المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌301 - باب صلاة الضحى - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ١٤

[ياسر فتحي]

الفصل: ‌301 - باب صلاة الضحى

* وعن جرير بن عبد الله البجلي [أخرجه ابن عدي في الكامل (5/ 149)، وأبو محمد الخلال في فضائل سورة الإخلاص (10)، وأبو طاهر السلفي في السابع عشر من المشيخة البغدادية (19) (1464 - مشيخة المحدثين البغدادية)، [وهو حديث كذب، في إسناده: عمرو بن جرير أبو سعيد البجلي: متروك، منكر الحديث، كذبه أبو حاتم. اللسان (6/ 195)، ضعفاء العقيلي (3/ 264)، الكامل (5/ 149)].

‌301 - باب صلاة الضحى

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن منيع، عن عباد بن عباد (ح).

وحدثنا مسدد: حدثنا حماد بن زيد - المعنى -، عن واصل، عن يحيى بن عُقَيل، عن يحيى بن يَعمَر، عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يصبح على كل سُلامَى من ابن آدم صدقة: تسليمُه على من لَقِيَ صدقة، وأمرُه بالمعروف صدقة، ونهيه عن المنكر صدقة، وإماطتُه الأذى عن الطريق صدقة، وبُضعُه أهلَه صدقةٌ، ويجزئ من ذلك كلِّه ركعتان من الضحى".

وحديث عباد أتم، ولم يذكر مسددٌ الأمرَ والنهيَ، زاد في حديثه: وقال: "كذا وكذا".

وزاد ابن منيع في حديثه: قالوا: يا رسول الله، أحدُنا يقضي شهوتَه، وتكون له صدقةٌ؟ قال:"أرأيت لو وضعها في غير حِلِّها ألم يكن يأثم؟ ".

حديث منقطع

أعاده أبو داود بنفس إسناده في كتاب الأدب، باب في إماطة الأذي عن الطريق، الحديث رقم (5243)، وساقه هناك بلفظ عباد، قال:"يصبح على كل سلامى من ابن آدم صدقةٌ: تسليمُه على من لقي صدقةٌ، وأمرُه بالمعروف صدقةٌ، ونهيُه عن المنكر صدقةٌ، وإماطتُه الأذى عن الطريق صدقةٌ، وبضعتُه أهله صدقةٌ"، قالوا: يا رسول الله! يأتي شهوتَه وتكون له صدقةٌ؟ قال: "أرأيت لو وضعها في غير حقِّها، أكان يأثم؟! قال: "ويجزئ من ذلك كله ركعتان من الضحى". [التحفة (8/ 429/ 11928) و (8/ 457/ 11991)، المسند المصنف (27/ 283/ 12293)].

أخرجه من طريق أحمد بن منيع: ابن أبي الدنيا في الأمر بالمعروف (95).

وأخرجه من طريق حماد بن زيد:

أبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 315/ 1627) [من طريق: محمد بن أبي بكر المقدمي عن حماد به؛ إلا أنه ساق إسناده مقرونًا بإسناده مهدي بن ميمون، ولم يذكر بأن

ص: 275

حماد بن زيد لم يذكر في إسناده أبا الأسود، فإما أن يكون اختلافًا على حماد، وإما أن يكون خطأ حصل من حمل إسناد حماد على إسناد مهدي بن ميمون، وهذا الأقرب عندي، والله أعلم].

* ورواه ابن عبد البر في التمهيد (8/ 139)، من طريق أبي داود وبكر بن حماد، كلاهما عن:

مسدد، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن واصل، عن يحيى بن عقيل، عن يحيى بن يعمر، عن أبي الأسود، عن أبي ذر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يصبح ابن آدم وعلى كل سلامى منه صدقة: فإماطته الأذى عن الطريق صدقة، وتسليمه على من لقي صدقة، وأمره بالمعروف صدقة، ونهيه عن المنكر صدقة، ومجامعته أهله صدقة"، قالوا: يا رسول الله! أحدنا يضع شهوته، فتكون له صدقة؟ قال:"أرأيتم لو وضعها في غير حِلٍّ، ألم يكن يأثم؟! " ثم قال: "وركعتا الضحى يجزيان عن ذلك كله".

وهذه الرواية وهم سندًا ومتنًا؛ وأبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني: ثقة حافظ، ثبت حجة إمام، مصنف السنن، وبكر بن حماد التاهرتي: قال العجلي: "وكان من أئمة أصحاب الحديث"، وقال مسلمة:"ثقة صدوق"، وكتب عن مسدد بن مسرهد مسنده" ورواه عنه بتاهرت وتوفي بها، وكتب القاسم بن الأصبغ مسند مسدد عن بكر بن حماد التاهرتي، وبالغ ياقوت الحموي في الثناء عليه [معرفة الثقات (1649)، الأنساب (1/ 443)، معجم البلدان (2/ 8)، الثقات لابن قطلوبغا (3/ 77)، الأعلام للزركلي (2/ 63)].

والذي يغلب على ظني أن ابن عبد البر سقط عليه من إسناد أبي داود، طريق أحمد بن منيع عن عباد بن عباد، والذي ساق المتن من طريقه، وأما حماد بن زيد فلا يذكر في حديثه الأمر والنهي؛ كما قال أبو داود، كما أنه لا يذكر في حديثه: قالوا: يا رسول الله! أحدنا يضع شهوته، فتكون له صدقة؟ قال:"أرأيتم لو وضعها في غير حِلٍّ، ألم يكن يأثم؟ "، ولا أظن هذه الزيادة جاءت من قبل بكر بن حماد التاهرتي، لأنها لا تعرف من حديث مسدد عن حماد بن زيد، والله أعلم.

وكما وقع الوهم في المتن، حيث دخل لراويه حديث ابن منيع في حديث مسدد، فكذلك زيد في إسناده: أبو الأسود الدؤلي، والله أعلم.

* ورواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل (507)، قال: حدثنا أبو حاتم العبدي [هو: همام بن محمد بن أيوب العبدي البصري، ولم أقف له على ترجمة]: ثنا محمد بن عقبة السدوسي: ثنا حماد بن زيد، عن واصل مولى أبي عيينة، عن يحيى بن يعمر، وردَّ ذلك إلى أبي ذر، قال: يصبح ابن آدم على كل سلامى منه صدقة، ورفعه الأذى عن الطريق صدقة.

هكذا أوقفه على أبي ذر، مع اختصار متنه، وأسقط منه ذكر يحيى بن عقيل، وهذا

ص: 276

وهم فاحش على حماد بن زيد، تفرد به: محمد بن عقبة السدوسي؛ فإنه شبه المتروك، قال أبو حاتم:"ضعيف الحديث، كتبت عنه، ثم تركت حديثه، فليس نحدث عنه"، وترك أبو زرعة حديثه، ولم يقرأه، وقال:"لا أحدث عنه"، نقله ابن أبي حاتم، وقال البرذعي لأبي زرعة:"قلت: محمد بن عقبة هو واهٍ؟ قال: ليس بشيء"، وقال أيضًا:"أمرني أبو زرعة أن أضرب على حديث محمد بن عقبة السدوسي، وأبى أن يقرأ عنه شيئًا"، وذكره ابن حبان في الثقات، وأخرج له في صحيحه (6883)[الضعفاء لأبي زرعة (2/ 449 و 701)، الجرح والتعديل (8/ 36)، الثقات (9/ 100)، تاريخ الإسلام (16/ 371) و (18/ 453)، الميزان (3/ 649)، التهذيب (3/ 649)].

وعلى هذا فالأقرب: أن المحفوظ عن حماد بن زيد، هو ما رواه أبو داود عن مسدد عن حماد به، بدون ذكر أبي الأسود في الإسناد، ويؤيده أن الدارقطني لما ذكر الاختلاف في هذا الحديث، جعل حماد بن زيد متابعًا لمن رواه بدون ذكر أبي الأسود، فقال:"ورواه هشام بن حسان، وحماد بن زيد، وعباد بن عباد المهلبي، عن واصل، عن يحيى بن عقيل، عن يحيى بن يعمر، عن أبي ذر"[العلل (6/ 282/ 1139)]، والله أعلم.

ورواه يزيد بن هارون [ثقة متقن]، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي [ثقة]:

قالا: أخبرنا هشام بن حسان، عن واصل مولى أبي عيينة، عن يحيى بن عقيل، عن يحيى بن يعمر، عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يصبح على كل سلامى من ابن آدم كل يوم صدقةٌ"، ثم قال:"إماطتُك الأذى عن الطريق صدقةٌ، وتسليمُك على الناس صدقةٌ، وأمرُك بالمعروف صدقةٌ، ونهيُك عن المنكر صدقةٌ، ومباضعتُك أهلك صدقةٌ"، قلنا: يا رسول الله! أيقضي الرجلُ شهوتَه وتكون له صدقة؟ قال: "نعم، أرأيت لو جعل تلك الشهوة فيما حرَّم الله عليه، ألم يكن عليه وزرٌ؟ "، قلنا: بلى، قال:"فإنه إذا جعلها فيما أحل الله له فهي صدقةٌ"، قال: وذكر أشياء صدقة صدقة، ثم قال:"يجزئ من ذلك كله ركعتا الضحى".

أخرجه النسائي في الكبرى (8/ 204/ 8979)، وأحمد (5/ 178)، والحسين المروزي في البر والصلة (294)، [التحفة (8/ 249/ 11928) و (8/ 457/ 11991)، الإتحاف (14/ 206/ 17639)، المسند المصنف (27/ 283/ 12293)].

خالفهما فوهم وشذ، وجعله من مسند ابن عباس، وسلك فيه جادةً:

رواه سالم بن نوح، عن هشام بن حسان، عن قيس بن سعد، عن طاووس، عن ابن عباس، رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم:"على كل سلامى أو على عضو من بني آدم في كل يوم صدقة، وتجزئ من ذلك كله ركعتا الضحى".

أخرجه الطبراني في الأوسط (4/ 4449/365)، وفي الصغير (639).

قال الطبراني: حدثنا عبد الله بن محمد بن سختان الشيرازي، قال: نا علي بن محمد الزيادآبادي الشيرازي، قال: نا سالم به.

ص: 277

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن قيس بن سعد إلا هشام بن حسان، ولا عن هشام إلا سالم بن نوح، تفرد به: علي بن محمد".

قال الهيثمي في المجمع (2/ 237): "وفيه من لم أجد له ترجمة".

قلت: هو حديث منكر؛ تفرد به عن هشام بن حسان: سالم بن نوح العطار، وهو: ليس به بأس، لكن له غرائب وأفراد لينوه بسببها [انظر: التهذيب (1/ 680)، الميزان (2/ 113)]، وهذا منها [وانظر في مناكيره أيضًا: ما تقدم تحت الحديث رقم (607)، الشاهد السادس، وما تحت الحديث رقم (956)].

والراوي عنه: علي بن محمد الزيادآبادي: شيخ يروي عن الثقات ما ليس من حديثهم، ويتفرد بما لا يتابع عليه [انظر: علل الدارقطني (10/ 97/ 1890)، أطراف الغرائب والأفراد (2/ 379/ 5797)، مشيخة الآبنوسي (7)، تاريخ بيهق (282)، الأنساب (3/ 185)، اللسان (6/ 14)].

وعبد الله بن محمد بن سختان الشيرازي: لا يُعرف روى عنه غير الطبراني، ولم يكثر عنه، ولم يشتهر حديثه، حتى قالوا في التعريف به:"شيخ للطبراني"[الإكمال (4/ 267)، الأنساب (3/ 231)، توضيح المشتبه (5/ 65)].

وقد روي من حديث طاووس عن ابن عباس، لكن من وجه لا يثبت:

رواه ليث بن أبي سليم، عن طاووس، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت أظنه رفعه، قال:"في ابن آدم ثلاثمائة وستون سلامى أو عظم أو مفصل، على كل واحد منها في كل يوم صدقة"، قال:"كلمة طيبة يتكلم بها الرجل صدقة، وعون الرجل أخاه على الشيء صدقة، وشربة الماء نسقيها صدقة، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة".

أخرجه البخاري في الأدب المفرد (422)، ومسدد في مسنده (5/ 659/ 959 - مطالب)، وابن أبي الدنيا في مداراة الناس (101)، والطبراني في الكبير (11/ 46/ 11027)، [المسند المصنف (13/ 178/ 6312)].

وهذا حديث منكر؛ ليث بن أبي سليم: ضعيف، لاختلاطه وعدم تميز حديثه.

والمعروف في هذا عن طاووس قوله:

فقد رواه الحسين المروزي [ثقة][واللفظ له]، وهناد بن السري [ثقة] [مختصرًا]:

عن سفيان بن عيينة، عن عمرو [هو: ابن دينار]، عن طاووس، قال: في الإنسان ثلاثمائة وستون سلامة - أو: سلامى، شك حسين -، على كل سلامى في كل يوم صدقة، فأمرك بالمعروف صدقة، ونهيك عن المنكر صدقة، وردك السلام صدقة، وإماطتك الأذى عن الطريق صدقة، ومحاملتك عن الدابة صدقة. وزاد ابن طاوس: والكلمة الطيبة صدقة.

أخرجه الحسين المروزي في البر والصلة (304)، وهناد في الزهد (2/ 524/ 1080).

وهذا مقطوع على طاووس قوله، بإسناد صحيح كالشمس.

ص: 278

وروي حديث ابن عباس هذا من طرق أخرى لا تخلو من مقال، وبدون موضع الشاهد [انظر مثلًا: ما أخرجه هناد بن السري في الزهد (2/ 525/ 1084)[مرسلًا].

والحسين المروزي في البر والصلة (319 و 320)، والبزار (926 - كشف الأستار)، وابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (808 و 825)، وأبو يعلى (4/ 324 و 325/ 2434 و 2435)، وابن خزيمة (2/ 377/ 1497)، وابن حبان (1/ 534/ 299)، والطبراني في الكبير (11/ 236/ 11791 و 11792)، والدارقطني في الأفراد (1/ 466/ 2569 - أطرافه)، وابن مخلد البزاز في حديثه (18)، وابن مردويه في أماليه (40)، وإسماعيل الأصبهاني في الترغيب (288)، والضياء في المختارة (12/ 69 - 70/ 74 و 75)، [الإتحاف (7/ 479/ 8269) و (7/ 8466/564)، المسند المصنف (11/ 5468/434)].

* هكذا روى الحديث عن واصل مولى أبي عيينة على هذا الوجه: هشام بن حسان، وعباد بن عباد بن حبيب البصري، وحماد بن زيد، وهم ثقات، فرووه عن واصل، عن يحيى بن عقيل، عن يحيى بن يعمر، عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ويحيى بن يعمر: لم يدرك أبا ذر، بين وفاتيهما قرابة سبعين سنة، ولم يسمع ممن مات بعد أبي ذر [انظر: التاريخ الكبير (8/ 312)، تحفة التحصيل (347)].

وقد خولفوا في ذلك:

خالفهم: خالد بن عبد الله الواسطي [ثقة ثبت]، ومهدي بن ميمون [ثقة]:

فروياه عن واصل به، وزادا في الإسناد: أبا الأسود الديلي.

وهذا هو الصواب، فقد زادا في الإسناد رجلًا، والحكم هنا لمن زاد؛ لما معه من زيادة علم، وهو حافظ تقبل زيادته، وبروايته اتصل الإسناد وصح، والحمد لله أولًا وآخرًا.

***

1286 -

قال أبو داود: حدثنا وهب بن بقية: أخبرنا خالد، عن واصل، عن يحيى بن عُقَيل، عن يحيى بن يَعمَر، عن أبي الأسود الدِّيلي، قال: بينما نحن عند أبي ذر، قال:"يصبح على كل سُلامَى من أحدكم في كل يومٍ صدقةٌ؛ فله بكل صلاةٍ صدقةٌ، وصيام صدقةٌ، وحجٍّ صدقةٌ، وتسبيحٍ صدقةٌ، وتكبيرٍ صدقةٌ، وتحميدٍ صدقةٌ"، فعدَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من هذه الأعمال الصالحة، ثم قال:"يجزئ أحدَكم من ذلك ركعتا الضحى".

حديث صحيح

أعاده أبو داود بنفس إسناده في كتاب الأدب، باب في إماطة الأذى عن الطريق، الحديث رقم (5244)، ولم يسق متنه. [التحفة (8/ 429/ 11928)، المسند المصنف (27/ 283/ 12293)].

ص: 279

أخرجه من طريق أبي داود: ابن عبد البر في التمهيد (8/ 139).

تابع أبا داود عليه: أبو القاسم البغوي عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ابن بنت أحمد بن منيع [وهو: ثقة ثبت، حافظ إمام. تقدمت ترجمته تحت الحديث رقم (372)]، قال: ثنا وهب بن بقية به.

أخرجه ابن عساكر في المعجم (1076).

ورواه عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي، وعفان بن مسلم، وعارم أبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي، وعبد الصمد بن عبد الوارث، والحسن بن موسى الأشيب [وهم ثقات]، وعلي بن عاصم [الواسطي: صدوق، كثير الغلط والوهم، وقد تركه بعضهم، وسقط من إسناده يحيى بن عقيل، فشذ بذلك]:

عن مهدي بن ميمون: حدثنا واصل مولى أبي عيينة، عن يحيى بن عُقيل، عن يحيى بن يعمَر، عن أبي الأسود الدُّؤَلي، عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال:"يصبح على كل سلامى من أحدِكم صدقة: فكل تسبيحةٍ صدقةٌ، وكل تحميدةٍ صدقةٌ، وكل تهليلةٍ صدقةٌ، وكل تكبيرٍ صدقةٌ، وأمرٌ بالمعروف صدقةٌ، ونهيٌ عن المنكر صدقةٌ، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى".

أخرجه مسلم (720)، وأبو عوانة (2/ 9/ 2121)(14/ 133/ 17520 - إتحاف المهرة)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 1627/315)، وابن خزيمة (2/ 228/ 1225)، وأحمد (5/ 167)، وابن أبي شيبة (6/ 54/ 29420) و (7/ 169/ 35042)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2316)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 238/ 2774)، والبيهقي (3/ 47) و (10/ 94)، والبغوي في شرح السنة (4/ 142/ 1007)، وقال:"هذا حديث صحيح"، وإسماعيل الأصبهاني في الترغيب والترهيب (3/ 13/ 1973)[من رواية علي بن عاصم]. [التحفة (8/ 429/ 11982)، الإتحاف (14/ 133/ 17520)، المسند المصنف (27/ 283/ 12293)].

قال الدارقطني في العلل (6/ 283/ 12293) بعد ذكر الاختلاف فيه على واصل: "وقول مهدي هو الصحيح، وأبو الأسود الدؤلي اسمه ظالم بن عمرو".

قلت: ولم ينفرد به مهدي، فقد تابعه خالد بن عبد الله الطحان الواسطي، فاتصل الإسناد وصح، فإن يحيى بن يعمر سمع أبا الأسود الديلي [التاريخ الكبير (8/ 312)]، وسمع أبو الأسود من أبي ذر، كما دل عليه إسناد هذا الحديث، وقد أخرج الشيخان خمسة أحاديث ليحيى بن يعمر عن أبي الأسود عن أبي ذر [التحفة (11928 - 11932)]، والله أعلم.

ورواه أيضًا بسياق آخر لكن بدون ذكر ركعتي الضحى: عبد الله بن محمد بن أسماء، وعارم، وعفان، ووهب بن جرير، وأبو عامر عبد الملك بن عمرو العقدي، والمغيرة بن سلمة المخزومي [وهم ثقات]، وخالد بن خداش [صدوق]، وفطر بن حماد

ص: 280

[ليس به بأس، لينه أبو حاتم. الجرح والتعديل (7/ 95)، التعجيل (859)، اللسان (6/ 360)]:

عن مهدي بن ميمون: حدثنا واصل مولى أبي عيينة، عن يحيى بن عقيل، عن يحيى بن يعمر، عن أبي الأسود الديلي، عن أبي ذر؛ أن ناسًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم، قال:[فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:]"أوليس قد جعل الله لكم ما تصَّدَّقون؟ إن بكلِّ تسبيحةٍ صدقةٌ، وكلُّ تكبيرةٍ صدقةٌ، وكلُّ تحميدةٍ صدقةٌ، وكلُّ تهليلةٍ صدقةٌ، وأمرٌ بالمعروف صدقةٌ، ونهيٌ عن منكر صدقةٌ، وفي بُضع أحدكم صدقةٌ"، [قال:] قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدُنا شهوتَه ويكون له فيها أجرٌ؟ قال: "أرأيتم لو وضعها في حرامٍ، أكان عليه فيها وزرٌ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال، كان له أفيها، أجرٌ".

أخرجه مسلم (1006)، والبخاري في الأدب المفرد (227)، وأبو عوانة (3/ 16/ 4031)(14/ 135/ 17523 - إتحاف المهرة)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (3/ 6/ 2256)، وابن حبان (3/ 119/ 838) و (9/ 475/ 4167)، وأحمد (5/ 167 و 168)، وابن أبي الدنيا في العيال (391)، والبزار (9/ 353/ 3918)، وأبو العباس السراج في مسنده (868)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1354 و 1355)، والطبراني في الدعاء (1728)، والبيهقي (4/ 188)، والبغوي في شرح السنة (6/ 145/ 1644)، وقال:"هذا حديث صحيح". [التحفة (8/ 430/ 11932)، الإتحاف (14/ 134/ 17521) و (14/ 135/ 17523) و (14/ 136/ 17524)، المسند المصنف (27/ 337/ 12334)].

* خالفهم: أبو النضر هاشم بن القاسم [ثقة ثبت]، قال: حدثنا مهدي به؛ إلا أنه لم يذكر أبا الأسود.

أخرجه أحمد (5/ 167)، [الإتحاف (14/ 136/ 17524)، المسند المصنف (27/ 337/ 12334)].

قلت: رواية الجماعة أولى بالصواب، فقد زادوا في الإسناد رجلًا، والحكم هنا لمن زاد، فإن معهم زيادة علم، وهم جماعة من الحفاظ، والوهم عنهم أبعد.

تابع مهدي بن ميمون على هذا السياق: حماد بن زيد [وعنه: يحيى بن حبيب بن عربي، وهو: ثقة]، قال: نا واصل، عن يحيى بن عقيل، عن يحيى بن يعمر، عن أبي الأسود، عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: قالوا: يا رسول الله، ذهب أصحاب الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم، قال:"أوليس قد جعل الله لكم ما تتصدقون منه؟ إن كل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بضع أحدكم" أو قال: "في مباضعة أحدكم أهله صدقة"، قالوا: يا نبي الله يأتي أحدنا شهوته ويكون له فيه أجر؟ قال: "أرأيتم لو وضعها في الحرام، أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له فيها أجر".

ص: 281

أخرجه البزار (9/ 353/ 3917).

قال البزار: "وهذا الكلام لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد، وهذا الحديث روايته عندي في موضعين: عن أبي الأسود عن أبي ذر، وفي موضع: عن يحيى بن يعمر عن أبي ذر، ليس بينهما أبو الأسود".

قلت: هو حديث صحيح، أخرجه مسلم من طريق مهدي بن ميمون عن واصل به.

وله طرق أخرى عن أبي ذر:

أ - روى أبو عامر عبد الملك بن عمرو العقدي، قال: حدثنا علي بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير، عن زيد بن سلام، عن أبي سلام، قال: قال أبو ذر: قال - كأنه يعني النبي صلى الله عليه وسلم: "إن على كلِّ نفسٍ كلَّ يوم طلعت فيه الشمس صدقةً منه على نفسه"، قلت: يا رسول الله! من أين أتصدق، وليس لنا أموال؟ قال:"أوليس من أبواب الصدقة: التكبير، والحمد لله، وسبحان الله، وتستغفر الله، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتعزل الشوكة عن طريق المسلمين والعظمَ والحجرَ، وتهدي الأعمى، [وتسمع الأصم والأبكم حتى يفقه]، وتدلُّ المستدِلَّ على حاجةٍ له قد علمتَ مكانها، [وتسعى بشدَّة ساقيك إلى اللهفان المستغيث]، وترفعُ بشدَّةِ ذراعيك مع الضعيف، كل ذلك من أبواب الصدقة منك على نفسك، ولك في جماعِك زوجتَك أجرٌ"، قلت: كيف يكون لي الأجر في شهوتي؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرأيت لو كان لك ولدٌ فأدرك ورجوتَ خيرَه، ثم مات كنتَ تحتسبه؟ "، قال: نعم، قال:"فأنتَ خلقته؟ "، قال: بل اللهُ خلقه، قال:"فأنتَ هديته؟ "، قال: بل اللهُ هداه، قال:"فأنت كنت ترزقه؟ "، قال: بل اللهُ رزقه، قال:"كذلك فضعه في حلاله، وجنِّبه حرامه، فإن شاء الله أحياه، وإن شاء أماته، ولك أجر".

أخرجه النسائي في الكبرى (8/ 204/ 8978)، وأحمد (5/ 168)، وابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (817)، والبيهقي في الشعب (7/ 514/ 11171)، وفي الآداب (96)، [التحفة (8/ 455/ 11985)، الإتحاف (14/ 218/ 17661)، المسند المصنف (27/ 338/ 12335)، [وانظر: علل الدارقطني (6/ 288/ 1146)].

وهذا إسناد رجاله ثقات؛ غير أنه منقطع، فإن رواية أبي سلام ممطور الحبشي عن أبي ذر: مرسلة [راجع ترجمة ممطور وسماعه من عدد من الصحابة عند الحديث السابق برقم (1277)، تحفة التحصيل (316)].

ب - وقد روى نحو هذا: الأعمش [وعنه: أبو معاوية، وسفيان الثوري، ويعلى بن عبيد، وأبو بدر شجاع بن الوليد]، وشعبة [وعنه: غندر محمد بن جعفر]:

عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، قال: جاء أبو ذر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله ذهب الأغنياء بالأجر؟

فذكره مطولًا مع بعض الاختلاف في ذكر الخصال، مثل: "رفعك العظم عن الطريق صدقة، وهدايتك الطريق صدقة، وعونك الضعيف بفضل قوتك صدقة، وبيانك عن الأرثم صدقة،

".

ص: 282

أخرجه أحمد (5/ 154 و 161 و 167)، وهناد بن السري في الزهد (2/ 524/ 1081)، والبيهقي في السنن (6/ 82)، وفي الشعب (6/ 106/ 7619)، [الإتحاف (14/ 5315/ 1762)، المسند المصنف (27/ 336/ 12333)].

وهذا الإسناد رجاله ثقات مشاهير، لكنه منقطع، أبو البختري سعيد بن فيروز الطائي: لم يدرك أبا ذر، قاله أبو حاتم [المراسيل (271)، تحفة التحصيل (127)].

قال البيهقي في الشعب: "رواية أبي البختري عن أبي ذر: مرسلة، ولها شواهد صحيحة في ألفاظه".

* وهذا المعنى في عدِّ أبواب البر والمعروف قد روي عن أبي ذر من وجوه كثيرة متعددة، ليس هذا موضع استقصائه؛ لخلوه عن موضع الشاهد.

انظر مثلًا: ما أخرجه البخاري في الأدب المفرد (891)، والترمذي (1956)، وابن حبان (2/ 221/ 474) و (2/ 287/ 529) و (8/ 171/ 3377) و (9/ 503/ 4192)، والمؤمل بن إهاب في جزئه (24)، والبزار (9/ 457/ 4070)، وابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (814 - 816)، والطبراني في الأوسط (5/ 116/ 4840)، وفي الدعاء (1729)، وفي مكارم الأخلاق (20)، وابن عدي في الكامل (5/ 275)، والبيهقي في الشعب (3/ 220/ 3377) و (6/ 106/ 7618)، وابن عبد البر في التمهيد (22/ 12)، وإسماعيل الأصبهاني في الترغيب (289)، [التحفة (8/ 450/ 11975)، الإتحاف (14/ 189/ 17611) و (14/ 217/ 17657 و 17658)، المسند المصنف (27/ 340/ 12336 و 12337) و (27/ 341/ 12338)].

وليحيى بن أبي كثير فيه إسناد آخر من حديث عائشة:

رواه علي بن المبارك [ثقة، من أصحاب يحيى]، وأبان بن يزيد العطار [ثقة، من أصحاب يحيى]:

حدثنا يحيى، عن زيد بن سلام، عن جده أبي سلام، قال: حدثني عبد الله بن فروخ؛ أنه سمع عائشة، تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خلق كل إنسان

" الحديث [كذا عند مسلم].

وفي رواية أبي يعلى: أبان: حدثنا يحيى بن أبي كثير؛ أن زيدًا حدثه؛ أن أبا سلام حدثه؛ أن عبد الله بن فروخ حدثه؛ أن عائشة حدثته، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خلق ابن آدم على ثلاث مائة وستين مفصلًا، فإذا حمد الله، وهلل الله، واستغفر الله، وحمد الله [هكذا أعاد ذكر الحمد مرتين، وعند من نفس الطريق: فإذا كبر الله وهلله وحمد الله واستغفر الله وسبح الله]، وعزل الشوكة عن طريق المسلمين، والحجر من طريق المسلمين، وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر، عدد تلك الستين والثلاث مائة مفصل: فقد زحزح عن النار، وأحرز - أو: أحذر - نفسه يومئذ من النار".

أخرجه مسلم (1007)، وأبو عوانة (17/ 63/ 21878 - الإتحاف)، وأبو نعيم في

ص: 283

مستخرجه على مسلم (3/ 87/ 2258)، وابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (819)، وأبو يعلى (8/ 64/ 4589)، والطحاوي في المشكل (1/ 92/ 97)، وأبو الشيخ في العظمة (5/ 1620)، وابن منده في التوحيد (1/ 235/ 94)، وأبو نعيم في الطب النبوي (73)، وفي تاريخ أصبهان (1/ 130)، والخطيب في المتفق والمفترق (3/ 1435/ 822)، [التحفة (11/ 280/ 16276)، الإتحاف (17/ 63/ 21878)، المسند المصنف (39/ 115/ 18689)].

وانظر فيمن وهم في إسناده على يحيى بن أبي كثير: ما أخرجه عبد الرزاق (19838).

وانظر: علل ابن أبي حاتم (2/ 130/ 1882)[ووصف أبو حاتم عبد الله بن فروخ بالجهالة، وهو: صدوق مشهور، [وقد أخرجه من نفس الطريق الذي علقه ابن أبي حاتم: أبو نعيم في الطب النبوي (74)].

وحديث عائشة هذا قد رواه أيضًا:

أبو توبة الربيع بن نافع، ويحيى بن حسان، ومحمد بن شعيب بن شابور، ومروان بن محمد الطاطري، ومعمر بن يعمر الليثي [وهم ثقات]:

عن معاوية بن سلام، عن زيد؛ أنه سمع أبا سلام، يقول: حدثني عبد الله بن فروخ، أنه سمع عائشة، تقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنه خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل، فمن كبر الله، وحمد الله، وهلل الله، وسبح الله، واستغفر الله، وعزل حجرًا عن طريق الناس، أو شوكةً أو عظمًا عن طريق الناس، وأمر بمعروف، أو نهى عن منكر، عدد تلك الستين والثلاثمائة السلامى، فإنه يمشي [وفي رواية: يُمسي] يومئذ وقد زَحزح نفسه عن النار". [راجع: مشارق الأنوار (1/ 388)].

أخرجه مسلم (1007)، وأبو عوانة (17/ 63/ 21878 - الإتحاف)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (3/ 86/ 2257)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (837)(8/ 309/ 10605 - الكبرى)، وابن حبان (8/ 173/ 3380)، وابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (818)، والطبراني في الأوسط (405)، وفي مسند الشاميين (4/ 106/ 2864)، وأبو الشيخ في العظمة (5/ 1620)، وابن منده في التوحيد (1/ 93/234)، وأبو نعيم في الطب النبوي (72)، والبيهقي في السنن (4/ 188)، وفي الشعب (7/ 511/ 11161 و 11162)، وإسماعيل الأصبهاني في الحجة في بيان المحجة (1/ 308/ 299)، [التحفة (11/ 280/ 16276)، الإتحاف (17/ 63/ 21878)، المسند المصنف (39/ 115/ 18689)].

* وقد روي نحو حديث أبي ذر في ذكر أنواع المعروف التي تعدل الصدقة وتقوم مقامها، لكن بدون ذكر ركعتي الضحى، لكني أعرضت عن ذكرها لخلوها من موضع الشاهد، روي ذلك من حديث أبي هريرة [البخاري (2707 و 2891 و 2989)، مسلم

ص: 284

1009 -

]، وأبي موسى الأشعري [البخاري (1445 و 6022)، مسلم (1008)]، وابن عباس [سبق ذكره تحت الحديث السابق، ولا يثبت]، وابن مسعود [ولا يثبت، في إسناده: إبراهيم بن مسلم الهجري، وهو: ضعيف، وقد اختلف عليه، وروي عنه من مسند أبي هريرة]، وأنس بن مالك [ولا يثبت، في إسناده: المنهال بن خليفة، وهو: ضعيف].

ومما روي في ذلك متضمنًا موضع الشاهد:

1 -

حديث بريدة بن الحصيب:

يرويه علي بن الحسين بن واقد [قال أبو حاتم: "ضعيف الحديث"، وقال النسائي: "ليس به بأس". التهذيب (3/ 155)، السير (10/ 211)، وقال: "حسن الحديث"]، وعلي بن الحسن بن شقيق [ثقة حافظ]، وزيد بن الحباب [ثقة]:

عن الحسين بن واقد: حدثني عبد الله بن بريدة، قال: سمعت أبي بريدة، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "في الإنسان ثلاثمائة وستون مفصلًا، فعليه أن يتصدق عن كل مفصل منه صدقة"، قال: ومن يطيق ذلك يا نبي الله؟ قال: "النخامة في المسجد تدفنها، أو الشيء تنحيه عن الطريق، فإن لم تقدر فركعتا الضحى تجزئك".

أخرجه أبو داود (5242)، وابن خزيمة (2/ 229/ 1226)، وابن حبان (4/ 520/ 1642) و (6/ 281/ 2540)، وأحمد (5/ 354 و 359)، والبزار (10/ 300/ 4417)، وابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (822)، والطحاوي في المشكل (1/ 94/ 99)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (4/ 195)، وابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال (124)، وابن منده في التوحيد (1/ 236/ 96)، وأبو نعيم في الطب النبوي (76)، والبيهقي في الشعب (7/ 512/ 11164)، وإسماعيل الأصبهاني في الحجة في بيان المحجة (1/ 307/ 298)، [التحفة (2/ 98/ 1965)، الإتحاف (2/ 575/ 2293)، المسند المصنف (4/ 246/ 2063)].

وهذا حديث حسن، وقد سبق أن تكلمت عن ترجمة الحسين بن واقد بشيء من التفصيل تحت الحديث رقم (1109)، وخلاصة ما قلته هناك أن: الحسين بن واقد: مروزي، ليس به بأس، له أوهام ومناكير؛ لاسيما عن عبد الله بن بريدة، فإذا توبع في الجملة قُبِل حديثه، والله أعلم.

وهذا الحديث قد توبع على أصله، وصح من حديث أبي ذر الغفاري [عند مسلم وغيره]، فدل على أنه مما حفظه الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة، والله أعلم.

***

قال أبو داود: حدثنا محمد بن سلمة المرادي: حدثنا ابن وهب، عن يحيى بن أيوب، عن زبَّان بن فائد، عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قعد في مُصلاه حين ينصرف من صلاة الصبح حتى

ص: 285

يسبِّحَ ركعتي الضحى لا يقول إلا خيرًا؛ غُفِرَ له خطاياه، وإن كانت أكثر من زبد البحر".

حديث منكر

أخرجه من طريق أبي داود: البيهقي (3/ 49)، [التحفة (8/ 77/ 11293)، المسند المصنف (24/ 367/ 10928)].

ورواه سعيد بن عفير [هو سعيد بن كثير بن عفير: صدوق، مستقيم الحديث، قال الحاكم: "يقال: إن مصر لم تخرج أجمع للعلوم منه"]، عن يحيى بن أيوب [الغافقي المصري: صدوق سيئ الحفظ، يخطئ كثيرًا، له غرائب ومناكير يتجنبها أرباب الصحاح، وينتقون من حديثه ما أصاب فيه،، عن زبان بن فائد، عن سهل بن معاذ، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من ثبت في مصلاه حين ينصرف من الصبح حتى يسبح ركعتي الضحى، لا يقول إلا خيرًا؛ غفرت له خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر".

أخرجه ابن عبد الحكم في فتوح مصر (167).

ورواه عبد الله بن لهيعة [ضعيف]، ورشدين بن سعد أبو الحجاج المهري [ضعيف]:

عن زبان، عن سهل بن معاذ، عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من قعد في مصلاه حين يصلي الصبح حتى يسبح الضحى، لا يقول إلا خيرًا؛ غفرت له خطاياه، وإن كانت أكثر من زبد البحر".

وفي رواية لرشدين بن سعد: "من صلى صلاة الفجر ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس وجبت له الجنة".

أخرجه أحمد (3/ 438)، وأبو يعلى في المسند (3/ 61/ 1487) و (3/ 66/ 1495)، وفي المفاريد (5)، والطبراني في الكبير (20/ 196/ 442)، وابن السني في عمل اليوم والليلة (144)، وابن عدي في الكامل (3/ 152)، وابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال (122)، والخطيب في الموضح (2/ 90)، [الإتحاف (13/ 215/ 16603)، المسند المصنف (24/ 367/ 10928)].

قلت: هو حديث منكر؛ سهل بن معاذ بن أنس: ضعيف [تقدمت ترجمته مفصلة عند الحديث رقم (1110)].

وزبان بن فائد: ضعيف، قال أحمد:"أحاديثه مناكير"، وقال ابن حبان:"منكر الحديث جدًّا، ينفرد عن سهل بن معاذ بنسخة كأنها موضوعة، لا يحتج به"، وقال أيضًا:"ليس بشيء"[العلل ومعرفة الرجال (3/ 115/ 4481)، ضعفاء العقيلي (2/ 96)، الجرح والتعديل (3/ 616)، المجروحين (1/ 313) و (1/ 348)، الكامل (3/ 153)، التهذيب (1/ 621)].

ص: 286

قال ابن عبد البر في التمهيد (8/ 142): "وهذا الإسناد عندهم لين ضعيف؛ إلا أن الفضائل يروونها عن كل من رواها ولا يردونها".

وضعفه أيضًا: ابن القطان [بيان الوهم (4/ 171/ 1638)].

وقد روي في فضل الذكر بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس أحاديث كثيرة، سبق أن خرجتها وتكلمت على أسانيدها، أو أشرت إلى مصادرها في تخريج أحاديث الذكر والدعاء (1/ 231/ 125)، فليراجعها من شاء.

1288 -

. . . الهيثم بن حميد، عن يحيى بن الحارث، عن القاسم أبي عبد الرحمن، عن أبي أمامة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"صلاةٌ في إثر صلاةٍ لا لغوَ بينهما كتابٌ في عِلِّيِّين".

حديث غريب

تقدم تخريجه برقم (558)، راجع فضل الرحيم الودود (6/ 340/ 558).

ولفظه بتمامه، وفيه موضع الشاهد:"من خرج من بيته متطهِّرًا إلى صلاةٍ مكتوبةٍ فأجره كأجر الحاجِّ المُحرِم، ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا يُنصِبُه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر، وصلاةٌ على إِثْر صلاةٍ لا لغوَ بينهما كتابٌ في عِلِّيِّين".

***

1289 -

قال أبو داود: حدثنا داود بن رُشيد: حدثنا الوليد، عن سعيد بن عبد العزيز، عن مكحول، عن كثير بن مرة أبي شجرة، عن نُعَيم بن همَّار، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يقول الله عز وجل: يا ابن آدم! لا تُعجِزني من أربعِ ركَعاتٍ في أول نهاركَ أكْفِكَ آخرَه".

حديث شامي صحيح

أخرجه من طريق أبي داود: ابن عبد البر في التمهيد (8/ 142)، [التحفة (8/ 266/ 11653)، المسند المصنف (2/ 393/ 9320)].

تابع داود بن رشيد: نعيم بن حماد، قال: نا الوليد: نا سعيد بن عبد العزيز، عن مكحول، عن كثير بن مرة، عن نعيم بن همار، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.

أخرجه ابن قانع في المعجم (3/ 151).

وقد اختلف فيه على الوليد بن مسلم:

أ - فرواه داود بن رشيد [ثقة]، ونعيم بن حماد [ضعيف]:

ص: 287

نا الوليد بن مسلم: نا سعيد بن عبد العزيز، عن مكحول، عن كثير بن مرة، عن نعيم بن همار، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ب - ورواه أحمد بن حنبل [ثقة حجة، إمام فقيه]، قال: حدثنا الوليد بن مسلم: حدثنا سعيد بن عبد العزيز: حدثنا مكحول، عن نعيم بن همار الغطفاني، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله عز وجل: يا ابن آدم لا تعجز عن أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره".

أخرجه أحمد (5/ 286)(10/ 5289/ 22906 - ط. المكنز)، ومن طريقه: ابن عساكر في تاريخ دمشق (62/ 187)، [الإتحاف (13/ 556/ 17133)، المسند المصنف (20/ 393/ 9320)].

• وتابعه على هذا الوجه:

ابن الأصبهاني [هو: محمد بن سعيد بن سليمان الكوفي: ثقة ثبت]، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، عن سعيد بن عبد العزيز، عن مكحول، عن نعيم بن همار الغطفاني؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

، فذكر نحوه.

قال: مكحول، عن نعيم، ليس بينهما أحد، نقص رجلين، وقال: همار.

أخرجه ابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 574/ 2372 - السفر الثاني).

