: قعدوا حتى إذا كانت الساعة التي يمره فيها الصلاة قاموا يصلون.

ص: 235

أخرجه البخاري (1628).

قال البيهقيّ: كانت عائشة رضي الله عنها أباحت ركعتي الطواف بعد صلاة الفجر، وكرهتهما عند طلوع الشمس، والله أعلم.

وكان ابن سيرين قد نظر لهذا المعنى في التفريق بين هذين الوقتين وبين الأوقات الثلاثة الأخرى، حين قال: تكره الصلاة في ثلاث ساعات، وتحرم في ساعتين، قال: تكره بعد العصر، وبعد الصبح حتى ترتفع قيد نخلة، ونصف النهار في شدة الحر، وتحرم ساعتين: حين يطلع قرن الشيطان حتى يستوي طلوعها، وحين تصفر حتى يستوي غروبها، فإنها تغرب في قرن شيطان، وتطلع في قرن شيطان [أخرجه عبد الرزاق (2/ 427/ 3956 و 3957) بإسناد صحيح عن ابن سيرين. وأخرج بعضه ابن أبي شيبة (2/ 132/ 7335)].

ومع كون الشافعي نقل الإجماع على صلاة الجنازة في أوقات النهي؛ فإن أحمد قد منع منها في هذين الوقتين المضيقين، ففي مسائل أبي داود (1034 - 1036):"سئل عن الصلاة على الجنازة عند غروب الشمس؛ قال: إذا تدلت الشمس للغروب فلا يصلى عليها"، قيل لأحمد:"الشمس على الحيطان مصفرة؛ قال: يُصلَّى عليها ما لم تدلى للغروب"، ثم قال:"سمعت أحمد قال: الذي أختار أن لا يصلَّى على الجنازة إذا صلوا الصبح حتى تطلع الشمس".

وقال الترمذي (1030) عن حديث عقبة بن عامر: "هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وغيرهم: يكرهون الصلاة على الجنازة في هذه الساعات.

وقال ابن المبارك: معنى هذا الحديث: أن نقبر فيهن موتانا؛ يعني: الصلاة على الجنازة، وكره الصلاة على الجنازة عند طلوع الشمس، وعند غروبها، وإذا انتصف النهار حتى تزول الشمس، وهو قول أحمد، وإسحاق.

قال الشافعي: لا بأس في الصلاة على الجنازة في الساعات التي تكره فيهن الصلاة".

وكأن ابن رجب التفت إلى هذا المعنى من كلام الإمام أحمد، حيث قال في الفتح (3/ 320): "والمشهور عند أكثر أصحابنا: أن الحكم يتعدى إلى قضاء جميع السنن والرواتب في جميع أوقات النهي، وفعل جميع ذوات الأسباب فيها؛ كصلاة الكسوف وتحية المسجد، وحكوا في جواز ذلك كله روايتين عن أحمد في جميع أوقات النهي.

ولو قيل: إن الخلاف مختص بالوقتين الطويلين، دون الأوقات الثلاثة الضيقة؛ لكان أقرب. ولا يعرف لأحمد نص بجواز شيء من ذلك في الأوقات الضيقة.

هذا، والتفريق هو قول إسحاق بين راهويه، وهو متوجه. والمشهور عن أحمد: أن ذلك لا يفعل في أوقات النهي، وأن سنة الفجر إنما تقضى بعد طلوع الشمس.

حتى نقل عبد الله بن أحمد، أنه سأل أباه، فقال له: حُكيَ عنك أنك تقول: يصليهما إذا فرغ من الصلاة؟ فقال: ما قلت هذا قط".

ص: 236

ولعل ابن رجب يشير في هذا إلى ما رواه إسحاق بن منصور الكوسج في مسائله لأحمد وإسحاق (120)، قال: "قلت: الصلاة بعد العصر؟ قال: لا يصلى بعد العصر إِلَّا صلاة فائتة، أو على الجنازة، إلى أن تُطفَّل الشمس للغيبوبة.

قال إسحاق: كما قال؛ لأن العصر لا يكون بعده سنة ولا تطوع، ولكن يصلي بعده الفوائت والجنائز، وإن كان كسوفًا صليت؛ لأنها فائتة".

وقال أيضًا (299 و 300): "قلت: هل يقضى شيء من التطوع؟ قال: أما النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقد قضى الركعتين قبل الفجر، والركعتين بعد الظهر، قضاهما بعد العصر.

قال إسحاق: كما قال.

قلت: إذا فاتته الركعتان قبل الفجر متى يصليهما؟ فقال: يصليهما من الضحى.

قال: إسحاق كما قال".

وفي مسائل حرب الكرماني (448 - 449/ ط. الريان): "وكره أحمد أن يسجد الرجل بعد صلاة العصر وبعد الفجر،

، وسمعت إسحاق يقول: إن قرأ السجدة بعد صلاة الفجر لم يسجد حتى تطلع الشمس، وإن قرأها بعد العصر إذا ضافت الشمس للغروب ولم يبق من الشمس قدر ما يصلي ركعة، أخَّر ذلك حتى تغيب الشمس".

وانظر ما روي في ذلك عن الصحابة في كراهية سجود التلاوة بعد الفجر وبعد العصر: مصنف ابن أبي شيبة (1/ 376 - 377)، الأوسط لابن المنذر (5/ 273 - 274)، فضائل القرآن للمستغفري (2/ 860/ 1406).

وانظر: مسائل عبد الله بن أحمد (47).

وقد عزا ابن المنذر القول بعدم قضاء الفوائت من الفرائض في هذين الوقتين المضيقين؛ بل فجر يومه، وعصر يومه؛ إلى: أبي بكرة، وكعب - حسبه: ابن عجرة -، وذلك في تأخير صلاة الفجر حتى ترتفع الشمس، وتأخير العصر حين تضيفت للغروب حتى غابت [الأوسط (2/ 408)].

وقال محمد بن رشد: "النهيُ عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس وبعد الصبح حتى تطلع الشمس: نهيُ ذريعة، وإنما حقيقة الوقت المنهي عن الصلاة فيه: عند الطلوع وعند الغروب، ألا ترى أن رجلين لو كان أحدهما قد صلى العصر والثانى لم يصلّها؛ لجاز للذي لم يصلِّ العصر أن يتنفل، ولم يجز ذلك للذي صلى، والوقت لهما جميعًا وقت واحد، فإنما نهى الذي صلى العصر عن الصلاة بعد العصر حمايةً للوقت المنهي عن الصلاة فيه؛ لأن الصلاة فيه حرام"[البيان والتحصيل (18/ 147)].

