الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
298 - باب الصلاة بعد العصر
1273 -
. . . عبد الله بن وهب: أخبرني عمرو بن الحارث، عن بكير بن الأشج، عن كريب مولى ابن عباس؛ أن عبد الله بن عباس، وعبد الرحمن بن أزهر، والمسور بن مخرمة، أرسلوه إلى عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: اقرأ عليهم السلام منا جميعًا، وسَلْها عن الركعتين بعد العصر، وقل: إنا أُخبرنا أنَّكِ تُصلِّينَهما، وقد بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنهما، فدخلتُ عليها فبلَّغتُها ما أرسلوني به، فقالت: سلْ أمَّ سلمة، فخرجتُ إليهم فأخبرتهم بقولها، فردُّوني إلى أمِّ سلمة بمثل ما أرسلوني به إلى عائشة.
فقالت أم سلمة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنهما، ثم رأيته يصليهما، أمَّا حين صلاهما: فإنه صلى العصر، ثم دخل -وعندي نسوة من بني حرام من الأنصار- فصلاهما، فأرسلتُ إليه الجارية، فقلتُ: قومي بجنبه فقولي له: تقول أم سلمة: يا رسول الله! أسمعُك تنهى عن هاتين الركعتين، وأراك تصليهما؟ فإن أشار بيده، فاستأخري عنه، قالت: ففعلت الجارية، فأشار بيده، فاستأخرت عنه، فلما انصرف، قال:"يا ابنةَ أبي أمية! سألتِ عن الركعتين بعد العصر، إنه أتى ناسٌ من عبد القيس بالإسلام من قومهم، فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر، فهما هاتان".
حديث متفق على صحته
أخرجه البخاري (1233 و 4370)، ومسلم (834)، وأبو عوانة (1/ 320/ 1140)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 426/ 1880)، والدارمي (1578 - ط. البشائر)، وابن حبان (4/ 444/ 1576)، وابن حزم في المحلى (3/ 79)، والبيهقي في السنن (2/ 262 و 457)، وفي المعرفة (2/ 271/ 1311)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (50/ 119)، [التحفة (12/ 120/ 18207)، الإتحاف (18/ 155/ 23482)، المسند المصنف (40/ 305/ 19257)].
رواه عن ابن وهب: أحمد بن صالح [واللفظ له]، ويحيى بن سليمان، وحرملة بن يحيى، وأحمد بن عيسى بن حسان المصري، وأصبغ بن الفرج، وأحمد بن عبد الرحمن بن وهب.
زاد حرملة، ويحيى بن سليمان، وأحمد بن عيسى، عن ابن وهب [عند البخاري. ومسلم]: قال ابن عباس: وكنت أضرب مع عمر بن الخطاب الناسَ عليها. لفظ حرملة، ولفظ يحيى: وكنت أضرب الناسَ مع عمر بن الخطاب عنها.
* وتابع ابنَ وهب عليه: بكرُ بن مضر [ثقة ثبت]، فرواه عن عمرو بن الحارث به مثله، وزاد فيه قول ابن عباس: وكنت أضرب الناسَ مع عمر عليهما.
علقه البخاري في الصحيح (4370)، ووصله: الطحاوي (1/ 302).
* سئل الدارمي عن هذا الحديث، فقال:"أنا أقول بحديث عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا بعد الفجر حتى تطلع الشمس"".
* ويبدو أن هذه الواقعة قد تكررت في سؤال أم المؤمنين:
1 -
فقد روى سفيان بن عيينة، عن عبد الله بن أبي لبيد، قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن، يقول: قدم معاوية بن أبي سفيان المدينة، فبينا هو على المنبر إذ قال: يا كثير بن الصلت! اذهب إلى عائشة فسلها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العصر، قال أبو سلمة: فذهبت معه إلى عائشة، وبعث ابن عباس عبد الله بن الحارث بن نوفل معنا، فأتى عائشة رضي الله عنها فسألها عن ذلك، فقالت له: اذهب فسل أم سلمة، فذهبت معه إلى أم سلمة فسألها، قالت أم سلمة: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بعد العصر، فصلى عندي ركعتين لم أكن أراه يصليهما، [فقلت: يا رسول الله! ما هاتان الركعتان؟]، فقال:"إني كنت أصلي ركعتين بعد الظهر، وإنه قدم عليَّ وفد بني تميم، أو صدقة، فشغلوني عنهما، فهما هاتان الركعتان".
قال الحميدي: حدثنا سفيان، قال: حدثنا عبد الله بن أبي لبيد، وكان من عباد أهل المدينة، وكان يرى القدر.
أخرجه الشافعي في الأم (1/ 148 و 286)، وفي اختلاف الحديث (106)، وفي المسند (84 و 167)، وعبد الرزاق (2/ 431/ 3971)، والحميدي (297)، والطحاوي (1/ 302)، والطبراني في الكبير (23/ 259/ 540)، والبيهقي في المعرفة (2/ 270/ 1310)، وابن عبد البر في التمهيد (13/ 40)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (1/ 302)، والبغوي في شرح السنة (3/ 333/ 781)، [الإتحاف (18/ 183/ 23527)، المسند المصنف (40/ 298/ 19250)].
قال البيهقي: "هذا حديث صحيح".
وقال ابن حجر في الفتح (3/ 106): "وقوله: من بني تميم وهمٌ، وإنما هم من عبد القيس، وكأنهم حضروا معهم بمال المصالحة من أهل البحرين".
قلت: تميم من مضر، وعبد القيس من ربيعة، وقد فرق البخاري في صحيحه بين الوفدين [راجع الأحاديث (4365 - 4371) من صحيح البخاري].
قال ابن رجب في الفتح (5/ 329): "فإن عبد القيس إنما وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح"، وقال في موضع آخر (5/ 388):"أن عبد القيس أسلموا قبل فتح مكة، وجمعوا في مسجدهم، ثم فتحت مكة بعد ذلك، وجمع فيها".
وقال ابن حجر في الفتح (1/ 132): "وإنما جمعوا بعد رجوع وفدهم إليهم، فدل على أنهم سبقوا جميع القرى إلى الإسلام".
وأما وفد بني تميم فكان قدومهم في سنة تسع، أي بعد وفد عبد القيس بزمان.
والحاصل: فإنه حديث صحيح، رجاله ثقات، غير قوله فيه: وفد بني تميم، وإنما هم وفد عبد القيس، كما جاء في رواية كريب عن أم سلمة التي اتفق على إخراجها الشيخان، ولعل الوهم فيه من عبد الله بن أبي لبيد، فإنه وإن كان ثقة؛ إلا أنه كان يهم، ويخالف في بعض حديثه، كما قال العقيلي [انظر: التهذيب (2/ 410)].
وقد تابع عبد الله بن أبي لبيد على هذه اللفظة: محمد بن عمرو بن علقمة:
2 -
فقد رواه المعتمر بن سليمان، قال: سمعت محمدًا [قال ابن حجر في الإتحاف (18/ 183/ 23527): هو: ابن عمرو]،
ورواه يعلى بن عبيد الطنافسي: ثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة؛ أن أم سلمة قالت: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العصر فصلى ركعتين، فقلت: أيْ رسولَ الله! أيُّ صلاة هذه؟ ما كنت تصليها، قال:"إنه قدم وفد من بني تميم فشغلوني عن ركعتين كنت أركعهما بعد الظهر". لفظ معتمر.
أخرجه ابن خزيمة (2/ 261/ 1277)، وأحمد (6/ 293)، وإسحاق بن راهويه (4/ 148/ 1922) و (4/ 179/ 1970)، وعبد بن حميد (1532)، وأبو العباس السراج في مسنده (1537)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (2333)[وفي سنده سقط]. وابن المنذر في الأوسط (2/ 390/ 1090)، [الإتحاف (18/ 183/ 23527)، المسند المصنف (40/ 298/ 19250)].
وهذا إسناد جيد، والصواب: وفد عبد القيس.
3 -
ورواه حماد بن سلمة، عن الأزرق بن قيس، عن ذكوان، عن عائشة، عن أم سلمة رضي الله عنهم[وفي رواية: حدثتني أم سلمة]؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في بيتها ركعتين بعد العصر، فقلت: يا رسول الله ما هاتان الركعتان؟ فقال: "كنت أصليهما بعد الظهر فجاءني مال فشغلني فصليتهما الآن".
وهو حديث صحيح، يأتي تخريجه في طرق حديث عائشة في الركعتين بعد العصر، الطريق الثالث والعشرون (23)، ولا تمانع من اتفاق قدوم وفد عبد القيس، مع مجئ مال كان النبي صلى الله عليه وسلم في انتظاره ليقسمه بين المسلمين، والله أعلم.
4 -
ورواه أبو أسامة حماد بن أسامة [كوفي، ثقة ثبت]، قال: ثنا الوليد بن كثير [المخزومي، المدني، سكن الكوفة: ثقة]، قال: حدثني محمد بن عمرو بن عطاء [مدني، تابعي، ثقة، من الثالثة]، عن عبد الرحمن بن أبي سفيان؛ أن معاوية أرسل إلى عائشة رضي الله عنها يسألها عن السجدتين بعد العصر، فقالت: ليس عندي صلاهما، ولكن أم سلمة رضي الله عنها حدثتني أنه صلاهما عندها، فأرسل إلى أم سلمة رضي الله عنها، فقالت: صلاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم عندي لم أره صلاهما قبل ولا بعد، فقلت: يا رسول الله! ما سجدتان رأيتك صليتهما بعد العصر ما صليتهما قبل ولا بعد؟ فقال: "هما سجدتان كنت أصليهما بعد الظهر فقدم عليَّ
قلائص من الصدقة، فنسبتهما حتى صليت العصر، ثم ذكرتهما، فكرهت أن أصليهما في المسجد والناس يروني، فصليتهما عندك".
أخرجه الطحاوي (1/ 302) بإسناد صحيح إلى أبي أسامة. [الإتحاف (18/ 141/ 23456)].
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات؛ غير عبد الرحمن بن أبي سفيان، وهو: ابن حويطب بن عبد العزى، ذكره ابن حبان في الثقات، وهو في عداد المجاهيل مع قلة ما يروي، وليس له رواية في الكتب الستة، روى عنه الزهري بواسطة مبهمة، ولا يُعرف له سماع من معاوية، ولا من عائشة، ولا من أم سلمة، قال البخاري:"سمع كعبًا وعبد الله بن الحارث، روى عنه محمد بن عمرو بن عطاء، وقال عقيل عن الزهري عن من حدثه عن عبد الرحمن بن أبي سفيان: استعملني مروان على الصدقة، هو من بني عامر بن لؤي القرشي الحجازي"، كذا وقع في التاريخ ومن طريقه ابن عساكر: استعملني مروان، وفي الجرح والتعديل: عمر، قال ابن عساكر:"وذكر ابن أبي حاتم أن الذي استعمله على الصدقة: عمر بن عبد العزيز"[التاريخ الكبير (5/ 293)، الجرح والتعديل (5/ 242)، الثقات (7/ 65)، تاريخ دمشق (34/ 389)، مغاني الأخيار (2/ 601)، الثقات لابن قطلوبغا (6/ 257)].
قال ابن حزم في المحلى (2/ 270): "وعبد الرحمن هذا: مجهول، ولم يذكر أيضًا أنه سمعه من أم سلمة، وهو خبر موضوع لا شك فيه؛ لأن فيه كذبًا ظاهرًا لا شك فيه، وهو ما نسب إلى عائشة من قولها: ليس عندي صلاهما، وقد ذكرنا من روى تكذيب هذا آنفًا، ولأن فيه أيضًا لفظًا لا يجوز البتة أن يقوله عليه السلام وهو "فكرهت أن أصليهما في المسجد والناس ينظرون إليَّ فصليتهما عندك"، ثم تكلف كلامًا كرهت نقله.
وعلى هذا: فإن هذا الحديث لا يصح بهذا السياق، لا سيما المرفوع من قوله صلى الله عليه وسلم:"هما سجدتان كنت أصليهما بعد الظهر فقدم عليَّ قلائص من الصدقة، فنسيتهما حتى صليت العصر، ثم ذكرتهما، فكرهت أن أصليهما في المسجد والناس يروني، فصليتهما عندك"، وأما بقية ما قال فيه فيمكن تأويله لو صح، لكنه حديث منكر، والله أعلم.
* والصواب ما رواه:
محمد بن إسحاق [مدني، صدوق]، قال: حدثني محمد بن عمرو بن عطاء، عن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن عائشة، قالت: حدثتني أم سلمة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاهما في بيتها. [تعني: أول مرة حين قضاهما].
أخرجه الطبراني في الكبير (23/ 249/ 502)، بإسناد صحيح إلى ابن إسحاق.
وقد روي من وجوه أخر ضعاف:
5 -
رواه عبد الله بن إدريس، وشعبة، وعبيدة بن حميد، ومحمد بن فضيل، وغيرهم: عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث، قال: دخلت مع ابن عباس على
معاوية، فأجلسه معاوية على السرير، ثم قال له: ما ركعتان يصليهما الناسُ بعد العصر لم نر رسولَ الله صلى الله عليه وسلم صلاهما، ولا أمر بهما؟ قال: ذلك ما يفتي به الناسَ ابنُ الزبير، فأرسل إلى ابن الزبير فسأله، فقال: أخبرتني ذلك عائشة، فأرسل إلى عائشة، فقالت: أخبرتني ذلك أم سلمة، فأرسل إلى أم سلمة، فانطلقت مع الرسول، فسأل أم سلمة، فقالت: يرحمها الله! ما أرادت إلى هذا؟ فقد أخبرتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنهما، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو في بيتي يتوضأ للظهر، وكان قد بعث ساعيًا -وكثر عنده المهاجرون، وكان قد أهمه شأنهم- إذ ضَرب البابَ، فخرج إليه فصلى الظهر، ثم جلس يقسم ما جاء به، فلم يزل كذلك حتى صلى العصر، فلما فرغ رأى بلالًا فأقام الصلاة فصلى العصر، دخل منزلي فصلى ركعتين، فلما فرغ قلت: ما الركعتان رأيتك تصليهما بعد العصر لم أرك تصليهما؟ فقال: "شغلني أمر الساعي، لم أكن صليتهما بعد الظهر فصليتهما [بعد العصر] "، فقال ابن الزبير: قد صلاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنا أصليهما. لفظ ابن إدريس.
* ورواه شعبة، عن يزيد بن أبي زياد، قال: سألت عبد الله بن الحارث، عن الركعتين بعد العصر، فقال: كنا عند معاوية، فحدث ابنُ الزبير، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليهما، فأرسل معاوية إلى عائشة وأنا فيهم، فسألناها، فقالت: لم أسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ولكن حدثتني أم سلمة، فسألتها، فحدثت أم سلمة، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر، ثم أُتي بشيء، فجعل يقسمه حتى حضرت صلاة العصر، فقام فصلى العصر، ثم صلى بعدها ركعتين، فلما صلاها، قال:"هاتان الركعتان كنت أصليهما بعد الظهر"، فقالت أم سلمة: ولقد حدثتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنهما، قال: فأتيت معاوية، فأخبرته بذلك، فقال ابن الزبير: أليس قد صلاهما، لا أزال أصليهما، فقال له معاوية: إنك لمخالف، لا تزال تحب الخلاف ما بقيت [أحمد (6/ 311)].
هكذا اختلف سياق يزيد للحديث بين ابن إدريس وشعبة، ورواه عنه أيضًا: عبيدة عن يزيد بسياق ثالث مختلف، وفيه: ما ركعتان زعم ابن الزبير أنكِ أمرتيه بهما بعد العصر؟ قال: فقالت عائشة: ذاك ما أخبرته أم سلمة، قال: فدخلنا على أم سلمة، فأخبرناها ما قالت عائشة، فقالت: يرحمها الله، أولم أخبرها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عنهما [أحمد (6/ 303)]، وفي رواية للطبراني: لم يصلهما قبلُ ولا بعدُ.
أخرجه ابن ماجه (1159)، وأحمد (6/ 303 و 311)، وابن أبي شيبة (2/ 133/ 7346)(5/ 73/ 7544 - ط. الشثري)(5/ 119/ 7424 - ط. عوامة)، والطبراني في الكبير (23/ 295/ 655) و (23/ 389/ 929)، وأبو موسى المديني في اللطائف (733)، [التحفة (12/ 101/ 18171)، الإتحاف (18/ 125/ 23435)، المسند المصنف (40/ 300/ 19251)].
وهذا حديث قد اضطرب فيه يزيد بن أبي زياد الكوفي، وهو في الأصل: صدوق عالم؛ إلا أنه لما كبر ساء حفظه وتغير، وكان إذا لُقِّن تلقن، فهو: ليس بالقوى؛ كما قال أكثر النقاد، لأجل ما صار إليه أمره [انظر: التهذيب (9/ 344)، الميزان (4/ 423)، وقد تقدم الكلام عليه مرارًا]، وقد توبع على بعض هذا المتن دون بعض.
6 -
وروي من وجه آخر: عن عبد الله بن الحارث بن نوفل، قال: صلى معاوية بالناس العصر، فالتفت، فإذا أناس يصلون بعد العصر، فدخل ودخل عليه ابن عباس وأنا معه، فأوسع له معاوية على السرير، فجلس معه، قال: ما هذه الصلاة التي رأيت الناس يصلونها؟
…
فذكر الحديث بمعنى حديث يزيد بن أبي زياد؛ إلا أنه وهم في جعل الحديث من مسند عائشة، وإنما هو من مسند أم سلمة، وأن التي صلى في بيتها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأول مرة قضاء هي أم سلمة، وليست عائشة، وإلا لما أحالت عليها.
أخرجه أحمد (6/ 183)، قال: حدثنا علي بن عاصم [الواسطي: كثير الغلط والوهم، فإذا روجع أصر ولم يرجع، لذا فقد تركه بعضهم. التهذيب (3/ 173)، الميزان (3/ 135)، إكمال مغلطاي (9/ 350)]، قال: أخبرنا حنظلة السدوسي، عن عبد الله بن الحارث به. [المسند المصنف (37/ 213/ 17847)].
قلت: هو حديث منكر بهذا السياق، والمعروف من مسند أم سلمة، والوهم فيه عندي من حنظلة السدوسي؛ فإنه: ضعيف، اختلف في اسم أبيه، قال أحمد:"منكر الحديث، يحدث بأعاجيب"، وقال مرة:"ضعيف الحديث، يروي عن أنس أحاديث منكرة"، وكان قد اختلط، ولم يتميز حديثه [التهذيب (1/ 505)، ضعفاء العقيلي (1/ 289)، الجرح والتعديل (3/ 240)، المجروحين (1/ 267)، الكواكب النيرات (15)].
وقد اضطرب فيه حنظلة هذا: فرواه عبد الوارث بن سعيد، وعبد الله بن المبارك، وعباد بن العوام، وصالح بن عمر الواسطي [وهم ثقات]:
عن حنظلة السدوسي، قال: حدثنا عبد الله بن الحارث بن نوفل، قال: صلى بنا معاوية بن أبي سفيان صلاة العصر، فأرسل إلى ميمونة، ثم أتبعه رجلًا آخر، فقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجهز بعثًا، ولم يكن عنده ظهر، فجاءه ظهر من الصدقة، فجعل يقسمه بينهم، فحبسوه حتى أرهق العصر، وكان يصلي قبل العصر ركعتين، أو ما شاء الله، فصلى، ثم رجع، فصلى ما كان يصلي قبلها، وكان إذا صلاةً أو فعل شيئًا يحب أن يداوم عليه.
وفي رواية عباد بن العوام، وصالح بن عمر، عن حنظلة السدوسي، قال: نا عبد الله بن الحارث، قال: حدثتني ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل العصر ركعتين. وفي رواية ابن المبارك [عند أحمد]: أن النبي صلى الله عليه وسلم فاتته ركعتان قبل العصر فصلاهما بعدُ.
أخرجه أحمد (6/ 333 و 334)، وأبو يعلى (12/ 518/ 7085) و (13/ 28/ 7111)،
والطبراني في الكبير (24/ 27/ 69)، وفي الأوسط (1/ 284/ 927)، وابن حزم في المحلى (2/ 273).
وهذا حديث منكر؛ وهاتان الركعتان هما الركعتان اللتان بعد الظهر، شُغل عنهما النبي صلى الله عليه وسلم فصلاهما بعد العصر، كما تقدم في الروايات الصحيحة، وقد خالفه في سياقه وإسناده: يزيد بن أبي زياد، فرواه عن عبد الله بن الحارث، عن أم سلمة في قصة طويلة كما تقدم [وقد وهم الدارقطني في العلل (14/ 273/ 3619) و (15/ 238/ 3986) حين سمى راوي هذا الحديث حنظلة بن أبي سفيان، وهو: الجمحي المكي، وهو: ثقة حجة، وإنما راوي هذا الحديث عن عبد الله بن الحارث بن نوفل هو حنظلة السدوسي كما جاء مصرحًا بنسبه في الروايات، ولم يقل أحد منهم: إنه ابن أبي سفيان، وانظر فيمن وهم في ذلك أيضًا: الرواية الواقعة في المحلى (2/ 273)].
قال ابن رجب في الفتح (3/ 301) بعد أن وهَّم رواية حنظلة: "ورواية يزيد بن أبي زياد له عن عبد الله بن الحارث عن أم سلمة: أصح.
وحنظلة هذا: قال الإمام أحمد: منكر الحديث، وضعفه ابن معين والنسائي".
* وروي من وجه آخر عن عبد الله بن الحارث [أخرجه الطبراني في الأوسط (4/ 255/ 4125)][وهو حديث منكر من هذا الوجه، تفرد به عن قتادة: سعيد بن بشير، وهو: ضعيف، يروي عن قتادة المنكرات، وفيه قول أم سلمة: أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فصلى بعد العصر، فقمت وراءه فصليت، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: "إن عاملًا على الصدقات قدم عليَّ، فخفت عليه فلقيته، فنسيت أن أصلي بعد العصر ركعتين"].
7 -
ورويت هذه القصة أيضًا من وجه آخر بسياق مختلف، ولا يثبت:
رواه موسى بن عبيدة الربذي، عن ثابت مولى أم سلمة، عن أم سلمة؛ أن نبي الله صلى الله عليه وسلم انصرف إلى بيتها، فصلى فيه ركعتين بعد العصر،
…
فذكر الحديث بطوله.
وقال مرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من بيته صلى قبل الظهر ركعتين، وصلى قبل العصر ركعتين، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعيًا إلى قوم،
…
فذكر الحديث بطوله، وفي آخره: وقالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى قبلها ولا بعدها.
ورواه مرة مطولًا في قصة وفد بني المصطلق وكان قد بعث إليهم الوليد بن عقبة لأخذ صدقات أموالهم بعد الوقعة، فذكر القصة بطولها، وفي آخرها: فأنزل الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} .
وهو حديث منكر، والاضطراب فيه من موسى بن عبيدة الربذي؛ فإنه: ضعيف، حدث بأحاديث مناكير، وثابت مولى أم سلمة: مجهول، لم يرو عنه سوى موسى بن عبيدة، وتقدم تخريجه مفصلًا تحت الحديث رقم (1272).
8 -
ورواه عثمان بن عبد الله [هو: ابن خزَّزاذ البصري، نزيل أنطاكية: ثقة حافظ]، قال: حدثنا عبيد الله بن معاذ بن معاذ، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا عمران بن حدير،
قال: سألت لاحقًا عن الركعتين عند غروب الشمس؟ فقال: كان عبد الله بن الزبير يصليهما، فأرسل إليه معاوية ما هاتان الركعتان عند غروب الشمس؟ فاضطر الحديث إلى أم سلمة [يعني: عبد الله بن الزبير]، فقالت أم سلمة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي الركعتين قبل العصر فشغل عنهما، فركعهما حين غابت الشمس، ولم أره يصليهما قبلُ ولا بعدُ.
أخرجه النسائي في المجتبى (1/ 282/ 581)، وفي الكبرى (2/ 218/ 1571)، قال: أخبرنا عثمان به. [التحفة (12/ 127/ 18224)، المسند المصنف (40/ 304/ 19255)].
وهذا حديث غريب رجاله بصريون ثقات؛ وهو حديث شاذ، لمخالفته ما تقدم مما صح من سياق الحديث عن أم سلمة، فقد صح عن كريب مولى ابن عباس، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، كلاهما عن أم سلمة:
وفي حديث كريب: قالت أم سلمة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنهما، ثم رأيته يصليهما، أمَّا حين صلاهما: فإنه صلى العصر، ثم دخل - وعندي نسوة من بني حرام من الأنصار- فصلاهما،
…
إلى أن قالت: فلما انصرف، قال:"يا ابنةَ أبي أمية! سألتِ عن الركعتين بعد العصر، إنه أتى ناسٌ من عبد القيس بالإسلام من قومهم، فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر، فهما هاتان".
وتشهد لهما أيضًا: رواية يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث، في كون المقضية: الركعتين اللتين بعد الظهر، وأنه صلاهما بعد العصر، وفيه:"لم أكن صليتهما بعد الظهر فصليتهما بعد العصر".
ولم أجد علة لهذا الإسناد إلا من جهة عدم سماع أبي مجلز لاحق بن حميد لهذا الحديث من ابن الزبير، حيث يحكيه حكاية، ولا يرويه رواية، والبخاري في تاريخه الكبير (8/ 258) لم يذكر لأبي مجلز سماعًا من ابن الزبير، وإنما قال:"سمع ابن عمر، وابن عباس، وأنس بن مالك"، ولم أقف له على سماع من ابن الزبير في الأسانيد، وإن كان قد أدركه.
9 -
وروى محمد بن عبد الله أبو أحمد الزبيري، قال: حدثنا عبيد الله بن عبد الله بن موهب، قال: حدثني عمي -يعني: عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب-، قال: حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، قال: أجمع أبي على العمرة، فلما حضر خروجه، قال: أي بني لو دخلنا على الأمير، فودعناه، قلت: ما شئت، قال: فدخلنا على مروان، وعنده نفر، فيهم عبد الله بن الزبير، فذكروا الركعتين التي يصليهما ابن الزبير بعد العصر، فقال له مروان: ممن أخذتهما يا ابن الزبير؟ قال: أخبرني بهما أبو هريرة عن عائشة، فأرسل مروان إلى عائشة: ما ركعتان يذكرهما ابن الزبير؛ أن أبا هريرة أخبره عنكِ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصليهما بعد العصر؟ فأرسلت إليه: أخبرتني أم سلمة، فأرسل إلى أم سلمة: ما ركعتان زعمت عائشة أنك أخبرتيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصليهما بعد
العصر؟ فقالت: يغفر الله لعائشة، لقد وضعَتْ أمري على غير موضعه، صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهرَ، وقد أُتي بمال، فقعد يقسمه حتى أتاه المؤذن بالعصر، فصلى العصر، ثم انصرف إليَّ، وكان يومي، فركع ركعتين خفيفتين، فقلت: ما هاتان الركعتان يا رسول الله! أمرت بهما؟ قال: "لا، ولكنهما ركعتان كنت أركعهما بعد الظهر، فشغلني قسم هذا المال حتى جاءني المؤذن بالعصر، فكرهت أن أدعهما".
فقال ابن الزبير: الله أكبر، أليس قد صلاهما مرة واحدة؟ والله لا أدعهما أبدًا، وقالت أم سلمة: ما رأيته صلاهما قبلها ولا بعدها.
أخرجه أحمد (6/ 299)(12/ 6413/ 27203 - ط. المكنز)، وعلقه أبو موسى المديني في اللطائف (734 م)، [الإتحاف (18/ 178/ 23519)، أطراف المسند (9/ 423/ 12625)، المسند المصنف (40/ 304/ 19256)].
قلت: هذا حديث ضعيف؛ ووقع في إسناده قلب، قال البخاري في التاريخ الأوسط (2/ 3/ 1576):"عبيد الله بن عبد الله بن موهب: عم عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب، وهو والد يحيى بن عبيد الله"، وقال عبد الحق في الأحكام الكبرى (2/ 166):"عم عبيد الله هو: عبيد الله بن عبد الله بن موهب القرشي المدني، والد يحيى، سمع أبا هريرة، سمع منه ابن أخيه عبيد الله بن عبد الرحمن بن عبيد الله بن موهب، ذكر ذلك البخاري"؛ يعني: في التاريخ الكبير (5/ 389).
وعبيد الله بن عبد الله بن موهب: مجهول [ضعفاء العقيلي (4/ 415)، الثقات (5/ 72)، مشاهير علماء الأمصار (493)، بيان الوهم (5/ 111 و 145/ 2366 و 2387)، التهذيب (3/ 16)].
والراوي عنه: عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب التيمي المدني: ليس بالقوي [انظر: التهذيب (3/ 18)، إكمال مغلطاي (9/ 43)، الميزان (3/ 12)، التاريخ الأوسط (3/ 284/ 450)، تخريج الذكر والدعاء (142)].
10 -
ورواه عبد الله بن نمير [ثقة]، قال: حدثنا طلحة بن يحيى، قال: زعم لي عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، أن معاوية أرسل إلى عائشة، يسألها: هل صلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد العصر شيئًا؟ قالت: أما عندي فلا، ولكن أم سلمة أخبرتني أنه فعل ذلك، فأرسِل إليها فاسألها، فأرسل إلى أم سلمة، فقالت: نعم، دخل عليِّ بعد العصر، فصلى سجدتين، قلت: يا نبي الله! أُنزل عليك في هاتين السجدتين؟ قال: "لا، ولكن صليت الظهر فشُغِلت، فاستدركتها بعد العصر".
أخرجه أحمد (6/ 309)، [الإتحاف (18/ 144/ 23460)، المسند المصنف (40/ 302/ 19252)].
قلت: قول عائشة في هذه الرواية: "أما عندي فلا"، إما أن يحمل على أنها حملت قول السائل عن صلاته صلى الله عليه وسلم الركعتين بعد العصر لأول مرة حين قضاها في بيت أم سلمة،
وإما أن تكون رواية شاذة؛ وهو الصواب، فإن النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يكن قد صلاها في بيت عائشة لأول مرة، إلا أنه قد داوم عليها في بيت عائشة بعد ذلك، وقد صح ذلك عن عائشة من طرق صحيحة مستفيضة، يأتي ذكرها بعد قليل.
* ورواه عبيد الله بن موسى العبسي [ثقة]، قال: أنا طلحة بن يحيى، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة؛ أن معاوية أرسل إلى أم سلمة يسألها عن الركعتين اللتين ركعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العصر، فقالت: نعم، صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عندي ركعتين بعد العصر، فقلت: أُمِرتَ بهما؟ قال: "لا، ولكني كنت أصليهما بعد الظهر فشغلت عنهما فصليتهما الآن". هكذا مختصرًا بإسقاط ذكر عائشة من القصة، والأصل إثباته.
أخرجه الطحاوي (1/ 301)، [الإتحاف (18/ 144/ 23460)].
* وخالف: عبد الله بن داود الخريبي [ثقة]، فرواه عن طلحة بن يحيى، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عائشة، عن أم سلمة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما صلى الركعتين بعد العصر؛ لأنه لم يكن صلى بعد الظهر شيئًا. هكذا باختصار القصة، وبإسقاط ذكر معاوية، والأصل إثباته، وجعله عن عائشة عن أم سلمة، وإن كان رسول معاوية قد سأل عائشة فأخبرته بأن أم سلمة أخبرتها بذلك، فانطلق رسوله إلى أم سلمة وسمع منها.
أخرجه ابن خزيمة (2/ 261/ 1276)، [الإتحاف (18/ 216/ 23582)، المسند المصنف (40/ 302/ 19252)].
* وروى وكيع بن الجراح [ثقة حافظ]، قال: نا طلحة بن يحيى، قال: سمعت عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أم سلمة، قالت: شُغِل النبي صلى الله عليه وسلم عن الركعتين بعد الظهر، فصلاهما بعد العصر. هكذا باختصار القصة، وبإسقاط ذكر معاوية وعائشة.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 7353/134)(5/ 121/ 7431 - ط. عوامة)(5/ 75/ 7551 - ط. الشثري)، وأحمد (6/ 306)، وابن حبان (4/ 441/ 1574)، والطبراني في الكبير (23/ 407/ 978)[ووقع في متنه تحريف]. وأبو طاهر المخلص في العاشر من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (48)(2204 - المخلصيات)، [الإتحاف (18/ 144/ 23460)، المسند المصنف (40/ 302/ 19252)].
رواه عن وكيع به هكذا: أبو بكر ابن أبي شيبة، وأحمد بن حنبل، وأبو خيثمة زهير بن حرب [وهم ثقات حفاظ]، ومحمد بن إسماعيل بن البختري الحساني [ثقة].
* خالفهم فوهم، وجعل المقضية عن ركعتين قبل العصر:
إسحاق بن إبراهيم، قال: أخبرنا وكيع بن الجراح، قال: حدثنا طلحة بن يحيى، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أم سلمة، قالت: شُغِل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن الركعتين قبل العصر، فصلاهما بعد العصر.
أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده (4/ 89/ 1855)، وعنه: النسائي في المجتبي (1/ 282/ 580)(2/ 75/ 590 - ط. التأصيل)، وفي الكبرى (2/ 218/ 1570) (3/ 147/
1693 -
ط. التأصيل)، [التحفة (12/ 111/ 18193)، المسند المصنف (40/ 302/ 19252)].
قلت: إسحاق بن راهويه: ثقة حافظ إمام؛ إلا أنه مع حفظه وإتقانه قد يقع له الوهم في الرواية بسبب تحديثه من حفظه، وهو هنا قد خالف جماعة الحفاظ المتقنين، فجعل المقضية عن ركعتين قبل العصر بدلًا من ركعتي الظهر البعدية، وهو وهم ظاهر، وقد وهمه الذهبي في حديثٍ ثم قال:"ومع حال إسحاق وبراعته في الحفظ؛ يمكن أنه لكونه كان لا يحدث إلا من حفظه جرى عليه الوهم في حديثين من سبعين ألف حديث، فلو أخطأ منها في ثلاثين حديثًا لما حطَّ ذلك رتبته عن الاحتجاج به أبدًا، بل كون إسحاق تتبع حديثه فلم يوجد خطأ قط سوى حديثين يدل على أنه أحفظ أهل زمانه"[السير (11/ 379)، راجع الحديث المتقدم برقم (1218)].
* تابع وكيعًا على الوجه المحفوظ عنه:
عبد الواحد بن زياد [كوفي، ثقة]: ثنا طلحة بن يحيى: ثنا عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أم سلمة، قالت: ما صلاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم عندي إلا مرةً، دخل يوماً بعد العصر فصلى ركعتين، فقلت: يا رسول الله ما هذه الصلاة؟ ما كنت تصليها، فنزلت صلاة بعد العصر؟ قال:"لا، ولكن ركعتين كنت أصليهما بعد الظهر، فشغلت عنهما فتداركتهما".
أخرجه الطبراني في الكبير (23/ 272/ 584)، بإسناد صحيح إلى عبد الواحد.
* قلت: هذا الحديث أصله محفوظ من قول أم سلمة: شُغِل النبي صلى الله عليه وسلم عن الركعتين بعد الظهر، فصلاهما بعد العصر.
لكنه معلول من جهتين: الأولى: أن طلحة بن يحيى بن طلحة التيمي قد اضطرب في إسناده ومتنه؛ فلم يقم هذا الحديث، سوى في هذه اللفظة التي حفظها من قول أم سلمة، وطلحة بن يحيى: مختلف فيه، فقد وثقه جماعة، ولينه بعضهم:
وثقه: وكيع، وابن سعد، ويحيى بن معين [في رواية الدارمي وابن الجنيد وابن محرز وابن أبي مريم والمفضل الغلابي وإسحاق الكوسج وابن طهمان وغيرهم، حيث قدمه ابن معين على أخيه إسحاق، وإسحاق قد ضعفوه]، وأحمد [في رواية صالح عنه]، ويعقوب بن شيبة [في رواية عنه]، والعجلي، والدارقطني.
وقال أحمد مرة: "صالح الحديث"، وقال أبو حاتم:"صالح الحديث، حسن الحديث، صحيح الحديث"، وقال أبو زرعة والنسائي:"صالح"، وقال أبو داود:"ليس به بأس"، وقال ابن عدي:"ما برواياته عندي بأس".
وقال يحيى بن سعيد القطان: "لم يكن بالقوي"، وقال أحمد:"طلحة بن يحيى: أحب إليَّ من بريد بن أبي بردة؛ بريد: يروي أحاديث مناكير، وطلحة: يحدث بحديث: "عصفور من عصافير الجنة""، وقال مرة:"صالح الحديث، وهو أحب إليَّ من بريد بن أبي بردة، وبريد يروي أحاديث مناكير"، وقال البخاري:"منكر الحديث"، وقال يعقوب بن
شيبة: "لا بأس به، في حديثه لين"، وقال الساجي:"صدوق، لم يكن بالقوي"، وقال النسائي أيضًا:"ليس بالقوي"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال:"كان يخطئ".
[الطبقات الكبرى (6/ 361) و (393 و 395 - القسم المتمم)، تاريخ ابن معين للدارمي (446)، سؤالات ابن الجنيد (515)، سؤالات ابن محرز (1/ 96/ 394)، سؤالات ابن طهمان الدقاق لابن معين (39)، العلل ومعرفة الرجال (2/ 11/ 1380) و (2/ 498/ 3290) و (2/ 529/ 3495)، سؤالات الميموني (393)، المنتخب من علل الخلال (10)، سؤالات الآجري (36 و 346)، المعرفة والتاريخ (2/ 91) و (3/ 191)، معرفة الثقات (799)، ضعفاء النسائي (317)، ضعفاء العقيلي (2/ 226)، الجرح والتعديل (4/ 477)، الثقات (6/ 487)، مشاهير علماء الأمصار (1292)، الكامل (4/ 112)، علل الدارقطني (7/ 198/ 1287)، سؤالات الحاكم (365)، تاريخ أسماء الثقات (600)، تاريخ دمشق (25/ 133)، تاريخ الإسلام (9/ 187)، الميزان (2/ 343)، التهذيب (2/ 244)].
الثانية: أن هذا الحديث صورته مرسل، حيث يحكي واقعة حدثت لمعاوية بن أبي سفيان مع عائشة وأم سلمة؛ ففي رواية ابن نمير: زعم لي عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، أن معاوية أرسل إلى عائشة يسألها
…
، وفي رواية عبيد الله بن موسى: أن معاوية أرسل إلى أم سلمة يسألها عن الركعتين
…
، وفي كلتا الروايتين لم يسمع عبيد الله بن عبد الله بن عتبة الحديث لا من عائشة، ولا من أم سلمة، وإنما الواسطة فيه الرسول الذي بعثه معاوية، وهو هنا مبهم، فلو فرضنا أن عبيد الله قد حضر الواقعة عند مقدم معاوية إلى المدينة، فيبقى إبهام الواسطة، وهو الرسول الذي أرسله معاوية، والله أعلم.
* والذي يظهر من مجموع النصوص الواردة في الركعتين بعد العصر: أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يداوم على فعلها في بيت عائشة وحدها، فيصليها مرة في الأسبوع أحيانًا، وأحيانًا مرتين، وأما أم سلمة فصلاها عندها قضاءً للمرة الأولى فقط، ثم لم يعُد إلى فعلها في بيتها مرة أخرى، ثم بدأ يداوم عليها في بيت عائشة وحدها دون باقي أمهات المؤمنين، وأن أم سلمة هي التي أخبرتها بذلك في بادئ الأمر:
* فقد روى معمر بن راشد [ثقة، من أصحاب يحيى]، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أم سلمة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بعد العصر قط؛ إلا مرةً، جاءه ناس بعد الظهر فشغلوه في شيء، ولم يصل بعد الظهر شيئًا حتى صلى العصر، قالت: فلما صلى العصر دخل بيتي، فصلى ركعتين. لفظ عبد الرزاق.