لكن رواه عبد الله بن أحمد عن أبيه به في العلل ومعرفة الرجال (3/ 398/ 5754)، مثل رواية داود بن رشيد عن الوليد، بإثبات كثير بن مرة في الإسناد.

وعلى هذا: فالأقرب عندي: أنه محفوظ بهذه الزيادة في الإسناد، بإثبات كثير بن مرة في الإسناد.

واختلف فيه على سعيد بن عبد العزيز:

أ - فرواه الوليد بن مسلم [في المحفوظ عنه، وهو: دمشقي، ثقة ثبت]: نا سعيد بن عبد العزيز، عن مكحول، عن كثير بن مرة، عن نعيم بن همار، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

• وتابعه: أبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر [دمشقي، ثقة]، وأبو عبد الله محمد بن هاشم - يعرف بالأزفر -[مجهول. اللسان (7/ 560)، وانظر: تاريخ دمشق (52/ 35)]:

فروياه عن سعيد بن عبد العزيز، عن مكحول، عن كثير بن مرة الحضرمي، عن نعيم بن همار الغطفاني، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل يقول: ابن آدم! لا تعجزني من أربع ركعات أول النهار أكفك آخره".

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (8/ 93)، وتمام في الفوائد (715)(2/ 25/ 410 - الروض البسام).

ب - ورواه أبو حيوة شريح بن يزيد، ويحيى بن حمزة [وهما ثقتان؛ لكن في الإسناد إليهما ضعف]:

عن سعيد بن عبد العزيز التنوخي، مع زيد بن واقد [وفي رواية ليحيى بن حمزة

ص: 288

وحده: عن زيد بن واقد، بدل: مع]، عن مكحول، عن كثير بن مرة، عن نعيم بن همار الغطفاني، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله يقول لابن آدم: لا تعجزني من أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره".

أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (1/ 173/ 294) و (2/ 201/ 1186).

• ثم رواه الطبراني في مسند الشاميين (4/ 353/ 3534) بإسناد صحيح، إلى أبي حيوة شريح بن يزيد: ثنا سعيد بن عبد العزيز، عن مكحول، عن كثير بن مرة الحضرمي، عن نعيم بن همار؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن ربه:"ابن آدم اركع لي من أول النهار أربع ركعات أكفك آخره".

وهذا هو المحفوظ فيه، والأول وهم من بعض الضعفاء، فرجع الحديث إلى رواية الجماعة عن سعيد بن عبد العزيز، بإثبات كثير بن مرة في الإسناد، مع عدم ذكر زيد بن واقد فيه.

ج - ورواه عمار بن مطر الرهاوي [أحاديثه بواطيل، وكان يكذب. اللسان (6/ 52)]، ومحمد بن عمر الواقدي [متروك، واتُّهم، يروي أحاديث لا أصل لها. التهذيب (3/ 658)]:

عن سعيد بن عبد العزيز، عن مكحول، عن كثير بن مرة، عن قيس [هو: ابن مرثد] الجذامي، عن نعيم بن همار [وفي رواية: نعيم بن هبار]، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه عز وجل: "ابن آدم صلِّ أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره".

أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (1/ 172/ 293)، وأبو القاسم المهرواني في فوائده المهروانيات بتخريج الخطيب البغدادي (21)، والخطيب في تلخيص المتشابه في الرسم (2/ 649).

د - ورواه يحيى بن إسحاق السيلحيني [ثقة]: أخبرني سعيد بن عبد العزيز، عن مكحول، عن أبي مرة الطائفي، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله عز وجل: ابن آدم صلِّ لي أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره".

أخرجه النسائي في الكبرى (1/ 261/ 470)، وأحمد (5/ 287)(10/ 5289/ 22909 - ط. المكنز)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (6/ 3034/ 7030)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (62/ 188)، [التحفة (8/ 579/ 12172)، الإتحاف (13/ 556/ 17133)، المسند المصنف (20/ 394/ 9320)].

قال أبو بكر الخطيب البغدادي: "لم يختلف على أبي الزاهرية في إسناد هذا الحديث، وأما سعيد بن عبد العزيز فاختلف عليه فيه، فرواه الواقدي عنه على ما ذكرنا من إدخال قيس الجذامي فيه بين نعيم وبين كثير بن مرة، وتابعه عمار بن مطر الرهاوي، عن سعيد، ورواه جماعة عن الوليد بن مسلم عن سعيد فلم يذكروا قيسًا في إسناده، وكذلك رواه عمرو بن أبي سلمة التنيسي وعبد الله بن كثير القارئ الدمشقي ويحيى بن حمزة

ص: 289

الحضرمي ومحمد بن هاشم الأزرقي عن سعيد بن عبد العزيز، ورواه سليمان بن موسى، عن مكحول، عن كثير بن مرة، عن قيس الجذامي، عن نعيم بن همار".

قال ابن عساكر: "ورواه يحيى بن إسحاق السيلحيني عن سعيد فأفسده"؛ يعني: أسقط من إسناده نعيم بن همار، وحرف في اسم التابعي، وهو كثير بن مرة، فلعله نسبه إلى أبيه، فقال: ابن مرة، ثم تصحفت ابن إلى أبي، فجعله من مسند أبي مرة، ولا وجود له؛ إنما هو: كثير بن مرة عن نعيم بن همار، والله أعلم.

* والحاصل: فإن المحفوظ: عن سعيد بن عبد العزيز التنوخي، عن مكحول، عن كثير بن مرة الحضرمي، عن نعيم بن همار الغطفاني، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

فذكره.

وكثير بن مرة الحضرمي الرهاوي أبو شجرة الحمصي: تابعي كبير، ثقة، من الطبقة الثانية، سمع معاذ بن جبل، ونعيم بن همار، وقال الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب:"أدرك كثيرٌ سبعين بدريًا"، وجعله دحيم في طبقة جبير بن نفير وأبي إدريس الخولاني من المخضرمين، وذكره البخاري في التاريخ الأوسط في فضل من مات من السبعين إلى الثمانين، ووهم من عدَّه في الصحابة [التاريخ الكبير (7/ 208)، تاريخ أبي زرعة الدمشقي (597)، تاريخ دمشق (50/ 53)، السير (4/ 46)، تاريخ الإسلام (5/ 514)، التهذيب (3/ 466)].

ومكحول الشامي: ثقة، من صغار التابعين، وسعيد بن عبد العزيز التنوخي الدمشقي: ثقة ثبت، إمام فقيه، من أصحاب مكحول، قدَّمه بعضهم على الأوزاعي.

فهو إسناد شامي صحيح؛ وقد ثبت سماع كثير بن مرة من نعيم بن همار، كما سيأتي في رواية أبي الزاهرية عن كثير بن مرة.

قال المزي: "المحفوظ: حديث سعيد بن عبد العزيز، عن مكحول، عن كثير بن مرة، عن نعيم بن همار، وقيل: عن مكحول، عن كثير بن مرة، عن قيس الجذامي، عن نعيم بن همار".

وانظر أيضًا فيمن وهم في إسناده على سعيد بن عبد العزيز: ما أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (62/ 186).

وقد تابع سعيد بن عبد العزيز على هذا الوجه:

محمد بن راشد [المكحولي الدمشقي: صدوق، سمع من مكحول]، عن مكحول، عن كثير بن مرة الحضرمي، عن نعيم بن همار؛ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"قال ربكم عز وجل: صلِّ لي يا ابن آدم أربعًا في أول النهار أكفك آخره".

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (8/ 94)، وأحمد في المسند (5/ 287)(10/ 5289/ 22908 - ط. المكنز) و (5/ 287)(10/ 5290/ 22911 - ط. المكنز)، وفي العلل ومعرفة الرجال (3/ 398/ 5757)، وابنه عبد الله في زيادات الزهد على أبيه (111)،

ص: 290

وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 573/ 2368 - السفر الثاني) و (1/ 2369/574 - السفر الثاني)، وابن قانع في المعجم (3/ 150 - 151)، والطبراني في مسند الشاميين (4/ 353/ 3535)، وابن عدي في الكامل (6/ 202)، [الإتحاف (13/ 556/ 17133)، المسند المصنف (20/ 393/ 9320)].

وقع في المسند في الموضعين: نعيم بن همار، وفي العلل: نعيم بن خمار، بالخاء المعجمة.

وقال البخاري: "وبلغني عن أبي نعيم بعدُ أنه قال: نعيم بن خمار، وقال يزيد بن هارون عن محمد بن راشد: نعيم بن خمار، وقال حبان: نعيم بن خمار"[في التاريخ: خمار، بالخاء المعجمة، في المواضع الثلاثة، وفيما نقله عنه ابن عساكر في تاريخ دمشق (62/ 185): حمار، بالحاء المهملة، في المواضع الثلاثة]، وفي المعجم: ابن حمار، بالحاء المهملة، وعند ابن عدي: ابن خمار بالخاء المعجمة.

وقال ابن أبي خيثمة بعد أن رواه من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين، وأبي سلمة موسى بن إسماعيل، عن محمد بن راشد به، فقالا فيه: عن نعيم، غير منسوب، قال:"وكان في كتاب أبي سلمة: ابن خمَّار، فضرب عليه".

وللوليد بن مسلم فيه إسناد آخر:

يرويه دحيم عبد الرحمن بن إبراهيم، وأبو بكر عبد الله بن الزبير الحميدي [وهما ثقتان حافظان]:

حدثنا الوليد بن مسلم [ثقة ثبت]: حدثنا الوليد بن سليمان بن أبي السائب [ثقة]، عن بسر بن عبيد الله [تابعي، ثقة حافظ، من الطبقة الرابعة]، عن أبي إدريس الخولاني [ثقة، تابعي كبير، سمع من كبار الصحابة]، عن نعيم بن همار الغطفاني، عن النبي صلى الله عليه وسلم، عن ربه تبارك وتعالى؛ أنه قال:"يا ابن آدم! صلِّ لي أربع ركعات أول النهار أكفك آخره".

وقال الحميدي: نا الوليد بن مسلم، قال: نا الوليد بن سليمان، قال: حدثني بسر بن عبيد الله؛ سمع أبا إدريس، قال: سمعت نعيمًا، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه [التاريخ الكبير].

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (8/ 93)، وابن حبان (6/ 275/ 2534)، [المسند المصنف (20/ 394/ 9320)].

• وانظر فيمن وهم في إسناده فجعله من مسند النواس بن سمعان: ما أخرجه الدارقطني في الأفراد (2/ 154/ 4458 - أطرافه)[وعزاه الهيثمي في المجمع (2/ 236) للطبراني في الكبير].

• قال البخاري في التاريخ الكبير (8/ 94 - 95): "وقال سليمان بن عبد الرحمن: عن الوليد، وعمرو بن بشر بن السرح، قالا: نا الوليد بن سليمان: حدثني بسر: حدثني أبو إدريس؛ سمع نعيم بن همار الغطفاني؛ سمع النبي صلى الله عليه وسلم نحوه".

ص: 291

قلت: وصله من طريق عمرو بن بشر بن السرح [قال دحيم: "ثقة"، وقال أبو حاتم: "محله الصدق، ما به بأس"، وذكره ابن حبان في الثقات، وانفرد العقيلي بتضعيفه فأخطأ، وقال: "منكر الحديث"، واستدل على ضعفه بإيراد ثلاثة أحاديث يرويها عن عنبسة بن سعيد بن غنيم، والعهدة فيها على هذا الأخير؛ فقد قال عنه أبو حاتم: "ليس بالقوي"، وقال أبو زرعة: "أحاديثه منكرة"؛ فسلم بذلك عمرو بن بشر من تبعة هذه الأحاديث، وهو صدوق، كما قال الذهبي. الجرح والتعديل (6/ 222 و 400)، ضعفاء العقيلي (3/ 258)، الثقات (8/ 479)، تاريخ دمشق (45/ 444) و (47/ 12)، اللسان (6/ 193 و 241)، الثقات لابن قطلوبغا (7/ 333 و 405)]، وعبد الله بن يزيد بن راشد القرشي الدمشقي المقري أبو بكر [شيخ موصوف بالصدق والستر، لا بأس به، وقد تكلموا فيه. الجرح والتعديل (5/ 202)، تاريخ دمشق (33/ 377)، تاريخ الإسلام (17/ 233)، الثقات لابن قطلوبغا (6/ 156)]:

روياه عن الوليد بن سليمان بن أبي السائب، عن بسر بن عبيد الله، عن أبي إدريس الخولاني، عن نعيم بن همار، عن النبي صلى الله عليه وسلم، عن الله عز وجل قال:"ابن آدم! لا تعجزني من أربع ركعات من أول نهارك أكفك آخره". وهذا سياق ابن راشد.

وقال عمرو بن بشر بن السرح: نا الوليد بن سليمان بن أبي السائب: نا بشر بن عبيد الله؛ أن أبا إدريس حدثهم، عن نعيم بن همار الغطفاني، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله تعالى: ابنَ آدم! لا تعجزني من أربع ركعات في أول النهار أكفك آخره".

أخرجه تمام في الفوائد (120)[وفي سنده سقط](2/ 28/ 411 - الروض البسام)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (45/ 444) و (64/ 296).

وفيما وصله البخاري أو علقه في التاريخ من طرق هذا الحديث: يستفاد منه إثبات سماع أبي إدريس الخولاني من نعيم بن همار، وعليه: فهو إسناد شامي صحيح، واللّه أعلم.

ورواه معن بن عيسى، وعبد الرحمن بن مهدي، وعبد الله بن وهب، وحماد بن خالد الخياط، وبشر بن السري [وهم ثقات، أكثرهم من كبار الحفاظ]، وغيرهم:

عن معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، عن كثير بن مرة، عن نعيم [وفي رواية حماد وبشر: سمعت نعيم بن همار، وفي رواية لمعن: نعيم بن هبار]، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:"قال الله تعالى: ابنَ آدم لا تعجز عن أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره".

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (8/ 93)، والنسائي في الكبرى (1/ 261/ 468)، وأحمد في المسند (5/ 286 و 287)، وفي العلل ومعرفة الرجال (3/ 398/ 5756) و (3/ 399/ 5758)، وابن سعد في الطبقات (17/ 417)، وابن أبي شيبة في المسند (555)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 575/ 2377 - السفر الثاني)، وابن الأعرابي في

ص: 292

المعجم (1/ 55/ 62)، وابن قانع في المعجم (3/ 151)، والطبراني في مسند الشاميين (3/ 145/ 1964 و 1965)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (9/ 152)، وأبو القاسم المهرواني في فوائده المهروانيات بتخريج الخطيب البغدادي (21)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (62/ 185 و 186)، [التحفة (8/ 266/ 11653)، الإتحاف (13/ 556/ 17133)، المسند المصنف (2/ 393/ 9320)].

وقع في رواية ابن مهدي عند أحمد في المسند: نعيم بن همار بالميم، وفي العلل: نعيم بن هبار بالباء الموحدة، ووقع في رواية حماد بن خالد عند ابن أبي شيبة: نعيم بن همار بالميم، وعن ابن أبي شيبة رواه ابن أبي خيثمة لكن قال: نعيم بن هبار بالباء الموحدة، وفي العلل لأحمد وفي معجم ابن الأعرابي: نعيم بن هبار بالباء الموحدة.

وهذا إسناد شامي جيد.

ومعاوية بن صالح، هو الحضرمي الحمصي: صدوق، له إفرادات وغرائب وأوهام، ولأجل ذلك تكلم فيه من تكلم، وأكثر الأئمة على توثيقه، وقد أكثر عنه مسلم، لكن أكثره في المتابعات والشواهد [تقدمت ترجمته موسعة عند الحديث رقم (666)].

وأغلب أوهامه إما فيما تفرد به عن غير أهل الشام فأغرب به، أو فيما اختلف الثقات عليه فيه، وهذا الحديث إسناده فيه شامي؛ فإن أبا الزاهرية حدير بن كريب: تابعي حمصي ثقة، بلدي لمعاوية بن صالح، ولم يختلف الثقات عليه فيه اختلافًا مؤثرًا، مما يجعل النفس تطمئن لكونه ضبطه وحفظه، فهو حديث جيد.

• وانظر فيمن أفحش فيه الوهم على أبي الزاهرية: ما أخرجه ابن عدي في الكامل (3/ 361)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (13/ 22)، [وهو حديث منكر سندًا ومتنًا، العهدة فيه على سعيد بن سنان أبي مهدي الحمصي، وهو: متروك، منكر الحديث، قال الدارقطني: "يضع الحديث". التهذيب (2/ 25)، الميزان (2/ 143)].

ورواه أيضًا: محمد بن مصفى [حمصي صدوق]، ويزيد بن عبد ربه [الجرجسي: حمصي ثقة، من أثبت أهل حمص، معروف بالرواية عن محمد بن حرب. التهذيب (4/ 420)]: ثنا محمد بن حرب [الخولاني الحمصي، كاتب الزبيدي: ثقة]، عن الزبيدي [محمد بن الوليد الحمصي: ثقة ثبت]، عن لقمان بن عامر [حمصي صدوق]، عن كثير بن مرة، عن نعيم بن همار [وقال يزيد بن عبد ربه: نعيم بن هدار]؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله عز وجل: ابن آدم لا تعجزني عن أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره".

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (8/ 94)، وابن قانع في المعجم (3/ 151)، والطبراني في مسند الشاميين (3/ 90/ 1852)، والدارقطني في الأفراد (2/ 154/ 4458 - أطرافه).

وهذا إسناد شامي جيد.

ورواه عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير، وحيوة بن شريح الحمصي، ومحمد بن مصفى [وهم ثلاثة من ثقات أصحاب بقية الحمصيين]:

ص: 293

قالوا: حدثنا بقية بن الوليد، عن بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن كثير بن مرة، عن نعيم بن همار، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله، يقول: ابن آدم اركع أربع ركعات في أول نهارك أكفك آخره".

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (8/ 93)، والنسائي في الكبرى (1/ 260/ 466)، والطبراني في مسند الشاميين (2/ 191/ 1169)، [التحفة (8/ 266/ 11653)، المسند المصنف (20/ 393/ 9320)].

وهذا إسناد حمصي صحيح؛ خالد بن معدان: تابعي ثقة، من الطبقة الثالثة، قد أدرك كثير بن مرة، وإن لم يُذكر له سماع منه، وبحير بن سعد السحولي: ثقة ثبت، من أصح الناس حديثًا عن خالد بن معدان، كما أن بقية معروف بالرواية عن بحير بن سعد، مكثر عنه، حتى إن شعبة طلب من بقية أن يكتب له حديث بحير، مما يدل على اختصاص بقية ببحير، وبقية بن الوليد: ثقة إذا حدث عن المعروفين وصرح عنهم بالتحديث، أمثال: بحير بن سعد، قال ابن عبد الهادي في شرح العلل (108):"رواية بقية عن بحير صحيحة، سواء صرح بالتحديث أم لا"[انظر: الحديث المتقدم برقم (175)، [سؤالات أبي داود (287)، العلل ومعرفة الرجال (2/ 478/ 3141)، التاريخ الكبير (2/ 137 و 150)، ضعفاء العقيلي (1/ 162)، الجرح والتعديل (1/ 135) و (2/ 412 و 434)، تاريخ ابن عساكر (10/ 336 و 343)، السير (8/ 518)].

خالفه: إسماعيل بن عياش، فرواه عن بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن جبير بن نفير، عن أبي الدرداء، وأبي ذر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن الله تبارك وتعالى؛ أنه قال:"ابنَ آدم اركع لي أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره".

وأخاف أن يكون دخل فيه لإسماعيل بن عياش حديث في حديث، فإن هذا الإسناد طريق سهل، وجادة مسلوكة، بخلاف رواية بقية، وسيأتي حديث إسماعيل في الشواهد.

• قال النسائي: "أدخل مكحول بين كثير بن مرة وبين نعيم: قيسًا الجذامي".

قلت: قد روى هذا الحديث فلم يُدخِل أحدًا بين كثير بن مرة ونعيم بن همار: أبو الزاهرية، ولقمان بن عامر، وخالد بن معدان، ومكحول.

رواه عن مكحول به هكذا: اثنان من المكثرين عنه؛ سعيد بن عبد العزيز، ومحمد بن راشد المكحولي.

وخالفهم: سليمان بن موسى عن مكحول:

فقد رواه عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، وبشر بن المفضل، ومعتمر بن سليمان، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي، وأبو زيد ثابت بن يزيد الأحول البصري [وهم ثقات أثبات]، وسعيد بن زيد بن درهم الأزدي أخو حماد [صدوق]:

ص: 294

عن برد بن سنان، عن سليمان بن موسى، عن مكحول، عن كثير بن مرة الحضرمي، عن قيس [هو: ابن مرثد، الجذامي، عن نعيم بن همار الغطفاني، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن ربه عز وجل قال:"ابنَ آدم، صلِّ لي أربعَ ركعاتٍ أولَ النهار أكفك آخره".

أخرجه النسائي في الكبرى (1/ 260/ 467)، والدارمي (1595 - ط. البشائر)، وابن حبان (6/ 275/ 2533)، وأحمد في المسند (5/ 287)(10/ 5289/ 22907 - ط. المكنز)، وفي العلل ومعرفة الرجال (3/ 399/ 5759)، والحارث بن أبي أسامة (222 - بغية الباحث)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (2/ 339) [وقال: نعيم بن هبار]. وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 574/ 2370 - السفر الثاني)، وابن الأعرابي في المعجم (2/ 665/ 1329)، وابن قانع في المعجم (3/ 151) [وفي رواية: ابن هبار]. والطبراني في مسند الشاميين (1/ 220/ 394) و (4/ 352/ 3533)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (5/ 2669/ 6395) و (5/ 2670/ 6396)، والبيهقي (3/ 47 - 48)، وإسماعيل الأصبهاني في الترغيب والترهيب (3/ 8/ 1960)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (62/ 186 و 187)، وعلقه البخاري في التاريخ الكبير (8/ 94)، [التحفة (8/ 266/ 11653)، الإتحاف (13/ 556/ 17133)، المسند المصنف (20/ 392/ 9320)].

وممن أخذ بهذه الزيادة في الإسناد: ابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 574 - السفر الثاني)، حيث قال بعد حديث محمد بن راشد:"كذا قال محمد بن راشد: عن كثير بن مرة عن نعيم، وبين كثير بن مرة ونعيم: قيس الجذامي".

قلت: سليمان بن موسى الأشدق الدمشقي: صدوق، من كبار أصحاب مكحول، وفي حديثه بعض الاضطراب، وعنده مناكير [التهذيب (2/ 111)].

وبرد بن سنان أبو العلاء الدمشقي، نزيل البصرة: تُكُلِّم فيه، وهو: صدوق [انظر: التهذيب (1/ 217)، سؤالات أبي داود للإمام أحمد (274)، الميزان (1/ 302)].

وفي تفرد برد بن سنان بذلك عن سليمان بن موسى عن مكحول: نظر؛ فإن سعيد بن عبد العزيز هو أحفظ من روى هذا الحديث عن مكحول.

وتابعه عليه: محمد بن راشد، وقولهما عندي أقرب للصواب، لاسيما مع متابعة أبي الزاهرية، ولقمان بن عامر، وخالد بن معدان، ثلاثتهم عن كثير بن مرة عن نعيم بن همار، بدون هذه الزيادة في الإسناد.

ولو فرضنا كونها محفوظة؛ فإنها لا تؤثر على صحة الحديث، وذلك أنه قد ثبت أن كثير بن مرة قد سمعه من نعيم بن همار، فيكون حمله أولًا عن قيس بن مرثد الجذامي، وله صحبة، ثم استثبته من نعيم بعد ذلك، ورواه مكحول عنه على الوجهين، والله أعلم.

والإمام أحمد لما ساق في مسنده طرقَ هذا الحديث ختمها بقوله: "ليس بالشام رجل أصح حديثًا من سعيد بن عبد العزيز"، وفيه إشارة إلى ترجيح روايته، وعدم الاعتداد بزيادة برد بن سنان، والله أعلم.

ص: 295

وثمة إسناد آخر لمكحول في هذا الحديث، لكني لم أتبين أمره:

ففي التحفة والنكت الظراف: أن النسائي روى هذا الحديث في الكبرى: عن الربيع بن سليمان بن داود [الجيزي: ثقة]، عن عبد الله بن يوسف [التنيسي: ثقة متقن]، عن الهيثم بن حميد [الغساني: ثقة]، عن أبي العلاء بن الحارث [كذا؛ وإنما هو العلاء بن الحارث بن عبد الوارث الحضرمي: ثقة، من أعلم أصحاب مكحول]، عن مكحول به.

انظر: السنن الكبرى للنسائي (1/ 261/ 469 - ط. الرسالة)(2/ 263/ حاشية 3 - ط. التأصيل)(3/ 393/ 22 - ط. التأصيل). التحفة (8/ 266/ 11653 - ط. الغرب)(9/ 35/ 11653 - ط. المكتب الإسلامي). المسند المصنف (20/ 393/ 9320).

ولم أقف على هذا الطريق مسندًا من وجه آخر حتى يظهر لي الوجه الذي رواه عليه العلاء بن الحارث عن مكحول، هل تابع عليه سعيد بن عبد العزيز ومحمد بن راشد، أم زاد قيسًا في الإسناد مثل رواية برد بن سنان عن سليمان بن موسى، ولم أجده في ترجمة العلاء بن الحارث عن مكحول من مسند الشاميين (2/ 368 - 372)، ولا في ترجمة مكحول عن كثير بن مرة (4/ 352 - 354)، فالله أعلم.

وهذا الحديث رواه أيضًا جماعة من الثقات، عن أبان بن يزيد العطار، عن قتادة، عن نعيم بن همار، عن عقبة بن عامر الجهني، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله يقول: يا ابن آدم، اكفني أول النهار بأربع ركعات، أكفك بهن آخر يومك".

وفي رواية عفان بن مسلم قال: أخبرنا أبان، قال: حدثنا قتادة، قال: حدثنا نعيم بن همار، عن عقبة بن عامر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"قال ربكم: أتعجز يا ابنَ آدم أن تصلي أول النهار أربع ركعات، أكفك بهن آخرَ يومِك".

أخرجه أحمد (4/ 153 و 201)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 574/ 2373 - السفر الثاني)، وأبو يعلى (3/ 294/ 1757)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (62/ 187 و 188)، [الإتحاف (11/ 238/ 13963)، المسند المصنف (20/ 391/ 9320)].

قال ابن أبي خيثمة: "تابع سعيد بن عبد العزيز على همار، وقال: عن عقبة بن عامر".

* قلت: هذا الحديث له علة، تفسد السماع الوارد في رواية أبان:

• أولًا: جزمُ الأئمة أن قتادة لم يلق من الصحابة: إلا أنسًا، وعبد الله بن سرجس، ومنهم من تردد فلم يثبت له السماع إلا من أنس [المراسيل (640)، جامع التحصيل (255)، تحفة التحصيل (262)، فضل الرحيم الودود (1/ 109/ 29)].

• ثانيًا: تأخر وفاة أنس بن مالك [توفي سنة (92)]، وعبد الله بن سرجس [حيث روى عنه عاصم الأحول، وهو متأخر الوفاة، توفي بعد (140)]، وأما نعيم بن همار فهو متقدم جدًّا حيث روى عنه كثير بن مرة وأبو إدريس الخولاني، وهما من كبار التابعين، وقد تقدمت وفاتهما على أنس وابن سرجس؛ فأنى لقتادة إدراك نعيم.

ص: 296

• ثالثًا: قال البخاري في التاريخ الكبير (8/ 94) في سرده لطرق هذا الحديث: "قال علي؛ [يعني: ابن المديني]: وروى هشام الدستوائي عن قتادة عن الحسن - وليس بابن أبي الحسن، هو شيخ كان يروي عنه قتادة، يقال له: الحسن بن عبد الرحمن - عن قيس الجذامي عن عقبة بن عامر، وقال موسى: نا أبان، وبكير بن أبي السميط، عن قتادة، عن نعيم بن همار، عن عقبة بن عامر، عن النبي صلى الله عليه وسلم ".

وهذا يعني: أن رواية هشام الدستوائي قد أفسدت رواية أبان، فإن هشامًا من أثبت الناس في قتادة، وهو مقدَّم في قتادة على أبان عند الاختلاف، وفي رواية هشام دلالة على عدم إدراك قتادة لنعيم بن همار [ولكني لم أقف على من روى هذا الحديث بإسناد هشام هذا، وإنما وجدت هشامًا الدستوائي، وسعيد بن أبي عروبة، وهمام بن يحيى: قد رووا عن قتادة، عن قيس الجذامي، عن عقبة بن عامر الجهني؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أعتق رقبة مؤمنة، فهي فداؤه من النار"، زاد همام بن يحيى، وهشام في روايةٍ: الحسنَ بين قتادة وقيس. أخرجه الطيالسي (2/ 348/ 1102)، وأحمد (4/ 147 و 150)، وأبو يعلى (3/ 296/ 1760)، والروياني (241)، وابن جرير الطبري في تفسيره (24/ 423)، والطبراني في الكبير (17/ 332 و 333/ 918 - 920)، والحاكم (2/ 211) (3/ 417/ 2877 - ط. الميمان). الإتحاف (13909)، المسند المصنف (20/ 408/ 9333)].

• رابعًا: قال البخاري في التاريخ الكبير (2/ 295): "الحسن بن عبد الرحمن: عن كثير بن مرة، روى عنه قتادة"، وقال أيضًا في التاريخ الكبير (7/ 208):"وروى قتادة عن الحسن بن عبد الرحمن عن كثير"؛ وهذا يعني: أن قتادة يروي عن كثير بن مرة بواسطة الحسن بن عبد الرحمن، فكيف يصح له سماع من نعيم بن همار أو إدراك، وبينه وبين نعيم اثنان؟! والحسن الشامي هذا: مجهول [الجرح والتعديل (3/ 24)، الثقات (6/ 163)، الثقات لابن قطلوبغا (3/ 368)].

* قلت: والحاصل: فإن حديث نعيم بن همار هذا إنما يصح بأسانيد أهل الشام، ولا يثبت من حديث عقبة بن عامر.

قال ابن عبد البر في الاستيعاب (4/ 1509): "اختلف في هذا الخبر اختلافًا كثيرًا كاختلافهم في اسم أبيه".

* قلت: أما اختلافهم في اسم أبيه: فالراجح منه قول من قال: نعيم بن همار.

قال الترمذي بعد الحديث رقم (474)(477 - ط. التأصيل): "واختلفوا في نعيم، فقال بعضهم: نعيم بن حمَّار، وقال بعضهم: ابن همَّار، ويقال: ابن هبَّار، ويقال: ابن همَّام، والصحيح: ابن همار، وأبو نعيم وهم فيه، فقال: ابن حمار وأخطأ فيه، ثم ترك، فقال: نعيم عن النبي صلى الله عليه وسلم، أخبرني بذلك عبد بن حميد، عن أبي نعيم".

وقال يحيى بن معين: "اختلف الناس في نعيم بن همار [وفي المؤتلف: نعيم بن هبار] وخمار، وأهل الشام يقولون: همار، وهم أعلم به" [المؤتلف (2/ 743)، تاريخ

ص: 297

دمشق (62/ 190 و 191)] [وانظر أيضًا: تاريخ ابن أبي خيثمة (1/ 575/ 2374)].

وقد أطال البخاري في ترجمته لبيان وجوه الاختلاف في اسم نعيم بن همار، وقد صدر ترجمته بتسميته: نعيم بن همار.

وقال أبو حاتم: "نعيم بن همار، ويقال: ابن هبار، ويقال: ابن حمار، ويقال: ابن هدار الغطفاني، شامي له صحبة"[الجرح والتعديل (8/ 459)].

وقال ابن حبان في الثقات (3/ 413): "نعيم بن همار الغطفاني: سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ابن آدم صلِّ أربع ركعات أول النهار أكفك آخره": سكن الشام، وقد قيل: إنه نعيم بن هبار، ويقال: نعيم بن خمار، وقال بعضهم: نعيم بن حمار، وقد قيل: نعيم بن هدار، والصحيح: نعيم بن همار".

وقال أبو أحمد العسكري: "الصحيح وما عليه أهل النسب: نعيم بن همار بالهاء، وهو من غطفان"[تصحيفات المحدثين (1/ 92)، تاريخ دمشق (62/ 189)].

وقال الدارقطني: "اختلف الناس في نعيم بن همار، فقال بعضهم: نعيم بن همَّار، وقال بعضهم: نعيم بن هبَّار، وقال بعضهم: نعيم بن حمَّار، وقال بعضهم: نعيم بن خمَّار، والصواب: ابن همار، وهو غطفاني، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم"[سؤالات السلمي (397) وقد تصرفت في ضبط النص بما يتفق مع وجوه الاختلاف المذكورة في الأسانيد. وانظر: المؤتلف (2/ 743) و (4/ 2303)، وقال في الموضع الثاني: "هو نعيم بن هبار، ويختلف في اسمه، فيقال: همار بالميم، وخمار بالخاء والميم، وهدار بالدال، وغير ذلك"].

وأكثر الأئمة والنقاد والمصنفين على أنه: نعيم بن همار، قال ابن حجر في التقريب:"رجح الأكثر أن اسم أبيه همار"، وقال في التهذيب (4/ 238):"وصحح الترمذي، وابن أبي داود، وأبو القاسم البغوي، وأبو حاتم ابن حبان، وأبو الحسن الدارقطني، وغيرهم: أن اسم أبيه همار"[راجع مثلًا: طبقات ابن سعد (7/ 417)، معرفة الثقات (1863)، الآحاد والمثاني (2/ 474)، معرفة الصحابة لأبي نعيم (5/ 2669)، الاستيعاب (4/ 1509)، الإكمال لابن ماكولا (2/ 550) و (7/ 311)، تاريخ دمشق (62/ 194)، تاريخ الإسلام (2/ 445 - ط. الغرب). إكمال مغلطاي (12/ 72)، توضيح المشتبه (2/ 405)، مع مصادر التخريج وكتب الرجال ومعاجم الصحابة].

* وأما رد الحديث بدعوى كثرة الاختلاف في أسانيده، فهي دعوى مردودة، فكم من حديث صحيح، كثر الاختلاف فيه، وكثير من أحاديث الصحيحين كذلك، فليست العبرة في الرد بكثرة الاختلاف، وإنما العبرة بالعلل المؤثرة في رد الحديث، وإنما مذهب النقاد ترجيح الروايات المحفوظة، واطراح ما عداها.

وحديث نعيم بن همار هذا، إذا اطرحنا منه الروايات الشاذة والضعيفة؛ وجدناه مرويًا من طرق شامية صحيحة، يشد بعضها بعضًا، فقد رواه:

ص: 298

• سعيد بن عبد العزيز التنوخي، ومحمد بن راشد المكحولي: عن مكحول، عن كثير بن مرة الحضرمي، عن نعيم بن همار الغطفاني، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

• ورواه معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، عن كثير بن مرة، قال: سمعت نعيم بن همار، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

• ورواه محمد بن حرب، عن الزبيدي، عن لقمان بن عامر، عن كثير بن مرة، عن نعيم بن همار، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

• ورواه بقية بن الوليد، عن بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن كثير بن مرة، عن نعيم بن همار، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

• ورواه الوليد بن سليمان بن أبي السائب، عن بسر بن عبيد الله، عن أبي إدريس الخولاني، عن نعيم بن همار الغطفاني، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي رواية ثابتة: الوليد بن سليمان، قال: حدثني بسر بن عبيد الله؛ سمع أبا إدريس، قال: سمعت نعيمًا، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

فهو حديث شامي صحيح، ثابت من طرق متعددة.

قال النووي في المجموع (4/ 43)، وفي الخلاصة (1928):"رواه أبو داود بإسناد حيح".

* قال ابن القيم في الزاد (1/ 360): "سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: هذه الأربع عندي هي الفجر وسنتها".

قلت: أكثر المصنفين أوردوه في صلاة الضحى، مثل: أبي داود، وابن حبان، والبيهقي، وابن عبد البر، وترجم له الدارمي والنسائي في الحث على صلاة أربع ركعات في أول النهار، وذلك قبل أن يعقدا الترجمة لصلاة الضحى مباشرة، ويؤيد تصرفهم أن قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث:"أكفك آخره" قريب في معناه من حديث أبي ذر المتقدم آنفًا برقم (1286): "يصبح على كل سلامى من أحدِكم صدقةٌ: فكل تسببحةٍ صدقةٌ،

" الحديث، إلى أن قال: "ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى" [أخرجه مسلم (720)].

وأما ما ذهب إليه شيخ الإسلام فله وجه من حديث جندب بن عبد الله البجلي مرفوعًا: "من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله؛ فلا يطلبنَّكم الله من ذِمَّته بشيء؛ فإنه من يطلبه من ذِمَّته بشيء يُدْركْه، ثم يَكُبَّه على وجهه في نار جهنم"[أخرجه مسلم (657)، راجع فضل الرحيم الودود (6/ 331)]، والله أعلم.

وله شواهد منها:

1 -

حديث النواس بن سمعان: ولا يثبت، تقدم ذكره في طرق حديث نعيم.

2 -

حديث عقبة بن عامر: ولا يثبت أيضًا، تقدم ذكره في طرق حديث نعيم.

3 -

حديث أبي الدرداء وأبي ذر:

ص: 299

رواه إسماعيل بن عياش، عن بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن جبير بن نفير، عن أبي الدرداء، وأبي ذر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن الله تبارك وتعالى؛ أنه قال:"ابنَ آدم اركع لي أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره".

أخرجه الترمذي (475)، والمحاملي في الأمالي (161 - رواية ابن مهدي الفارسي)، والطبراني في مسند الشاميين (2/ 180/ 1148)، وأبو نعيم في الحلية (5/ 137)، والبغوي في شرح السنة (4/ 143/ 1009)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (17/ 77)، [التحفة (7/ 438/ 10927) و (8/ 417/ 11904)، المسند المصنف (27/ 113/ 12160)].

قال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب".

وقال الذهبي في السير (8/ 323): "هذا حديث حسن، متصل الإسناد، شامي"، وقال في الميزان (1/ 242):"هذا حسن، قوي الإسناد".

* قلت: لكن خالفه في إسناده:

بقية بن الوليد، فرواه عن بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن كثير بن مرة، عن نعيم بن همار، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله، يقول: ابن آدم اركع أربع ركعات في أول نهارك أكفك آخره".

تقدم ذكره في طرق حديث نعيم بن همار، وهذا هو المحفوظ في هذا الحديث عن بحير بن سعد، فرجع الحديث إلى نعيم بن همار، فإن إسماعيل بن عياش قد سلك فيه الجادة والطريق السهل، وبقية مختص ببحير بن سعد، كما تقدم بيانه في موضعه السابق، وإذا اختلف إسماعيل بن عياش وبقية في حديثٍ، قُدِّم قول بقية، لاسيما في بحير بن سعد، فقد كان بقية مختصًا به، وهو أثبت فيه من إسماعيل.

قال ابن أبي حاتم في العلل (3/ 418/ 976): "سألت أبي عن حديث رواه إسماعيل بن عياش، عن بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن كثير بن مرة، عن نعيم بن همار، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "للشهيد عند الله ست خصال

قال أبي: رواه بقية، عن بحير، عن خالد بن معدان، عن المقدام، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قلت لأبي: أيهما الصحيح؟

فقال: كان ابن المبارك يقول: إذا اختلف بقية وإسماعيل، فبقية أحبُّ إليَّ.

قلت: فأيهما أشبه عندك؟ قال: بقية أحبُّ إلينا من إسماعيل، فأما الحديث فلا يُضبَطُ أيُّهما الصحيح" [وانظر قول ابن المبارك أيضًا عند: البخاري في التاريخ الكبير (1/ 370) و (2/ 150)، والعقيلي في الضعفاء (1/ 89)، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (1/ 271) و (2/ 435)، وابن حبان في المجروحين (1/ 201)، وابن عدي في الكامل (1/ 474) و (2/ 262)، وغيرهم].

وقال عبد الله بن أحمد: "سئل أبي عن بقية، وإسماعيل بن عياش؟ فقال: بقية أحبُّ

ص: 300

إليَّ" [العلل ومعرفة الرجال (3/ 53/ 4128)، ضعفاء العقيلي (1/ 90)، الجرح والتعديل (2/ 435)، الميزان (1/ 242)].

وقال أبو حاتم، وأبو زرعة:"بقية أحب إليَّ من إسماعيل بن عياش"[الجرح والتعديل (2/ 435)].

كذلك فإن الترمذي لم يصحح هذا الحديث لإسماعيل بن عياش مع كونه من روايته عن أهل بلده، بل استعمل عبارته المشهورة في تضعيف الحديث، بوصفه بالحسن مع الغرابة، وسبق شرح ذلك مرارًا، والله أعلم.

ورواه أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج [حمصي، ثقة]، وأبو اليمان الحكم بن نافع [حمصي، ثقة ثبت]:

قالا: حدثنا صفوان بن عمرو [السكسكي الحمصي: ثقة، من الطبقة الخامسة]، قال: حدثني شريح بن عبيد الحضرمي [تابعي ثقة، من الثالثة]، وغيره، عن أبي الدرداء؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله تعالى يقول: يا ابن آدم، لا تعجزن من الأربع ركعات [وفي رواية أبي اليمان: أربع ركعات] من أول نهارك، أكفك آخره". لفظ أبي المغيرة.

أخرجه أحمد (6/ 440 و 451)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (2/ 330)، والطبراني في مسند الشاميين (2/ 86/ 964)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (23/ 60)، [الإتحاف (12/ 574/ 16115)، المسند المصنف (27/ 113/ 12159)].