وقال النووي في الجمع بين حديث عمر وبين حديث عائشة في توهيم عمر: "ويجمع بين الروايتين، فرواية التحري محمولة على تأخير الفريضة إلى هذا الوقت، ورواية النهي مطلقًا محمولة على غير ذوات الأسباب"[شرح مسلم (6/ 119)].

وانظر مثلًا: مصنف ابن أبي شيبة (1/ 413/ 4751 - 4756)، المدونة (1/ 130

ص: 237

و 132)، الأوسط لابن المنذر (2/ 408)، شرح ابن بطال على صحيح البخاري (2/ 207)، الاستذكار (1/ 46)، المغني (1/ 428)، المجموع (4/ 153).

***

1278 -

. . . وُهَيبٌ: حَدَّثَنَا قدامةُ بنُ موسى، عن أيوب بن حُصين، عن أبي علقمة، عن يسار مولى ابن عمر، قال: رآني ابنُ عمر وأنا أُصَلّي بعد طلوع الفجر، فقال: يا يسار! إن رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم خَرَجَ علينا ونحن نُصلي هذه الصلاة، فقال:"ليُبلِّغْ شاهدُكم غائِبَكم، لا تُصلُّوا بعد الفَجرِ إِلَّا سَجدَتين".

* حديث غريب

أخرجه أحمد (2/ 154)، والبخاري في التاريخ الكبير (1/ 61) و (8/ 421)، وأبو يعلى (9/ 461/ 5608)، والدارقطني في السنن (1/ 419)، وفي الأفراد (1/ 599/ 3509 - أطرافه)، والبيهقي (2/ 465)، [التحفة (5/ 647/ 8570)، الإتحاف (9/ 402/ 11549)، المسند المصنف (14/ 355/ 6972)].

رواه عن وهيب بن خالد: مسلم بن إبراهيم الفراهيدي [وهذا لفظه]، وعفان بن مسلم [ولفظه بنحو لفظ سليمان بن بلال]، وإبراهيم بن الحجاج السامي، والعلاء بن عبد الجبار، وأحمد بن إسحاق الحضرمي [وهم ثقات].

* تابعه: سليمان بن بلال، وحميد بن الأسود:

روياه عن قدامة بن موسى، عن أيوب بن الحصين، عن أبي علقمة مولى لابن عباس، قال: حَدَّثَنِي يسار مولى لعبد الله بن عمر، قال: قمت أصلي بعد الفجر، فصليت صلاةً كثيرةً، فحصبني عبد الله بن عمر، قال: يا يسار كم صليت؟ قال: قلت: لا أدري، فقال عبد الله: لا دريت، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج علينا ونحن نصلي هذه الصلاة فتغيَّظ علينا تغيُّظًا شديدًا، ثم قال:"ليبلغ شاهدكم غائبكم، لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر". لفظ سليمان.

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 61)، والبيهقي (2/ 465).

قال البيهقيّ: "أقام إسناده عبد الله بن وهب عن سليمان بن بلال، ورواه أبو بكر بن أبي أويس، عن سليمان بن بلال، فخلط في إسناده، والصحيح رواية ابن وهب، فقد رواه وهيب بن خالد، عن قدامة، عن أيوب بن حصين التميمي، عن علقمة مولى ابن عباس، عن يسار مولى ابن عمر نحوه".

قلت: انظر فيمن وهم فيه على سليمان بن بلال: التاريخ الكبير (1/ 61).

* قلت: قد اختلف في إسناد هذا الحديث على قدامة بن موسى [الجمحي المدني، وهو: ثقة، وثقه ابن معين وأبو زرعة. الجرح والتعديل (7/ 128)، التهذيب (3/ 434)]:

ص: 238

أ - فرواه سليمان بن بلال [مدني، ثقة]، ووهيب بن خالد [بصري، ثقة ثبت]، وحميد بن الأسود [بصري، ليس به بأس]:

عن قدامة بن موسى، عن أيوب بن الحصين، عن أبي علقمة مولى لابن عباس، قال: حَدَّثَنِي يسار مولى لعبد الله بن عمر، عن ابن عمر به مرفوعًا.

ب - ورواه عبد العزيز بن محمد الدراوردي [مدني صدوق، كان سيئ الحفظ، يخطئ إذا حدث من حفظه، وكان كتابه صحيحًا؛ إِلَّا أنه كان يحدث من كتب الناس فيخطئ أيضًا. انظر: التهذيب (2/ 592) وغيره]، عن قدامة بن موسى، عن محمد بن الحصين، عن أبي علقمة، عن يسار مولى ابن عمر، عن ابن عمر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا صلاة بعد الفجر إلا سجدتين".

وفي رواية: رآني ابن عمر أصلي بعد الفجر فحصبني، وقال: يا يسار كم صليت؟ قلت: لا أدري، قال: لا دريت؛ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج علينا ونحن نصلي هذه الصلاة فتغيَّظ علينا تغيُّظًا شديدًا، ثم قال:"ليبلغ شاهدكم غائبكم؛ أن لا صلاة بعد الفجر إلا سجدتين".

أخرجه الترمذي (419)، وابن ماجة (235)، وابن نصر المروزي في قيام الليل (315 - مختصره)، والدارقطني (1/ 419)، والبيهقي (2/ 465)، وابن عبد البر في التمهيد (20/ 101 - 102)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 459/ 886)، [التحفة (5/ 647/ 8570)، الإتحاف (9/ 402/ 11549)، المسند المصنف (14/ 355/ 6972)].

رواه عن الدراوردي به هكذا: قتيبة بن سعيد، وأحمد بن عبدة، وإسماعيل بن إبراهيم الترجماني [وهم ثقات].

هكذا تابعهم الدراوردي على إسناده؛ لكن خالفهم في اسم شيخ قدامة، فقال: محمد بن الحصين.