ورواه معتمر بن سليمان، قال: سمعت معمرًا، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أم سلمة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في بيتها بعد العصر ركعتين مرةً واحدةً، وأنها ذكرت ذلك له، فقال:"هما ركعتان كنت أصليهما بعد الظهر، فشُغِلتُ عنهما حتى صليتُ العصر".
أخرجه النسائي في المجتبى (1/ 579/281)، وفي الكبرى (2/ 218/ 1569)، وأحمد (6/ 310)، وعبد الرزاق (2/ 431/ 3970)، والبيهقي (2/ 457)، [التحفة (12/ 137/ 18242)، الإتحاف (18/ 183/ 23527)، المسند المصنف (40/ 298/ 19250)].
* ورواه حرب بن شداد [ثقة، من أصحاب يحيى]، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أم سلمة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في بيتها بعد العصر ركعتين، فسألته عن ذلك، فقال:"كنت أصلي بعد الظهر ركعتين، فجاء وفد فشغلوني".
أخرجه الطيالسي (3/ 173/ 1702).
* ورواه أبان بن يزيد العطار [ثقة، من أصحاب يحيى]، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بعد الظهر ركعتين، وإنه جاءه وفد فشغلوه، فلم يصلهما، فصلاهما بعد العصر.
أخرجه أحمد (6/ 304)، [الإتحاف (18/ 183/ 23527)، المسند المصنف (40/ 298/ 19250)].
قال ابن رجب في الفتح (3/ 294): "وهذا إسناد صحيح".
قلت: وقد تابع يحيى بن أبي كثير عليه:
* عبد الله بن أبي لبيد، قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن، يقول: قدم معاوية بن أبي سفيان المدينة، فبينا هو على المنبر إذ قال: يا كثير بن الصلت! اذهب إلى عائشة فسلها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العصر، قال أبو سلمة: فذهبت معه إلى عائشة، وبعث ابن عباس عبد الله بن الحارث بن نوفل معنا،
…
فذكر الحديث بتمامه، وتقدم [الطريق الأولى].
* ومحمد بن عمرو بن علقمة، عن أبي سلمة؛ أن أم سلمة قالت: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العصر فصلى ركعتين،
…
فذكر الحديث، وتقدم [الطريق الثانية].
* وأما ما رواه ابن لهيعة: حدثنا عبد الله بن هبيرة، قال: سمعت قبيصة بن ذؤيب، يقول: إن عائشة أخبرت آل الزبير؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى عندها ركعتين بعد العصر، فكانوا يصلونها.
قال قبيصة: فقال زيد بن ثابت: يغفر الله لعائشة نحن أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم من عائشة، إنما كان ذلك لأن أناسًا من الأعراب أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بهجير، فقعدوا يسألونه ويفتيهم، حتى صلى الظهر ولم يصل ركعتين، ثم قعد يفتيهم حتى صلى العصر فانصرف إلى بيته، فذكر أنه لم يصل بعد الظهر شيئًا، فصلاهما بعد العصر، يغفر الله لعائشة، نحن أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم من عائشة، نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد العصر.
أخرجه أحمد (5/ 185)، والطبراني في الكبير (5/ 146/ 4900)، وفي مسند الشاميين (3/ 229/ 2142)، [إتحاف المهرة (4/ 647/ 4831)، المسند المصنف (8/ 255/ 4106)].
فهو حديث ضعيف؛ لأجل ابن لهيعة.
* هكذا روى هذا الحديث عن أبي سلمة بن عبد الرحمن: يحيى بن أبي كثير، وعبد الله بن أبي لبيد، ومحمد بن عمرو بن علقمة؛ فجعلوه من مسند أم سلمة، وأن عائشة أحالت فيه على أم سلمة.
قال الدارقطني في العلل (14/ 274/ 3619): "وخالفهم محمد بن أبي حرملة؛ فرواه عن أبي سلمة، أنه سأل عائشة عن هاتين الركعتين؟ فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما، ثم شغل عنهما فصلاهما بعد العصر، ثم أثبتهما، وكان إذا صلى صلاة أثبتها، ولم يذكر فيه أم سلمة"، وأعاده في مسند أم سلمة من العلل (15/ 239/ 3986) [وانظر: شرح مسلم للنووي (6/ 122)].
قلت: رواه إسماعيل بن جعفر: أخبرني محمد بن أبي حرملة، قال: أخبرني أبو سلمة، أنه سأل عائشة عن السجدتين اللتين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما بعد العصر، فقالت: كان يصليهما قبل العصر، ثم إنه شغل عنهما، أو نسيهما فصلاهما بعد العصر، ثم أثبتهما، وكان إذا صلى صلاة أثبتها. قال إسماعيل: تعني: داوم عليها.
أخرجه مسلم (835/ 298)، وأبو عوانة (1/ 320/ 1139)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 427/ 1881)، والنسائي في المجتبى (1/ 578/281)، وفي الكبرى (2/ 217 - 218/ 1568)، وابن خزيمة (2/ 262/ 1278)، وعلي بن حجر السعدي في حديثه عن إسماعيل بن جعفر (323)، وأبو يعلى (8/ 241/ 4816)، وأبو العباس السراج في مسنده (1551)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (2348)، وابن حزم في المحلى (2/ 265)، والبيهقي (2/ 457)، والبغوي في شرح السنة (3/ 337/ 783)، وقال:"هذا حديث صحيح"، وابن عساكر في المعجم (28)، [التحفة (11/ 790/ 17752)، الإتحاف (17/ 628/ 22913)، المسند المصنف (37/ 210/ 17842)].
هكذا رواه عن إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير [مدني، ثقة ثبت]: علي بن حجر، ويحيى بن أيوب المقابري، وقتيبة بن سعيد، وأبو همام السكوني الوليد بن شجاع [وهم ثقات].
واختلف فيه على علي بن حجر: فرواه مسلم بن الحجاج، وأحمد بن شعيب النسائي، وأبو بكر ابن خزيمة [وهم أئمة ثقات حفاظ]، عنه به هكذا: كان يصليهما قبل العصر.
* ورواه ابن حبان في صحيحه (4/ 1577/445)، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الهروي، وابن خزيمة، قالا: حدثنا علي بن حجر، قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر به، إلا أنه قال فيه: فقالت: كان يصليهما بعد الظهر، ثم إنه شغل عنهما،
…
، ثم قال ابن حبان:"عبد الله بن محمد بن هاجك: من العباد".
قلت: عبد الله بن محمد بن هاجك الهروي العابد: شيخ لابن حبان وأبي منصور
الأزهري، وليس له كثير رواية، فهو في عداد المجاهيل، ولم أقف له على ترجمة، ورواية الجماعة هي الصواب.
قال القاضي عياض في إكمال المعلم (3/ 215): "وظاهره خلاف ما تقدم وأنها راتبة العصر، وقد يجمع بينهما أنهما ركعتا الظهر؛ لأنهما إنما يصليان قبل العصر لئلا تختلف الأحاديث".
وقال أيضًا: "لكن فى حديث عائشة زيادة فائدة بقولها: ثم أثبتها، وكان إذا صلى صلاة أثبتها، فجاء هذا مطابقًا لقولها فى الحديث الآخر: ما تركهما في بيتي قط؛ أي: بعد قصة أم سلمة، وهذا أولى من قول من قال: كان فعله ذاك عندها سرًا، فلذلك لم تخبر به السائل، وأحالته على أم سلمة، وكيف يصح هذا وقد أخبرت به غيرَ واحد، وقالت فى رواية الأسود: ما تركهما في بيتي قط، سرًا ولا علانيةً".
* قلت: محمد بن أبي حرملة المدني: ثقة، روى عنه مالك في موطئه، وروى له الشيخان في صحيحيهما، وقال النسائي:"ثقة"، وذكره ابن حبان في الثقات [التهذيب (3/ 538)]، وليس من شرط الثقة ألا يهم، وقد وهم في هذا الحديث في مواضع:
الأول: قوله في الحديث: كان يصليهما قبل العصر، والمحفوظ من رواية الجماعة عن أبي سلمة عن أم سلمة في هذا الحديث: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بعد الظهر ركعتين.
الثاني: المحفوظ عن عائشة في هذه القصة: أنها لما سئلت عن الركعتين بعد العصر، أحالت السائل إلى أم سلمة، فقالت له: اذهب فسل أم سلمة، وأن هذا الجواب إنما وقع من أم سلمة، لا من عائشة، وعليه: فهذا الحديث من مسند أم سلمة، لا من مسند عائشة، هكذا رواه: يحيى بن أبي كثير، وعبد الله بن أبي لبيد، ومحمد بن عمرو بن علقمة؛ عن أبي سلمة، فجعلوه من مسند أم سلمة.
الثالث: قوله في هذا الحديث: ثم أثبتهما، وكان إذا صلى صلاة أثبتها؛ دخل له حديث في حديث، أما حديث الركعتين بعد العصر، فإن أم سلمة كانت تخبر أنها لم تر النبي صلى الله عليه وسلم صلاها في بيتها إلا مرة واحدة، وأما عائشة فقد صح عنها من طرق مستفيضة يأتي ذكرها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما دخل عليها بعد العصر إلا صلى ركعتين، وهذا معنى قوله في هذا الحديث: ثم أثبتهما.
* وأما قوله: وكان إذا صلى صلاة أثبتها، فلا يُحفظ في هذا الحديث؛ وإنما هو محفوظ من حديث أبي سلمة عن عائشة في حديث آخر:
فقد روى محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن عائشة، قالت: كانت لنا حصيرة نبسطها بالنهار، ونحتجرها علينا بالليل، قالت: فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلةً فسمع مَن كان في المسجد صلاتَه، فأصبحوا فذكره أولئك للناس، فكثروا في الليلة الثانية، قالت: فاطلع إليهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"اكلفوا من الأعمال ما تطيقون؛ فإن الله لا يملُّ حتى تملُّوا".
قالت عائشة رضي الله عنها: وكان أحب الأعمال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أدومها وإن قلَّ، وكان إذا صلى صلاة أثبتها.
وهو حديث حسن، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1126)، والله أعلم.
وأصله في الصحيحين من حديث سعيد المقبري، عن أبي سلمة، عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له حصير يبسطه بالنهار، ويحتجره بالليل [البخاري (730 و 5861)، ومسلم (782)]، ويأتي تخريجه في السنن برقم (1368 و 1374) إن شاء الله تعالى.
وفي رواية منه لمسلم (782/ 215) من طريق عبيد الله بن عمر، عن سعيد المقبري، عن أبي سلمة، عن عائشة به، وفي آخره: وكان آل محمد صلى الله عليه وسلم إذا عملوا عملًا أثبتوه.
* وله روايات ثابتة بهذه الزيادة خارج الصحيح، منها:
أ - الليث بن سعد، عن ابن عجلان، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنها قالت: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصير يبسطها بالنهار، ويحتجرها بالليل، فيصلي فيها، ففطن له الناس، فصلوا بصلاته، وبينهم وبينه الحصير، فقال:"اكلَفوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يملُّ حتى تملُّوا، وإن أحبَّ الأعمال إلى الله أدومه وإن قلَّ"، فكان إذا عمل عملًا أثبته. لفظه عند أبي عوانة.
ولفظ أبي داود مختصرًا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اكلَفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يملُّ حتى تملُّوا، فإن أحبَّ العمل إلى الله أدومه وإن قلَّ"، وكان إذا عمل عملًا أثبته.
أخرجه أبو داود (1368)، والنسائي في المجتبى (2/ 68/ 762)، وفي الكبرى (1/ 412/ 840)، وأبو عوانة (2/ 256/ 3063)، [التحفة (11/ 777/ 17720)، الإتحاف (17/ 611/ 22888)، المسند المصنف (37/ 265/ 17878)].
وهو حديث صحيح.
ب - سفيان بن عيينة، قال: ثنا محمد بن عجلان، عن سعيد المقبري، عن أبي سلمة، عن عائشة، قالت: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصير يبسطه بالنهار، وإذا كان بالليل يحجزه رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى فيه، فسعى له ناس يصلون بصلاته، قال: ففطن فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فترك ذلك، وقال:"إني حسبت أن ينزل فيهم أمر لا يطيقونه"، ثم قال:"اكلَفوا من العمل ما تطيقون؛ فإن الله لا يملُّ حتى تملُّوا" قال: وكان أحب العمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما دُووِم عليه وإن قلَّ، وكان إذا صلى صلاة أثبتها.
أخرجه ابن خزيمة (3/ 61/ 1626)، وأحمد (6/ 40)، والحميدي (183)، [الإتحاف (17/ 611/ 22888)، المسند المصنف (37/ 265/ 17878)].
وهو حديث صحيح.
* وجاءت هذه الزيادة في حديث آخر لأبي سلمة عن عائشة في صوم شعبان:
يرويه هشام الدستوائي، وأبان بن يزيد العطار، وعلي بن المبارك، والأوزاعي [وهم
ثقات، من أصحاب يحيى بن أبي كثير، وأثبتهم فيه: هشام الدستوائي]، وعقيل بن خالد [ولا يثبت عنه]:
عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة؛ أن عائشة رضي الله عنها حدثته، قالت: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرًا أكثر من شعبان، فإنه كان يصوم شعبان كله، وكان يقول:"خذوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا"، وأحب الصلاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما دُووِم عليه وإن قلَّت، وكان إذا صلى صلاة داوم عليها.
وفي رواية: "خذوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا"، وكان أحب الصلاة إليه ما داوم عليها منها وإن قلَّت، وكان إذا صلى صلاة أثبتها.
أخرجه البخاري (1970)، ومسلم (782/ 177 - كتاب الصيام)، وأبو عوانة (2/ 173/ 2718 و 2719) و (2/ 242/ 3007) و (2/ 243/ 3008)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (3/ 233/ 2624)، والنسائي في المجتبى (4/ 151/ 2180)، وفي الكبرى (3/ 120/ 2501)، وابن خزيمة (2/ 264/ 1283) و (3/ 282/ 2078) و (3/ 283/ 2079)، وابن حبان (2/ 67/ 353) و (4/ 446/ 1578)، وأحمد (6/ 84 و 128 و 189 و 233 و 244 و 249)، وإسحاق بن راهويه (2/ 477/ 1055) و (2/ 478/ 1056)، والطيالسي (3/ 82/ 1578)، وجعفر الفريابي في الصيام (6 و 7)، وابن جرير الطبري في تفسيره (29/ 80)، والطحاوي في شرح المعاني (2/ 83)، وفي المشكل (2/ 117/ 652)، والبيهقي (4/ 210)، وابن عبد البر في التمهيد (1/ 193)، [التحفة (11/ 803/ 17780)، الإتحاف (17/ 619/ 22899) و (17/ 629/ 22914)، المسند المصنف (37/ 573/ 18084)].
* ثم نرجع مرة أخرى لسرد ما تبقى من طرق حديث أم سلمة:
فقد روى يحيى بن كثير، قال: حدثنا شعبة، عن عبد الله بن أبي المجالد، عن عبد الله بن شداد بن الهاد، عن أم سلمة، قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العصر في بيتي ركعتين، قلت: ما هاتان؟ قال: "كنت أصليهما قبل العصر".
أخرجه النسائي في الكبرى (1/ 216/ 348)، وأبو يعلى (12/ 375/ 6946)، [التحفة (12/ 105/ 18180)، المسند المصنف (40/ 303/ 19253)].
وهذا حديث غريب شاذ، تفرد به عن شعبة دون أصحابه على كثرتهم: يحيى بن كثير بن درهم العنبري البصري، وهو: صالح الحديث، وله عن شعبة غرائب وأوهام [التهذيب (4/ 382)، مسند البزار (5/ 191/ 1790) و (6/ 420/ 2450) و (15/ 19/ 8199)، علل الحديث لابن أبي حاتم (1494 و 1561)، أطراف الغرائب والأفراد (1/ 374/ 2040) و (1/ 519/ 2958)، الإرشاد (1/ 347)، فضل الرحيم الودود (10/ 199/ 939)].
* ومما روي أيضًا بخلاف ما ثبت عن أم سلمة:
ما أخرجه ابن عساكر في معجمه (1109)، بإسناده إلى: محمد بن حميد الرازي:
ثنا هارون بن المغيرة [ثقة]، عن عنبسة -يعني: ابن سعيد الرازي-[كوفي ثقة]، عن عمار الدهني [ثقة]، عن عبد الله بن عبيدة بن زمعة، عن أم سلمة؛ أنها أَمرت بالركعتين بعد العصر، وقالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليهما إذا صلى مع الناس وهو جالس؛ مخافة شهرتهما، وإذا صلاهما في بيته صلى قائمًا.
قال محمد بن حميد: كتب عني أحمد بن حنبل هذا الحديث.
قال ابن عساكر: "هذا حديث غريب جدًا، والمعروف: أبو عبيدة بن عبد الله بن وهب بن زمعة".
وقال ابن رجب في الفتح (3/ 295): "إسناده لا يصح"، ثم قال:"محمد بن حميد: كثير المناكير، وقد اتهم بالكذب، فلا يلتفت إلى تفرده بما يخالف الثقات".
قلت: هو حديث باطل؛ أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة، وإن أخرج له مسلم في صحيحه (1454)، في رضاع الكبير، إلا أنه لم يحتج به على انفراده، وإنما أخرج له في المتابعات، فقد توبع على روايته عنده، وعندئذٍ لا يعتبر إخراج مسلم لحديثه توثيقًا له إذ لم يحتج به على انفراده، وإنما هو متابَع على روايته، وعلى هذا فإن أبا عبيدة هذا: لم يوثق، وقد روى عنه جماعة، وقال ابن سعد:"وكان قليل الحديث"، فمثله لا يحتج به عند التفرد [انظر: الجرح والتعديل (9/ 404)، التهذيب (4/ 552)، الطبقات الكبرى (102 - القسم المتمم)، الاستغناء (3/ 1393)].
وقد تفرد به: محمد بن حميد الرازي؛ وهو وإن كان موصوفًا بالحفظ؛ إلا أنه قد أجمع أهل بلده على ضعفه، وكذبه بعضهم، وهو كثير المناكير [التهذيب (3/ 546)].
* وروي عن أم سلمة من وجه آخر ضعيف، وفيه ألفاظ منكرة [أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (3/ 212/ 2110)] [وفي إسناده: عيسى بن سنان القسملي، وهو: ضعيف، والراوي عنه: يحيى بن أبي الحجاج، وهو: ليس بالقوي. التهذيب (3/ 358) و (4/ 347)].
* قال الدارقطني في العلل (15/ 239/ 3986): "وحديث بكير بن الأشج: أثبت هذه الأحاديث وأصحها، والله أعلم".
* ومما جاء عن عائشة في الركعتين بعد العصر:
1 -
روى يحيى بن سعيد القطان، وجرير بن عبد الحميد، وعبد الله بن نمير، ووكيع بن الجراح، وأنس بن عياض، وسفيان بن عيينة، وعباد بن عباد المهلبي، ومروان بن معاوية الفزاري، ووهيب بن خالد، وعلي بن مسهر، وابن إسحاق [وهم ثقات]، وغيرهم:
عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد العصر عندي قط [وفي رواية أنس: حتى توفاه الله][وفي رواية مروان: حتى فارق الدنيا].
أخرجه البخاري (591)، ومسلم (835/ 299)، وأبو عوانة (1/ 318/ 1129 م) و (2/ 7/ 2113)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 427/ 1882)، والنسائي في المجتبى
(1/ 280 - 281/ 574)، وفي الكبرى (1/ 223/ 366) و (2/ 217/ 1565)، والدارمي (1577 - ط. البشائر)، وابن حبان (4/ 440/ 1573)، وأحمد (6/ 50 و 96)، وإسحاق بن راهويه (2/ 130/ 611)، والحميدي (194)، وابن أبي شيبة (2/ 133/ 7345)، وعبد بن حميد (1506)، وأبو العباس السراج في مسنده (1532 و 1533)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (2327 و 2328 و 2746)، وابن أبي داود في مسند عائشة (37 و 38)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 390/ 1091)، والطحاوي (1/ 301)، وابن عدي في الكامل (4/ 195)، والدارقطني في الأفراد (2/ 469/ 6288 - أطرافه)، وابن شاهين في الناسخ (252)، وابن حزم في المحلى (2/ 272)، والبيهقي (2/ 458)، وابن عبد البر في التمهيد (13/ 35)، والخطيب في تاريخ بغداد (6/ 240) و (10/ 146)، والبغوي في شرح السنة (3/ 336/ 782)، وقال:"هذا حديث متفق على صحته"، وابن عساكر في المعجم (244)، [التحفة (16772 و 16996 و 17311)، الإتحاف (17/ 294/ 22272)، المسند المصنف (37/ 196/ 17834)].
2 -
ورواه ابن جريج، قال: سمعت عبد الله بن عروة بن الزبير، يذكر أن عروة أخبره؛ أن عائشة أخبرته؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل عليها قط إلا ركع بعد العصر ركعتين.
أخرجه عبد الرزاق (2/ 434/ 3978)، وأحمد (6/ 169)، وأبو العباس السراج في مسنده (1534)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (2329 و 2330)، وابن شاهين في الناسخ (251)، [الإتحاف (17/ 132/ 22003)، المسند المصنف (37/ 196/ 17834)].
وهذا حديث صحيح.
3 -
وروى شعبة [وعنه: غندر محمد بن جعفر، وخالد بن الحارث، وحفص بن عمر الحوضي، وعفان بن مسلم، وأبو داود الطيالسي، وبشر بن عمر الزهراني، ويزيد بن هارون، ووهب بن جرير، ومحمد بن كثير العبدي، وبهز بن أسد، وسعيد بن الربيع، ومحمد بن إبراهيم بن عرعرة]، وإسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق [وعنه: أبو أحمد الزبيري، ويحيى بن آدم]، ويونس بن أبي إسحاق [ولم يذكر في إسناده مسروقًا]:
عن أبي إسحاق، عن الأسود، ومسروق [وفي رواية عفان: سمعت الأسود بن يزيد ومسروقًا، وكذا في رواية بهز]، قالا: نشهد على عائشة [وفي رواية ابن عرعرة عند البخاري: رأيت الأسود ومسروقًا شهدا على عائشة]، أنها قالت: ما كان يومه الذي كان يكون عندي إلا صلاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي؛ تعني: الركعتين بعد العصر. لفظ غندر [عند مسلم]، ولفظ الحوضي [عند أبي داود]: ما من يومٍ يأتي على النبي صلى الله عليه وسلم إلا صلى بعد العصر ركعتين. ولفظ عفان [عند أحمد]: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندي في يومٍ إلا صلى ركعتين بعد العصر.
ولفظ إسرائيل [عند أحمد]: قالت: أشهد أنه لم يأت في يومي [وفي رواية: في بيتي] قط إلا صلى بعد العصر ركعتين.
أخرجه البخاري (593)، ومسلم (835/ 301)، وأبو عوانة (2/ 7/ 2110)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 428/ 1884)، وأبو داود (1279)، والنسائي في المجتبى (1/ 281/ 576)، وفي الكبرى (2/ 217/ 1567)، والدارمي (1576 - ط. البشائر)، وابن حبان (4/ 437/ 1570) و (4/ 439/ 1571)، وأحمد (6/ 113 و 134 و 176)، وإسحاق بن راهويه (3/ 856/ 1520)، والطيالسي (3/ 16/ 1484)، وأبو العباس السراج في مسنده (1528 و 1529 و 1536)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (2322 - 2324 و 2332)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 391/ 1092)، والطحاوي (1/ 300)، وجعفر الخلدي في فوائده (125)، والرامهرمزي في المحدث الفاصل (471)، والبيهقي (2/ 458)، [التحفة (11/ 177/ 16028)، الإتحاف (16/ 1019/ 21534) و (16/ 1051/ 21598)، المسند المصنف (37/ 205/ 17836)].
* وانظر فيمن وهم في إسناده على أبي إسحاق فزاد في شيوخه عمرو بن ميمون: ما أخرجه الدارقطني في الثالث والثمانين من الأفراد (23)(2/ 488/ 6405 - أطرافه)[تفرد به عن أبي إسحاق: روح بن مسافر، وهو: متروك، واتهم بالوضع. اللسان (3/ 485)].
4 -
وروى عفان بن مسلم، قال: نا أبو عوانة، قال: ثنا إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن أبيه، أنه كان يصلي بعد العصر ركعتين، فقيل له؟ فقال: لو لم أصلهما إلا أني رأيت مسروقًا يصليهما لكان ثقة، ولكني سألت عائشة فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدع ركعتين قبل الفجر، وركعتين بعد العصر.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 133/ 7349)، وإسناده صحيح متصل.
وانظر فيمن وهم فيه على أبي عوانة: ما تقدم تحت الحديث رقم (1253)[وانظر: علل الدارقطني (14/ 270/ 3619)].
5 -
وروى جعفر بن عون [كوفي، ثقة]، عن مسعر بن كدام، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الضحى، عن مسروق، قال: حدثتني الصديقة بنت الصديق؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما دخل عليها بعد العصر إلا صلى ركعتين.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 134/ 7354)، وأبو العباس السراج في مسنده (1531)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (2326)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 391/ 1092)، والبيهقي (2/ 458)، وابن عبد البر في التمهيد (13/ 35)، [المسند المصنف (37/ 209/ 17840)].
* خالفه: إسحاق بن يوسف الأزرق [كوفي، ثقة]، قال: حدثنا مسعر، عن عمرو بن مرة، عن أبي الضحى، عن مسروق، قال: حدثتني الصديقة بنت الصديق، حبيبة حبيب الله المبرأة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين بعد العصر، فلم أكذبها.
أخرجه أحمد (6/ 241)، والدارقطني في الأفراد (2/ 488/ 6405 - أطرافه)، [الإتحاف (17/ 560/ 22794)، المسند المصنف (37/ 209/ 17840)].
قال الدارقطني في العلل (14/ 270/ 3619) في الاختلاف على مسعر: "رواه إسحاق بن يوسف الأزرق، وزياد بن عبد الله البكائي، وخالد بن سلمة الجهني، عن مسعر، عن عمرو بن مرة، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة".
وقال في الأفراد: "رواه إسحاق بن يوسف الأزرق، عن مسعر، عن عمرو بن مرة، عن أبي الضحى عنه، وتابعه زياد البكائي، وخالد بن سلمة، وأبو أسامة.
وخالفهم: جعفر بن عون، رواه عن مسعر عن حبيب عن أبي الضحى.
وقال حفص المهرقاني: عن جعفر بن عون، عن مسعر، عن أبي حصين، عن الشعبي، عن مسروق، قالت: ما دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العصر
…
الحديث".
* قلت: رواية الجماعة عن جعفر بن عون هي المحفوظة، ولا يبعد عندي أن يكون محفوظًا عن مسعر على الوجهين، وأن يكون لمسعر فيه إسنادان، رواه مرة: عن عمرو بن مرة، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة، ورواه أخرى: عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة.
ومسعر بن كدام: كوفي، ثقة ثبت، يحتمل منه التعدد في الأسانيد، وكلاهما إسناد كوفي صحيح، والله أعلم.
6 -
وروى علي بن مسهر، وعبد الواحد بن زياد، ومحمد بن فضيل، وحفص بن غياث، وخالد بن عبد الله الواسطي، وعباد بن العوام [وهم ثقات]:
أخبرنا أبو إسحاق الشيباني، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن عائشة، قالت: صلاتان ما تركهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي قط، سرًا ولا علانيةً، ركعتين قبل الفجر، وركعتين بعد العصر.
أخرجه البخاري (592)، ومسلم (835/ 300)، وأبو عوانة (2/ 7/ 2111)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 427/ 1883)، والنسائي في المجتبى (1/ 281/ 577)، وفي الكبرى (1/ 225/ 372)، والدارمي (1577 - ط. البشائر)، وأحمد (6/ 159)، وأبو يعلى (8/ 356/ 4940)، وأبو العباس السراج في مسنده (1535)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (2331)، والطحاوي (1/ 301)، وابن حزم في المحلى (2/ 272)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (34/ 226)، وفي المعجم (1597)، [التحفة (11/ 169/ 16009)، الإتحاف (16/ 1051/ 21598)، المسند المصنف (37/ 207/ 17837)].
* تنبيه: قول عائشة في هذا الحديث: سرًا ولا علانيةً، يفسره قولها قبله مباشرة: ما تركهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي قط، فدل ذلك على أن العلانية تعني بها داخل بيتها فقط، وليس أمام الصحابة في المسجد، لا سيما وقد قرنت هاتين الركعتين بعد العصر، بالركعتين قبل الفجر، ومعلوم باستفاضة أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يصلي الركعتين قبل الفجر في بيوت أمهات المؤمنين، قبل أن يخرج إلى المسجد، ولم يكن يصليهما في المسجد، لذا فإن ابن عمر لما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم السنن الرواتب عدَّ عشر ركعات ليس بينها ركعتي الفجر، فقال:
حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات،
…
فعدَّها ثم قال: وأخبرتني أختي حفصة؛ أنه كان يصلي سجدتين خفيفتين إذا طلع الفجر، قال: وكانت ساعة لا أدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فيها، وفي رواية: وأخبرتني حفصة بركعتين لم أشهدهما بعد طلوع الفجر [وقد تقدم تخريج حديث ابن عمر بطرقه تحت الحديث رقم (1128)، والحديث رقم (1132)].
وقد صح عن عائشة من وجه آخر ما يؤيد هذا المعنى، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخفي هاتين الركعتين بعد العصر، بل لم يكن يصليهما في بيت أحد من أمهات المؤمنين سوى عائشة، وأنه لم يكن يصليهما كل يوم، وإنما كان يصليهما مرة أو مرتين في الأسبوع كما تقدم بيانه قريبًا:
وقد روى عبد الواحد بن أيمن، قال: حدثني أبي؛ أنه سمع عائشة، قالت: والذي ذهب به! ما تركهما حتى لقي الله،
…
، فذكر الحديث، وفيه: وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصليهما، ولا يصليهما في المسجد، مخافة أن يُثقِل على أمته، وكان يحب ما يخفف عنهم.
أخرجه البخاري (590)، ويأتي ذكره قريبًا.
7 -
ورواه جرير بن عبد الحميد [كوفي، ثقة]، وخالد بن عبد الله الواسطي [ثقة ثبت]: عن مغيرة بن مقسم الضبي، عن إبراهيم النخعي، عن الأسود، قالت عائشة:[أيُضرَبُ عليهما؟!]، ما دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلاة العصر إلا صلاهما.
أخرجه النسائي في المجتبى (1/ 281/ 575)، وفي الكبرى (2/ 217/ 1566)، وابن حبان (4/ 439/ 1572)، [التحفة (11/ 157/ 15978)، الإتحاف (16/ 1019/ 21534)، المسند المصنف (37/ 207/ 17837)].
وهذا حديث صحيح؛ ومغيرة بن مقسم الضبي الكوفي: ثقة متقن، إلا أنه كان يدلس عن إبراهيم، وهو وإن كان أكثر حديثه عن إبراهيم مدخولًا، وقال أحمد بأن عامة ما رواه عن إبراهيم إنما سمعه من غيره؛ فإنه قد سمع طائفة لا بأس بها من حديث إبراهيم تقرب من مائتي حديث، ولا يبعد أن يكون هذا منها، لا سيما وقد توبع عليه [انظر: التهذيب (4/ 138)، تحفة التحصيل (313)]، فقد رواه عن الأسود بن يزيد: ابنه عبد الرحمن، وأبو إسحاق السبيعي.
8 -
خالف هؤلاء في متن الحديث؛ فوهم فيه وهمًا قبيحًا، وزاد فيه زيادة باطلة:
قال الدارقطني في العلل (14/ 271/ 3619): "وخالفهما عبيدة بن معتب -وكان ضعيفًا-، فرواه عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها بعد العصر فصلى ركعتين، فقلت: يا رسول الله! أُحدِّثُ الناسَ؟ قال: "لا، إن بلالًا عجل الإقامة، فلم أُصلِّ الركعتين قبل العصر، فأنا أقضيهما الآن"، قلت: يا رسول الله! أفنقضيهما إذا فاتتنا؟ قال: "لا"".
قال الدارقطني: "ولا أعلم أتى بهذا اللفظ سوى عبيدة بن معتب، وهو: ضعيف، لا تقوم به حجة".
9 -
وروى معمر بن راشد، عن ابن طاووس، عن أبيه، عن عائشة، أنها قالت: لم يدع رسول الله صلى الله عليه وسلم الركعتين بعد العصر، قال: فقالت عائشة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تتحروا طلوع الشمس، ولا غروبها؛ فتصلوا عند ذلك".
أخرجه مسلم (833/ 296)، وأبو نعيم في مستخرجه عليه (2/ 425/ 1879)، وأحمد (6/ 200)، والبزار (18/ 231/ 246)، وأبو العباس السراج في مسنده (1527)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (2321 م)، [التحفة (11/ 231/ 16160)، الإتحاف (16/ 1122/ 21743)، المسند المصنف (37/ 61/ 17739)].
10 -
ورواه بهز بن أسد، وموسى بن إسماعيل، والفضل بن عنبسة، ويحيى بن إسحاق، وعفان بن مسلم، ومسلم بن إبراهيم، وحبان بن هلال، ويحيى بن حسان التنيسي، وأبو هشام المغيرة بن سلمة المخزومي، وأحمد بن إسحاق الحضرمي [وهم ثقات، أكثرهم حفاظ]، ومحمد بن موسى بن أبي نعيم الواسطي [ضعيف، كثير الأوهام والمناكير. راجع: فضل الرحيم (5/ 331/ 443)]:
حدثنا وهيب: حدثنا عبد الله بن طاووس، عن أبيه، عن عائشة؛ أنها قالت: وهِم عمر؛ إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُتحرَّى طلوعُ الشمس، وغروبها.
أخرجه مسلم (833/ 295)، وأبو عوانة (1/ 319/ 1134 - 1136)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 425/ 1878)، والنسائي في المجتبى (1/ 278/ 570)، وفي الكبرى (1/ 223/ 369) و (2/ 214/ 1559)، وأحمد (6/ 124 و 255)، وإسحاق بن راهويه (3/ 644/ 1231)، وأبو العباس السراج في مسنده (1522 و 1524 - 1526)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (2284 و 2286 - 2290 و و 2321)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 389/ 1087)، والطحاوي (1/ 152)، والبيهقي (2/ 453)، وابن عبد البر في التمهيد (13/ 32)، [التحفة (11/ 230/ 16158)، الإتحاف (16/ 1122/ 21743)، المسند المصنف (37/ 61/ 17739)].
يعني: أنها تنكر على عمر ضرب الناس على صلاة ركعتين بعد العصر.
قال البيهقي: "وإنما قالت ذلك، والله أعلم؛ لأنها رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الركعتين بعد العصر، وكانتا مما ثبت عنها، وعن أم سلمة قضاءً، وكان صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملًا أثبته، فأما النهي فهو عن النبي صلى الله عليه وسلم ثابت من جهة عمر وغيره، كما تقدم".
* فإن قيل: ومع كون مسلم أخرج هذا الحديث في صحيحه، فقد ذكر بعض الأئمة أن طاووسًا لم يسمع من عائشة، قال عباس الدوري:"قيل ليحيى بن معين: سمع طاووس من عائشة؟ فلم يقل في ذلك شيئًا"، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل:"سألت يحيى [يعني: ابن معين]: هل سمع طاووس من أبي موسى الأشعري؟ فقال: نعم، قال طاووس: سمعت أبا موسى. قلت ليحيى: سمع من عائشة شيئًا؟ قال: لا أراه، وقد سمع من ابن عباس، وابن عمر، وأبي موسى، يعني طاووسًا"، كذا في العلل، واختصره ابن
أبي حاتم في المراسيل: "قلت ليحيى بن معين: سمع طاووس من عائشة رضي الله عنها شيئًا؟ قال: لا أراه"، وقال الآجري عن أبي داود:"ما أعلمه سمع من عائشة، وسمع من أبي موسى"، وقال علي بن المديني:"طاووس: لم يلق أبا موسى، ولا سمع من عائشة"[تاريخ الدوري (389)، العلل ومعرفة الرجال (3/ 18/ 3953)، المراسيل لابن أبي حاتم (352 و 353)، المعرفة والتاريخ (2/ 129)، إكمال مغلطاي (7/ 52)، تحفة التحصيل (157)، التهذيب (2/ 235)].
قلت: أما ابن معين وأبو داود فلم يجزما بعدم السماع، وإنما جزم به ابن المديني، وقد خالفاه في ثبوت سماع طاووس من أبي موسى، ولم أقف في الأسانيد على شيء يعتمد عليه في إثبات السماع من عائشة.
ويمكن أن يقال: هذا النفي محمول على نفي السماع وحده دون الإدراك، مع ثبوت المعاصرة وإمكان اللقاء، وهذا كافٍ عند مسلم على مذهبه، لا سيما مع ثبوت الرواية بالمتابعات والشواهد، وكلام أبي حاتم يدل على أن طاووسًا قد أدرك عائشة، قال أبو حاتم:"طاووس: لم يسمع من عثمان شيئًا، وقد أدرك"، قال ابن أبي حاتم:"يعني: زمن عثمان؛ لأنه قديم"[المراسيل (355)]، وقد تأخرت وفاة عائشة عن عثمان بما يزيد على عشرين سنة.
وعدم ثبوت السماع في هذا لا يضر شيئًا؛ فإن هذا مروي عن عائشة في الركعتين بعد العصر من طرق كثيرة مضى بعضها، ويأتي البعض الآخر، وفي الصحيح منها خمسة، وقد أخرج مسلم بعده أربعة طرق تشهد له في الركعتين بعد العصر، وأما النهي عن تحري الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها:
فقد روى حبيب المعلم، عن عطاء، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها؛ أن ناسًا طافوا بالبيت بعد صلاة الصبح، ثم قعدوا إلى المذكِّر حتى إذا طلعت الشمس قاموا يصلون، فقالت عائشة رضي الله عنها: قعدوا حتى إذا كانت الساعة التي تُكره فيها الصلاة قاموا يصلون.
أخرجه البخاري (1628)، ويأتي تخريجه قريبًا بعد الفراغ من طرق حديث عائشة.
قال البيهقي: "وكانت عائشة رضي الله عنها أباحت ركعتي الطواف بعد صلاة الفجر، وكرهتهما عند طلوع الشمس، والله أعلم".
وروى شعبة، عن المقدام بن شريح، عن أبيه، قال: سألت عائشة عن الصلاة بعد العصر؟ فقالت: صلِّ؛ إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم قومَك أهلَ اليمن عن الصلاة إذا طلعت الشمس.
وهذا حديث صحيح، يأتي تخريجه برقم (25)، في طرق حديث عائشة هذا.
كذلك فقد صحت أحاديث في النهي عن تحري الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها، منها: حديث ابن عمر المتفق عليه، ويأتي ذكرها قريبًا بعد الفراغ من ذكر طرق حديث عائشة.
ومن ثم فلم يعُد اعتماد مسلم على حديث طاووس بمفرده، وإنما أخرجه في جملة ما يشهد له، والله أعلم.
[وانظر فيمن رواه عن طاووس فأرسله: ما أخرجه عبد الرزاق (3952 م)].