قلت: إسناده شامي، رجاله ثقات، وهو منقطع، فإن شريح بن عبيد لم يسمع من أبي الدرداء، فقد سئل محمد بن عوف: هل سمع شريح بن عبيد من أبي الدرداء؟ فقال: "لا"، وشريحٍ بن عبيد كثير الإرسال، وأبو الدرداء متقدم الوفاة، بين وفاتيهما قرابة سبعين سنة، وأيضًا فإن شريحًا لم يسمع ممن تأخرت وفاته عن أبي الدرداء [تاريخ دمشق (23/ 64)، جامع التحصيل (283)، تحفة التحصيل (146)، التهذيب (2/ 161)].

وهو شاهد جيد لحديث نعيم بن همار.

4 -

حديث سعد بن قيس:

رواه إسحاق بن سليمان [الرازي، كوفي الأصل: ثقة]، ومحمد بن صبيح السماك [أبو العباس الكوفي المذكر، قال ابن نمير: "ليس حديثه بشيء"، وقال مرة: "وكان صدوقًا ما علمته، ربما حدث عن الضعفى"، وقال ابن حبان: "مستقيم الحديث، وكان يعظ الناس في مجالسه"، وقال الدارقطني: "لا بأس به"، وله أوهام. الجرح والتعديل (7/ 290)، الثقات (9/ 32)، سؤالات الحاكم (146)، تاريخ بغداد (5/ 368)، الأنساب (3/ 289)، اللسان (7/ 205)]:

حدثنا جسر بن فرقد، عن الحسن البصري، عن سعد بن قيس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"يقول ربكم عز وجل: اكفني أربع ركعات أول النهار أكفك آخره".

أخرجه ابن قانع (1/ 258)، والدارقطني في المؤتلف (3/ 1244)، وفي الأفراد (1/ 394/ 2134 - أطرافه)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 1280/ 3213).

ص: 301

قال الدارقطني: "تفرد به جسر بن فرقد عن الحسن عنه".

قلت: هو حديث منكر؛ تفرد به عن الحسن البصري: جسر بن فرقد القصاب أبو جعفر البصري، وهو: ضعيف، تركه جماعة، وقال ابن عدي:[وأحاديثه عامتها غير محفوظة" [الكامل (2/ 168)، اللسان (2/ 435)].

5 -

حديث أبي هريرة:

يرويه إسماعيل بن عيسى العطار، قال: نا عمرو بن عبد الجبار، قال: نا عبد الله بن يزيد بن آدم، قال: حدثني أنس بن مالك، قال: قال أبو هريرة: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم في أشياء لا أدعها حتى أموت: أوصاني بركعتي الفجر، قال:"فيهما رغائب الدهر"، وركعتي الضحى، فإنها صلاة الأوابين، وركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وقبل العصر ركعتين، وبعد المغرب ركعتين، وبعد العشاء ركعتين، وبصيام ثلاثة أيام من كل شهر قال:"هو صوم الدهر"، وأن لا أبيت إلا على وتر، وقال لي:"يا أبا هريرة، صل ركعتين أول النهار أضمن لك آخره".

أخرجه الطبراني في الأوسط (5/ 154/ 4926).

وهو حديث باطل موضوع، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1253).

6 -

حديث أبي أمامة:

رواه سليمان بن سلمة الخبائري: ثنا محمد بن شعيب: ثنا يحيى بن الحارث، عن القاسم، عن أبي أمامة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل يقول: يا ابن آدم! اركع لي أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره".

أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 179/ 7746)، وفي مسند الشاميين (2/ 44/ 890).

وهذا حديث باطل بهذا الإسناد؛ سليمان بن سلمة الخبائري: متروك، واتُّهم [اللسان (4/ 155)].

وروي مطولًا من وجه ثانٍ عن أبي أمامة [أخرجه أبو إسحاق الختلي في المحبة لله (156)][وهو حديث منكر بهذا السياق، إسناده واهٍ؛ علي بن يزيد الألهاني: متروك، والراوي عنه: عثمان بن أبي العاتكة: ضعيف، حديثه عن الألهاني: منكر. تقدم تفصيل القول فيه عند الحديث رقم (472)، وتقدم أيضًا تحت الحديث رقم (48)، والحديث رقم (468)].

وروي عنه من وجه ثالث أن إبراهيم عليه السلام كان يصليها أربع ركعات في أول النهار [أخرجه أبو عمر الدوري في جزئه في قراءات النبي صلى الله عليه وسلم (109)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (6/ 213 و 214)، [تفرد به: جعفر بن الزبير عن القاسم، وهذا باطل من حديث أبي أمامة، ومن حديث القاسم بن عبد الرحمن الدمشقي؛ فإن جعفر بن الزبير الباهلي الدمشقي: متروك، ذاهب الحديث، قال ابن حبان: "يروي عن القاسم وغيره أشياء كأنها موضوعة،

، وروى جعفر بن الزبير، عن القاسم، عن أبي أمامة: نسخة موضوعة".

التهذيب (1/ 304)، المجروحين (1/ 212)].

ص: 302

وروي عنه من وجه رابع في شأن إبراهيم عليه السلام: "وفي عمل يومه بأربع ركعات من أول النهار"[أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (3/ 150/ 1971)، ومن طريقه: ابن عساكر في تاريخ دمشق (6/ 213)][شيخ الطبراني؛ أحمد بن أبي يحيى: قال فيه ابن يونس: "لم يكن بذاك، يعرف وينكر". الموضح للخطيب (1/ 437)، تهذيب مستمر الأوهام (247)، تاريخ الإسلام (22/ 47)، اللسان (1/ 691)][وشيخه: محمد بن أيوب بن عافية بن أيوب: ليس بالمعروف، لم أر من تكلم فيه بجرح أو تعديل، ولا له رواية تبين حاله. فتح الباب (4531)، تهذيب مستمر الأوهام (247)][وجده: عافية بن أيوب: ليس به بأس. اللسان (4/ 375)][ولا يحتمل مثل هذا عن معاوية بن صالح، ولا عن سليم بن عامر الخبائري].

فلا يثبت عن أبي أمامة في هذا شيء.

7 -

حديث ابن عمر:

رواه علي بن الحسن بن شقيق [مروزي، ثقة حافظ]، قال: ثنا أبو حمزة [محمد بن ميمون السكري: مروزي، ثقة]، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ابنَ آدم! اضمن لي ركعتين من أول النهار أكفك آخره".

أخرجه الطبراني في الكبير (12/ 407/ 13500)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (4/ 136)، وأبو طاهر المخلص في السابع من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (146)(1477 - المخلصيات).

هذا حديث غريب من حديث ليث بن أبي سليم، تفرد به المراوزة عن أهل الكوفة، وهو حديث ضعيف؛ ليث: ضعيف؛ لأجل اختلاطه وعدم تميز حديثه.

ومما جاء في الحض على ركعتي الضحى، وبيان فضلها:

1 -

حديث أبي هريرة.

قال: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاثٍ: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام.

وهو حديث صحيح، متفق على صحته، مروي من طرق كثيرة جدًّا، رواه عن أبي هريرة فيما صح عنهم: أبو عثمان النهدي [البخاري (1178 و 1981)، مسلم (721)]، وأبو رافع الصائغ [مسلم (721)]، وعطاء بن أبي رباح، وأبو الربيع، وعبد الرحمن بن الأصم، وشهر بن حوشب، ومعبد بن عبد الله بن هشام، وأبو زرعة بن عمرو بن جرير، وأبو سلمة بن عبد الرحمن [وهو غريب من حديثه]، والحسن البصري [وهو غريب من حديثه]، ومحمد بن سيرين [وهو غريب من حديثه]، وأبو المنيب الجرشي، وأبو مريم الأنصاري، وأبو ثور الأزدي [وقد خرجت هذه الطرق جميعًا في فضل الرحيم الودود (9/ 329 - 342/ 845)].

قال البزار بعد أن روى الحديث من طريق أبي عثمان النهدي (17/ 17): "وقد رُوي

ص: 303

هذا الكلام عن أبي هريرة من طرقٍ: فرواه سعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعكرمة، ومجاهد، وسعيد بن جبير، والشعبي، وعطاء بن أبي رباح، وأبو زرعة، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، ومحمد بن زياد، وغيرهم، وقد روي عن أبي الدرداء وأبي ذر بنحو منه بغير لفظه".

وقد ذكر الحافظ أبو موسى المديني أنه رواه عن أبي هريرة قريب من سبعين رجلًا [الفتح لابن رجب (6/ 227)].

ثم قلت: له طرق أخرى كثيرة جدًّا عن أبي هريرة، وفي أسانيدها اختلاف أو جهالة أو ضعف أو وهنٌ شديد، وفي بعضها زيادات ألفاظ وأوهام، واكتفيت هناك بذكر مصادرها دون التعريج على بيان عللها، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

2 -

حديث أبي الدرداء:

رواه ابن أبي فديك [محمد بن إسماعيل بن أبي فديك: مدني، صدوق]، عن الضحاك بن عثمان [الأسدي الحزامي: مدني، صدوق]، عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين [مدني، تابعي، ثقة]، عن أبي مرة مولى أم هانئ [مدني، تابعي، ثقة]، عن أبي الدرداء، قال: أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاث، لن أدعهن ما عشت: بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، وبأن لا أنام حتى أوتر.

أخرجه مسلم (722)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 317/ 1632)، وابن نصر المروزي في صلاة الوتر (28 - مختصره)، والدارقطني في الأفراد (2/ 200/ 4676 - أطرافه)، والبيهقي (3/ 47)، [التحفة (7/ 462/ 10974)، المسند المصنف (27/ 114/ 12161)].

قال الدارقطني: "غريب من حديث أبي مرة مولى أم هانئ عن أبي الدرداء، تفرد به: إبراهيم بن عبد الله بن حنين، ولم يروه عنه غير الضحاك بن عثمان".

قلت: قد خرجه مسلم شاهدًا لحديث أبي هريرة، وهو حديث صحيح غريب.

وروي من وجوه أخرى عن أبي الدرداه:

أ - رواه أبو اليمان الحكم بن نافع [حمصي، ثقة ثبت]، وأبو حيوة [شريح بن يزيد الحمصي: ليس به بأس. التهذيب (2/ 163)، سؤالات أبى داود (305)]:

قالا: حدثنا صفوان بن عمرو [السكسكي الحمصي: ثقة، من الطبقة الخامسة]، عن أبي إدريس السكوني، عن جبير بن نفير، عن أبي الدرداء، قال: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث لا أدعهن لشيء: أوصاني بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، ولا أنام إلا على وتر، وبسبحة الضحى في الحضر والسفر.

أخرجه أبو داود (1433)، وأحمد (6/ 451)، والحارث بن أبي أسامة (343 - بغية الباحث)، والبزار (10/ 72/ 4136)، وأبو طاهر المخلص في الرابع من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (237)(852 - المخلصيات)، [التحفة (7/ 437/ 10925)، المسند المصنف (27/ 114/ 12162)].

ص: 304

قال البزار: "وهذا الحديث قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه، فذكرنا حديث أبي الدرداء لجلالته وحسن إسناده؛ إلا أن يزيد غيره كلامًا فيكتب من أجل الزيادة".

وكلام البزار هنا يبين أنه يتطلب في كتابه هذا الغرائب والزيادات، وأنى لإسناده الحسن مع جهالة راويه، بل ومع عدم سماع صفوان بن عمرو له من أبي إدريس هذا على جهالته، وقد أبهم فيه من حدثه عنه، فصار الإسناد مجهولًا، مع نكارة زيادة: في الحضر والسفر، والتي لم ترد من طريق صحيح.

خالفهما فأبان عن عورته: أبو المغيرة [عبد القدوس بن الحجاج: حمصي ثقة]، قال: حدثنا صفوان، قال: حدثني بعض المشيخة، عن أبي إدريس السكوني، عن جبير بن نفير، عن أبي الدرداء، قال: أوصاني خليلي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم بثلاث لا أدعُهنَّ لشيء: أوصاني بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن لا أنام إلا على وتر، وسبحة الضحى في الحضر والسفر.

أخرجه أحمد (6/ 440)، قال: حدثنا أبو المغيرة به. [المسند المصنف (27/ 114/ 12162)].

قلت: هو حديث منكر بهذه الزيادة: في الحضر والسفر، أبو إدريس السكوني: مجهول الحال، لا يُعرف بغير هذا الحديث، ولا له راوٍ سوى هذا المبهم، ولم يتابع عليه عن جبير بن نفير [انظر: بيان الوهم (2/ 357/ 357)، الميزان (4/ 487)، التهذيب (4/ 479)، وراجع كلام ابن حجر في الرد على دعوى الذهبي]، والراوي عنه: مجهول العين.

وبهذه الرواية يتبين أن صفوان بن عمرو لم يرو عن أبي إدريس السكوني، ولم يسمع منه؛ بينهما واسطة مبهمة، لا يدرى من هو، فإذا كان أبو إدريس هذا لم يرو عنه سوى رجل مجهول العين؛ فكيف تقبل دعوى الذهبي بقوله:"قد روى عنه غير صفوان، فهو شيخ محله الصدق، وحديثه جيد"، وقد رأيت أن صفوان لم يتابع في حقيقة الأمر، بل انفرد عن المجهول من هو أشد منه جهالة، وهو من لا تعرف عينه، بل وحديثه هذا منكر، والله أعلم.

ب - وروى عمر بن أبي عمر، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يزيد القرشي، قال: حدثنا خالد بن يزيد المري، قال: حدثني العلاء بن الحارث، عن مكحول، عن كثير - قال أبو عبد الله الحكيم الترمذي: وهو ابن مرة عندي -، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عويمر! حافظ على ألا تبيت إلا على وتر، وركعتي الضحى مقيمًا أو مسافرًا، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، تستكمل الزمان كله"، أو قال:"تستكمل الدهر كله".

أخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول (4/ 89/ 1298 - ط. المنهاج)، قال: حدثنا عمر بن أبي عمر به.

قلت: الحكيم الترمذي تكلم فيه ابن العديم صاحب تاريخ حلب، وكان مما قال

ص: 305

فيه: "لم يكن من أهل الحديث وروايته، ولا علمَ له بطرقه ولا صناعته"[اللسان (7/ 388)]، وشيخه عمر بن أبي عمر العبدي البلخي، قال فيه الجوزقاني:"مجهول"، فتعقبه ابن حجر في اللسان بقوله:"عمر: معروف، لكنه ضعيف"، وقال في الفتح:"وهو واهٍ"، قلت: وليس هو بالذي يروي عن أبي الزبير، ولا عن عمرو بن شعيب، ولا عن عبد الله بن طاووس؛ فإنه ليس من طبقة من يروي عن هؤلاء، وقد فرق الخطيب بينهم في المتفق، والله أعلم [المتفق والمفترق (2/ 1259/ 792) و (3/ 1612/ 1082)، الأباطيل والمناكير (2/ 64/ 433)، اللسان (1/ 310)، الفتح لابن حجر (12/ 354)].

• خالفه: أحمد بن إبراهيم القرشي [وقفت على جماعة ممن يروي عن أبي النضر، واسمه: أحمد بن إبراهيم، والأقرب أنه: أحمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله القرشي البسري الدمشقي، وهو: ثقة]، قال: حدثنا أبو النضر إسحاق بن إبراهيم بن يزيد القرشي [دمشقي، ثقة]، قال: حدثنا خالد بن يزيد بن صالح بن صبيح [المري، أبو هاشم الدمشقي: ثقة]، عن العلاء [هو: ابن الحارث بن عبد الوارث الحضرمي: ثقة، من أعلم أصحاب مكحول]، عن مكحول، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عويمر! لا تبت إلا على وتر، وصلِّ ركعتي الضحى مقيمًا أو مسافرًا، وصم ثلاثة أيام من كل شهر؛ تستكمل الزمان كله"، أو قال:"الدهر كله".

أخرجه ابن عبد البر في التمهيد (8/ 140).

وهذا عندي أشبه بالصواب من حديث الحكيم الترمذي، وهو منقطع؛ فإن مكحولًا لم يدرك أبا الدرداء [انظر: تحفة التحصيل (314)].

فلا يثبت الحديث بهاتين الزيادتين: مقيمًا أو مسافرًا، وتستكمل الزمان كله.

ج - وروى إبراهيم بن أبي حميد: نا عثمان بن عبد الرحمن: نا سالم بن عبد الأعلى، عن نمير بن أوس الأشعري [صدوق، لم يدرك أبا الدرداء. التهذيب (4/ 242)]: أخبرنا أبو الدرداء؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه ثلاثًا، قال: أمرني أن لا أنام إلا على وتر، وأمرني بصيام ثلاثة أيام من الشهر، وأمرني بأربع سجدات بعد ارتفاع الشمس للضحى، ثم فسرهن لي فقال:"إن العبد تقبض روحه في منامه فلا يدري أترد إليه أم لا؟ فيكون قد قضى وتره خير له، ومن صام ثلاثًا من الشهر فقد صام الدهر؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، ويصبح العبد على كل سلامي منه زكاة"، قلت: يا رسول الله بأبي أنت! وما السلامي؟ قال: "رأس كل عظم من جسده، فإذا صلى ركعتين بأربع سجدات، فقد أدى ما على جسده من زكاة".

أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (62/ 226)، بإسناد فيه من يجهل حاله إلى إبراهيم بن أبي حميد به.

قلت: هذا حديث موضوع؛ سالم بن عبد الأعلى: متروك، متهم، روى أحاديث موضوعة [اللسان (4/ 10)]، وعثمان بن عبد الرحمن بن مسلم الحراني الطرائفي: صدوق، أكثر الرواية عن الضعفاء والمجاهيل، فضُعِّف بسبب ذلك، حتى نسبه ابن نمير

ص: 306

إلى الكذب، وقد وثقه ابن معين [التقريب (420)]، وإبراهيم بن أبي حميد؛ هو: إبراهيم بن أحمد بن عبد الكريم الحراني الضرير، قال أبو عروبة الحراني:"كان يضع الحديث"، وقال ابن عدي:"وعامة ما يروي إبراهيم بن أبي حميد هذا من النسخ وغيره: لا يتابعه عليه أحد"[الكامل (1/ 271) (2/ 38 - ط. الرشد). غنية الملتمس (28)، اللسان (1/ 232 و 269)].

3 -

حديث أبي ذر:

رواه إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير، وأخوه محمد بن جعفر [وهما ثقتان]:

عن محمد بن أبي حرملة، عن عطاء بن يسار، عن أبي ذر، قال: أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاث لا أدعهن إن شاء الله أبدًا؛ أوصاني بصلاة الضحى، وبالوتر قبل النوم، وبصوم ثلاثة أيام من كل شهر.

أخرجه النسائي في المجتبى (4/ 217/ 2404)، وفي الكبرى (3/ 194/ 2725)، وا بن خزيمة (2/ 144/ 1083) و (2/ 227/ 1221) و (3/ 300/ 2122)، وأحمد (5/ 173)، وعلي بن حجر في حديثه عن إسماعيل بن جعفر (309)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 170/ 2614)، وابن عبد البر في التمهيد (8/ 140)، [التحفة (8/ 447/ 11970)، الإتحاف (14/ 172/ 17584)، المسند المصنف (27/ 286/ 12294)].

قال الذهبي في مختصر المستدرك، عن عطاء بن يسار:"ما أحسبه أدرك أبا ذر"[تحفة التحصيل (230)].

قلت: هذا إسناد مدني، رجاله ثقات، ولا يُعلم لعطاء بن يسار سماع من أبي ذر، وفي لقائه نظر؛ فإن عطاء مدني ولد سنة (19)، ووفاة أبي ذر كانت بالرَّبَذة سنة (32)، وهو شاهد جيد لحديث أبي هريرة، وأبي الدرداء، والله أعلم.

4 -

حديث زيد بن أرقم:

روى إسماعيل ابن علية [ثقة ثبت]، وحماد بن زيد [ثقة ثبت][وهما أثبت الناس في أيوب السختياني]، والحسن بن دينار [متروك، كذبه جماعة من الأئمة النقاد. اللسان (3/ 40)]:

عن أيوب، عن القاسم الشيباني؛ أن زيد بن أرقم رأى قومًا يصلون من الضحى، فقال: أما لقد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"صلاة الأوابين حين تَرمَض الفصال".

أخرجه مسلم (748/ 143)، وأبو عوانة (2/ 13/ 2133)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 434/ 1695)، وابن خزيمة (2/ 230/ 1227 م)، وابن حبان (6/ 280/ 2539)، وأحمد (4/ 367 و 372)، والبزار (10/ 225/ 4316)، والطبراني في الأوسط (2/ 378/ 2279)، وفي الصغير (155)، وابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال (128)، والبيهقي في السنن (3/ 49)، وفي المعرفة (2/ 334/ 1422)[التحفة (3/ 147/ 3682)، الإتحاف (4/ 584/ 4692)، المسند المصنف (8/ 203/ 4057)].

ص: 307

قال الطبراني: "لم يروه عن أيوب إلا الحسن بن دينار، تفرد به ابن إسحاق، وتفسير قوله: "إذا رمضت الفصال"؛ يعني: تأخير صلاة الضحى إلى أن يتعالى النهار وتحمى الأرض على فصلان الإبل، وهي صغارها".

قلت: لم يتفرد به الحسن، وقد رواه أثبت أصحاب أيوب، والحسن ليس بشيء.

• خالفهما فوهم في إسناده:

أ - سفيان بن عيينة [وعنه: أبو نعيم الفضل بن دكين، وعبد الجبار بن العلاء، وسعيد بن عبد الرحمن المخزومي]، فرواه عن أيوب السختياني، عن القاسم، عن عبد الله بن أبي أوفى، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"صلاة الأوابين حين ترمض الفصال".

أخرجه عبد بن حميد (527)، وابن صاعد في مسند ابن أبي أوفى (1 - 3)، [المسند المصنف (11/ 5139/25)].

قال البيهقي في المعرفة (2/ 334/ 1422): "غلط فيه سفيان، فقال: عن ابن أبي أوفى، بدل زيد".

وقال ابن حجر في المطالب (4/ 583/ 657): "هذا إسناد صحيح؛ إلا أنه معلول، والمحفوظ في هذا: عن القاسم بن عوف عن زيد بن أرقم، كذا أخرجه مسلم من حديث أيوب، ومن حديث قتادة أيضًا عن القاسم".

قلت: إنما أخرجه مسلم من طريق أيوب وهشام عن القاسم به، دون رواية قتادة.

ب - ورواه معمر بن راشد، عن أيوب، عن القاسم الشيباني، عن زيد بن أرقم؛ أنه رأى قومًا يصلون بعد ما طلعت الشمس، فقال: لو أدرك هؤلاء السلف الأول، علموا أن غير هذه الصلاة خير منها، صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال.

أخرجه عبد الرزاق (3/ 69/ 4832).

هكذا قصر فيه معمر فأوقفه، إنما هو مرفوع، ومعمر بن راشد في حديثه عن أهل العراق ضعف وهذا منه، ورواية حماد بن زيد وابن علية عن أيوب هي الصواب.

ورواه يحيى بن سعيد القطان، ووكيع بن الجراح، ووهب بن جرير [وهم ثقات حفاظ]، وأبو داود الطيالسي [ثقة حافظ، لكن جعل القصة لزيد بن أرقم]، وعبد العزيز بن أبان [الأموي السعيدي: متروك، كذبه ابن نمير وابن معين، وقال:"كذاب خبيث، يضع الحديث". التهذيب (2/ 581)]:

عن هشام بن أبي عبد الله [الدستوائي]، قال: حدثنا القاسم الشيباني، عن زيد بن أرقم، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل قباء وهم يصلون [الضحى][وفي رواية وهب: وهم يصلون بعد طلوع الشمس]، فقال:"صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال [من الضحى] ".

أخرجه مسلم (748/ 144)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 343/ 1696)، والدارمي (1601 - ط. البشائر)، وأحمد (4/ 366)، والطيالسي (2/ 66/ 722)، وابن أبي شيبة في المصنف (2/ 173/ 7785)، وفي المسند (516)، والطبراني في الكبير (5/

ص: 308

207/ 5113)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 1173/ 975 2 - 2978)، والبغوي في شرح السنة (4/ 145/ 1010)[وزيد في إسناده قتادة بين هشام والقاسم][التحفة (3/ 147/ 3682)، الإتحاف (4/ 584/ 4692)، المسند المصنف (8/ 203/ 4057)].

• ورواه بدون القصة: يزيد بن زريع [ثقة ثبت]، وإسماعيل ابن علية [ثقة ثبت]:

قالا: ثنا هشام بن أبي عبد الله، قال: حدثنا القاسم بن عوف الشيباني، عن زيد بن أرقم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"صلاة الأوابين كانت إذا رمضت الفصال من الضحى".

أخرجه أبو إسحاق الحربي في غريب الحديث (3/ 1097)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 238/ 2775)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 343/ 1696).

ورواه يزيد بن زريع [ثقة ثبت، سمع من سعيد بن أبي عروبة قبل اختلاطه، وهو من أثبت الناس فيه. الكواكب النيرات (25)، سؤالات ابن بكير (55)، شرح العلل (2/ 743)]، وروح بن عبادة [ثقة، سمع من ابن أبي عروبة قبل الاختلاط. التهذيب (1/ 614)]، وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف [ثقة، مكثر عن ابن أبي عروبة، ولم يميز سماعه]:

عن سعيد [ابن أبي عروبة]، عن قتادة، عن القاسم بن عوف الشيباني، عن زيد بن أرقم؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على قوم وهم يصلون الضحى في مسجد قباء حين أشرقت الشمس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال". لفظ يزيد.

وفي رواية روح والخفاف: "صلاة الأوابين كانوا يصلونها إذا رمضت الفصال".

أخرجه أبو عوانة (2/ 13/ 2134)، وابن خزيمة (2/ 229/ 1227)، وأحمد (4/ 374)، والبزار (10/ 225/ 4315)، والطبراني في الكبير (5/ 207/ 5111)، [الإتحاف (4/ 584/ 4692)، المسند المصنف (8/ 203/ 4057)].

تابع ابن أبي عروبة عليه:

الحجاج بن الحجاج [الباهلي الأحول: ثقة، من أصحاب قتادة، لكنه من رواية المقدام بن داود الرعيني عن خالد بن نزار، وقد تكلم فيها. راجع الحديث رقم (236)، والحديث رقم (728)، ترتيب المدارك (1/ 476)]، وأبو مرزوق [لم أقف له على ترجمة، وله رواية عن قتادة. انظر: مسند الشاميين (3/ 371/ 2487)، أطراف الغرائب والأفراد (2/ 268/ 5059)]:

كلاهما عن قتادة، عن القاسم بن عوف، عن زيد بن أرقم؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ بهم وهم يصلون الضحى

، فذكره.

أخرجه الطبراني في الكبير (5/ 206 و 207/ 5108 - 5110).

قال أبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 1174/ 2978): "ورواه عن قتادة عن القاسم: الحجاج بن الحجاج، وسعيد بن أبي عروبة، وحسام بن مصك، وأبو مرزوق، وغيرهم".

قلت: قد خالفهم في سياقه:

حسام بن مصك، فرواه عن قتادة، عن القاسم بن عوف الشيباني: ثنا زيد بن أرقم؛

ص: 309

أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم في مسجد قباء، فرآهم يصلون الضحى، فقال:"هذه صلاة الأوابين"، قال: وكانوا يصلونها إذا رمضت الفصال.

أخرجه عبد بن حميد (258)، والعقيلي في الضعفاء (1/ 300)، وابن الأعرابي في المعجم (2/ 613/ 1211)، والطبراني في الكبير (5/ 257/ 5112)، وفي الأوسط (3/ 254/ 3067)، [المسند المصنف (8/ 203/ 4057)].

قال العقيلي: "ليس بمحفوظ من حديث قتادة، رواه أيوب وهشام الدستوائي عن القاسم الشيباني عن زيد بن أرقم".

قلت: بل هو محفوظ من حديث قتادة، رواه عنه سعيد بن أبي عروبة، وهو من أثبت الناس في قتادة، لكن ابن مصك قد خالفه، وقلب متنه.

قال ابن حجر في المطالب (4/ 583/ 657): "وهذا يباين سياق مسلم".

قلت: هذا منكر بهذا السياق، حسام بن مِصَك: متروك [انظر: التهذيب (1/ 378)]، وقد قلب هذا الحديث، حيث جعل صلاتهم حين أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي حثهم عليه في بقية الروايات.

* قال البزار: "وهذا الحديث بهذا اللفظ لا نعلم أحدًا يرويه إلا زيد بن أرقم، ولا نعلم أحدًا رواه عن زيد إلا القاسم بن عوف الشيباني".

قلت: هو حديث صحيح، صححه مسلم وأبو عوانة وابن خزيمة وابن حبان.

فإن قيل: قد تكلم بعضهم في القاسم، فقد تركه شعبة ولم يحدث عنه، وقال أبو حاتم:"مضطرب الحديث، ومحله عندي الصدق"، وقال النسائي بعد حديث الحشوش:"ضعيف الحديث"، وقال ابن عدي:"هو ممن يكتب حديثه".

قلت: يمكن تأويل ذلك، فأما ما روي عن شعبة؛ فإن شعبة لم يصرح بتضعيفه، وإنما ترك الرواية عنه حسب، وقد كان شعبة يترك الرواية أحيانًا عن الرجل لأمور تقدح في مروءته لا في صدقه وضبطه، ومن جهة أخرى فإن شعبة قد روى عن بعض الضعفاء، فهل يرفع ذلك من حالهم؟ وأما أبو حاتم فإنه جمع بين أمرين: الأول: وصفه بالاضطراب في الحديث، وهذا غير متحقق هنا، والثاني: وصفه بالصدق، ولا مدفع عنه في هذا الحديث، وأما تضعيف النسائي له فيحمل على حديث الحشوش وحده، والذي وقع الاختلاف فيه على قتادة، ولا أظن هذا التضعيف يثبت عن النسائي، فإن حديث الحشوش ثابت صحيح [تقدم برقم (6)]، ولا مطعن فيه على القاسم، ولم أقف على تضعيف النسائي هذا في عمل اليوم والليلة (77 و 78)(9/ 35/ 9822 و 9823 - الكبرى)، وأما ابن عدي فإنه لم يذكر هذا الحديث فيما أورده في ترجمته، وإنما اقتصر على ذكر حديث الحشوش، وهو حديث صحيح كما ذكرت آنفًا، ثم قال:"والقاسم بن عوف الشيباني اشتهر بهذا الحديث بحديث الحشوش محتضرة وله غيرها من الحديث شيء يسير، وهو ممن يكتب حديثه"،

ص: 310

وذكره ابن حبان في الثقات [الجرح والتعديل (1/ 150 و 240) و (7/ 115)، ضعفاء العقيلي (3/ 477)، الثقات (5/ 305)، الكامل لابن عدي (6/ 37) (8/ 613 - ط. الرشد). تاريخ الإسلام (3/ 300 - ط. الغرب). التهذيب (3/ 416)].

قلت: فليس مع من ضعَّف القاسم حجة سوى الاضطراب، وهو في هذا الحديث لم يضطرب؛ سوى في القصة، فمرة أوقفها، وقال: إن زيد بن أرقم رأى قومًا يصلون من الضحى، ومرة رفعها، فقال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل قباء وهم يصلون الضحى، ومثل هذا لا يؤثر في صحة الحديث، إذ يمكن الجمع بينهما بوقوع القصة للصحابي، فاستشهد عندئذ بما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذا الموطن، ثم بإرشاده صلى الله عليه وسلم أهل قباء بما هو أفضل في حقهم، بتأخير هذه الصلاة حتى ترمض الفصال، والله أعلم.

وقد سئل أبو زرعة عن حديث اختلف فيه هشامٌ الدستوائي وأيوب السختياني على القاسم بن عوف، فرجح قول أيوب، ولو كان القاسم عنده ضعيفًا لحكم عليه بالاضطراب من جهته، كما فعل أبو حاتم لما سئل عن نفس الحديث، فقال:"القاسم بن عوف: مضطرب الحديث، وأخاف أن يكون الاضطراب من القاسم"، وتبعه على ذلك الدارقطني في العلل، حيث قال:"والاضطراب فيه من القاسم بن عوف"، ومع ذلك فإن أبا حاتم لا يحمل التبعة في كل مرة على القاسم، فقد سئل عن حديث آخر اختلف فيه على العوام بن حوشب عن القاسم، فرجح أحد الوجهين، ولم يجعل العهدة فيه على القاسم [علل ابن أبي حاتم (1282 و 2255 و 2732)، علل الدارقطني (6/ 39/ 963)].

وتصرف الأئمة يدل على عدم رد حديثه مطلقًا، وأنه محتمل لصدقه، ولذا فإن تصحيح مسلم لحديثه هذا مبني على أنه انتقى من حديثه ما ظهر له صحته واستقامته، وأنه قد سلم من الاضطراب فيه، إضافة إلى سلامة معناه من النكارة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت عنه من قوله ولا من فعله صلاة ركعتي الضحى إذا ارتفعت الشمس بعد طلوعها مباشرة، وقد ثبت من حديث جابر بن سمرة [عند مسلم (670)، ويأتي برقم (1294)] أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس في مصلاه بعد صلاة الفجر في المسجد فإذا طلعت الشمس انصرف ولم يصلِّ، كما أن معنى الحديث يدل على تفضيل وقت معين فقط، لا حصر وقت صلاة الضحى في هذا الوقت من ربع النهار دون غيره؛ وإنما إعطاؤه نوع مزية على غيره حسب، قال الغزالي في الإحياء (1/ 338):"إذا كان يقتصر على مرة واحدة في الصلاة؛ فهذا الوقت أفضل لصلاة الضحى، وإن كان أصل الفضل يحصل بالصلاة بين طرفي وقتي الكراهة، وهو ما بين ارتفاع الشمس بطلوع نصف رمح بالتقريب إلى ما قبل الزوال في ساعة الاستواء، واسم الضحى ينطلق على الكل".

قلت: وقد روي من حديث ابن عباس بإسناد نظيف، أخرجه الذهبي في تاريخ الإسلام (37/ 219)، من طريق: أبي عبد الله الحاكم: أنا الحسين بن الحسن بن أيوب الطوسي: ثنا أبو حاتم الرازي: ثنا أبو توبة الحلبي: ثنا الهيثم بن الحميد، عن ثور بن

ص: 311

يزيد، عن عكرمة، عن ابن عباس

فذكره، وقال:"هذا حديث حسن، ثابت الإسناد"،

قلت: هو حديث غريب جدًّا، ولم أقف عليه في شيء من دواوين الإسلام.

* قال أبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث (3/ 61) و (5/ 548) عن معنى هذا الحديث: "إذا وجد الفَصِيلُ حرَّ الشمس على الرمضاء".

وقال القاضي عياض في مشارق الأنوار (1/ 291): "قوله: حين ترمض الفصال؛ بفتح التاء والميم وضاد معجمة، وهو احتراق أظلافها بالرمضاء عند ارتفاع الضحى واستحرار الشمس، والرمضاء: ممدود الرمل إذا استحر بالشمس، ومنه قوله: ويقيك من الرمضاء، يقال منه: رمضت ترمض، وسمي بذلك رمضان من شدة الحر، لموافقته حين التسمية زمنه فيما قالوا، وقيل: لحر جوف الصائم فيه، ورمضه للعطش، وقيل: بل كان عندهم أبدًا في الحر؛ لنَسائهم الشهور وتغييرهم الأزمنة وزيادتهم شهرًا في كل أربع من السنين حتى لا تنتقل الشهور عن معاني أسمائها".

وقال أيضًا (2/ 160): "وقوله: حتى ترمض الفصال؛ جمع فصيل، وهي صغار الإبل".

5 -

حديث أنس بن مالك:

رواه يونس بن بكير [وعنه: أبو كريب محمد بن العلاء، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وهما ثقتان حافظان"، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني موسى بن فلان بن أنس، عن عمه ثمامة بن أنس بن مالك، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى الضحى ثنتي عشرة ركعة بنى الله له قصرًا من ذهب في الجنة".

أخرجه الترمذي في الجامع (473)، وفي العلل الكبير (136)، وابن ماجه (1380)، والطبراني في الأوسط (4/ 195/ 3955)[وفي سنده زيادة مقحمة]. والبغوي في شرح السنة (4/ 140/ 1006)، وإسماعيل الأصبهاني في الترغيب (3/ 9/ 1965)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (7/ 226)، [التحفة (1/ 322/ 505)، المسند المصنف (2/ 58/ 594)].

قال الترمذي في الجامع: "حديث أنس: حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه".

وقال في العلل: "سألت محمدًا"[يعني: البخاري"] فقال: هذا حديث يونس بن بكير، ولم يعرفه من حديث غيره".

وقال الطبراني: "لا يروى هذا الحديث عن أنس إلا بهذا الإسناد، تفرد به: محمد بن إسحاق".

قلت: وقع في رواية أبي القاسم الأصبهاني قوام السنة، من طريق أبي كريب تفسيرًا:"موسى، هو: ابن حمزة بن أنس"، ووقع في رواية ابن عساكر في تاريخه:"موسى بن عبد الله بن المثنى بن أنس"، ولا يثبت هذا؛ ففي الإسناد إليه: خلف بن محمد بن إسماعيل البخاري، وقد كان حافظًا مكثرًا؛ إلا أنه روى ما لا يتابع عليه، ولم يكن بموثوق به، وقد اتُّهم بحديث: النهي عن الوقاع قبل الملاعبة، قال الخليلي: "وهو ضعيف

ص: 312

جدًّا"، وأسقطه الحاكم بحديث الوقاع، كأنه اتهمه به [الإرشاد (3/ 972)، الأنساب (2/ 427)، السير (16/ 70 و 204)، اللسان (3/ 372)]، وقال ابن حجر في التهذيب (4/ 193) عن هذه الرواية: "وأظنه وهمًا"، قلت: جزمًا لا ظنًا.

قلت: يونس بن بكير: كوفي، صدوق، صاحب غرائب، وقد ضعفه بعضهم مثل النسائي [التهذيب (4/ 466)، الكامل (7/ 178)، الميزان (4/ 477)].

وهذا الحديث من غرائبه، وقد عده منها: البخاري والترمذي وغيرهما، وكلام الطبراني يدل على أنه قد توبع؛ فلننظر في هذه المتابعات:

أ - خالفه: إبراهيم بن سعد [ثقة حجة، من أثبت الناس في ابن إسحاق]، فرواه عن محمد بن إسحاق، عن حمزة بن موسى بن أنس بن مالك، عن ثمامة بن عبد الله بن أنس، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من صلى الضحى اثنتي عشرة ركعة بنى الله له بها قصرًا من ذهب في الجنة".

أخرجه الطبراني في الصغير (506).

قال: حدثنا طاهر بن عبد الرحمن بن إسحاق القاضي البغدادي: حدثنا علي بن المديني: حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد: حدثني أبي به.

قال الطبراني: "لم يروه عن ثمامة إلا حمزة بن موسى، تفرد به: محمد بن إسحاق".

قلت: هذا غريب جدًّا من حديث إبراهيم بن سعد، ثم من حديث ابن المديني، ولا يُعرف إلا من طريق شيخ الطبراني، وهو مقل جدًّا، ولم يرو عنه الطبراني سوى في معجمه الصغير، والذي أفرده لأسماء شيوخه، وقد ترجم له الخطيب في تاريخه (9/ 356) ترجمة مقتضبة، لا تدل على سعة روايته، فقال:"كان أبوه قاضيًا ببغداد، حدث عن علي بن الجعد، وعلي بن المديني، روى عنه عبد الصمد بن علي الطستي، وسليمان بن أحمد الطبراني"، ولم يذكر له سوى حديث واحد من رواية الطستي عنه، ولم يؤرخ سنة وفاته، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا [وانظر أيضًا: إكمال الإكمال لابن نقطة (4/ 4)]، فكيف يحتمل من مثل هذا التفرد عن إمام العلل علي بن المديني بهذا الحديث، والذي لا يُعرف من حديث إبراهيم بن سعد، ولم يعرفه الأئمة إلا من حديث يونس بن بكير عن ابن إسحاق، والله أعلم.

ب - خالفهما: سلمة بن الفضل، فرواه عن محمد بن إسحاق، عن موسى بن حمزة بن أنس، عن أبيه، عن جده، قال: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

فذكره.

أخرجه أبو الحسن بن القطان في زوائده على ابن ماجه (1380 م)(1359 م - ط. التأصيل)، وابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال (120).

بإسنادين إلى سلمة أحدهما جيد، وقد اشتهر حديثه هذا عند الرازيين.

قلت: سلمة بن الفضل الأبرش الرازي: ليس بالقوي، عنده غرائب ومناكير، وهو صاحب مغازي ابن إسحاق، وهو ثبت فيها [التهذيب (2/ 76)، الميزان (2/ 192)]، وليس

ص: 313

هذا الحديث من المغازي، وعليه: فإن رواية يونس بن بكير مقدمة على رواية الأبرش، وهي أشهر منها.

فهو حديث غريب، وإسناده ضعيف؛ موسى بن فلان بن أنس، أو: موسى بن حمزة بن أنس: مجهول [التهذيب (4/ 192)، التقريب (790)، سؤالات البرقاني (504)، وقال الدارقطني: "يخرج حديثه اعتبارًا"].

قال ابن القيم في الزاد (1/ 359): "من الأحاديث الغرائب".

وقال ابن حجر في الفتح (3/ 54): "وليس في إسناده من أطلق عليه الضعف"، ثم خالف نفسه في التلخيص (2/ 20) حين قال:"إسناده ضعيف".

6 -

حديث أبي هريرة:

رواه يزيد بن زريع، ووكيع بن الجراح، والنضر بن شميل، وعثمان بن عمر بن فارس، ومحمد بن بكر البرساني، وعلي بن عاصم:

عن النفاس بن قَهْم، عن شدَّاد أبي عمار، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حافظ على شفعة الضحى [وفي رواية: سبحة الضحى] غفرت ذنوبه؛ وإن كانت مثلَ زَبَد البحر".