* تابع الدراوردي على محمد بن الحصين، وخالفهم في إسناده؛ فأسقط ذكر يسار من الإسناد: عمر بن علي المقدمي:

ج - رواه عبد السلام بن مطهر [بصري، ثقة]: حَدَّثَنَا عمر بن علي [هو: ابن عطاء المقدمي: ثقة]، عن قدامة، عن محمد بن حصين، عن أبي علقمة مولى ابن عباس، قال: رأى ابنُ عمر يسارًا مولى ابن عمر

الحديث.

علقه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 61) و (8/ 421).

* تابعهم على ذكر يسار، وأبهم شيخ قدامة، وهذا مما يستدل به على جهالته:

د - عثمان بن عمر بن فارس [بصري، ثقة]، عن قدامة بن موسى، قال: أخبرني رجل من بني حنظلة، عن أبي علقمة، عن يسار بن نمير مولى عبد الله بن عمر، قال: رآني ابن عمر وأنا أصلي هذه الصلاة بعد صلاة الفجر، فقال: يا يسار! كم صليت؟ فقلت: لا أدري، قال: لا دريت، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج علينا ونحن نصلي هذه الصلاة فتغيَّظ

ص: 239

علينا، وقال:"ليبلغ شاهدُكم غائبَكم، لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتين".

أخرجه أبو أمية الطرسوسي في مسند ابن عمر (30)، والبيهقى (2/ 465)، وعلقه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 61).

* خالفهم فلم يذكر شيخ قدامة، وأسقطه من الإسناد:

هـ - أبو عاصم النبيل [الضحاك بن مخلد: ثقة ثبت]، عن قدامة بن موسى، عن أبي علقمة، عن يسار مولى ابن عمر، قال: قال ابن عمر: رآني النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أصلي بعد الفجر، فتغيَّظ عليَّ

علقه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 62) و (8/ 421).

و - ورواه وكيع بن الجراح [كوفي، ثقة حافظ، قال فيه أحمد: "كان مطبوع الحفظ، وكان أحفظ من عبد الرحمن بن مهدي كثيرًا كثيرًا"، وقدمه مرة على يحيى بن سعيد القطان]، قال: حَدَّثَنَا قدامة بن موسى، عن شيخ، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتين".

أخرجه أحمد (2/ 23)، وعلقه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 62) و (8/ 421)، [الإتحاف (9/ 428/ 11612)، المسند المصنف (14/ 355/ 6972)].

* هكذا اختلفت الرواية عن قدامة بن موسى، والذين اختلفوا عليه كلهم ثقات، ولا يبعد عندي أن يكون هذا الاختلاف منه، لكنه كان ينشط أحيانًا فيسند الحديث، ويغسل أحيانًا فيحذف في الإسناد، لذا ذهب الدارقطني إلى ترجيح الرواية الأتم، وهي رواية الجماعة.

قال الترمذي: "حديث ابن عمر: حديث غريب، لا نعرفه إِلَّا من حديث قدامة بن موسى، وروى عنه غير واحد".

وقال أبو حاتم في الجرح والتعديل (7/ 235): "محمد بن حصين التميمي، وقال بعضهم: أيوب بن حصين، ومحمد بن حصين: أصح".

وقال الدارقطني في العلل (13/ 230/ 3128): "ويشبه أن يكون القول قول سليمان بن بلال ووهيب؛ لأنهما ثبتان".

وقال في الأفراد (1/ 3509/599 - أطرافه): "تفرد به أبو علقمة مولى ابن عباس عن يسار عنه هكذا، رواه قدامة بن موسى عن محمد بن الحصين التميمي عن أبي علقمة، رواه عن قدامة: عبد العزيز الدراوردي.

ورواه وهيب عن قدامة، فقال: عن أيوب بن الحصين، وخالفهما: أبو عاصم، رواه عن قدامة عن أبي علقمة، لم يذكر بينهما أحدًا".

وقال ابن عبد البر في التمهيد (20/ 102): "في هذا الإسناد مجهولون لا تقوم بهم حجة".

وقال ابن القطان في بيان الوهم (3/ 389/ 1130): "وكل من في هذا الإسناد

ص: 240

معروف مشهور، إِلَّا محمد بن الحصين، فإنه مختلف فيه، ومجهول الحال مع ذلك.

كان عمر بن علي المقدمي، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، يقولان: عن قدامة بن موسى، عن محمد بن حصين، وكان وهيب، وحميد بن الأسود، يقولان: عن قدامة بن موسى، عن أيوب بن حصين.

وقال عثمان بن عمر: حَدَّثَنَا قدامة بن موسى، قال: حَدَّثَنَا رجل من بني حنظلة.

ذكر هذا الخلاف فيه البخاري، ولم يعرف هو ولا ابن أبي حاتم من حاله بشيء، فهي عندهما مجهولة".

وقال عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الكبرى (2/ 394): "ولا يصح حديثه في هذا الباب".

وقال النووي في الخلاصة (765): "رواه أبو داود والترمذي بإسناد جيدًا.

وقال الغساني في تخريج الأحاديث الضعاف (359): "اختلف فيه على قدامة، ومن رواه عنه قدامة: ليس بمعروف، وقيل: محمد بن حصين، وقيل: أيوب بن حصين، ومنهم من أسقط رجلًا، وإسناده ليس بالصافي".

وقال أيضًا (360): "أيوب بن حصين: مجهول"، وهو قول الدارقطني في السنن [كما في كتاب ابن زريق: من تكلم فيه الدارقطني في السنن (39)، التهذيب (1/ 202) و (3/ 544)].

قلت: يسار مولى ابن عمر: وثقه أبو زرعة، وذكره ابن حبان في الثقات، وروى عنه: أبو علقمة مولى ابن عباس، قال الذهبي:"لا يعرف، تفرد عنه: أبو علقمة مولى ابن عباس، لكن وثقه أبو زوعة"، وقيل: هو يسار بن نمير [ثقة، من الثانية]، كما وقع في رواية عثمان بن عمر بن فارس، لكن الأول أولى لتفريق النقاد بينهما في الطبقة والرواية [التهذيب (4/ 437)، الميزان (4/ 444)، التاريخ الكبير (8/ 420 و 421)، الكنى لمسلم (2578)، الجرح والتعديل (9/ 306 و 307)، الثقات (5/ 557)].