11 -
أبو نعيم، قال: حدثنا عبد الواحد بن أيمن، قال: حدثني أبي؛ أنه سمع عائشة، قالت: والذي ذهب به! ما تركهما حتى لقي الله، وما لقي الله تعالى حتى ثَقُل عن الصلاة، وكان يصلي كثيرًا من صلاته قاعدًا -تعني: الركعتين بعد العصر-، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصليهما، ولا يصليهما في المسجد، مخافة أن يُثقِّلَ على أمته، وكان يحب ما يخفف عنهم. لفظه عند البخاري.
ولفظ أحمد: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي كثيرًا من صلاته وهو جالس.
ووقع تفصيل القصة بأكثر من هذا بأسانيد صحيحة إلى أبي نعيم به، قال أيمن عن عائشة؛ أنه دخل عليها يسألها عن ركعتين بعد العصر؟ فقالت: والذي هو ذهب بنفسه تعني: النبي صلى الله عليه وسلم؛ ما تركهما حتى لقي الله عز وجل وما لقي الله عز وجل حتى ثقُلَ عن الصلاة، وكان يصلي كثيرًا من صلاته وهو قاعد، فقال أيمن لها: إن عمر بن الخطاب كان ينهى عنهما؟ قالت: صدقتَ، ولكنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان يصليهما، ولا يصليهما في المسجد مخافةَ أن يُثقِّلَ على أمته، وكان يحب ما خفف عليهم [عند إسحاق، وأبي علي الرفاء، واللفظ له، وهو كذلك بنحوه عند الإسماعيلي في مستخرجه، والبيهقي، لكن وقع عند الطبراني بذكر عثمان بدل عمر، وهو خطأ، وانظر: الفتح لابن رجب (3/ 296)].
أخرجه البخاري (590)، وأحمد (6/ 114)، وإسحاق بن راهويه (3/ 697/ 1298)، وأبو علي الرفاء في فوائده (236)، والطبراني في الأوسط (4/ 119/ 3762)، وابن حزم في المحلى (2/ 273)، والبيهقي (2/ 458)، [التحفة (11/ 182/ 10642)، الإتحاف (16/ 1055/ 21609)، المسند المصنف (37/ 211/ 17845)].
12 -
وروى عبيدة بن حميد: حدثني عبد العزيز بن رفيع، قال: رأيت عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما يطوف بعد الفجر ويصلي ركعتين.
قال عبد العزيز: ورأيت عبد الله بن الزبير يصلي ركعتين بعد العصر، ويخبر أن عائشة رضي الله عنها حدثته؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل بيتها إلا صلاهما.
أخرجه البخاري (1630 و 1631)، وأبو عوانة (2/ 7/ 2112)، وأبو العباس السراج في مسنده (1549)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (2346)، والفاكهي في أخبار مكة (1/ 258/ 498)، والدارقطني في الأفراد (2/ 431/ 6057 - أطرافه)، والبيهقي (2/ 458 و 462)، والخطيب في تاريخ بغداد (10/ 268)، [التحفة (11/ 247/ 16191)، المسند المصنف (37/ 211/ 17844)].
[وله إسناد آخر عن ابن الزبير موقوفًا عليه، وفي سنده اختلاف][أخرجه عبد الرزاق (2/ 3979/434)، وابن أبي شيبة (2/ 134/ 7351)].
* وروي عنه من وجه آخر مطولًا، وفيه قصة مناظرة أبي سعيد لعائشة: أخرجه عبد الرزاق (2/ 429/ 3962)، وإسحاق بن راهويه (2/ 90/ 555)، وأبو إسماعيل الهروي في ذم الكلام (277) [وراويه عن أبي سعيد: أبو هارون عمارة بن جوين العبدي البصري: متروك، كذبه جماعة. التهذيب (3/ 207)].
13 -
وروى عبد الرحمن بن مهدي: نا معاوية بن صالح، عن عبد الله بن أبي قيس، قال: سألتُ عائشة عن الركعتين بعد العصر؟ فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين بعد الظهر، فشُغِل عنهما حتى صلى العصر، فلما فرغ ركعهما في بيتي، فما تركهما حتى مات.
قال عبد الله بن أبي قيس: فسألت أبا هريرة عنه؟ قال: قد كنا نفعله ثم تركناه.
أخرجه أحمد (6/ 188)، وإسحاق بن راهويه (3/ 957/ 1668 و 1669)، وأبو العباس السراج في مسنده (1547)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (2343 و 2344)، [الإتحاف (17/ 69/ 21889)، المسند المصنف (37/ 210/ 17843)].
* وهذا طرف من حديث طويل في قصة سؤال عبد الله بن أبي قيس لعائشة، وسوف يأتي بتمامه في بعض طرقه، ومن أطرافه:
* ما رواه عبد الرحمن بن مهدي، وعبد الله بن وهب، وأبو صالح عبد الله بن صالح: عن معاوية بن صالح، عن عبد الله بن أبي قيس، أنه سمع عائشة تقول: كان أحبَّ الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومَه شعبانُ، ثم يصله برمضان.
أخرجه أبو داود (2431)، والنسائي في المجتبى (4/ 199/ 2350)، وفي الكبرى (3/ 175/ 2671) و (3/ 254/ 2922)، وابن خزيمة (3/ 282/ 2077)، والحاكم (1/ 434)(2/ 339/ 1601 - ط. الميمان)، وأحمد (6/ 188)، وجعفر الفريابي في الصيام (13)، والطبراني في مسند الشاميين (3/ 123/ 1919)، وأبو طاهر المخلص في الحادي عشر من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (134)(2639 - المخلصيات)، والبيهقي في السنن (4/ 292)، وفي فضائل الأوقات (19)، وفي الشعب (3/ 377/ 3818)، وابن عبد البر في التمهيد (2/ 41)، والبغوي في شرح السنة (6/ 330/ 1779)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (32/ 121)، [التحفة (11/ 282/ 16280)، الإتحاف (17/ 66/ 21882)، المسند المصنف (37/ 575/ 18086)].
قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه".
قلت: بل هو على شرط مسلم وحده [مسلم (307)، راجع الحديث السابق برقم (226)، التحفة (11/ 281/ 16279)].
* وما رواه عبد الرحمن بن مهدي، وأبو صالح عبد الله بن صالح:
عن معاوية بن صالح، عن عبد الله بن أبي قيس، قال: سمعت عائشة رضي الله عنها، تقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحفَّظ من [هلال] شعبان ما لا يتحفَّظ من غيره، ثم يصوم لرؤية رمضان، فإن غُمَّ عليه عدَّ ثلاثين يومًا، ثم صام.
أخرجه أبو داود (2325)، وابن خزيمة (3/ 203/ 1910)، وابن حبان (8/ 228/ 3444)، والحاكم (1/ 423)(2/ 315/ 1554 - ط. الميمان)، وأحمد (6/ 149)، وإسحاق بن راهويه (3/ 960/ 1675)، وأبو بكر النيسابوري في الزيادات على المزني (193)، والطبراني في مسند الشاميين (3/ 124/ 1921)، وابن المقرئ في المعجم (1027)، والدارقطني (2/ 156 - 157)، والبيهقي (4/ 206)، وابن عبد البر في التمهيد (14/ 353)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 75/ 1064)، [التحفة (11/ 283/ 16283)، الإتحاف (17/ 65/ 21881) و (17/ 69/ 21889)، المسند المصنف (37/ 444/ 18019)].
قال الدارقطني: "هذا إسناد حسن صحيح".
وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، فقد حدث ابن وهب وغيره عن معاوية بن صالح، ولم يخرجاه".
قلت: بل هو على شرط مسلم وحده، كما تقدم.
* وما رواه عبد الرحمن بن مهدي: ثنا معاوية بن صالح، عن عبد الله بن أبي قيس؛ أنه سأل عائشة عن الوصال؟ فقالت: استأذن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أصحابُه في الوصال، فقال:"واصِلوا"، فصام عقب الشهر يومًا وليلةً ويومًا -يعني: يومين وليلة-، ثم رأى الهلال منذ بدء النهار، فقال لأصحابه كالمنكل:"أما إنكم لو زدتم لزدت".
أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (3/ 123/ 1920).
* وما رواه أسد بن موسى، قال: ثنا معاوية -يعني: ابن صالح-، عن عبد الله بن أبي قيس، قال: بُعِثت إلى عائشة أسألها عن صيام رمضان إذا خفي الهلال، وعن الصلاة بعد العصر، فدخلت على عائشة فقلت: إن فلانًا يقرأ عليك السلام، بعثني إليك أسألك عن الصلاة بعد العصر، وعن الوصال، وعن الصيام في شهر رمضان، فذكر بعض الحديث قال: قالت: وكان يتحفَّظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره، ثم يصوم لرؤية رمضان، فإن غُمَّ عليه عدَّ ثلاثين، ثم صام؛ تعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخرجه ابن الجارود (377).
* قلت: قد رواه عن معاوية بن صالح: جماعة من الثقات، أثبتهم: عبد الرحمن بن مهدي، الإمام الثبت الحافظ الناقد، ومعاوية بن صالح؛ هو الحضرمي الحمصي: صدوق، له إفرادات وغرائب وأوهام، ولأجل ذلك تكلم فيه من تكلم، والأكثر على توثيقه، وقد أكثر عنه مسلم، لكن أكثره في المتابعات والشواهد [راجع: فضل الرحيم الودود (7/ 358/ 666)].
وموضع الشاهد من حديث معاوية بن صالح عن عبد الله بن أبي قيس: في قصة الركعتين بعد الظهر لما شُغل عنهما فصلاهما بعد العصر، فإنه من مسند أم سلمة، وقد أخبرت بذلك عائشة، فلا حرج أن تروي عائشة ما سمعته من أم سلمة دون أن تذكر ثبتها
فيه، لكن قوله في هذا الحديث: فلما فرغ ركعهما في بيتي، فما تركهما حتى مات، فهو وهم في أوله، متابع في آخره؛ إذ إن الثابت مما تقدم في الصحيحين وغيرهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما صلاهما لأول مرة قضاء في بيت أم سلمة، لا في بيت عائشة، وإنما داوم عليهما في بيت عائشة، فقد صح عنها أنها قالت: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد العصر عندي قط [حتى توفاه الله][وفي رواية: حتى فارق الدنيا].
وقالت: والذي ذهب به! ما تركهما حتى لقي الله، وقالت أيضًا: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندي في يومٍ إلا صلى ركعتين بعد العصر.
وأما بقية أطرافه فهو متابع عليها في الجملة.
14 -
ورواه بقية بن الوليد [حمصي، صدوق]: حدثني محمد بن زياد الألهاني [حمصي، ثقة، روى له البخاري]، عن عبد الله بن أبي قيس، قال: سألتُ عائشة عن الركعتين بعد العصر؟ فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما في الهاجرة، فسهى عنهما حتى صلى العصر، ثم ذكر فصلاهما.
وفي رواية: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركعهما قبل صلاة الهاجرة، فسهى عنهما، فذكرهما بعد العصر فركعهما، فلم يركعهما قبلها ولا بعدها.
أخرجه إسحاق بن راهويه (3/ 958/ 1670)، وعنه: أبو العباس السراج في مسنده (1548)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (2345)، والطبراني في مسند الشاميين (2/ 21/ 847).
قال ابن رجب في الفتح (3/ 299): "وهذا إسناد جيد".
قلت: الحديث باللفظ الثاني وهم، ويحتمل أن يكون من شيخ الطبراني الحسين بن السميدع [وثقه الخطيب. تاريخ بغداد (8/ 51)]، وفي بقية الروايات عن بقية، وعن محمد بن زياد الألهاني: أن هاتين الركعتين إنما صلاهما عن ركعتين بعد الظهر، كما سيأتي، كذلك فإن قوله في هذه الرواية: فلم يركعهما قبلها ولا بعدها: زيادة شاذة، كما سيأتي بيانه.
* ورواه بقية بن الوليد [حمصي، صدوق]، ومحمد بن حرب الخولاني [حمصي، ثقة]:
قال بقية: حدثني محمد بن زياد الألهاني، عن عبد الله بن أبي قيس، قال: سألت عائشة عن ذراري المؤمنين، وذراري المشركين؟ فقالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذراري المؤمنين؟ فقال: "هم مع آبائهما" فقلت: بلا عمل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الله أعلم بما كانوا عاملين"، وسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذراري المشركين؟ فقال:"هم مع آبائهم"، قلت: بلا عمل؟ قال: "الله أعلم بما كانوا عاملين". لفظ بقية عند إسحاق.
أخرجه أبو داود (4712)، وإسحاق بن راهويه (3/ 958/ 1671)، وحرب الكرماني في مسائله (350 - ط. السلامة)، وجعفر الفريابي في القدر (170)، والآجري في الشريعة
405 -
، والطبراني في مسند الشاميين (2/ 20/ 843)، واللالكائي في أصول الاعتقاد (4/ 675/ 1091)، والبيهقي في القضاء والقدر (615)، [التحفة (11/ 283/ 16284)، المسند المصنف (36/ 352/ 17520)].
وقد عرَّض ابن عبد البر بتضعيفه فقال في الاستذكار (3/ 112): "وقد روي هذا الحديث عن عائشة أيضًا من وجهين غير هذا، هما أضعف من هذا".
* وروياه أيضًا: بقية، ومحمد بن حرب؛ بنفس إسناده بطرف آخر فيه قصة، وفيه: وسألتها عن الصيام، والوصال فيه؟ فقالت: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال في الصيام.
أخرجه أحمد (6/ 89 و 93)، وإسحاق بن راهويه (2/ 464/ 1036) و (3/ 779/ 1407) و (3/ 959/ 1673)، وجعفر الفريابي في الصيام (30 و 31)، وأبو يعلى (8/ 11/ 4513)، والمحاملي في الأمالي (113)، والطبراني في مسند الشاميين (2/ 21/ 844 و 845)، [الإتحاف (17/ 68/ 21887)، المسند المصنف (37/ 452/ 18027)].
* ورواه إسماعيل بن عياش [حمصي، صدوق في روايته عن أهل بلده، وهذه منها]، عن محمد بن زياد الألهاني، عن أبي الأسود عبد الله بن أبي قيس، قال: سألت عائشة عن ذرية المؤمنين وذرية المشركين، وعن ركعتي العصر؟ فقالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال: "ذرية المؤمنين مع آبائهم"، قال: قلت: بلا عمل؟ قال: "الله أعلم بما كانوا عاملين"، قلت: ذرية المشركين؟ قال: "مع آبائهم"، قلت: بلا عمل؟ قال: "الله أعلم بما كانوا عاملين"، وأما ركعتي العصر؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم شغلوه عن ركعتين كان يصليهما قبل العصر، فركعهما بعد العصر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن الوصال.
أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (32/ 122)، بإسناد رجاله ثقات؛ عدا ابن لؤلؤ، وفيه كلام يسير [اللسان (6/ 17)، تاريخ بغداد (12/ 89)].
وقد وهم راويه في قوله: كان يصليهما قبل العصر، والمحفوظ: بعد الظهر.
* ورواه أبو أيوب سليمان بن عبد الحميد البهراني، قال: ثنا خطاب بن عثمان، قال: ثنا ابن حمير، قال: ثنا محمد بن زياد، قال: ثنا أبو الأسود [هو: عبد الله بن أبي قيس]، قال: حججت مع مولاي عطية بن عازب، فلما كنا بالمدينة، قال لي: انطلق إلى أم المؤمنين، فأقرئها مني السلام، واسألها عن ذراري المشركين، وعن الصلاة بعد العصر؟
فأتيتها، فقالت: أما ذراري المشركين؛ فأنا سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"هم من آبائهم"، فقلت: بلا عمل؟ فقال: "الله أعلم بما كانوا عاملين".
وأما الصلاة بعد العصر، فإنه صلى الظهر فقعد في مجلسه الذي صلى فيه حتى أقام المؤذن لصلاة العصر فصلى العصر، فلم يتنفل بينهما، وصلى ركعتين بعد العصر، ولم يصلها قبلها ولا بعدها.
أخرجه الدولابي في الكنى (1/ 330/ 590).
قلت: محمد بن حمير بن أنيس السليحي الحمصي: لا بأس به.
وخطاب بن عثمان الفوزي الحمصي: روى عنه البخاري في الصحيح عن محمد بن حمير، ووثقه الدارقطني، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال:"ربما أخطا"[الجرح والتعديل (3/ 386)، الثقات (8/ 232)، سؤالات الحاكم (313)، تاريخ الإسلام (15/ 140)، التهذيب (544)].
وسليمان بن عبد الحميد بن رافع أبو أيوب البهراني الحمصي: صدوق، قاله ابن أبي حاتم، وروى عنه أبو داود وأبو عوانة وابن الجارود والبرديجي وابن صاعد وأبو زرعة الدمشقي وابن جرير الطبري، وغيرهم من الأئمة، وكتب عنه أبو حاتم، وكان صديقًا له، ووثقه مسلمة بن قاسم، وذكره ابن حبان في الثقات، ووصفه بحفظ الحديث، وخرج له في صحيحه، لكن قال فيه النسائي:"كذاب، ليس بثقة، ولا مأمون"، ولو كان كذلك لما خفي أمره على جماعة النقاد الذين احتملوه ورووا عنه [الجرح والتعديل (4/ 130)، الثقات (8/ 281)، تاريخ دمشق (22/ 342)، تاريخ الإسلام (6/ 339 - ط. الغرب)، إكمال مغلطاي (6/ 75)، التهذيب (2/ 101)].
قلت: فهذا إسناد لا بأس به.
وأما موضع الشاهد من حديث محمد بن زياد الألهاني عن عبد الله بن أبي قيس: في قصة الركعتين بعد الظهر لما شُغل عنهما فصلاهما بعد العصر، فقد سبق أن ذكرت أنه من مسند أم سلمة، وقد أخبرت بذلك عائشة، فلا حرج أن تروي عائشة ما سمعته من أم سلمة دون أن تذكر ثبتها فيه، وأما قوله فيه: ولم يصلها قبلها ولا بعدها؛ فإنما هو قول أم سلمة، أنه صلى الله عليه وسلم لم يصلهما في بيتها إلا مرة واحدة فقط، وأما عائشة فإنه صلى الله عليه وسلم ما دخل بيتها بعد ذلك إلا صلاهما حتى قبضه الله تعالى، ومن ثم فإن هذه اللفظة لا تثبت عن عائشة رضي الله تعالى عنها؛ إذ المحفوظ عنها خلاف ذلك كما تقدم بيانه في الطريق السابق.
وأما بقية أطرافه فهو متابع عليها في الجملة.
15 -
ورواه أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج [حمصي، ثقة]: حدثنا عتبة -يعني: ابن ضمرة بن حبيب-[حمصي، ثقة. سؤالات أبي داود (294)، معرفة الثقات (1201)، الجرح والتعديل (6/ 371)، التهذيب (3/ 51)]، قال: حدثني عبد الله بن أبي قيس مولى غُطَيف، أنه أتى عائشة أم المؤمنين، فسلم عليها، فقالت: من الرجل؟ قال: أنا عبد الله مولى غُطَيف بن عازب، فقالت: ابن عُفَيف؟ فقال: نعم، يا أم المؤمنين، فسألها عن الركعتين بعد صلاة العصر، أركعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت له: نعم.
وسألها عن ذراري الكفار؟ فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هم مع آبائهم"، فقلت: يا رسول الله! بلا عمل؟ قال: "الله عز وجل أعلم بما كانوا عاملين".
أخرجه أحمد (6/ 84)، والطبراني في مسند الشاميين (2/ 229/ 1240)، وابن بطة في الإبانة (4/ 81/ 1485)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 925/ 1543) [علل
الدارقطني (14/ 275/ 3619)، الإتحاف (17/ 69/ 21889) و (17/ 70/ 21892)، [المسند المصنف (36/ 352/ 17520)].
قال الطبراني: "لا أعلم عتبة بن ضمرة أسند غير هذا الحديث".
قلت: إسناده حمصي صحيح.
* وخالفه فوهم في إسناده: بقية بن الوليد: حدثني عتبة بن ضمرة بن حبيب: حدثني عبد الله بن أبي قيس، عن عازب بن مدرك، قال: سألت عائشة أم المؤمنين عن ذراري المشركين؟ فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "هم مع آبائهم"، فقلت: بلا عمل؟ فقال: "الله أعلم بما كانوا عاملين".
أخرجه إسحاق بن راهويه (3/ 959/ 1672).
قلت: عازب بن مدرك مدرج في هذا الإسناد، وفي قصة هذا الحديث أن عبد الله بن أبي قيس قد أرسله مولاه ليسأل عائشة، فلعل بقية أدرجه في الإسناد، وفي رواية أبي المغيرة: أن اسم مولاه غُطَيف بن عازب، وليس عازب بن مدرك.
16 -
ورواه محمد بن جعفر [غندر: ثقة، من أثبت الناس في شعبة، لزم شعبة عشرين سنة، وكتابه حكمٌ بين أصحابه]، قال: حدثنا شعبة، عن يزيد بن خمير [الرحبي الحمصي: ثقة]، قال: سمعت عبد الله بن أبي موسى، قال: أرسلني مدرك، أو ابن مدرك إلى عائشة أسألها عن أشياء، قال: فأتيتها، فإذا هي تصلي الضحى، فقلت: أقعد حتى تفرغ، فقالوا: هيهات، فقلت: لآذنها كيف أستأذن عليها؟ فقال: قل: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، السلام على أمهات المؤمنين، أو أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، السلام عليكم، قال: فدخلت عليها، فسألتها، فقالت: أخو عازب، نعم أهل البيت، فسألتها عن الوصال؟ فقالت: لما كان يوم أُحُد [قال ابن حجر: يعني: وعشرين] واصل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فشق عليهم، فلما رأوا الهلال، أخبروا النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"لو زاد لزدت"، فقيل له: إنك تفعل ذاك، أو شيئًا نحوه، قال:"إني لست مثلكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني".
وسألتها عن الركعتين بعد العصر؟ فقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلًا على الصدقة، قالت: فجاءته عند الظهر، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر، وشُغل في قسمته حتى صلى العصر، ثم صلاها.
وقالت: عليكم بقيام الليل، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يدعه، فإن مرض قرأ وهو قاعد، وقد عرفتُ أن أحدكم يقول: بحسبي أن أُقيم ما كُتب لي، وأنى له ذلك.
وسألتها عن اليوم الذي يختلف فيه من رمضان؟ فقالت: لأن أصوم يومًا من شعبان، أحب إليَّ من أن أفطر يومًا من رمضان، قال: فخرجت، فسألت ابن عمر، وأبا هريرة فكل واحد منهما، قال: أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أعلم بذاك منا.
أخرجه أحمد في المسند (6/ 125)[واللفظ له]. وفي العلل ومعرفة الرجال (2/ 287/
2284)، والحاكم (1/ 308)(2/ 77/ 1172 - ط. الميمان)، [الإتحاف (17/ 68/ 21886) و (17/ 69/ 21889 - 21891)، المسند المصنف (37/ 450/ 18026)].
* ورواه مختصرًا: أبو داود سليمان بن داود الطيالسي [ثقة حافظ، من أصحاب شعبة]، عن شعبة بن الحجاج، عن يزيد بن خمير، قال: سمعت عبد الله بن أبي موسى، يقول: قالت لي عائشة: لا تدع قيام الليل، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يدعه، وكان إذا مرض أو كسل صلى قاعدًا.
أخرجه الطيالسي (3/ 113/ 1622)، ومن طريقه: البخاري في الأدب المفرد (800)، وأبو داود (1307) [ووقع عنده: عبد الله بن أبي قيس]. وابن خزيمة (2/ 177/ 1137)، والحاكم (1/ 308)(2/ 77/ 1171 - ط. الميمان)، وأحمد (6/ 249)، وابن أبي الدنيا في التهجد (6)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 148/ 2560)، والبيهقي (3/ 14)، والخطيب في الموضح (2/ 199)، [التحفة (11/ 282/ 16281)، الإتحاف (17/ 68/ 21886)، المسند المصنف (37/ 450/ 18026)].
* وممن رواه عن شعبة به مختصرًا بطرف منه:
* معاذ بن معاذ العنبري [ثقة متقن]، عن شعبة به بطرف: لا تدع قيام الليل.
أخرجه ابن أبي الدنيا في التهجد (5).
* وروح بن عبادة [ثقة]، ويزيد بن هارون [ثقة متقن]، عن شعبة به بطرف: لأن أصوم يومًا من شعبان.
أخرجه البيهقي في السنن (4/ 211)، وفي المعرفة (3/ 349/ 2449).
قلت: وهذا إسناد صحيح، عبد الله بن أبي قيس الحمصي: ثقة، أخرج له مسلم، ووهم شعبة فسماه عبد الله بن أبي موسى.
قال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: "يزيد بن خمير: صالح الحديث، قال أبي: عبد الله بن أبي موسى هو خطأ، أخطأ فيه شعبة، هو عبد الله بن أبي قيس".
وقال أيضًا: "وإنما هو عبد الله بن أبي قيس، وهو الصواب، مولى لبني نصر بن معاوية"[وانظر أيضًا: العلل ومعرفة الرجال (2/ 563/ 3659 و 3660)].
وقال أبو داود: "سمعت أحمد بن حنبل ذكر حديث شعبة عن يزيد بن خمير عن عبد الله بن أبي موسى عن عائشة: لأن أصوم يومًا من شعبان أحب إلي من أن أفطر يومًا من رمضان؟ فقال: أخطأ فيه شعبة؛ إنما هو عبد الله بن أبي قيس، روى عنه معاوية بن صالح، ومحمد بن زياد الألهاني"[مسائل أحمد (2015)].
وقال البخاري: "عبد الله بن أبي قيس الشامي: سمع عائشة رضي الله عنها، سمع منه معاوية بن صالح، وقال شعبة: عن يزيد بن خمير، عن عبد الله بن أبي موسى"[التاريخ الكبير (5/ 172)].
وقال ابن أبي حاتم: "سألت أبي عن حديث رواه شعبة، عن يزيد بن خمير، عن
عبد الله بن أبي موسى، قال: قالت عائشة: لا تدع قيام الليل، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يدع قيام الليل، وكان إذا شغله أمر أو مرض صلى قاعدًا؟
قال أبي: هذا خطأ، وهم فيه شعبة، إنما هو يزيد بن خمير، عن عبد الله بن أبي قيس عن عائشة" [علل الحديث لابن أبي حاتم (242)][وكذا قال في الجرح والتعديل (5/ 140)].
وقال ابن خزيمة: "هذا الشيخ عبد الله، هو عندي الذي يقول له المصريون والشاميون: عبد الله بن أبي قيس، روى عنه معاوية بن صالح أخبارًا".
وقال الدارقطني في العلل (14/ 275/ 3619): "ورواه شعبة، عن يزيد بن خمير، فقال: عن عبد الله بن أبي موسى، وإنما هو: عبد الله بن أبي قيس، نحو قول أبي المغيرة".
وقال البيهقي: "كذا قال شعبة عن يزيد بن خمير، وقال معاوية بن صالح: عبد الله بن أبي قيس، وهو أصح".
[انظر: علل الدارقطني (14/ 275/ 3619)، موضح أوهام الجمع (2/ 199)، تاريخ دمشق (32/ 121)، تاريخ الإسلام (6/ 404)، التعجيل (593)، التهذيب (2/ 407)].
* قال ابن رجب في الفتح (3/ 299): "وحديث عائشة هذا يدل على أنه إنما فعلهما في هذه المرة؛ ولذلك لم تأمر السائل بفعهلما، وإنما عدلت إلى أمره بقيام الليل، مع أنه لم يسأل عنه، وأخبرت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يدعه، وهذا يشعر بأن الصلاة بعد العصر بخلاف ذلك".
قلت: قد صح عن عائشة من طرق صحيحة مستفيضة أن النبي صلى الله عليه وسلم ما دخل بيتها يومًا قط إلا صلى بعد العصر ركعتين حتى توفاه الله، وإنما يحمل جواب عائشة في هذا الموضع أنها روت ما سمعت من أم سلمة، في قصة قضاء ركعتي الظهر البعدية حين صلاها بعد العصر في بيتها مرة واحدة، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم داوم على فعلها في بيت عائشة، على ما سبق تقريره مرارًا، بما لا يدع مجالًا للشك، وأما توجيه عائشة للسائل إلى قيام الليل مع كونه لم يسأل عنه؛ فهذا من حكيم تصرفها، وفقهها، ومراعاتها حال السائل، والله أعلم.
17 -
ورواه خطاب بن سعد الخير [مجهول. تاريخ دمشق (16/ 455)، تاريخ الإسلام (21/ 170)]: ثنا نصر، ثنا أبي، ثنا عبد الله بن أبي قيس، قال: أرسلني مولاي عطية بن الحارث إلى عائشة أم المؤمنين أسألها عن الوصال في الصيام، وعن الركعتين بعد العصر، وعن أولاد المشركين؟ فأتيتها، فقلت: السلام عليك يا أم المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فقالت: وعليك، من أنت؟ قلت: أنا عبد الله بن أبي قيس، أرسلني مولاي عطية بن الحارث، قالت: ابن عفيف جارنا بالطائف؟ قلت: نعم، قالت: ما فعل سعيد بن قيس الأرمني عليه لعنة الله؟ قلت: هلك يا أم المؤمنين، قالت: أستغفر الله ثلاثًا، قلت: ما بالكِ لعنتِه حين ذكرتُه، واستغفرتِ الله حين أخبرتُك بموته؟ قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم-
ينهانا أن نلعن موتانا، قلت: يا أم المؤمنين! أولاد المشركين؟ قالت: في النار، سألَتْ خديجةُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن أولادها في الجاهلية؟ فقال:"في النار"، فقالت: يا رسول الله! بلا عمل؟ قال: "الله أعلم بما كانوا عاملين"، قلت: فهل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواصل؟ فقالت: قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تواصل فنواصل؟ فسكت عنهم، ثم عاودوه فسكت عنهم، ثم عاودوه فأصبح صائمًا، ثم أصبح صائمًا، ثم أصبح صائمًا، فرأى الهلال نهارًا، فقال:"والدي نفس محمد بيده لو زاد لزدتُ، لكي أنكلهم"، قلت: فالركعتين بعد العصر؟ قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة العصر دخل إلى بعض حجر نسائه، فأُلقي له حصير أو خمرة فركع ركعتين.
أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (2/ 399/ 1576).
قلت: هذا حديث منكر بهذا السياق، تفرد به عن عبد الله بن أبي قيس: محمد بن سليمان بن أبي ضمرة الحمصي: قال أبو حاتم: "حدثنا الوحاظي عنه بأحاديث مستقيمة"، وذكره ابن حبان في الثقات [الجرح والتعديل (7/ 268)، التهذيب (3/ 579)]، قلت: ولكن الراوي عنه هنا: ابنه نصر بن محمد بن سليمان بن أبي ضمرة الحمصي، وهو: ضعيف جدًا، شبه المتروك، قال أبو حاتم:"أدركته ولم أكتب عنه، وهو ضعيف الحديث، لا يصدق"، وسأل البرذعي أبا زرعة الرازي عنه فقال:"لستُ أُحدث عنه"، قال البرذعي:"وأَمرَنا أن نضرب على حديثه جملة"، وذكره ابن حبان في الثقات [الجرح والتعديل (8/ 471)، سؤالات البرذعي (2/ 705)، الثقات (9/ 217)، تاريخ الإسلام (18/ 509)، التهذيب (4/ 220)].
18 -
خالفهم: راشد بن سعد [حمصي تابعي ثقة]، فرواه عن أبي الأسود عبد الله بن قيس؛ أن عطية بن عازب أرسله إلى أم المؤمنين عائشة، يسألها عن ثلاث خصال، فقالت: من عطية، وأهدى هديه، فقالت: ابن عفيف؟ قال: نعم، أمرني أن أسألك عن وصال النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: كان يصوم يومًا وليلتَه، وسألها عن صيامه؟ قالت: كان لَيَصِلُ شعبان برمضان، وسألها عن ركعتين بعد العصر؟ فنهت عنها.
أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (2/ 1058/135)، قال: حدثنا القاسم بن الليث أبو صالح الراسبي [هو الرسعني، من شيوخ النسائي: ثقة]: ثنا موسى بن مروان الرقي [البغدادي، سكن الرقة: ذكره ابن حبان في الثقات، وروى عنه أبو حاتم وأبو داود وجماعة من الأئمة والثقات. التهذيب (4/ 187)، الجرح والتعديل (8/ 164 و 165)، تاريخ بغداد (13/ 41)، تاريخ دمشق (61/ 209)]: ثنا يحيى بن سعيد القطان [كذا]: ثنا راشد به.
* لكن رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (32/ 122)، على الصواب؛ بإسناد صحيح إلى: سليمان بن أحمد [الطبراني]: نا القاسم بن الليث أبو صالح الراسبي: نا موسى بن مروان الرقي: نا يحيى بن سعيد العطار: نبأ حريز بن عثمان، عن راشد بن سعد، عن أبي
الأسود عبد الله بن أبي قيس؛ أن عطية بن عازب أرسله إلى أم المؤمنين عائشة يسألها عن ثلاث خصال، وقرأ عليه السلام من عطية، وأهدى هديةً، فقالت: ابن عُفَيف؟ قال: نعم، أمرني أن أسألك عن وصال النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: كان يصوم يومًا وليلةً، وسألها عن صيامه؟ فقالت: كان يصل شعبان برمضان، وسألها عن ركعتين بعد العصر؟ فنهت عنهما.
قلت: هو حديث منكر بهذا السياق؛ لتفرد يحيى بن سعيد العطار الحمصي به [وقد تحرف في مطبوعة مسند الشاميين: العطار إلى القطان، وسقط من إسناده: حريز بن عثمان، وهو: حمصي ثقة ثبت]، ويحيى بن سعيد هذا: ضعيف، روى أحاديث منكرة [التهذيب (4/ 359)، الميزان (4/ 379)، الجرح والتعديل (9/ 152)، الكامل (7/ 193)].
* ولحديث عبد الله بن أبي قيس عن عائشة طرق أخرى لم تشتمل على موضع الشاهد، فلم أذكرها: انظر: التاريخ الكبير (1/ 98)، الكنى والأسماء للدولابي (1/ 330 - 331/ 591) و (2/ 679/ 1195)، تاريخ دمشق (53/ 124).
* والحاصل: فإن حديث عبد الله بن أبي قيس عن عائشة: قد رواه عنه جماعة من الثقات، واختلفت ألفاظهم فيه، وهو حديث صحيح بمجموع أطرافه في الجملة، دون ما حكمت عليه بالشذوذ والوهم والنكارة، وسيأتي تفصيل الكلام على أطرافه كل في موضعه من السنن، وأما موضع الشاهد منه هنا فقد رواه من الثقات:
* معاوية بن صالح، عن عبد الله بن أبي قيس، قال: سألتُ عائشة عن الركعتين بعد العصر؟ فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين بعد الظهر، فشُغِل عنهما حتى صلى العصر، فلما فرغ ركعهما في بيتي، فما تركهما حتى مات.
قال عبد الله بن أبي قيس: فسألت أبا هريرة عنه؟ قال: قد كنا نفعله ثم تركناه.
قلت: وهذا على شرط مسلم [مسلم (307)، راجع الحديث السابق برقم (226)، التحفة (11/ 16279/281)]، لكن وهم فيه معاوية بن صالح، في قوله: فلما فرغ ركعهما في بيتي، وإنما ركعهما في بيت أم سلمة، وقد سبق بيان ذلك في موضعه، ويأتي أيضًا.
* محمد بن زياد الألهاني [حمصي، ثقة، روى له البخاري]، عن عبد الله بن أبي قيس، قال: سألتُ عائشة عن الركعتين بعد العصر؟ فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما في الهاجرة، فسهى عنهما حتى صلى العصر، ثم ذكر فصلاهما.
* عتبة بن ضمرة بن حبيب [حمصي ثقة]، قال: حدثني عبد الله بن أبي قيس مولى غُطَيف، أنه أتى عائشة أم المؤمنين، فسلم عليها، فقالت: من الرجل؟ قال: أنا عبد الله مولى غُطَيف بن عازب، فقالت: ابن عُفَيف؟ فقال: نعم، يا أم المؤمنين، فسألها عن الركعتين بعد صلاة العصر، أركعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت له: نعم.
وهذه الرواية لا معارضة فيها لما صح من طرق الحديث عن عائشة.
* يزيد بن خمير [الرحبي الحمصي: ثقة]، قال: سمعت عبد الله بن أبي موسى،
قال: أرسلني مدرك، أو ابن مدرك إلى عائشة أسألها عن أشياء،
…
فذكر الحديث بطوله، إلى أن قال: وسألتها عن الركعتين بعد العصر؟ فقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلًا على الصدقة، قالت: فجاءته عند الظهر، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر، وشُغل في قسمته حتى صلى العصر، ثم صلاها.
وهذا محمول على أن عائشة روت ما أخبرتها به أم سلمة، دون أن تذكر أم سلمة، وقد كانت عائشة إذا سئلت عن قضاء النبي صلى الله عليه وسلم ركعتي الظهر البعدية فصلاهما بعد العصر؛ تحيل فيه على أم سلمة، كما صح ذلك في حديث الباب، فلا حرج أن ترويه عائشة بعد ذلك وترسله؛ لأن مراسيل الصحابة مقبولة، لكن لا يحفظ عنها في ذلك أنه صلاهما لأول مرة في بيتها هي، ولكنه داوم عليهما في بيتها بعد ذلك، هكذا يمكن الجمع بين الأحاديث دون الحاجة إلى توهيم الرواة في ذلك، والله أعلم.
وهذا بخلاف ما ذهبتُ إليه في طرق حديث أبي سلمة عن أم سلمة، لاتحاد المخرج هناك، والله أعلم.
وفي النهاية يمكن القول بأن عبد الله بن أبي قيس الحمصي لم يكن من أصحاب عائشة المكثرين عنها، وإنما ورد عليها مرة واحدة فسألها في مسائل، ثم انطلق إلى بلده، فربما أجابته عائشة بما يصلح له، مراعاة لحاله، فاختصرت له ما يمكن اختصاره من المسائل دون الخوض في تفاصيل ما وقع في شأن ركعتي العصر، وهذا عندي كالمتشابه الذي يرد إلى المحكم من رواية الثقات الأثبات المكثرين عن عائشة، مثل: ابن أختها عروة بن الزبير، وكذا عبد الله بن الزبير، ومسروق، والأسود بن يزيد، وكريب، وأبي سلمة، وجماعة غيرهم من الثقات، والله أعلم.
19 -
وروى إسرائيل بن أبي إسحاق، وأبو عوانة، وخالد بن عبد الله الواسطي [وهم ثقات أثبات]:
عن المغيرة، عن أم موسى، قالت: سألت عائشة عن الركعتين بعد العصر؟ فقالت: ما أتاني النبي صلى الله عليه وسلم في يوم إلا صلى بعد العصر ركعتين. لفظ إسرائيل.
ولفظ الواسطي [عند أبي يعلى]: عن المغيرة، عن أم موسى، قالت: إن ناجية بنت قرظة أرسلتني إلى عائشة أسألها عن الصلاة بعد العصر، قالت: فأتيتها وما أبالي ما قالت بعد الذي رأيت من علي [يعني: يصلي بعد العصر، كما عند أبي يعلى (4724) بنفس الإسناد]، قالت: فأخبرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد العصر.
أخرجه أحمد (6/ 109)، وأبو يعلى (8/ 171/ 4725)، والطحاوي (1/ 301)، [الإتحاف (17/ 813/ 23279)، المسند المصنف (37/ 208/ 17838)].