أخرجه الترمذي (476)، وابن ماجه (1382)، وأحمد (2/ 443 و 497 و 499)، وإسحاق بن راهويه (1/ 338/ 329) و (1/ 411/ 462)، وابن أبي شيبة (2/ 172/ 7784)، وعبد بن حميد (1422)، وابن حبان في المجروحين (3/ 56)(2/ 399 - ط. الصميعي)، وابن عدي في الكامل (7/ 58)، والبغوي في شرح السنة (4/ 143/ 1008)، [التحفة (9/ 471/ 13491)، الإتحاف (15/ 80/ 18911)، المسند المصنف (31/ 137/ 14216)].

قال الترمذي: "وقد روى وكيع والنضر بن شميل وغير واحد من الأئمة هذا الحديث، عن نهاس بن قهم، ولا نعرفه إلا من حديثه".

وقال الأثرم في الناسخ (202 م): "وهذا حديث ليس بالقوي".

وأورد ابن حبان حديثه هذا في المجروحين منكرًا به عليه، بعد أن قال فيه:"كان ممن يروي المناكير عن المشاهير، ويخالف الثقات في الروايات، لا يجوز الاحتجاج به".

وقال ابن عدي بعد أن أخرج هذا الحديث في جملة ما أنكر على النهاس بن قهم: "وللنهاس غير ما ذكرت، وأحاديثه مما ينفرد به عن الثقات، ولا يتابع عليه".

وقال البغوي: "هذا الحديث لا يعرف إلا من حديث النهاس، وقد روى عنه الأئمة".

قلت: هو حديث منكر؛ شداد أبو عمار: لم يسمع من أبي هريرة [تهذيب الكمال (12/ 400)، تاريخ الإسلام (7/ 379)، تحفة التحصيل (145)].

والنهاس بن قهم: ضعيف، وكان قاصًا، روى أحاديث منكرة، وهذا منها [انظر: الميزان (4/ 274)، التهذيب (4/ 243)].

ص: 314

7 -

حديث أبي موسى الأشعري:

يرويه عبد الرحمن بن سلم [هو: عبد الرحمن بن محمد بن سلم الأصبهاني، وهو: ثقة. طبقات المحدثين (3/ 530)، تاريخ أصبهان (2/ 75)، السير (13/ 530)]، قال: نا سهل بن عثمان [ابن فارس الكندي العسكري: حافظ صدوق، كثير الغرائب. التهذيب (2/ 125)]، قال: نا إبراهيم بن محمد الهمداني، عن عبد الله بن عياش، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى الضحى أربعًا، وقبل الأولى أربعًا: بني له بها بيت في الجنة".

أخرجه الطبراني في الأوسط (5/ 88/ 4753).

قال الطبراني "لم يرو هذا الحديث عن أبي بردة إلا عبد الله بن عياش، ولا عن عبد الله بن عياش إلا إبراهيم بن محمد الهمداني، تفرد به: سهل بن عثمان".

وقال الهيثمي في المجمع (2/ 238): "رواه الطبراني في الأوسط والكبير، وفيه جماعة لا يُعرفون".

قلت: هو حديث غريب جدًّا، حيث تفرد به سهل بن عثمان، وهو كثير الغرائب، وإسناده ضعيف؛ لأجل عبد الله بن عياش بن عباس القتباني المصري؛ فإنه: ضعيف [التهذيب (2/ 400)، الميزان (2/ 469)]، مع الانقطاع بينه وبين أبي بردة.

وإبراهيم بن محمد الهمداني هذا، هو: إبراهيم بن محمد بن مالك بن زبيد الهمداني الخيواني الكوفي، عم هارون بن إسحاق: قال أبو حاتم: "لا بأس به"، وذكره ابن حبان في الثقات [التاريخ الكبير (1/ 318)، الجرح والتعديل (2/ 129)، الثقات (6/ 22)، أطراف الغرائب والأفراد (1/ 494/ 2783)، تاريخ الإسلام (12/ 62)، الثقات لابن قطلوبغا (2/ 237)]، وهو غير معروف بالرواية عن عبد الله بن عياش المصري، كما أن عبد الله بن عياش [ت (170)] غير معروف بالرواية عن أبي بردة بن أبي موسى [ت (104)]، وأستبعد إدراكه لأبي بردة؛ فإن بين وفاتيهما ما يزيد على ستين سنة، فضلًا عن تباعد البلدان، والله أعلم.

8 -

حديث أبي هريرة:

يرويه حاتم بن إسماعيل، عن أبي صخر حميد بن صخرٍ، عن المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ألا أخبركم بأسرع كرةً، وأعظم غنيمةً: رجل توضأ في بيته، ثم عمد إلى مسجد فصلى فيه صلاة الغداة، ثم عقَّب بصلاة الضحوة".

وفي رواية: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثًا فأعظموا الغنيمة وأسرعوا الكرة، فقال رجل: يا رسول الله! ما رأينا بعثَ قومٍ أسرعَ كرةً، ولا أعظمَ غنيمةً، من هذا البعث، فقال صلى الله عليه وسلم:"ألا أخبركم بأسرع كرةً وأعظم غنيمةً من هذا البعث؟ رجل توضأ في بيته فأحسن وضوءه، ثم تحمل إلى المسجد، فصلى فيه الغداة، ثم عقَّب بصلاة الضحى، فقد أسرع الكرة، وأعظم الغنيمة".

ص: 315

أخرجه ابن حبان (6/ 276/ 2535)، وابن أبي شيبة في المسند (4/ 558/ 649 - مطالب)(1/ 309/ 521 - إتحاف الخيرة)، وأبو يعلى (11/ 360/ 6473) و (11/ 435/ 6559)، وابن عدي في الكامل (2/ 275)، وابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال (125)، [الإتحاف (14/ 666/ 18447)، المسند المصنف (30/ 359/ 13943)].

هكذا أورد ابن عدي هذا الحديث في ترجمة حميد بن صخر، وصدرها بقوله:"حميد بن صخر: يروي عنه حاتم بن إسماعيل: ضعيف، قاله أحمد بن شعيب النسائي"، وأورد له ثلاثة أحاديث هذا أحدها، ثم قال: "ولحاتم بن إسماعيل عن حميد بن صخر أحاديث غير ما ذكرته، وفي بعض هذه الأحاديث عن المقبري ويزيد الرقاشي: ما لا يتابع عليها.

وقد فرق ابن عدي بينه وبين حميد بن زياد أبي صخر الخراط المدني، وأورد له في ترجمته من الكامل (2/ 269) ثلاثة أحاديث أنكرها عليه، ثم قال: "وأبو صخر هذا حميد بن زياد له أحاديث صالحة،

، وهو عندي صالح الحديث، وإنما أنكرت عليه هذين الحديثين: المؤمن مؤالف، وفي القدرية، اللذين ذكرتهما، وسائر حديثه أرجو أن يكون مستقيمًا".

وفرق بينهما أيضًا: الذهبي [تاريخ الإسلام (9/ 117)].

قال ابن عبد الهادي في الصارم المنكي (253): "هكذا فرق ابن عدي بينهما، وجعلهما رجلين، والصحيح: أنهما رجل واحد، وهو أبو صخر حميد بن زياد، لكن حاتم بن إسماعيل كان يسميه: حميد بن صخر، وسماه بعضهم: حمادًا".

• قلت: وقد يوحي تصرف أحمد والنسائي بالتفرقة بينهما:

فقد قال النسائي في الضعفاء (143): "حميد بن صخر؛ يروي عنه حاتم بن إسماعيل: ليس بالقوي"، وفي أكثر من رواية عنه:"ضعيف"، لكن يشكل عليه أنه أطلق نفس الحكم في حميد بن زياد، حيث قال في كتاب الكنى:"أبو صخر حميد بن زياد المدني: ليس بالقوي"[الصارم المنكي (251)].

والتضعيف المنقول عن أحمد في ذلك يمكن حمله على ما رواه حاتم بن إسماعيل عنه فقط، فقد قال حمدان بن علي الوراق:"سئل أحمد بن حنبل عن حميد بن صخر؟ فقال: ضعيف"[ضعفاء العقيلي (1/ 270)].

• وكلام البخاري في تاريخه يدل على جعلهما واحدًا، وتبعه على ذلك الناس:

فقد ترجم البخاري في التاريخ الكبير (2/ 350) لحميد بن زياد أبي صخر الخراط المديني، فلم يذكر في شيوخه المقبري، ولا فيمن روى عنه حاتمًا، لكن قال في آخر ترجمته:"وقال بعضهم: حميد بن صخر"، ولم يترجم لابن صخر في كتابه، فدل على أنه أراد صاحب الترجمة، لاسيما وقد ذكر في شيوخه: محمد بن كعب القرظي، وعمارًا الدهني، وابن قسيط، وقد روى حاتم بن إسماعيل عن حميد بن صخر عن هؤلاء، فدل

ص: 316

على صحة ما ذهب إليه البخاري، في عدم التفرقة بينهما، وأنهما واحد.

وقد تبعه على ذلك: ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، فلم يفرق بينهما، وابن حبان في الثقات (6/ 188)، وقال:"وهو الذي يروي عنه حاتم بن إسماعيل، ويقول: حميد بن صخر، وإنما هو حميد بن زياد أبو صخر، لا حميد بن صخر".

وقال عبد الله بن أحمد في العلل ومعرفة الرجال (3/ 320/ 5423): "حاتم يخطئ في اسمه، يقول: حميد بن صخر، وإنما هو: حميد بن زياد أبو صخر".

وبيَّن البغوي في كتاب الصحابة أن حاتم بن إسماعيل وهم في قوله حميد بن صخر، وإنما هو حميد بن زياد أبو صخر، وقال البغوي:"وهو مدني صالح الحديث"[قاله ابن حجر في التهذيب (1/ 495)].

وقال البرقاني للدارقطني: "حميد بن صخر أبو صخر؟ فقال: هو حميد بن زياد مدني، ولكن كذا يقال، وهو ثقة"[سؤالاته (93)].

وأبو صخر حميد بن زياد الخراط المدني: وثقه ابن معين في رواية للدارمي، وفي رواية الدارمي وابن الجنيد:"ليس به بأس"، وضعفه في رواية ابن أبي مريم وإسحاق بن منصور الكوسج، وقال أحمد في رواية ابنه عبد الله عنه:"ليس به بأس"، وقال العجلي والدارقطني:"ثقة"، وقال الدارقطني في التتبع (72):"وغيره أثبت منه"، وقال البغوي:"صالح الحديث"، وقال ابن عبد البر:"ليس به بأس عند جميعهم"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقد احتج به مسلم (233 و 945 و 948 و 1187 و 1398 و 1967 و 2815 و 2820 و 2825 و 2974)، وكناه بأبي صخر في أغلب المواضع [سؤالات ابن الجنيد (835)، تاريخ ابن معين للدارمي (260)، الجرح والتعديل (3/ 22)، معرفة الثقات (362)، أسماء المحدثين وكناهم (167)، الثقات (6/ 188)، الكامل (2/ 269)، التتبع (72)، تاريخ أسماء الثقات (267)، تاريخ أسماء الضعفاء (134)، ذكر من اختلف العلماء فيه (9)، فتح الباب (3968)، الاستغناء (2/ 780/ 907)، الأنساب (2/ 338)، الصارم المنكي (250)، الميزان (1/ 612)، التهذيب (1/ 495)].

وله أوهام يخالف فيها الثقات بسلوك الجادة [علل الدارقطني (10/ 103/ 1894) و (10/ 380/ 2066)]، كما هو حال من خف ضبطهم.

قال ابن عبد الهادي في الصارم المنكي (253): "فما تفرد به من الحديث ولم يتابعه عليه أحدٌ: لا ينهض إلى درجة الصحيح، ولا ينتهي إلى درجة الصحة، بل يستشهد به ويعتبر به".

قلت: قد احتج به مسلم في مواضع، وحاله عندي شبيهة بحال سعد بن سعيد الأنصاري [راجع بحثي: صيام ستة من شوال، وقد تقدمت ترجمته تحت الحديث رقم (816)]، ومما قلت هناك في سعد بن سعيد: صدوق، يحتج به، كما هو صنيع مسلم، إلا أنه ممن يهم ويخطئ، وهو حسن الحديث، وقد أخرج له البخاري تعليقًا، واحتج به مسلم

ص: 317

(918 و 1164)، وأخرج له أيضًا في المتابعات (758 و 783 و 1140 و 2040)، وقد يخالف أحيانًا من هو أوثق منه، ويخطئ، فلا يُطَّرح من حديثه إلا ما أخطأ فيه، ويحتج بما عدا ذلك.

وعليه: فإن أبا صخر حميد بن زياد المدني: صدوق، يحتج به، إذ الأصل في أحاديثه الاستقامة؛ كما قال ابن عدي، إلا ما انتُقِد عليه مما أنكره عليه الأئمة، أو مما تبين لنا فيه خطؤه، ولعل الذين ضعفوه نظروا إلى الأحاديث التي أنكروها عليه؛ فضعفوه بسببها، لذا فإنا نطَّرِح من روايته ما أنكره عليه الأئمة، ونقبل منه ونحتج به فيما سوى ذلك.

وهذا الحديث مما أنكره عليه ابن عدي، كذلك فإن تضعيف أحمد والنسائي له هو فيما روي عنه من طريق حاتم بن إسماعيل، وهذا منه.

• وعليه: فإن هذا الحديث: حديث منكر؛ فإنه لم يثبت عندنا في حديثٍ فضل صلاة الضحى بعد الشروق مباشرة، بل ورد إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة إلى تأخيرها إلى وقت اشتداد حر الرمضاء، كما تقدم في حديث زيد بن أرقم عند مسلم، وكما ثبت عند مسلم أيضًا من حديث جابر بن سمرة [ويأتي برقم (1294] أنه صلى الله عليه وسلم كان يمكث في المسجد بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس حسناء، ثم ينصرف ولا يصلي، والله أعلم.

ولا يقال بأن هذا الحديث على شرط مسلم؛ فإن مسلمًا انتقى من حديث أبي صخر حميد بن زياد ما ظهر له استقامته، وأعرض عما سوى ذلك، وكان هذا الحديث مما أعرض عنه مسلم، والله أعلم.

وقد روي هذا الحديث من طرق أخرى لا تخلو من مقال، بل بعضها واهية، ولا تصلح لتقوية هذا الطريق؛ وقد أعرضت عن ذكرها لخلوها من موضع الشاهد في صلاة الضحى [أخرجها الترمذي (3509)، وقال: "حديث غريب". ومحمد بن عاصم الثقفي في جزئه (35)، والبزار (16/ 189/ 9311) و (16/ 190/ 9314)، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (4/ 173/ 2720)، وابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال (175)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (5/ 2669/ 6394)، [التحفة (10/ 65/ 14175)، المسند المصنف (33/ 334/ 15526)].

9 -

حديث عبد الله بن عمرو:

يرويه ابن لهيعة، وعبد الله بن وهب [وفي الإسناد إليه: شيخ الطبراني إسماعيل بن الحسن الخفاف المصري، ولم أقف له على ترجمة]:

قالا: حدثني حيي بن عبد الله؛ أن أبا عبد الرحمن الحبلي حدثه، عن عبد الله بن عمرو بن العاصي، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سريةً فغنموا، وأسرعوا الرجعة، فتحدث الناس بقرب مغزاهم، وكثرة غنيمتهم، وسرعة رجعتهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أدلكم على أقرب منه مغزىً، وأكثر غنيمةً، وأوشك رجعةً؟ من توضأ ثم غدا إلى المسجد لسبحة

ص: 318

الضحى [وفي رواية ابن وهب: لسبحة الصبح]، فهو أقرب مغزىً، وأكثر غنيمةً، وأوشك رجعةً".

أخرجه أحمد (2/ 175)، والطبراني في الكبير (14/ 78/ 14684)، [الإتحاف (9/ 569/ 11953)، المسند المصنف (17/ 88/ 7970)].

قلت: هو حديث منكر؛ ابن لهيعة: ضعيف، ولم يتابعه ابن وهب على موضع الشاهد؛ إلا أن يكون تحرف، وحيي بن عبد الله المعافري: منكر الحديث فيما تفرد به، ولم يتابع عليه، وقد يحسن حديثه إذا توبع [انظر: التهذيب (1/ 510)، الميزان (1/ 624)، سؤالات ابن محرز (1/ 68)، الكامل (2/ 450)]، وقد ذكر ابن عدي أن عامة ما رواه ابن لهيعة عن حيي بن عبد الله: مناكير، وقال أيضًا فيما رواه أحمد بن صالح، عن ابن وهب، عن حيي، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن ابن عمرو:"وبهذا الإسناد: خمس وعشرون حديثًا، عامتها لا يتابع عليها"، وحيي المعافري قد قال فيه أحمد:"أحاديثه مناكير"، وقال البخاري:"فيه نظر"، وقال النسائي:"ليس بالقوي"[انظر الكلام عن هذا الإسناد مفصلًا: الشاهد الخامس تحت الحديث رقم (447) (5/ 349/ 447 - فضل الرحيم)، وتخريج الذكر والدعاء (1/ 423/ 210)].

وهو هنا لم يتابع على قوله: "ثم غدا إلى المسجد لسبحة الضحى"؛ إذ جعل الحامل له على الغدو إلى المسجد صلاة الضحى، وقد عد ذلك ابن عمر من البدع، فيما رواه منصور، عن مجاهد، قال: دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد فإذا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما جالس إلى حجرة عائشة، وإذا ناس يصلون في المسجد صلاة الضحى، قال: فسألناه عن صلاتهم؟ فقال: بدعة. [أخرجه البخاري (1775 و 1776 و 4253 و 4254)، ومسلم (1255)، وسيأتي ذكره في شواهد الحديث رقم (1293)].

قال القاضي عياض في إكمال المعلم (3/ 54): "وقول ابن عمر: إنها بدعة، أي ملازمتها وإظهارها في المساجد، مما لم يكن بعد".

وقد سبق أن تكلمت على مسألة قصد المسجد لصلاة الضحى فيما تقدم عند حديث أبي أمامة مرفوعًا: "ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا يُنصِبُه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر"، ومما قلته هناك: أن صلاة الضحى لا تصلى في المسجد جماعة، بل ولا أعلم حديثًا صحيحًا في الحض على الخروج لصلاتها في المسجد فرادى، بل إن صلاة المرء للنافلة في بيته خير له من صلاتها في المسجد؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:"فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة"[أخرجه البخاري (731 و 6113 و 7290)، ومسلم (781)][راجع: فضل الرحيم الودود (6/ 346/ 558)]، والله أعلم.

10 -

حديث أبي هريرة:

• رواه خالد بن عبد الله الواسطي الطحان [ثقة ثبت؛ إلا أنه قد تفرد به عنه: إسماعيل بن عبد الله بن زرارة الرقي، وقد ترجم له البخاري في التاريخ بهذا الحديث،

ص: 319

ووهمه فيه، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال أبو حاتم:"أدركته، ولم أكتب عنه"، وروى عنه جماعة من الحفاظ والمصنفين، وله أفراد، وقال الأزدي:"منكر الحديث جدًّا، وقد حمل عنه". التهذيب (1/ 156)، الجرح والتعديل (2/ 181)، تاريخ الرقة (341)، تاريخ بغداد (6/ 261)، بيان الوهم (3/ 527)، المعلم بشيوخ البخاري ومسلم لابن خلفون (69)، تاريخ الإسلام (18/ 176)]:

• وعمرو بن حمران [بصري، سكن الري: قال أبو حاتم: "صالح الحديث"، وقال أبو زرعة: "أحاديثه ليس فيها شيء"، وقال البزار: "لم يكن به بأس". الجرح والتعديل (6/ 227)، مسند البزار (9/ 28/ 3534)، تاريخ الإسلام (13/ 323)، الثقات لابن قطلوبغا (7/ 340)][والإسناد إليه رازي جيد؛ لولا أن علي بن سعيد الرازي الحافظ: تفرد بما لم يتابع عليه. اللسان (5/ 542)]:

• ومحمد بن دينار [الطاحي: ليس به بأس، وهو: سيئ الحفظ، كثير الأوهام]:

• وعاصم بن بكار الليثي [لم أقف له على ترجمة، وأظنه لا وجود له][والراوي عنه: الفضل بن الفضل أبو عبيدة السقطي، قال أبو حاتم: "ليس هو بذاك، شيخ يكتب حديثه". الجرح والتعديل (7/ 66)، التهذيب (3/ 395)][ثم الراوي عن الفضل: أبو إسحاق إبراهيم بن فهد، وهو: ابن حكيم الساجي البصري: ضعفوه، وقال عنه ابن عدي في الكامل (1/ 270): "وسائر أحاديث إبراهيم بن فهد مناكير، وهو مظلم الأمر"، وقال البرذعي: "ما رأيت أكذب منه". طبقات المحدثين (3/ 158)، تاريخ أصبهان (1/ 227)، اللسان (1/ 333)، الثقات لابن قطلوبغا (2/ 223)]:

أربعتهم: خالد الطحان، وعمرو بن حمران، ومحمد بن دينار، وعاصم بن بكار: عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا يحافظ على صلاة الضحى إلا أواب"، قال:"وهي صلاة الأوابين".

أخرجه ابن خزيمة (2/ 228/ 1224)، والحاكم (1/ 314)، والطبراني في الأوسط (14/ 59/ 3865)، وابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال (127)، وابن عدي في الكامل (6/ 198)، وإسماعيل الأصبهاني في الترغيب (3/ 11/ 1968)، وعلقه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 366)، [الإتحاف (16/ 71/ 20403)، المسند المصنف (31/ 138/ 14218)].

قلت: وهذه الأسانيد وإن تعددت طرقها إلى محمد بن عمرو بن علقمة المدني المشهور؛ إلا أنها لا تتقوى، ولا يزيد بعضها بعضًا إلا وهنًا على وهن، وأحسنها حالًا طريق خالد الطحان.

خالفهم:

أ - موسى بن إسماعيل [أبو سلمة التبوذكي: ثقة ثبت]، قال: ثنا حماد بن سلمة [ثقة]، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة قوله.

ص: 320

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 366).

وهذا الطريق وحده كافٍ في إسقاط رواية هؤلاء جميعًا، فإن للحديث طرق مسلوكة، وسبل مشهورة، هي مناهل الحديث، بخلاف الغرائب والمناكير والأباطيل التي يتفرد بها المجاهيل والضعفاء ومن ليس من أصحاب المحدثين.

ب - ورواه أيضًا: سعيد بن يحيى بن صالح اللخمي [الملقب بسعدان: صدوق]: ثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال:"لا يحافظ على صلاة الضحى إلا أواب". هكذا مرسلًا.

أخرجه هشام بن عمار في حديثه (145)، عن سعدان به.

• ولم ينفرد سعدان عن محمد بن عمرو بإرساله، فقد توبع على ذلك:

رواه عبد العزيز بن محمد الدراوردي [وهو مدني ثقة]، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة مرسلًا.

علقه ابن خزيمة (2/ 228/ 1224).

قلت: فتبين بذلك خطأ من وصل هذا الحديث، وأن وصله من الأوهام المحضة، لاسيما مع عدم مجيئه من طريق مشهورة عن محمد بن عمرو حتى يقال: كان محمد بن عمرو يضطرب فيه، فكان يصله مرة، ويقطعه أخرى، ويرسله تارة أخرى.

قال الحاكم جريًا على ظاهر السند الغريب: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه بهذا اللفظ"، وليس كما قال.

قال البخاري بعد أن علقه من طريق إسماعيل الرقي الذي صححه الحاكم: "حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: ثنا حماد، عن محمد، عن أبي سلمة قوله، وكذلك كان يقول أصحابنا، وهذا أشبه، وهو الصحيح".

وقال ابن خزيمة: "لم يتابع هذا الشيخ إسماعيل بن عبد الله على إيصال هذا الخبر، رواه الدراوردي، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة مرسلًا، ورواه حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة قوله".

* وانظر أيضًا فيما لا يصح، مما روي في فضل الضحى من الأحاديث القولية:

11 -

حديث أبي ذر الغفاري مرفوعًا: "إن صليت الضحى ركعتين لم تكتب من النافلين، وإن صليتها أربعًا كتبت من المحسنين، وإن صليتها ستًا كتبت من القانتين، وإن صليتها ثمانيًا كتبت من الفائزين، وإن صليتها عشرًا لم يكتب لك ذلك اليوم ذنب، وإن صليتها ثنتي عشرة ركعة بنى الله لك بيتًا في الجنة، [وقد روي حديثه هذا بأسانيد واهية. أخرجها: ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/ 231/ 987)، والبزار (9/ 335/ 3890)، وأبو يعلى (4/ 573/ 654 - مطالب)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 209)، وأبو العباس الأصم في الثالث من حديثه (296)، وابن حبان في المجروحين (1/ 243 - 244)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2/ 576/ 1580) و (2/ 577/ 1581)، والبيهقي في الكبرى (3/ 48)، وفي

ص: 321

الصغرى (856)، وإسماعيل الأصبهاني في الترغيب (3/ 5/ 1954)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (40/ 180)، وعلقه البخاري في التاريخ الكبير (2/ 392)، وابن أبي حاتم في العلل (2/ 278/ 370) و (2/ 403/ 471)] [في أحد أسانيده: أبو رافع إسماعيل بن رافع بن عويمر المدني، وهو: متروك، منكر الحديث، وفي آخر: حسين بن عطاء بن يسار المدني، وهو أيضًا: منكر الحديث، كذبه ابن الجارود، وفي ثالث: الصلت بن سالم، وهو: منكر الحديث].

12 -

حديث أنس بن مالك مرفوعًا مطولًا، وموضع الشاهد منه:"وصلِّ صلاة الضحى؛ فإنها صلاة الأوابين"[وهو حديث منكر؛ مروي من طرق كثيرة، راجع تخريجها في أحاديث الذكر والدعاء (1/ 120/ 63)].

13 -

حديث عوف بن مالك مرفوعًا: "ساعة السبحة حين تزول الشمس عن كبد السماء، وهي صلاة المخبتين وأفضلها في شدة الحر"[أخرجه الدارقطني في الأفراد (2/ 102/ 4238 - أطرافه)، وابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال (126)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (50/ 54)][وهو حديث موضوع؛ تفرد به عن الأوزاعي: عتبة بن السكن، وهو: متروك، منكر الحديث، متهم بالوضع. اللسان (5/ 368)، كشف الأستار (700)، سنن الدارقطني (1/ 159) و (2/ 184) و (3/ 250)].

14 -

حديث أبي ذر [له طرق متعددة، وفي بعضها الأمر بصلاة الضحى، وقد سبق تخريجه في فضل الرحيم الودود (5/ 403/ 468)، ولا يثبت من وجه].

15 -

حديث عبد الله بن جراد [وفيه: "من صلى منكم صلاة الضحى، فليصلها متعبدًا، فإن الرجل ليصليها السنة من الدهر ثم ينساها ويدعها، فتحنُّ إليه كما تحنُّ الناقة إلى ولدها إذا فقدته"][أخرجه الحاكم في كتاب أفرده للضحى. عزاه إليه ابن القيم في الزاد (1/ 358)، [وهو حديث موضوع؛ راويه عن ابن جراد: يعلى بن الأشدق، وهو: كذاب. اللسان (4/ 447) و (8/ 539)].

16 -

حديث أنس بن مالك مرفوعًا: "من صلى الضحى وداوم عليها فهي كحجة وعمرة"[أخرجه بحشل في تاريخ واسط (61)][وهو حديث باطل، سنده مجهول].

17 -

حديث أنس بن مالك مرفوعًا: "إن للجنة بابًا يقال له: الضحى، لا يدخل منه إلا أصحاب صلاة الضحى، تحنُّ الضحى إلى صاحبها كما تحن الناقة إلى فصيلها"[أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (35/ 367)][وهو حديث موضوع؛ تفرد به عن عبد العزيز بن صهيب: عمرو بن جرير أبو سعيد البجلي، وهو: متروك، منكر الحديث، كذبه أبو حاتم. اللسان (6/ 195)، ضعفاء العقيلي (3/ 264)، الكامل (5/ 149)، وروايه عنه: يعقوب بن الجهم الحمصي: متهم بالوضع. الكامل (7/ 150)، تاريخ الإسلام (15/ 452)، اللسان (8/ 529)].

18 -

حديث أبي هريرة مرفوعًا: "إن في الجنة بابًا يقال له: الضحى، فإذا كان يوم

ص: 322

القيامة نادى منادٍ: أين الدين كانوا يديمون على صلاة الضحى؟ هذا بابكم فادخلوه برحمة الله" [أخرجه الطبراني في الأوسط (5/ 195/ 5061)، والخطيب في المتفق والمفترق (1/ 522/ 277)، وقاضي المارستان في مشيخته (149)، وأبو طاهر السلفي في الثلاثين من المشيخة البغدادية (15) (2501 - مشيخة المحدثين البغدادية)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 468/ 803)، [وهو حديث منكر، تفرد به سليمان بن داود اليمامي عن يحيى بن أبي كثير، وسليمان: متروك، منكر الحديث. اللسان (4/ 140 و 158)، والراوي عنه: بشر بن الوليد الكندي الفقيه: صدوق، لكنه خرف، وصار لا يعقل ما يحدث به. اللسان (2/ 316)].

19 -

حديث أنس بن مالك مرفوعًا: "إن في الجنة بابًا يقال له: الضحى، لا يدخل منه إلا من حافظ على صلاة الضحى"، وروي أيضًا بنفس إسناده باللفظ السابق لحديث أنس [أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (14/ 206)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 468/ 801 و 802)، [وهذا حديث باطل موضوع؛ تفرد به عن الثوري عن الأعمش عن أنس: يحيى بن شبيب اليمامي، وقد روى عن الثوري أحاديث باطلة موضوعة. اللسان

20 -

حديث أنس بن مالك مرفوعًا: "من داوم على صلاة الضحى لم يقطعها إلا من علة؛ كنت أنا وهو في الجنة في زورق من نور، في بحر من نور الله رب العالمين"[أخرجه ابن حبان في المجروحين (1/ 315)، ومن طريقه: ابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 468/ 804)، وفي الموضوعات (2/ 36)، [وهذا حديث موضوع؛ تفرد به عن حميد عن أنس: زكريا بن دويد، وهو: كذاب، يضع الحديث. اللسان (3/ 507)].

21 -

حديث عبد الله بن ذر: وفيه: "وسألت ربي عز وجل أن يكتب على أمتي سبحة الضحى فقال: تلك صلاة الملائكة من شاء صلاها، ومن شاء تركها، ومن صلاها فلا يصليها حتى يرتفع الضحى"[أخرجه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (3/ 499/ 2362)، وعنه: ابن قانع في المعجم (2/ 139)][لا يثبت؛ علي بن أبي طلحة: لا يُعلم له سماع من أحد من الصحابة، وعبد الله بن ذر: لا تُعرف له صحبة، قال أبو القاسم: "ويشك في سماعه"؛ يعني: من النبي صلى الله عليه وسلم].

22 -

حديث أنس بن مالك مرفوعًا: "عليكم بركعتي الضحى، فإن فيها الرغائب"[أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (12/ 431 - ط. الغرب)][حديث منكر؛ تفرد به عن أنس: عبد الحكم بن عبد الله، ويقال: ابن زياد القسملي: منكر الحديث، روى عن أنس: نسخة منكرة. التهذيب (2/ 471)، الميزان (2/ 536)، والإسناد إليه غريب، وفيه جهالة].

23 -

حديث عقبة بن عامر: أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا يحدث أصحابه، فقال:"من قام إذا استقلت الشمس فتوضأ، فأحسن الوضوء، ثم قام فصلى ركعتين، غفر له خطاياه فكان كما ولدته أمه"

وذكر الحديث

ص: 323

بطوله في ذكر الوضوء [حديث منكر، سبق تخريجه في الذكر والدعاء تحت الحديث رقم (56) (1/ 107)، وهو في السنن برقم (170) (2/ 285 - فضل الرحيم الودود)].

24 -

حديث أبي أمامة مرفوعًا: "إذا طلعت الشمس من مطلعها كهيأتها لصلاة العصر حتى تغرب من مغربها؛ فصلى رجل ركعتين وأربع سجدات، كتب له أجر ذلك اليوم"، وحسبته قال:"وكفر عنه خطيئته وإثمه"، وأحسبه قال:"فإن مات من يومه دخل الجنة"[أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 192/ 7790)، وفي مسند الشاميين (3/ 286/ 2279)، [وهو حديث غريب جدًّا، على ضعف إسناده؛ حيث تفرد به ميمون بن زيد، وهو: بصري، لين الحديث. اللسان (8/ 238)، عن ليث بن أبي سليم، وهو: كوفي، ضعيف، لاختلاطه وعدم تميز حديثه].

25 -

حديث ابن عباس، مرفوعًا: "من صلى الضحى أربع ركعات في يوم الجمعة في دهره مرةً واحدةً، يقرأ بفاتحة الكتاب عشر مرات

" فذكر الحديث بطوله، وفي آخره: "إذا صلى هذه الصلاة بعث الله إليه بكل حرف قرأ في هذه الصلاة ملائكة يكتبون له الحسنات، ويمحون عنه السيئات، ويرفعون له الدرجات، ويستغفرون الله له إلى أن يموت" [أخرجه أبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 299)، وإسماعيل الأصبهاني في الترغيب (1966)][وهو حديث موضوع، تفرد به عن الثوري: سعد بن سعيد الجرجاني، يروي عن الثوري ما لا يتابع عليه، والإسناد إليه مسلسل بالمتروكين، وفيهم: أحمد بن صالح الشمومي، وهو: كذاب، يضع الحديث. اللسان (1/ 484) و (4/ 29)].

26 -

حديث الجني عبد الله سمحج: وهو حديث طويل له أطراف، وفيه:"ما من رجل يصلي الضحى ثم تركها إلا عرج بها إلى الله تعالى، فقالت: يا رب إن فلانًا حفظني فاحفظه، وإن فلانًا ضيَّعني فضيِّعه"[أخرجه أبو بكر الشافعي في فوائده "الغيلانيات" (696)، وأبو سعيد النقاش في فنون العجائب (95)][وهو حديث مختلق مصنوع، يحكى مثله في العجائب والنوادر، راويته مَنُّوس، وهي: امرأة لا تُعرف، زعمت أنها رأت سمحجًا الجني، وقيل أيضًا: إنها جنية، روى عنها عبد الله بن الحسين بن جابر المصيصي أحد المتروكين، قال عنه ابن حبان: "يقلب الأخبار، ويسرقها، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد"، وهو من شيوخ الطبراني، قال الذهبي: "توفي بعد الثمانين ومائتين". المجروحين (2/ 46) (2/ 10 - ط. الصميعي). السير (13/ 307)، اللسان (4/ 456) و (8/ 174)، الثقات لابن قطلوبغا (5/ 509)].

* وانظر أيضًا في الموضوعات وما لا يثبت: مسند أبي يعلى (7/ 329/ 4365)، المطالب العالية (4/ 642 و 644 و 645)، كنز العمال (7/ 331 - 335)، المنار المنيف (51)، زاد المعاد (1/ 357)، الفوائد المجموعة (79 - 82)، والمصنفات في الأحاديث الموضوعة والمشتهرة. فضل الرحيم الودود (5/ 401/ 468).

* وروي حديث واهٍ في اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بوجوبها عليه دون أمته:

• رواه جابر بن يزيد الجعفي [متروك، يكذب]، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال:

ص: 324

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمِرتُ بركعتي الضحى، ولم تؤمروا بها، وأمرت بالأضحى، ولم تكتب [عليكم]. وفي رواية: وبالوتر ولم يكتب.

أخرجه أحمد (1/ 232 و 234 و 317)، ولوين محمد بن سليمان المصيصي في جزئه (97)، وعبد بن حميد (588)، والبزار (3/ 144/ 2434 - كشف)، والطبراني في الكبير (11/ 239/ 11802 و 11803)[ووقع عنده مرسلًا في الموضع الثاني]، وابن عدي في الكامل (2/ 119)، والدارقطني (4/ 282)، والبيهقي (9/ 264)، [الإتحاف (7/ 491/ 8292)، المسند المصنف (11/ 602/ 5617)].

• ورواه أبو جناب الكلبي [يزيد بن أبي حية الكوفي: ضعيف؛ لكثرة تدليسه]، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ثلاثٌ هنَّ عليَّ فرائض، وهنَّ لكم تطوعٌ: الوتر، والفجر، وصلاة الضحى".

أخرجه أحمد (1/ 231)، والبزار (3/ 144/ 2433 - كشف)، وأبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (2/ 408/ 430)، والطبراني في الكبير (11/ 207/ 11674)، وابن عدي في الكامل (7/ 213)، وأبو بكر الجصاص في أحكام القرآن (5/ 88)، والدارقطني (2/ 21)، والحاكم (1/ 300)(2/ 58/ 1132 - ط. الميمان)، وأبو نعيم في الحلية (9/ 232)، والبيهقي في السنن (2/ 468) و (9/ 264)، وفي المعرفة (7/ 200/ 5638)، والخطيب في المتفق والمفترق (2/ 1191/ 743)، [الإتحاف (7/ 491/ 8292)، المسند المصنف (11/ 602/ 5617)].

قال البيهقي: "أبو جناب الكلبي؛ اسمه يحيى بن أبي حية: ضعيف، وكان يزيد بن هارون يصدقه ويرميه بالتدليس".

وقال النووي في المجموع (4/ 28): "وإنما ذكرت هذا الحديث لأبين ضعفه، وأحذر من الاغترار به".

وقال الذهبي متعقبًا الحاكم: "ما تكلم الحاكم عليه، وهو غريب منكر، ويحيى ضعفه النسائي والدارقطني".

ولظهور ضعف إسناده، فقد توارد المتأخرون على تضعيفه.

• ورواه وضاح بن يحيى النهشلي [لم يخبر حاله أبو حاتم، فقال: "شيخ صدوق"، ووقف ابن حبان منه على ما يقتضي تضعيفه، فقال فيه: "منكر الحديث". الجرح والتعديل (9/ 41)، المجروحين (3/ 85)، علل الدارقطني (12/ 374/ 2801)، اللسان (8/ 380)]: حدثنا مندل بن علي [كوفي ضعيف، صاحب غرائب وأفراد، وهذا منها. التهذيب (4/ 152)]، عن يحيى بن سعيد [الأنصاري المدني: ثقة ثبت، إمام]، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث علي فريضة، وهن لكم تطوع: الوتر، وركعتا الفجر، وركعتا الضحى".

ص: 325

أخرجه ابن شاهين في الناسخ (201)، ومن طريقه: ابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 450 / 770).

• ورواه حماد بن عبد الرحمن الكلبي [شيخ مجهول، منكر الحديث. التهذيب (1/ 484)]: ثنا المبارك بن أبي حمزة الزبيدي [مجهول ضعيف. الجرح والتعديل (5/ 137) و (8/ 341)، علل ابن أبي حاتم (1882)، اللسان (6/ 450)]، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"كُتب عليَّ الأضحى، ولم يكتب عليكم، وأمرت بصلاة الضحى، ولم تؤمروا".

أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 295/ 12044).

• ورواه أيضًا عن عكرمة به، واختلف عنه في وصله وإرساله: أبان بن أبي عياش [وهو: متروك، منكر الحديث، رماه شعبة بالكذب].

أخرجه عبد الرزاق (3/ 5/ 4573)، وأبو بكر الجصاص في أحكام القرآن (5/ 88)، وابن عبد البر في التمهيد (23/ 290).

قال ابن عبد البر: "وهذا حديث منكر، لا أصل له، ونوح بن أبي مريم: ضعيف متروك، ويقال: اسم أبيه أبي مريم يزيد بن جعدبة، وكان نوح أبو عصمة هذا قاضي مرو: مجتمع على ضعفه، وكذلك أبان بن أبي عياش: مجتمع على ضعفه وترك حديثه".

قلت: حديث ابن عباس هذا: حديث باطل منكر بجميع طرقه وألفاظه، لا يُعوَّل على شيء منها.

وعده شيخ الإسلام ابن تيمية ضمن أحاديث قال عنها: "وأهل العلم بالحديث متفقون على أنها كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم موضوعة عليه"[منهاج السنة النبوية (7/ 430)].

وقال أيضًا: "ومن هذا الباب صلاة الضحى؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يداوم عليها باتفاق أهل العلم بسنته، ومن زعم من الفقهاء أن ركعتي الضحى كانتا واجبتين عليه، فقد غلط، والحديث الذي يذكرونه: "ثلاث هن علي فريضة، ولكم تطوع: الوتر، والفجر، وركعتا الضحى": حديث موضوع" [مجموع الفتاوى (22/ 284)].

* وروى خلافَ ذلك:

عبد الله بن محرر، عن قتادة، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أُمرت بالضحى والوتر ولم تفرض علي"، وفي رواية:"أُمرت بالوتر والأضحى ولم يعزم علي".

أخرجه عبد الرزاق (3/ 5/ 4572)(2/ 543/ 4620 - ط. التاصيل)[وتحرفت عنده: محرر؛ إلى: محمد]. وأبو جعفر بن البختري في الرابع من حديثه (53)(297 - مجموع مصنفاته)، وابن عدي في الكامل (4/ 133)(6/ 378/ 9866 - ط الرشد)، وأبو بكر الجصاص في أحكام القرآن (5/ 88)، والدارقطني (2/ 21)، وابن شاهين في الناسخ (202)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 450/ 771)، [الإتحاف (2/ 193/ 1527)، المسند المصنف (2/ 70/ 605)].

ص: 326

قال ابن عدي: "وهذه الأحاديث عن ابن محرر عن قتادة عن أنس التي أمليتها: عامتها لا يتابع عليه، ويرويه ابن محرر عن قتادة".