وأبو علقمة مولى ابن عباس: فقيه، كان على قضاء أفريقية، روى عن جماعة من الصحابة، وعنه جماعة من الثقات، قال أبو حاتم:"أحاديثه صحاح"، وقال العجلي:"مصري، تابعي، ثقة"، وذكره ابن حبان في الثقات [التهذيب (4/ 559)].

لكن الشأن في شيخ قدامة بن موسى؛ محمد بن حصين - على ترجيح أبي حاتم -، أو أيوب بن حصين - على ترجيح الدارقطني -؛ فهو: مجهول، لا يُعرف له راوٍ غير قدامة بن موسى، وذكره ابن حبان في الثقات على قاعدته في توثيق المجاهيل، وقال الذهبي:"لا يُعرف"، وقال ابن حجر:"مجهول"[الميزان (1/ 285)، التهذيب (1/ 202) و (3/ 544)، التقريب (665)].

ومن ثم فهو حديث غريب؛ كما قال الترمذي، لم يضبطه قدامة بن موسى، واختلف الثقات عليه في إسناده، وشيخه فيه: مجهول.

ص: 241

* ورواه عبد الله بن وهب [ثقة]، وسعيد بن أبي مريم [ثقة ثبت]:

قالا: حَدَّثَنَا يحيى بن أيوب [الغافقي المصري: صدوق سيئ الحفظ، يخطئ كثيرًا، له غرائب ومناكير يتجنبها أرباب الصحاح، وينتقون من حديثه ما أصاب فيه، وقد سبق ذكره مرارًا، وانظر في أوهامه فيما تقدم معنا في السنن على سبيل المثال: الحديث رقم (158 و 718)، وما تحت الحديث رقم (228 و 335)، وانظر هناك ترجمته موسعة]، عن عبيد الله بن زحر [ليس به بأس، وقد ضُعِّف]، عن محمد بن أبي أيوب [المخزومي]، عن أبي علقمة مولى بني هاشم، عن عبد الله بن عمر؛ أنه رأى مولى له - يقال له: يسار - يصلي بعد الفجر، فنهاه، فقال: إنما بقي من حزبي، فقال له عبد الله: أفلا أخرته حتى يكون ذلك من النهار؟ ثم قال عبد الله: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والناس يصلون بعد طلوع الفجر، فقال:"إنه لا صلاة بعد الفجر إِلَّا ركعتين". لفظ ابن وهب.

أخرجه أبو يعلى (10/ 115/ 5745)، والطبراني في الكبير (12/ 341/ 13291)، وفي الأوسط (1/ 64/ 181)، [المسند المصنف (14/ 355/ 6972)].

قال الطَّبراني: "لم يرو هذا الحديث عن محمد بن أبي أيوب إِلَّا عبيد الله بن زحر، تفرد به: يحيى بن أيوب".

وقال الدارقطني في الأفراد (1/ 599/ 3509 - أطرافه): "ورواه عبيد الله بن زحر، عن محمد بن أبي أيوب، عن أبي علقمة، عن يسار، وتفرد به: يحيى بن أيوب عن ابن زحر".

قلت: هو حديث غريب؛ ومحمد بن أبي أيوب المخزومي ليس هو أبا عاصم الثقفي الكوفي المترجم له في التهذيب، ترجم له الخطيب في المتفق والمفترق (3/ 1877)، فقال:"حدث عن أبي علقمة الهاشمي، وأبي عبد الرحمن المعافري، روى عنه عبيد الله بن زحر"، وقال ابن حجر في التهذيب (3/ 544):"وروى يحيى بن أيوب المصري عن عبيد الله بن زحر عن محمد بن أبي أيوب المخزومي عن أبي علقمة، فإن كان هو فيستفاد رواية عبيد الله بن زحر عنه، ويرجح أن اسمه محمد، وأما أبوه فهو حصين، وكنيته أبو أيوب، فلعل من سماه أيوب وقع له غير مسمى فسماه بكنية أبيه".

* وله طرق أخرى عن ابن عمر:

1 -

هشيم بن بشير [ثقة ثبت]، قال: أخبرنا حجاج، عن نافع، عن ابن عمر، أنه كان يقول: لا صلاة بعد ركعتي الفجر حتى يصلى الفجر.

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 135/ 7370)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 399/ 1107)، [المسند المصنف (14/ 354/ 6971)].

وهذا موقوف على ابن عمر بإسناد ضعيف، حجاج هو: ابن أرطاة: ليس بالقوي، يدل عن الضعفاء والمتروكين، ولم يذكر سماعًا في هذا الحديث عن نافع، فلعله دلسه، وهو كثير الوهم على نافع.

ص: 242

2 -

أبو بكر بن محمد، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة بعد طلوع الفجر، إلا ركعتي الفجر".

أخرجه عبد الرزاق (3/ 53/ 4760)، [المسند المصنف (14/ 354/ 6971)].

قال ابن عبد البر في التمهيد (20/ 102): "وأظن أبا بكر هذا هو ابن أبي سبرة، وهو أيضًا ضعيف لا يحتج به".

قلت: وهو كما قال، ليس هو ابن عمرو بن حزم، إنما نسب إلى جده، وهو: أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة: متروك، ورموه بالوضع [التهذيب (10/ 30)، الميزان (4/ 503)، التقريب (1116)، المغني (2/ 573)]، فهو باطل من حديث موسى بن عقبة، والله أعلم.

3 -

أبو خالد الأحمر [سليمان بن حيان: كوفي، صدوق]، عن حجاج، عن أبي محمد اليماني، عن طاووس، عن ابن عمر، وابن عباس قالا: لا صلاة بعد طلوع الفجر إِلَّا ركعتي الفجر.

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 135/ 7369).

وهذا موقوف بإسناد ضعيف، حجاج هو: ابن أرطاة: ليس بالقوي، يدلس عن الضعفاء والمتروكين، ولم يذكر سماعًا في هذا الحديث عن شيخه، فلعله دلسه، وأبو محمد اليماني، يحتمل أن يكون عبد الله بن طاووس، ويحتمل أن يكون: عبد الرحمن بن يزيد الصنعاني القاص، وهو تابعي صدوق من الثالثة، ولا يُعرف حجاج بالرواية عنهما.