قلت: مغيرة هو: ابن مقسم الضبي، وهو: كوفي ثقة متقن، وكان يدلس، ولم يذكر سماعًا من أم موسى، فإن أم موسى هذه كانت سريةً لعلي بن أبي طالب، وقد أكثر عنها مغيرة بغير سماع، وليس لها راوٍ غيره، ولم أقف على شيء يدل على سماعه منها إلا ما
روي بإسناد ضعيف، وجاء فيه في وصف أم موسى:"وكانت أم امرأة المغيرة بن مقسم"، وهي قرينة تدل على دخوله عليها وسماعه منها، لكن ذلك لا يثبت؛ لتفرد محمد بن حميد الرازي به، وهو: حافظ ضعيف، كثير المناكير [راجع تهذيب الآثار (3/ 168 - مسند علي)]، بل ويعارضه ما رواه الخطيب في تاريخ بغداد (7/ 191) بإسناد صحيح؛ إلى هشيم، عن المغيرة، عن إبراهيم، عن أم موسى، عن علي؛ فدل على أنه كان يدخل إبراهيم النخعي بينه وبين أم موسى، وقد وجدت أيضًا في بعض الأسانيد أن مغيرة يكون بينه وبين علي بن أبي طالب ثلاثة، والله أعلم.
وقد قال ابن جرير الطبري في حديث بهذا الإسناد عن علي بن أبي طالب، على لسان خصمه:"أم موسى: لا تُعرف في نقَلَة العلم، ولا يُعلم راوٍ روى عنها غير مغيرة، ولا يثبت بمجهول من الرجال في الدين حجة، فكيف مجهولة من النساء"، لكن لما كان الخبر مرويًا من وجه آخر بحيث تطمئن نفس الناقد إلى كونه محفوظًا، لذا فقد صححه الطبري، وقال:"وهذا خبر عندنا صحيح سنده"[تهذيب الآثار (3/ 163 - مسند علي)].
وقال البرقاني في سؤالاته للدارقطني (589): "وسألته: أم موسى عن علي؛ حديثها مستقيم؟ فقال: هي سرية لعلي، يخرَّج حديثها اعتبارًا"، فلم يجبه الدارقطني بما يدل على استقامة حديثها وإنما يعتبر به، وقال العجلي:"كوفية تابعية ثقة"، ولم أجده في المطبوع من ترتيب الثقات [الطبقات لابن سعد (8/ 485)، الميزان (4/ 614)، التهذيب (4/ 702)].
والحاصل: فإن هذا الإسناد لا بأس به في الشواهد والمتابعات، والله أعلم.
20 -
وروى أبو معاوية [محمد بن خازم الضرير: ثقة في الأعمش، ويهم في حديث غيره]: ثنا أبو بكر النهشلي [كوفي، ثقة]، عن عطاء [هو: ابن أبي رباح المكي: ثقة فقيه إمام]، عن عائشة، قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بعد العصر ركعتين.
فقال أبو سعيد: حدثيني بما رأيتِ، وأحدثُ بما سمعتُ؛ سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا بعد العصر حتى تغرب".
أخرجه إسحاق بن راهويه (3/ 1007/ 1749)، وعنه: أبو العباس السراج في مسنده (1550)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (2347).
قلت: هو حديث غريب؛ لا يُعرف عن عطاء بن أبي رباح بهذا السياق إلا من هذا الوجه، تفرد به عنه أهل الكوفة [ويأتي ذكره في طرق حديث أبي سعيد ت (1276)].
* وروي من وجه آخر لا يصح في إنكار أبي سعيد الركعتين بعد العصر:
رواه أحمد بن بكر أبو سعيد البالسي ببالس، قال: حدثنا محمد بن عبيد [هو: ابن أبي أمية الطنافسي: ثقة]، قال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال: ذُكر عند أبي سعيد الخدري ركعتين بعد العصر، فقال أبو سعيد: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما، فجيؤونا بمن يخبرنا أنه أمر بهما بعد ذلك.
أخرجه الدارقطني في الأفراد (2/ 228/ 4835 - أطرافه)، وأبو طاهر المخلص في السادس من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (200)(1219 - المخلصيات).
قال ابن صاعد: "لا أعرف علة هذا الحديث".
وقال الدارقطني: "تفرد به أحمد بن بكر البالسي عن محمد بن عبيد عن إسماعيل عنه".
قلت: هو حديث منكر بهذا الإسناد عن الطنافسي، وأحمد بن بكر البالسي: قال ابن عدي: "روى أحاديث مناكير عن الثقات"، وقال الدارقطني:"ضعيف"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال "كان يخطئ"، وقال الأزدي:"كان يضع الحديث"[الثقات (8/ 51)، الكامل (1/ 188)، اللسان (1/ 411)، الثقات لابن قطلوبغا (1/ 288)].
21 -
وروى محمد بن بكر البرساني [بصري، صدوق]، قال: أخبرنا يحيى بن قيس [اليماني: وثقه الدارقطني، وذكره ابن حبان في الثقات. سؤالات البرقاني (464 و 540)، التهذيب (4/ 382)]، قال: أخبرني عطاء، قال: أخبرتني عائشة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدخل عليها بعد صلاة العصر إلا ركع عندها ركعتين.
أخرجه أحمد (6/ 253)، [الإتحاف (17/ 414/ 22531)، المسند المصنف (37/ 208/ 17839)].
وهذا إسناد حسن غريب.
22 -
وروى إبراهيم بن سعد [ثقة حجة، وهو أثبت الناس في ابن إسحاق]، وأبو زهير عبد الرحمن بن مغراء [صدوق، يروي عن الأعمش ما لا يتابع عليه. التهذيب (2/ 555)]:
عن ابن إسحاق، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن ذكوان مولى عائشة؛ أنها حدثته؛ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يُصلِّي بَعدَ العَصْرِ، وَيَنْهَى عنها، ويُواصِلُ، وينهى عن الوصال.
زاد في رواية المحاملي: فقيل: يا رسول الله! فإنك تواصل؟ قال: "إني لست في ذلك مثلكم، إني أظلُّ إلى ربي يطعمني ويسقيني".
أخرجه أبو داود (1280)، والمحاملي في الأمالي (25 - رواية ابن مهدي الفارسي)، والطبراني في الأوسط (4/ 174/ 3899)، والبيهقي (2/ 458)، والخطيب في تاريخ بغداد (10/ 323)، [التحفة (11/ 194/ 16079)، المسند المصنف (37/ 209/ 17841)].
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن ذكوان إلا محمد بن عمرو بن عطاء، ولا عن محمد بن عمرو إلا ابن إسحاق، تفرد به: أبو زهير".
قلت: بل توبع عليه، تابعه إبراهيم بن سعد الزهري، وهو أثبت الناس في ابن إسحاق.
* هكذا انفرد ابن إسحاق بهذا الحديث، ولم يذكر فيه سماعًا، ثم هو قد خولف فيه:
* خالفه: الوليد بن كثير، قال: حدثني محمد بن عمرو بن عطاء، عن عبد الرحمن بن أبي سفيان؛ أن معاوية أرسل إلى عائشة رضي الله عنها يسألها عن السجدتين بعد العصر، فقالت: ليس عندي صلاهما، ولكن أم سلمة رضي الله عنها حدثتني أنه صلاهما عندها، فأرسل إلى أم سلمة رضي الله عنها، فقالت: صلاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم عندي لم أره صلاهما قبل ولا بعد، فقلت: يا رسول الله! ما سجدتان رأيتك صليتهما بعد العصر ما صليتهما قبل ولا بعد؟ فقال: "هما سجدتان كنت أصليهما بعد الظهر فقدم عليَّ قلائص من الصدقة، فنسيتهما حتى صليت العصر، ثم ذكرتهما، فكرهت أن أصليهما في المسجد والناس يروني، فصليتهما عندك".
أخرجه الطحاوي (1/ 302).
قلت: وهذا أولى من حديث ابن إسحاق، فإن الوليد بن كثير المخزومي المدني، سكن الكوفة: ثقة، وحديثه هذا: رجال إسناده ثقات؛ غير عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب بن عبد العزي، وهو في عداد المجاهيل مع قلة ما يروي، وقد انفرد في هذا الحديث بما لم يتابع عليه، وهو حديث منكر، وسبق الكلام عليه في طرق حديث أم سلمة، والله أعلم.
* وأولى منه؛ بل هو الصواب من حديث ابن حويطب:
ما رواه محمد بن إسحاق نفسه، قال: حدثني محمد بن عمرو بن عطاء، عن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن عائشة، قالت: حدثتني أم سلمة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاهما في بيتها. [تعني: أول مرة حين قضاهما].
أخرجه الطبراني في الكبير (23/ 249/ 502)، بإسناد صحيح إلى ابن إسحاق.
* وعندئذٍ يمكن أن يقال: قد كان لمحمد بن عمرو بن عطاء في هذا الحديث إسنادان، ورواه عنه ابن إسحاق بالإسنادين جميعًا؛ لكن الرواية الأولى وهم؛ لما وقع فيها من اختصار، وأن قوله فيها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد العصر، وينهى عنها، لا يبعد أن يكون هو مضمون ما رواه كريب مولى ابن عباس [وهو حديث الباب]، عن أم سلمة، وفيه قالت أم سلمة: فأرسلتُ إليه الجارية، فقلتُ: قومي بجنبه فقولي له: تقول أم سلمة: يا رسول الله! أسمعُك تنهى عن هاتين الركعتين، وأراك تصليهما؟؛ يعني: أنها احتجت عليه صلى الله عليه وسلم بنهيه السابق عن الصلاة بعد العصر [كما صح عن عدد من الصحابة مرفوعًا: "لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس"، ويأتي تخريجه برقم (1276)]، ثم هو الآن يصلي بعد العصر، ومما يؤيد وقوع الوهم في رواية ابن إسحاق، وأنها رواية مختصرة من أصل حديث عائشة وأم سلمة في قضاء ركعتي الظهر البعدية بعد صلاة العصر، لا سيما مع اتحاد المخرج:
23 -
ما رواه أبو الوليد الطيالسي هشام بن عبد الملك، وسليمان بن حرب، وهدبة بن خالد، وحجاج بن المنهال [وهم ثقات أثبات]، وعبد الملك بن إبراهيم الجدي [لا بأس به]:
عن حماد بن سلمة [بصري، ثقة]، عن الأزرق بن قيس [بصري، تابعي، ثقة، من الثالثة، روى له البخاري]، عن ذكوان [مولى عائشة: مدني، تابعي، ثقة، من الثالثة، روى له الشيخان]، عن عائشة، عن أم سلمة رضي الله عنهم[وفي رواية الجدي: حدثتني أم سلمة]؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في بيتها ركعتين بعد العصر، فقلت: يا رسول الله ما هاتان الركعتان؟ فقال: "كنت أصليهما بعد الظهر فجاءني مال فشغلني فصليتهما الآن". لفظ أبي الوليد.
أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (5/ 425/ 3084)، والطحاوي (1/ 302)، والمحاملي في الأمالي (270 - رواية ابن مهدي الفارسي)، والطبراني في الكبير (23/ 248/ 501)، والبيهقي (2/ 457 و 485)، [الإتحاف (18/ 216/ 23582)، المسند المصنف (40/ 306/ 19258)].
وهو حديث صحيح.
* ورواه النضر بن شميل [بصري، ثقة ثبت]: نا حماد -وهو: ابن سلمة-: أنا الأزرق -وهو: ابن قيس-، عن ذكوان، عن أم سلمة، قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العصر ركعتين في بيتي، فقلت: يا رسول الله! ما هاتان الركعتان؟ فقال: "كنت أصليهما بعد الظهر، فجاءني مال فشغلني، فصليتهما بعد العصر".
أخرجه إسحاق بن راهويه (4/ 172/ 1957).
هكذا بإسقاط عائشة من الإسناد، وهو تقصير في الإسناد، والذي زادها في الإسناد أحفظ وأكثر، فزيادته مقبولة.
* خالفهم: يزيد بن هارون، قال: أخبرنا حماد بن سلمة، عن الأزرق بن قيس، عن ذكوان، عن أم سلمة، قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر، ثم دخل بيتي، فصلى ركعتين، فقلت: يا رسول الله! صليت صلاة لم تكن تصليها، قال:"قدم عليَّ مالٌ فشغلني عن الركعتين كنت أركعهما [وفي رواية: أصليهما] بعد الظهر، فصليتهما الآن"، فقلت: يا رسول الله! أفنقضيهما إذا فاتتا؟ قال "لا".
أخرجه ابن حبان (6/ 377/ 2653)، وأحمد (6/ 315)، وأبو يعلى (12/ 457/ 7028)، والطحاوي (1/ 306)، [الإتحاف (18/ 102/ 23400)، المسند المصنف (40/ 306/ 19258)].
قلت: وهذه رواية شاذة بهذه الزيادة في آخره: أفنقضيهما إذا فاتتا؟ قال: "لا"، وبإسقاط عائشة من الإسناد، وقد رواه عن حماد بن سلمة بدون هذه الزيادة جمعٌ من الحفاظ: أبو الوليد الطيالسي، وسليمان بن حرب، وهدبة بن خالد، وحجاج بن المنهال، والنضر بن شميل [وهم ثقات أثبات]، وغيرهم.
وهذا الحديث قد رواه عن أم سلمة جماعة بدون هذه الزيادة، منهم: كريب مولى ابن عباس، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، راجع طرق حديث أم سلمة، وهو حديث الباب.
قال ابن حزم في المحلى (2/ 271) عن حديث يزيد بن هارون: "حديث منكر؛ لأنه
ليس هو في كتب حماد بن سلمة، وأيضًا فإنه منقطع، ولم يسمعه ذكوان من أم سلمة"، ثم أورد حديث أبي الوليد الطيالسي عن حماد، ثم قال: "فهذه هي الرواية المتصلة، وليس فيها: أفنقضيهما نحن؟ قال: "لا"، فصح أن هذه الزيادة لم يسمعها ذكوان من أم سلمة، ولا ندري عمن أخذها؛ فسقطت".
وقال البيهقي في المعرفة (2/ 272): "وهذا صريح في أن قضاء هاتين الركعتين بعد العصر، كان بعد النهي عن الصلاة بعد العصر، فلم يمكن من ادعى تصحيح الآثار على مذهبه دعوى النسخ فيه، فأتى برواية ضعيفة عن ذكوان عن أم سلمة في هذه القصة: فقلت يا رسول الله: أفنقضيهما إذا فاتتا؟ قال: "لا"، واعتمد عليها في رد ما روينا، ومعلوم عند أهل العلم بالحديث: أن هذا الحديث يرويه حماد بن سلمة، عن الأزرق بن قيس، عن ذكوان، عن عائشة، عن أم سلمة دون هذه الزيادة، فذكوان إنما حمل الحديث عن عائشة، وعائشة حملته عن أم سلمة، ثم كانت ترويه مرة عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وترسله أخرى، وكانت ترى مداومة النبي صلى الله عليه وسلم عليهما، فكانت تحكي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أثبتها، قالت: وكان إذا صلى صلاة أثبتها، وقالت: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين عندي بعد العصر قط، وكانت ترى أنه كان يصليها في بيوت نسائه، ولا يصليها في المسجد مخافة أن يثقل على أمته، وكان يحب ما خفف عنهم، فهذه الأخبار تشير إلى اختصاصه بإثباتها لا إلى أصل القضاء، هذا، وطاووس يروي عنها أنها قالت: وهم عمر؛ إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها، وكأنها لما رأت النبي صلى الله عليه وسلم أثبتهما بعد العصر ذهبت في النهي هذا المذهب، ولو كان عندها ما يروون عنها في رواية ذكوان وغيره من الزيادة في حديث القضاء، لما وقع هذا الاشتباه، فدل على خطأ تلك اللفظة.
وقد روي عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن ذكوان، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد العصر وينهى عنها، ويواصل وينهى عن الوصال، فهذا يرجع إلى استدامته لهما، لا إلى أصل القضاء" [وضعفها أيضًا في الخلافيات (2/ 254)].
24 -
وروى إسماعيل بن جعفر: أخبرني محمد بن أبي حرملة، قال: أخبرني أبو سلمة، أنه سأل عائشة عن السجدتين اللتين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما بعد العصر، فقالت: كان يصليهما قبل العصر، ثم إنه شغل عنهما، أو نسيهما فصلاهما بعد العصر، ثم أثبتهما، وكان إذا صلى صلاة أثبتها. قال إسماعيل: تعني: داوم عليها.
تقدم تخريجه في بيان طرق حديث أم سلمة، وهو حديث وهم فيه محمد بن أبي حرملة في ثلاثة مواضع، فراجعها هناك.
25 -
وروى عبيد الله بن موسى، والنضر بن شميل، وعثمان بن عمر بن فارس [وهم ثقات]:
قالوا: ثنا إسرائيل، عن المقدام بن شريح، عن أبيه، قال: سألت عائشة عن صلاة
رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف كان يصلي؟ قالت: كان يصلي الهجير ثم يصلي بعدها ركعتين، ثم يصلي العصر، ثم يصلي بعدها ركعتين.
فقلت: فقد كان عمر يضرب عليهما وينهى عنهما، فقالت: قد كان عمر يصليهما، وقد علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما، ولكن قومك أهل اليمن قوم طغام يصلون الظهر، ثم يصلون ما بين الظهر والعصر، ويصلون العصر، ثم يصلون ما بين العصر والمغرب، فضربهم عمر، وقد أحسن.
أخرجه إسحاق بن راهويه (3/ 894/ 1573)، وأبو العباس السراج في مسنده (1530)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (2325)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 301)، وفي المشكل (13/ 295/ 5283)، [الإتحاف (16/ 1117/ 21733)].
* ورواه شعبة [وعنه: غندر]، عن المقدام بن شريح، عن أبيه، قال: سألت عائشة عن الصلاة بعد العصر؟ فقالت: صلِّ؛ إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم قومَك أهلَ اليمن عن الصلاة إذا طلعت الشمس.
أخرجه ابن حبان (4/ 436/ 1568)(3/ 122/ 2119 - التقاسيم)، وأحمد (6/ 145)، [الإتحاف (16/ 1117/ 21732)، المسند المصنف (37/ 64/ 17742)].
* ورواه أبو عقيل يحيى بن حبيب بن عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت [صدوق. التهذيب (4/ 347)]، قال: نا عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني [لا بأس به]، قال: نا مسعر بن كدام، عن المقدام بن شريح، عن أبيه، عن عائشة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد العصر ركعتين.
أخرجه الطبراني في الأوسط (2/ 332/ 2141).
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن مسعر إلا عبد الحميد، تفرد به أبو عقيل".
* ورواه حفص بن غياث [ثقة]، عن مالك بن مغول [ثقة ثبت]، عن المقدام، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بعد العصر ركعتين.
أخرجه الدارقطني في الأفراد (2/ 429/ 6046 - أطرافه)، وقال:"تفرد به حفص".
* هكذا رواه جماعة من الثقات عن المقدام بن شريح بن هانئ الحارثي المذحجي، وهو وأبوه: ثقتان من رجال مسلم، وكأن المقدام تصرف في روايته، فطوله مرة، واختصره مرة، وجملة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد العصر ركعتين: فقد تابعه عليها جماعة من ثقات أصحاب عائشة المكثرين عنها، مثل: عبد الله بن الزبير، وأخوه عروة، والأسود بن يزيد، ومسروق، وغيرهم.
وأما جملة: النهى عن الصلاة إذا طلعت الشمس، فقد تابعه عليها: طاووس، عن عائشة؛ أنها قالت: وهِم عمر؛ إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُتحرَّى طلوعُ الشمس، وغروبها [أخرجه مسلم (833/ 295)، وتقدم تخريجه في الطريق التاسعة والعاشرة، لكن ليس فيه ذكر أهل اليمن، ولعلها ذكرتهم لشريح من باب التمثيل، لا من باب التعيين، ولكون
المخاطب من أهل اليمن، فليس له حكم الرفع، وإنما هو من كلام عائشة نفسها]، وجاء معناه أيضًا فيما رواه حبيب المعلم، عن عطاء، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنهما؛ أن ناسًا طافوا بالبيت بعد صلاة الصبح، ثم قعدوا إلى المذكِّر حتى إذا طلعت الشمس قاموا يصلون، فقالت عائشة رضي الله عنها: قعدوا حتى إذا كانت الساعة التي تُكره فيها الصلاة قاموا يصلون [أخرجه البخاري (1628)، ويأتي تخريجه قريبًا].
وأما قولها في آخر الحديث [في رواية إسرائيل عن المقدام]: قد كان عمر يصليهما، وقد علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما، ولكن قومك أهل اليمن قوم طغام يصلون الظهر، ثم يصلون ما بين الظهر والعصر، ويصلون العصر، ثم يصلون ما بين العصر والمغرب، فضربهم عمر، وقد أحسن. فهذا عندي محل نظر في ثبوته:
فقد ثبت عن عمر الضرب على هاتين الركعتين بعد العصر من طرق مستفيضة، يأتي ذكرها قريبًا إن شاء الله تعالى، وليس في شيء منها إثبات كونه كان يصليها ثم ترك.
وقد روى وهيب: حدثنا عبد الله بن طاووس، عن أبيه، عن عائشة؛ أنها قالت: وهِم عمر؛ إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُتحرَّى طلوعُ الشمس، وغروبها [أخرجه مسلم (833/ 295)]، ولم تذكر فيه أنه كان يصليها، وإنما وهمته في ضربه الناس عليها، وفي روايته النهي عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وقد روت هي قصر النهي على وقت الطلوع والغروب حسب، وأثنت عليه لضربه الناس عليها واستحسنت ذلك.
وكان مقتضى هذا النقل أن عمر إنما كان يضرب أهل اليمن وحدهم دون غيرهم، وذلك لاختصاصهم بهذه البدعة، وليس في المنقول عن عمر ما يدل على ذلك، بل الثابت عنه أنه كان يعم بالضرب والزجر كل من رآه يصلي ركعتين بعد العصر، كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى.
كذلك فقد انفرد بهذه الزيادة عن المقدام: إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، وهو ثقة عند الجمهور، وهو من أتقن أصحاب جده أبي إسحاق السبيعي وأثبتهم فيه، وهو هنا لا يروي عن جده، وقد تكلم فيه بعضهم، مثل: يعقوب بن شيبة، حيث قال:"صالح الحديث، وفي حديثه لين"، وقال أيضًا:"ثقة صدوق، وليس في الحديث بالقوي ولا بالساقط"، وضعفه ابن المديني [التهذيب (1/ 133)، وغيره]؛ لذا فهي زيادة شاذة، والله أعلم. [وانظر للفائدة: فضل الرحيم الودود (1/ 194/ 51)].
26 -
وروى أبو أسامة حماد بن أسامة، وعبد الله بن نمير، وإسماعيل بن جعفر بن أبي كثير [ولفظه مطول] [وهم ثقات]:
عن سعد بن سعيد، قال: أخبرتني عمرة، عن عائشة، قالت: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاتين: عن صلاة بعد طلوع الفجر حتى تطلع الشمس وترتفع، فإنها تطلع بين قرني شيطان، وعن صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس، فإنها تغيب بين قرني شيطان.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 131/ 7323)، وعلي بن حجر السعدي في حديثه عن
إسماعيل بن جعفر (420)، والطحاوي (1/ 303)، والبغوي في شرح السُّنَّة (12/ 16/ 3086)، [الإتحاف (17/ 738/ 23148)، المسند المصنف (37/ 63/ 17740)].
قال صالح بن أحمد في مسائله لأبيه (1296 و 1297): "قال أبي: سعد بن سعيد أخو يحيى بن سعيد: ضعيف؛ حديث عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صلاتين: كذب، ليس بشيء".
وقال الدارقطني في العلل (14/ 425/ 3773): "تفرد به سعد بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة، ويقال: إنه لم يرو حديثًا أنكر من هذا؛ لأن المحفوظ عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد العصر ركعتين، وهذا ضد ذلك.
وقال أحمد بن حنبل: وهذا الحديث باطل عن عمرة عن عائشة" [وانظر: شرح علل الترمذي (2/ 891)].
وقال أبو عبد الله ابن بكير في سؤالاته للدارقطني (18): "سعد بن سعيد بن قيس: ليس بالقوي، سألت أبا الحسن الدارقطني عنه؟ فقال: أُنكِرَ عليه حديث عمرة عن عائشة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صلاتين: صلاة بعد العصر، والمحفوظ عن عائشة: ما دخل عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم بعد العصر إلا صلى ركعتين. وقال: ليس به بأس".
قلت: وهو كما قال أحمد والدارقطني، ومع كونهما رأيا أن سعدًا قد أخطأ في هذا الحديث بعينه، حتى قال أحمد:"حديث عائشة: كذب، ليس بشيء"، ومع ذلك فلم يزد أحمد في حكمه على سعد على أن قال: ضعيف، وقد احتج به في غير هذا الحديث، وكذلك الدارقطني مع كونه أنكر حديث سعد هذا، فإنه مع ذلك لم يجرحه، بل عدله بقوله:"ليس به بأس"، وذلك مما يدل على أنهما وهماه في هذا الحديث حسب، ولم يحملا عليه حملًا شديدًا.
قلت: وسعد بن سعيد الأنصاري: مدني تابعي، صدوق، يحتج به، كما هو صنيع مسلم، إلا أنه ممن يهم ويخطئ، وهو حسن الحديث، وقد أخرج له البخاري تعليقًا، واحتج به مسلم (918 و 1164)، وأخرج له أيضًا في المتابعات (758 و 783 و 1140 و 2040)، وروى عنه جماعة من كبار الحفاظ مثل: سفيان الثوري وشعبة وعبد الله بن المبارك وابن عيينة، وغيرهم، وروى عنه أخوه يحيى بن سعيد الأنصاري، وهو قد يخالف أحيانًا من هو أوثق منه، ويخطئ، فلا يُطَّرح من حديثه إلا ما أخطأ فيه، ويحتج بما عدا ذلك [راجع بحثي: صيام ستة من شوال، وقد تقدمت ترجمته تحت الحديث رقم (816)].
* وقد روي المتن على الصواب بإسناد جيد:
رواه ابن أبي الرجال، عن أبيه، عن عمرة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدع ركعتين بعد العصر.
ولم يسق الطحاوي لفظه، وإنما قال: نحوه؛ يعني: بنحو حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: ما دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتي قط بعد العصر إلا صلى ركعتين.
أخرجه البزار (18/ 261/ 309)، والطحاوي (1/ 301)، [الإتحاف (17/ 729/ 23134)].
قال البزار: "وحارثة بن محمد، ومحمد بن عبد الرحمن: ليني الحديث".
قلت: محمد بن عبد الرحمن بن حارثة أبو الرجال، وهو ابن عمرة بنت عبد الرحمن: ثقة، روى له الشيخان، لكن الشأن في ابنه: حارثة بن أبي الرجال؛ فإنه: متروك، منكر الحديث [التهذيب (1/ 341)، الميزان (1/ 445)].
لكن الأقرب أن راوي هذا الحديث عن أبي الرجال ليس ابنه حارثة كما ادعى البزار، وإنما هو: أخوه عبد الرحمن بن أبي الرجال [ليس به بأس]، والدليل على ذلك أمران:
الأول: أن راويه عن ابن أبي الرجال هو: عبد الله بن يوسف التنيسي [ثقة متقن]، وهو معروف بالرواية عن عبد الرحمن لا عن حارثة، والثاني: أن الحديث قد روي من وجه آخر موقوفًا، والصواب رفعه، وجاء فيه التصريح باسم ابن أبي الرجال:
* فقد روى محمد بن محمد بن سليمان: نا هشام بن عمار [دمشقي صدوق، إلا أنه لما كبر صار يتلقَّن]: نا عبد الرحمن بن أبي الرجال، عن أبيه، عن عمرة، عن عائشة، قالت: ما زلت أصلي بعد العصر ركعتين حتى مات النبي صلى الله عليه وسلم.
أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (35/ 379).
قلت: محمد بن محمد بن سليمان الباغندي: حافظ إمام في هذا الشأن؛ إلا أنه كثير الغرائب وله أشياء أنكرت عليه، وقال الدارقطني:"هو كثير الخطأ"[انظر: الكامل (6/ 300)، سؤالات السلمي (285)، سؤالات السهمي (89 و 132)، تاريخ بغداد (3/ 209)، السير (14/ 383)، الميزان (4/ 27)، اللسان (7/ 473)].
ويغلب على ظني أنه وهم في وقف هذا الحديث، وأن الصواب رفعه؛ كما رواه الثقة المتقن: عبد الله بن يوسف التنيسي، والله أعلم.
* خالف بعضهم في إسناده ومتنه فوهم: أخرجه ابن أبي عاصم في الديات (123 و 253)، وأبو يعلى (8/ 197/ 4757)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (3/ 200/ 331 - مسند علي)، والدارقطني (3/ 131)، والحاكم (4/ 349)، والبيهقي (8/ 26 و 30)، والخطيب في الموضح (2/ 480)، [الإتحاف (17/ 756/ 23177)، المسند المصنف (38/ 400/ 18386)، [وفي إسناده: عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب التيمي المدني: ليس بالقوي. انظر: التهذيب (3/ 18)، إكمال مغلطاي (9/ 43)، الميزان (3/ 12)، التاريخ الأوسط (3/ 284/ 450)، الذكر والدعاء بتخريجي (142)].
* قال الدارقطني في العلل (14/ 275/ 3619): "ورواه أبو إسحاق السبيعي، عن مضاء أبي إبراهيم، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي بعد العصر، ولا بعد الفجر [انظر: أطراف الغرائب والأفراد (2/ 493/ 6433)].
قال الشيخ: وهو مضاء الفائشي. وكذلك روي عن النضر، عن عروة، عن عائشة.
وكذلك رواه سعد بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة.
والصحيح من ذلك عن عائشة: ما ذكرنا أول الباب: عن عبد الله، وهشام ابني عروة، عن أبيهما، عن عائشة، قالت: ما دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العصر إلا صلى ركعتين".
27 -
وروى علي بن عاصم، عن عطاء بن السائب، قال: كنت جالسًا مع عبد الله بن مغفَّل المزني، فدخل شابان من ولد عمر فصليا ركعتين بعد العصر، فأرسل إليهما فدعاهما، فقال: ما هذه الصلاة التي صليتماها، وقد كان أبوكما ينهى عنها؟ قالا: حدثتنا عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاهما عندها، فسكت فلم يرد عليهما شيئًا.
أخرجه أحمد (5/ 272)، [الإتحاف (17/ 678/ 23027)، المسند المصنف (37/ 213/ 17847)].
وهذا إسناد ضعيف؛ فإن عطاء بن السائب كان قد اختلط، وهذا مما حدث به بعد الاختلاط، فليس بشيء، وعلي بن عاصم الواسطي: صدوق، كثير الغلط والوهم، وقد تركه بعضهم.
قال أبو طالب: "سألت أحمد بن حنبل، عن عطاء بن السائب؟ قال: من سمع منه قديمًا كان صحيحًا، ومن سمع منه حديثًا لم يكن بشيء، سمع منه قديمًا: شعبة، وسفيان، وسمع منه حديثًا: جرير، وخالد بن عبد الله، وإسماعيل -يعني: ابن علية-، وعلي بن عاصم"[الجرح والتعديل (6/ 333)].
28 -
وروى أبو معمر إسماعيل بن إبراهيم الهذلي القطيعي [ثقة مأمون]: نا عبيدة بن حميد [ليس به بأس، ولم يكن من الحفاظ المتقنين. انظر: التهذيب (3/ 44)]، عن عمار [بن معاوية] الدهني [كوفي ثقة]، عن القاسم بن محمد، عن عائشة، قالت: ما دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا صلاهما؛ يعني: الركعتين بعد العصر.
أخرجه ابن الأعرابي في المعجم (3/ 973/ 2070)، والطبراني في الأوسط (8/ 26/ 7853).
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن عمار الدهني إلا عبيدة".
قلت: هو إسناد لا بأس به، غريب.
قال الدارقطني في العلل (14/ 272/ 3619): "ووقفه عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه"، قلت: لو ثبت عن عبد الرحمن بن القاسم فهو أولى بالصواب، فإن أهل بيت الرجل أولى به من الغرباء، والله أعلم.
29 -
ورواه الحسن بن موسى الأشيب: حدثنا زهير بن معاوية، قال: كذا أبي ذكره عن محارب بن دثار، عن عمران بن حطان، قال: قلت لعائشة: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الركعتين بعد العصر؟ قالت: ما دار عليَّ في يومي إلا صلاهما، ومرة أخرى مثل ذلك، ثم
قال لها في الثالثة: يا أم المؤمنين! أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بعد العصر؟ قالت: والله والله! -حتى خفت أن تقول: ما أحدثك-؛ ما دار عليَّ في يومي إلا صلاهما.
أخرجه الدارقطني في المؤتلف (2/ 617)، وفي الأفراد (2/ 441/ 6123 - أطرافه).
قال الدارقطني: "تفرد به زهير بن معاوية، عن أبيه معاوية بن حديج، عن محارب، عن عمران".
قلت: إسناده غريب جدًا؛ جميع رواته ثقات؛ غير أبي زهير معاوية بن حديج الجعفي، فهو: مجهول الحال [تاريخ ابن معين للدوري (3/ 2168/442)، الجرح والتعديل (8/ 387)].
30 -
وروى العباس بن محمد [الدوري: ثقة حافظ]: نا خالد بن يزيد بن الطبيب [الكاهلي أبو الهيثم: ثقة]: ثنا كامل أبو العلاء، عن أبي يحيى، عن مجاهد، عن عائشة، قالت: فاتت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ركعتان قبل العصر، فلما انصرف صلاهما، ثم لم يصلهما بعد.
أخرجه الطبراني في الأوسط (7/ 314/ 7600).
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن أبي يحيى القتات إلا كامل، ولا عن كامل إلا خالد بن يزيد، تفرد به: العباس".
قلت: هو حديث منكر؛ أبو يحيى القتات: مكثر عن مجاهد، لكنه ليس بالقوي، وقد تفرد به عنه، وكامل بن العلاء أبو العلاء: ليس بالقوي [انظر: التهذيب (3/ 456)، الميزان (3/ 400)، وغيرهما].
* وانظر في الغرائب أيضًا: علل ابن أبي حاتم (423)[وقد تفرد به ثعلبة بن مسلم الخثعمي، عن نافع، عن عائشة، وثعلبة: لا يكاد يُعرف، وأنكر عليه الذهبي حديثًا. الميزان (1/ 371)، التهذيب (1/ 273)].
* سؤالات البرقاني (39)[وفيه: مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير، وهو: ليس بالقوي. تقدم الكلام عليه عند الحديث رقم (669)].
* خولف هؤلاء جميعًا:
روى المقدمي [محمد بن عمر بن علي بن عطاء بن مقدم المقدمي: ثقة]، قال: ثنا محمد بن دينار [الطاحي: ليس بالقوي، سيئ الحفظ، كثير الأوهام]، قال: ثنا سعد بن أوس [البصري: ضعفه ابن معين، ومشاه الساجي وابن حبان حسب. التهذيب (1/ 690)، الجرح والتعديل (4/ 80)]، قال: حدثني مصدع أبو يحيى [المعرقب الأعرج: صدوق. التهذيب (4/ 82)، سؤالات ابن طهمان (67)، معرفة الثقات (1729)، بيان الوهم (3/ 111/ 803)، فضل الرحيم (97)]، قال: حدثتني عائشة رضي الله عنها، وبيني وبينها ستر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يصلي صلاةً إلا تبعها ركعتين؛ غير العصر والغداة، فإنه كان يجعل الركعتين قبلهما.
أخرجه الطحاوي (1/ 303).
وهو حديث منكر؛ أظنه من مناكير محمد بن دينار الطاحي.
* فإن قيل: قد ثبت عن عبد الله بن شَقِيق، أنه قال: سألتُ عائشةَ عن صلاة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم-من التطوُّع، فقالت: كان يُصلّي قبلَ الظُّهر أربعًا في بيتي، ثم يخرجُ فيصلّي بالناس، ثم يرجع إلى بيتي فيصلّي ركعتين، وكان يصلّي بالناس المغرب، ثم يرجعُ إلى بيتي فيصلي ركعتين، وكان يصلي بهم العِشاء، ثم يدخل بيتي فيصلّي ركعتين،
…
، وكان إذا طلع الفجرُ، صلَّى ركعتين، ثم يخرج فيُصلّي بالناس صلاةَ الفجر.
أخرجه مسلم (730/ 105)، وتقدم تحت الحديث رقم (955)، وبرقم (1251).
فلم تذكر فيه عائشة الركعتين بعد العصر؛ فيقال: لا منافاة بينهما، ففي حديث عبد الله بن شقيق أرادت أن تبين السنن الرواتب التي داوم عليها النبي صلى الله عليه وسلم حياته بالمدينة، وذلك لا ينافي ما قد ثبت عنها بأسانيد صحاح لا مطعن فيها أنه داوم على ركعتين بعد العصر، لكن كان ذلك في آخر عمره صلى الله عليه وسلم، وقبل وفاته بقليل [كما دلت على ذلك الروايات]، وأن هاتين الركعتين إنما وقعتا قضاء لراتبة الظهر البعدية؛ ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أثبتها بعد ذلك وداوم عليها؛ لكونه كان إذا عمل عملًا أثبته، ولا يلزم أن تتابعه الأمة على ذلك لاختصاصه به دونها، وذلك بخلاف الاقتداء به في القضاء، والله أعلم.
وعلى هذا: فإن هاتين الركعتين بعد العصر لما لم تكن سنةً بنفسها لم تخبر عائشة بها عبد الله بن شقيق، وإنما أخبرته بالسنن الرواتب، وهذا قريب من فعلها أيضًا مع عبد الله بن أبي قيس، ولو كانت ركعتا العصر سنةً راتبةً لما خفيت على كبار الصحابة، ولما ضرب عمرُ الناسَ عليها، والله أعلم.
وعلى هذا فإنه لا يصح رمي حديث عائشة بالاضطراب؛ بل هو حديث محفوظ، أخرجه الشيخان بالوجهين [انظر: ناسخ الحديث للأثرم (164)].
* وقد روي حديث عائشة في الركعتين بعد العصر من حديث أبي موسى الأشعري، ولا يثبت عنه:
رواه عبد الصمد بن عبد الوارث [ثقة]، قال: حدثنا أبو دارس صاحب الحور: حدثنا أبو بردة بن أبي موسى، عن أبي موسى، أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين بعد العصر.
أخرجه أحمد (4/ 416)، [إتحاف المهرة (10/ 107/ 12362)، المسند المصنف (29/ 444/ 13448)].
* وقال المكي [هو: ابن إبراهيم: ثقة ثبت]: عن أبي دارس، عن أبي بكر بن أبي موسى، عن أبيه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين بعد العصر.
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 352).
ولا يثبت هذا؛ وقد اضطرب فيه أبو دارس على جهالته، مما يدل على قلة ضبطه، وأبو دارس إسماعيل بن دارس: قال ابن المديني: "هو مجهول، لا أعرفه"، وقال ابن
معين: "ضعيف الحديث"، وقال في رواية:"إنما روى حديثًا واحدًا، ليس به بأس"، وقال أبو حاتم:"شيخ، ليس بمعروف"[التاريخ الكبير (1/ 352)، الجرح والتعديل (2/ 167)، الثقات (6/ 32)، الثقات لابن قطلوبغا (2/ 372)].