قلت: هو حديث منكر باطل؛ وعبد الله بن محرر: متروك، هالك، منكر الحديث، وقد تفرد به عن قتادة دون أصحابه الثقات على كثرتهم.

***

1290 -

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح وأحمد بن عمرو بن السرح، قالا: حدثنا ابن وهب: حدثني عياض بن عبد الله، عن مخرمة بن سليمان، عن غريب مولى ابن عباس، عن أم هانئ بنت أبي طالب؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يومَ الفتح صلى سُبحةَ الضحى ثمانيَ ركَعاتٍ يسلِّم من كل ركعتين.

قال أحمد بن صالح: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح صلى سبحة الضحى، فذكر مثله.

قال ابن السرح: إن أم هانئ قالت: دخل عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر سُبحة الضحى، بمعناه.

* حديث منكر بهذه الزيادة: "يسلِّم من كل ركعتين".

أخرجه من طريق أبي داود: البيهقي (3/ 48)، [التحفة (12/ 11/ 18010)، المسند المصنف (40/ 624/ 19480)].

* ورواه عن ابن وهب أيضًا من طريق غريب عن أم هانئ، بدون ذكر ابن عباس في الإسناد:

عبد الله بن محمد بن رمح [روى عنه ثلاثة، ولم يوثقه أحد، وقال ابن حجر: "صدوق". الإكمال (4/ 92)، تاريخ الإسلام (18/ 315)، التهذيب (2/ 422)، التقريب (424)]، وأحمد بن عبد الرحمن بن وهب [أكثر عن عمه، وهو صدوق تغير بآخره، كان مستقيم الأمر، ثم خلَّط بعدُ فحدَّث بما لا أصل له، حتى رمي بالكذب. وانظر: ما تقدم برقم (148 و 714 و 829 و 1024 و 1156)]:

عن ابن وهب، عن عياض بن عبد الله، عن مخرمة بن سليمان، عن غريب مولى ابن عباس، عن أم هانئ بنت أبي طالب؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح صلى سبحة الضحى ثماني ركعات، ثم سلم من كل ركعتين.

أخرجه ابن ماجه (1323)، وابن خزيمة (2/ 234/ 1234)، والدارقطني في الأفراد (2/ 418/ 5983 - أطرافه)، [التحفة (12/ 11/ 18010)، الإتحاف (18/ 13/ 23298)، المسند المصنف (40/ 624/ 19480)].

ص: 327

* خالف أبا داود فزاد في إسناده ابن عباس:

إسماعيل بن الحسن الخفاف [شيخ للطبراني أكثر عنه في مصنفاته، ولم أقف له على ترجمة]: ثنا أحمد بن صالح: ثنا ابن وهب: حدثني عياض بن عبد الله الفهري، عن مخرمة بن سليمان، عن كريب، عن ابن عباس، عن أم هانيء بنت أبي طالب؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى يومًا صلاة سبحة الضحى ثمان ركعات، يسلم من كل ركعتين.

أخرجه الطبراني في الكبير (24/ 406/ 987).

قلت: لعله دخل له حديث في حديث؛ فإن ابن وهب كان يروي طرف سبحة الضحى بدون ذكر ابن عباس في الإسناد، ويروي طرف أمان المرأة بإثبات ابن عباس:

• فقد رواه أيضًا: إسماعيل بن الحسن الخفاف: ثنا أحمد بن صالح: ثنا ابن وهب: أخبرني عياض بن عبد الله، عن مخرمة بن سليمان، عن غريب، عن ابن عباس، قال: حدثتني أم هانئ بنت أبي طالب؛ أنها أجارت رجلًا من المشركين يوم الفتح، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال:"قد أجرنا من أجرتِ، وأمنا من أمنتِ".

أخرجه الطبراني في الكبير (24/ 407/ 989).

* هكذا رواه أصحاب أحمد بن صالح المصري، وتابعه على ذلك جماعة عن ابن وهب بطرف أمان المرأة، وبزيادة ابن عباس الإسناد:

رواه أحمد بن صالح، وأحمد بن عمرو بن السرح، والحارث بن مسكين، ومحمد بن

عبد الله بن عبد الحكم، وهارون بن سعيد الأيلي [وهم مصريون ثقات، من أصحاب ابن وهب]:

قالوا: حدثنا ابن وهب: أخبرني عياض بن عبد الله، عن مخرمة بن سليمان، عن غريب [مولى ابن عباس]، عن عبد الله بن عباس، قال: حدثتني أم هانئ بنت أبي طالب؛ أنها أجارت رجلًا من المشركين يوم الفتح، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، [وفي رواية: أنها قالت: يا رسول الله! زعم ابنُ أمِّي عليٌّ أنه قاتلٌ مَن أجرتُ!]، فقال:"قد أجرنا من أجرتِ، وأمَّنَّا من أمَّنتِ". لفظ أحمد بن صالح.

وجمع هارون بن سعيد المتنين جميعًا بنفس الإسناد وبدون الزيادة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح اغتسل وتوشح بثوب فصلى ثماني ركعات، قالت أم هانئ: فقلت: يا رسول الله! زعم ابنُ أمي أنه قاتلٌ مَن أجرتُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قد أجرنا من أجرتِ".

فلعله وقع له نفس الوهم السابق ذكره من دخول حديث الضحى في حديث الأمان.

أخرجه أبو داود (2764)، والنسائي في الكبرى (8/ 57 - 58/ 8632)، والحاكم (4/ 54)(8/ 430/ 7048 - ط. الميمان)، وابن المنذر في الأوسط (11/ 260/ 6664)(6/ 274/ 6261 - ط. الفلاح)، والعقيلي في الضعفاء (3/ 350)(3/ 233/ 1330 - ط. التأصيل)، وأبو طاهر المخلص في الأول من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (275)(275 - المخلصيات)، والبيهقي (9/ 95)، وابن عبد البر في التمهيد (21/ 187)، [التحفة (12/ 9/ 18005)، المسند المصنف (40/ 641/ 19494)].

ص: 328

* وقد توبع ابن وهب على طرف الضحى بدون زيادة التسليم، مع زيادة ابن عباس في الإسناد:

رواه أحمد بن رشدين: ئنا سعيد بن عفير [وهو سعيد بن كثير بن عفير: صدوق، مستقيم الحديث، قال الحاكم: يقال: إن مصر لم تخرج أجمع للعلوم منه]: ثنا رشدين بن سعد، عن عياض بن عبد الله، عن مخرمة بن سليمان، عن غريب، عن ابن عباس، عن أم هانئ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح اغتسل، وتوشح بثوب وصلى ثمان ركعات.

أخرجه الطبراني في الكبير (24/ 407/ 988).

وإسناده ضعيف؛ لضعف رشدين بن سعد، وحفيده شيخ الطبراني: أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين بن سعد: ضعيف، واتهم [انظر: اللسان (1/ 594)].

* والحاصل: فقد صدر العقيلي ترجمة عياض بقوله: "لا يقيم الحديث"، وفي نسخة:"حديثه غير محفوظ"، ثم أتبعه بذكر قول البخاري فيه:"منكر الحديث"، ثم أورد له حديثين هذا أحدهما، ثم قال:"وهذان الحديثان يُرويان من غير هذا الطريق بإسناد أصلح من هذين".

وقال الدارقطني: "غريب من حديث مخرمة بن سليمان عن غريب، تفرد به: عياض بن عبد الله الفهري، وعنه عبد الله بن وهب".

قلت: إسناده ليس بذاك القوي؛ عياض بن عبد الله هو: ابن عبد الرحمن بن معمر الفهري القرشي المدني، نزيل مصر: ليس بالقوي، قال الساجي:"روى عنه ابن وهب أحاديث فيها نظر"، وهذا من رواية ابن وهب عنه، نعم أخرج مسلم لعياض بن عبد الله الفهري هذا من رواية ابن وهب عنه، لكن في باب الشواهد والمتابعات، ولم يخرج له شيئًا في الأصول [انظر: صحيح مسلم (350) و (763/ 183) و (980)، [وانظر في أوهامه: ما تقدم معنا في السنن برقم (387)].

وهذا حديث منكر بهذه الزبادة: "يسلِّم من كل ركعتين"، فقد روى هذا الحديث عن أم هانئ جماعة من الثقات، ولم يذكروا فيه هذه الزيادة، التي تفرد بها عياض بن عبد الله الفهري، وسيأتي سرد هذه الطرق إن شاء الله تعالى.

فإن قيل: قال ابن عبد البر في الاستذكار (2/ 260): "وقد احتج بهذا الإسناد أحمد بن حنبل، قال الأثرم: قيل لأحمد: [ليس قد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى قبل الظهر أربعًا؟ فقال: وقد روي أيضًا: أنه صلى الضحى ثمانيًا، فتراه لم يسلم فيها؟!

وذكر حديث ابن وهب هذا، بإسناده عن ابن عباس، عن أم هانيء بنت أبي طالب؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الضحى ثماني ركعات، يسلم بين كل ركعتين".

قلت: لم أجد لأحمد كلامًا في عياض بن عبد الله الفهري، ثم وجدت كلام أحمد هذا إلى قوله:"فتراه لم يسلم فيها؟! " عند ابن المنذر في الأوسط (5/ 235)، ولم يزد على ذلك شيئًا، ولم يذكر أن أحمد احتج بحديث ابن وهب هذا، وهذا الأقرب عندي؛

ص: 329

أن أحمد لم يحتج بهذا الحديث الذي تفرد به عياض هذا، فخالف في روايته جماعة الثقات ممن رووه عن أم هانئ، ولعل ابن عبد البر نقل ذلك عن الأثرم نفسه، لا عن أحمد، والله أعلم.

* وروي من طريق ابن عباس عنها من وجه آخر، ولا يثبت:

رواه حجاج بن نصير [ضعيف، كان يقبل التلقين]: ثنا أبو بكر الهذلي - واسمه سلمى -[متروك الحديث، عامة ما يرويه لا يتابع عليه]، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس، قال: كنت أمر بهذه الآية فما أدري ما هي؟ قوله: {بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ} ، حتى حدثتني أم هانئ بنت أبي طالب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها، فدعا بوضوء في جفنة، فكأني أنظر إلى أثر العجين فيها، فتوضأ، ثم قام فصلى الضحى، فقال:"يا أم هانئ، هذه صلاة الإشراق".

أخرجه الطبراني في الكبير (24/ 406/ 986)، وفي الأوسط (4/ 296/ 4246)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (8/ 183)، وعنه: الواحدي في الوسيط (3/ 544)، ومن طريقه: البغوي في التفسير (4/ 51).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن عطاء عن ابن عباس؛ إلا أبو بكر الهذلي، تفرد به: حجاج بن نصير".

قلت: وهذا حديث منكر بهذا السياق.

• والمعروف في هذا عن عطاء بدون ذكر ابن عباس، وبغير هذا السياق:

فقد رواه ابن جريج [ثقة ثبت، وهو أثبت الناس في عطاء بن أبي رباح]، وعبد الملك بن أبي سليمان العرزمي [ثقة، له أوهام، وهو من أصحاب عطاء بن أبي رباح؛ إلا أنه يهم عليه في الشيء بعد الشيء. الضعفاء الكبير (3/ 32)، وانظر: العلل ومعرفة الرجال (3/ 219/ 4949)، التهذيب (2/ 613)، الميزان (2/ 656)]:

قال ابن جريج: أخبرنا عطاء، عن أم هانئ بنت أبي طالب؛ أنها دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وهو في قبة له، فوجدته قد اغتسل بماء كان في صحفة إني لأرى فيها أثر العجين، ورأيته يصلي الضحى.

زاد في رواية أحمد عن عبد الرزاق به: قلت: إخالُ خبرَ أم هانئ هذا ثبت؟ قال: نعم.

ووقع في رواية السراج عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق به: قلت: أجاءك بخبر أم هانئ هذا ثبتٌ؟ قال: نعم. قال: فهل جاءك عن صلاة الضحى إلا قول أبي هريرة وخبر أم هانئ؟ قال: قطُّ، لم يأتني إلا ذلك.

وبجمع هاتين الروايتين يتبين أن السائل هو ابن جريج، يسأل شيخه عطاء بن أبي رباح، لأنه لم يسمع من أم هانئ، والله أعلم.

أخرجه النسائي في المجتبى (1/ 202/ 415)، وأحمد (6/ 341) (12/ 6498 /

ص: 330

27529 -

ط. المكنز)، وعبد الرزاق (3/ 75/ 4857)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2053)، والطبراني في الكبير (24/ 427/ 1042) و (24/ 428/ 1043 - 1045)، [التحفة (12/ 11/ 18009)، الإتحاف (18/ 10/ 23295)، المسند المصنف (40/ 9477/ 1622)].

وفي سنده انقطاع؛ عطاء بن أبي رباح: لم يسمع من أم هانئ، قاله ابن المديني [علل ابن المديني (118)، تحفة التحصيل (228)]، وقد اشتملت روايات العرزمي على زيادات شاذة غير محفوظة، فمنها التصريح بسماع عطاء من أم هانئ، ومنها أن عليًا طعن أم هانئ في مقدم رأسها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:"ما كان عليٌّ ليطعنك"، ومنها: قول أم هانئ: فما أدري كم صلى حين قضى غسله؟؛ إذ المحفوظ عنها من طرق متعددة: أنه صلى ثمان ركعات. وسيأتي ذكر هذا الطريق في طرق حديث أم هانئ.

• وقد رواه معمر بن راشد، عن عطاء الخراساني، قال: قال ابن عباس: لم يزل في نفسي من صلاة الضحى شيء حتى قرأت: {سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ} [ص: 18].

أخرجه عبد الرزاق (3/ 79/ 4870).

وعطاء بن أبي مسلم الخراساني: صدوق، يهم كثيرًا، تكلم في حفظه، والجمهور على توثيقه، وهو يرسل كثيرًا، ولم يسمع من ابن عباس [انظر: المراسيل (156)، جامع التحصيل (238)، تحفة التحصيل (229)، الميزان (3/ 74)، المغني (2/ 59)، التهذيب (3/ 108)].

• ورواه سليمان الأحول؛ أنه سمع عطاء الخراساني، يقول لطاووس: إن ابن عباس يقول: صلاة الضحى في القرآن، ولكن لا يغوص عليها إلا غائص، ثم قرأ:{يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ} ، قال طاووس: والله ما صلاها ابن عباس حتى مات إلا أن يطوف بالبيت.

أخرجه عبد الرزاق (3/ 79/ 4871).

قلت: سليمان بن أبي مسلم المكي الأحول: متفق على توثيقه، حتى قال فيه أحمد:"هو ثقة ثقة"[التهذيب (2/ 107)]، وروايته أولى بالصواب، وفيه بيان أن طاووس وهو من أعلم أصحاب ابن عباس، قد أنكر أن يكون ابن عباس صلى الضحى؛ إلا أن يطوف بالبيت ضحى فيصلي ركعتي الطواف، والله أعلم.

• وروى مسعر [هو: ابن كدام الثقة الثبت، وما وقع في تفسير الطبري: أنه ابن عبد الكريم، فهو خطأ محض]، عن موصى بن أبي كثير، عن ابن عباس؛ أنه بلغه أن أم هانئ ذكرت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة صلى الضحى ثمان ركعات، فقال ابن عباس: قد ظننت أن لهذه الساعة صلاة، يقول الله:{يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ} .

أخرجه ابن جرير الطبري في التفسير (20/ 44)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (60/ 416).

ص: 331

قلت: ولا يثبت هذا؛ موسى بن أبي كثير أبو الصباح: وثقه ابن معين وابن سعد والفسوي، وقال أبو حاتم:"محله الصدق"، وقال في موضع آخر:"يكتب حديثه، ولا يحتج به"، وذكره في الضعفاء: أبو زرعة، والعقيلي، وابن حبان، وابن عدي، وأبو نعيم [انظر: التهذيب (4/ 186)، إكمال مغلطاي (12/ 34)، الميزان (4/ 218)، ضعفاء العقيلي (4/ 167)، أسامي الضعفاء (311)، الكامل (6/ 346)، ضعفاء أبي نعيم (201)، تاريخ دمشق (60/ 416)].

ولا يُعرف له إدراك لابن عباس، إنما يروي عن التابعين، مثل مجاهد وغيره؛ لذا عده ابن حجر في الطبقة السادسة، ممن لم يثبت له لقاء أحد من الصحابة، والله أعلم.

• ولحديث ابن عباس عن أم هانى طريق أخرى يأتي ذكرها في طرق حديث أم هانئ تحت الحديث الآتي، إن شاء الله تعالى.

***

1291 -

. . . شعبة، عن عمرو بن مرة، عن ابن أبي ليلى، قال: ما أخبرنا أحدٌ أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم صلى الضحى غيرُ أم هانئ فإنها ذكرت: أن النبي صلى الله عليه وسلم يومَ فتحِ مكة اغتسل في بيتها، وصلى ثمانَ ركَعاتٍ، فلم يره أحدٌ صلاهُنَّ بعدُ.

* حديث متفق على صحته؛ دون قوله: فلم يره أحدٌ صلاهُنَّ بعدُ؛ فإنها شاذة من حديث شعبة.

أخرجه البخاري (1103 و 1176 و 4292)، ومسلم (336/ 80 - صلاة المسافرين)، وأبو عوانة (2/ 2129/12)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 314/ 1623)، والترمذي في الجامع (474)، وفي الشمائل (291)، والنسائي في الكبرى (1/ 269/ 490 - ط. الرسالة)(2/ 271/ 571 - ط. التأصيل)، والدارمي (1596 - ط. البشائر)، وابن خزيمة (2/ 234/ 1233)، وأحمد (6/ 342)(12/ 6501/ 27542 - ط. المكنز) و (6/ 343)(12/ 6502/ 27546 - ط. المكنز)، وإسحاق بن راهويه (5/ 23/ 2122) و (5/ 24/ 2123)، والطيالسي (3/ 191/ 1725)، وابن أبي شيبة (2/ 175/ 7807)(5/ 186/ 8021 - ط. الشثري)(5/ 263/ 7891 - ط. عوامة)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2054 و 2055)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (72)، والطبراني في الكبير (24/ 436/ 1066)، والبيهقي في السنن (3/ 48)، وفي الدلائل (5/ 81)، والبغوي في شرح السنة (4/ 135/ 1000)، وقال:"هذا حديث متفق على صحته". وفي الشمائل (606)، وإسماعيل الأصبهاني في الترغيب (1955)، [التحفة (12/ 10/ 18007)، الإتحاف (18/ 7/ 23293)، المسند المصنف (40/ 620/ 19475)].

رواه عن شعبة: حفص بن عمر الحوضي [وهذا لفظه]، وغندر محمد بن جعفر،

ص: 332

وآدم بن أبي إياس، وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، وأبو داود الطيالسي، وسليمان بن حرب، وحجاج بن محمد المصيصي، وبشر بن عمر الزهراني، وعلي بن الجعد، وبهز بن أسد، ووكيع بن الجراح، ووهب بن جرير، والنضر بن شميل [وهم جميعًا من ثقات أصحاب شعبة، ومتقنيهم].

ولفظ غندر [عند مسلم والترمذي وأحمد]: ما أخبرني أحدٌ أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى إلا أم هانئ، فإنها حدَّثت: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيتها يوم فتح مكة [فاغتسل]، فصلى ثماني ركعات، ما رأيته صلى صلاةً قطُّ أخفَّ منها، غير أنه كان يتم الركوع والسجود، وبنحوه رواه جماعة الثقات عن شعبة.

• تنبيهان: الأول: زاد أبو داود عن حفص بن عمر الحوضي في آخره: فلم يره أحدٌ صلاهُنَّ بعدُ، وقد رواه البخاري عن حفص بن عمر الحوضي بدون هذه الزيادة، فقال: حدثنا حفص بن عمر، قال: حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن ابن أبي ليلى، قال: ما أخبرنا أحد أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم صلى الضحى غير أم هانئ، ذكرت: أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة اغتسل في بيتها، فصلى ثماني ركعات، فما رأيته صلى صلاةً أخفَّ منها؛ غير أنه يتم الركوع والسجود. ويبدو أن البخاري قد أسقطها عمدًا، والله أعلم.

• الثاني: روى ابن أبي شيبة هذا الحديث عن وكيع عن شعبة به؛ إلا أنه زاد في آخره: لم أره صلاهنَّ قبلَ يومئذ ولا بعده، وهذا الحديث قد رواه عن وكيع بدون هذه الزيادة: أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وهما: ثقتان حافظان.

وفي رواية وكيع هذه ما يدل على أنه لم يضبطها مثل أصحاب شعبة، حيث قال: يخفِّف فيهن الركوع والسجود، كذا في رواية ابن أبي شيبة، وقال أحمد: يخفُّ، وقال إسحاق: يخفِّفهن، وإنما قال الجماعة عن شعبة: ما رأيته صلى صلاةً قطُّ أخفَّ منها، غير أنه كان يتم الركوع والسجود.

ولذلك؛ فإن هذه الزيادة لا تثبت عندي من حديث شعبة، حيث رواه عنه بدونها: أحد عشر رجلًا من ثقات أصحابه؛ غندر محمد بن جعفر، وآدم بن أبي إياس، وأبو الوليد الطيالسي، وأبو داود الطيالسي، وسليمان بن حرب، وحجاج بن محمد المصيصي، وبشر بن عمر الزهراني، وعلي بن الجعد، وبهز بن أسد، ووهب بن جرير، والنضر بن شميل.

واختلف على الحوضي ووكيع في إثباتها، وكأن وكيعًا اضطرب في متنه، وإعراض البخاري عنها يؤكد شذوذها، فهي زيادة ضاذة من حديث شعبة، وإن كانت ثابتة من حديث أم هانئ، والله أعلم.

* قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح.

وكان أحمد رأى أصح شيء في هذا الباب حديث أم هانئ".

وفي مسائل الكوسج (304) لما سأل أحمد عن صلاة الضحى، قال:"ثماني ركعات المثبت عن أم هانئ رضي الله عنها ".

ص: 333

وقال أحمد: "هذا حديث أم هانئ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الضحى ثمان ركعات: حديث ثبت"[التمهيد (13/ 187)].

* وقد توبع عليه عمرو بن مرة:

فقد روى ابن عيينة، عن يزيد، عن ابن أبي ليلى، قال: أدركت الناس وهم متوافرون، أو متوافون، فلم يخبرني أحد أنه صلى الضحى إلا أم هانئ؛ أخبرتني أنه صلاها ثمان ركعات.

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 7808/175)(5/ 186/ 8022 - ط. الشثري).

وهذا إسناد جيد في المتابعات؛ فإن يزيد بن أبي زياد في الأصل: صدوق عالم؛ إلا أنه لما كبر ساء حفظه وتغير، وكان إذا لُقِّن تلقَّن، فهو: ليس بالقوى؛ كما قال أكثر النقاد، لأجل ما صار إليه أمره [انظر: التهذيب (9/ 344)، الميزان (4/ 423)، الجامع في الجرح والتعديل (3/ 315)]، وقد رواه يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى به هكذا، ورواه أيضًا عن عبد الله بن الحارث بن نوفل بنفس القصة عن أم هانئ، فلعله كان له فيه شيخان، والله أعلم.

* وفي التحفة (12/ 10/ 18007): "وعن إبراهيم بن محمد التيمي، عن يحيى، عن سفيان، عن زبيد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، نحوه"، وقد عزاه إلى النسائي في الكبرى، في الصلاة.

وهذا إسناد صحيح غريب؛ زبيد بن الحارث اليامي: ثقة ثبت، وسفيان هو: الثوري، ويحيى هو: ابن سعيد القطان، وشيخ النسائي: إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن عبيد الله التيمي المعمري أبو إسحاق البصري قاضيها: ثقة.

* ولحديث أم هانئ طرق أخرى كثيرة، منها:

1 -

ما رواه مالك بن أنس، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله [وفي رواية: عن موسى بن ميسرة، وأبي النضر مولى عمر بن عبيد الله]، أن أبا مرة مولى أم هانئ بنت أبي طالب، أخبره أنه سمع أم هانئ بنت أبي طالب، تقول: ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح، فوجدته يغتسل، وفاطمة ابنته تستره بثوب، قالت: فسلمت [عليه]، فقال:"من هذه؟ "، فقلت:[أنا] أم هانئ بنت أبي طالب، فقال:"مرحبا بأم هانئ"، فلما فرغ من غسله، قام فصلى ثماني ركعات، ملتحفًا في ثوب واحد، ثم انصرف، فقلت: يا رسول الله! زعم ابن أمِّي عليٌّ أنه قاتل رجلًا [قد] أجرته، فلان ابن هبيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قد أجَرنا من أجَرتِ يا أم هانئ"، قالت أم هانئ: وذلك ضحىً.

أخرجه مالك في الموطأ (1/ 217/ 416)، ومن طريقه: البخاري في الصحيح (280 و 357 و 3171 و 6158)، وفي الأدب المفرد (1045)، ومسلم في الحيض (336/ 70)، وفي صلاة المسافرين (336/ 82)، [تقدم تحت الحديث رقم (636)، راجع فضل الرحيم الودود (7/ 213/ 636)].

ص: 334

2 -

ورواه مالك أيضًا، عن موسى بن ميسرة، عن أبي مرة مولى عقيل بن أبي طالب، أن أم هانئ بنت أبي طالب أخبرته: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى عام الفتح ثماني ركعات، ملتحفًا في ثوب واحد.

أخرجه مالك في الموطأ (1/ 216 - 217/ 415)، [تقدم تحت الحديث رقم (636)، راجع فضل الرحيم الودود (7/ 213/ 636)].

3 -

ورواه سعيد بن أبي هند، أن أبا مرة مولى عقيل حدثه، أن أم هانئ بنت أبي طالب حدثته: أنه لما كان عام الفتح أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بأعلى مكة، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غسله، فسترت عليه فاطمة، ثم أخذ ثوبه فالتحف به، ثم صلى ثمان ركعات سبحة الضحى.

أخرجه مسلم (336/ 71 و 72)، [تقدم تحت الحديث رقم (636)، راجع فضل الرحيم الودود (7/ 214/ 636)].

4 -

ورواه يونس بن يزيد الأيلي، ومحمد بن الوليد الزبيدي، وعبد الرحمن بن نمر اليحصبي [وهم من ثقات أصحاب الزهري، وأثبتهم فيه: الزبيدي]، وإسحاق بن راشد [ثقة، ليس بذاك في الزهري]، وعقيل بن خالد [ثقة من أصحاب الزهري، لكن الإسناد إليه ضعيف]، وقرة بن عبد الرحمن بن حيويل [ليس بقوي، روى أحاديث مناكير، وقال فيه أحمد: "منكر الحديث جدًّا". انظر: التهذيب (3/ 438)، والإسناد إليه ضعيف]:

عن ابن شهاب، قال: حدثني ابن عبد الله بن الحارث بن نوفل؛ أن أباه عبد الله بن الحارث بن نوفل، قال: سألت وحرصت على أن أجد أحدًا من الناس يخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبَّح سُبحة الضحى، فلم أجد أحدًا يحدثني ذلك، غير أن أم هانئ بنت أبي طالب أخبرتني؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بعد ما ارتفع النهار يوم الفتح، فأُتي بثوب فسُتر عليه، فاغتسل، ثم قام فركع ثماني ركعات، لا أدري أقيامه فيها أطول، أم ركوعه، أم سجوده؟ كل ذلك منه متقارب، قالت: فلم أره سبَّحها قبلُ ولا بعدُ. لفظ يونس [عند مسلم].

وفي رواية الزبيدي [عند أبي عوانة، وهو عند النسائي مختصرًا]: قال الزهري: أخبرني عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل؛ أن أباه عبد الله كان يسبِّح سُبحة الضحى لا يذرها، قال عبد الله: قال لي أبي: أما والله صلى الله عليه وسلم بني لقد سألت عنها - فأكثرت المسألة - أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه؛ هل رأى النبي صلى الله عليه وسلم سبحها قط؟ فما أخبرني أحد أنه سبحها قط غير أن أم هانئ،

ثم ذكر الحديث.

وفي رواية عبد الرحمن بن نمر [عند الطبراني في مسند الشاميين]: عن الزهري: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي؛ أن أباه عبد الله بن الحارث كان يسبح سبحة الضحى لا يدعها، فقال عبد الله: فقال لي: أي بني، أما والله لقد سألت عنها فأكثرت المسألة أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه؛ هل رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبحها

ص: 335

قط؟ فما أخبرني أنه رآه يسبحها غير أم هانئ بنت أبي طالب،

ثم ذكر الحديث.

أخرجه مسلم (336/ 81 - صلاة المسافرين)، وأبو عوانة (2/ 12/ 2132)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 314/ 1624)، والنسائي في الكبرى (1/ 268/ 487 و 488 - ط. الرسالة)(2/ 270/ 569 - ط. التأصيل) و (2/ 271/ 570 - ط. التأصيل)، وابن خزيمة (2/ 234/ 1235)، وابن حبان (3/ 459/ 1187) و (6/ 279/ 2538)، وأحمد (6/ 342)(12/ 6501/ 27541 - ط. المكنز)، والطبراني في الكبير (24/ 422/ 1027) و (24/ 423/ 1028)، وفي مسند الشاميين (4/ 124/ 2899)، والبيهقي (3/ 48)، وابن عبد البر في التمهيد (137/ 8)، [التحفة (12/ 8/ 18003)، الإتحاف (18/ 7/ 23293) و (18/ 9/ 23294)، المسند المصنف (40/ 616/ 19474)].

وقع في رواية حرملة بن يحيى، ومحمد بن سلمة، وأحمد بن عبد الرحمن بن وهب، وهارون بن معروف، أربعتهم عن ابن وهب، عن يونس [عند النسائي وابن خزيمة وابن حبان وأحمد]: عن ابن شهاب: حدثني عبيد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل.

وتابعه على ذلك: عبد الرحمن بن نمر.

وكذا وقع في رواية عقيل وقرة؛ لكنها لا تثبت.

وخالفهم: الليث بن سعد [ثقة ثبت]، وعنبسة بن خالد الأيلي [صدوق][كلاهما عند الطبراني]، فروياه عن يونس، عن ابن شهاب، قال: حدثني عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن أبيه به، وهو الصواب.

قال البيهقي: "رواه مسلم في الصحيح عن حرملة؛ إلا أنه قال: عن ابن شهاب، قال: حدثني ابن عبد الله بن الحارث؛ وذلك لأن الصحيح أنه: عبد الله بن عبد الله بن الحارث، كذا قاله الليث بن سعد وغيره عن ابن شهاب؛ إلا أن ابن وهب يقول: عبيد الله".

وقال المزي في التحفة (18003): "قال أبو مسعود: كذا قال مسلم: "عن ابن"، ولم يسمه، وهو عبد الله بن عبد الله، وابن وهب يقول: "عبيد الله بن عبد الله"، وكنى عنه عمدًا".

قال أبو حاتم في الجرح والتعديل (5/ 91): "عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي، أخو إسحاق، ويقال: عبيد الله بن عبد الله، وعبد الله أصح، روى عن أبيه، روى عنه الزهرى".

قلت: وقد روى جماعة من ثقات أصحاب الزهري، منهم: مالك، وشعيب بن أبي حمزة، ومعمر بن راشد، وسفيان بن عيينة، وصالح بن كيسان، وغيرهم، عن الزهري عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل غير هذا الحديث، ووهم من قال فيه: عبيد الله، لذا كنى عنه مسلم عمدًا؛ كما قال أبو مسعود.

• وقد رواه محمد بن حرب [الخولاني الحمصي، كاتب الزبيدي: ثقة]، عن الزبيدي

ص: 336

به، كما تقدم، فقال: عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل، وهو المحفوظ عن الزبيدي.

وخالفه: عبد الله بن سالم الأشعري، فرواه عن الزبيدي: أخبرني محمد بن مسلم؛ أن عبد الله بن الحارث بن نوفل أخبره؛ أن أباه عبد الرحمن بن الحارث كان يسبح سبحة الضحى، قال: فسألت وحرصت أن أجد أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: هل سبح النبي صلى الله عليه وسلم سبحة الضحى؟ فلم أجد أحدًا من الناس يخبرني أن النبي صلى الله عليه وسلم سبحها، غير أم هانئ بنت أبي طالب،

ثم ذكر الحديث بنحوه.

أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (3/ 57/ 1801)، قال: حدثنا عمرو بن إسحاق: ثنا أبي: ثنا عمرو بن عثمان، عن عبد الله بن سالم به.

وعبد الله بن سالم الأشعري الحمصي: ليس به بأس؛ إلا أن الإسناد إليه: إسناد حمصي لا يثبت مثله، تقدم الكلام عليه غير مرة [راجع الكلام على رجال هذا الإسناد فيما تقدم في فضل الرحيم الودود (3/ 101/ 226) و (7/ 287/ 653) و (10/ 178/ 936) والحديث رقم (1163)].

* خالفهم في إسناده فأسقط من إسناده رجلًا:

أ - الليث بن سعد، فرواه عن ابن شهاب، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل [وفي بعض الروايات: عبد الله بن عبد الله]؛ أنه قال: سألت فلم أجد أحدًا يخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبح في سفر؛ حتى أخبرتني أم هانئ بنت أبي طالب؛ أنه قدم عام الفتح، فأمر بستر فستر عليه فاغتسل، ثم سبح ثماني ركعات.

أخرجه النسائي في الكبرى (1/ 267/ 486 - ط. الرسالة)(2/ 270/ 568 - ط. التأصيل)، وابن ماجه (614)(589 - ط. التأصيل)، والطبراني في الكبير (24/ 422/ 1026)، [التحفة (12/ 8/ 18003) و (12/ 10/ 18006)، المسند المصنف (40/ 619/ 19474)].

قال قتيبة بن سعيد [عند النسائي]: "عبد الله بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وقال محمد بن رمح المصري [عند ابن ماجه]: "عبد الله بن عبد الله بن نوفل"، وقال شعيب بن يحيى، وعبد الله بن صالح، وأحمد بن يونس [عند الطبراني]: "عبد الله بن الحارث بن نوفل"، وهو أقرب للصواب.

ب - ورواه معمر بن راشد، قال: حدثني ابن شهاب، عن عبد الله بن الحارث، عن أم هانئ - وكان نازلًا عليها -؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح سُتر عليه، فاغتسل في الضحى، فصلى ثمان ركعات، لا يُدرى أقيامها أطول أم سجودها؟

أخرجه أحمد (6/ 341)(12/ 6498/ 27530 - ط. المكنز)، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر به. [المسند المصنف (40/ 618/ 19474)].

فدلت رواية أحمد هذه، وهو قديم السماع من عبد الرزاق، سمع منه قبل أن يفقد

ص: 337

بصره، دلت روايته على الوهم الذي وقع في مصنف عبد الرزاق (3/ 76/ 4859)(3/ 48 / 4910 - ط. التأصيل).

حيث رواه عن معمر، عن الزهري، عن أم هانئ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ثمان ركعات في الضحى، قيامهن وركوعهن وسجودهن قريب من السواء.

وهذه الرواية وهم؛ فإن إسحاق بن إبراهيم الدبري؛ راوي مصنف عبد الرزاق: صدوق؛ إلا أن سماعه من عبد الرزاق متأخر جدًّا، وقد سمع منه بعد ما عمي، وروى عن عبد الرزاق أحاديث منكرة، وكان يصحف، ويحرف [شرح العلل لابن رجب (2/ 754)، اللسان (2/ 36)].

ج - ورواه ابن جريج، قال: حدثنا ابن شهاب، عن عبد الله بن الحارث، عن أم هانئ - وكان نازلًا عليها -؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم سُتر عليه فاغتسل في الضحى، فصلى ثمان ركعات، لا يُدرى أقيامها أطول، أم ركوعها، أم سجودها؟.

أخرجه عبد الرزاق (3/ 76/ 4858)(3/ 47/ 4909 - ط. التأصيل)، وإسحاق بن راهويه (5/ 26 / 2126)، والطبراني في الكبير (24/ 422/ 1025)، [المسند المصنف (40/ 618 / 19474)].

قال ابن عبد البر في التمهيد (8/ 138): "قول ابن شهاب في هذا الحديث: عن أبيه؛ هو الصواب".

قلت: من زاد وحفظ حجة على من لم يحفظ، والزيادة من الثقة مقبولة، لاسيما وفيهم: محمد بن الوليد بن عامر الزبيدي الحمصي، وهو: ثقة ثبت، من أثبت الناس في الزهري، صحبه عشر سنين، قدمه الأوزاعي على أصحاب الزهري، وقدمه أبو حاتم في الزهري على معمر [التهذيب (3/ 723)، شرح علل الترمذي (2/ 671)]، قال الجوزجاني:"فإذا صحت الرواية عن الزبيدي؛ فهو من أثبت الناس فيه"[شرح علل الترمذي (2/ 674)]، وقد ثبتت عنه، ولله الحمد [وانظر: علل الدارقطني (15/ 364/ 4068)، وفيه سقط ظاهر، وخلل بين في سياق الاختلاف على الزهري، وذلك تبعًا للمخطوط (5/ 212 - 213)، لكني وجدت أن مصنفي المسند المصنف المعلل (40/ 619) قد نقلوا عن علل الدارقطني نصًا هو أقرب إلى الصواب مما في المخطوط والمطبوع، وفيه: "يرويه الزهري، واختلف عنه؛ فرواه ابن جريج، عن الزهري، عن عبد الله بن الحارث، عن أم هانئ.

ورواه الزبيدي، وعبد الرحمن بن نمر، والجراح بن المنهال، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن أبيه، عن أم هانئ، وهذا أشبه بالصواب"].

قلت: رواية الزبيدي ويونس ومن تابعهما هي الصواب، بزيادة رجل في الإسناد، وهو: عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل، وهو وأبوه: ثقتان [انظر: تاريخ ابن معين للدوري (3/ 122/ 509)، التاريخ الكبير (5/ 126)، الجرح والتعديل (5/ 91)، الثقات (5/ 29 و 70)، وغيرها]، وقد أخرجها مسلم وصححها هو وأبو عوانة وابن خزيمة وابن حبان؛ فهو حديث صحيح ثابت، والله أعلم.

ص: 338

* قلت: ويقويه ما رواه آدم بن أبي إياس [ثقة]: ثنا أبو شيبة شعيب بن رزيق، عن عطاء الخراساني، عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن أبيه، قال: حرصت أن أجد أحدًا يخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الضحى، فلم أجد أحدًا يخبرني غير أم هانئ بنت أبي طالب، فإنها أخبرتني قالت: أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما ارتفع النهار يوم الفتح، فتح مكة، فأمر بثوب، فستر عليه، فاغتسل، ثم قام فصلى ثمان ركعات، لا أدري أقيامه فيها أطول أم ركوعه أم سجوده، كل ذلك فيهن متقارب، فلم أره صلى قبلها ولا بعدها.

أخرجه الطبراني في الأوسط (7/ 5/ 6684).

قال الطبراني "لم يرو هذا الحديث عن عطاء الخراساني إلا شعيب بن رزيق، تفرد به: آدم".

وهذا إسناد لا بأس به في المتابعات؛ عطاء بن أبي مسلم الخراساني نزيل الشام: صدوق، يهم كثيرًا، تكلم في حفظه، والجمهور على توثيقه [الميزان (3/ 74)، المغني (2/ 59)، التهذيب (3/ 108)].

وشعيب بن رزيق أبو شيبة الشامي: صدوق، سمع عطاء الخراساني، قال دحيم:"لا بأس به"، ووثقه الدارقطني، وضعفه مرة، وقال ابن حبان:"يعتبر حديثه من غير روايته عن عطاء الخراساني"، لكن قال البخاري في حديث يرويه عن عطاء:"شعيب بن رزيق: مقارب الحديث، ولكن الشأن في عطاء الخراساني"[التاريخ الكبير (4/ 217)، ترتيب علل الترمذي (495)، الجرح والتعديل (4/ 346)، الثقات (8/ 308)، سؤالات البرقاني (217)، علل الدارقطني (7/ 118/ 1244)، تاريخ دمشق (23/ 102)، تاريخ الإسلام (11/ 177)، التهذيب (2/ 173)].

• وانظر له طرقًا أخرى عن عبد الله بن الحارث، وفي الإسناد من يضعَّف، مثل: يزيد بن أبي زياد الكوفي، أو عبد الكريم بن أبي المخارق، أو إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع، أو غيرهم، أو فيه من يُجهل حاله، أو في إسناده انقطاع، أو في إسناده غرابة، وفي بعضها قصة ابن عباس في صلاة الإشراق:

أخرجها البخاري في التاريخ الكبير (1/ 418)، وابن ماجه (1379)، وأحمد (6/ 342)(12/ 6501/ 27543 - ط. المكنز) و (6/ 425)(12/ 6668/ 28034 - ط. المكنز)، والحميدي (332 و 333)، وإسحاق بن راهويه (5/ 19/ 2116)، والطبراني في الكبير (24/ 423 - 426/ 1029 - 1037)، وفي الأوسط (7/ 5/ 6684)، وفي مسند الشاميين (4/ 376/ 3595)، والبيهقي في السنن (3/ 48)، وفي المعرفة (2/ 333 / 1421)، وعلقه ابن عبد البر في التمهيد (8/ 137)، وانظر: أطراف الغرائب والأفراد (2/ 417/ 5978 و 5979)، علل الدارقطني (15/ 684/ 4036)، [التحفة (12/ 8/ 18003)، الإتحاف (18/ 9/ 23294)، المسند المصنف (40/ 616/ 19474)].