4 -

عبد الله بن صالح [أبو صالح المصري، كاتب الليث: صدوق، كان كثير الغلط، وكانت فيه غفلة]، ويحيى بن عبد الله بن بكير [مصري، ثقة في الليث]:

عن الليث بن سعد، قال: حَدَّثَنَا محمد بن النيل [الفهري]، عن عبد الله بن عمر: خرج علينا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم[والناس يصلون بعد طلوع الفجر]، فقال:"لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتين".

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 251)، والطبراني في الكبير (13/ 329/ 14132)، وفي الأوسط (5/ 109/ 4818)، والدارقطني في المؤتلف (4/ 2231)، وفي الأفراد (1/ 548/ 3148 - أطرافه)، وأبو محمد الخلال فيمن لم يكن عنده إِلَّا حديث واحد (51).

قال الطَّبراني: "لم يرو هذا الحديث عن محمد بن النيل إِلَّا الليث بن سعد".

وقال الدارقطني في الأفراد (1/ 599/ 3509 - أطرافه): "ورواه سعيد بن أبي مريم، عن يحيى بن أيوب، عن محمد بن النيل، عن أبي بكر بن يزيد بن سرجس؛ أن عبد الله بن عمر رأى مولىً له يقال له: يسار يصلي

وخالفه الليث، رواه عن محمد بن النيل عن ابن عمر نفسه، ولا أعلم أسند محمد بن النيل غير هذا الحديث".

ص: 243

وقال في الموضع الأول (3148): "لا أعلم لمحمد بن النيل غير هذا الحديث".

• ورواه سعيد بن أبي مريم: حَدَّثَنَا يحيى بن أيوب: حَدَّثَنَا محمد بن النيل؛ أن أبا بكر بن يزيد بن سرجس حدثه؛ أن عبد الله بن عمر رأى مولىً له - يقال له: يسار - يصلي بعد طلوع الفجر، فقال: ما هذه الصلاة؟ قال: شيء بقي على من حزبي، فقال ابن عمر: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الفجر، فقال:"إذا طلع الفجر فلا صلاة إِلَّا ركعتين، فليبلغ الشاهد الغائب".

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 251)، والطبراني في الكبير (13/ 330/ 14133)، والدارقطني في المؤتلف (4/ 2230)، وفي الأفراد (1/ 600/ 3511 - أطرافه).

قال الدارقطني في الأفراد (1/ 599/ 3509 - أطرافه): "ولا أعلم أسند محمد بن النيل غير هذا الحديث".

وهذا حديث غريب جدًّا، أبو بكر بن يزيد بن سرجس: مجهول، ولا يُعرف بغير هذا الحديث، ولا يُعرف له سماع من ابن عمر [كنى البخاري (14)، الجرح والتعديل (9/ 344)].

ومحمد بن النيل الفهري المصري: مجهول، ولا يُعرف بغير هذا الحديث، ولا يُعرف له سماع من ابن عمر [التاريخ الكبير (1/ 251)، الجرح والتعديل (8/ 108)، الثقات (5/ 379)].

فإن قيل: رواية يحيى بن أيوب هي بمثل رواية محمد بن أبي أيوب في قصة يسار مولى ابن عمر، مما يدل على أن للحديث أصلًا؛ فيقال: مخرجهما واحد، وقد رواهما جميعًا: يحيى بن أيوب الغافقي المصري، وهو: صدوق سيئ الحفظ، يخطئ كثيرًا، له غرائب ومناكير يتجنبها أرباب الصحاح، وهذا الحديث من غرائبه، وقد رواه بإسنادين على وجه واحد في المتن، ومثله لا يحتمل منه التعدد في الأسانيد، وإنما يحمل هذا منه على الوهم والتخليط، وأن يكون دخل له حديث في حديث؛ لا سيما مع غرابة أسانيد حديث ابن عمر هذا، وتضعيف النقاد له، وعدم قبوله، ومعارضته للأحاديث الصحاح في باب أوقات النهي، ثم إن تتابع المجاهيل على حديث يخالف أصلًا لا يزيده إِلَّا وهنًا، والله أعلم.

5 -

محمد بن بشار [بندار: ثقة ثبت]: نا محمد بن جعفر [غندر، ثقة، من أثبت الناس في شعبة، وألزمهم له]، سمع شعبة، عن إبراهيم بن محمد بن حاطب، سمع أبا سعيد، قال: شهدت عروة بن الزُّبَير وابن عمر يتحدثان عند المقام، فجاء أعرابي فصلى يركع ويسجد، فناداه ابن عمر: لا صلاة بعد طلوع الفجر إِلَّا ركعتين، فصل بعد ذلك ما بدا لك.

أخرجه البخاري في الكنى (35)، في ترجمة أبي سعيد.

وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (9/ 377): "أبو سعيد؛ قال: شهدت ابن

ص: 244

عمر وعروة يتحدثان، روى شعبة عن إبراهيم بن محمد بن حاطب عنه، سمعت أبي يقول ذلك"، ولم يزد ابن منده في فتح الباب (3253) على ذلك شيئًا، مما يدل على جهالته.

قلت: وإبراهيم بن محمد بن حاطب: معروف بالرواية عن سعيد بن المسيب وغيره، وعنه شعبة وجماعة، وذكره ابن حبان في الثقات [التاريخ الكبير (1/ 318)، الجرح والتعديل (2/ 127)، الثقات (6/ 5)، التهذيب (1/ 81)].

وهذا موقوف على ابن عمر بإسناد ضعيف، لأجل جهالة أبي سعيد هذا، والله أعلم.

وانظر فيما لا يثبت من الموقوف أيضًا: ما أخرجه عبد الرزاق (3/ 52/ 4754).

6 -

عمران بن موسى بن فضالة [ثقة. الإرشاد (2/ 620)، تاريخ بغداد (12/ 268)، تاريخ الإسلام (23/ 214)، الثقات لابن قطلوبغا (7/ 395)]: حَدَّثَنَا بندار [محمد بن بشار: ثقة ثبت]: حَدَّثَنَا محمد بن الحارث: حَدَّثَنِي محمد بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن ابن عمر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا طلع الفجر فلا صلاة إِلَّا ركعتين قبل المكتوبة".

أخرجه ابن عدي في الكامل (6/ 177).