* ورواه محمد بن موسى الواسطي [ابن عمران القطان أبو جعفر: ثقة]: نا يحيى بن راشد [المازني: ضعيف]: نا محمد بن حمران بن عبد العزيز [ليس بالقوي. سؤالات ابن الجنيد (885)، سؤالات البرذعي (2/ 751)، التهذيب (3/ 546)]: نا سعيد بن سلام، عن جعفر بن أبي موسى الأشعري، عن أبيه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين بعد العصر، قال: وكان أبي يصليهما أيضًا.
أخرجه الروياني (523).
* ورواه محمد بن نوح بن حرب [العسكري: روى عنه جماعة، ولم أجد من وثقه. غنية الملتمس (534)]، قال: حدثنا إبراهيم بن المستمر العروقي [صدوق]: ثنا يحيى بن عاصم -صاحب أبي عاصم-[صدوق. الجرح والتعديل (9/ 179)، الإكمال لابن ماكولا (7/ 270)، تاريخ الإسلام (5/ 725 - ط. الغرب)]: حدثني محمد بن حمران بن عبد الله: حدثني شعيب بن سالم، عن جعفر بن أبي موسى، عن أبيه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد العصر ركعتين، وكان أبو موسى يصليهما.
أخرجه الطبراني في الأوسط (7/ 153/ 7134).
قال الطبراني: "لا يُروى هذا الحديث عن جعفر بن أبي موسى إلا بهذا الإسناد، تفرد به: إبراهيم بن المستمر".
قال ابن رجب في الفتح (3/ 316): "وهذا الإسناد مجهول لا يعرف".
قلت: هو إسناد مجهول؛ كما قال ابن رجب، إلا أن يكون الراوي عن جعفر بن أبي موسى [وهو لا يُعرف أيضًا]: هو سعيد بن سلام العطار، وهو: كذاب، يُذكر بوضع الحديث [اللسان (4/ 55)]، والله أعلم.
* وروي من حديث ابن مسعود، وهو حديث باطل، ولفظه عند ابن شاهين في الناسخ (253): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين قبل الفجر، وفي الركعتين بعد صلاة العصربـ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} .
وهذا باطل؛ وقد رواه الناس بلفظ: ما أحصي ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين قبل الفجر، والركعتين بعد المغرب بـ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} .
وهو حديث منكر، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1256).
* هكذا ثبت عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم داوم على هاتين الركعتين بعد صلاة العصر في بيتها خاصة دون بقية أمهات المؤمنين، وما تركهما حتى لقي الله عز وجل، وثبت عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قضاهما لأول مرة في بيتها، ثم لم يعُد لهما، وقد روي خلاف ذلك عن ابن عباس:
* فقد روى جرير بن عبد الحميد، وعبد الرحمن بن حميد الرؤاسي، وأبو حفص عمر بن عبد الرحمن بن قيس الأبار [وهم ثقات]:
عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: إنما صلى النبي صلى الله عليه وسلم الركعتين بعد العصر، لأنه أتاه مال فشغله عن الركعتين بعد الظهر، فصلاهما بعد العصر، ثم لم يَعُدْ لهما. لفظ جرير.
ولفظ الرؤاسي: أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي بمالٍ بعد الظهر، فقسمه حتى صلى العصر، ثم دخل منزل عائشة فصلى الركعتين بعد العصر، وقال:"شغلني هذا المال عن الركعتين بعد الظهر فلم أصلِّهما حتى كان الآن".
ولفظ أبي حفص الأبار [عند المخلص]: عن سعيد بن جبير قال: بلغ ابن عباس أن عائشة تأمر بركعتين بعد العصر، أو ترخص فيهما، وتذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاهما في بيتها، فقال ابن عباس: سلوا عائشة: أصلاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتها قط إلا مرة، وذاك أنه صلى الظهر ثم أتاه مال فشغل في قسمه حتى صلى العصر، فكره أن يصليها حيث يراه الناس، فدخل بيت عائشة فصلاهما.
أخرجه الترمذي (184)، وابن حبان (4/ 442/ 1575)، والبزار (11/ 269/ 5058)، وأبو طاهر المخلص في الثامن من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (87)(1663 - المخلصيات)، وابن حزم في المحلى (2/ 266)، والضياء في المختارة (10/ 267/ 277) و (10/ 268/ 278 و 279)، [التحفة (4/ 348/ 5573)، إتحاف المهرة (7/ 73/ 7362)، المسند المصنف (11/ 448/ 5479)].
قال الترمذي: "حديث ابن عباس: حديث حسن".
وقال البزار: "وهذا الحديث لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد".
قلت: هو حديث منكر؛ عطاء بن السائب كان قد اختلط، وقد روى عنه هذا الحديث: جرير بن عبد الحميد الكوفي، وعبد الرحمن بن حميد الرؤاسي الكوفي، وهما ممن سمع منه بعد الاختلاط، وأبو حفص الأبار كذلك هو من طبقة من سمع منه في الاختلاط [شرح علل الترمذي (2/ 734)، الكواكب النيرات (39)][راجع الكلام عن عطاء بن السائب، ومن روى عنه قبل وبعد الاختلاط: فضل الرحيم الودود (3/ 216/ 249) و (9/ 434/ 863)].
وقد خالف في هذا الحديث ما أخبرت به عائشة وأم سلمة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قضاهما أول مرة في بيت أم سلمة، ثم داوم عليهما بعد ذلك في بيت عائشة.
وابن عباس قد ثبت عنه أنه أرسل مولاه كريبًا إلى عائشة ليسألها عن هاتين الركعتين بعد العصر، فأحالته على أم سلمة، فأخبرته الخبر [راجع حديث الباب].
* وروى ابن لهيعة: حدثنا عبد الله بن هبيرة، قال: سمعت قبيصة بن ذؤيب، يقول:
إن عائشة أخبرت آل الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى عندها ركعتين بعد العصر، فكانوا يصلونها.
قال قبيصة: فقال زيد بن ثابت: يغفر الله لعائشة! نحن أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم من عائشة، إنما كان ذلك لأن أناسًا من الأعراب أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بهجير، فقعدوا يسألونه ويفتيهم، حتى صلى الظهر ولم يصلِّ ركعتين، ثم قعد يفتيهم حتى صلى العصر، فانصرف إلى بيته، ذكر أنه لم يصلِّ بعد الظهر شيئًا، فصلاهما بعد العصر، يغفر الله لعائشة! نحن أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم من عائشة، نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد العصر.
أخرجه أحمد (5/ 185)، والطبراني في الكبير (5/ 146/ 4900)، وفي مسند الشاميين (3/ 229/ 2142)، [إتحاف المهرة (4/ 647/ 4831)، المسند المصنف (8/ 255/ 4106)].
وهذا حديث ضعيف، تفرد به ابن لهيعة، وهو ضعيف.
* ومن غرائب ما ذهب إليه ابن رجب في بحثه هذه المسألة في كتابه الماتع فتح الباري (3/ 309 - 316) أنه قال بعد بحث طويل: "وقد ظهر بهذا أنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى ركعتين بعد صلاة العصر، إلا يوم صلاهما في بيت أم سلمة"، وقال بعدها أيضًا:"فتبين بهذا كله: أنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى ركعتين بعد صلاة العصر، سوى ما روته عنه أم سلمة وحدها".
وهذا مخالف لفهم جماهير العلماء لحديث عائشة المروي بأسانيد في غاية الصحة والثبوت، وقد اتفق الشيخان على إخراج طائفة منها، ومنها ما هو صريح لا يحتمل التأويل، مثل رواية: مغيرة بن مقسم الضبي، عن إبراهيم النخعي، عن الأسود، قالت عائشة: ما دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلا العصر إلا صلاهما [وهذا حديث صحيح، وتقدم في طرق حديث عائشة برقم (7)].
ومثل رواية: أبي المغيرة عبد القدوس بن الحجاج: حدثنا عتبة -يعني: ابن ضمرة بن حبيب-، قال: حدثني عبد الله بن أبي قيس مولى غُطَيف، أنه أتى عائشة أم المؤمنين،
…
، فسألها عن الركعتين بعد صلا العصر، أركعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت له: نعم [وإسناده حمصي صحيح، وتقدم في طرق حديث عائشة برقم (15)].
ومثل رواية: محمد بن بكر البرساني، قال: أخبرنا يحيى بن قيس، قال: أخبرني عطاء، قال: أخبرتني عائشة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم -لم يدخل عليها بعد صلاة العصر إلا ركع عندها ركعتين [وهذا إسناد حسن غريب، وتقدم في طرق حديث عائشة برقم (21)].
والتدليل على صحة ما ذكرت يطول جدًا، لكني اكتفيت بإيراد الأدلة الصريحة الصحيحة، والله أعلم.
* ثم ذكر له ابن رجب (3/ 316) تأويلًا آخر، وهو أن هاتين الركعتين اللتين صلاهما النبي صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة بعد العصر يمكن حملهما على ركعتي دخول المنزل، ثم
عاد فضعفها هو بنفسه، ومما وجدت في ذلك مما روي في ركعتي دخول المنزل:
* ما يرويه معاذ بن فضالة، قال: حدثني يحيى بن أيوب، عن بكر بن عمرو، عن صفوان بن سليم -قال بكر: حسبته عن أبي سلمة-، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"إذا خرجت من منزلك فصلِّ ركعتين؛ تمنعانك مخرج السوء، وإذا دخلت منزلك فصلِّ ركعتين؛ تمنعانك مدخل السوء".
أخرجه البزار (15/ 187/ 8567)، والدارقطني في الأفراد (2/ 357/ 5644 - أطرافه)، وأبو طاهر المخلص في المنتقى من الثاني عشر من فوائده (65)(2818 - المخلصيات)، والبيهقي في الشعب (5/ 383/ 2814 - ط. الأوقاف القطرية)، وإسماعيل الأصبهاني في الترغيب (3/ 30/ 2011)، وغيرهم.
من طرق عن معاذ بن فضالة به، وهو: ثقة.
قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلمه يُروى عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه".
وقال الدارقطني: "تفرد به يحيى بن أيوب، عن بكر بن عمرو عن صفوان عنه".
قلت: هو حديث منكر؛ تفرد به بكر بن عمرو المعافري المصري: روى عنه جماعة من ثقات المصريين، وقال أحمد:"يُروى عنه"، وقال أبو حاتم:"شيخ"، وقال الدارقطني:"يُعتبر به"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن يونس:"كانت له عبادة وفضل"، وقال ابن القطان:"ولا تُعلم عدالته، وإنما هو من الشيوخ الذين لا يعرفون بالعلم، وإنما وقعت لهم روايات أخذت عنهم، بنحو ذلك وصفه أحمد بن حنبل"، فذكر قوله وقول أبي حاتم فيه، وقال في موضع آخر:"لم تثبت ثقته في الحديث"، لكن الذهبي في السير جرى على عادته في التوسع في العبارة، ولم يُسبق إلى قوله هذا:"وكان ثقة ثبتًا، فاضلًا متألهًا، كبير القدر، إمام جامع الفسطاط"، والذهبي معروف بتوسعه في عبارات التعديل، وقد ترجم له ترجمة مقتضبة جدًا تدلل على عدم وفرة مصادر ترجمته، وأنه كما قال ابن القطان فيه، وقول الذهبي عنه في الميزان أقرب إلى الصواب من قوله عنه في السير، قال في الميزان:"محله الصدق، واحتج به الشيخان"[الجرح والتعديل (2/ 390)، الثقات (6/ 103)، سؤالات البرقاني (57)، تاريخ دمشق (10/ 383)، بيان الوهم (4/ 69/ 1504) و (4/ 495/ 2061)، السير (6/ 203)، الميزان (1/ 347)، تاريخ الإسلام (8/ 387)، التهذيب (1/ 245)]، قلت: لم يحتج به الشيخان، فهذا البخاري إنما أخرج له متابعةً في قصة ترك ابن عمر للجهاد، ودفاعه عن عثمان وعلي، وكذلك مسلم إنما أخرج له متابعة في حديث لأبي ذر [صحيح البخاري (4514 و 4650)، صحيح مسلم (1825)]، فمثل هذا لا يُحتمل منه التفرد عن المدني الثقة الثبت: صفوان بن سليم، لا سيما وأغلب مرويات بكر بن عمرو عن صفوان إنما هي مراسيل [انظر مثلًا: المراسيل لأبي داود (489)، الجامع لابن وهب (475)].
وهو هنا قد شك هل هو موصول أم لا؟ فإذا كان الأصل في مروياته عنه الإرسال، وجاء هنا فشك في وصله، فحمله على الأصل أولى، والله أعلم.
كذلك فإن صفوان بن سليم غير مشهور بالرواية عن أبي سلمة، مما يؤكد القول بنكارة هذه الرواية، والله أعلم.
ثم في تفرد يحيى بن أيوب الغافقي المصري نكارة ظاهرة، فهو: صدوق سيئ الحفظ، يخطئ كثيرًا، له غرائب ومناكير يتجنبها أرباب الصحاح، وينتقون من حديثه ما أصاب فيه [وقد سبق ذكره مرارًا في فضل الرحيم].
* ولا يقال: يشهد له ما أخرجه ابن حبان (2514) من طريق: شريك، عن المقدام بن شريح، عن أبيه، عن عائشة، قال: قلت لها: بأيِّ شيء كان يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل عليك، وإذا خرج من عندك؟ قالت: كان يبدأ إذا دخل بالسواك، وإذا خرج صلى ركعتين.
فإن المحفوظ فيه: ويختم بركعتي الفجر، كما عند أحمد في المسند [راجع: فضل الرحيم الودود (1/ 194/ 51)].
* فلم يبق في ذلك إلا ما رواه ابن المبارك في الزهد (1279) من مرسل عثمان بن أبي سودة، ولا يشهد له ما يعضده، والله أعلم.
رواه ابن المبارك، قال: أخبرنا الأوزاعي، قال: أخبرني عثمان بن أبي سودة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة الأوابين" أو قال: "صلاة الأبرار: ركعتين إذا دخلت بيتك، وركعتين إذا خرجت".
* ورواه أبو شعيب الحراني في فوائده (30)، قال: حدثني يحيى: ثنا الأوزاعي، قال: حدثني عثمان بن أبى سودة، قال: صلاة الأبرار ركعتان إذا دخلت بيتك، وركعتان إذا خرجت. هكذا مقطوعًا عليه قوله.
ويحيى بن عبد الله بن الضحاك البابلتي: ضعيف، طعنوا في سماعه من الأوزاعي، والله أعلم.
* وقد روي أن عائشة وأم سلمة كانتا تصليان ركعتين بعد العصر:
أما عائشة فقد ثبت عنها بحديث الباب الذي رواه كريب.
* وروى ابن جريج، عن عطاء؛ أن عائشة، وأم سلمة كانتا تركعان بعد العصر.
أخرجه عبد الرزاق (2/ 430/ 3969).
وهذا موقوف على عائشة بإسناد صحيح على شرط الشيخين، وأما أم سلمة: فقد قال علي بن المديني بأن عطاء لم يسمع من أم سلمة [المراسيل (567)، تحفة التحصيل (228)].
وروي عنهما أيضًا، وعن ميمونة [أخرجه ابن المنذر في الأوسط (2/ 393/ 1100) و (2/ 394/ 1101)].
* وروي عن علي بن أبي طالب أنه صلاهما مرة، لكنه متأوَّل بالقضاء [أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 134/ 7352)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 393/ 1095)، والبيهقي (2/ 459)].
وروي أيضًا عن: تميم الداري، والزبير بن العوام، وابنه عبد الله، والنعمان بن بشير، وأبي أيوب، وأبي الدرداء؛ أنهم كانوا يصلون بعد العصر ركعتين [أخرجه عبد الرزاق (2/ 433/ 3977)، وابن أبي شيبة (2/ 134/ 7351) (5/ 74/ 7549 - ط. الشثري)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 393/ 1097 و 1098) و (2/ 394/ 1102 و 1103)، وابن شاهين في الناسخ (254)][وفي بعضها مقال].
وروي أيضًا من حديث زيد بن خالد الجهني، ولا يثبت عنه، ومن حديث أبي موسى، ولا يثبت عنه أيضًا [انظر: الفتح لابن رجب (3/ 315)، وتقدم ذكر حديث أبي موسى بعد طرق حديث عائشة، وأما حديث زيد بن خالد فسيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى].
* وقد احتج بعض أهل العلم بحديث عائشة هذا على أن عموم النهي عن الصلاة بعد العصر مخصوص بهذا الحديث، وأن الصلاة جائزة بعد العصر طالما كانت الشمس مرتفعة بيضاء نقية، واحتج معه بحديث علي بن أبي طالب الآتي بعد هذا، وهو حديث شاذ، وبحديث ابن عمر الثابت في الصحيحين، وبحديث عقبة بن عامر، وما كان في معناها، قال ابن حجر في الفتح (2/ 64):"تمسك بهذه الروايات من أجاز التنفل بعد العصر مطلقًا؛ ما لم يقصد الصلاة عند غروب الشمس":
1 -
حديث علي بن أبي طالب [يأتي تخريجه برقم (1274)، وهو حديث شاذ].
2 -
حديث عبد الله بن عمر، وله طرق:
أ - رواه مالك، عن نافع، عن ابن عمر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"لا يَتحرَّى أحدُكم فيصلي عند طلوع الشمس، ولا عند غروبها".
أخرجه مالك في الموطأ (1/ 302/ 587)، ومن طريقه: البخاري (585)، ومسلم (828/ 289)، وأبو عوانة (1/ 318/ 1130)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 421/ 1871)، والنسائي في المجتبى (1/ 277/ 563)، والشافعي في الأم (1/ 147)، وفي اختلاف الحديث (99)، وفي الرسالة (140)، وفي المسند (166)، وابن حبان (4/ 416/ 1548) و (4/ 435/ 1566)، وأحمد (2/ 33 و 63)، وعبد الرزاق (2/ 425/ 3951)، والطحاوي (1/ 152)، وابن الغطريف في جزئه (70)، والجوهري في مسند الموطأ (644)، والبيهقي في السنن (2/ 453)، وفي المعرفة (2/ 262/ 1293)، وابن عبد البر في التمهيد (14/ 127)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 318/ 773)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (1/ 300)، [التحفة (5/ 590/ 8375)، الإتحاف (9/ 287/ 11170)، المسند المصنف (14/ 155/ 6815)].
رواه عن مالك: الشافعي، ويحيى بن يحيى النيسابوري، وعبد الله بن مسلمة القعنبي (23)، وعبد الله بن يوسف التنيسي، وعبد الرحمن بن مهدي، وأبو مصعب الزهري (34)، ويحيى بن يحيى الليثي (587)، وعبد الله بن وهب، وقتيبة بن سعيد، وعبد الرزاق بن همام، وسويد بن سعيد الحدثاني (19)، ومحمد بن الحسن الشيباني (180).
* خالفهم فانقلب عليه المتن، ودخل له حديث في حديث:
خالد بن مخلد [القطواني: لا بأس به]: ثنا مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها؛ فإن الشيطان يطلع قرناه مع طلوع الشمس، ويغربان مع غروبها".
أخرجه أبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2274).
هكذا ساقه القطواني بإسناد حديث نافع عن ابن عمر مرفوعًا، ومتن حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن أبيه موقوفًا، فانقلب عليه المتن، ودخل عليه حديث في حديث.
وهذا المتن إنما يرويه: مالك، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر؛ أن عمر بن الخطاب كان يقول: لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس، ولا غروبها، فإن الشيطان يطلع قرناه مع طلوع الشمس، ويغربان مع غروبها، وكان يضرب الناس على تلك الصلاة.
أخرجه مالك في الموطأ (1/ 303/ 589)، ويأتي تخريجه في طرق حديث عمر الآتى.
* تابع مالكًا عليه:
* أيوب السختياني، فرواه عن نافع، عن ابن عمر، قال: أصلي كما رأيت أصحابي يصلون؛ لا أنهى أحدًا يصلي [وفي رواية ابن علية: في أي ساعة شاء] بليل ولا نهار ما شاء، غير أن لا تحروا طلوع الشمس ولا غروبها. موقوفًا.
ولفظ معمر [عند أحمد]: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتحرى أحدكم غروب الشمس، فيصلي عند ذلك.
أخرجه البخاري (589 و 1192)، وأحمد (2/ 36)، [التحفة (5/ 362/ 7532)، الإتحاف (9/ 60/ 10432)، المسند المصنف (14/ 155/ 6815)].
رواه عن أيوب: حماد بن زيد، وإسماعيل بن علية، ومعمر بن راشد؛ غير أن حماد وإسماعيل أوقفاه، ورفعه معمر.
وحماد وإسماعيل هما أثبت الناس في أيوب، إلا أن أيوب كثيرًا ما كان يقف المرفوع، فلا تضره رواية معمر إذ أعاده لأصله، والله أعلم.
* ورواه عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: لا تتحيَّننَّ عند طلوع الشمس، ولا غروبها بالصلاة؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن ذلك.
ولفظ خالد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلَّى مع طلوع الشمس أو غروبها.
ولفظ عبدة: لا يتحرَّ أحدٌ طلوعَ الشمس ولا غروبها؛ فإنه نهي عن ذلك.
ولفظ الحميدي عن ابن عيينة: لست أنهى أحدًا صلى أي ساعة شاء من ليل أو نهار، ولكني إنما أفعل كما رأيت أصحابي يفعلون، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس، ولا غروبها". قيل لسفيان: هذا يروى عن هشام، قال: ما سمعت هشامًا ذكره قط.
ولفظ ابن مسهر: أنه سئل عن سبحة الضحى؟ فقال: إنما أفعل كما رأيت أصحابي يفعلون، ولما أنهى أحدًا أن يتطوع في أي ساعة شاء من ليل أو نهار، في غير أن يتحرى بصلاته طلوع الشمس ولا غروبها؛ فإنه قد نهي عن ذلك.
أخرجه النسائي في المجتبى (1/ 277/ 564)، وفي الكبرى (2/ 214/ 1558)، وأبو عوانة (1/ 318/ 1131)، وابن الجارود (280)، وأحمد (2/ 29)، والحميدي (681)، وابن أبي شيبة (2/ 134/ 7356)، والبزار (12/ 107/ 5611)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2271 و 2273 و 2277)، وابن حزم في المحلى (3/ 36)، وابن عبد البر في التمهيد (22/ 328)، [التحفة (5/ 461/ 7886)، الإتحاف (9/ 210/ 10910)، المسند المصنف (14/ 155/ 6815)].
وهذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
رواه عن عبيد الله بن عمر العمري: عبد الله بن نمير، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وخالد بن الحارث، وعبدة بن سليمان، وسفيان بن عيينة، ومحمد بن عبيد الطنافسي، وعلي بن مسهر [وهم ثقات].
* وقد وهم على عبيد الله في متنه وإسناده: يحيى بن سليم الطائفي [وهو: صدوق، سيئ الحفظ، له أحاديث غلط فيها، وهذا منها]، فرواه عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر؛ قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبستين، وعن صلاتين، وعن بيعتين؛ نهى عن الصماء، والحبوةِ وفرجُه مفتوح إلى السماء، وعن بيع الحصاة، وعن المنابذة، وصلاةٍ بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس.
علقه ابن أبي حاتم في العلل (2/ 496/ 544)، ووصله الدارقطني في الأفراد (1/ 575/ 3339 و 3340 - أطرافه).
قال أبو حاتم: "هذا حديث منكر، الحديث كله منكر".
وقال الدارقطني في الأفراد: "قال ابن صاعد: وهذا مما وهم فيه يحيى بن سليم في إسناده؛ لأن بعضه عن خبيب، وبعضه عن أبي الزناد، تفرد به: يحيى بن سليم عن عبيد الله".
وقال في العلل (12/ 320/ 2751): "والصحيح: عن عبيد الله، عن خبيب، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة".
وقال في موضع آخر (13/ 19/ 2905) عن حديث الجماعة: "وهذا أصح".
* قلت: صوابه ما رواه أبو أسامة حماد بن أسامة، وعبدة بن سليمان، وعبد الله بن نمير، ومحمد بن عبيد الطنافسي، وعبد الوهاب الثقفي، وأبو داود الطيالسي:
عن عبيد الله بن عمر، عن خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين، وعن لبستين، وعن صلاتين:
نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس.
وعن اشتمال الصماء، وعن الاحتباء في ثوب واحد، يفضي بفرجه إلى السماء.
وعن المنابذة، والملامسة.
اْخرجه البخاري (584 و 588 و 5819)، ومسلم (1511)، ويأتي تخريجه في طرق حديث أبي هريرة في شواهد الحديث الآتي برقم (1276).
* ورواه موسى بن عقبة، وأخوه محمد بن عقبة [وأظنه تحرف عن موسى، أو هو وهم من الرواة؛ إنما الحديث لموسى بن عقبة]:
عن نافع؛ أن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن الصلاة عند طلوع الشمس، وعند غروبها.
أخرجه البخاري (1629)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2276) [ووقع عنده: محمد بن عقبة]. والطبراني في الكبير (12/ 291/ 13409)، [التحفة (5/ 623/ 8484)، المسند المصنف (14/ 155/ 6815)].
* وانظر فيمن وهم في متنه على موسى بن عقبة: ما أخرجه الطحاوي (1/ 304)، والطبراني في الأوسط (1/ 296/ 982) [وهو حديث منكر؛ فإن عمرو بن أبي سلمة التنيسي الدمشقي: صدوق، منكر الحديث عن زهير بن محمد التميمي، قال أحمد بن حنبل:"روى عن زهير أحاديث بواطيل؛ كأنه سمعها من صدقة بن عبد الله، فغلط، فقلبها عن زهير"، التهذيب (3/ 275)، وانظر بعض مناكيره عن زهير: علل الترمذي (148)، علل ابن أبي حاتم (414 و 588 و 592 و 614 و 713 و 956 و 1710 و 2167 و 2375)، وما تقدم في السنن برقم (344 و 864 و 913) وغيرها].
* ورواه عبد الله بن نافع [ضعيف]، عن أبيه، عن ابن عمر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يتحرَّ أحدكم بصلاته طلوع الشمس ولا غروبها".
ولفظه عند أحمد: "لا يتحرَّى أحدُكم الصلاةَ طلوعَ الشمس، ولا غروبها، فإنها تطلع بين قرني الشيطان".
أخرجه أحمد (2/ 106)(3/ 1251/ 5940 - ط. المكنز)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2275)، [الإتحاف (9/ 139/ 10716)، أطراف المسند (3/ 525/ 4723)، المسند المصنف (14/ 155/ 6815)].
قلت: وهو حديث صحيح، وقد توبع عليه عبد الله بن نافع، ولم يتفرد به عن أبيه.
* ورواه ابن جريج [ثقة، من أثبت الناس في نافع]، عن نافع، قال [يعني: ابن جريج]: قلت له [يعني: لنافع]: رأيتَ ابنَ عمر يصلي يوم النحر في أول النهار؟ قال: لا، ولا في غير يوم النحر حتى ترتفع الشمس، قال: وكان ابن عمر يقول: أما أنا فإني أصلي كما رأيت أصحابي يصلون، وأما أنا فلا أنهى أحدًا أن يصلي ليلًا أو نهارًا لا يتحرى طلوع الشمس ولا غروبها، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، وقال:"إنه يطلع قرن الشيطان مع طلوع الشمس، فلا يتحرى أحد طلوع الشمس ولا غروبها".
أخرجه عبد الرزاق (2/ 430/ 3968)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 394/ 1104)، [المسند المصنف (14/ 155/ 6815)].
وهذا حديث صحيح.
قلت: ورواية ابن جريج هذه تفسر رواية أيوب، وأن ابن عمر كان يمتنع من الصلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وترتفع، كما كان يفعل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك فإنه لا ينهى أحدًا صلى في هذا الوقت إلا أن يتحرى طلوع الشمس أو غروبها فيصلي عند ذلك، معتمدًا في ذلك على ما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن تحري الصلاة عند هذين الوقتين، وهذا لا يمنع من ثبوت النهي في غيرهما [من صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، ومن صلاة العصر حتى تغرب الشمس، وإذا قام قائم الظهيرة حتى تميل الشمس] فيما رواه جمع من الصحابة كما سيأتي بيانه في موضعه، لا سيما مع علم ابن عمر بكون أبيه كان يضرب الناس على الصلاة بعد العصر، وما ثبت من النقل في كون ابن عمر نفسه لم يكن يصلي راتبة الفجر إذا فاتته إلا بعد ارتفاع الشمس، وغير ذلك من القرائن، والله أعلم.
* هكذا روى هذا الحديث عن نافع عن ابن عمر جماعة من أثبت أصحابه:
مالك، وأيوب، وعبيد الله بن عمر، وموسى بن عقبة، وابن جريج، وغيرهم.
* وخالفهم: موسى بن عبيدة [الربذي: ضعيف]، فرواه عن نافع، عن ابن عمر؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صلاتين: عن صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وعن صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 131/ 7328)، [المسند المصنف (14/ 157/ 6816)].
وهذا حديث منكر من حديث نافع عن ابن عمر، والمعروف ما رواه جماعة الثقات من أصحاب نافع: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"لا يَتحرَّى أحدُكم فيصلي عند طلوع الشمس، ولا عند غروبها"، أو: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلَّى مع طلوع الشمس أو غروبها، وألفاظهم متقاربة، كما تقدم ذكرها مفصلًا.
ب - ورواه وكيع بن الجراح، وعبد الله بن نمير، ومحمد بن بشر، وعبدة بن سليمان، ويحيى بن سعيد القطان، وزائدة بن قدامة، وعلي بن مسهر، وابن أبي زائدة، وعبد الرحيم بن سليمان، وأنس بن عياض، ومحاضر بن المورع، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وأبو معاوية محمد بن خازم الضرير، وشعيب بن إسحاق، وعلي بن هاشم بن البريد [وهم ثقات]، وغيرهم:
عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس، ولا غروبها، فإنها تطلع بقرني الشيطان"، وفي رواية:"بين قرني شيطان".
أخرجه البخاري (582 و 3273)، ومسلم (828/ 290)، وأبو عوانة (1/ 319/ 1132 و 1133)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 421/ 1872)، والنسائي في الكبرى
(2/ 216/ 1563)، وابن خزيمة (2/ 256/ 1273)، وابن حبان (4/ 412/ 1545) و (4/ 436/ 1569)، وأحمد (2/ 13 و 19 و 24 و 106)، وابن أبي شيبة (2/ 135/ 7364)، وأبو يعلى (10/ 50/ 5684)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2266 و 2267 و 2269 و 2270)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 389/ 1086)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 152)، وفي أحكام القرآن (294)، والطبراني في الكبير (12/ 329/ 13259)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (3/ 305)، وابن أخي ميمي الدقاق في فوائده (39 و 347)، وأبو طاهر المخلص في جزء ابن الطلاية (36)(2946 - المخلصيات)، والبيهقي (2/ 453)، وابن عبد البر في التمهيد (22/ 329)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (17/ 138)، [التحفة (5/ 285/ 7322) و (7/ 245/ 10544)، الإتحاف (8/ 585/ 10001)، المسند المصنف (14/ 153/ 6814)].
* وانظر فيمن وهم في إسناده على هشام بن عروة: شرح المعاني (1/ 151)، علل الدارقطني (13/ 174/ 3061)، الإتحاف (8/ 427/ 9701).
* وفي بعض روايات الموطأ: رواه مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه مرسلًا.
أخرجه مالك (21 م - رواية القعنبي)(32 - رواية أبي مصعب الزهري)(18 م - رواية سويد بن سعيد الحدثاني).
قال الدارقطني: "والصحيح: قول يحيى القطان ومن تابعه"[وانظر الأحاديث التي خولف فيها مالك (82)].
ج - ورواه وكيع بن الجراح، وعبد الله بن نمير، ومحمد بن بشر، وعبدة بن سليمان، ويحيى بن سعيد القطان، وزائدة بن قدامة، وعلي بن مسهر، ومحاضر بن المورع، وأبو معاوية محمد بن خازم، وشعيب بن إسحاق [وهم ثقات]، وغيرهم:
عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا بدا حاجب الشمس، فأخِّروا الصلاة حتى تبرز [وفي رواية للقطان عند البخاري: حتى ترتفع]، وإذا غاب حاجب الشمس، فأخِّروا الصلاة حتى تغيب".
وفي رواية: "إذا طلع حاجب الشمس فدعوا الصلاة حتى تبرز، وإذا غاب حاجب الشمس فدعوا الصلاة حتى تغيب".
وفي أخرى [عند ابن حبان]: "إذا برز حاجب الشمس، فأمسكوا عن الصلاة حتى يستوي، فإذا غاب حاجب الشمس، فأمسكوا عن الصلاة حتى يغيب".
أخرجه البخاري (583 و 3272)، ومسلم (829)، وأبو عوانة (1/ 320/ 1137 و 1138)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 422/ 1873)، والنسائي في المجتبى (1/ 279/ 571)، وفي الكبرى (2/ 215/ 1562)، وابن خزيمة (2/ 256/ 1273)، وابن حبان (4/ 412/ 1545) و (4/ 435/ 1568)، وأحمد (2/ 13 و 19 و 106)، وابن أبي شيبة (2/ 135/ 7365)، وأبو يعلى (10/ 49/ 5683)، وأبو العباس السراج في مسنده (1540 -
1542 و 1544)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (2268 و 2269 و 2336 - 2339)، والطحاوي في أحكام القرآن (294)، والطبراني في الكبير (12/ 329/ 13258)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (3/ 305)، والبيهقي (2/ 453)، وابن عبد البر في التمهيد (22/ 329)، [التحفة (5/ 285/ 7322)، الإتحاف (8/ 586/ 10006)، المسند المصنف (14/ 151/ 6813)].
* ومنهم من جمع الحديثين في سياق واحد بإسناد واحد، مثل: يحيى القطان، وابن نمير، وأبي معاوية [عند أحمد (2/ 13)، والسراج، والطحاوي في الأحكام].
قال ابن عبد البر في التمهيد (22/ 330): "وهذا أثبت ما يكون من الأسانيد، وأصحها مسندًا، وهما حديثان، ومعناهما واحد".
* وانظر فيمن وهم في إسناده على هشام بن عروة فسلك فيه الجادة، أو أرسله، أو وهم فيه على عروة: شرح المعاني (1/ 151)، علل الدارقطني (13/ 173/ 3060) و (14/ 207/ 3560)، الإتحاف (8/ 427/ 9701).
قال الدارقطني: "والصحيح: قول من قال: عن ابن عمر".
وقال ابن رجب في الفتح (3/ 265): "والصواب: حديث عروة عن ابن عمر، ومن قال: عن عائشة فقد وهم؛ ذكره الدارقطني وغيره، فإن عروة عن عائشة: سلسلة معروفة يسبق إليها لسانُ من لا يضبط ووهمُه، بخلاف: عروة عن ابن عمر؛ فإنه غريب، لا يقوله إلا حافظ متقن".
* وقصر به مالك فأرسله، والصحيح وصله:
فرواه مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه؛ أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا بدا حاجب الشمس، فأخروا الصلاة حتى تبرز، وإذا غاب حاجب الشمس، فأخروا الصلاة حتى تغيب".
أخرجه مالك في الموطأ (1/ 301/ 585 - رواية يحيى الليثي)(32 - رواية أبي مصعب الزهري)(21 م - رواية القعنبي)(18 م - رواية الحدثاني).
قال الدارقطني: "والصحيح: قول من قال: عن ابن عمر"[وانظر الأحاديث التي خولف فيها مالك (82)].
وقال ابن عبد البر في التمهيد (22/ 327): "وهذا أيضًا لم يختلف عن مالك في إرساله، وقد رواه أيوب بن صالح عن مالك عن هشام عن أبيه، ولم يتابع عليه عن مالك، وأيوب بن صالح هذا: ليس بالمشهور بحمل العلم، ولا ممن يحتج به"، ثم أسنده، ثم قال:"وقد رواه جماعة من الحفاظ عن هشام بن عروة عن أبيه عن ابن عمر، وهو حديث محفوظ عن ابن عمر من وجوه"[قلت: وأيوب بن صالح المخزومي المدني: ضعيف، روى عن مالك ما لم يتابع عليه. اللسان (2/ 246)].
د - وروى ثابت بن عُمارة، عن أبي تميمة الهجيمي، عن ابن عمر، قال: صليت مع
النبي صلى الله عليه وسلم، ومع أبي بكر، وعمر، وعثمان، فلا صلاة بعد الغداة حتى تطلع الشمس.
أخرجه أحمد (2/ 24 و 106)، وابن أبي شيبة (2/ 132/ 7338)، [الإتحاف (9/ 410/ 11565)، المسند المصنف (14/ 158/ 6817)].
هكذا رواه عن ثابت بن عمارة: وكيع بن الجراح [وهو: ثقة حافظ].
* خالفه: أبو بحر البكراوي عبد الرحمن بن عثمان [ضعيف له غرائب]، قال: حدثنا ثابت بن عمارة: حدثنا أبو تميمة الهجيمي، قال: لما بعثنا الرَّكْبَ [قال أبو داود: يعني إلى المدينة]، قال: كنتُ أقصُّ بعد صلاة الصبح، فأسجد، فنهاني ابن عمر، فلم أنته، ثلاث مرات، ثم عاد، فقال: إني صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهما، فلم يسجدوا حتى تطلع الشمس.
أخرجه أبو داود (1415)، ومن طريقه: البيهقي (2/ 326)، [التحفة (5/ 215/ 7110)، المسند المصنف (14/ 158/ 6817)].
قال البيهقي: "وهذا إن ثبت مرفوعًا فيختار له تأخير السجدة حتى يذهب وقت الكراهة، وإن لم يثبت رفعه فكأنه قاسها على صلاة التطوع".
قلت: هو حديث منكر بهذا السياق في سجود التلاوة، لتفرد أبي بحر البكراوي به.
وأما رواية وكيع: فإن كان حفظه ثابت بن عمارة، فهو محمول على رواية أيوب السختياني، وابن جريج، كلاهما عن نافع، عن ابن عمر، قال: أما أنا فإني أصلي كما رأيت أصحابي يصلون؛ يعني: في ترك الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وترتفع، بدليل ما ثبت عنه: أنه جاء فدخل المسجد وهم في صلاة الصبح، ولم يكن صلى ركعتي الفجر، فدخل معهم في صلاتهم، ثم انتظر حتى إذا طلعت الشمس وحلت الصلاة صلاهما. وفي رواية: أن عبد الله بن عمر فاتتاه [يعني: ركعتي الفجر]، فصلاهما بعدما طلعت الشمس. وفي أخرى: أنه جاء إلى القوم وهم في الصلاة، ولم يكن صلى الركعتين، فدخل معهم ثم جلس في مصلاه، فلما أضحى قام فقضاهما [راجع ما تقدم تحت الحديث رقم (1268)].
وثابت بن عمارة الحنفي أبو مالك البصري: لا بأس به، وثقه ابن معين وأبو داود والدارقطني، وقال أحمد:"ليس به بأس"، وقال النسائي:"لا بأس به"، وقال أبو حاتم:"ليس عندي بالمتين"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال يحيى بن سعيد القطان:"هؤلاء أقوى منه"؛ يعني: عبد المؤمن بن خالد الحنفي، وعبد ربه بن بارق الحنفي، وكلاهما: لا بأس به [تاريخ ابن معين للدوري (4/ 335/ 4674)، سؤالات ابن الجنيد (649)، العلل ومعرفة الرجال (2/ 502/ 3311)، التاريخ الكبير (2/ 166)، الجرح والتعديل (2/ 455)، سؤالات الآجري (915)، الثقات (6/ 127)، مشاهير علماء الأمصار (1226)، سؤالات البرقاني (63)، تاريخ أسماء الثقات (145)، تاريخ الإسلام (9/ 85)، التهذيب (1/ 266)].