ص: 339

5 -

وروي من وجه آخر عن عبد الله بن الحارث:

رواه سعيد بن أبي عروبة، واختلف عليه فيه:

أ - فرواه عمرو بن أبي سلمة [التنيسي الدمشقي: صدوق؛ إذا روى عن غير زهير بن محمد التميمي]، قال: ثنا صدقة [هو: صدقة بن عبد الله السمين: ضعيف، له أحاديث مناكير لا يتابع عليها]، قال: ثني سعيد بن أبي عروبة، عن أبي المتوكل، عن أيوب بن صفوان، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل، أن ابن عباس كان لا يصلي الضحى، قال: فأدخلته على أم هانئ، فقلت: أخبري هذا بما أخبرتني به، فقالت أم هانئ: دخل عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح في بيتي، فأمر بماء فصُبَّ في قصعة، ثم أمر بثوب فأُخِذ بيني وبينه، فاغتسل، ثم رش ناحية البيت، فصلى ثمان ركعات، وذلك من الضحى، قيامهن وركوعهن وسجودهن وجلوسهن سواء، قريب بعضهن من بعض، فخرج ابن عباس، وهو يقول: لقد قرأت ما بين اللوحين، ما عرفت صلاة الضحى إلا الآن {يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ} ، وكنت أقول: أين صلاة الإشراق؟ ثم قال بعدهن: صلاة الاشراق.

أخرجه ابن جرير في التفسير (20/ 44).

ب - ورواه سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي [ابن بنت شرحبيل: صدوق، له مناكير]: ثنا شعيب بن إسحاق [ثقة، سمع من ابن أبي عروبة في الصحة والاختلاط. راجع فضل الرحيم الودود (10/ 456/ 996)]: ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن أبي أيوب، عن أبي صفوان، عن عبد الله بن الحارث، عن أم هانئ، قالت: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح بيتي، فأمر بماء فصب في قصعة، ثم أمر بثوب فستر، ثم اغتسل، ثم رش ناحية البيت، ثم صلى ثمان ركعات قيامهن، وركوعهن، وسجودهن، وجلوسهن سواء، قريب بعضه من بعض.

أخرجه الطبراني في الكبير (24/ 425/ 1033).

ج - ورواه يحيى بن أبي طالب [جعفر بن عبد الله بن الزبرقان: وثقه الدارقطني وغيره، وتكلم فيه جماعة، مثل: أبي داود؛ فقد خطَّ على حديثه، وموسى بن هارون؛ فقد كذبه، وأبي أحمد الحاكم؛ حيث قال: "ليس بالمتين". انظر: اللسان (8/ 423 و 452)، الجرح والتعديل (9/ 134)، الثقات (9/ 270)، سؤالات الحاكم (239)، تاريخ بغداد (14/ 225)، السير (12/ 619)]: ثنا عبد الوهاب بن عطاء [الخفاف: صدوق، كان عالمًا بسعيد بن أبي عروبة؛ إلا أنه سمع منه قبل الاختلاط وبعده، فلم يميز بين هذا وهذا]: أنبا سعيد بن أبي عروبة، عن أيوب بن صفوان، عن عبد الله بن الحارث؛ أن ابن عباس كان لا يصلي الضحى حتى أدخلناه على أم هانئ، فقلت لها: أخبري ابن عباس بما أخبرتينا به، فقالت أم هانئ: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي فصلى صلاة الضحى ثمان ركعات.

فخرج ابن عباس، وهو يقول: لقد قرأت ما بين اللوحين فما عرفت صلاة الإشراق إلا الساعة، {يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ} ، ثم قال ابن عباس: هذه صلاة الإشراق.

ص: 340

أخرجه الحاكم (4/ 53)(8/ 429/ 7047 - ط. الميمان).

د - ورواه عبد الأعلى بن عبد الأعلى [ثقة، سمع من ابن أبي عروبة قبل اختلاطه، وهو من أروى الناس عنه، روى له الشيخان من روايته عن ابن أبي عروبة]، قال: ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن متوكل، عن أيوب بن صفوان مولى عبد الله بن الحارث، عن عبد الله بن الحارث؛ أن أم هانئ ابنة أبي طالب حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح دخل عليها،

ثم ذكر نحوه، وعن ابن عباس في قوله:{يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ} مثل ذلك.

أخرجه ابن جرير في التفسير (20/ 44)، وعلقه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 418).

وانظر أيضًا: التاريخ الكبير (1/ 418).

وهذا الوجه الأخير أشبه بالصواب، حيث رواه ابن أبي عروبة قبل اختلاطه.

وهذا إسناد ضعيف؛ فإن أيوب بن صفوان مولى عبد الله بن الحارث: إنما يُعرف بهذا الحديث، ولا له كثير رواية، فهو في عداد المجاهيل [التاريخ الكبير (1/ 418)، الجرح والتعديل (2/ 250)، الثقات (6/ 55)، الثقات لابن قطلوبغا (2/ 481)].

ومتوكل: لا يُدرى من هو؟ وليس هو أبا المتوكل الناجي علي بن داود صاحب أبي سعيد الخدري؛ فإن ابن أبي عروبة يروي عنه بواسطة سليمان الناجي.

وعلى هذا فإذا ضممنا هذا البحث إلى البحثين السابقين: فإنه لا يصح في صلاة الإشراق شيء، والله أعلم.

6 -

ورواه وهيب بن خالد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن أبي مرة مولى عقيل، عن أم هانئ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتها عام الفتح ثماني ركعات، في ثوب واحد، قد خالف بين طرفيه.

أخرجه مسلم (336/ 83 - صلاة المسافرين). [تقدم تحت الحديث رقم (636)، راجع فضل الرحيم الودود (7/ 214/ 636)].

7 -

ورواه ابن أبي ذئب [ثقة، من أثبت الناس في سعيد المقبري]، ومحمد بن عجلان [ثقة؛ إلا أنه اختلطت عليه أحاديث المقبري عن أبي هريرة، وهو هنا لم يسلك الجادة، مما يدل على أنه حفظه وضبطه]، وأبو معشر نجيح بن عبد الرحمن السندي [ضعيف]:

عن سعيد المقبري، عن أبي مرة مولى عقيل بن أبي طالب، عن فاختة قالت: أجرنا رجلين من المشركين حموين لي، فتفلَّت عليهما ابنُ أَبي ليقتلهما، فقلت: لا تقتلهما حتى تبدأ بي، فخرج، فقلت: أغلقوا دونه الباب، فانطلقتُ حتى أتيتُ خباء رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجده، ووجدت فاطمة فقلت: ألم ترَيْ ما لقيتُ من ابنِ أبي؟، فعل بي كذا وكذا، فكانت أشدَّ عليَّ من زوجها، فقالت: تجيرين المشركين، وطلع عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وهجُ الغبار، فقال:"مرحبا بفاختة"، فقلت: يا رسول الله! ألم تر ما لقيتُ من ابنِ أَبي؟، أجرتُ

ص: 341

حموين لي من المشركين، فأراد أن يقتلهما، فقال:"ليس له ذلك، قد أجرنا من أجرتِ، وأمَّنَّا مَن أمَّنْتِ"، ثم قال:"يا فاطمة! اسكبي لي غَسلًا"، فسكبت له، فاغتسل، ثم صلى ثمانِ ركَعاتٍ، في ثوب واحد قد خالف بين طرفيه. لفظ ابن أبي ذئب.

أخرجه الترمذي (1579)، في أمان المرأة، وقال:"حسن صحيح"، وهو كما قال. والنسائي في الكبرى (8/ 57/ 8631)، واللفظ له. [تقدم تحت الحديث رقم (636)، راجع فضل الرحيم الودود (7/ 214/ 636)].

8 -

ورواه محمد بن عمرو، والضحاك بن عثمان:

عن إبراهيم بن عبد الله بن حُنين، عن أبي مُرَّة مولى عقيل بن أبي طالب، عن أم هانئ ابنة أبي طالب، قالت: أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوُضِع له ماءٌ فاغتسل، ثم التحف وخالف بين طرفيه على عاتقيه، ثم صلى الضحى ثماني ركعات.

وفي رواية: رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عامَ الفتح، فقلت: يا رسول الله! إني أجرتُ حموي، فزعم ابنُ أمي - تعني: عليًا - أنه قاتله، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد أجرنا من أجرتِ يا أم هانئ"، قالت: وصبَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ماءً فاغتسل، ثم التحف بثوب عليه، وخالف بين طرفيه، فصلى الضحى ثمان ركعات.

أخرجه ابن حبان (6/ 278/ 2537)، وهو حديث صحيح [تقدم تحت الحديث رقم (636)، راجع فضل الرحيم الودود (7/ 215/ 636)].

9 -

ورواه محمد بن سابق [ليس به بأس، وليس بحافظ، ولا ممن يوصف بالضبط]، وعبد الخالق بن إبراهيم بن طهمان [مجهول، تفرد بالرواية عنه: عبد الله بن الجراح القُهُستاني، وهو: صدوق، قال أبو حاتم: "كان كثير الخطأ، ومحله الصدق"، وروى عنه. الجرح والتعديل (5/ 27) و (6/ 37)، الثقات (8/ 422)، الثقات لابن قطلوبغا (6/ 208)، التهذيب (2/ 312)][وانظر: علل الدارقطني (13/ 421/ 3317)]:

عن إبراهيم بن طهمان [ثقة، يغرب]، عن أبي الزبير، عن عكرمة بن خالد، عن أم هانئ ابنة أبي طالب؛ أنها قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتح - فتح مكة - فنزل بأعلى مكة، فصلى ثماني ركعات، فقلت: يا رسول الله! ما هذه الصلاة؛ قال: "صلاة الضحى".

أخرجه الطبراني في الأوسط (2/ 226/ 1816)، وأبو الشيخ فيما رواه أبو الزبير عن غير جابر (49)، والدارقطني في الأفراد (2/ 418/ 5982 - أطرافه)، وابن شاهين في الناسخ (254)، وتمام في الفوائد (702)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 295)، وابن عبد البر في التمهيد (8/ 136).

وهذا حديث غريب، لا يثبت مثله، وعكرمة بن خالد بن العاص المخزومي: لم يدرك أم هانئ؛ فإن بين وفاتيهما ما يقرب من ستين سنة أو يزيد [التهذيب (4/ 752)، التقريب (1056)، مشاهير علماء الأمصار (594)، الثقات (5/ 231)، التهذيب (3/ 131)].

10 -

ورواه معمر بن راشد [ثقة ثبت، أثبت الناس في ابن طاووس]، عن عبد الله بن

ص: 342

طاووس، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب، عن أم هانئ، قالت: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح بأعلى مكة، فأتيته، فجاء أبو ذر بجفنة فيها ماء، قالت: إني لأرى فيها أثر العجين، قالت: فستره - يعني: أبا ذر -، فاغتسل، ثم صلى النبي صلى الله عليه وسلم ثمان ركعات، وذلك في الضحى.

أخرجه عبد الرزاق (3/ 76/ 4860)، ومن طريقه: ابن خزيمة (1/ 119/ 237)، وابن حبان (3/ 462/ 1189)، وأحمد (6/ 341)(12/ 6498/ 27528 - ط. المكنز)، والفاكهي في أخبار مكة (3/ 274/ 2107)، والطبراني في الكبير (24/ 426/ 1038)، والبيهقي (1/ 8)، [الإتحاف (18/ 10/ 23295)، المسند المصنف (40/ 623/ 19478)].

قال ابن حبان: "يشبه أن يكون المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث اغتسل يوم الفتح، سترته فاطمة ابنته وأبو ذر جميعًا بثوب، فأدى أبو مرة مولى أم هانئ الخبر بذكر فاطمة وحدها، وأدى المطلب بن حنطب الخبر بذكر أبي ذر وحده، حتى لا يكون بين الخبرين تضاد، ولا تهاتر؛ لأن الاغتسال منه صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم كان مرة واحدة، فلما أراد أبو ذر أن يغتسل ستره النبي صلى الله عليه وسلم دون فاطمة".

قلت: ثبت العرش ثم انقش؛ أما كون فاطمة رضي الله عنها سترته فثابت صحيح، وأما كون أبي ذر ستره فلا يثبت، وذكره شاذ في هذا الحديث، فإن المطلب بن عبد الله بن حنطب لم يسمع من أم هانئ؛ فهو منقطع.

قال الترمذي: "قال محمد؛ [يعني: البخاري]: ولا أعرف للمطلب بن عبد الله: سماعًا من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، إلا قوله: حدثني من شهد خطبة النبي صلى الله عليه وسلم.

قال: وسمعت عبد الله بن عبد الرحمن؛ [يعني: الدارمي] يقول: لا نعرف للمطلب سماعًا من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ".

وقال أبو حاتم: "عامة حديثه مراسيل؛ غير أني رأيت حديثًا يقول: حدثني خالي أبو سلمة!، وقال أيضًا: "عامة حديثه مراسيل، لم يدرك أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ إلا سهل بن سعد، وأنسًا، وسلمة بن الأكوع، ومن كان قريبًا منهم" [جامع الترمذي (2916)، المراسيل (780 و 785)، الجرح والتعديل (8/ 359)، جامع التحصيل (281)، تحفة التحصيل (307)، راجع ما تقدم من السنن برقم (461)، والشاهد السادس من الخلاف تحت الحديث رقم (1000)].

* وهم في إسناده، وسلك فيه الجادة والطريق السهل:

عثمان بن اليمان [الحداني: ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: ربما أخطأ"، وقال أبو زرعة: "شيخ في حديثه مناكير". سؤالات البرذعي (2/ 527)، الثقات (8/ 450)، التهذيب (3/ 82)]، عن زمعة بن صالح [ضعيف]، عن عبد الله بن طاووس، عن أبيه، عن أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها، قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها بيتها يوم الفتح فصلى الضحى ثماني ركعات.

ص: 343

وفي رواية أبي محمد، عن ابن أبي مسرة: حدثنا عثمان بن اليمان، عن زمعة بن صالح، قال: ذكر عبد الله بن طاووس؛ أن أباه كان يذكر، عن أم هانئ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الضحى يوم الفتح ثماني ركعات.

أخرجه الفاكهي في أخبار مكة (3/ 272/ 2106)، وابنه أبو محمد الفاكهي في فوائده عن ابن أبي مسرة (39)، كلاهما عن ابن أبي مسرة به.

* ووهم فيه أيضًا فجعله من مسند عائشة:

عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى الطائفي [ليس بذاك القوي. راجع ترجمته عند الحديث رقم (1152)]، قال: حدثني المطلب بن عبد الله بن حنطب، عن عائشة، قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتي، فصلى الضحى ثمان ركعات.

أخرجه ابن حبان (6/ 272/ 2531)، [الإتحاف (17/ 570/ 22811)، المسند المصنف (37/ 241/ 17869)].

11 -

ورواه ابن جريج، وعبد الملك بن أبي سليمان العرزمي:

قال ابن جريج: أخبرنا عطاء، عن أم هانئ بنت أبي طالب؛ أنها دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وهو في قبة له، فوجدته قد اغتسل بماء كان في صحفة إني لأرى فيها أثر العجين، ورأيته يصلي الضحى.

تقدم تخريجه في طرق الحديث السابق.

وفي سنده انقطاع؛ عطاء بن أبي رباح: لم يسمع من أم هانئ [تحفة التحصيل (228)]، وقد اشتملت روايات العرزمي على زيادات شاذة غير محفوظة.

12 -

ورواه وكيع بن الجراح، وعبد الله بن نمير، ويعلى بن عبيد، ومروان بن معاوية الفزاري [وهم ثقات]:

عن إسماعيل بن أبي خالد [ثقة ثبت]، عن أبي صالح مولى أم هانئ، عن أم هانئ، قالت: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتي يوم فتح مكة، فوضعتُ له ماءً فاغتسل، ثم صلى ثمان ركعات صلاة الضحى، لم يصلِّهنَّ قبل يومه ولا بعده.

وفي رواية يعلى [عند أحمد]: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، حجبوه، وأُتي بماء فاغتسل، ثم صلى الضحى ثمان ركعات، ما رآه أحدٌ بعدها صلاها.

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 174/ 7806)، وأحمد (6/ 342)(12/ 6500/ 27540 - ط. المكنز)، وإسحاق بن راهويه (5/ 19/ 2115)، والطبراني في الكبير (24/ 412/ 1003) و (24/ 413/ 1004)، وابن عدي في الكامل (2/ 70)، [الإتحاف (18/ 9/ 23294)، المسند المصنف (40/ 622/ 19476)].

• ورواه عمران بن سليمان [كوفي ثقة. تاريخ ابن معين للدوري (4/ 68/ 3184)، التاريخ الكبير (6/ 426)، الجرح والتعديل (6/ 299)، الثقات (7/ 241)، تاريخ أسماء الثقات (1077)، اللسان (6/ 173)، الثقات لابن قطلوبغا (7/ 383)]، عن أبي صالح

ص: 344

باذان، عن أم هانئ ابنة أبي طالب، قالت: لما كان يوم الفتح جعلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ستارة، فأفاض عليه الماء ثم صلى الضحى ثمان ركعات، فما رأيته قبل ولا بعد يصليها.

أخرجه ابن المقرئ في المعجم (1344).

وهذا إسناد صالح المتابعات؛ أبو صالح مولى أم هانئ باذام: ضعيف، ويكتب حديثه في الشواهد والمتابعات، والله أعلم.

13 -

ورواه زهير بن معاوية [ثقة ثبت]، ويحيى بن سليمان [هو: يحيى بن سليم الطائفي، ويقال له أحيانًا: يحيى بن سليمان، وهو: صدوق، سيئ الحفظ، له أحاديث غلِط فيها؛ إلا أنه كان قد أتقن حديث ابن خثيم. انظر: التهذيب (4/ 362)، تاريخ الدوري (3/ 68 و 110/ 262 و 457)، العلل ومعرفة الرجال (2/ 480/ 3150)]:

عن عبد الله بن عثمان بن خثيم [مكي، صدوق]، قال: حدثني يوسف بن ماهك [تابعي، ثقة، سمع أم هانئ]، أنه دخل على أم هانئ بنت أبي طالب، فسألها عن مدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الفتح، فسألها: هل صلى عندك النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: دخل في الضحى فسكبتُ له في صحفة لنا ماءً إني لأرى فيها وضر العجين، قال يوسف: ما أدري أي ذلك أخبرتني، أتوضأ أم اغتسل، ثم ركع في هذا المسجد مسجد في بيتها أربع ركعات.

قال يوسف: فقمت فتوضأت من قربة لها، وصليت في ذاك المسجد أربع ركعات.

أخرجه أحمد (6/ 424)(12/ 6667/ 28029 - ط. المكنز)، والطبراني في الكبير (24/ 428 و 429/ 1046 و 1047)، [الإتحاف (18/ 10/ 23295)، المسند المصنف (40/ 624/ 19479)].

وهذا الحديث قد وهم فيه ابن خثيم في قوله: أربع ركعات، والمحفوظ عن أم هانئ من طرق كثيرة عنها: ثمان ركعات، وابن خثيم: لم يكن بالحافظ، بل كان سيئ الحفظ، فإنه وإن وثقه ابن معين والنسائي في رواية عنهما، فقد ليَّناه في أخرى، فقال ابن معين - في رواية الدورقي عنه -:"أحاديثه ليست بالقوية"، وقال النسائي في السنن (5/ 248 / 2993) في الخطبة قبل يوم التروية: "ابن خثيم: ليس بالقوي في الحديث،

، ويحيى بن سعيد القطان لم يترك حديث ابن خثيم ولا عبد الرحمن، إلا أن علي بن المديني قال: ابن خثيم منكر الحديث، وكأنَّ علي بن المديني خُلِق للحديث"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: "كان يخطئ"، وقال أبو حاتم: "ما به بأس، صالح الحديث"، وقد فضَّل الإمامُ أحمدُ ابنَ جريج وإسماعيلَ بن أمية ونافعَ بن عمر على ابن خثيم، في سؤالات متفرقة، والبخاري إنما أخرج له تعليقًا في المتابعات، ولم يخرج له مسلم إلا في الشواهد من رواية يحيى بن سليم الطائفي عنه؛ فلم يحتج به الشيخان! [التهذيب [2/ 383)، سؤالات المروذي (169)، العلل ومعرفة الرجال (2/ 48/ 1512)، المعرفة والتاريخ (2/ 174)، الكامل (4/ 161)، راجع ترجمته مفصلة في فضل الرحيم الودود (8/ 535/ 788)].

ص: 345

14 -

ورواه حماد بن سلمة [وعنه: موسى بن إسماعيل، وحجاج بن منهال]، وحميد الطويل [وعنه: معتمر بن سليمان، وخالد بن عبد الله الواسطي، وإبراهيم بن عبد الحميد بن ذي حماية، وهو: حمصي، ليس به بأس، تقدم الكلام عليه تحت الحديث رقم (396)، لكن في الإسناد إليه: مجاهيل، فلا يثبت عنه]:

عن محمد بن قيس [وفي رواية حماد: قاص أو قاضي عمر بن عبد العزيز، وكان شيخًا كبيرًا]، عن أم هانئ؛ أنها قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الضحى في بيتي يوم الفتح ثمان ركعات. ووقع في رواية حميد: ست ركعات، وهي وهم.

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 212)، وبحشل في تاريخ واسط (74)، والطبراني في الكبير (24/ 435/ 1063 و 1064)، وفي الأوسط (3/ 138/ 2727) و (4/ 352/ 4410)، وفي مسند الشاميين (3/ 2469/362).

وهذا إسناد رجاله ثقات؛ وهو مرسل؛ إن كان محمد بن قيس هذا هو: المدني قاص أو قاضي عمر بن عبد العزيز، وهو: ثقة، وروايته عن الصحابة مرسلة [تاريخ دمشق (55/ 108)، التهذيب (3/ 681)].

وقيل: هو غيره، فقد ذهب أبو حاتم إلى التفريق بين قاص عمر، وبين راوي هذا الحديث، فقال أبو حاتم: "محمد بن قيس قاص عمر بن عبد العزيز: مديني، روى عن أبي هريرة مرسل، وعن جابر مرسل،

"، وقال في راوي هذا الحديث: "محمد بن قيس: روى عن جابر بن عبد الله وأم هانئ، روى عنه: حميد الطويل وحماد بن سلمة"، ويؤيد ذلك أن ابن معين لما سئل: "مَن محمد بن قيس الذي يروي عنه حميد؟ قال: أظنه مكيًا"، وقاص عمر بن عبد العزيز: مدني، وقال عباس الدوري: "سمعت يحيى يقول: حدث حميد الطويل عن محمد بن قيس، قال يحيى: ومحمد بن قيس هذا: مجهول"، ومع كونه مجهولًا، غير معروف بالطلب، مع قلة ما يروي، فقد وثقه ابن المديني، قال ابن المديني: "محمد بن قيس: مكي، روى عن جابر؛ ثقة، ما أعلم أحدًا روى عنه غير حميد، وروى عن أم هانئ أيضًا" [تاريخ ابن معين للدوري (3/ 103/ 423) و (4/ 324/ 4607)، الجرح والتعديل (8/ 63 و 64)، تاريخ دمشق (55/ 108)، الميزان (4/ 17)، إكمال مغلطاي (10/ 319)، التهذيب (3/ 681)].

وخالفهم: بحشل، فأبعد النجعة، وقال:"هذا محمد بن قيس، أخو سليمان بن قيس اليشكري"، ولم يدلل على صحة قوله بشيء، وتبعه على ذلك المزي والذهبي وابن حجر.

قلت: حديثه الذي رواه عن أم هانئ: حديث صحيح مع انقطاعه، لكونه تابع الثقات فيما رووه عن أم هانئ، دون رواية حميد التي قال فيها: ست ركعات، فهي منكرة مردودة.

وأما حديث جابر، فسيأتي ذكره في شواهد الحديث الآتي، وهو حديث منكر، لمخالفته أصحاب جابر في حديث قصة جمله المشهورة، ومجئيه فيها بما لم يتابع عليه، والله أعلم.

ص: 346

وقد وقع خلط كثير في ترجمة من يقال له: محمد بن قيس، انظر مثلًا: العلل ومعرفة الرجال (2/ 504 - 506/ 3325 - 3333)، التاريخ الكبير (1/ 212)، الجرح والتعديل (8/ 63 و 64)، المعرفة والتاريخ (3/ 96)، الثقات (7/ 392 و 393).

15 -

ورواه أمية بن بسطام [ثقة، وهو: ابن عم يزيد بن زريع، روى له الشيخان عن يزيد بن زريع]، قال: نا يزيد بن زريع [ثقة ثبت]، عن روح بن القاسم [ثقة حافظ]، عن محمد بن المنكدر [تابعي ثقة، من الثالثة]؛ أن أم هانئ حدثت؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الفتح، فصلى الضحى أربع ركعات.

أخرجه الطبراني في الكبير (24/ 432/ 1057)، وفي الأوسط (1/ 221/ 727).

وهذا حديث غير محفوظ بذكر الأربع ركعات، والمحفوظ عن أم هانئ: ثمان ركعات، كما رواه عنها ثقات أصحابها.

ومحمد بن المنكدر: لم يدرك أم هانئ؛ فإن بين وفاتيهما ما يزيد على سبعين سنة، وكانت وفاته سنة (130)، وقد ذكر ابن المديني عن ابن عيينة أنه بلغ نيفًا وسبعين سنة، قال ابن حجر:"فيكون مولده على هذا قبل سنة ستين بيسير"، وأم هانئ توفيت قبل سنة ستين [التهذيب (4/ 702)، التقريب (1056)، التهذيب (3/ 710)]، والله أعلم.

* وللحديث أسانيد أخرى عن أم هانئ لا تخلو من مقال، أو اشتملت على ألفاظ منكرة، مثل قوله:"ثم ركع في هذا المسجد - لمسجد في بيتها - أربع ركعات"، وكل من قال فيه: أربع ركعات أو ست؛ فهو واهم:

أخرجها ابن سعد في الطبقات (2/ 144)، والطبراني في الكبير (24/ 1023/421) و (24/ 428 - 429/ 1046 و 1547) و (24/ 430/ 1051 - 1054) و (24/ 431/ 1055) و (24/ 432/ 1057) و (24/ 438/ 1070)، والدارقطني في الأفراد (2/ 418/ 5982 - أطرافه)، والحاكم في المستدرك (4/ 53)(8/ 428/ 7044 - ط. الميمان)، والبيهقي (1/ 8)، [وانظر: علل الدارقطني (15/ 366/ 4070)، وفيه سقط ظاهر، وخلل بين في سياق الاختلاف على مجاهد] [وانظر: فضل الرحيم الودود (1/ 329/ 77)، في أحد طرق حديث مجاهد عن أم هانئ].

* قال ابن حجر في الفتح (3/ 53): "قوله: دخل بيتها يوم فتح مكة فاغتسل وصلى، ظاهره أن الاغتسال وقع في بيتها، ووقع في الموطأ ومسلم من طريق أبي مرة عن أم هانئ أنها ذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بأعلى مكة فوجدته يغتسل، وجمع بينهما بأن ذلك تكرر منه، ويؤيده ما رواه ابن خزيمة من طريق مجاهد عن أم هانئ وفيه: أن أبا ذر ستره لما اغتسل، وفي رواية أبي مرة عنها أن فاطمة بنته هي التي سترته، ويحتمل أن يكون نزل في بيتها بأعلى مكة، وكانت هي في بيت آخر بمكة، فجاءت إليه فوجدته يغتسل، فيصح القولان، وأما الستر فيحتمل أن يكون أحدهما ستره في ابتداء الغسل، والآخر في أثنائه، والله أعلم".

ص: 347

قلت: قد سبق بيان عدم ثبوت ذلك لأبي ذر، والله أعلم.

***

1292 -

. . . يزيد بن زريع: حدثنا الجريري، عن عبد الله بن شقيق، قال: سألتُ عائشة: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ فقالت: لا، إلا أن يجيء من مَغِيبه، قلت: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقرِنُ بين السُّوَر؟ قالت: من المفصَّل.

* حديث صحيح

أخرجه مسلم (717/ 76)، [تقدم برقم (956)، راجع فضل الرحيم الودود (10/ 296/ 956)].

* وقد روي من حديث ابن عمر، ولا يثبت:

رواه سالم بن نوح العطار، قال: حدثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصلي الضحى؛ إلا أن يقدَمَ من غَيبةٍ.

أخرجه ابن خزيمة (2/ 231/ 1229)، وابن حبان (6/ 269/ 2528)، [الإتحاف (9/ 213/ 10920)، المسند المصنف (14/ 337/ 6961)].

وهذا حديث منكر بهذا الإسناد، إنما هو حديث سعيد بن إياس الجريري، عن عبد الله بن شقيق، عن عائشة، وقد اشتهر عن الجريري، ورواه عنه الجمع الغفير من الثقات [راجع فضل الرحيم الودود (10/ 296/ 956)]، وسالم بن نوح ممن رواه أيضًا عن الجريري، ولعله دخل له حديث في حديث فرواه عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر، ولم يتابعه عليه أحد من أصحاب عبيد الله على كثرتهم، وسالم بن نوح العطار: ليس به بأس، لكن له غرائب وأفراد لينوه بسببها [انظر: التهذيب (1/ 680)، الميزان (2/ 113)]، وهذا منها [وانظر في مناكيره أيضًا: ما تقدم تحت الحديث رقم (607)، الشاهد السادس، وما تحت الحديث رقم (956)].

والمعروف عن ابن عمر في هذا أنه لم ير النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى قط، ولم يكن هو يصليها، بل كان يراها بدعة أحدثت بعد مقتل عثمان [راجع حديث ابن عمر بطرقه تحت الحديث الآتي برقم (1293)].

* وروي أيضًا من حديث أنس:

يرويه عبد الرحمن بن مهدي، وعبد الله بن المبارك، وموسى بن إسماعيل [وهم ثقات أثبات حفاظ]:

عن أبان بن خالد، قال: حدثني عبيد الله بن رواحة، قال: سمعت أنس بن مالك؛ أنه لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى، إلا أن يخرج في سفر، أو يقدم من سفر.

أخرجه أحمد (3/ 132 و 159)، والبخاري في التاريخ الكبير (1/ 454)، وبحشل في

ص: 348

تاريخ واسط (225)، وأبو يعلى (7/ 301/ 4337)، وأبو نعيم في الحلية (9/ 16)، والخطيب في تالي التلخيص (1/ 206 و 207)، والضياء في المختارة (6/ 256 و 257/ 2274 - 2276)، [الإتحاف (2/ 128/ 1374)، المسند المصنف (2/ 59/ 595)].

عبيد الله بن رواحة: روى عنه جماعة من الثقات، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الخطيب في تالي التلخيص:"شيخ ليس بالمشهور"[التاريخ الكبير (5/ 381)، الجرح والتعديل (5/ 314)، بيان خطأ البخاري (316)، الثقات (5/ 75)، تالي التلخيص (1/ 205)، التعجيل (683)، اللسان (5/ 328)، الثقات لابن قطلوبغا (7/ 21)].

وقد فرق ابن أبي حاتم بين هذا وبين عبيد الله بن سفيان بن رواحة أبي سفيان الغداني الصواف، الراوي عن ابن عون، فترجم للأول وسكت عنه، وترجم للثاني وسأل عنه أباه فقال:"هو شيخ ليس بالقوي"، وتبعه على هذا التفريق: ابن حبان، حيث ذكر الغداني في المجروحين، وقال:"كان ممن ينفرد بالمقلوبات عن الأثبات، ويأتي عن الثقات بالمعضلات، كان يحيى بن معين يقول: هذا كذاب"، وقال ابن عدي:"وفي بعض أحاديثه بعض النكرة"، وفرق بينهما أيضًا الخطيب البغدادي، ويؤيد ذلك تباعد ما بينهما في الطبقة، فالأول تابعي سمع أنسًا، والثاني: متأخر يروي عن ابن عون عن ابن سيرين ونافع وغيرهما [تاريخ ابن معين للدوري (2/ 382)، الجرح والتعديل (5/ 318)، المجروحين (2/ 66)، الكامل (4/ 332)، تاريخ بغداد (10/ 312)، تاريخ الإسلام (14/ 252)، اللسان (5/ 329)].

وأبان بن خالد أبو بكر السعدي البصري: قال ابن معين وأبو حاتم: "لا بأس به"، وقال أحمد:"شيخ بصري، لا بأس به، كان عبد الرحمن يحدث عنه، وكان لا يحدث إلا عن ثقة"، قلت: وروى عنه أيضًا ابن المبارك، وهذا مما يرفع من حاله، وذكره ابن حبان في الثقات [سؤالات ابن محرز (1/ 89/ 323)، سؤالات أبي داود (503)، التاريخ الكبير (1/ 454)، الجرح والتعديل (2/ 298)، الثقات (6/ 68)، فتح الباب (876)، التعجيل (1)، اللسان (1/ 221)، الثقات لابن قطلوبغا (2/ 138)].

* قلت: لكن هذا الحديث مع كون إسناده محتملًا، قد أتى بما يخالف ما ثبت عن أنس في صحيح البخاري:

فقد روى شعبة، عن أنس بن سيرين، عن أنس بن مالك، قال: قال رجل من الأنصار: يا رسول الله! إني رجلٌ ضخمٌ - وكان ضخمًا - لا أستطيع أن أصلي معك، وصنع له طعامًا، ودعاه إلى بيته، فصلِّ حتى أراك كيف تصلي، فأقتديَ بك، فنضحوا له طرَف حصيرٍ كان لهم، فقام فصلى ركعتين.

قال فلان بن الجارود لأنس بن مالك: أكان [النبي صلى الله عليه وسلم]، يصلي الضحى؟ قال: لم أره صلى إلا يومئذ.

تقدم برقم (657)[فضل الرحيم الودود (7/ 325/ 657)]. وقد أخرجه البخاري (670 و 1179)، فهذا أصح عن أنس.

ص: 349

* قال ابن حبان: "نفي ابن عمر وعائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الضحى إلا أن يقدم من سفر أو مغيبه، أراد به في المسجد بحضرة الناس دون البيت، وذاك أن من خلق المصطفى صلى الله عليه وسلم كان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد، فركع فيه ركعتين، فكان أكثر قدوم المصطفى صلى الله عليه وسلم المدينة من الأسفار والغزوات كان ضحى من أول النهار، ونهى صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلًا".

* وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها أثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي الضحى أربعًا ويزيد، فيحتمل أنها أرادت وقوع ذلك عند قدومه من سفر، أو أنها حكت ذلك عن غيرها من الصحابة ممن رآه:

فقد روى خالد بن الحارث [وصرح في روايته بسماع قتادة من معاذة عند مسلم والنسائي، وخالد بن الحارث: ثقة ثبت، إليه المنتهى في التثبت بالبصرة، وهو من أثبت الناس في ابن أبي عروبة، قد سمع منه قبل الاختلاط]، وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف، ومحمد بن سواء:

عن سعيد [ابن أبي عروبة]: حدثنا قتادة؛ أن معاذة العدوية حدثتهم، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربعًا، ويزيد ما شاء الله.

أخرجه مسلم (719/ 79)، وأبو عوانة (2/ 10/ 2126)، والنسائي في الكبرى (1/ 265/ 481)، وأحمد (6/ 265)، والبيهقي (3/ 47)، [التحفة (11/ 883/ 17967)، الإتحاف (17/ 788/ 23232)، المسند المصنف (37/ 238/ 17866)].

• ورواه هشام الدستوائي، وهمام بن يحيى، ومعمر بن راشد:

عن قتادة، عن معاذة العدوية، قالت: قلت لعائشة: كم كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ قالت: أربعًا، ويزيد ما شاء الله. لفظ الدستوائي. ولفظ همام في روايةٍ بنحو لفظ ابن أبي عروبة. وفي رواية معمر، عن قتادة، قال: حدثتنى معاذة العدوية [عند أحمد (6/ 168)].

أخرجه مسلم (719/ 79)، وأبو عوانة (2/ 10/ 2126)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 313/ 1620) و (2/ 314/ 1622)، والبخاري في التاريخ الأوسط (1/ 173/ 803)، وأحمد (6/ 95 و 120 و 145 و 168)، وإسحاق بن راهويه (3/ 769/ 1389)، وعبد الرزاق (3/ 74/ 4853)(3/ 46/ 4 490 - ط. التأصيل)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2315)، والبيهقي (3/ 47)، [التحفة (11/ 883 / 17967)، الإتحاف (17/ 788/ 23232)، المسند المصنف (37/ 238/ 17866)].

* فإن قيل: قال أبو داود: "سمعت أحمد بن حنبل، قيل له: سمع - يعني: قتادة - من معاذة؟ قال: يقولون: لم يسمع"[مسائله لأحمد (2065)].

وقال الميموني: "سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: يقولون: إن قتادة لم يسمع من معاذة"[سؤالاته (350)].

ص: 350

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: "حدثني أبو بكر بن خلاد، قال: سمعت يحيى بن سعيد، قال: قتادة لم يصحح عن معاذة"[العلل ومعرفة الرجال (3/ 227/ 4990)].

وقال ابن أبي حاتم: "أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، فيما كتب إليَّ، قال: حدثنا أبو بكر بن خلاد، قال: سمعت يحيى بن سعيد، يقول: قتادة: لم يصح عن معاذة"[المراسيل (636)].

وقال الأثرم في الناسخ (205 - 201): "فأما حديث قتادة عن معاذة: فإن قتادة فيما يقال لم يسمع من معاذة.

وأما حديث يزيد الرشك: فإني سمعت أبا عبد الله يضعفه".

* فيقال: قد صرح قتادة بسماعه من معاذة في حديث ابن أبي عروبة هذا عند مسلم في صحيحه، وكذا في رواية معمر عند أحمد.

وقد ثبت سماع قتادة من معاذة العدوية في أحاديث أخرى؛ فمنها:

• ما رواه همام، قال: حدثنا قتادة، قال: حدثتني معاذة؛ أن امرأة قالت لعائشة: أتجزي إحدانا صلاتها إذا طهرت؟ فقالت: أحرورية أنت؟ كنا نحيض مع النبي صلى الله عليه وسلم فلا يأمرنا به، أو قالت: فلا نفعله. [أخرجه البخاري (321)، وأحمد (6/ 120)، [وقد تقدم تخريجه في فضل الرحيم الودود (3/ 263/252)].

• وما رواه قتادة، قال: حدثتني معاذة العدوية، عن عائشة قالت: مرن أزواجكن أن يغسلوا عنهم أثر الخلاء والبول؛ فإني أستحي أن آمرهم بذلك، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله. [رواية همام، عند أحمد (6/ 130)، [وقد تقدم تخريجه في فضل الرحيم الودود (1/ 168/ 44)].

وقلت في الموضع السابق (3/ 253): "وفي هذه الرواية عند البخاري وغيره: التصريح بسماع قتادة من معاذة العدوية، وسماع قتادة منها ثابت بهذه الرواية، وفي حديث عند مسلم برقم (719)، وعند أحمد (6/ 168)، وتقدم في حديث: "مرن أزواجكن أن يستطيبوا بالماء

" تحت الحديث رقم (44) من السنن [وانظر: الجرح والتعديل (7/ 135)، والعلل لابن أبي حاتم (1/ 42/ 91)].

وهذا يرد قول أحمد بن حنبل، ويحيى القطان في نفي سماع قتادة من معاذة [علل الحديث ومعرفة الرجال، رواية الميموني رقم (15)، العلل ومعرفة الرجال (3/ 226/ 4990)، مسائل أبي داود لأحمد بن حنبل (2060)، المراسيل (636)، تحفة التحصيل (264)، السير (5/ 277)] ".

وقد اختلف قتادة ويزيد الرشك على معاذة في حديث غسل أثر الغائط والبول، فأسنده قتادة، وأوقفه يزيد، قال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 42/ 91):"قلت لأبي زرعة: إن شعبة يروي، عن يزيد الرشك، عن معاذة، عن عائشة موقوفًا، وأسنده قتادة، فأيهما أصح؟ قال: حديث قتادة مرفوعًا أصح، وقتادة أحفظ، ويزيد الرشك ليس به بأس".

ص: 351

* وهذا الحديث لم ينفرد به قتادة عن معاذة، فقد تابعه:

• يزيد الرشك، قال: حدثتني معاذة؛ أنها سألت عائشة رضي الله عنها: كم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الضحى؟ قالت: أربع ركعات، ويزيد ما شاء الله.

أخرجه مسلم (719/ 78)، وأبو عوانة (2/ 10/ 2125)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 313/ 1619 و 1621)، والترمذي في الشمائل (289)، وابن ماجه (1381)، وابن حبان (6/ 270/ 2529)، وأحمد (6/ 123 - 124 و 172)، والطيالسي (3/ 150/ 1676)، وأبو يعلى (8/ 24/ 4529)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (1510 - 1512)، وابن أخي ميمي الدقاق في فوائده (415 و 416 و 419)، والبيهقي (3/ 47)، والخطيب في تاريخ بغداد (4/ 271)، والبغوي في شرح السنة (4/ 139/ 1005)، وقال:"هذا حديث صحيح". وفي الشمائل (604)، وإسماعيل الأصبهاني في الترغيب (1961)، [التحفة (11/ 883/ 17967)، الإتحاف (17/ 788/ 23232)، المسند المصنف (37/ 238/ 17866)].

رواه شعبة [وعنه: غندر محمد بن جعفر، وعفان بن مسلم، وشبابة بن سوار، ومحمد بن كثير العبدي، وأبو الوليد الطيالسي، وأبو داود الطيالسي، وعلي بن الجعد، وأبو النضر هاشم بن القاسم، وغيرهم]، وعبد الوارث بن سعيد:

كلاهما عن يزيد الرشك به [وزاد شبابة في رواية عنه: زيادة شاذة].

* قال ابن رجب في شرح العلل (2/ 891): "أنكره أحمد والأثرم وابن عبد البر وغيرهم، وردوه بأن الصحيح عن عائشة قالت: ما سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحة الضحى قط".