ثم قال: عن بندار، عن محمد بن الحارث، عن ابن البيلماني؛ بهذا الإسناد أحاديث كثيرة مما لم [ذكره هاهنا، وعامتها مما لا يتابع عليه"، ثم قال في آخر ترجمته: "وعامة ما يرويه غير محفوظ".

قلت: هو حديث منكر؛ عبد الرحمن بن البيلماني: ضعيف، وابنه محمد: منكر الحديث، قال ابن حبان:"روى عن أبيه نسخة موضوعة"، ورواية أبيه عن ابن عمر: مرسلة، قال صالح جزرة:"حديثه منكر، ولا يعرف أنه سمع من أحد من الصحابة إِلَّا من سُرَّق"، وقال الأزدي:"منكر الحديث، يروي عن ابن عمر بواطيل"[التقريب (572 و 869)، التهذيب (2/ 494) و (3/ 623)، المغني (1/ 596) و (2/ 334)، الميزان (2/ 551) و (3/ 617)].

ومحمد بن الحارث بن زياد الهاشمي الحارثي البصري: ضعيف، قال عمرو بن علي الفلاس:"محمد بن الحارث الحارثي: روى عن ابن البيلماني أحاديث منكرة، متروك الحديث"، وقال الساجي:"يحدث عن ابن البيلماني بمناكير"[التهذيب (3/ 535)].

7 -

عبد الله بن خراش، عن العوام بن حوشب، عن المسيب بن رافع، عن عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة بعد الفجر، إِلَّا الركعتين قبل صلاة الفجر".

أخرجه الطَّبراني في الأوسط (7/ 172/ 7189).

قال الطَّبراني: "لم يرو هذا الحديث عن المسيب إِلَّا العوام، تفرد به: عبد الله بن خراش".

قلت: هو حديث منكر؛ تفرد به: عبد الله بن خراش، وهو: متروك، منكر الحديث، عن الثقة الثبت العوام بن حوشب، وقد أكثر الرواية عن عمه العوام بن حوشب بما لا يتابع عليه؛ حتى قال ابن عدي: "ولا أعلم أنه يروي عن غير العوام أحاديث، وعامة ما

ص: 245

يرويه غير محفوظ" [الكامل (4/ 210)، التهذيب (2/ 326)، الميزان (2/ 413)].

* والحاصل: فإن المرفوع من هذه الأسانيد لا يقوي بعضها بعضًا؛ لأنها إما غرائب، أو مناكير، أو أباطيل، وأما الموقوف على ابن عمر فأسانيده ضعيفة، وهي عندي أيضًا لا تتقوى لأجل حجاج بن أرطأة فقد يكون حمله عن متروك ونحوه، لا سيما مع تفرده به عن نافع وطاووس، وعلى فرض تقويها برواية أبي سعيد [الطريق الخامسة] فإنه يقال فيها بأنه قول لابن عمر اجتهد فيه، ورأيٌ لنفسه قد ارتآه من حديث أخته حفصة المتفق عليه، في حكايتها حال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم التي كان يداوم عليها، من فراغه من صلاة الليل قبيل طلوع الفجر، فإذا أذن المؤذن صلى ركعتين خفيفتين، ولم يزد عليهما شيئًا حتى يأتيه المؤذن يؤذنه بصلاة الصبح، لا سيما مع شدة تحري ابن عمر للسنن، وتتبعه لآثار النبوة، والله أعلم.

* قال ابن المنذر في الأوسط (2/ 399): "وممن روي عنه أنه كره ذلك: عبد الله بن عمرو، وابن عمر، وفي إسنادهما مقال".

وقال ابن العربي في المسالك (3/ 13) بعد أن ذكر هذا الحديث دون ذكر سنده ولا راويه: "لم يصح سنده"، وقد صحح معناه.

* وله شاهد من:

1 -

حديث عبد الله بن عمرو:

رواه سفيان الثوري، وعبد الله بن وهب، وأبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرئ، ويعلى بن عبيد، وأبو معاوية محمد بن خازم الضرير، وعيسى بن يونس [وهم ثقات، أكثرهم حفاظ]، والأعمش [وليس من حديثه؛ لا يثبت عنه]:

عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي، عن [أبي عبد الرحمن الحبلي] عبد الله بن يزيد، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتين قبل صلاة الفجر".

أخرجه ابن وهب في الجامع (347)، وعبد الرزاق (3/ 53/ 4757)، وابن أبي شيبة (2/ 135/ 7368)، وابن أبي عمر العدني في مسنده (3/ 269/ 294 - مطالب)، وعبد بن حميد (333)(3/ 269/ 294 - مطالب)، والبزار (1/ 338/ 703 - كشف)، وابن نصر المروزي في قيام الليل (312 - مختصره)، والطبراني في الكبير (14/ 55/ 14648)، والدارقطني (1/ 246 و 19 4)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 386)، والبيهقي (2/ 465)، [الإتحاف (9/ 555/ 11909)، المسند المصنف (17/ 90/ 7972)].

* خالفهم فأوقفه وقصر في إسناده: جعفر بن عون [صدوق]، قال: ثنا عبد الرحمن بن زياد، عن عبد الله بن يزيد، عن عبد الله بن عمرو، قال: لا صلاة بعد أن مضى الفجر إِلَّا ركعتي الفجر.

أخرجه ابن المنذر في الأوسط (2/ 399/ 1106)، والبيهقي (2/ 466).

ص: 246

قال البيهقيّ: "فذكره موقوفًا، وهو بخلاف رواية الثوري وابن وهب في المتن والوقف، والثوري أحفظ من غيره؛ إِلَّا أن عبد الرحمن الأفريقي: غير محتج به".

وقال ابن حزم في المحلى (3/ 32): "والرواية في أن لا صلاة بعد طلوع الفجر إِلَّا ركعتي الفجر: ساقطة مطروحة، مكذوبة كلها، لم يروها أحد إِلَّا من طريق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، وهو هالك، أو من طريق أبي بكر بن محمد، وهو مجهول لا يدرى من هو، وليس هو ابن حزم، أو من طريق أبي هارون العبدي، وهو ساقط، أو من طريق يسار مولى ابن عمر، وهو مجهول، ومدلس عن كعب بن مرة ممن لا يدرى من هو".

قلت: هو حديث ضعيف، عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي: ضعيف، روى أحاديث منكرة لم يتابع عليها [التهذيب (2/ 505)].