هـ - وروى موسى بن مسعود أبو حذيفة [النهدي: صدوق، كثير الوهم، سيئ الحفظ، وكان يصحف، ليس بذاك في الثوري، وضعفه جماعة في سفيان. التقريب (619)، شرح علل الترمذي (2/ 726)، التهذيب (4/ 188)]، وعوف بن محمد أبو غسان [المرادي: ثقة. الجرح والتعديل (7/ 16)، الثقات (8/ 521)، تاريخ بغداد (14/ 231 - ط. الغرب)، الثقات لابن قطلوبغا (7/ 413)]:
عن محمد بن مسلم الطائفي، عن عمرو بن دينار قال: رأيت عبد الله بن عمر يصلي بعد الصبح بمكة، وقال: إنما تكره الصلاة عند طلوع الشمس؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنها تطلع بين قرني شيطان".
أخرجه أبو العباس السراج في مسنده (1539)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (2335)، والطبراني في الأوسط (2/ 49/ 1210)، والدارقطني في الأفراد (1/ 544/ 3125 - أطرافه).
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن عمرو إلا محمد، تفرد به: عوف".
وقال الدارقطني: "تفرد به: عوف بن محمد عن محمد بن مسلم عن عمرو".
قلت: هو محفوظ من حديث أبي حذيفة النهدي، فهو متابع لعوف على هذا الحديث؛ لكن الشأن في تفرد محمد بن مسلم الطائفي به عن عمرو بن دينار المكي، ومحمد بن مسلم: صدوق، يخطئ إذا حدث من حفظه، وله غرائب، وقد ضعفه أحمد على كل حال، من كتاب وغير كتاب، كما أنه كثيرًا ما يخالف سفيان بن عيينة في عمرو بن دينار [انظر: التهذيب (3/ 696)، الميزان (4/ 40)، التقريب (564)].
قلت: فهو حديث منكر؛ إذ المحفوظ عن ابن عمر أنه لم يكن يصلي شيئًا بعد صلاة الصبح، ويقول: أما أنا فإني أصلي كما رأيت أصحابي يصلون، وتقدم بيان ذلك.
و - وروي عن شعبة، قال: سمعت شيخًا بواسط يقال له: شعيب أو أبو شعيب، قال: سمعت طاووسًا، يقول: سئل ابن عمر عن الركعتين بعد العصر، فقال: ما رأيت -أو: ما رأينا- أحدًا يصليهما، قال: وسئل عن الركعتين قبل النوم فلم ينه عنهما.
أخرجه أبو نعيم في الحلية (10/ 30).
* وهذا غريب من حديث شعبة، ولا يثبت عنه، إنما المعروف عنه في ذلك:
ما رواه محمد بن جعفر، وأبو داود الطيالسي: عن شعبة، عن أبي شعيب، عن طاووس، قال: سئل ابن عمر صلى الله عليه وسلم عن الركعتين قبل المغرب؟ فقال: ما رأيت أحدًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما، ورخص في الركعتين بعد العصر.
وهو حديث شاذ؛ يأتي تخريجه قريبًا إن شاء الله تعالى برقم (1284).
* روى هذا الحديث عن ابن عمر في النهي عن تحري الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها: نافع، وعروة بن الزبير.
ز - وخالفهما: مسلم بن أبي مسلم الخياط [لا بأس به، قليل الحديث. سؤالات ابن
أبي شيبة (88)، العلل ومعرفة الرجال (2/ 512/ 3372)، تاريخ ابن معين للدارمي (753)، تاريخ ابن معين للدوري (3/ 182/ 812)، التاريخ الكبير (7/ 260 و 272)، الجرح والتعديل (8/ 196)، الثقات (5/ 398)، سؤالات البرقاني (489)، التعجيل (1031)]، فرواه عن ابن عمر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتلقى الركبان، أو يبيع حاضر لباد، ولا يخطب أحدكم على خطبة أخيه، حتى ينكح أو يدع، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس، ولا بعد الصبح حتى ترتفع الشمس أو تضحى.
أخرجه أحمد (2/ 42)، قال: حدثنا يزيد [يعني: ابن هارون: ثقة متقن]: أخبرنا ابن أبي ذئب [ثقة]، عن مسلم الخياط به.
* ورواه أبو داود الطيالسي، قال: حدثنا ابن أبي ذئب، عن مسلم الحناط، قال: سمعت رجلًا من أهل العراق، سأل ابن عمر، فقال ابن عمر: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ويرتفع النهار، وعن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس.
أخرجه الطيالسي (3/ 438/ 2041).
* ورواه بدون موضع الشاهد بطرف منه، أو بتمامه:
أبو داود الطيالسي، وشبابة بن سوار، وعلي بن الجعد، وأسد بن موسى، ومحمد بن إسماعيل بن أبي فديك [وهم ثقات]:
عن ابن أبي ذئب، عن مسلم الحناط، قال: سمعت ابن عمر، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تلقوا الركبان، ولا يبع حاضر لباد، ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يدع". لفظ الطيالسي. ولفظ ابن الجعد: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتلقى الأجلاب، ولا يبيع حاضر لباد.
أخرجه الشافعي في الأم (5/ 39)، وفي المسند (292)، والطيالسي (3/ 439/ 2042)، وابن أبي شيبة (4/ 346/ 20894)(11/ 475/ 22165 - ط. الشثري)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (2775)، والطحاوي (4/ 10)، والطبراني في الكبير (12/ 259/ 13280).
* تابع ابنَ أبي ذئب على رفعه بطرف منه:
عبدُ الرحمن بن إسحاق [المدني: صدوق]، عن مسلم بن أبي مسلم، قال: رأيت أبا هريرة ونحن غلمان تجيء الأعراب، نقول: يا أعرابي! نحن نبيع لك، قال: دعوه، فليبع سلعته، فقال أبو هريرة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يبيع حاضر لباد.
أخرجه أحمد (2/ 254)، والبخاري في التاريخ الكبير (7/ 260)، والخطيب في المتفق والمفترق (3/ 1904/ 1509).
* خالفهما فأوقفه:
سفيانُ بن عيينة، فرواه عن مسلم الخياط، أنه سمع أبا هريرة، يقول: نهي أن يبيع
حاضر لباد، وسمع ابن عمر يقول: لا يبيع حاضر لباد. هكذا موقوفًا على أبي هريرة وابن عمر.
أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 346/ 20896) و (7/ 36523/324)(11/ 475/ 22167 و 22168 - ط. الشثري) و (20/ 339/ 39281 - ط. الشثري)، وعلي بن حرب الطائي في الثاني من حديث ابن عيينة (21)، وابن عبد البر في التمهيد (18/ 200)، وفي الاستذكار (6/ 531).
قلت: يحتمل أن يكون الاختلاف في رفعه ووقفه من قِبَل مسلم الخياط نفسه.
* وهذا الحديث عن ابن عمر بأطرافه الثلاث: في النهي عن تلقي الركبان، والنهي عن بيع الحاضر للباد، والنهي عن خطبة الرجل على خطبة أخيه: قد رواه جماعة من أصحاب ابن عمر: نافع، وزيد بن أسلم، وغيرهما.
وهو في الصحيحين [البخاري (2139 و 2142 و 2165 و 5142 و 6963)، ومسلم (1412 و 1516)]، ويأتي تخريجه إن شاء الله تعالى في السنن برقم (2081 و 3436)، وانظر: المسند المصنف (15/ 275 - 281/ 7303 - 7306).
وأما طرفه الرابع: في النهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ويرتفع النهار، وعن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس: فليس بمحفوظ، وهم فيه مسلم الخياط، والمحفوظ:
ما رواه نافع، عن ابن عمر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"لا يَتحرَّى أحدُكم فيصلي عند طلوع الشمس، ولا عند غروبها".
وما رواه عروة بن الزبير عن ابن عمر مرفوعًا: "لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس، ولا غروبها، فإنها تطلع بين قرني شيطان".
قال ابن رجب في الفتح (3/ 270) عن حديث الخياط: "وهذا غريب عن ابن عمر، بل منكر؛ فإنه لا يصح عنه رواية في النهي عن الصلاة بعد الفجر والعصر؛ فقد صح عنه أنه رخص في ذلك".
* وله إسناد آخر واهٍ عن ابن عمر [أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (2/ 397/ 1571)][قلت: وهو حديث منكر، تفرد به عن عبد الله بن أبي قيس: محمد بن سليمان بن أبي ضمرة الحمصي: قال أبو حاتم: "حدثنا الوحاظي عنه بأحاديث مستقيمة"، وذكره ابن حبان في الثقات، لكن الراوي عنه هنا: ابنه نصر بن محمد بن سليمان بن أبي ضمرة الحمصي، وهو: ضعيف جدًا، شبه المتروك، وتقدم الكلام عن هذا الإسناد في طرق حديث عائشة برقم (17)].
3 -
حديث عائشة:
رواه عبد الله بن طاووس، عن أبيه، عن عائشة، أنها قالت: لم يدع رسول الله صلى الله عليه وسلم الركعتين بعد العصر، قال: فقالت عائشة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تتحروا طلوع الشمس، ولا غروبها؛ فتصلوا عند ذلك".
أخرجه مسلم (833)، وتقدم تخريجه قريبًا في طرق حديث عائشة.
* وروى يزيد بن زريع، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي:
عن حبيب المعلم، عن عطاء، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها؛ أن أناسًا طافوا بالبيت [وفي رواية الثقفي: حدثني عروة بن الزبير؛ أن أناسًا طافوا بالبيت
…
] بعد صلاة الصبح، ثم جلسوا إلى المذكِّر، فقالت عائشة رضي الله عنها: قعدوا حتى إذا حانت ساعة يكره فيها الصلاة قاموا يصلون [لفظ يزيد عند البيهقي]. وفي رواية يزيد عند البخاري: ثم قعدوا إلى المذكِّر حتى إذا طلعت الشمس قاموا يصلون.
أخرجه البخاري (1628)، وابن أبي شيبة (2/ 134/ 7360)(5/ 77 / 7558 - ط. الشثري)، والبيهقي (2/ 462)، [التحفة (11/ 327/ 16376)، المسند المصنف (37/ 65/ 17743)].
* ورواه ابن جريج، عن عطاء، عن عروة بن الزبير، عن عائشة، أنها قالت: انظروا إلى هؤلاء الذين تركوا الصلاة، حتى إذا كانت الساعة التي تكره الصلاة فيها قاموا يصلون، قال: وذلك حين قام القاصُّ بُكرةً، قال عطاء: أظن حين حان طلوع الشمس.
أخرجه عبد الرزاق (2/ 427/ 3955).
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
قال البيهقي: "وكانت عائشة رضي الله عنها أباحت ركعتي الطواف بعد صلاة الفجر، وكرهتهما عند طلوع الشمس، والله أعلم".
4 -
حديث سمرة بن جندب:
رواه غندر محمد بن جعفر، وأبو داود الطيالسي [وعنه: يونس بن حبيب]، وحجاج بن محمد المصيصي، ووهب بن جرير، ووهيب بن خالد، وأبو زيد سعيد بن الربيع الهروي [وهم ثقات وفيهم أثبت الناس في شعبة]:
عن شعبة، عن سماك، قال: سمعت المهلب بن أبي صفرة، يحدث عن سمرة بن جندب [وفي رواية سعيد بن الربيع: سمعت المهلب بن أبي صفرة يخطب، قال: سمعت سمرة، أو: عن سمرة، وفي رواية لغندر: سمعت سمرة، بغير تردد]؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا تصلوا حين تطلع الشمس، ولا حين تغرب [وفي رواية: ولا حين تسقط]، فإنها تطلع بين قرني شيطان، وتغرب بين قرني شيطان"[لفظ غندر عند أحمد وابن خزيمة والروياني].
وفي رواية: "لا تصلوا حين تطلع الشمس، فإنها تطلع بين قرني شيطان، ولا حين تغيب، فإنها تغيب بين قرني شيطان"[لفظ حجاج عند أحمد].
وفي ثالثة: "لا صلاة حين تطلع الشمس، ولا حين تسقط الشمس؛ فإنها تطلع بين قرني شيطان، وتسقط بين قرني شيطان"[لفظ أبي زيد الهروي].
وفي رابعة: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاةٍ قبل طلوع الشمس، فإنها تطلع بين قرني الشيطان -أو: على قرني شيطان-[لفظ الطيالسي في مسنده].
أخرجه ابن خزيمة (2/ 256/ 1274)، وأحمد (5/ 15 و 20)، والطيالسي (2/ 218/ 938)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3/ 31/ 1317)، والروياني (849)، وأبو العباس السراج في مسنده (1523)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (2285)، والطحاوي (1/ 152)، والطبراني في الكبير (7/ 6973/234)، وابن عبد البر في التمهيد (4/ 10)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (61/ 281 و 282)، [الإتحاف (6/ 20/ 6061)، المسند المصنف (9/ 446/ 4595)].
وانظر في الأوهام: ما أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (61/ 282).
* ورواه أبو بكر ابن أبي شيبة، وعمرو بن علي الفلاس [وهما ثقتان حافظان]:
قالا: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا شعبة، عن سماك بن حرب، قال: سمعت المهلب بن أبي صفرة يحدث عن سمرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس؛ فإنها تطلع بين قرني شيطان. لفظ الفلاس.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 131/ 7325)(5/ 67/ 7523 - ط. الشثري)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3/ 30/ 1316)، والبزار (10/ 394/ 4533)، والطبراني في الكبير (7/ 234/ 6974).
وهذه الرواية وهم من أبي داود الطيالسي، وهو: ثقة حافظ، من أصحاب شعبة، وله أغلاط، وهذا من أغلاطه، والصواب رواية الجماعة عن شعبة، لا سيما وفيهم جماعة من ثقات أصحابه، أثبتهم فيه: غندر، وقد لازمه عشرين سنة، وكان كتابه حكمًا بين أصحاب شعبة، وكان مقدَّمًا فيه على كثير من كبار أصحابه، والله أعلم.
* قال البزار: "ولا نعلم أسند المهلب بن أبي صفرة عن سمرة غير هذا الحديث، ولا نعلم رواه عن سماك إلا شعبة".
قلت: هو حديث صحيح.
والمهلب بن أبي صفرة: من ثقات الأمراء، من الطبقة الثانية، أدرك سمرة، وسمع منه، وقد جزم بسماعه البخاري في تاريخه، وتبعه على ذلك مسلم في الكنى [التاريخ الكبير (8/ 25)، كنى مسلم (1277)، تاريخ دمشق (285)].
وانظر في ترجمة سماك بن حرب، وتفصيل الكلام عنه: الأحاديث المتقدمة برقم (68 و 375 و 447 و 622 و 656)، وهذا الحديث ليس من رواية سماك عن عكرمة، والتي وقع لسماك فيها الاضطراب، فقد أمنا فيه سلوك الجادة والطريق السهل، فإن المهلب بن أبي صفرة عن سمرة: تحتاج إلى ضبط، لقلة ما يروى بها من الحديث، فهو من صحيح حديثه، وقد صححه ابن خزيمة، والله أعلم.
وهذا الحديث رواه عنه من القدماء: شعبة، وهو ممن سمع منه قديمًا ممن لم يكن يروج عليه ما يُلقَّنه سماك، والله أعلم.
* خالف هؤلاء جميعًا فوهم في إسناده ومتنه:
عمرو بن حكام [ضعيف. اللسان (6/ 200)]، فقال: حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، قال: سمعت المهلب بن أبي صفرة، عن سمرة بن جندب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الصلاة لا تحرم إلا في ساعتين: عند طلوع الشمس، وعند غروبها، فإنها تغرب بين قرني شيطان، وتطلع بين قرني شيطان".
أخرجه حمزة السهمي في تاريخ جرجان (506)، بإسناد فيه جهالة إلى عمرو به.
وأخرجه الدارقطني في الأفراد (1/ 404/ 2194 - أطرافه) من وجه آخر عن عمرو بن حكام، وحكم بتفرده من هذا الوجه، ثم قال:"وغيره يرويه عن شعبة عن سماك عن سمرة" كذا بإسقاط المهلب.
* وروي عن سماك به من وجه آخر شديد الوهاء [أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (61/ 281)][وفي إسناده: أبو مريم عبد الغفار بن القاسم، وهو: رافضي، متروك الحديث، بل كان يضع الحديث. اللسان (5/ 226)، والراوي عنه: إسماعيل بن عمرو البجلي، وهو: ضعيف، صاحب غرائب ومناكير. اللسان (1/ 155)].
* وروي من صحيفة سمرة التي رواها عنه بنوه [أخرجه البزار (10/ 448/ 4606)، والطبراني في الكبير (7/ 248/ 7007 و 7008)][من طرق عن: جعفر بن سعد بن سمرة: حدثني خبيب بن سليمان، عن أبيه سليمان، عن سمرة بن جندب، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نصلي أية ساعة شئنا من الليل والنهار، غير أنه أمرنا أن نتجنب طلوع الشمس وغروبها، وقال: "إن الشيطان يغيب معها، ويطلع معها حين تطلع"][وهذا إسناد جيد في المتابعات، وقد سبق تفصيل الكلام عن إسناد صحيفة سمرة هذا، عند الحديث السابق برقم (456)، وذكرت هناك كلام العلماء في هذه الصحيفة وإسنادها، والحاصل: أن الذي يترجح عندي في هذا الإسناد: أنه إسناد صالح في الشواهد والمتابعات، لا ينهض على انفراده بإثبات حكم، أو تثبت به سنة، فإن جاء بمخالفة ما صح فهو منكر، وانظر أيضًا ما تقدم برقم (675 و 845 و 975 و 1001 و 1057)].
* وروي من وجه آخر عن سمرة بن جندب، وهو ضعيف أيضًا [أخرجه أبو مسلم الكجي في حديث محمد بن عبد الله الأنصاري (72)، والبزار (10/ 445/ 4602) (611 - كشف)، والطبراني في الكبير (7/ 227/ 6946)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 1416/ 3580)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (43/ 186)][وفي إسناده: إسماعيل بن مسلم المكي: ضعيف، عنده عجائب، ويروي عن الثقات المناكير، قال أحمد: "ويسند عن الحسن عن سمرة: أحاديث مناكير"، العلل ومعرفة الرجال (2/ 352/ 2556)، ضعفاء العقيلي (1/ 92)، الكامل (1/ 283)، التهذيب (1/ 167)].
5 -
حديث عقبة بن عامر الجهني:
رواه عبد الله بن وهب، ووكيع بن الجراح، وعبد الله بن المبارك، وعبد الرحمن بن
مهدي، والليث بن سعد، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وأبو أحمد الزبيري، ووهب بن جرير، وأبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرئ، وسفيان بن حبيب، وزيد بن حباب، وبشر بن بكر التنيسي، وأبو عامر العقدي عبد الملك بن عمرو، وروح بن القاسم، وأبو صالح عبد الله بن صالح [وهم ثقات، وفيهم جماعة من كبار الحفاظ]، وسعد بن يزيد الفراء [ذكره ابن حبان في الثقات، وأخرج له في صحيحه، وقال الذهبي: "محله الصدق"، الثقات (8/ 283)، السير (10/ 480)، تاريخ الإسلام (16/ 171)، الثقات لابن قطلوبغا (4/ 447)]، وغيرهم:
عن موسى بن علي، قال: سمعت أبي، يقول: سمعت عقبة بن عامر الجهني، يقول: ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن، أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل [وفي رواية: تزول] الشمس، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب. وفي رواية سعد الفراء: وحين تصوَّب الشمس لغروبها.
وفي رواية الليث [وعنه: أبو النضر هاشم بن القاسم، وهو: ثقة ثبت، وقيس بن الربيع، وهو: ليس بالقوي، ويحيى بن العلاء الرازي البجلي، وهو: كذاب يضع الحديث، وخارجة بن مصعب، وهو: متروك، يدلس عن الكذابين][عند الحرفي، وأبي نعيم في المستخرج، وابن عبد البر، وغيرهم]: عند طلوع الشمس حتى تبيض، وعند انتصاف النهار حتى تزول، وعند اصفرار الشمس وإضافتها حتى تغيب. وهذه رواية بالمعنى، فقد اتفق جمع من الثقات الحفاظ على اللفظ الأول، والله أعلم.
أخرجه مسلم (831)، وأبو عوانة (1/ 322/ 1145)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 424/ 1876)، وأبو داود (3192)، والترمذي (1030)، وقال:"هذا حديث حسن صحيح"، والنسائي في المجتبى (1/ 275/ 560) و (1/ 277/ 565) و (4/ 82/ 2013)، وفي الكبرى (2/ 213/ 1555) و (2/ 215/ 1560) و (2/ 457/ 2151)، وابن ماجه (1519)، والدارمي (1574 - ط. البشائر)، وابن حبان (4/ 413/ 1546) و (4/ 419/ 1551)، وأحمد (4/ 152)، والطيالسي (2/ 343/ 1094)، وعبد الرزاق (3/ 525/ 6569)، وابن أبي شيبة (2/ 134/ 7357)(5/ 76/ 7555 - ط. الشثري)، وابن عبد الحكم في فتوح مصر (139)، وأبو يعلى (3/ 292/ 1755)، والروياني (201 و 202)، وأبو العباس السراج في مسنده (1543)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (2340)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 389/ 1088) و (5/ 396/ 3076)، والحكيم الترمذي في المنهيات (216)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 151)، وفي المشكل (10/ 133/ 3972)، وفي أحكام القرآن (292 و 293)، وأبو محمد الفاكهي في فوائده عن ابن أبي مسرة (15)، والطبراني في الكبير (17/ 289/ 797 و 798)، وفي الأوسط (3/ 291/ 3184) و (8/ 237/ 8506)، وابن عدي في الكامل (6/ 45)، وأبو القاسم الحرفي في
الأول من فوائده بتخريج أبي القاسم الطبري (4)، وابن بشران في الأمالي (1113)، وابن حزم في المحلى (3/ 12) و (5/ 115)، والبيهقي في السنن (2/ 454) و (4/ 32)، وفي المعرفة (2/ 281/ 1332)، وابن عبد البر في التمهيد (4/ 27 و 28)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 327/ 778)، وقال:"هذا حديث صحيح"، وابن عساكر في الأربعين (32)، وأبو موسى المديني في اللطائف (263)، وقال:"هذا حديث صحيح"، [التحفة (9/ 616/ 9939)، الإتحاف (11/ 197/ 13881) و (11/ 235/ 13952)، المسند المصنف (20/ 381/ 9311)].
قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: يكرهون الصلاة على الجنازة في هذه الساعات.
وقال ابن المبارك: معنى هذا الحديث: أن نقبر فيهن موتانا؛ يعني: الصلاة على الجنازة، وكره الصلاة على الجنازة عند طلوع الشمس، وعند غروبها، وإذا انتصف النهار حتى تزول الشمس، وهو قول أحمد، وإسحاق.
قال الشافعي: لا بأس في الصلاة على الجنازة في الساعات التي تكره فيهن الصلاة".
6 -
حديث بلال:
رواه عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان [الثوري]، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن بلال، قال: لم يُنْهَ عن الصلاة إلا عند غروب الشمس؛ لأنها تغرب في قرن الشيطان.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 134/ 7359)، والروياني (732)، [المسند المصنف (4/ 390/ 2185)].
* ورواه يحيى بن سعيد القطان، ووكيع بن الجراح، وأبو داود الطيالسي، وأبو النضر هاشم بن القاسم [وهم ثقات حفاظ]، وأبو قطن عمرو بن الهيثم القطعي [بصري، ثقة]، وعمرو بن حكام [ضعيف]:
عن شعبة، عن قيس بن مسلم، عن [وفي رواية: قال: سمعت] طارق بن شهاب، عن بلال، قال: لم يكن يُنهَى عن الصلاة إلا عند طلوع الشمس؛ فإنها تطلع بين قرني الشيطان.
أخرجه أحمد (6/ 12)، والطيالسي (2/ 1213/440)، وأحمد بن منيع في مسنده (1/ 464/ 865 - إتحاف الخيرة)، ومسدد في مسنده (1/ 465/ 865 - إتحاف الخيرة)، والحارث بن أبي أسامة (1/ 465/ 865 - إتحاف الخيرة)(215 - بغية الباحث)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 400/ 1108)، والهيثم بن كليب الشاشي في مسنده (2/ 371/ 977)، والطبراني في الكبير (1/ 352/ 1070)، [الإتحاف (2/ 653/ 2448)، المسند المصنف (4/ 390/ 2185)].
قلت: طارق بن شهاب: صحابي؛ رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو كبير، ولم يثبت له منه سماع، وغزا في خلافة أبي بكر، وهو ممن أدرك الجاهلية، وحديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل، ومراسيل الصحابة مقبولة وهي حجة [راجع ترجمته تحت الحديث رقم (339)، والحديث رقم (1067)].
والراوي عنه: قيس بن مسلم الجدلي الكوفي: ثقة، روى له الجماعة، وقد سمع من طارق بن شهاب، وقد روى عنه سفيان الثوري طرفًا من الحديث، وروى عنه شعبة الطرف الآخر، فهما حديثان متكاملان، وليسا متعارضين؛ إذ النهي عن الصلاة عند الطلوع مقترن بالنهي عنها عند الغروب، كما جاء في الأحاديث السابقة، ولم يختص النهي بأحدهما دون الآخر، قال ابن رجب في الفتح (3/ 277):"والظاهر: استواء الطلوع والغروب، ولا يُعلم عن أحد التفريق بينهما"، والله أعلم.
قلت: فهو حديث صحيح، والله أعلم.
7 -
حديث أنس بن مالك:
رواه محمد بن عبد الله بن نمير [كوفي، ثقة حافظ]، وأبو بشر بكر بن خلف [بصري، ثقة]:
عن روح بن عبادة [بصري، ثقة]، قال: ثنا أسامة بن زيد [الليثي المدني]، عن حفص بن عبيد الله بن أنس، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة عند طلوع الشمس، ولا عند غروبها؛ فإنها تطلع وتغرب على قرني شيطان، وصلوا بين ذلك ما شئتم".
أخرجه أبو يعلى (7/ 220/ 4216)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 389/ 1089)، والضياء في المختارة (5/ 255/ 1883)، [المسند المصنف (1/ 569/ 409)].
* خالفهما: محمد بن المثني أبو موسي الزمن [بصري، ثقة ثبت]: حدثنا روح بن عبادة، عن أسامة بن زيد، عن حفص، عن أنس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلا بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الفجر حتى تطلع الشمس.
أخرجه البزار (13/ 98/ 6460).
قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم رواه عن حفص إلا أسامة بن زيد".
قلت: هما روايتان متعارضتان: إحداهما تخص النهي بوقت الطلوع والغروب حسب، وتبيح لمن شاء أن يصلي متى شاء في غير هذين الوقتين المضيقين، والأخرى تمنعه من الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الفجر حتى تطلع الشمس، فمنعته من الصلاة في الوقتين اللذين أبيح له الصلاة فيهما بنص الرواية الأخرى؛ فتعارضتا.
ويحتمل أن يكون الوهم من روح بن عبادة نفسه [راجع ترجمته من التهذيب (1/ 614)]، وأنه اضطرب في هذا الحديث فرواه مرة هكذا، ومرة هكذا.
ويحتمل أن يكون الوهم فيه من أسامة بن زيد الليثي مولاهم المدني، فهو: صدوق، صحيح الكتاب، يخطئ إذا حدث من حفظه، وقد أنكروا عليه أحاديث [تقدمت ترجمته
مفصلة عند الحديث رقم (394 و 600 و 619)]، وقد تفرد به عن حفص بن عبيد الله بن أنس بن مالك، وهو: بصري، صدوق، وقد أثبت أبو حاتم سماع حفص بن عبيد الله بن أنس من جده أنس بن مالك، وروايته عنه في الصحيحين، وفيها إثبات السماع [صحيح البخاري (1107 و 1110)، صحيح مسلم (624 و 897)، الجرح والتعديل (3/ 176)].
فهو حديث غريب مضطرب.
* ويغلب على ظني أن أصل هذا الحديث عن أنس هو ما رواه:
ابن وهب، قال: حدثني أسامة بن زيد: أن حفص بن عبيد الله بن أنس حدثه، قال: سمعت أنس بن مالك، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بصلاة المنافق: يدع العصر، حتى إذا كانت بين قرني الشيطان -أو: على قرني الشيطان- قام فنقرها نقرات الديك، لا يذكر الله فيها إلا قليلًا".
وهذا إسناد حسن [فضل الرحيم الودود (5/ 131/ 413)]، وقد رواه مسلم (622) من طريق: إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أنس بن مالك مرفوعًا، وفيه قصة، وقد تابع إسماعيلَ عليه جماعةٌ من الثقات، منهم مالك بن أنس، ومن طريقه: أخرجه أبو داود برقم (413)[راجع: فضل الرحيم الودود (5/ 129/ 413)].
8 -
حديث أبي بشير الأنصاري:
رواه ابن وهب، قال: حدثني مخرمة بن بكير، عن أبيه، عن سعيد بن نافع، قال: رآني أبو بشير الأنصاري وأنا أصلي صلاة الضحى حين طلعت الشمس، فنهاني، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصلوا حتى ترتفع الشمس، فإنها تطلع بين قرني الشيطان".
أخرجه أحمد (5/ 216)(9/ 5125/ 22307 - ط. المكنز)، وابنه عبد الله في زيادات المسند (5/ 216)، والبخاري في الكنى (15)، والبزار (6/ 275/ 2304)، وأبو يعلى في المسند (3/ 143/ 1572)، وفي المفاريد (84)، والطبراني في الأوسط (6/ 323/ 6524)، والدارقطني في الأفراد (2/ 189/ 4621 - أطرافه)، والمؤمل بن أحمد الشيباني في فوائده (47)، [الإتحاف (14/ 32/ 17398)، المسند المصنف (26/ 328/ 11909)].
تنبيه: هكذا وقع في معظم المصادر: أبو بشير الأنصاري؛ كذا هو في المسند والتاريخ ومعجم الطبراني والأفراد وفوائد المؤمل، ووقع في مسند البزار: أبو اليسر، وعند أبي يعلى: أبو هبيرة، وكلاهما خطأ، والصواب الأول، كما رواه جماعة عن ابن وهب، وبه ترجم له جماعة [انظر: الجرح والتعديل (9/ 347)، الاستيعاب (4/ 1610)، تاريخ الإسلام (5/ 280)، الإصابة (7/ 40 و 41 و 424)، التهذيب (4/ 486)].
قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم يروى عن أبي اليسر إلا من هذا الوجه، وقد يروى نحو منه عن النبي صلى الله عليه وسلم بغير هذا اللفظ، فذكرنا حديث أبي اليسر لهذه العلة، وسعيد بن نافع لا نعلم حدث عنه إلا بكير بن عبد الله".
وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن بكير بن عبد الله إلا ابنه مخرمة، تفرد به ابن وهب، ولا يروى عن أبي بشير إلا بهذا الإسناد".
وقال الدارقطني: "تفرد به مخرمة عن أبيه عن سعيد بن رافع، ولم يروه عنه غير عبد الله بن وهب".
وقال المؤمل: "هذا حديث غريب من حديث بكير بن عبد الله بن الأشج، عن سعيد بن نافع، تفرد به: مخرمة عن أبيه".
قلت: هو حديث غريب من هذا الوجه، رجاله مشهورون، غير سعيد بن نافع الأنصاري: روى عنه بكير بن عبد الله بن الأشج ويزيد بن أبي حبيب، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال أحمد بن صالح في ترجمة بكير بن الأشج:"روى عن سعيد بن نافع، وإذا روى بكير عن رجل فلا تسأل عنه"، وقال أيضًا:"إذا رأيت بكير بن عبد الله روى عن رجل فلا تسأل عنه، فهو الثقة الذي لا شك فيه"، وقال ابن شاهين في ثقاته:"سعيد بن نافع: روى عنه بكير ويزيد بن أبي حبيب، كان صديقًا لعمر بن عبد العزيز، وكان يلقَّب صنارة، وليس بين سعيد بن نافع وحميد بن نافع قرابة، قال ذلك أحمد بن صالح"[التاريخ الكبير (3/ 516)، الجرح والتعديل (4/ 69)، الثقات (4/ 291)، تاريخ أسماء الثقات (129 و 437)، التعجيل (385)، إكمال مغلطاي (3/ 29)، التهذيب (1/ 248)، التنكيل (2/ 890)].
قلت: فمثله إذا روى ما يُعرف من الحديث يقبل منه، ويقال في مثله: صدوق، أو: لا بأس به، ولا يقال في مثله: مجهول؛ فإن رواية بكير بن الأشج عنه ترفع من شأنه، وكلام أحمد بن صالح فيه يرفع من حاله، كما أنه حفظ قصة وقعت له مع الصحابي، وهذا أدعى لضبطه لها.
وبكير بن عبد الله بن الأشج: مدني، نزيل مصر، ثقة، ومخرمة: لم يسمع من أبيه شيئًا، وروايته عنه إنما هي من كتاب أبيه وجادة [تقدم الكلام عليه تحت الحديث المتقدم برقم (207)] [وانظر: تخريج أحاديث الذكر والدعاء برقم (459)(3/ 999) و (529)(3/ 1081 - 1082)]، وكثيرًا ما يدخل الخلل والوهم والخطأ على المحدث إذا روى من صحيفة وجدها ولم يسمعها، وهذا الحديث عندي محفوظ مع غرابته؛ لكونه مرويًا من وجوه صحاح، فهو حديث حسن غريب، والله أعلم.
9 -
حديث زيد بن ثابت:
رواه عفان بن مسلم، وحبان بن هلال، وهدبة بن خالد [وهم ثقات أثبات]:
عن همام [هو: ابن يحيى العوذي: ثقة]، قال: حدثنا قتادة، عن ابن سيرين [وفي رواية هدبة: عن محمد بن سيرين]، عن زيد بن ثابت؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى إذا طلع قرن الشمس، أو غاب قرنها، وقال:"إنها تطلع بين قرني شيطان"، أو:"من بين قرني الشيطان". لفظ عفان.
أخرجه أحمد (5/ 190)، وأبو يعلى (1/ 468/ 869 - إتحاف الخيرة)، والطحاوي (1/ 151)، [الإتحاف (4/ 652/ 4840)، المسند المصنف (8/ 255/ 4105)].
نقل ابن حجر في الإتحاف عن أبي جعفر الطحاوي قوله: "هو محمد بن سعد بن أبي وقاص"، قلت: لم أجده في المطبوع، ولا وجده المحشي على الإتحاف، ثم وجدته في نخب الأفكار (3/ 186)، وإنما ورد في شرح المعاني مهملًا، فاجتهد الطحاوي في تمييزه، واعترض عليه بدر الدين العيني في النخب، وهو عند أحمد وأبي يعلى كما نقلت هنا مميزًا، بما يزيل الإشكال، وقد وضع ابن حجر الحديث في أطراف المسند (2/ 396/ 2471) في ترجمة محمد بن سيرين عن زيد، ثم أخطأ في الإتحاف فجعله في ترجمة محمد بن سعد بن أبي وقاص عن زيد، والله أعلم.
ولم يذكر علي بن المديني ابنَ سيرين فيمن لقي زيد بن ثابت [العلل (123 - 131)، تاريخ دمشق (25/ 48)]، وإن كان التأريخ يدل على أن ابن سيرين أدرك بضع عشرة سنة من حياة زيد، وعلى قولٍ: يكون أدرك ما يزيد على عشرين سنة، ووقع في بعض المصادر ما يدل على سماعه منه [التاريخ الأوسط (1/ 208/ 355)، تاريخ دمشق (53/ 182)، التهذيب (3/ 586)]، ولم أقف على ذلك في الأسانيد.
وأما ما وقع في التهذيب (3/ 586): "وقال البخاري: حج ابن سيرين زمن ابن الزبير فسمع منه، وسمع من زيد بن ثابت، وهو أكبر من أخيه أنس، ولد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان"، فلم أجده في تواريخ البخاري فيما يتعلق بسماعه من زيد، وإنما الذي في التاريخ الكبير (1/ 90):"حججت زمن عبد الله بن الزبير، فسمعت ابن الزبير"، حسب، ورواه من طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (53/ 175)، فلم يزد على ذلك شيئًا.
فإن كان ابن سيرين سمع من زيد بن ثابت، فهو حديث صحيح، والله أعلم.
* وروي معناه من وجه آخر موقوفًا:
رواه أبو عمرو محمد بن القاسم بن سنان الدقاق بالمصيصة: ثنا هارون -يعني: ابن زياد الحنائي-: ثنا الحارث -يعني: ابن عمير-، عن أيوب، عن ابن سيرين؛ أن أبا أيوب كان يصلي بعد العصر ركعتين، فنهاه زيد بن ثابت، فقال: إن الله لا يعذبني على أن أصلي، ولكن يعذبني على أن لا أصلي، فقال: إني آمرك بهذا، وأنا أعلم أنك خيرٌ مني، قال: ما عليك بأس أن تصلي ركعتين بعد العصر، ولكني أخاف أن يراك من لا يعلم فيصلي في الساعة التي حرم فيها الصلاة.
أخرجه أبو أحمد الحاكم في فوائده (56)، ومن طريقه: ابن عساكر في تاريخ دمشق (16/ 49).
وهذا غريب من حديث أيوب السختياني، ثم من حديث الحارث بن عمير، وهو: ثقة من أصحاب أيوب، وله مناكير عن غيره [تقدم الكلام عليه تحت الحديث رقم (69 و 486)]، وقد تفرد به عنه: هارون بن زياد بن بشر الحِنَّائي المصيصي: ذكره ابن حبان في
الثقات، وقال:"يُغرب"، وقال الدارقطني:" ليس به بأس"[الثقات (9/ 242)، سؤالات السهمي (370 و 411)، الأنساب (2/ 276)، اللسان (8/ 306)]، والدقاق شيخ الحاكم: روى عنه جماعة، ولم ينتشر حديثه في الناس، وليس بذاك المشهور [الأنساب (5/ 317)].
10 -
عن ابن مسعود: كنا نُنْهَى عن الصلاة عند طلوع الشمس، وعند غروبها، ونصفَ النهار [تقدم تحت الحديث السابق برقم (1083)][وإسناده كوفي جيد، وظاهره الرفع، والمحفوظ فيه الوقف: كان عبد الله ينهانا عن صلاتين في هاتين الساعتين: حين تطلع حتى ترتفع، ونصف النهار، وله حكم الرفع، والله أعلم].
11 -
عن ابن عباس [أخرجه ابن عبد البر في التمهيد (4/ 7)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (9/ 272)][وفي إسناده: أبو بكر الهذلي، وهو: متروك الحديث، عامة ما يرويه لا يتابع عليه، وحديثه هذا منكر].
12 -
عن علي بن أبي طالب [بنحو حديث عقبة في الأوقات الثلاثة دون قبر الموتى][أخرجه البزار (3/ 86/ 858)][وهو حديث ضعيف، تفرد به: أيوب بن جابر السحيمي، وهو: ضعيف، تفرد به عن أبي إسحاق عن الحارث الأعور، وهو: ضعيف أيضًا، ولم يسمع منه أبو إسحاق سوى أربعة أحاديث].
13 -
عن جد عبد الحميد بن سلمة الأنصاري [أخرجه ابن الأعرابي في المعجم (3/ 1122/ 2419)][ولا يصح سنده، راجع ما تحت الحديث رقم (862)، التهذيب (2/ 476)].