وقد عمد ابن عبد البر إلى تضعيف هذا الحديث لمعارضته لحديث الزهري عن عروة الآتي برقم (1293)، حيث قال في التمهيد (8/ 145):"وقد روي عن عائشة في صلاة الضحى حديث منكر، رواه معمر عن قتادة عن معاذة العدوية عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الضحى أربع ركعات ويزيد ما شاء، وهذا عندي غير صحيح، وهو مردود بحديث ابن شهاب المذكور في هذا الباب".

قلت: قد ثبت حديث معاذة عن عائشة، وصححه جمع من الأئمة النقاد، منهم: البخاري ومسلم وأبو عوانة وابن حبان، ويمكن الجمع بينهما كما سيأتي بيانه في موضعه.

قال البخاري في التاريخ الأوسط (1/ 172/ 801)(1/ 306 - ط. الصميعي): "وقال يزيد الرشك وقتادة عن معاذة عن عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربعًا.

وحمل أحمد بن حنبل على يزيد في هذا الحديث، وليس عليه حمل".

* ورواه أيضًا: المبارك بن فضالة [صدوق]: أخبرتني أمي، عن معاذة، عن عائشة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي الضحى أربع ركعات. وفي رواية: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي من الضحى أربع ركعات.

أخرجه أحمد (6/ 74 و 156)، وإسحاق بن راهويه (3/ 770/ 1391)، [الإتحاف (17/ 788/ 23232)، المسند المصنف (37/ 238/ 17866)].

ص: 352

وهذا إسناد لا بأس به في المتابعات؛ وأم المبارك بن فضالة: لا تُعرف [انظر: تعجيل المنفعة (1709)]، لكنها روت عن معاذة العدوية أحاديث معروفة مستقيمة شاركت فيها أصحاب معاذة، ولم تأت فيما ترويه بما ينكر، سوى قولها: في بيتي؛ فإن الثابت عن عائشة أنها نفت رؤيتها للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي الضحى، كما روى الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: ما رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم سبَّح سُبحةَ الضحى، وإني لأُسبِّحُها [متفق عليه، ويأتي برقم (1293)]، وعليه: فإن هذه اللفظة منكرة، والله أعلم.

• قال ابن حبان: "إثبات عائشة صلاة الضحى للمصطفى صلى الله عليه وسلم أرادت به في البيت دون مسجد الجماعة، لأنه صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل صلاتكم في بيوتكم إلا المكتوبة"".

هي لفظة منكرة لا يعتمد عليها في إثبات حكم، بل الأمر كما قال عياض، وحكاه عنه ابن حجر في الفتح (3/ 56) بقوله:"وقال عياض وغيره: قوله: ما صلاها؛ معناه ما رأيته يصليها، والجمع بينه وبين قولها: كان يصليها؛ أنها أخبرت في الإنكار عن مشاهدتها، وفي الإثبات عن غيرها".

* وقد روي الإثبات عنها من وجوه أخر:

أ - فقد روى يوسف بن الماجشون [يوسف بن يعقوب بن أبي سلمة الماجشون: مدني ثقة]: أخبرني أبي [يعقوب بن أبي سلمة الماجشون: مدني، لا بأس به، من الرابعة. التهذيب (4/ 443)، العلل ومعرفة الرجال للمروذي (469)]، عن عاصم بن عمر بن قتادة [مدني ثقة، من الرابعة]، عن جدته رميثة، قالت: أصبحت عند عائشة، فلما أصبحنا قامت فاغتسلَتْ، ثم دخلت بيتًا لها، وأجافت الباب دوني، فقلت: يا أم المؤمنين! ما أصبحتُ عندكِ إلا من أجل هذه الساعة، قالت: فادخلي، فدخلتُ فصلت ثمان ركعات، لا أدري أقيامهن أطول أم ركوعهن أم سجودهن؟ ثم التفتت إليَّ فضربت فخذي، ثم قالت: يا رميثة! رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهن، ولو نُشِرَ لي أبي [وفي رواية: أبواي] على تركِهنَّ ما تركتُهنَّ.

أخرجه البخاري في التاريخ الأوسط (1/ 172/ 799)، والنسائي في الكبرى (1/ 266/ 484 - ط. الرسالة)(2/ 269/ 567 - ط. التأصيل)، وأبو يعلى (8/ 81/ 4612)، [التحفة (11/ 827/ 1739)، المسند المصنف (37/ 241/ 17870)].

قلت: رفعه وهم؛ فقد رواه القعقاع بن حكيم وفيره فأوقفوه، وهو الصواب.

• رواه عبد الله بن وهب [ثقة حافظ]، عن عمرو بن الحارث [ثقة حافظ، فقيه]، عن بكير بن الأشج [بكير بن عبد الله بن الأشج: مدني، نزيل مصر، ثقة ثبت، إمام]، عن يعقوب بن الأشج [مدني، نزل مصر، ثقة]، عن القعقاع بن حكيم [مدني، ثقة، من الرابعة]؛ أن جدته رميثة بنت حكيم حدثته، قالت: ركعت عائشة ثمان ركعات، وقالت: يا أمَّ حكيم! لو نشر لي أبو بكر ما تركتهن، وقالت: ركعتهن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. موقوف عليها من فعلها.

ص: 353

أخرجه البخاري في التاريخ الأوسط (1/ 172/ 797)، والنسائي في الكبرى (1/ 267/ 485 - ط. الرسالة)، والدارقطني في الأفراد (2/ 499/ 6462 - أطرافه)، [التحفة (11/ 827/ 17839)، المسند المصنف (37/ 242/ 17870)].

قال الدارقطني: "غريب من حديث عمرو بن الحارث، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن أخيه يعقوب، عن القعقاع؛ أن جدته رميثة، تفرد به: عبد الله بن وهب عنه".

قال الأثرم في الناسخ (202): "وأما حديث رميثة: فإن القعقاع بن حكيم رواه عن رميثة عن عائشة موقوفًا، وهذا أثبت من حديث يوسف بن الماجشون".

قلت: هذا موقوف بإسناد مدني ثم مصري صحيح، وهو أولى من حديث الماجشون، ولا يضره تفرد ابن وهب به عن عمرو بن الحارث؛ فقد روي من وجه آخر عن ابن الأشج:

• رواه الليث بن سعد [ثقة حافظ، إمام]، عن يزيد بن أبي حبيب [ثقة فقيه]، عن الحارث بن يعقوب [مصري، ثقة]، عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج، عن القعقاع بن حكيم؛ أن رميثة بنت حكيم قالت: إني سمعت عائشة تقول: لم أزل أصلي ثمان ركعات، وما كنت لأدعهن ولو نشر لي أبي من القبر.

أخرجه البخاري في التاريخ الأوسط (1/ 172/ 798)، وأبو موسى المديني في اللطائف (621).

وهذا موقوف بإسناد مدني ثم مصري صحيح، ولم تقل فيه: ركعتهن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أولى.

وانظر فيمن وهم في إسناده وهمًا فاحشًا قبيحًا جدًّا، فنسب قول عائشة كما هو لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أخرجه أبو موسى المديني في اللطائف (620)، ونبه عليه.

• ورواه يحيى بن سعيد القطان [ثقة متقن، إمام حجة]، وأبو خالد الأحمر سليمان بن حيان [ثقة]:

عن ابن عجلان [مدني، ثقة]، عن القعقاع بن حكيم، عن جدته رميثة، قالت: رأيت عائشة رضي الله عنها صلت الضحى ثماني ركعات، فقلت لها: شيء رأيتِ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يفعله، أو شيء أمركِ به؟ قالت: ما أنا بمحدثتكِ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهن شيئًا، ولكن لو نشر لي أبي من القبر على أن أدعهن؛ لم أدعهن. لفظ القطان.

وفي رواية أبي خالد: دخلت على عائشة بيتًا كانت تخلو فيه، فرأيتها صلت من الضحى ثماني ركعات. موقوف.

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 7813/175)(5/ 188/ 8027 - ط. الشثري)، ومسدد في مسنده (4/ 561/ 650 - مطالب)، [المسند المصنف (37/ 242/ 17870)].

وهذا موقوف بإسناد مدني ثم عراقي صحيح، ولم تقل فيه: ركعتهن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أولى.

ص: 354

• وروى سعيد بن مسروق [ثقة]، عن أبان بن صالح [ثقة، من الخامسة]، عن أم حكيم [هي رميثة]، عن عائشة، قالت: صليتُ صلاةً كنت أصليها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم لو أن أبي نُشِر فنهاني عنها، ما تركته.

أخرجه أحمد (6/ 138)، [المسند المصنف (37/ 243/ 17871)].

وهذا إسناد رجاله ثقات، ولم أقف على سماع أبان من رميثة.

• وروى عبد الله بن رجاء [هو الغداني البصري: صدوق]، قال: أنبأ سعيد بن سلمة بن أبي الحسام [صدوق، صحيح الكتاب، يخطئ من حفظه]، عن محمد بن المنكدر، عن رميثة، أنها دخلت على عائشة، فقامت عائشة فصلت ثمان ركعات السبحة، ثم قالت: لو نشر لي أبي على أن أتركهن ما تركتهن أبدًا.

أخرجه أبو بكر الشافعي في فوائده "الغيلانيات"(763)، ومن طريقه: المزي في التهذيب (35/ 180).

قلت: وهم فيه ابن أبي الحسام، فأسقط من إسناده رجلًا:

• فقد رواه جماعة من الثقات، عن ابن عيينة [ثقة حافظ، إمام حجة]، عن ابن المنكدر، عن ابن رميثة، عن جدته [وفي رواية: أخبرني ابن رميثة، عن أمه]، قالت: دخلت على عائشة وهي تصلي من الضحى، فصلت ثماني ركعات. موقوف. وزاد في رواية: ما أنا بمخبرتك عن النبي صلى الله عليه وسلم ولو بعث أبي.

وفي رواية: دخلت على عائشة وهي تصلي الضحى، فصلت ثمان ركعات، فقلت: أخبريني عن هذه الصلاة، هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيها شيئًا؟ قالت: ومن يطيق صلاته يا هناه؟ لو نشر لي أبي على أن أتركها ما تركتها، وما أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها بشيء.

أخرجه البخاري في التاريخ الأوسط (1/ 172/ 800)، وابن أبي شيبة (2/ 175/ 7810)(5/ 187/ 8024 - ط. الشثري)، وإسحاق بن راهويه (3/ 771/ 1392)، وسعدان في جزئه (92)، والمحاملي في الأمالي (95)، وابن عبد البر في التمهيد (8/ 145)، [المسند المصنف (37/ 242/ 17870)].

قلت: وهذا موقوف بإسناد رجاله ثقات عدا المبهم، وابن رميثة لعله القعقاع بن حكيم، أو عاصم بن عمر بن قتادة، فكلاهما حفيد لرميثة، وإن كان ابن المنكدر لا يُعرف بالرواية عنهما، فالله أعلم.

• ورواه مالك، عن زيد بن أسلم، عن عائشة؛ أنها كانت تصلي الضحى ثماني ركعات، ثم تقول: لو نشر لي أبواي، ما تركتهن. موقوف.

أخرجه مالك في الموطأ (418)، وعنه: عبد الرزاق (3/ 78/ 4866).

قلت: وهذا منقطع، بل معضل؛ فقد روى مالك، عن زيد بن أسلم، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي يونس مولى عائشة، عن عائشة [راجع الحديث رقم (410)]، وزيد بن

ص: 355

أسلم معروف بالإرسال، قال الدارقطني في العلل (14/ 433/ 3782):"ورواه مالك بن أنس في الموطأ، عن زيد بن أسلم، عن عائشة مرسلًا. ولعل زيد بن أسلم أخذه عن رميثة، والله أعلم"، قلت: بل لعله أخذه عن القعقاع عن جدته رميثة.

• قال الأثرم في الناسخ (202): "وأما حديث رميثة: فإن القعقاع بن حكيم رواه عن رميثة عن عائشة موقوفًا، وهذا أثبت من حديث يوسف بن الماجشون".

وقال الدارقطني في العلل (14/ 433/ 3782): "يرويه محمد بن المنكدر، وعاصم بن عمر بن قتادة، عن جدته رميثة، عن عائشة؛ أنها كانت تصلي ثمان ركعات، ولم يقل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ورواه القعقاع بن حكيم، عن رميثة، وهي جدته أيضًا، عن عائشة، وفيه: كنت أصليها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكذلك رواه أبان بن صالح، عن أم حكيم، عن رميثة [قلت: أم حكيم هي رميثة]، عن عائشة.

ورواه مالك بن أنس في الموطأ، عن زيد بن أسلم، عن عائشة مرسلًا.

ولعل زيد بن أسلم أخذه عن رميثة، والله أعلم".

ب - وروى أبو سعيد مولى بني هاشم [عبد الرحمن بن عبد الله بن عبيد البصري: ثقة]، قال: حدثنا عثمان بن عبد الملك أبو قدامة العمري، قال: حدثتنا عائشة بنت سعد [ثقة، من الرابعة]، عن أم ذرة، قالت: رأيت عائشة تصلي الضحى، وتقول: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلا أربع ركعات.

أخرجه أحمد (6/ 106)، ومن طريقه: الطبراني في الأوسط (4/ 312/ 4296)، وعنه: أبو نعيم في الحلية (9/ 227)، [الإتحاف (17/ 23247/796)، المسند المصنف (37/ 240/ 17867)].

قال الطبراني: "لا يروى هذا الحديث عن أم ذرة إلا بهذا الإسناد، تفرد به: أحمد بن حنبل رحمة الله ورضوانه عليه".

قلت: لا أستبعد أن يكون أبو سعيد مولى بني هاشم وهم في اسم والد شيخه، وذلك أن البخاري ومسلمًا وابن أبي حاتم وابن حبان قد ترجموا في كتبهم لأبي قدامة الذي يروي عن عائشة بنت سعد، ونسبوه فقالوا: عثمان بن محمد بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي المديني، وقد روى عنه: خالد بن مخلد القطواني، وأبو عامر العقدى، وهشام بن عبيد الله الرازي، وإسماعيل بن أبي أويس، وذكره ابن حبان في الثقات، لكنه مقل جدًّا، وقول البخاري:"سمع عائشة بنت سعد: منقطع"، كأنه ما يروي إلا المقاطيع، وذلك أن خالد بن مخلد القطواني قد روى عنها حكاية عن سعد بن أبي وقاص وقعت بينه وبين مروان بن الحكم موقوفة على سعد، والله أعلم [الأموال لابن زنجويه (2137)، التاريخ الكبير (6/ 250)، كنى مسلم (2792)، الجرح والتعديل (6/ 165)

ص: 356

و (9/ 428)، الثقات (7/ 198)، كنى الدولابي (3/ 927)، تاريخ الإسلام (4/ 455 - ط. الغرب)، الثقات لابن قطلوبغا (7/ 99)].

وأم ذرة: تابعية مدنية، روى عنها ثلاثة، وذكرها ابن حبان في الثقات، وقال العجلي:"تابعية، مدنية، ثقة"[التهذيب (4/ 696)].

وهذا الإسناد وإن كان محتملًا؛ إلا أن الحديث منكر [وراجع أيضًا الحديث رقم (271)، من رواية أم ذرة عن عائشة، وهو حديث منكر].

• إذ لا يثبت عن عائشة أنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى، فقد روى الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ما رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم سبَّح سُبحةَ الضحى، وإني لأُسبِّحُها [متفق على صحته، ويأتي برقم (1293)].

• وإنما ثبت عنها حكاية ذلك مطلقًا مع الزيادة على الأربع، أو مقيدًا بمجيئه من مغيبه صلى الله عليه وسلم:

فقد روى عبد الله بن شقيق، قال: سألتُ عائشة: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ فقالت: لا، إلا أن يجيء من مَغِيبه [وهو حديث صحيح، أخرجه مسلم (717)].

وثبت عن معاذة؛ أنها سألت عائشة رضي الله عنها: كم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الضحى؟ قالت: أربع ركعات، ويزيد ما شاء الله.

وفي رواية: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربعًا، ويزيد ما شاء الله. [وهو حديث صحيح، أخرجه مسلم (719)].

ج - وروى شيبان بن فروخ [صدوق]: حدثنا طيب بن سلمان، قال: قالت عمرة: سمعت أم المؤمنين تقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربع ركعات، لا يفصل بينهن بكلام.

أخرجه أبو يعلى (7/ 330/ 4366)، [المسند المصنف (37/ 241/ 17868)].

• ثم روى شيبان بن فروخ: حدثنا طيب بن سلمان، قال: سمعت عمرة، تقول: سمعت أم المؤمنين، تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من صلى الفجر - أو قال: الغداة - فقعد في مقعده فلم يلغ بشيء من أمر الدنيا، ويذكر الله حتى يصلي الضحى أربع ركعات خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه لا ذنب له".

أخرجه أبو يعلى (7/ 329/ 4365)، وعنه: ابن السني في عمل اليوم والليلة (145)، والطبراني في الأوسط (6/ 106/ 5945)، [المسند المصنف (37/ 235/ 17862)].

قال الطبراني بعد أن روى حديثين بهذا الإسناد: "لم يرو هذين الحديثين عن عمرة بنت أرطاة، وهي العدوية، بصرية، وليست بعمرة بنت عبد الرحمن؛ إلا الطيب بن سلمان المؤدب، ويكنى أبا حذيفة، بصري، ثقة".

قلت: خالفه الدارقطني، فقال:"شيخ ضعيف بصري"، وذكره ابن حبان في الثقات، وترجم له بالرواية عن عمرة، ولم ينسبها، وترجم له ابن أبي حاتم بروايته عن معاذة

ص: 357

العدوية وحدها، وعنه: بشر بن محمد أبو أحمد السكري، وسكت عنه، وقد وجدت له أحاديث عن عمرة، ولم تنسب في شيء منها، ثم وجدت له حديثًا منكرًا عند الطبراني في الدعاء (2161) قال فيه: سمعت عمرة العدوية، ثم وجدت في المحدث الفاصل (338) بعد حديث رواه من هذا الطريق:"قال عبدان؛ [يعني: ابن أحمد الأهوازي] هذه عمرة الطاحية، وليست بعمرة بنت عبد الرحمن بن زرارة"[الجرح والتعديل (4/ 497)، الثقات (6/ 493)، سؤالات البرقاني (243 و 660)، اللسان (4/ 360)، الثقات لابن قطلوبغا (5/ 399)، فضائل القرآن لابن كثير (254)].

قلت: كلاهما حديث باطل؛ إن كان تفرد به عن عمرة بنت عبد الرحمن: طيب بن سلمان، وكلاهما حديث منكر؛ إن كان تفرد به عن عمرة العدوية، وهي مجهولة، والطيب: ضعيف، كما قال الدارقطني، فهو أقعد بعلم الجرح والتعديل من ابن حبان والطبراني، لاسيما وقد روى الطيب عن عمرة أحاديث منكرة، والله أعلم.

د - وروى خالد بن عبد الله الواسطي، عن حصين بن عبد الرحمن، عن هلال بن يساف، عن زاذان، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الضحى، ثم قال:"اللهم اغفر لي، وتب علي، إنك أنت التواب الرحيم"، حتى قالها مائة مرة.

سبق تخريجه في تخريج أحاديث الذكر والدعاء تحت الحديث رقم (374)(2/ 834).

وصوابه: ما رواه شعبة، وعبد العزيز بن مسلم، وعباد بن العوام، ومحمد بن فضيل:

عن حصين، عن هلال، عن زاذان، عن رجل من الأنصار، قال: مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي الضحى

فذكره. ورجاله ثقات.

* وقد جاء عن عائشة من وجوه متعددة؛ أنها كانت تصلي الضحى:

أخرجها ابن أبي شيبة (2/ 173/ 7788 و 7795) و (2/ 175/ 7812 و 7814)، ومسدد في مسنده (4/ 564/ 651 - مطالب).

* وأما الأحاديث الدالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم صلي ركعتين في وقت الضحى، وإن تعددت الأسباب الحاملة على هذه الصلاة، فهي أحاديث كثيرة غير ما تقدم ذكره، ومنها على سبيل المثال:

1 -

حديث عتبان بن مالك:

رواه عقيل بن خالد، ومالك بن أنس، ويونس بن يزيد، ومعمر بن راشد، وإبراهيم بن سعد، ومحمد بن الوليد الزبيدي، والأوزاعي، وأبو أويس، وعبد الرحمن بن نمر، وغيرهم:

عن ابن شهاب، قال: أخبرني محمود بن الربيع الأنصاري، أن عتبان بن مالك - وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ممن شهد بدرًا من الأنصار -؛ أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:

ص: 358

يا رسول الله! إني أنكرتُ بصري [وفي رواية الأوزاعي: إن بصري قد ساء]، وأنا أصلي لقومي، فإذا كانت الأمطار سال الوادي الذي بيني وبينهم [وفي رواية معمر: وإن السيول تحول بيني وبين مسجد قومي] [وفي رواية إبراهيم بن سعد: وإن الوادي الذي بيني وبين قومي يسيل إذا جاءت الأمطار فيشقُّ عليَّ اجتيازه]، لم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلي لهم [وفي رواية مالك: إنها تكون الظلمة والمطر والسيل، وأنا رجل ضرير البصر]، فوددت يا رسول الله، أنك تأتي فتصلي في بيتي فأتخذه مصلى [وفي رواية معمر: أتخذه مسجدًا]، فقال:"سأفعل إن شاء الله"، قال عتبان: فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر حين ارتفع النهار، فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فأذنت له، فلم يجلس حتى دخل البيت، ثم قال لي:"أين تحب أن أصلي من بيتك؟ "، فأشرت إلى ناحية من البيت، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فكبر فصففنا [خلفه]، فصلى ركعتين ثم سلم، [وفي رواية معمر وإبراهيم: وسلمنا حين سلم] [وفي رواية ليونس عند أحمد (5/ 450): صلى في بيته سبحة الضحى، فقاموا وراءه فصلوا بصلاته]، وحبسناه على خزيرة صنعناها له، فثاب في البيت رجال من أهل الدار ذوو عدد، فاجتمعوا، فقال قائل منهم: أين مالك بن الدخشن؟ فقال بعضهم: ذلك منافق، لا يحب الله ورسوله، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تقل [ذلك]، ألا تراه قال: لا إله إلا الله، يريد بذلك وجه الله؟ " قال: الله ورسوله أعلم، قال: قلنا: فإنا نرى وجهه ونصيحته إلى المنافقين [وفي رواية إبراهيم: لا نرى وُدَّه ولا حديثه إلا إلى المنافقين]، فقال: "فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله صلى الله عليه وسلم.

أخرجه البخاري (424 و 425 و 667 و 686 و 838 و 840 و 1186 و 4009 و 4010 و 5401 و 6423 و 6938)، ومسلم (33/ 263 - 265 - كتاب المساجد).

وقد جمعت هنا ألفاظ البخاري ومسلم، وحديث عتبان هذا سبق تخريجه تحت الحديث رقم (553)، الشاهد السابع، وتكلمت هناك عن فقه الحديث، وأعدت الكلام عليه أيضًا تحت الحديث رقم (1066) [وانظر: التمهيد لابن عبد البر (8/ 143)].

2 -

حديث أنس بن مالك:

رواه شعبة، عن أنس بن سيرين، عن أنس بن مالك، قال: قال رجل من الأنصار: يا رسول الله! إني رجلٌ ضخمٌ - وكان ضخمًا - لا أستطيع أن أصلي معك، وصنع له طعامًا، ودعاه إلى بيته، فصل حتى أراك كيف تصلي، فأقتديَ بك، فنضحوا له طرَفَ حصيرٍ كان لهم، فقام فصلى ركعتين.

قال فلان بن الجارود لأنس بن مالك: أكان [النبي صلى الله عليه وسلم] يصلي الضحى؟ قال: لم أره صلى إلا يومئذ.

تقدم برقم (657)[فضل الرحيم الودود (7/ 325/ 657)]، وقد أخرجه البخاري (670 و 1179).

* وفي صلاة الركعتين في بيت أم سليم، أو أم حرام، أو مليكة جدة أنس، أحاديث

ص: 359

لأنس بن مالك، لكني لم أقف فيها على ما يبين وقت هذه الصلاة تحديدًا، وأنها كانت من الضحى، وإن كان في بعضها ما يدل على أنها كانت نهارًا، حيث قال صلى الله عليه وسلم:"إني صائم"، وقد احتج بعض الأئمة ببعض طرقه على صلاة الضحى، مثل مالك في موطئه، راجع فضل الرحيم الودود (7/ 85/ 608) و (7/ 88/ 609) و (7/ 100/ 612) و (7/ 329/ 658).

3 -

حديث كعب بن مالك:

رواه ابن جريج: أخبرني ابن شهاب؛ أن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب أخبره، عن أبيه عبد الله بن كعب، وعن عمه عبيد الله بن كعب، عن كعب بن مالك؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يقدم من سفر إلا نهارًا في الضحى، فإذا قدم بدأ بالمسجد، فصلى فيه ركعتين، ثم جلس فيه.

أخرجه البخاري (3088)، ومسلم (716)، واللفظ له. وأبو عوانة (1/ 347/ 1243) و (2/ 11/ 2128)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 311/ 1613 - 1615)، وأبو داود (2781)، والنسائي في الكبرى (8/ 93/ 8723)، والدارمي (1664 - ط. البشائر)، وابن خزيمة (13/ 35/ 16399 - الإتحاف)، وأحمد (3/ 455) و (6/ 386)، وعبد الرزاق (3/ 77/ 4864)(3/ 49/ 4915 - ط. التأصيل)، وابن أبي شيبة في المصنف (1/ 425 / 4887)، وفي المسند (494)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (1/ 146 و 190)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2308 - 2310)، والطبراني في الكبير (19/ 59/ 106)، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (4/ 40/ 774)، وابن حزم في المحلى (2/ 251)، والبيهقي في السنن (5/ 261)، وفي الآداب (663)، والخطيب في تاريخ بغداد (8/ 205)، والبغوي في شرح السنة (11/ 189/ 2765)، وفي الشمائل (1117)، وغيرهم. [التحفة (7/ 557/ 11132)، الإتحاف (13/ 35/ 16399)، المسند المصنف (24/ 49/ 10757)، [وانظر: التتبع (105)، وقد وهم أبو أسامة على ابن جريج في إسناده، والمحفوظ: قول بقية أصحاب ابن جريج عنه؛ كأبي عاصم النبيل، وعبد الرزاق، وحجاج بن محمد، ومحمد بن بكر، كما في الصحيحين وغيرهما].

وقد اقتصرت على طريق ابن جريج اختصارًا، وإلا فقد جاء موضع الشاهد منه أيضًا من حديث عقيل بن خالد عن الزهري به مطولًا في قصة توبة كعب في تخلفه عن غزوة تبوك [أخرجه البخاري (4418)]، ومن حديث إسحاق بن راشد عن الزهري به مطولًا [أخرجه البخاري (4677)]، ومن حديث يونس بن يزيد عن الزهري به مطولًا [أخرجه مسلم (2769)]، ومن حديثهم وحديث غيرهم عن الزهري في غير الصحيح [انظر مثلًا: ما أخرجه أبو داود (2773)، والنسائي في المجتبى (2/ 53/ 731)، وفي الكبرى (1/ 400/ 812) و (8/ 93 و 94/ 8722 و 8724 و 8725)، وابن حبان (8/ 155/ 3370)، وأحمد (3/ 455 و 457)، والطيالسي (1034)، وعبد الرزاق (3/ 77/ 4863) (3/ 49/ 4914 -

ص: 360

ط. التأصيل) و (5/ 397/ 9744)، والطبراني في الكبير (19/ 42/ 90) و (19/ 48/ 91) و (19/ 60/ 107 - 110)، وفي الصغير (1007)، وفي الأوسط (9/ 120/ 9298)، وفي مسند الشاميين (4/ 123/ 2897)، وابن عدي في الكامل (4/ 293)، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (4/ 38/ 773)، والبيهقي في السنن (9/ 34)، وفي الدلائل (5/ 275)، والواحدي في التفسير الوسيط (2/ 530)، والبغوي في الشمائل (290 و 1118)].

4 -

حديث جابر بن عبد الله:

رواه عبيد الله بن عمر، عن وهب بن كيسان، عن جابر بن عبد الله، قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاةٍ، فأبطأ بي جملي وأعيا، ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلي، وقدمتُ بالغداة، فجئت المسجد، فوجدته على باب المسجد، قال:"الآن حين قدمتَ"، قلت: نعم، قال:"فدع جملك، وادخل فصل ركعتين"، قال: فدخلت، فصليت، ثم رجعت.

أخرجه البخاري (2097)، ومسلم (715/ 73)، واللفظ له. وأبو عوانة (1/ 347/ 1242) و (2/ 15/ 2141) و (3/ 250/ 4844)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 310/ 1612) و (4/ 139/ 3440)، وابن حبان (14/ 6518/449) و (16/ 92/ 7143)، والمحاملي في الأمالي (530)، والبيهقي في الدلائل (3/ 381)، [التحفة (2/ 522/ 3127)، الإتحاف (3/ 592/ 3818)، المسند المصنف (5/ 470/ 2801)].

راجع طرق حديث جابر الطويل في قصة جمله: ما أخرجه البخاري (443 و 1801 و 2309 و 2385 و 2394 و 2406 و 2470 و 2603 و 2604 و 2718 و 2861 و 2967 و 3087 و 3089 و 3090 و 4052 و 5079 و 5080 و 5243 و 5244 و 5245 و 5246 و 5247 و 5367 و 6387).

وسيأتي تخريجه في السنن برقم (2048 و 2534 و 2776 - 2778 و 3347 و 3505 و 3747)، إن شاء الله تعالى.

5 -

حديث أبي سعيد الخدري:

رواه محمد بن ربيعة، ويزيد بن هارون، ويحيى بن آدم، وعبد الله بن داود، وأبو نعيم الفضل بن دكين [وهم ثقات]:

عن فضيل بن مرزوق [صدوق]، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى، حتى نقول: لا يدعها، ويدعها، حتى نقول: لا يصليها.

وفي رواية: يصلي الضحى، حتى نقول: لا يتركها، ويتركها، حتى نقول: لا يصليها.

أخرجه الترمذي في الجامع (477)، وفي الشمائل (292)، وأحمد (3/ 21 و 36)، وعبد بن حميد (891)، وأبو يعلى (2/ 456/ 1270)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (2029)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 294 و 448)، والبغوي في شرح السنة (4/ 136/ 1002)، وفي الشمائل (609)، [التحفة (3/ 409/ 4227)، الإتحاف (5/ 347/ 5549)، المسند المصنف (28/ 172/ 12623)].

ص: 361

قال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب".

قلت: هو حديث ضعيف؛ عطية بن سعد العوفي: ضعيف الحفظ [انظر: التهذيب (3/ 114)، الميزان (3/ 79)].

6 -

حديث أبي هريرة:

رواه وكيع بن الجراح، وقبيصة بن عقبة، وزيد بن الحباب، والنعمان بن عبد السلام [وهم ثقات]:

عن سفيان الثوري، عن عاصم بن كليب الجرمي، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الضحى قطُّ؛ [زاد وكيع: إلا مرة واحدة][وزاد النعمان عند ابن عاصم وأبي عوانة وابن شاهين: ولقد كان يصلي حتى تزلع رجلاه].

أخرجه النسائي في الكبرى (1/ 265/ 479)، وأحمد (2/ 446 و 478)، وابن أبي شيبة (2/ 173/ 7787)، ومحمد بن عاصم الأصبهاني في جزئه (51)، وأبو إسحاق الحربي في غريب الحديث (1/ 81)، والبزار (17/ 94/ 9637 و 9638)، وأبو عوانة (15/ 459/ 19691 - إتحاف)، وابن شاهين في الناسخ (256 - 259)، [التحفة (10/ 117/ 14300)، الإتحاف (15/ 459/ 19691)، المسند المصنف (31/ 138/ 14217)].

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم رواه عن عاصم إلا سفيان، ورواه عن سفيان وكيع وقبيصة".

* وهما حديثان، أحدهما في الضحى، والثاني في تشقق القدمين من شدة الاجتهاد في العبادة، وممن روى الثاني مستقلًا:

النعمان بن عبد السلام [وهو: ثقة عابد فقيه، وهو أرفع من روى عن الثوري من الأصبهانيين، مقدم فيه على غيره]، عن سفيان، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حتى تزلع؛ [يعني: تشقَّق] قدماه، فقيل له في ذلك [أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟]، فقال:"ألا أكون عبدًا شكورًا".

أخرجه النسائي في المجتبى (3/ 219/ 1645)، وفي الكبرى (2/ 127/ 1328)، والبزار (17/ 94/ 9638)، واللفظ له. وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (2/ 220)، [التحفة (10/ 116/ 14299)، المسند المصنف (31/ 134/ 14214)].

• ورواه يحيى بن فَصِيل [لم أر من تكلم فيه بجرح أو تعديل سوى أنه كان عنده نسخة من حديث الحسن بن صالح يحدث بها، وله عنه غرائب. تلخيص المتشابه في الرسم (2/ 246)، الجرح والتعديل (9/ 181)، الكامل (2/ 316)، التوضيح (7/ 110)، المؤتلف (1817)، إكمال ابن ماكولا (7/ 67)، المهروانيات (11) ص (56 و 57)، تاريخ الإسلام (14/ 449)]: حدثنا الحسن بن صالح [ثقة متقن]، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه.

أخرجه البزار (17/ 94/ 9639).

ص: 362

قال البزار: "وهذا الحديث لا أعلم رواه عن سفيان إلا النعمان بن عبد السلام، ولا عن الحسن بن صالح إلا يحيى بن فصيل".

قلت: أما شقه الثاني فهو ثابت من حديث المغيرة بن شعبة [البخاري (1130 و 4836 و 6471)، مسلم (2819)]، ومن حديث عائشة [البخاري (4837)، مسلم (2820)].

وأما شقه الأول: فليس لدينا ما يعارضه؛ لأن ذلك إخبار عما شاهده أبو هريرة بنفسه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحاله في ذلك قريب من حال عائشة وابن عمر، في عدم اطلاعهم على ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يخالفه وصية النبي صلى الله عليه وسلم له بركعتي الضحى، لاختلاف الجهة، والله أعلم.

* والحاصل: فإن حديث أبي هريرة هذا حديث صحيح، رجاله ثقات، سمع بعضهم من بعض، ولا تضره غرابة إسناده؛ فإنها تحتمل من أمثال هؤلاء، والله أعلم.

7 -

حديث أبي هريرة:

قال البزار (15/ 61/ 8283): حدثنا خالد بن يوسف، قال: حدثني أبي، عن موسى بن عقبة [ثقة فقيه]، قال: حدثني عبيد الله بن سلمان [ثقة]، عن أبيه [سلمان أبو عبد الله الأغر: تابعي ثقة]؛ أنه سمع أبا هريرة، يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يترك صلاة الضحى في سفر ولا غيره.

قال البزار: "وهذه الأحاديث لا نعلمها تروى عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد، ولا نعلم حدث بها عن موسى إلا يوسف بن خالد، ويوسف بن خالد كان رجلًا قد كتب الحديث، رحل فيه إلى الكوفة، فكتب عن الأعمش، وكان أول من وضع الكتب المبسوطة في الوثائق، ولكن دخل في الكلام فجاوز حد أهل العلم؛ فضعف حديثه من أجل ذلك".

قلت: هذا حديث باطل عن موسى بن عمْبة؛ يوسف بن خالد السمتي: متروك، كذبه ابن معين والفلاس وأبو داود، ورماه ابن حبان بالوضع [انظر: التهذيب (4/ 454) وغيره]، وأما ابنه خالد بن يوسف: فضُعِّف، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال:"يعتبر حديثه من غير روايته عن أبيه"[انظر: الثقات (8/ 226)، الكامل (3/ 45)، الميزان (1/ 648)، اللسان (3/ 350)].

8 -

حديث أنس بن مالك:

رواه محمد بن المثنى [أبو موسى الزمن: بصري، ثقة ثبت]، والعباس بن يزيد البحراني [بصري، صدوق]:

عن حكيم بن معاوية الزيادي، قال: حدثنا زياد بن عبيد الله بن الربيع الزيادي، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الضحى ست ركعات.

أخرجه الترمذي في الشمائل (289)، وابن شاهين في الناسخ (205)، وفي الترغيب

ص: 363

في فضائل الأعمال (119)، وأبو طاهر المخلص في الأول من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (114)، والخطيب في المتفق والمفترق (2/ 828/ 489)، والبغوي في الشمائل (605)، وإسماعيل الأصبهاني في الترغيب والترهيب (1958)، [التحفة (1/ 369/ 672)، المسند المصنف (2/ 60/ 596)].

قلت: حكيم بن معاوية الزيادي: مجهول؛ قال مغلطاي في إكماله (4/ 125): "لم يذكره البخاري في تواريخه، ولا ابن أبي حاتم، ولا ابن أبي خيثمة في تواريخه، ولا في أخبار البصرة، ولا يعقوب بن سفيان في تاريخه، ولا الهيثم في تواريخه، ولا خليفة، ولا الإمام أحمد في تواريخه وعلله، ولا غير هؤلاء ممن يكثر عددهم".

ونقله ابن حجر في التهذيب (1/ 475)، ولخصه بقوله:"لم يذكره البخاري، ولا ابن أبي حاتم، ولا ابن حبان، ولا أعرفه"، ثم لخصه في التقريب بقوله:"مستور"[وانظر ترجمته في المتفق والمفترق (2/ 828/ 489)].

• ورواه عمر بن حفص البزار بجنديسابور [شيخ مقل لابن حبان، ولم يكثر عنه، روى له مواضع يسيرة في الثقات والمجروحين والروضة، فهو: مجهول الحال]: ثنا محمد بن زياد الزيادي [صدوق]: حدثني خالي محمد بن عثمان [مجهول. الثقات (9/ 93)]: ثنا زياد بن عبد الله بن الربيع [كذا في المطبوع]، عن حميد، عن أنس بن مالك؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الضحى ست ركعات.

أخرجه ابن حبان في الثقات (9/ 93)، قال: حدثنا عمر بن حفص به.

• ورواه محمد بن غالب الأنطاكي [ليس بذاك المشهور. الجرح والتعديل (8/ 55)، الثقات (9/ 139)]، قال: نا سعيد بن مسلمة الأموي [منكر الحديث. التهذيب (2/ 43)، الميزان (2/ 158)]، قال: نا عمر بن خالد بن عباد [مجهول. غنية الملتمس (368)]، عن زياد بن عبيد الله بن الربيع، عن الحسن، عن أنس بن مالك قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى ست ركعات، فما تركتهن بعد، قال الحسن: وما تركتهن بعد.

أخرجه الطبراني في الأوسط (2/ 68/ 1276).

قلت: هذا حديث منكر؛ تفرد به عن حميد الطويل: زياد بن عبيد الله بن الربيع؛ وهو: مجهول، ذكره ابن حبان في الثقات، على عادته في توثيق المجاهيل، وقد روى عنه جماعة من المجاهيل والمتروكين وصدوق واحد، فلا يزيده ذلك إلا جهالة، مع قلة ما يروي؛ وليس له في الكتب الستة سوى هذا الحديث، انفرد به الترمذي في الشمائل [التهذيب (1/ 651)، التحفة (1/ 369/ 672)]، وقد اختلف عليه فيه، فرواه مرة عن حميد الطويل، ومرة عن الحسن البصري، ولا يصح إليه إسناد، وهذا الحديث في فضائل الأعمال والترغيب فيها مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله؛ فأين عنه أصحاب حميد الثقات على كثرتهم الكاثرة، فقد روى عنه جهابذة الثقات، وكبار الحفاظ الأثبات، وأعيان الطبقة السادسة والسابعة والثامنة والتاسعة؛ فكيف يحتمل من مثل هذا المجهول التفرد به عن حميد؛ فضلًا عن كونه قد خولف فيه:

ص: 364

فقد سلك فيه الجادة والطريق السهل، حين قال: حميد عن أنس؛ وإنما يرويه جماعة من ثقات أصحاب حميد عنه، فقالوا: عن محمد بن قيس، عن جابر، وهو الحديث الآتي.

قال البرذعي في سؤالاته لأبي زرعة الرازي (2/ 380): "حديث زياد بن عبد الله، عن حميد، عن أنس في صلاة الضحى؟ " فقال أبو زرعة: "خطأ؛ إنما هو: حميد، عن محمد بن قيس، عن جابر".

وقال ابن حجر في النكت الظراف (1/ 190/ 672 - بهامش التحفة): "فهذه علته"، وتحرف عنده: محمد بن قيس، إلى: محمد بن نفيس.

9 -

حديث جابر بن عبد الله:

رواه معتمر بن سليمان، وابن أبي عدي، وخالد بن عبد الله الواسطي [وهم ثقات، [وسقط من إسناد الأخير: شيخه حميد الطويل]، وإبراهيم بن عبد الحميد بن ذي حماية [ليس به بأس، لكن في الإسناد إليه: مجاهيل]:

قال معتمر: سمعت حميدًا، عن محمد بن قيس، عن جابر بن عبد الله: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أعرض عليه بعيرًا لي، فرأيته صلى الضحى ست ركعات. وفي رواية: كنت أعرض بعيرًا لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبصرته يصلي من الضحى ستًا. وبنحوه رواية خالد.

ورواه ابن أبي عدي، عن حميد، عن رجل يقال له: محمد بن قيس: رأيت جابر بن عبد الله يتطوع في السفر. هكذا موقوفًا، وفيه إثبات الرؤية والإدراك.

ورواية ابن ذي حماية: قُطع بي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحملني على جمل، فمر بي وأنا أضربه في أخرى الناس، فضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوط، فما زال في أوائل الناس، فلما قدمنا مكة أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرده إليه، فوجدته يصلي صلاة الضحى ست ركعات.