* وله طريق أخرى:

يرويها محمد بن خلف العسقلاني [ثقة]، قال: نا رواد بن الجراح، عن سعيد بن بشير، عن مطر الوراق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده؛ أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال:"لا صلاة بعد [وفي رواية: إذا طلع] الفجر إلا ركعتين".

أخرجه الطَّبراني في الأوسط (2/ 144/ 1521)، وفي مسند الشاميين (4/ 78 / 2778).

قال الطَّبراني: "لم يرو هذا الحديث عن مطر إِلَّا سعيد، تفرد به رواد".

قلت: هو حديث منكر؛ مطر بن طهمان الوراق: ضعيف، وسعيد بن بشير: ضعيف، يروي عن قتادة المنكرات، ورواد بن الجراح: وإن كان في الأصل صدوقًا؛ إِلَّا أنه اختلط، وكثرت مناكيره، وتركه بعضهم لأجل ذلك، حتى قال ابن عدي:"وعامة ما يروي عن مشايخه لا يتابعه الناس عليه"[التهذيب (1/ 612)، الميزان (2/ 55)، الكامل (3/ 176)]، وهذا الحديث من مناكيره، واللّه أعلم.

2 -

حديث أبي هريرة:

رواه أحمد بن عبد الصمد أبو أيوب الأنصاري [النهرواني: ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: "يعتبر بحديثه إذا روى عن الثقات"، وقال الدارقطني: "وهو مشهور، لا بأس به"، وذكر أنه وهم في حديث رواه عن ابن عيينة، ووهمه في حديث آخر رواه عن وكيع، وقال الخطيب: "وكان ثقة"، الثقات (8/ 30)، علل الدارقطني (7/ 161/ 1275) و (12/ 443/ 2880)، فتح الباب (387)، تاريخ بغداد (4/ 270)، الأنساب (2/ 243)، تاريخ الإسلام (17/ 48)، اللسان (1/ 525)]، وعلي بن عمرو الأنصاري [أبو هبيرة البغدادي: ليس به بأس]:

عن إسماعيل بن قيس بن سعد بن زيد بن ثابت أبي مصعب الأنصاري ثم المديني، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "إذا طلع الفجر فلا صلاة إلا ركعتي الفجر".

ص: 247

أخرجه الطَّبراني في الأوسط (1/ 249/ 816)، وابن عدي في الكامل (1/ 301).

قال الطَّبراني: "لم يرو هذا الحديث عن يحيى بن سعيد إِلَّا إسماعيل بن قيس، تفرد به: أحمد بن عبد الصمد".

وقال ابن عدي: "وهذا الحديث عن يحيى بن سعيد بهذا الإسناد، ليس يرويه عن يحيى غير إسماعيل بن قيس"، ثم قال في آخر ترجمته: لإسماعيل بن قيس غير هذا من الحديث، وعامة ما يروبه منكر".

قلت: هو حديث باطل من حديث يحيى بن سعيد الأنصاري، تفرد به عنه: إسماعيل بن قيس بن سعد بن زيد بن ثابت أبو مصعب الأنصاري، وهو: منكر الحديث [اللسان (2/ 161)].

* ورواه إسماعيل بن عمرو البجلي: حَدَّثَنَا سفيان الثوري، عن عبد الرحمن بن حرملة، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة بعد الفجر إلا سجدتين".

أخرجه الطَّبراني في حديثه لأهل البصرة بانتقاء ابن مردويه (140)، قال: حَدَّثَنَا الفضل بن أحمد الأصبهاني: حَدَّثَنَا إسماعيل به.

قلت: هذا حديث باطل من حديث الثوري موصولًا، إنما يُعرف من حديثه مرسلًا، وقد تفرد بوصله: إسماعيل بن عمرو البجلي، وهو: منكر الحديث عن الثوري، حدث عنه بأحاديث لا يتابع عليها [اللسان (2/ 155)]، والراوي عنه: الفضل بن أحمد الأصبهاني، وهو: متروك، متهم فيما يرويه عن إسماعيل بن عمرو، وقد كذبه جماعة [طبقات المحدثين (3/ 571)، اللسان (6/ 334)].

* وقد رواه سفيان الثوري [وعنه: الحسين بن حفص، وعبد الرزاق بن همام]، والأوزاعي [وعنه: عقبة بن علقمة بن حديج المعافري البيروتي: ثقة، من أصحاب الأوزاعي، بلديه]:

ثنا عبد الرحمن بن حرملة، عن سعيد بن المسيب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة صلاة بعد النداء إلا سجدتين"؛ يعني: الفجر.

أخرجه عبد الرزاق (3/ 53/ 4756)، وأبو العباس الأصم في الثاني من حديثه (90 - رواية أبي بكر الطوسي)، والبيهقي (2/ 466).

وهذا ضعيف؛ لإرساله، وعبد الرحمن بن حرملة الأسلمي المدني: صدوق، إِلَّا أنه كان سيئ الحفظ، ولم يحتج به مسلم، وإنما روى له حديثًا واحدًا في القنوت متابعة [صحيح مسلم (679)، التهذيب (2/ 501)].

* ورواه أبو نعيم الفضل بن دكين [ثقة ثبت]، وعبد الرزاق بن همام [ثقة حافظ]:

ثنا سفيان، عن أبي رياح [وفي المطبوعات: أبي رباح]، عن سعيد بن المسيب؛ أنه رأى رجلًا يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين، يكثر فيها الركوع والسجود، فنهاه،

ص: 248

فقال: يا أبا محمد يعذبني الله على الصلاة؟ قال: لا، ولكن يعذبك على خلاف السنة.

أخرجه عبد الرزاق (3/ 52/ 4755)(3/ 26/ 4807 - ط. التأصيل)، والبيهقي (2/ 466)(5/ 238/ 4505 - ط. هجر).

وهذا مرسل بإسناد ضعيف؛ أبو رياح: مجهول، قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (9/ 372):"أبو رياح: ختن مجاهد، روى عن سعيد بن المسيب، روى عنه سفيان الثوري حديثين".

قال البيهقيّ: "وروي موصولًا بذكر أبي هريرة فيه، ولا يصح وصله".