* ومما روي في خلاف ذلك في إباحة الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها:
ما رواه أبو عاصم [الضحاك بن مخلد: ثقة ثبت]: حدثنا عبد الله بن أمية بن أبي عثمان القرشي، قال: حدثنا محمد بن حُيَي بن يعلى بن أمية، عن أبيه، قال: رأيت يعلى يصلي قبل أن تطلع الشمس، فقال له رجل، أو قيل له: أنت رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تصلي قبل أن تطلع الشمس؟ قال يعلى: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الشمس تطلع بين قرني شيطان"، قال له يعلى: فأن تطلع وأنت في أمر الله، خير من أن تطلع وأنت لاهٍ.
أخرجه أحمد (4/ 223)(7/ 4060/ 18243 - ط. المكنز)، وأبو يعلى (1/ 469/ 873 - إتحاف الخيرة)، والخطيب في المتفق والمفترق (2/ 1257/ 790)، [الإتحاف (13/ 726/ 17351)، المسند المصنف (25/ 536/ 11568)].
وهذا حديث ضعيف، حيي بن يعلى بن أمية: قال ابن المديني: "معروف"، وذكره ابن حبان في الثقات [التاريخ الكبير (3/ 74)، الجرح والتعديل (3/ 274)، الثقات (4/ 177)، التعجيل (251)، الثقات لابن قطلوبغا (4/ 84)، الفتح لابن رجب (3/ 276)]، ومحمد بن حيي بن يعلى بن أمية: قال ابن المديني: "مجهول"، وذكره ابن حبان في
الثقات [التاريخ الكبير (1/ 70)، الجرح والتعديل (7/ 239)، الثقات (7/ 366)، التعجيل (932)، الثقات لابن قطلوبغا (8/ 262)، الفتح لابن رجب (3/ 276)]، وعبد الله بن أمية بن أبي عثمان القرشي: قال ابن معين: "ثقة"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في المشاهير:"من متقني أهل مكة"[التاريخ الكبير (5/ 44)، الجرح والتعديل (5/ 8)، الثقات (7/ 14)، مشاهير علماء الأمصار (1139)، التعجيل (520)، الثقات لابن قطلوبغا (5/ 485)].
* وأما فعل عمر في ضرب الناس على الركعتين بعد العصر، والنهي عنهما، وكراهة الصلاة بعد العصر؛ فقد ثبت عنه من وجوه متعددة:
1 -
رواه عمرو بن الحارث، عن بكير بن الأشج، عن كريب مولى ابن عباس؛ أن عبد الله بن عباس، وعبد الرحمن بن أزهر، والمسور بن مخرمة، أرسلوه إلى عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: اقرأ عليها السلام منا جميعًا، وسَلْها عن الركعتين بعد العصر، وقل: إنا أُخبرنا أنَّكِ تُصلِّينَهما، وقد بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنهما، قال ابن عباس: وكنت أضرب مع عمر بن الخطاب الناسَ عليها،
…
الحديث.
وهو حديث متفق عليه، وهو حديث الباب.
2 -
ورواه محمد بن فضيل، عن مختار بن فلفل، قال: سألت أنس بن مالك عن التطوع بعد العصر، فقال: كان عمر يضرب الأيدي على صلاةٍ بعد العصر، وكنا نصلي على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب، فقلت له: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاهما؟ قال: كان يرانا نصليهما؛ فلم يأمرنا، ولم ينهنا.
أخرجه مسلم (836)، وأبو عوانة (1/ 373/ 1354) و (2/ 8/ 2119)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 428/ 1885)، وابن أبي شيبة (2/ 133/ 7342)، وأبو يعلى (7/ 43/ 3956)، وأبو العباس السراج في مسنده (613 و 1158)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (505)، وابن حزم في المحلى (2/ 255)، والبيهقي (2/ 475)، وابن عساكر في المعجم (1288)، [التحفة (1/ 677/ 1576)، الإتحاف (2/ 328/ 1807)، المسند المصنف (2/ 56/ 589)].
* ورواه مقتصرًا على صلاة الركعتين قبل المغرب:
جماعة من الثقات، عن سعيد بن سليمان الواسطي: حدثنا منصور بن أبي الأسود، عن المختار بن فلفل، عن أنس بن مالك، قال: صليتُ الركعتين قبل المغرب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: قلت لأنس: أرآكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، رآنا فلم يأمرنا ولم ينهنا.
أخرجه أبو داود (1282)، وأبو عوانة (1/ 373/ 1355) و (2/ 8/ 2118)، وأبو العباس السراج في مسنده (614 و 1159)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (506)، والطحاوي في المشكل (14/ 117/ 5496)، والطبراني في الأوسط (1/ 160/ 503)،
والدارقطني (1/ 268)، والخطيب في تاريخ بغداد (9/ 96)، [التحفة (1/ 677/ 1576)، الإتحاف (2/ 328/ 1807)، المسند المصنف (2/ 56/ 589)].
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن المختار إلا منصور، تفرد به سعيد بن سليمان".
قلت: قد تابعه محمد بن فضيل عن المختار به، وقد أخرجه مسلم في صحيحه، كما تقدم بيانه، وهذا حديث صحيح.
* ويبدو لي أن لحديث المختار بن فلفل عن أنس وجه آخر، لكني لم أقف عليه؛ لما اختصره المقريزي من كتاب قيام الليل لابن نصر المروزي (72)، حيث قال: وعن المختار بن فلفل، قال: سألت أنس بن مالك رضي الله عنه، قلت: هل من صلاة بعد العصر؟ قال: لا، حتى تغيب الشمس. قلت: فإذا غابت؟ قال: ركعتين. قلت: قبل الصلاة؟ قال: نعم. قلت: هل رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا. قلت: فهل رآكم تصلونها؟ قال: نعم. قلت: أكان أمركم بهما؟ قال: لا، ولا نهانا عنهما، كان إذا أذن المؤذن قام أحدنا فصلى ركعتين.
3 -
ورواه مالك، وعقيل بن خالد، ومعمر بن راشد، وابن أبي ذئب:
عن ابن شهاب، عن السائب بن يزيد؛ أنه رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يضرب المنكدر في الصلاة بعد العصر.
أخرجه مالك في الموطأ (1/ 303/ 590 - رواية يحيى الليثي)(23 م - رواية القعنبي)(37 - رواية أبي مصعب الزهري)(20 - رواية الحدثاني)(221 - رواية الشيباني)، وعبد الرزاق (2/ 429/ 3964)(2/ 436/ 4011 - ط. التأصيل)، وابن أبي شيبة (2/ 132/ 7340)، والطحاوي (1/ 304)، وأبو الحسين الكلابي في جزئه (3)، وغيرهم.
وهذا موقوف صحيح.
4 -
وروى مالك، وإسماعيل بن جعفر:
عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر؛ أن عمر بن الخطاب كان يقول: لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس، ولا غروبها، فإن الشيطان يطلع قرناه مع طلوع الشمس، ويغربان مع غروبها، وكان يضرب الناس على تلك الصلاة.
أخرجه مالك في الموطأ (1/ 303/ 589 - رواية يحيى الليثي)(23 م - رواية القعنبي)(36 - رواية أبي مصعب الزهري)(20 - رواية الحدثاني)(182 - رواية الشيباني)، وعبد الرزاق (2/ 426/ 3952)، وعلي بن حجر السعدي في حديثه عن إسماعيل بن جعفر (35)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 393/ 1096).
وهذا موقوف صحيح.
5 -
وروى سفيان الثوري، عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، قال: رأيت عمر بن الخطاب يضرب على الصلاة بعد العصر.
أخرجه عبد الرزاق (2/ 429/ 3965).
وهذا إسناد كوفي صحيح.
6 -
وروى مسدد، قال: حدثنا أبو عوانة، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن الأسود، قال: إن عمر رضي الله عنه كان يضرب على الركعتين بعد العصر.
أخرجه مسدد في مسنده (3/ 297/282 - مطالب).
وهذا إسناد صحيح.
7 -
وروى ابن التيمي [هو: معتمر بن سليمان: ثقة]، قال: سمعت عبد الملك بن عمير، يقول: حدثني أبو غادية، قال: رأيت عمر بن الخطاب يضرب الناس على الركعتين بعد العصر.
أخرجه عبد الرزاق (2/ 430/ 3966).
وهذا إسناد صحيح، وأبو غادية: هو الجهني؛ صحابي صغير [تاريخ ابن معين للدوري (3/ 13/ 49)، كنى الدولابي (1/ 140)، التعجيل (1361)]، وقيل: هو قزعة بن يحيى التابعي الثقة [تاريخ دمشق (49/ 321)، الإيثار بمعرفة رواة الآثار (321)]، والأول أقرب، والله أعلم.
8 -
وروى محمد بن عمرو بن علقمة، عن عمر بن عبد الملك بن مغيرة بن نوفل، عن أبي سعيد الخدري؛ أنه قال: أمرني عمر بن الخطاب أن أضرب من كان يصلي الركعتين بعد العصر بالدِّرَّة.
أخرجه علي بن حجر السعدي في حديثه عن إسماعيل بن جعفر (224)[في أحاديث محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص]. والطحاوي (1/ 305)، [الإتحاف (12/ 160/ 15305)].
قال ابن حبان في الثقات (7/ 170): "عمر بن عبد الملك بن المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب: يروي عن أبيه [كذا]، عن أبي سعيد الخدري، قال: أمرني عمر بن الخطاب أن أضرب من كان يصلي بعد العصر الركعتين بالدرة، روى عنه محمد بن عمر [كذا، وإنما هو محمد بن عمرو]، وهم إخوة ثلاثة: يزيد وعمر ونوفل، بنو عبد الملك"[ونقله العيني في مغاني الأخيار (2/ 762)؛ إلا أنه قال: "يروي عن أبي سعيد"، وهو ظاهر تصرفه في نخب الأفكار (5/ 175)، وقال: "وثقه ابن حبان"، وهو الأقرب بدون ذكر أبيه في الإسناد، وهو الموافق لإسنادَي السعدي والطحاوي، ونقله أيضًا: ابن قطلوبغا في ثقاته (7/ 302)، ولم يزيدا شيئًا على ترجمة ابن حبان].
قلت: وهذا موقوف لإسناد لا بأس به في المتابعات.
* وروي عن أبي سعيد من وجه آخر، لكنه واهٍ [أخرجه عبد الرزاق (2/ 429/ 3963)، وإسحاق بن راهويه (2/ 90/ 555)، وأبو إسماعيل الهروي في ذم الكلام (277)][وراويه عن أبي سعيد: أبو هارون عمارة بن جوين العبدي البصري: متروك، كذبه جماعة. التهذيب (3/ 207)].
9 -
وروى أبو معاوية، ووكيع بن الجراح، ويحيى بن سعيد القطان، وأبو عوانة، وزائدة بن قدامة [وهم ثقات حفاظ، وأثبتهم في الأعمش: أبو معاوية]:
عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله [بن مسعود]، قال: كان عمر يكره الصلاة بعد العصر، وأنا أكره ما كره عمر رضي الله عنه.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 132/ 7332)، والطحاوي (1/ 304)، والطبراني في الكبير (9/ 168/ 8834)، [الإتحاف (12/ 299/ 15631)].
وهذا موقوف صحيح، وإسناده كوفي صحيح على شرط الشيخين.
1 -
ورواه ابن فضيل، عن حصين، عن عبد الله بن شقيق، قال: رأيت عمر أبصر رجلًا يصلي بعد العصر، فضربه حتى سقط رداؤه.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 7333/132).
وهذا موقوف بإسناد صحيح.
11 -
ورواه شعبة وغيره، عن أبي جمرة، عن ابن عباس، قال: رأيت عمر يضرب على الركعتين بعد العصر.
أخرجه عبد الرزاق (2/ 433/ 3974)، وابن أبي شيبة (2/ 132/ 7336)، والطحاوي (1/ 305)، [الإتحاف (12/ 232/ 15477)].
وهذا إسناد بصري صحيح.
12 -
وروى وهب بن جرير، قال: ثنا شعبة، عن جبلة بن سحيم، قال: سمعت ابن عمر، رضي الله عنهما، يقول: رأيت عمر رضي الله عنه يضرب الرجل إذا رآه يصلي بعد العصر حتى ينصرف من صلاته.
أخرجه الطحاوي (1/ 304 - 305)، [الإتحاف (12/ 262/ 15542)].
وهذا إسناد صحيح غريب.
13 -
وروى حريز بن عثمان [حمصي، ثقة ثبت]، عن سليم بن عامر [الكلاعي الحمصي: ثقة، من الثالثة]، عن الحارث الكندي، قال: ركبت إلى عمر بن الخطاب لثلاث خصال، أسأله عنها، لم يُعمِلني شيءٌ غيرُهنَّ، فقدمت على عمر، وكان بي عارفًا، فقال: من أين قدمت؟ قال: من الشام، قال: فشاكٍ عن الشام وعن أهله، قال: ما أعملك؟ قال: ثلاث خصال حببت أسألك عنها: إن لنا مخرجًا نخرج إليه إذا غزا الناس بنسائنا وأبنائنا، ولي فسيطيط صغير، فإن صلت صاحبتي خلفي كانت خارج الفسطاط، وإن صلت معي في الفسطاط كانت حيالي، قال: فاجعل بينك وبينها ثوبًا -يقول: سترًا-، فصلِّ ولتصلي، قلت: فإن قومي يريدوني أن أقرأ عليهم وأقص، قال: فإني أخاف عليك أن تقرأ عليهم وتقص، وتقرأ عليهم وتقص، حتى تراهم منك كالثريا، فيجعلك الله تحتهم بقدر ذلك، وسألته عن الركعتين بعد العصر، فنهاني عنهما.
أخرجه الحسن بن موسى الأشيب في جزئه (55)، قال: حدثنا حريز به.
وهذا إسناد صحيح، والحارث بن معاوية الكندي: مخضرم، أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ووفد في خلافة عمر، وذكره جماعة في الصحابة [تاريخ دمشق (11/ 480)، الإصابة (1/ 600)، التعجيل (164)].
14 -
ورواه أبو المغيرة [عبد القدوس بن الحجاج الحمصي: ثقة]: حدثنا صفوان [هو: ابن عمرو بن هرم السكسكي الحمصي: ثقة]: حدثنا عبد الرحمن بن جبير بن نفير [حمصي: ثقة، من الرابعة]، عن الحارث بن معاوية الكندي؛ أنه ركب إلى عمر بن الخطاب يسأله عن ثلاث خلال، قال: فقدم المدينة، فسأله عمر: ما أقدمك؟ قال: لأسألك عن ثلاث خلال، قال: وما هن؟ قال: ربما كنت أنا والمرأة في بناء ضيق، فتحضر الصلاة، فإن صليت أنا وهي، كانت بحذائي، وإن صلت خلفي، خرجت من البناء، فقال عمر: تستر بينك وبينها بثوب، ثم تصلي بحذائك إن شئت.
وعن الركعتين بعد العصر، فقال: نهاني عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: وعن القصص، فإنهم أرادوني على القصص، فقال: ما شئت، كأنه كره أن يمنعه، قال: إنما أردت أن أنتهي إلى قولك، قال: أخشى عليك أن تقص فترتفع عليهم في نفسك، ثم تقص فترتفع، حتى يخيل إليك أنك فوقهم بمنزلة الثريا، فيضعك الله تحت أقدامهم يوم القيامة بقدر ذلك.
أخرجه أحمد (1/ 18)، ومن طريقه: ابن عساكر في تاريخ دمشق (11/ 480)، والضياء في المختارة (1/ 204/ 106)، [الإتحاف (12/ 129/ 15237)، المسند المصنف (22/ 143/ 9997)].
وهذا إسناد صحيح.
قال ابن كثير في مسند الفاروق (144): "إسناده شامي حسن"، وجود إسناده ابن مفلح في الآداب الشرعية (2/ 84).
هكذا رواه الإمام الثبت الحافظ أحمد بن حنبل عن أبي المغيرة به.
* وخالفه: أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة [لا بأس به]: ثنا أبو المغيرة: ثنا صفوان بن عمرو، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن الحارث بن معاوية الكندي، أنه ركب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ يسأله عن ثلاث خلال،
…
فذكر الحديث.
أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (2/ 70/ 935).
هكذا زاد ابن نجدة في إسناده جبير بن نفير الحمصي، وهو: ثقة جليل، مخضرم، من كبار التابعين، والمحفوظ رواية الإمام أحمد في مسنده بدونها، والله أعلم.
والحاصل: فهو حديث شامي صحيح، والله أعلم.
15 -
ورواه شعبة، عن سعد بن إبراهيم، قال: سمعت عبيد الله بن رافع بن خديج يحدث، عن أبيه، قال: فاتتني ركعتان من العصر فقمت أقضيهما، وجاء إليَّ عمر رضي الله عنه-
ومعه الدِّرَّة، فلما سلمت، قال: ما هذه الصلاة؟ فقلت: فاتتني ركعتان فقمت أقضيهما، فقال: ظننتك تصلي بعد العصر، ولو فعلتَ ذلك، لفعلتُ بك وفعلت.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 132/ 7337)، والطحاوي (1/ 305)، واللفظ له. [الإتحاف (12/ 144/ 15268)].
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات مشاهير؛ غير عبيد الله بن رافع بن خديج، وأظنه: عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع بن خديج؛ راوي حديث بئر بضاعة [راجع فضل الرحيم الودود (1/ 66 و 67/ 258 - 262)]، وقد صحح حديثه جماعة من الأئمة النقاد.
16 -
وروى حسين بن علي [الجعفي الكوفي: ثقة]، عن زائدة [هو: ابن قدامة الثقفي الكوفي: ثقة ثبت]، عن عمران، عن سويد.
وعن أبي حصين، عن قبيصة بن جابر، قالا: كان عمر يضرب على الركعتين بعد العصر.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 132/ 7341).
وهذا موقوف صحيح، عمران هذا هو: ابن مسلم الجعفي الأعمى، كوفى ثقة، صحِب سويد بن غفلة، وسمع منه [العلل ومعرفة الرجال (1/ 428/ 945)، تاريخ ابن معين للدوري (3/ 356 و 430/ 1729 و 2113)، التاريخ الكبير (6/ 418)، الجرح والتعديل (6/ 304)، المعرفة والتاريخ (3/ 172 و 178)، الثقات (7/ 238)، التهذيب (3/ 323)، وغيرها]، وسويد: ثقة مخضرم، أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يره، قدم المدينة يوم دُفن النبي صلى الله عليه وسلم[تقدم ذكره تحت الحديث رقم (520)، شاهد (7)].
وقبيصة بن جابر بن وهب الأسدي الكوفي: ثقة مخضرم، سمع عمر، والراوي عنه: أبو حَصين عثمان بن عاصم الأسدي الكوفي: ثقة ثبت، من الرابعة.
17 -
ورواه الثقفي [عبد الوهاب بن عبد المجيد: ثقة]، عن المهاجر، عن أبي العالية، قال: لا تصح الصلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس، قال: وكان عمر يضرب على ذلك.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 132/ 7330)(5/ 114/ 7408 - ط. عوامة).
قلت: قد روى هذا الحديث مرفوعًا:
قتادة، عن أبي العالية، عن ابن عباس، قال: شهد عندي رجال مرضيون، وأرضاهم عندي عمر؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تُشرِق الشمس، وعن صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس.
أخرجه البخاري (581)، ومسلم (826/ 287)، ويأتي تخريجه برقم (1276) إن شاء الله تعالى.
ومهاجر بن مخلد أبو مخلد: صالح [التهذيب (4/ 164)]، وإسناد الثقفي لا بأس به، ويحتمل أن أبا العالية أفتى به مرة، ثم أيد قوله بفعل أحد الخلفاء الراشدين، وقد أثبت
لأبي العالية الرياحي السماعَ من عمر: البخاري ومسلم وغيرهما [الكنى للبخاري (939)، كنى مسلم (2340)، راجع ما تحت الحديث السابق برقم (1214)].
18 -
ورواه شعبة، قال: حدثني يزيد بن خمير، عن عبد الله بن زائد أو يزيد، عن جبير بن نفير؛ أن عمر كتب إلى عمير بن سعد ينهى الناس عن الركعتين بعد العصر، فقال أبو الدرداء: أما أنا فلا أدعهما.
أخرجه ابن المنذر في الأوسط (2/ 393/ 1097)، قال: حدثونا عن أبي قدامة [عبيد الله بن سعيد السرخسي: ثقة مأمون]، قال: ثنا يحيى [هو: ابن سعيد القطان: ثقة متقن، إمام حجة]، عن شعبة به. [تراجع طرق حديث عائشة، فيما رواه شعبة عن يزيد بن خمير، برقم (16)].
وهذا الإسناد إلى شعبة: رجاله ثقات؛ إلا أن ابن المنذر أبهم شيوخه.
* ورواه محمد بن عبدوس بن كامل السراج [ثقة حافظ. تاريخ بغداد (2/ 380)، السير (13/ 531)، تاريخ الإسلام (22/ 279)]: ثنا علي بن الجعد [ثقة ثبت]: ثنا شعبة، عن يزيد بن خمير [الرحبي الحمصي: ثقة]، سمع عبد الله بن يزيد -أو: زيد-، يحدث عن جبير بن نفير [حمصي، ثقة مخضرم]؛ أن عمر بن الخطاب كتب إلى عمير بن سعد الأنصاري وهو على حمص، ينهى الناس أن يصلوا ركعتين بعد العصر، فقال أبو الدرداء: أما أنا فلا أدعهما، فمن شاء الخضع فليخضع.
أخرجه الطبراني في الكبير (17/ 53/ 110).
قلت: وبهذه المتابعة يثبت الحديث عن شعبة، لكن يزيد بن خمير يروي عن جبير بن نفير بواسطة حبيب بن عبيد أو عبد الرحمن بن جبير، ولم أهتد إلى معرفة عبد الله بن يزيد -أو زيد، أو زائد- في الشاميين، وأستبعد أن يكون أبا عبد الرحمن الحبلي المعافري، ولا أبا قلابة الجرمي، إلا أن يكون أراد زيد بن فلان، وهو احتمال ضعيف، على اعتبار تفسير قوله: سمع عبد الله بن يزيد -أو: زيد-، بأنه لا يعني: عبد الله بن يزيد، أو: عبد الله بن زيد؛ وإنما يعني: أو: زيد بن فلان؛ كأن يكون: زيد بن أرطأة أو زيد بن واقد، وهما ثقتان، وكلاهما يروي عن جبير بن نفير، ولا يروي عنهما يزيد بن خمير، والله أعلم.
كذلك فقد ذكر المزي في التهذيب (4/ 510) أن في سماع جبير بن نفير من عمر نظر.
قلت: وذاك أنه يدخل بينه وبينه شرحبيل بن السمط [راجع: صحيح مسلم (692)، والحديث السابق برقم (1200)، الشاهد رقم (20)]، ولا يُعرف لجبير سماع من عمر [انظر: التاريخ الكبير (2/ 223)، الجرح والتعديل (2/ 512)، مسند ابن الجعد (2374)]، والله أعلم.
19 -
وروى محمد بن عزيز الأيلي، قال: ثنا سلامة بن روح، عن عقيل، قال:
حدثني ابن شهاب، قال: أخبرني حزام بن دراج؛ أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه سبح بعد العصر ركعتين بطريق مكة، فدعاه عمر فتغيَّظ عليه، وقال: والله لقد علمتَ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهانا عنهما.
أخرجه الطحاوي في شرح المعاني (1/ 303)، وفي المشكل (13/ 287/ 5273)، وعلقه البخاري في التاريخ الكبير (3/ 115)، [إتحاف المهرة (12/ 133/ 15245)].
ولا يثبت هذا الوجه عن الزهري؛ فإن سلامة بن روح بن خالد: ليس بالقوي، ولم يسمع من عمه عقيل، وحديثه عن كتب عقيل، وكانت فيه غفلة [انظر: التهذيب (2/ 141)، الميزان (2/ 183)]، ومحمد بن عزيز: صدوق، تُكلم في سماعه من ابن عمه سلامة [انظر: التهذيب (3/ 648)، الميزان (3/ 647)، إكمال مغلطاي (10/ 277)]، وقد أُنكرت أحاديث بهذا الإسناد [انظر: الكامل لابن عدي (3/ 313)، وغيره].
وروي من وجه آخر عن سلامة: علقه البخاري في التاريخ الكبير (3/ 116)، ومن طريقه: ابن عساكر في تاريخ دمشق (18/ 63).
* ورواه عبد الله بن صالح، قال: حدثني الليث، قال: حدثني يونس، عن ابن شهاب، قال: حدثني ابن دراج؛ أن عليًا عليه السلام بعد العصر ركعتين
…
، فذكر مثله.
أخرجه الطحاوي في المشكل (13/ 289/ 5276)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (18/ 61)، وعلقه البخاري في التاريخ الكبير (3/ 115) و (3/ 282).
قلت: عبد الله بن صالح أبو صالح المصري، كاتب الليث: صدوق، كان كثير الغلط، وكانت فيه غفلة.
* خالفه: ابن وهب: نا يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، قال: حدثني دراج؛ أن علي بن أبي طالب سبح بعد العصر ركعتين
…
، فذكر مثله.
أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (18/ 61)، بإسناد جيد إلى ابن وهب، وقال:"وهو وهم".
قلت: رواية الليث بن سعد أولى بالصواب، لموافقتها رواية أثبت الناس في الزهري:
* فقد رواه معمر بن راشد [ثقة ثبت من أثبت الناس في الزهري، بل هو أثبت من روى عنه هذا الحديث]، وصالح بن أبي الأخضر [ضعيف]:
عن الزهري، قال: حدثني ربيعة بن دراج [كذا قال صالح، وفي رواية معمر: عن ربيعة بن دراج]؛ أن علي بن أبي طالب سبح بعد العصر ركعتين في طريق مكة، فرآه عمر فتغيَّظ عليه، ثم قال: أما والله لقد علمتَ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها.
أخرجه أحمد (1/ 17)، والطحاوي في المشكل (13/ 288/ 5274)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (18/ 60)، [إتحاف المهرة (12/ 145/ 15269)، المسند المصنف (22/ 141/ 9996)].
قال ابن حجر في الإصابة (2/ 463): "ورواه ابن المبارك عن معمر عن الزهري عن ربيعة، ولم يقل: حدثني، وهو الصواب؛ فإن بينهما ابن محيريز".
قلت: تابع صالحًا على ذكر التحديث: يونس بن يزيد الأيلي [من رواية الليث بن سعد، وعبد الله بن وهب، وإن وقع وهم في اسم الراوي في رواية ابن وهب]، ويونس: ثقة، من الطبقة الأولى من أصحاب الزهري، وسيأتي تحرير الكلام عن رواية الزهري عن ابن محيريز.
* هكذا رواه عن معمر بن راشد: عبد الله بن المبارك، وخالفه: عبد الرزاق، فرواه عن معمر، عن الزهري؛ أن عليًا سبح في سفر
…
، فذكره، وأسقط من إسناده ذكر ربيعة بن دراج.
أخرجه عبد الرزاق (2/ 430/ 3967)(2/ 437/ 4014 - ط. التأصيل).
ولم يذكر الدارقطني في العلل (2/ 149/ 173) اختلافًا فيه على معمر، فلعله سقط فيه على إسحاق راوي المصنف، أو على الناسخ، وأيًا كان فإن عبد الرزاق وإن كان ثقةً، ثبتًا في معمر، إلا أن رواية ابن المبارك أولى من روايته من وجهين: الأول: كون ابن المبارك: أثبت وأحفظ من عبد الرزاق، فهو إمام حجة، ثقة ثبت، وهو أثبت الناس في معمر، والثاني: أن ابن المبارك زاد في الإسناد رجلًا، والزيادة من الحافظ مقبولة، كما أن الإمام أحمد لم يخرج في مسنده رواية عبد الرزاق هذه، مع كونه من أقدم الناس رواية عنه، بل عدل عنها، وأخرج رواية ابن المبارك لما فيها من الزيادة، والله أعلم.
* خالف أصحابَ الزهري: يزيد بن أبي حبيب، فأدخل فيه بين ابن شهاب وبين ربيعة بن دراج؛ ابن محيريز:
فقد رواه أبو صالح عبد الله بن صالح [المصري، كاتب الليث: صدوق، كان كثير الغلط، وكانت فيه غفلة]، وعبد الملك بن شعيب بن الليث [ثقة]:
قالا: حدثني الليث بن سعد، قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب؛ أن ابن شهاب كتب يذكر؛ أن ابن محيريز أخبره، عن ربيعة بن دراج أخبره؛ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سافر، فصلى العصر ركعتين بطريق مكة، ثم التفت فرأى علي بن أبي طالب عليه السلام سبح بعدها، فتغيظ عليه، ثم قال: والله لقد علمتَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهى عنها.
أخرجه الطحاوي في المشكل (13/ 289/ 5275)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (18/ 61 و 62).
قلت: نعم؛ لليث بن سعد في هذا الحديث إسنادان، حيث رواه عنه بهما جميعًا: كاتبه أبو صالح عبد الله بن صالح المصري، والليث بن سعد: واسع الرواية، ممن يحتمل منه التعدد في الأسانيد:
أحدهما: رواه الليث، عن يونس بن يزيد الأيلي، عن ابن شهاب، قال: حدثني ابن دراج؛ أن عليًا عليه السلام سبح بعد العصر ركعتين
…
، فذكره.
والثاني: رواه الليث، عن يزيد بن أبي حبيب؛ أن ابن شهاب كتب يذكر؛ أن ابن محيريز أخبره، عن ربيعة بن دراج أخبره؛ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سافر
…
الحديث.
قال ابن حجر في الإصابة (2/ 463): "فهذا الاختلاف عن الزهري من أصحابه، وأرجحها رواية أبي صالح عن الليث، والله أعلم"؛ يعني: بزيادة ابن محيريز.
قلت: بل أرجحها رواية أثبت الناس في الزهري: معمر بن راشد، وتابعه: صالح بن أبي الأخضر، فقالا: عن الزهري، عن ربيعة بن دراج، أن علي بن أبي طالب سبح بعد العصر
…
الحديث، وزاد صالح التصريح بالتحديث، وتابعهما: يونس بن يزيد الأيلي [وهو ثقة، من الطبقة الأولى من أصحاب الزهري]، لكنه قال: حدثني ابن دراج، فلم يسمه، فلا يضره إهمال اسمه، وقد صرح به اثنان، وتتابع اثنان منهم على ذكر سماع الزهري له من ربيعة بن دراج.
وعلى هذا فإن رواية ثلاثة من أصحاب الزهري المكثرين عنه، وفيهم أحد أثبت الناس فيه: أشبه بالصواب من رواية يزيد بن أبي حبيب، وهو: ثقة، لكنه لم يسمع من الزهري، ولم يره، إنما روايته عنه كتاب، كما قال هنا: أن ابن شهاب كتب يذكر، ولا شك أن السماع أثبت من الكتابة، ومقدم عليها، ويدخل الكتاب من الوهم ما لا يدخل على السماع.
قال أبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرئ: "لم يسمع يزيد بن أبي حبيب من الزهري شيئًا، ولم يعاينه"[المراسيل (889)].
وقال أحمد: "يزيد بن أبي حبيب: لم يسمع من الزهري ابن شهاب شيئًا، إنما كتب إليه الزهري، ويروي عن رجل عنه، لم يسمع من الزهري شيئًا"، وقال مرة:"يزيد بن أبي حبيب عن الزهري كتاب؛ إلا ما سمى بينه وبين الزهري"[العلل ومعرفة الرجال (1/ 538/ 1273)].
وقال في موضع آخر (3/ 4669/151): "ولم يسمع يزيد بن أبي حبيب من الزهري، إنما كتب إليه بكتاب، وكان يقول: كتب إليَّ الزهري".
وممن جزم أيضًا بعدم السماع، وأنه إنما يروي عنه من كتاب: ابن بكير، وابن معين، وأبو داود، وابن أبي حاتم [تاريخ ابن معين للدوري (4/ 475/ 5360)، سؤالات ابن محرز (1/ 126/ 625) و (2/ 51/ 85)، سؤالات الآجري (1486)، المعرفة والتاريخ (2/ 431)، المراسيل (889)، شرح علل الترمذي (2/ 676)، تحفة التحصيل (349)].
* ورواه عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد الكلابي [ثقة، مكثر عن ابن جوصا. تاريخ دمشق (37/ 314)، السير (16/ 557)، تاريخ الإسلام (27/ 333)]: نا أبو الحسن بن جوصا [أحمد بن عمير بن يوسف المعروف بابن جوصا: صدوق حافظ، له غرائب. تاريخ دمشق (5/ 109)، السير (5/ 15)، تذكرة الحفاظ (3/ 795)، اللسان (1/ 566)]: ثنا عمرو بن عثمان [هو: ابن سعيد بن كثير الحمصي: ثقة]: نا بقية بن الوليد
[صدوق]، عن [وفي رواية: نا] بُسر بن عبد الله بن بشَّار [كذا، وصوابه: بِشر بن عبد الله بن يسار السلمي الحمصي، وهو: صدوق]، حدثني عُبادة بن نُسَي [شامي تابعي، ثقة، من الثالثة]، عن عبد الله بن محيريز [الجمحي، المكي، كان يتيمًا في حجر أبي محذورة، نزل بيت المقدس: ثقة، من الثالثة]، عن عم له، قال: صليت خلف عمر بن الخطاب صلاة العصر، فلما سلم قامت الناحية اليمنى يصلون، فاتبعهم عمر بن الخطاب بالدرة يجلسهم، حتى انتهى إلى علي بن أبي طالب وهو قائم يصلي، فقال: أما والله لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن هذه الصلاة.
قال ابن جوصا: قال أبو زرعة: "اسم عم ابن محيريز ربيعة بن دراج".
وقال ابن جوصا [في رواية أخرى]: سمعت محمود يقول: "عم ابن محيريز هذا اسمه ربيعة بن دراج".
أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (18/ 62).
قلت: إسناده شامي حسن غريب.
* قال محمد بن يحيى الذهلي: "الصواب: ابن ربيعة بن دراج كما قال الليث، ومن قال: عن ربيعة فهو وهم؛ لأن ربيعة قتل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه".
قال ابن عساكر: "كذا قال محمد بن يحيى، وأهل الشام أعلم برجالهم".
قلت: سبق بيان كون الراجح في اسمه: ربيعة بن دراج، وقد سمع منه الزهري، فاتصل إسناده، والحمد لله.
وقال البخاري في التاريخ الكبير (3/ 115): "وقال أحمد بن صالح: عن ابن وهب، وعنبسة، عن يونس، عن الزهري: أخبرني دراج، أن عليًا سبح بعد العصر ركعتين، في طريق مكة، فتغيظ عليه عمر، وقال: لقد علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهانا عنها.
وقال عبد الله بن صالح: عن الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، حدثني ابن دراج، نحوه.
وقال الليث: حدثني يزيد بن أبي حبيب، أن ابن شهاب كتب يذكر؛ أن ابن محيريز أخبره، أن ربيعة بن دراج أخبره، عن عمر، نحوه.
وقال أحمد بن صالح: أخبرني ابن أخي عقيل، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن حزام بن دراج، أن عليًا، نحوه.
وقال الزبيدي: عن الزهري، سمع ابن محيريز، صلى بنا عمر، نحوه".
قلت: وهذا القول الأخير وهم؛ فإن ابن محيريز لم يدرك عمر؛ إنما يروي عمن أدرك عمر، ولم يذكروا في ترجمته رواية عن عمر، وأقدم من لقيهم من الصحابة: عبادة بن الصامت [انظر: التاريخ الكبير (5/ 193)، كنى مسلم (3372)، الجرح والتعديل (5/ 168)، الثقات (5/ 6)، تاريخ دمشق (33/ 6)، السير (4/ 494)، تاريخ الإسلام (6/ 407)، التهذيب (2/ 429)].
وقال الدارقطني في العلل (2/ 149 / 173) بعد سرد الاختلاف فيه على الزهري: "والله أعلم بالصواب، ويشبه أن يكون القول: قول من قال: ربيعة بن دراج".
قال ابن كثير في مسند الفاروق (1/ 264) بعدما ساقه من طريق أحمد: "غريب من هذا الوجه، وربيعة بن دراج لا يعرف إلا برواية الزهري عنه، ولم يذكره أبو حاتم".
قلت: هو مشهور عن الزهري، رواه عنه: معمر بن راشد، ويونس بن يزيد، وصالح بن أبي الأخضر، ورواه عقيل عن الزهري ولا يثبت عنه، وربيعة بن دراج: روى عنه الزهري وابن محيريز، وترجم له ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (3/ 297) لكن سماه: حزام بن دراج.
قلت: حزام بن دراج، وحرام بن دراج، وربيعة بن دراج: رجل واحد، اختلفت فيه الأسانيد، والراجح أنه ربيعة بن دراج؛ كما سبق بيانه.
وذكره أبو زرعة الدمشقي في الطبقة التي تلي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي العليا، فقال:"ربيعة بن دراج: من بني جمح، من أهل دمشق، ذكره بها، ممن رأى أبا بكر".
وذكره ابن سميع في الطبقة الأولى، وقال:"عم لعبد الله بن محيريز الجمحي، اسمه ربيعة بن دراج؛ فلسطيني"، وذكره ابن حبان في الثقات.
وقال الدارقطني: "ربيعة بن دراج، وحرام بن دراج: شيخ، روى عنه الزهري، يروي عن علي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب في الصلاة بعد العصر"[المؤتلف للدارقطني (2/ 991)، تاريخ دمشق (18/ 64)، الثقات لابن قطلوبغا (3/ 318)].
[وانظر أيضًا: التاريخ الكبير (3/ 282)، الجرح والتعديل (3/ 297)، الثقات (4/ 185 و 188 و 229)، المؤتلف للدارقطني (2/ 574 و 578)، تاريخ دمشق (18/ 60)، الإصابة (2/ 463)، التعجيل (314)، الثقات لابن قطلوبغا (3/ 319)].
قلت: والحاصل: فإن هذا الأثر عن عمر وعلي: لا بأس به، وهو محتمل للتأويل في شأن علي، فيحتمل أنه صلى فريضة فاتته أو تذكر بطلانها، أو أراد قضاء سنة راتبة منسية، كركعتي الفجر، ونحو ذلك، والله أعلم.
20 -
وروى أبو داود [سليمان بن داود الطيالسي: ثقة حافظ]، قال: ثنا عبيد الله بن إياد بن لقيط [ثقة]، عن إياد بن لقيط [تابعي، ثقة]، عن البراء بن عازب، قال: بعثني سلمان بن ربيعة بريدًا إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حاجة له، فقدمت عليه، فقال لي: لا تصلوا بعد العصر، فإني أخاف عليكم أن تتركوها إلى غيرها.
أخرجه الطحاوي (1/ 305)، [الإتحاف (12/ 114/ 15205)] [وراجع: أطراف الغرائب والأفراد (82)].
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم [راجع: فضل الرحيم الودود (9/ 565/ 896)].
21 -
وروى عيسي بن هلال السليحي [الحمصي، المعروف بابن البراد: لا بأس به. التهذيب (3/ 365)]: حدثنا أبو حيوة شريح بن يزيد [ليس به بأس. سؤالات أبي داود
305 -
، التهذيب (2/ 163)]: حدثنا شعيب بن أبي حمزة [ثقة، من أثبت الناس في الزهري]، عن الزهري، عن عروة، قال: كنت غلامًا لي ذؤابتان، قال: فقمت أركع ركعتين بعد العصر، قال: فبصر بي عمر بن الخطاب ومعه الدرة، فلما رأيته فررت منه، فأحضر في طلبي حتي تعلق بذؤابتي، قال: فنهاني، فقلت: يا أمير المؤمنين لا أعود.
أخرجه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (1/ 178)، ومن طريقه: ابن عساكر في تاريخ دمشق (40/ 246).
قال المزي في التهذيب (20/ 23): "هكذا وقع في هذه الرواية، وهو وهم، والأشبه أن يكون ذلك جرى لأخيه عبد الله بن الزبير، فإنه كان غلامًا في عهد عمر، ويكون اسمه قد سقط على بعض الرواة، والله أعلم".
وقال الذهبي في تاريخ الإسلام (6/ 425): "هذا حديث منكر مع نظافة رجاله".
وقال في السير (4/ 437): "الأشبه أن هذا جرى لأخيه عبد الله، أو جرى له مع عثمان".
وقال ابن كثير في مسند الفاروق (1/ 267): "هذا غريب جدًا، فإن عروة لم يدرك أيام عمر، ولا ولد في حياته، فلهذا قال شيخنا: هذا وهم، والأشبه أن هذا جرى لأخيه عبد الله، وإنما سقط اسمه على بعض الرواة".
قلت: هذا حديث منكر؛ والعهدة فيه على شيخ الفسوي؛ عيسي بن هلال السليحي، لا سيما وقد قال فيه ابن حبان:"ربما أغرب"[التهذيب (3/ 365)، وليست هذه اللفظة في مطبوعة الثقات (8/ 493)]، فهذا الحديث من غرائبه، إذ هو غريب من حديث شعيب بن أبي حمزة عن الزهري، وسياقه ظاهر النكارة من وجهين: الأول إحضار عمر في طلب غلام صغير غير مكلف، بعد همه بضربه بدرته، ولما يجر عليه القلم، والثاني: جزم أحد الأئمة النقاد بعدم سماع عروة من عمر، فقد قال أبو زرعة بأن حديث عروة عن عمر مرسل [المراسيل (542)، تحفة التحصيل (226)].
واختلف في سنة ولادة عروة، وأرجح الأقوال في ولادته: أنه ولد في آخر خلافة عمر، سنة (23)، وقيل: بعدها بست سنوات سنة (29)، وكان غلامًا لم ينبت عند مقتل عثمان [تاريخ دمشق (40/ 244)، التهذيب (3/ 94)]، ومن ثم فإنه لم يدرك عمر.
كما اختلف أيضًا في وفاته على أقوال، فقيل:(92)، وقيل:(93)، وقيل:(94)، وقيل:(95)، وقيل:(97)، وقيل:(99)، وقيل:(100)، وقيل:(101)، والجمهور على (94)، ومات وهو ابن سبع وستين، وقيل:(77)[طبقات ابن خياط (241)، الثقات (5/ 195)، مشاهير علماء الأمصار (428)، تاريخ دمشق (40/ 237 - 286)، تهذيب الأسماء (1/ 305)، تذكرة الحفاظ (1/ 62)، التهذيب (3/ 94)].
* ثم وقفت بعد ذلك على كلام أبي حاتم في هذه الرواية:
قال ابن أبي حاتم في العلل (2/ 357/ 431): "وسألت أبي عن حديث رواه
أبو حيوة، عن شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، عن عروة بن الزبير؛ قال: كنت غلامًا لي ذؤابتان، فقمت أركع بعد العصر، فبصر بي عمر بن الخطاب ومعه الدرة، فلما رأيته فررت منه، فقلت: لا أعود! لا أعود! يا أمير المؤمنين، فنهاني عنها؟
فقال أبي: رواه أبو الأسود، عن عروة، عن تميم الداري: أن عمر ضربه حين صلى بعد العصر.
قال أبي: أنكر أن يكون عروة أدرك عمر؛ فيحتمل أن يكون حديث شعيب وهم.
وسألت ابن الجنيد -حافظ حديث الزهري- عن هذا الحديث؟
فقال: هو كما قال والدك".
قلت: قصة تميم الداري سيأتي الكلام عنها قريبًا، وهذا الحديث منكر.
22 -
وروى معمر بن راشد [ثقة، ثبت في عبد الله بن طاووس]، عن ابن طاووس، عن أبيه؛ أن أبا أيوب الأنصاري كان يصلي قبل خلافة عمر ركعتين بعد العصر، فلما استخلف عمر تركهما، فلما توفي ركعهما، فقيل له: ما هذا؟ فقال: إن عمر كان يضرب الناس عليهما، قال: ابن طاووس: وكان أبي لا يدعهما.
أخرجه عبد الرزاق (2/ 433/ 3977)، ومن طريقه: ابن المنذر في الأوسط (2/ 394/ 1103)، وابن حزم في الإحكام (4/ 567).
قلت: وهذا صورته مرسل، فإنه يحكي واقعة لم يشهدها.
* خالفه: يحيى بن أيوب [الغافقي المصري: صدوق سيئ الحفظ، يخطئ كثيرًا، له غرائب ومناكير يتجنبها أرباب الصحاح، وينتقون من حديثه ما أصاب فيه، وقد سبق ذكره مرارًا]: حدثني ابن طاووس، عن أبيه؛ أن أبا أيوب الأنصاري -الذي نزل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم- صلى مع أبي بكر بعد غروب الشمس قبل الصلاة، ثم لم يكن يصلي مع عمر رضي الله عنه، ثم صلى مع عثمان رضي الله عنه، فذُكر ذلك له، فقال: إني صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم صليت مع أبي بكر، وفرِقت من عمر فلم أصلِّ معه، وصليت مع عثمان رضي الله عنه؛ إنه لين.
أخرجه البيهقي (2/ 476)، بإسناد صحيح إلى الغافقي.
قال البيهقي: "وكان عمر رضي الله عنه لا يراهما، فلم يصلِّهما أبو أيوب معه، وصلاهما مع عثمان رضي الله عنه".
قال محمد بن نصر المروزي في قيام الليل (73 - مختصره): "وهذا عندي وهم؛ إنما الحديث في الركعتين بعد العصر لا في الركعتين قبل المغرب؛ لأن المعروف عن عمر رضي الله عنه أنه كان ينكر ركعتين بعد العصر ويضرب عليهما، فأما الركعتان قبل المغرب فلا، وقد رواه معمر عن ابن طاووس على ما قلنا، وهو أحفظ من يحيى بن أيوب وأثبت".
قلت: وهو كما قال.
23 -
وروى عمرو بن محمد الناقد [ثقة حافظ]: حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد [ثقة]: حدثنا أبي [ثقة حجة، من أثبت الناس في ابن إسحاق]، عن ابن إسحاق [صدوق]،
قال: حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي [ثقة]، عن عبد الله بن ربيعة بن عبد الله بن الهدير، عن عمه منكدر بن عبد الله التيمي، قال: رآني عمر أصلي بعد العصر، وكان يضرب على الصلاة بعد العصر.
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (5/ 85) و (8/ 35)، ومن طريقه: الخطيب في المتفق والمفترق (3/ 1432/ 818).
قلت: منكدر بن عبد الله بن الهدير التيمي، والد محمد بن المنكدر: ترجم له البخاري في التاريخ الكبير (8/ 35) بهذا الحديث، وبحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، قال أبو حاتم:"روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا تثبت له صحبة"، وقال ابن عبد البر:"روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، حديثه مرسل عندهم، ولا يثبت له صحبة، ولكنه ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وعده بعضهم في الصحابة، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وهو خال عائشة، دخل عليها مرة فشكا إليها الحاجة، فقالت له: أول شيء يأتيني أبعث به إليك، فجاءتها عشرة آلاف درهم، فبعثت بها إليه، وفي آل المنكدر صلاح وعلم، كلهم يذكر بالصلاح والعبادة [طبقات ابن سعد (5/ 27)، التاريخ الكبير لابن أبي خيثمة (2/ 259/ 2778)، الجعديات (1673)، الجرح والتعديل (8/ 406)، الثقات (5/ 456)، سؤالات السلمي (467)، المؤتلف للدارقطني (4/ 2059 و 2318)، معرفة الصحابة لأبي نعيم (5/ 2601)، مستدرك الحاكم (3/ 456) (7/ 354/ 6037 - ط. الميمان)، الاستيعاب (4/ 1486)، الأنساب (5/ 630)، تاريخ دمشق (56/ 40)، الإصابة (6/ 226)، اللسان (8/ 172)، وغيرها].
وعبد الله بن ربيعة بن عبد الله بن الهدير الدمشقي التيمي القرشي: ترجم له البخاري في التاريخ الكبير (5/ 85) بهذا الحديث، وتبعه على ذلك: ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (5/ 51)، وذكره ابن حبان في الثقات (7/ 30)، مما يعني أنه لا يُعرف إلا بهذا الإسناد وهذا الأثر؛ فهو في عداد المجهولين [الثقات لابن قطلوبغا (6/ 16)].
لكنه لم ينفرد فيه بما لا يُعرف إلا من طريقه؛ حيث توبع عليه في الجملة:
* فقد رواه: مالك، وعقيل بن خالد، ومعمر بن راشد، وابن أبي ذئب:
عن ابن شهاب، عن السائب بن يزيد؛ أنه رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يضرب المنكدر في الصلاة بعد العصر.
وهذا موقوف صحيح، تقدم ذكره برقم (3).
وهذا يدل على صحة ما روى عبد الله بن ربيعة هذا؛ فهو أثر صحيح، مع جهالة راويه، والله أعلم.
24 -
وقد روي عن عمر من وجوه لا تثبت، أنه فعل ذلك لعلة:
فقد روى ابن جريج، قال: سمعت أبا سعيد الأعمى، يخبر عن رجل يقال له: السائب مولى الفارسيين [وقال ابن بكر: مولى لفارس، وقال حجاج: مولى الفارسي]، عن زيد بن خالد؛ أنه رآه عمر بن الخطاب -وهو خليفة- ركع بعد العصر ركعتين، فمشى
إليه، فضربه بالدرة وهو يصلي كما هو، فلما انصرف، قال زيد: يا أمير المؤمنين! فوالله لا أدعهما أبدًا بعد أن رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما، قال: فجلس إليه عمر، وقال: يا زيد بن خالد! لولا أني أخشى أن يتخذها الناس سُلمًا إلى الصلاة حتى الليل لم أضرب فيهما.
أخرجه أحمد (4/ 115)، وعبد الرزاق (2/ 432/ 3972)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 398/ 1105)، والطحاوي (1/ 301)، والطبراني في الكبير (5/ 228/ 5166 و 5167)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 1190/ 3010)، وابن حزم في المحلى (2/ 275)، [الإتحاف (5/ 22/ 4886)، المسند المصنف (8/ 339/ 4170)].
قال ابن حزم: "فهذا نص جلي ثابت عن عمر؛ بإجازته التطوع بعد العصر ما لم تصفر الشمس وتقارب الغروب".
قلت: أنى له الثبوت؟ وفي إسناده مجهولان، ما بين ابن جريج وزيد بن خالد [انظر: التاريخ الكبير (4/ 153)، الجرح والتعديل (4/ 243)، الفتح لابن رجب (3/ 281)، الإكمال للحسيني (290)، التقريب (909)، التعجيل (1281)].
25 -
وروى أبو أسامة حماد بن أسامة [ثقة ثبت]، ومحمد بن إسحاق [صدوق]:
أخبرنا هشام، عن أبيه، قال: خرج عمر على الناس يضربهم على السجدتين بعد العصر، حتى مر بتميم الداري، فقال: لا أدعهما، صليتهما مع من هو خير منك؛ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: إن الناس لو كانوا كهيئتك لم أبال.
أخرجه أحمد (4/ 102)، وابن شاهين في الناسخ (254)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (11/ 82)، [الإتحاف (3/ 12/ 2468)، المسند المصنف (4/ 430/ 2215)].
قلت: وهذا مرسل؛ عروة بن الزبير لم يدرك عمر بن الخطاب [تقدم تقريره في الطريق السابق برقم (21)].
26 -
وروى يحيى بن عبد الله بن بكير [مصري، ثقة في الليث]، وعبد الله بن صالح:
حدثني الليث [ابن سعد: ثقة ثبت، حجة إمام]، عن أبي الأسود [محمد بن عبد الرحمن بن نوفل الأسدي يتيم عروة: ثقة، سمع عروة]، عن عروة بن الزبير، قال: أخبرني تميم الداري، أو أُخبرت عنه، أن تميمًا الداري ركع ركعتين بعد نهي عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن الصلاة بعد العصر، فأتاه فضربه بالدرة، فأشار إليه تميم أن اجلس وهو في صلاته، فجلس عمر حتى فرغ تميم، فقال لعمر: لم ضربتني؟ قال: لأنك ركعت هاتين الركعتين وقد نهيت عنهما، قال: فإني قد صليتهما مع من هو خير منك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر رضي الله عنه: إني ليس بي إياكم أيها الرهط، ولكني أخاف أن يأتي بعدكم قوم يصلون ما بين العصر إلى المغرب، حتى يمروا بالساعة التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلى فيها، كما وصلوا بين الظهر والعصر، ثم يقولون: قد رأينا فلانًا وفلانًا يصلون بعد العصر.
أخرجه الطبراني في الكبير (2/ 58/ 1281)، وفي الأوسط (8/ 296/ 8684)، وابن حزم في المحلى (2/ 274).
قال الطبراني: "لا يروى هذا الحديث عن تميم الداري إلا بهذا الإسناد، تفرد به: الليث".
قلت: رجاله ثقات، لكن شك عروة في سماعه من تميم، فقال: أخبرني تميم الداري، أو أُخبرت عنه، أو يكون الشك وقع ممن دونه، والأقرب عدم سماعه منه لصغره يوم مات تميم؛ فإن تميمًا انتقل إلى الشام بعد مقتل عثمان، وسكن بيت المقدس، وكان عروة وقتها لم ينبت، ثم لم يلبث تميم أن مات سنة أربعين، والله أعلم.
27 -
وروى سعيد بن سليمان [الواسطي: ثقة حافظ]، عن بيان [هو: ابن بشر الكوفي: ثقة ثبت]، عن وبرة، قال: رأى عمر رضي الله عنه تميمًا الداري رضي الله عنه يصلي بعد العصر، فضربه بالدرة، فقال تميم: يا عمر! لم تضربني في صلاة صليتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عمر: يا تميم! ليس كل الناس يعلم ما تعلم.
أخرجه الحارث بن أبي أسامة (214 - بغية الباحث)(3/ 286/ 299 - مطالب)، عن سعيد به [وانظر: السير (2/ 448)، تاريخ الإسلام (3/ 617)، [وعزاه البوصيري في الإتحاف (2/ 365/ 1673) لأبي يعلى].
وهذا أيضًا مرسل؛ وبرة بن عبد الرحمن المسلي الكوفي: تابعي ثقة، من الرابعة، مات سنة (116)، يروي عن ابن عمر وابن عباس، وأكثر روايته عن التابعين، ولم يدرك عمر بن الخطاب، وهو هنا يحكي واقعة لم يدركها.
* والحاصل: فإنه لا تثبت عندي واقعتا زيد بن خالد وتميم الداري مع عمر بن الخطاب؛ فإني لم أجد لهما إسنادًا صحيحًا بنفسه، لا سيما إذا نظرنا بعين الاعتبار إلى ما صح من روايات حديث عائشة في الركعتين بعد العصر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يداوم عليهما كل يوم، ولا أنه كان يظهر العمل بهما عند الصحابة، بل كان يخفيهما، لا سيما مع قول عائشة: ولا يصليهما في المسجد، مخافة أن يُثقِل على أمته، وكان يحب ما يخفف عنهم [أخرجه البخاري (590)، وتقدم تخريجه في طرق حديث عائشة برقم (11)]، وإنما كان يصليهما في بيت عائشة خاصة من دون أمهات المؤمنين، ولم يثبت النقل في هاتين الركعتين بعد العصر عندي سوى عن أم سلمة لما حكت قضاء النبي صلى الله عليه وسلم لهما عن ركعتي الظهر مرة واحدة في بيتها، وعن عائشة لما حكت مداومته صلى الله عليه وسلم عليهما في بيتها خاصة، فكيف يأتينا بعد ذلك بإسناد مجهول؛ عن زيد بن خالد أنه قال لعمر: فوالله لا أدعهما أبدًا بعد أن رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما، ثم بأسانيد مرسلة بأن تميمًا الداري يقول لعمر: فإني قد صليتهما مع من هو خير منك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يقول له: لم تضربني في صلاة صليتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وروي من حديث أبي موسى الأشعري، ولا يثبت أيضًا [تقدم ذكره بعد طرق حديث عائشة]؛ فلا تقوى هذه الأسانيد على إثبات معنى جديد، وهو رؤية الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي هاتين الركعتين علانية، بل إن الزبير بن العوام وابنه عبد الله إنما أخذا العمل بهاتين الركعتين بعد العصر من عائشة نفسها، لا من رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وأما قول عائشة: ما تركهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي قط، سرًا ولا علانيةً، فقد سبق تفسيره في موضعه [الطريق السادس من طرق حديث عائشة]، وقلت هناك: أن العلانية تعني بها داخل بيتها فقط، وليس أمام الصحابة في المسجد، والله أعلم.
* بقي طريق واحد من طرق حديث عمر في النهي عن الركعتين بعد العصر:
28 -
فقد روى شعبة، عن الأزرق بن قيس، قال: سمعت عبد الله بن رباح الأنصاري، يحدث عن رجلٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العصر، فقام رجل يصلي بعدها، فأخذ عمر بثوبه، فقال: اجلس؛ فإنما هلك أهلُ الكتاب أنه لم يكن لصلاتهم فصلٌ؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صدق ابن الخطاب"، وفي رواية:"أحسن ابن الخطاب".
أخرجه أحمد (5/ 368)، وعبد الرزاق (2/ 432/ 3973)، وأبو يعلى (13/ 107/ 7166)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (5/ 6793/2892).
تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1000)، وقلت هناك: حديث شعبة: رجاله ثقات، وإبهام الصحابي لا يضر؛ لكن عبد الله بن رباح لم يذكر سماعًا من الصحابي، فلعله لم يدركه، فلا يثبت أيضًا، والله أعلم.
* وأما ما روي عن ابن عباس أيضًا في النهي عن هاتين الركعتين:
1 -
روى ابن جريج: أخبرني عامر بن مصعب [قال ابن معين: "شيخ مدني"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الدارقطني: "ليس بالقوي"، التاريخ الكبير (6/ 454)، تاريخ ابن أبي خيثمة (1/ 225/ 675)، الجرح والتعديل (6/ 328)، الثقات (5/ 192) و (7/ 250)، سؤالات الحاكم (435)، التهذيب (2/ 271)]؛ أن طاووسًا أخبره؛ أنه سأل ابن عباس عن الركعتين بعد العصر؟ فنهاه عنهما، قال: فقلت: ما أدعهما، فقال ابن عباس:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36)} [الأحزاب: 36].
أخرجه الشافعي في الرسالة (154)، وفي السنن (393)، وفي المسند (242)، وعبد الرزاق (2/ 433/ 3975)، والبزار (11/ 141/ 4870)، والطحاوي (1/ 305)، والبيهقي في المعرفة (1/ 74) و (2/ 363/ 1295)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (1/ 380)، وأبو إسماعيل الهروي في ذم الكلام (276)، [الإتحاف (7/ 258/ 7776)].
قال البزار: "وإنما ذكرنا هذا الحديث لأن معناه: أنه نهى عن الركعتين بعد العصر".
قلت: إسناده ليس بذاك، لأجل عامر بن مصعب، وقد توبع عليه:
2 -
فقد رواه الشافعي، والحميدي، وابن أبي عمر العدني، وعبيد الله بن سعيد، وأحمد بن حرب، وسعدان بن نصر [وهم ثقات، وفيهم أثبت أصحاب ابن عيينة]، وغيرهم:
عن سفيان بن عيينة، عن هشام بن حجير [مكي، ليس بالقوي. التهذيب (4/ 267)]،
عن طاووس، عن ابن عباس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر.
وفي رواية الشافعي وعبيد الله بن سعيد وسعدان: قال: كان طاووس يصلي ركعتين بعد العصر، فقال له ابن عباس: اتركهما، قال: إنما نهي عنها أن تتخذ سُلَّمًا [وفي رواية سعدان: سنة][أن يوصل ذلك إلى غروب الشمس]، قال ابن عباس: فإنه قد نهي [وفي رواية الشافعي: فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى] عن صلاة بعد العصر، فلا أدري أتُعذَّب عليها أم تؤجَر؛ لأن الله تعالى يقول:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} الآية.
قال سفيان: تتخذ سلمًا؛ يقول: يصلي بعد العصر إلى الليل.
أخرجه النسائي في المجتبى (1/ 278/ 569)، وفي الكبرى (1/ 368/223)، والدارمي (468 - ط. البشائر)، والحاكم (1/ 110)(1/ 256/ 378 - ط. الميمان)، وابن أبي عمر العدني في مسنده (3/ 274/ 295 - مطالب)، وسعدان بن نصر في جزئه (162)، والفاكهي في أخبار مكة (1/ 264/ 521)، والبزار (11/ 142/ 4871)، وأبو جعفر ابن البختري في ستة مجالس من أماليه (39)، والبيهقي (2/ 453)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم (2/ 1183/ 2339)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (1/ 380)، [التحفة (4/ 439/ 5761)، الإتحاف (7/ 258/ 7776)، المسند المصنف (11/ 447/ 5478)].
قال البزار: "ولا نعلم أسند عامر بن مصعب، عن طاووس، عن ابن عباس غير هذا الحديث، ولا رواه عنه إلا ابن جريج، ولا أسند هشام بن حجير، عن طاووس، عن ابن عباس غير هذا الحديث، ولا نعلم رواه عنه إلا سفيان بن عيينة".
وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين، موافق لما قدَّمنا ذكره من الحث على اتباع السُّنَّة، ولم يخرجاه بهذه السياقة".
قلت: ليس هو على شرط الشيخين، وإن أخرجا لهشام بن حجير؛ إنما انتقيا من حديثه ما توبع عليه، وصح عندهما، وهو هنا قد توبع على روايته عن طاووس، تابعه من هو أدنى منه، أو قريب منه؛ عامر بن مصعب، وإن كان هشام أكثر شهرة منه، لكن تتابعهما على روايته عن طاووس يشعر بكونه محفوظًا، وقد خولفا في رفعه:
* فقد روى يحيى بن إسحاق السالحيني: ثنا وهيب [هو: ابن خالد: ثقة ثبت]، عن ابن طاووس، عن أبيه، عن ابن عباس؛ أنه كان يكره الصلاة بعد العصر.
أخرجه أبو العباس السراج في مسنده (1521)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (2283).
قلت: وهذا غريب من حديث وهيب بن خالد، حيث يتفرد به عنه: يحيى بن إسحاق السالحيني، وهو: ثقة يحفظ حديثه؛ إلا أن له غرائب وأوهام، والله أعلم [التهذيب (4/ 338)، تذكرة الحفاظ (1/ 376)، السير (9/ 505)، علل الدارقطني (10/ 67)، علل ابن أبي حاتم (327 و 334)][وانظر في أوهامه: الحديث المتقدم برقم (845)، الشاهد رقم (5)، وما تحت الأحاديث (339 و 518 و 537)].
وأخشى أن يكون وهم فيه؛ إذ الرفع محفوظ في النهي عن الصلاة بعد العصر من حديث أبي العالية، عن ابن عباس، عن عمر [ويأتي برقم (1276)]، فلا مانع أن يرويه طاووس عن ابن عباس مرفوعًا، وابن عباس معروف بكثرة الأخذ عن الصحابة، ومرسل الصحابي حجة، والله أعلم.
* وقد روي الضرب على الركعتين بعد العصر، أو كراهيتهما: عن ابن مسعود، وأبي سعيد الخدري، وخالد بن الوليد [انظر: ما أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 132/ 7331 و 7332) و (2/ 133/ 7343)، والطحاوي (1/ 305)].
* ومن فقه أحاديث الباب:
قال الترمذي: "حديث ابن عباس: حديث حسن.
وقد روى غير واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى بعد العصر ركعتين.
وهذا خلاف ما روي عنه: أنه نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس.
وحديث ابن عباس: أصح، حيث قال: لم يعُد لهما، وقد روي عن زيد بن ثابت نحو حديث ابن عباس.
وقد روي عن عائشة في هذا الباب روايات:
روي عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم ما دخل عليها بعد العصر إلا صلى ركعتين.
وروي عنها، عن أم سلمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس.
والذي اجتمع عليه أكثر أهل العلم على كراهية الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس، إلا ما استثني من ذلك، مثل الصلاة بمكة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس بعد الطواف، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم رخصة في ذلك.
وقد قال به قوم من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن بعدهم.
وبه يقول الشافعي، وأحمد، وإسحاق.
وقد كره قوم من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن بعدهم الصلاة بمكة أيضًا بعد العصر، وبعد الصبح.
وبه يقول سفيان الثوري، ومالك بن أنس، وبعض أهل الكوفة".
* قلت: الأصل إعمال أحاديث النهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس على عمومها، ولا يستثنى منها إلا ما دل عليه الدليل:
مثل قضاء الفوائت، والصلوات ذوات الأسباب؛ كصلاة الجنازة، وصلاة الكسوف، وسنة الوضوء، وركعتي الطواف، وركعتي تحية المسجد، ومن أتى المسجد فوجد الناس يصلون وكان قد صلى الفريضة [ولكل مسألة أدلتها، ليس هذا موضع إيرادها، منها ما تقدم ذكره في بابه، ومنها ما سيأتي في موضعه من السنن إن شاء الله تعالى]، وقضاء نافلة الظهر
[كما دل عليه حديث أم سلمة، دون المداومة عليها بعد العصر؛ فإنما ذلك من خصائص نبينا صلى الله عليه وسلم، والله أعلم].
وممن سلك هذه المسائل مسلك قضاء النافلة في أوقات النهي جمعًا بين النصوص، وإعمالًا لها؛ الشافعي، وأحمد، وإسحاق [اختلاف الحديث (10/ 102 - أم)، مسائل الكوسج (121)، الأوسط (2/ 397)].
قال الشافعي في اختلاف الحديث (10/ 102 - أم) بعدما ذكر جملة من الأدلة، في قضاء الفوائت، وصلاة ركعتي الطواف في أية ساعة شاء، وصلاة الجنائز بعد العصر والصبح، وقضاء ركعتي الظهر بعد العصر، وقضاء ركعتي الفجر بعد صلاة الفجر، وذلك كله في معارضة عموم النهي عن الصلاة في أوقات النهي الخمسة، قال الشافعي:"فلا يجوز إلا أن يكون نهيه عن الصلاة في الساعات التي نهى عنها على ما وصفتُ: من كل صلاة لا تلزم، فأما كل صلاة كان يصليها صاحبها فأغفلها، أو شغل عنها، وكل صلاة أُكِّدت وإن لم تكن فرضًا؛ كركعتي الفجر والكسوف، فيكون نهي النبي صلى الله عليه وسلم فيما سوى هذا ثابتًا".
وقال ابن بطال في شرحه على البخاري (2/ 206): "اختلف العلماء فى تأويل نهيه عليه السلام عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر، فقال مالك: المراد بذلك النافلة دون الفرض، والفرائض الفائتة تصلى أي وقت ذكرت؛ لقوله عليه السلام: "من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس، وأدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس؛ فقد أدرك الصلاة"، ومعلوم أنه إذا أدرك ركعة فلا يقع إتمام الصلاة إلا في الوقت المنهي عنه، فدل ذلك على ما قلناه، وهو قول أحمد، وإسحاق.
وقال الشافعي: المراد به النافلة المبتدأة، وأما الصلوات المفروضات والمسنونات، أو ما كان يواظب عليه من النوافل فلا، واحتج بالإجماع على صلاة الجنازة، وبحديث عائشة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قضى الركعتين بعد العصر".
وقال ابن خزيمة في صحيحه (2/ 261): "فالنبي صلى الله عليه وسلم قد تطوع بركعتين بعد العصر قضاء الركعتين اللتين كان يصليهما بعد الظهر، فلو كان نهيه عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس عن جميع التطوع، لما جاز أن يقضي ركعتين كان يصليهما بعد الظهر، فيقضيهما بعد العصر، وإنما صلاهما استحبابًا منه للدوام على عمل التطوع؛ لأنه أخبر صلى الله عليه وسلم أن: "أفضل الأعمال أدومها"، وكان صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملًا أحب أن يداوم عليه".
ثم قال (2/ 262): "والنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر قد أمر من صلى الفجر في رحله أن يصلي مع الإمام، وأعلم أن صلاته تكون مع الإمام نافلة، فلو كان النهي عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس نهيًا عامًا لا نهيًا خاصًا، لم يجز لمن صلى الفجر في الرحل أن يصلي مع الإمام فيجعلها تطوعًا، وأخبار النبي صلى الله عليه وسلم: "سيكون عليكم أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها، فصلوا الصلاة لوقتها، واجعلوا صلاتكم معهم سبحة"، فيها دلالة على أن الإمام
إذا أخر العصر أو الفجر أو هما، أن على المرء أن يصلي الصلاتين جميعًا لوقتهما، ثم يصلي مع الإمام ويجعل صلاته معه سبحة، وهذا تطوع بعد الفجر، وبعد العصر،
…
، والنبي صلى الله عليه وسلم قد زجر بني عبد مناف وبني عبد المطلب أن يمنعوا أحدًا يصلي عند البيت أي ساعة شاء من ليل أو نهار".
وقال الخطابي في المعالم (1/ 351): "صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الوقت قد قيل: إنه مخصوص بها، وقيل: إن الأصل فيه أنه صلاها يومًا قضاءً لفائت ركعتي الظهر، وكان صلى الله عليه وسلم إذا فعل فعلًا واظب عليه، ولم يقطعه فيما بعد".
وقال ابن الملقن في التوضيح (6/ 260)، وفي الإعلام (2/ 310): "قام الإجماع على كراهة صلاة لا سبب لها في أوقات النهي، وعلى جواز الفرائض المؤداة فيها، واختلفوا فيما إذا كان له سبب، فأباحه الشافعي وطائفة إذا كان السبب سابقًا أو مقارنًا، وذهب أبو حنيفة وآخرون إلى بقاء النهي لعموم الأحاديث، وتباح الفوائت عنده بعد الصبح والعصر ولا تباح في الأوقات الثلاث إلا عصر يومه، فيباح عند الاصفرار، ومشهور مذهب داود: منع الصلاة في هذه الأوقات مطلقًا سواء ذات السبب وغيرها، وهو رواية عن أحمد، ونقل القاضى عن داود أنه أباحها بسبب وبدونه.
واحتج الشافعي ومن وافقه بأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى سنة الظهر بعد العصر، وهذا تصريح في قضاء السنة الفائتة، فالحاضرة أولى والفريضة المقضية أولى، وكذا الجنازة، وهو إجماع فيها، وإن حكي عن الكرخي المنع، وقال صلى الله عليه وسلم في التحية:"إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين"، وهذا خاص، وحديث النهي عن الصلاة في هذه الأوقات عام، وقد دخله التخصيص بصلاة الصبح والعصر وصلاة الجنازة كما سلف، وبحديث:"من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها"، وأما حديث التحية: فهو على عمومه لم يدخله تخصيص، ولهذا أمر بهما الداخل والإمام يخطب" [انظر: إحكام الأحكام لابن دقيق العيد (2/ 50)].
• ولعل بعضهم نظر إلى أن أحاديث صلاة الركعتين بعد العصر مما يحتمل التأويل وتدخل في معنى المتشابه، فردوها إلى المحكم، لذا لما سئل الدارمي عن هذا الحديث، قال:"أنا أقول بحديث عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا بعد الفجر حتى تطلع الشمس"".
وقال البيهقي (2/ 458): "ففي هذا، وفي بعض ما مضى: إشارة إلى اختصاصه صلى الله عليه وسلم باستدامة هاتين الركعتين بعد وقوع القضاء بما فعل في بيت أم سلمة، وقد مضى في رواية طاووس عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها، وكأنها لما رأته صلى الله عليه وسلم أثبتهما حملت النهي على هاتين الساعتين، والنهي ثابت فيهما وقبلهما، كما مضى، فحمل ذلك على اختصاصه بذلك أولى، والله أعلم".
وقال في المعرفة (2/ 272): "وعائشة حملته عن أم سلمة، ثم كانت ترويه مرة عنها
عن النبي صلى الله عليه وسلم، وترسله أخرى، وكانت ترى مداومة النبي صلى الله عليه وسلم عليهما، فكانت تحكي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أثبتها، قالت: وكان إذا صلى صلاة أثبتها، وقالت: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين عندي بعد العصر قط، وكانت ترى أنه كان يصليها في بيوت نسائه، ولا يصليها في المسجد مخافة أن يثقل على أمته، وكان يحب ما خفف عنهم، فهذه الأخبار تشير إلى اختصاصه بإثباتها؛ لا إلى أصل القضاء".
وقال ابن الملقن في التوضيح (11/ 442): "الصحيح: أن المداومة عليهما في هذه الحالة كانت من خصائصه، وقال ابن التين: انفرد داود من بين الفقهاء، فقال: لا بأس بالنافلة بعد العصر حتى تغرب الشمس، والنصوص ترده".
* والحاصل: فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان مداومًا على ركعتين بعد الظهر، ولم يمكنه أداؤهما في وقتهما بعد صلاة الظهر، قضاهما بعد العصر، للأصل السابق ذكره، والأمة في هذا تتأسى به صلى الله عليه وسلم؛ إلا أنه لما كان من عادته أنه إذا عمل عملًا أثبته، وكان ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم، فقد أثبت هاتين الركعتين في هذا الوقت الجديد، ولم تتأس الأمة به في ذلك لاختصاصه به دونهم، وإن كان بعض الصحابة رأى جواز التأسي به في المداومة عليها، وخالفوا غيرهم، ممن هم أعلم منهم من الصحابة ممن رأى عدم جواز التأسي به في ذلك، مثل: عمر بن الخطاب؛ حتى إنه كان يضرب الناس على ذلك، وفهمُ عمر في هذا مقدَّم على فهم غيره، فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الرشدَ في طاعة أبي بكر وعمر، بل علق حصول الرشد بطاعتهما، فقال:"إن يطعِ الناسُ أبا بكر وعمر يرشدوا"[تقدم برقم (441)]، وقال في عمر خاصة:"لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدَّثون، فإن يك في أمتي أحدٌ، فإنه عمر"[صحيح البخاري (3469 و 3689)].
كذلك فإن حديث أم سلمة يدل على إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لها على بقاء المنع من الصلاة بعد العصر؛ إلا ما خصه الدليل، مثل قضاء نافلة راتبة، أو فريضة فائتة، أو نحو ذلك مما جاء النص عليه بدليل خاص، ولو كان النهي عن الصلاة بعد العصر قد نسخ، أو خصص بما إذا كانت الشمس مرتفعة بيضاء نقية، قبل أن تصفر؛ لما تأخر البيان عن موضع الحاجة، والله أعلم.
ومن أهل العلم من رأى أن صلاة الركعتين بعد العصر تخصص عموم أحاديث النهي عن الصلاة بعد العصر، واستدل لذلك أيضًا بحديث علي بن أبي طالب مرفوعًا:"لا تصلوا بعد العصر؛ إلا أن تصلوا والشمس مرتفعة"[وهو حديث شاذ]، وكذلك احتج بحديث قيس بن عمرو في قضاء ركعتي نافلة الصبح بعد الصلاة [وهو حديث ضعيف]، على تخصيص عموم أحاديث النهي عن الصلاة بعد الصبح.
قال ابن المنذر في الأوسط (2/ 388): "قد ثبتت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنهيه عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، فكان الذي يوجبه ظاهر هذه الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم الوقوف عن جميع الصلوات بعد
العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس، فدلت الأخبار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم على أن النهي إنما وقع في ذلك على وقت طلوع الشمس ووقت غروبها، فمما دل على ذلك حديث علي بن أبي طالب وابن عمر وعائشة رضي الله عنهم، وهي أحاديث ثابتة بأسانيد جياد، لا مطعن لأحد من أهل العلم فيها".
وقال أيضًا (2/ 390): "فإذا جاز أن يتطوع بعد العصر بركعتين؛ جاز أن يتطوع المرء ما شاء من التطوع إذا اتقى الأوقات التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التطوع فيها"؛ يعني: وقت طلوع الشمس، ووقت غروبها، ووقت الظهيرة، قال ابن رجب في الفتح (3/ 278):"واختار ابن المنذر أن أوقات النهي ثلاثة: وقت الطلوع، ووقت الغروب، ووقت الزوال خاصة"، وسبقه إلى حكاية ذلك عن ابن المنذر أيضًا: ابن قدامة في المغني (1/ 428).
قلت: ما ذهب إليه البيهقي وغيره في الجمع بين النصوص وإعمالها جميعًا أولى من قول ابن المنذر؛ فإنه متى أمكن إعمال الأدلة والجمع بينها كان أولى من إعمال بعضها وإهمال البعض الآخر، فالإعمال أولى من الإهمال متى أمكن ذلك، وللنووي في الجمع بينها كلام لطيف، حيث قال النووي في الجمع بين حديث عمر الآتي [برقم (1276)] وبين حديث عائشة في توهيم عمر:"ويجمع بين الروايتين، فرواية التحري محمولة على تأخير الفريضة إلى هذا الوقت، ورواية النهي مطلقًا محمولة على غير ذوات الأسباب"[شرح مسلم (6/ 119)، وانظر: المجموع (4/ 154)].
وانظر أيضًا: المجموع شرح المهذب (4/ 155)، شرح فتح القدير (1/ 237).
° تنبيه: يحمل فعل من صلى الركعتين بعد العصر من الصحابة على حال المجتهد المخطئ، وأنه مأجور في ذلك:
وفي هذا المعنى يقول ابن تيمية في بيان حكم خطأ المجتهد: "وحقيقة الأمر: أنه إذا كان فيها نص خفي على بعض المجتهدين وتعذر عليه علمه، ولو علم به لوجب عليه اتباعه؛ لكنه لما خفي عليه اتبع النص الآخر وهو منسوخ أو مخصوص: فقد فعل ما وجب عليه بحسب قدرته؛ كالذين صلوا إلى بيت المقدس بعد أن نسخت، وقبل أن يعلموا بالنسخ، وهذا لأن حكم الخطاب لا يثبت في حق المكلفين إلا بعد تمكنهم من معرفته في أصح الأقوال،
…
"، ثم قال: "وإذا كان كذلك: فما لم يسمعه المجتهد من النصوص الناسخة أو المخصوصة فلم تمكنه معرفته فحكمه ساقط عنه، وهو مطيع لله في عمله بالنص المنسوخ والعام ولا إثم عليه فيه"، إلى أن قال: "ففي الجملة: الأجر هو على اتباعه الحق بحسب اجتهاده؛ ولو كان في الباطن حقٌّ يناقضه هو أولى بالاتباع لو قدر على معرفته؛ لكن لم يقدر، فهذا كالمجتهدين في جهات الكعبة، وكذلك كل من عبد عبادة نهي عنها، ولم يعلم بالنهي - لكن هي من جنس المأمور به -، مثل: من صلى في أوقات النهي وبلغه الأمر العام بالصلاة، ولم يبلغه النهي، أو تمسك بدليل خاص مرجوح، مثل صلاة جماعة من السلف ركعتين بعد العصر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلاهما"، إلى أن قال: "فهذا يغفر له