* ورواه أبو معاوية [محمد بن خازم الضرير: ثقة]، عن الشيباني [أبو إسحاق سليمان بن أبي سليمان: ثقة]، عن عمرو بن مرة [ثقة ثبت]، قال: رآني سعيد بن المسيب وأنا أصلي بعض ما فاتني من صلاة الليل بعدما طلع الفجر، فقال: أما علمت أن الصلاة تكره هذه الساعة، إِلَّا ركعتين قبل صلاة الفجر.

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 135/ 7371).

وهذا مقطوع على سعيد بن المسيب لإسناد صحيح.

* ولا يشهد حديث حفصة لحديث عبد الله بن عمر، ولا حديث عبد الله بن عمرو بن العاص:

وقد رواه شعبة، عن زيد بن محمد، قال: سمعت نافعًا، يحدث عن ابن عمر، عن حفصة؛ أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طلع الفجر لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين.

أخرجه مسلم (723/ 88)، وتقدم تخريجه بطرقه تحت الحديث رقم (1254).

وقد رواه جماعةٌ منهم مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر؛ أن حفصة زوج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، أخبرته: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سكت المؤذن عن الأذان بصلاة الصبح صلى ركعتين خفيفتين قبل أن تقام الصلاة.

فهذا الحديث لا يشهد لحديث ابن عمر، ولا حديث ابن عمرو، وذلك لأن غاية ما يدل عليه حديث حفصة أنه يحكي فعله الثابت عنه صلى الله عليه وسلم، والذي كان يداوم عليه، وهو أنه صلى الله عليه وسلم كان يفرغ من قيام الليل قبل طلوع الفجر، فإذا طلع الفجر لم يصلِّ سوى ركعتي الفجر، وهذا الفعل بمجرده لا يمنع المتنفل من الزيادة على ركعتي الفجر إن احتاج إلى ذلك؛ كأن يغفل عن حزبه الذي كان يصلي به، فيدركه قبل صلاة الفجر [وهو قول مالك]، وذلك بخلاف الحديث القولي الناهي عن الشروع في النافلة بعد طلوع الفجر، والذي يقول فيه:"ليبلغ شاهدُكم غائبَكم، لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر"؛ بل إنه نص في المسألة لوروده في الإنكار على من صلى هذه الصلاة، فقد قال ابن عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج علينا ونحن نصلي هذه الصلاة فتغيَّظ علينا تغيُّظًا شديدًا، ثم قال:

فذكره، والله أعلم.

فإن قيل: فما تصنعون بحديث ابن عمر: أن رجلًا سأل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل،

ص: 249

فقال: "مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فأوتر بركعة"[أخرجه البخاري (472)، ومسلم (749)]، وبحديث ابن مسعود، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال:"لا يمنعن أحدًا منكم أذانُ بلالٍ من سُحوره؛ فإنه يؤذن بليلٍ؛ ليَرجع قائمَكم، ويوقظ نائمَكم"[أخرجه البخاري (621 و 5298 و 7247)، ومسلم (1093)].

فيقال: حديث ابن عمر ورد لبيان وقت صلاة الليل وكيفيتها، وليس فيه ما يقطع بالمنع لمن أتم صلاته بعد طلوع الفجر، أو أتى بشيء من حزبه بعد الطلوع، وكذلك حديث ابن مسعود لبيان وقت السحور وأن أذان بلال منبه له حتى يحصل فضيلة السحور فيوقظ النائم ويرجع القائم، ومعنا في المقابل حديث عمرو بن عبسة في بيان عدم وجود مانع من الصلاة حتى تصلى الصبح، وفيه: قلت: [أيُّ الليل أسمع؟ قال: "جوف الليل الآخر، فصل ما شئتَ، فإن الصلاة مشهودة مكتوبة حتى تصلي الصبح" [هذا هو المحفوظ فيه، تقدم برقم (1277)، وقد نبهت هناك على الروايات الشاذة والمنكرة]، وكذلك بقية الأحاديث الدالة على أوقات النهي ليس في شيء منها النهي عن الصلاة بطلوع الفجر، وإنما يبدأ وقت النهي بفعل صلاة الصبح، والأحاديث في هذا كثيرة أراجع حديث عمر برقم (1276)، وما تحته من الشواهد الكثيرة:"لا صلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس"].

* قال الترمذي بعد حديث ابن عمر: "وهو مما أجمع عليه أهل العلم، كرهوا أن يصلي الرجل بعد طلوع الفجر إِلَّا ركعتي الفجر، ومعنى هذا الحديث إنما يقول: لا صلاة بعد طلوع الفجر إِلَّا ركعتي الفجر".

فتعقبه ابن الملقن فقال في البدر المنير (3/ 290): "وأما دعواه الإجماع على كراهية الصلاة بعد طلوع الفجر غير ركعتي الفجر فغريب؛ فالخلاف فيه مشهور، حكاه ابن المنذر وغيره حتى في مذهبنا؛ بل الراجح عندنا: أن الكراهة لا تدخل وقتها إِلَّا بفعل الفرض؛ فله أن يصلي قبله ما شاء".

قلت: قد ثبت عن عائشة، وعروة بن الزُّبَير، وعامر بن شراحيل الشعبي، والحسن البصري، وأبي إسحاق السبيعي، والحكم بن عتيبة، وروي عن طاووس وعطاء في رواية: الترخيص في صلاة النافلة بعد طلوع الفجر [انظر: ما أخرجه عبد الرزاق (3/ 53/ 4761) و (3/ 54/ 4762)، وابن أبي شيبة (2/ 136/ 7374 - 7377)، والدارقطني (1/ 246)].

وقال ابن المنذر في الأوسط (2/ 400): "ورخصت طائفة في ذلك، وممن قال: لا بأس بأن يتطوع الرجل بعد طلوع الفجر؛ الحسن البصري، وكان مالك يرى أن يفعل ذلك من فاتته صلاته بالليل، وروينا عن بلال؛ أنه لم يُنه عن الصلاة إِلَّا عند طلوع الشمس فإنها تطلع بين قرني الشيطان".

قال في المدونة (1/ 125): "قال مالك في الرجل يترك حزبه من القرآن أو يفوته حتى ينفجر الصبح فيصليه فيما بين انفجار الصبح وصلاة الصبح؛ قال مالك: ما هو من

ص: 250