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 212)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (3/ 350/ 3177 - إتحاف المهرة)، وأبو عمرو إسماعيل بن نجيد السلمي في حديثه (39)(989 - فوائد ابن منده)[وسقط من إسناده حميد]. والطبراني في الأوسط (3/ 137/ 2724) و (4/ 352/ 4411)، وفي مسند الشاميين (3/ 362/ 2470).

قال الطبراني: "لا يروى هذا الحديث عن جابر إلا بهذا الإسناد، تفرد به معتمر".

قلت: هو حديث منكر؛ أصله حديث جابر في قصة جمله المشهورة، وقد رواه عن جابر جماعة من ثقات التابعين؛ فلم يأتوا فيه بهذه الألفاظ، وقد أشرت إليه في الشاهد الرابع، والمحفوظ في هذا في الصحيحين وغيرهما: فجئت المسجد؛ [يعني: بالمدينة]، فوجدته على باب المسجد، قال:"الآن حين قدمتَ"، قلت: نعم، قال:"فدع جملك، وادخل فصل ركعتين"، قال: فدخلت، فصليت، ثم رجعت [راجع الشاهد الرابع].

ومحمد بن قيس هذا: مجهول، وثقه ابن المديني، وسبق الكلام عليه في آخر طرق حديث أم هانئ السابق، فراجعه، وقد قلت هناك بأن حديثه عن أم هانئ صحيح، وأما

ص: 365

حديثه عن جابر فهو منكر؛ لأجل مخالفته أصحاب جابر في متنه، ومجيئه فيه بما لا يُعرف إلا من طريقه، والله أعلم.

10 -

حديث أبي سعيد الخدري:

رواه أحمد بن صالح [المصري: ثقة حافظ]، قال: قرأت على عبد الله بن نافع [بن أبي نافع الصائغ المدني: ثقة، صحيح الكتاب، في حفظه لين. التهذيب (2/ 443)]، قال: أخبرنا هشام بن سعد [مدني، صدوق، لم يكن بالحافظ، يهم ويخطئ؛ وهو: ثبت في زيد بن أسلم، قال أبو داود: "هشام بن سعد أثبت الناس في زيد بن أسلم". التهذيب (4/ 270)]، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الضحى ببقيع الزبير ثماني ركعات، ثم قال:"إنها صلاة رغب، ورهب".

قال عبد الله بن سليمان [هو: الحافظ الكبير: ابن أبي داود، راويه عن أحمد بن صالح]: "هذا الزبير بن عبد المطلب مات كافرًا".

أخرجه ابن شاهين في الناسخ (203)، وفي الترغيب في فضائل الأعمال (118)، والدارقطني في الأفراد (2/ 220/ 4779 - أطرافه).

قال الدارقطني: "غريب من حديث عطاء عنه، ومن حديث زيد عن عطاء، تفرد به: هشام بن سعد عنه، ولا نعلم حدث به عنه غير عبد الله بن نافع الصائغ، ولم أجده إلا من رواية أحمد بن صالح عنه".

قلت: هذا حديث غريب؛ إسناده صحيح.

11 -

حديث أنس بن مالك:

رواه عبد الله بن وهب [ثقة حافظ]، وبكر بن مضر [ثقة ثبت]، ورشدين بن سعد [ضعيف]:

عن عمرو بن الحارث [ثقة حافظ]، عن بكير بن الأشج [بكير بن عبد الله بن الأشج: مدني، نزيل مصر، ثقة ثبت، إمام]، عن الضحاك بن عبد الله القرشي، عن أنس بن مالك، أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، صلى سبحة الضحى ثمان ركعات، فلما انصرف، قال:"إني صليت صلاة رغبة ورهبة، سألت ربي عز وجل ثلاثًا، فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة، سألت أن لا يبتلي أمتي بالسنين، ففعل، وسألته أن لا يُظهر عليهم عدوهم، ففعل، وسألته أن لا يلبسهم شيعًا، فأبى عليَّ".

أخرجه النسائي في الكبرى (1/ 269/ 489)(3/ 385/ 9 - ط. التأصيل)، وابن خزيمة (2/ 230/ 1228)، والحاكم (1/ 314)(2/ 90/ 1197 - ط. الميمان)، والضياء في المختارة (6/ 208 و 209/ 2220 و 2221)، وأحمد (3/ 146 و 156)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 326)، [التحفة (1/ 445/ 920)، الإتحاف (2/ 57/ 1216)، المسند المصنف (2/ 61/ 597)].

ص: 366

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه بهذا اللفظ، إنما اتفقا على حديث أم هانئ في ثمان ركعات الضحى فقط".

قال البخاري في التاريخ الكبير (4/ 334): "الضحاك بن عبد الله القرشي، عن أنس: روى عنه بكير بن الأشج، إن لم يكن ابن خالد فلا أعرفه؛ لأن عيسى بن مغيرة بن الضحاك بن عبد الله بن خالد بن حزام"، وتبعه ابن حبان في الثقات في الاقتصار على شيخه وتلميذه [الثقات (4/ 388)]، قلت: بكير بن الأشج معروف بالرواية عن الضحاك بن عبد الله بن خالد بن حزام [انظر: الطبقات الكبرى (94 - متمم)، الطهور لأبي عبيد (18)، الآحاد والمثاني (6/ 57/ 3263)، المعجم الكبير للطبراني (3/ 198/ 3112 - 3114) و (24/ 234/ 593 و 594)، المستدرك (2/ 3) (3/ 7/ 2161 - ط. الميمان)، معرفة الصحابة لأبي نعيم (6/ 3305/ 7586)]، وقد روى أيضًا: عن حكيم بن حزام، ومحمود بن لبيد، لذا فإن أبا حاتم زاد في شيوخه: حكيم بن حزام، ثم حكى كلام البخاري [الجرح والتعديل (4/ 459)] [وانظر: تعجيل المنفعة (483)، الثقات لابن قطلوبغا (5/ 356)]، وقال الدارقطني:"مدني ثقة، يحتج به، يروي عن أنس"[سؤالات البرقاني (235)].

قلت: الضحاك بن عبد الله بن خالد بن حزام: لم يرو عنه سوى بكير بن الأشج، وذكره ابن حبان في الثقات، ووثقه الدارقطني، وله أحاديث، وحديثه هذا لم يأت فيه بما ينكر؛ ولا يعارضه حديث أنس المتقدم [عند البخاري (670 و 1179)، في قصة الرجل الضخم، وفيه: قال فلان بن الجارود لأنس بن مالك: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ قال: لم أره صلى إلا يومئذ؛ إذ النفي حينئذ كان متوجهًا إلى صلاته في الحضر، والإثبات هنا متعلق بواقعة حال في السفر.

كذلك: فإن الشق الأول من هذا الحديث في صلاة الضحى في السفر ثماني ركعات: معروف ثابت صحيح من حديث أم هانئ.

وأما شقه الثاني: فقد روي من وجه آخر عن الحسن عن أنس، والمحفوظ فيه: عن الحسن مرسلًا [أخرجه الطبراني في الصغير (1)، وفي حديثه لأهل البصرة بانتقاء ابن مردويه (99)، وانظر: علل الدارقطني (12/ 66/ 2423)، وقال في المرسل: "وهو أشبه بالصواب"].

وهو مروي من حديث سعد بن أبي وقاص [عند: مسلم (2890)]، ومن حديث ثوبان [عند: مسلم (2889)]، ومن حديث خباب بن الأرت [عند: الترمذي (2175)، وقال:"حسن صحيح". والنسائي (3/ 216/ 1638)، وابن حبان (16/ 218/ 7236)، وأحمد (5/ 108 و 109)، وغيرهم]، ومن حديث خالد الخزاعي [وهو حديث حسن.

راجع تخريجه في فضل الرحيم الودود (8/ 594/ 795)]، ومن حديث غيرهم من الصحابة، مثل: معاذ بن جبل، وأبي بصرة الغفاري، وابن عمر، وحذيفة، وعلي بن أبي طالب، وأبي هريرة، وجابر بن عتيك، وشداد بن أوس.

ص: 367

وحديثه هذا قد صححه ابن خزيمة والحاكم والضياء.

فهو حديث حسن، والله أعلم.

12 -

حديث ابن أبي أوفى:

رواه سلمة بن رجاء، عن الشعثاء - امرأة من بني دارم -، قالت: دخلت على ابن أبي أوفى، فرأيته يصلي الضحى ركعتين، فقلت له: أراك إنما صليت ركعتين؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما صلى الضحى ركعتين حين بشر بالفتح، وحين جيء برأس أبي جهل.

أخرجه ابن ماجه (1391) مختصرًا. والدارمي (1606 - ط. البشائر)، والبزار (8/ 295/ 3368)، وأبو يعلى (4/ 541/ 643 - مطالب)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 287/ 2881)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 149)، وابن عدي في الكامل (3/ 331)، وابن شاهين في فوائده (27)، وابن أخي ميمي الدقاق في فوائده (219)، وأبو طاهر المخلص في السادس من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (26)(1045 - المخلصيات)، والبيهقي في الدلائل (3/ 89) و (5/ 81)، والضياء في المختارة (13/ 115/ 188 - 190)، [التحفة (4/ 168/ 5186)، الإتحاف (6/ 505/ 6891)، المسند المصنف (11/ 25/ 5140)].

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم أحدًا رواه بهذا اللفظ إلا ابن أبي أوفى، ولا نعلم له طريقًا إلا هذا الطريق".

وقال العقيلي: "ولا يتابع عليه، والحديث في صلاة الضحى ثابت عن أم هانئ، وصلاة ركعتين حين أوتي برأس أبي جهل لا يعرف إلا من هذا الطريق".

وقال ابن عدي عن سلمة بن رجاء: "ولسلمة بن رجاء غير ما ذكرت من الحديث، وأحاديثه أفراد وغرائب، ويحدث عن قوم بأحاديث لا يتابع عليه".

قلت: هو حديث منكر؛ تفرد به سلمة بن رجاء، وهو في الأصل صدوق؛ إلا أنه ينفرد عن الثقات بأحاديث لا يتابع عليها، كما قال ابن عدي والدارقطني، وهذا منها؛ فقد أنكره عليه: العقيلي وابن عدي وغيرهما [التهذيب (2/ 72)، إكمال مغلطاي (6/ 10)، الميزان (2/ 189)].

وشعثاء بنت عبد الله الأسدية الكوفية: مجهولة [التهذيب (4/ 678)].

13 -

حديث علي بن أبي طالب:

وهو حديث منكر، تقدم تخريجه مفصلًا برقم (1272 و 1275).

14 -

حديث جبير بن مطعم:

رواه نافع بن جبير بن مطعم، عن أبيه؛ أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى.

وهو حديث ضعيف، سبق تخريجه في فضل الرحيم الودود (8/ 386/ 765).

15 -

حديث حذيفة:

رواه عبد الله بن نمير [ثقة ثبت]، وعبدة بن سليمان [ثقة ثبت]:

عن محمد بن إسحاق [صدوق]، عن حكيم بن حكيم [هو: ابن عباد بن حنيف:

ص: 368

حسن الحديث. سبق الكلام عليه عند الحديث رقم (393)]، عن علي بن عبد الرحمن، عن حذيفة [وفي رواية عبدة: سمع حذيفة بن اليمان]، قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حرة بني معاوية، فصلى الضحى ثمان ركعات، طوَّل فيهنَّ.

وفي رواية: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حرة بني معاوية، واتبعت أثره حتى ظهر عليها، فصلى الضحى ثماني ركعات، طوَّل فيهنَّ، ثم انصرف، فقال:"يا حذيفة، طوَّلتُ عليك؟ "، قلت: الله ورسوله أعلم، قال:"إني سألت الله فيها ثلاثًا، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة، سألته أن لا يظهر على أمتي غيرها فأعطانيها، وسألته أن لا يهلكها بالسنين فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعني".

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2/ 175/ 7816)(5/ 188/ 8030 - ط. الشثري) و (6/ 64/ 29506) و (6/ 312/ 31696)، وفي المسند (647 - مطالب)، والبخاري في التاريخ الكبير (6/ 285)، [المسند المصنف (7/ 393/ 3729)].

ترجم البخاري في تاريخه الكبير (6/ 285) لعلي بن عبد الرحمن المعاوي الأنصاري المديني، وأنه سمع ابن عمر، ثم أتبعه بإسناد حديث حذيفة هذا، ثم قال:"قال محمد بن سلمة: علي بن عبد الرحمن مولى ربيعة بن الحارث، فلا أدري هو الأول أم لا؟ ".

ثم جاء ابن أبي حاتم فأفرد ترجمة المعاوي وحده، دون ذكر مولى ربيعة بن الحارث [الجرح والتعديل (6/ 195)]، ثم جاء ابن حبان ففرق بينهما وأفرد لكل واحد منهما ترجمة مستقلة [الثقات (5/ 166)].

قلت: علي بن عبد الرحمن هذا الأقرب عندي أنه المعاوي، من بني معاوية بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف من الأوس الأنصاري المدني، وهو: ثقة؛ وذلك أن هذا الحديث قد رواه عبد الله بن عمر:

فقد روى مالك بن أنس، عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك، أنه قال: جاءنا عبد الله بن عمر في بني معاوية، وهي قرية من قرى الأنصار، فقال: هل تدرون أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجدكم هذا؟ فقلت له: نعم، وأشرت له إلى ناحية منه، فقال: هل تدري ما الثلاث التي دعا بهن فيه؟ قال: فقلت: نعم، قال: فأخبرني بهن، قال: فقلت: دعا بأن لا يظهر عليهم عدوًا من غيرهم، ولا يهلكهم بالسنين، فأعطيهما، ودعا بأن لا يجعل بأسهم بينهم؛ فمنعها، قال: صدقت، قال: فلن يزال الهرج إلى يوم القيامة.

أخرجه مالك في الموطأ (1/ 296/ 575)، ومن طريقه: ابن شبة في تاريخ المدينة (1/ 49/ 210)، وأبو العرب التميمي في المحن (59)، وأبو أحمد الحاكم في عوالي مالك (188)، والحاكم (4/ 517)، وابن عبد البر في التمهيد (19/ 196)، [المسند المصنف (6/ 539/ 3441)].

هكذا رواه عن مالك: أبو مصعب الزهري (624)، ويحيى بن يحيى الليثي (575)، وعبد الرحمن بن القاسم (300 - بتلخيص القابسي)، وعبد الله بن وهب، ومعن بن عيسى،

ص: 369

ويحيى بن عبد الله بن بكير، وإسحاق بن سليمان الرازي، وروح بن عبادة، ومحمد بن يحيى بن علي الكناني أبو غسان المدني [وهم تسعة من الثقات، وفيهم جماعة من رواة الموطأ، وأثبت أصحاب مالك]، وسويد بن سعيد (204 - في رواية) [الحدثاني: صدوق في نفسه؛ إلا أنه تغير بعدما عمي، وصار يتلقن، فضعِّف بسبب ذلك].

* وخالفهم: عبد الله بن مسلمة القعنبي (365)[ثقة، ثبت في موطأ مالك]، وعبد الرحمن بن مهدي [ثقة ثبت، حافظ إمام]، وسويد بن سعيد (204) [وزاد ابن عبد البر: عبد الله بن يوسف التنيسي، وموسى بن أعين الجزري، ومطرف بن عبد الله اليساري، وهم ثقات]:

فرووه عن مالك، عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك، عن جابر بن عتيك؛ أنه قال: جاءنا عبد الله بن عمر رضي الله عنه بني معاوية،

فذكر مثله.

أخرجه أحمد (5/ 445)(10/ 5668/ 24246 - ط. المكنز)، والجوهري في مسند الموطأ (450)، [الموطأ (365 - رواية القعنبي)، الموطأ (204 - رواية سويد)][الإتحاف (3/ 6176/ 3883)، المسند المصنف (6/ 539/ 3441)].

ولو كان هذا الوجه محفوظًا؛ لكان من مسند ابن عمر وجابر بن عتيك معًا، وصفه جابر، وصدَّقه ابن عمر [الإيماء إلى أطراف الموطأ (2/ 490)].

* وخالفهم: عبد الرحمن بن القاسم [في رواية عنه]، وعبد الله بن نافع الصائغ [مدني، لا بأس به، صحيح الكتاب، في حفظه لين، لزم مالكًا، لكن روى عنه غرائب. التهذيب (2/ 443)]:

فروياه عن مالك بن أنس، عن عبد الله بن جابر بن عتيك، عن جابر بن عتيك رضي الله عنه؛ أنه قال: جاءنا عبد الله بن عمر في بني معاوية،

فذكر مثله.

أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 156/ 2140)، وأبو عمرو الداني في السنن الواردة في الفتن (5).

قال ابن عبد البر في التمهيد (19/ 195): "هكذا روى يحيى هذا الحديث بهذا الإسناد، وقد اضطربت فيه رواة الموطأ عن مالك اضطرابًا شديدًا، فطائفة منهم تقول كما قال يحيى: عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك؛ أنه قال: جاءنا عبد الله بن عمر، لم يجعلوا بين عبد الله شيخ مالك هذا وبين ابن عمر أحدًا، منهم: ابن وهب وابن بكير ومعن بن عيسى، وطائفة منهم تقول: عن مالك عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك عن عتيك بن الحارث بن عتيك أنه قال: جاءنا عبد الله بن عمر، منهم: ابن القاسم على اختلاف عنه، وقد روي عنه مثل رواية يحيى وابن وهب وابن بكير، وطائفة منهم تقول: مالك عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك عن جابر بن عتيك أنه قال: جاءنا عبد الله بن عمر، منهم: القعنبي على اختلاف عنه في ذلك، والتنيسي وموسى بن أعين ومطرف"، قال أبو عمر: "رواية يحيى هذه أولى بالصواب عندي إن شاء الله - والله أعلم -

ص: 370

من رواية القعنبي ومطرف؛ لمتابعة ابن وهب ومعن وأكثر الرواة له على ذلك، وحسبك بإتقان ابن وهب ومعن، وقد صحح البخاري رحمه الله وأبو حاتمٍ الرازي سماع عبد الله بن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك من ابن عمر" [وانظر أيضًا: الاستذكار (2/ 535)].

قلت: عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك الأنصاري المديني: ثقة، من الرابعة، قال البخاري:"سمع ابن عمر وأنسًا"، وتبعه على ذلك أبو حاتم وابن حبان، وفيه دليل على ترجيح رواية من رواه عن مالك بإسقاط الواسطة بينه وبين ابن عمر [التاريخ الكبير (5/ 126)، الجرح والتعديل (5/ 90)، الثقات (5/ 29)، مشاهير علماء الأمصار (503)، التهذيب (2/ 367)].

وقال الدارقطني: "القول الأول: أصح"؛ يعني: من أسقط الواسطة، فجعله عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك، أنه قال: جاءنا عبد الله بن عمر [الإيماء إلى أطراف الموطأ (2/ 490)].

° والحاصل: فإن حديث عبد الله بن عمر هذا: حديث مدني صحيح، أخرجه مالك في موطئه، وحسبك به.

• وانظر فيمن رواه من المتروكين والمتهمين: ما أخرجه ابن قانع في المعجم (1/ 141)، والطبراني في الكبير (2/ 192/ 1781).

• ورواه إسماعيل بن إسحاق القاضي [الإمام الكبير، شيخ الإسلام، الحافظ المتقن، الفقيه المتفنن. تاريخ بغداد (6/ 284)، السير (13/ 339)]، ومحمد بن إسماعيل البخاري [جبل الحفظ والإتقان، إمام الدنيا في فقه الحديث]:

قالا: حدثنا إسماعيل بن أبي أويس [ليس به بأس، له غرائب لا يتابع عليها]، قال: حدثني أخي [أبو بكر بن أبي أويس، وهو: عبد الحميد بن عبد الله الأصبحي، وهو: مدني ثقة]، عن سليمان بن بلال [مدني، ثقة]، عن عبيد الله بن عمر [العمري، المدني: ثقة ثبت]، عن عبد الله بن عبد الله الأنصاري من بني معاوية [كذا قال إسماعيل القاضي، وقال البخاري: عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري]؛ أن عبد الله بن عمر جاءهم، فسأله أن يخرج له وضوءًا، قال: فأخرجت له وضوءًا، فتوضأ ثم قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم دعا ربه في مسجدكم، وسأل ربه ثلاثًا، فأعطاه اثنين ومنعه واحدة، سأله أن لا يسلط على أمته عدوًا من غيرهم يظهر عليهم، فأعطاه ذلك، وسأله أن لا يهلكهم بالسنين، فأعطاه ذلك، وسأله أن لا يجعل بأسهم بينهم، فمنعه ذلك.

أخرجه ابن عبد البر في التمهيد (19/ 196)، والبغوي في شرح السنة (14/ 213 - 214/ 4013)، وقاضي المارستان في مشيخته (265).

وتابعي هذا الحديث، عبد الله بن عبد الله الأنصاري من بني معاوية، هو: عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك الأنصاري المديني، السابق ذكره في الطريق الآنفة الذكر.

وليس هو: عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري، كما وقع في رواية البخاري، وإن

ص: 371

كان إسماعيل بن أبي أويس كان قد أخرج أصوله للبخاري، وأذن له أن ينتقي منها، وأن يعلم له على ما يحدث به، ليحدث به ويعرض عما سواه، قال ابن حجر:"وهو مشعر بأن ما أخرجه البخاري عنه هو من صحيح حديثه؛ لأنه كتب من أصوله"[التهذيب (1/ 157)، ترتيب المدارك (1/ 213)، هدي الساري (391)]، وذلك لأنه معارض برواية أحد الحفاظ المتقنين، فدل على وهم ابن أبي أويس فيما حدث به البخاري.

وهذا حديث غريب جدًّا؛ إذ لم يشتهر عن عبيد الله بن عمر العمري، ولا يُعرف من إلا من طريق إسماعيل بن أبي أويس، وهو: ليس به بأس، لكنه كثير الغرائب؛ فأين أصحاب عبيد الله على كثرتهم، والله أعلم.

° إذا تبين ذلك، وهو ثبوت هذا الحديث في قصة صلاته صلى الله عليه وسلم في مسجد بني معاوية من حديث ابن عمر، فهذا مما يرجح كون حديث حذيفة من رواية علي بن عبد الرحمن المعاوي؛ وذلك من وجهين: الأول: أنه الأولى برواية هذه القصة، لما فيها من منقبة لقومه، والثاني: أن المعاوي معروف بالرواية عن ابن عمر، وقد سمع منه.

وحديث ابن عمر الصحيح لم يشتمل على موضع الشاهد مت حديث حذيفة، وهو قوله: فصلى الضحى ثماني ركعات، طوَّل فيهنَّ، وإنما اقتصر على ذكر الصلاة في مسجد بني معاوية، وأنه صلى الله عليه وسلم سأل ربه ثلاثًا، أعطاه منها اثنتين ومنعه واحدة، وعليه: فإن حديث حذيفة: حديث شاذ؛ ولعل التبعة فيه تقع على حكيم بن حكيم عباد بن حنيف؛ فإنه كان حسن الحديث، ممن يهم في الرواية، وقال فيه ابن سعد:"كان قليل الحديث، ولا يحتجون بحديثه"، وحديث أخيه عثمان بن حكيم الآتي أولى من حديثه أيضًا، بل هو مخالف له؛ إذ لم يثبت فيه إلا أنه صلى الله عليه وسلم مر بمسجد بني معاوية فدخل فركع فيه ركعتين، ثم ذكر الدعاء والمسألة، والله أعلم.

• نعم؛ قد ثبت من وجه آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلِّ فيه إلا ركعتين:

فقد روى عبد الله بن نمير، ويعلى بن عبيد الطنافسي، ومروان بن معاوية الفزاري، وعلي بن مسهر، وعبد الواحد بن زياد [وهم ثقات]:

عن عثمان بن حكيم: أخبرني عامر بن سعد، عن أبيه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل ذات يوم من العالية، حتى إذا مر بمسجد بني معاوية دخل فركع فيه ركعتين، وصلينا معه، ودعا ربه طويلًا، ثم انصرف إلينا، فقال صلى الله عليه وسلم:"سألت ربي ثلاثًا، فأعطاني ثنتين ومنعني واحدةً، سألت ربي: أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها".

أخرجه مسلم (2890)، وأبو عوانة (5/ 128/ 5051 - إتحاف)، وابن خزيمة (2/ 174/ 1222)، وابن حبان (16/ 219/ 7237)، وأحمد (1/ 175 و 181)، وابن أبي شيبة (6/ 29509/64) و (6/ 311/ 31695)، والدورقي في مسند سعد (39)، وابن شبة في تاريخ المدينة (1/ 49/ 211 و 212)، وابن أبي عاصم في الديات (74)، والبزار (3/

ص: 372

328/ 1125)، وأبو يعلى (2/ 84/ 734)، وأبو سعيد المفضل الجندي في فضائل المدينة (59)، والحسن بن رشيق العسكري في جزئه (7)، وأبو نعيم في الإمامة (168)، وأبو عمرو الداني في السنن الواردة في الفتن (7)، والبيهقي في الدلائل (6/ 526)، والواحدي في التفسير الوسيط (2/ 284)، والبغوي في شرح السنة (14/ 214/ 4014)، وفي التفسير (2/ 132)، [التحفة (3/ 258/ 3886)، الإتحاف (5/ 128/ 5051)، المسند المصنف (9/ 4419/ 201)].

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن سعد إلا من هذا الوجه، ولا نعلم رواه عن عامر إلا عثمان بن حكيم، ولا نعلم روى عثمان بن حكيم عن عامر إلا هذين الحديثين، وقد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم جماعة منهم: معاذ بن جبل، وحذيفة بن اليمان، وأنس بن مالك، وخالد أبو نافع بن خالد، وجماعة".

قلت: هو حديث ثابت صحيح، لا يضره تفرد عثمان بن حكيم بن عباد بن حنيف به، فهو متفق على توثيقه، وقال فيه أحمد:"ثقة ثبت"[التهذيب (3/ 58)]، وقد صححه: مسلم وأبو عوانة وابن خزيمة وابن حبان، وحديثه هذا أولى من حديث أخيه: حكيم بن حكيم، والله أعلم.

• وانظر أيضًا فيما لا يثبت: معرفة الصحابة لابن منده (1/ 383) وقال: "حديث غريب". معرفة الصحابة لأبي نعيم (2/ 860 / 2239) و (4/ 2349/ 5774)، مجمع الزوائد (2/ 236)، كنز العمال (8/ 188/ 23437).

***

1293 -

. . . مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: ما سبَّح رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سُبحةَ الضحى قطُّ، وإني لأُسبِّحُها، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لَيَدَعُ العملَ وهو يحبُّ أن يعملَ به خشيةَ أن يعملَ به الناسُ فيفرضَ عليهم.

حديث متفق على صحته

أخرجه مالك في الموطأ (1/ 218/ 417)، ومن طريقه: البخاري في الصحيح (1128)، وفي التاريخ الأوسط (1/ 173/ 804)، ومسلم (718)، وأبو عوانة (2/ 10/ 2124)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 1618/312)، والنسائي في الكبرى (1/ 266/ 482)، وابن حبان (2/ 12/ 313)، وأحمد (6/ 178)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2314)، والجوهري في مسند الموطأ (164)، وابن بشران في الأمالي (1553)، وابن حزم في المحلى (7/ 18)، والبيهقي (3/ 50)، والبغوي في شرح السنة (4/ 137/ 1004)، وقال:"هذا حديث متفق على صحته". وفي الشمائل (608)،

ص: 373

[التحفة (11/ 406/ 16590)، الإتحاف (17/ 189/ 22107) و (17/ 200/ 22121)، المسند المصنف (37/ 236/ 17863)].

رواه عن مالك: عبد الله بن مسلمة القعنبي (220)، وعبد الله بن يوسف التنيسي، ويحيى بن يحيى النيسابوري، وأبو مصعب الزهري (404)، وعبد الرحمن بن القاسم (37 - بتلخيص القابسي)، ويحيى بن يحيى الليثي (417)، وعبد الرحمن بن مهدي، وعبد الله بن وهب، وإسحاق بن عيسى الطباع، وروح بن عبادة، وقتيبة بن سعيد، وإسماعيل بن أبي أويس.

• تابع مالكًا عليه:

معمر بن راشد، وعقيل بن خالد، وشعيب بن أبي حمزة، ويونس بن يزيد، وابن أبي ذئب، وابن جريج، وعبد الرحمن بن نمر، وإبراهيم بن أبي عبلة [وهم ثقات، وفيهم جماعة من أثبت أصحاب الزهري، من الطبقة الأولى من أصحابه]:

عن الزهرى، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ما رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم سبَّح سُبحةَ الضحى، وإني لأُسبِّحُها.

وفي رواية معمر: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبح سبحة الضحى، قال: وكانت عائشة تسبحها، وكانت تقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يترك العمل خشية أن يستنَّ به الناس فيُفرَض علبهم، وكان يحبُّ ما خفَّ على الناس.

وفي رواية له: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يترك العمل وهو يحب أن يعمله كراهية أن يستن الناس به فيُفرض عليهم، فكان يحب ما خفف عليهم من الفرائض.

وزاد معمر في رواية: وما أحدث الناس شيئًا أحبَّ إليَّ منها.

ولفظ عقيل [عند ابن حبان وأحمد]: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبح سبحة الضحى، وكانت عائشة تسبحها، وكانت تقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك كثيرًا من العمل خشية أن يستنّ الناسُ به، فيفرض عليهم.

ولفظ شعيب [عند أحمد]: والله! ما سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحة الضحى قط، وإني لأسبحها، وقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يترك العمل وهو يحب أن يعمله، خشية أن يستنَّ به الناس فيفرض عليهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب ما خف على الناس من الفرائض. ورواه يونس بنحوه في الطرف الثاني، دون ذكر سبحة الضحى [عند ابن خزيمة].

وفي رواية لابن جريج [عند ابن أبي شيبة]: وكان يترك أشياء كراهة أن يُستنَّ به فيها.

أخرجه البخاري (1177)، وأبو عوانة (2/ 10/ 2124)، وابن خزيمة (3/ 293/ 2104)، وابن حبان (2/ 10/ 312) و (6/ 273/ 2532)، وأحمد (6/ 33 و 86 و 168 و 169 و 177 و 209 - 210 و 215 و 223 و 238)، والطيالسي (3/ 52/ 1539)، وعبد الرزاق (3/ 78/ 4867)، وابن أبي شيبة (2/ 172/ 7779 و 7780)، وإسحاق بن

ص: 374

راهويه (2/ 298 و 299/ 819 و 820) و (2/ 342/ 870)، وعبد بن حميد (1478)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (2781)، والطبراني في مسند الشاميين (1/ 67/ 79) و (4/ 124/ 2900) و (4/ 125/ 2904) و (4/ 197/ 3093)، وأبو الفضل الزهري في حديثه (301)، والبيهقي (3/ 49)، [التحفة (11/ 419/ 16621)، الإتحاف (17/ 189/ 22107) و (17/ 200/ 22121)، المسند المصنف (37/ 17863/236)].

• خالفهم؛ فوهم، وزاد فيه ما ليس منه:

الأوزاعي، فرواه عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحة الضحى في سفر، ولا حضر.

أخرجه الدارمي (1599 - ط. البشائر)، وأحمد (6/ 85)، [الإتحاف (17/ 189/ 22107)، المسند المصنف (37/ 238/ 17864)].

وهذه رواية شاذة، خالف فيها الأوزاعي أثبت أصحاب الزهري، وهُم جماعة، والوهم أبعد عن الجماعة من الواحد، والأوزاعي: قال فيه الجوزجاني: "ربما يهم عن الزهري"، وقال ابن معين:"الأوزاعي في الزهري: ليس بذاك؛ أخذ كتاب الزهري من الزبيدي"، وقال يعقوب بن شيبة:"الأوزاعي: ثقة ثبت؛ إلا روايته عن الزهري خاصة فإن فيها شيئًا"، وقال عمر بن عبد الواحد عن الأوزاعي:"ودفع إليَّ الزهري صحيفة، وقال: اروها عني"[شرح علل الترمذي (2/ 674)، التهذيب (2/ 538)].

° قال البيهقي: "وعندي - والله أعلم - أن المراد به ما رأيته داوم على سبحة الضحى، وإني لأسبحها؛ أي: أداوم عليها، وكذا قولها: ما أحدث الناس شيئًا، تعني: المداومة عليها".

فيكون نفيًا للمداومة لا لأصلها.

وذهب ابن عبد البر إلى أن العلم بكون النبي صلى الله عليه وسلم صلى الضحى أحيانًا من العلم الذي خفي على عائشة رضي الله عنها، ثم قال:"وليس أحد من الصحابة إلا وقد فاته من الحديث ما أحصاه غيره، والإحاطة ممتنعة"، إلى أن قال:"وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم آثار كثيرة حسان في صلاة الضحى"، ثم أسند حديث أم هانئ ثم قال:"فحفظت أم هانئ ما جهلت عائشة، وأين أم هانئ في الفقه والعلم من عائشة؟ "، ثم قال أيضًا:"فهذه الآثار كلها حجة لعائشة في قولها: ما سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحة الضحى قط؛ لأن كثيرًا من الصحابة قد شركها في جهل ذلك"[التمهيد (8/ 135)].

وقال أيضًا في الاستذكار (2/ 265): "

لأن من لم يعلم ليس بشاهد، ولا يحتج بمن لا علم له فيما يوجد علمه عند غيره، ولكن قولها ذلك يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصلِّ الضحى في بيتها قط، وليس أحد من الصحابة إلا وقد فاته من علم السنن ما وجد عند غيره من هو أقل ملازمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم"، وإن كان قد ألمح في موضع أن النفي في حديث عائشة إنما هو أغلبي وليس مطلقًا، وقال: "فهذه الآثار كلها تدل على أن قول

ص: 375

عائشة: ما سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحة الضحى قط؛ هو الأغلب من أمره، وأنه لم يصلِّها في بيتها، والله أعلم".

ثم عمد ابن عبد البر بعد ذلك إلى رد حديث معاذة العدوية عن عائشة في إثباتها صلاة الضحى، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليها أربعًا ويزيد ما شاء الله، وهو حديث صحيح، أخرجه مسلم (719)، وإسناده على شرط الشيخين [تقدم ذكره تحت الحديث السابق (1292)]، والجمع بين الحديثين ممكن غير متعذر؛ فوجب المصير إليه، وفي كلام ابن عبد البر ما يشير إلى إمكانية الجمع؛ فإنه أثبت قول عائشة في النفي، وقيده بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصلِّي الضحى في بيتها، ثم أثبت وقوع هذه الصلاة من النبي صلى الله عليه وسلم بإخبار غيرها من الصحابة، فما المانع من كون عائشة سمعت بعض الصحابة يذكر ذلك فأخبرت به في الإثبات، والذي روته عنها معاذة، ويحمل النفي على مشاهدتها، كما قال القاضي عياض.

° وقد جمع أهل العلم بين النفي والإثبات بصور من وجوه الجمع؛ فمنهم:

من قدم الإثبات على النفي؛ إذ المثبت شاهد، وهو مقدم على النافي لما معه من زيادة علم غاب عن النافي.

ومنهم من حمل رواية معاذة المطلقة على رواية عبد الله بن شقيق المقيدة بالمجيء من السفر؛ فيحمل النفي على غير سبب، والإثبات على أنه صلاها لسبب [التوضيح (9/ 42)].

وقيل: سبب النفي أنه صلى الله عليه وسلم ما كان يكون عند عائشة في وقت الضحى إلا في نادر من الأوقات، فإما مسافر أو حاضر في المسجد أو غيره أو عند بعض نسائه، فإنما كان لها يوم من تسعةٍ، فيصح قولها: ما رأيته يصليها [إخبارًا عن مشاهدتها]، وتكون قد علمت بخبره أو خبر غيره أنه صلاها [شرح النووي على صحيح مسلم (5/ 230)، المجموع شرح المهذب (4/ 38)، التوضيح (9/ 45)].

وقال القاضي عياض في إكمال المعلم (3/ 53): "وقولها: "قط" على المشاهدة منها لا على الصلاة، والأشبه عندى في الجمع بين حديثيها: أن يكون إنما أنكرت صلاة الضحى المعهودة حينئذ عند الناس، على الذي اختاره جماعة من السلف من صلاتها ثمانى ركعات، وإنه إنما كان يصليها أربعًا كما قالت، ثم يزيد ما شاء"[التوضيح (9/ 45)].

وقد رأى جماعة صلاتها في بعض الأيام دون بعض؛ ليخالف بينها وبين الفرائض [إكمال المعلم (3/ 53)، التوضيح (9/ 45)].

وقيل غير ذلك مما نقله ابن حجر عن أصحاب هذه الأقوال، وكان مما قال في تلخيص كلام القاضي (3/ 56): "وقال عياض وغيره: قوله: ما صلاها؛ معناه ما رأيته يصليها، والجمع بينه وبين قولها: كان يصليها؛ أنها أخبرت في الإنكار عن مشاهدتها، وفي الإثبات عن غيرها، وقيل في الجمع أيضًا: يحتمل أن تكون نفت صلاة الضحى المعهودة حينئذ من هيئة مخصوصة بعدد مخصوص في وقت مخصوص، وأنه صلى الله عليه وسلم إنما كان

ص: 376

يصليها إذا قدم من سفر لا بعدد مخصوص ولا بغيره، كما قالت: يصلي أربعًا ويزيد ما شاء الله".

وقال في الدراية (1/ 201): "فالجمع بينهما: أن يحمل الإنكار على المشاهدة، والإثبات على الإخبار عن غيرها، أو الإنكار على الإعلان، والإثبات على الإخفاء، أو الإنكار على المواظبة والإثبات على المعاهدة، أو الإنكار على صفة مخصوصة في وقت مخصوص كثماني ركعات في الضحى، والإثبات على أربع أو ست وفي وقت دون وقت، والله أعلم".

* ومما روي أيضًا في نفي رؤية النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي الضحى:

1 -

حديث ابن عمر:

أ - رواه يحيى بن سعيد القطان، ومحمد بن جعفر غندر، ومعاذ بن معاذ، ووكيع بن الجراح، وأبو داود الطيالسي:

عن شعبة، عن توبة العنبري، عن مورق العجلي، قال: قلت لابن عمر رضي الله عنهما: أتصلي الضحى؟ قال: لا، قلت: فـ[صلاها] عمر؛ قال: لا، قلت: فـ[صلاها] أبو بكر؟ قال: لا، قلت: فـ[صلاها] النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا إخاله.

أخرجه البخاري (1175)، وأحمد (2/ 23 و 45)، والطيالسي (3/ 453/ 2058)، وابن أبي شيبة (2/ 172/ 7773)، والبزار (12/ 312/ 6170)، والطبراني في الكبير (13/ 294/ 14070)، [التحفة (5/ 336/ 7465)، الإتحاف (8/ 690/ 10245)، المسند المصنف (14/ 338/ 6963)].

وانظر فيمن وهم فيه على شعبة: ما أخرجه الدارقطني في الأفراد (1/ 557 /3211 - أطرافه).

قال ابن حجر في الفتح (3/ 53): "وفي الجملة ليس في أحاديث ابن عمر هذه ما يدفع مشروعية صلاة الضحى؛ لأن نفيه محمول على عدم رؤيته، لا على عدم الوقوع في نفس الأمر، أو الذي نفاه صفة مخصوصة".

ب - وروى منصور بن المعتمر، عن مجاهد، قال: دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد فإذا عبد الله بن عمر رضي الله عنه ما جالس إلى حجرة عائشة، وإذا ناس يصلون في المسجد صلاة الضحى، قال: فسألناه عن صلاتهم؟ فقال: بدعة.

ثم قال له: كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أربعًا، إحداهن في رجب، فكرهنا أن نرد عليه، قال: وسمعنا استنان عائشة أم المؤمنين في الحجرة، فقال عروة: يا أماه، يا أم المؤمنين! ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن؟ قالت: ما يقول؟ قال: يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمرات، إحداهن في رجب. قالت: يرحم الله أبا عبد الرحمن، ما اعتمر عمرة إلا وهو شاهده، وما اعتمر في رجب قط.

أخرجه البخاري (1775 و 1776 و 4253 و 4254)، ومسلم (1255)، وأبو نعيم في

ص: 377

مستخرجه على مسلم (3/ 349/ 2889)، والترمذي (937)، والنسائي في الكبرى (2/ 470 و 471/ 4217 و 4221)، وابن خزيمة (4/ 358/ 3070)، وابن حبان (9/ 260/ 3945)، وأحمد (2/ 129 و 155)، وإسحاق بن راهويه (894) و (3/ 614 و 615/ 1187 و 1188)، وابن جرير الطبري في التاريخ (2/ 210)، وأبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (752 و 858)، والطبراني في الكبير (12/ 413/ 13523)، وفي الأوسط (3/ 132/ 2705)، والبيهقي (5/ 10)، وابن عبد البر في التمهيد (22/ 289)، [راجع: فضل الرحيم الودود (4/ 230/ 358)، [التحفة (5/ 307/ 7384)، الإتحاف (8/ 640/ 10124)، المسند المصنف (38/ 162/ 18227)].

وانظر في الأوهام: ما أخرجه أبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (2136)، والطبراني في الكبير (12/ 413/ 13524) و (12/ 424/ 13563).

قال القاضي عياض في إكمال المعلم (3/ 54): "وقول ابن عمر: إنها بدعة؛ أي: ملازمتها وإظهارها في المساجد، مما لم يكن بعد".

ج - وروى عبد الرحمن بن زيد بن أسلم [ضعيف]، عن أبيه، عن سالم بن عبد الله، قال: قلت لعبد الله بن عمر: ما لي لا أراك تصلي الضحى؟ قال: لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها.

أخرجه عبد الرزاق (3/ 81/ 4877)(3/ 52/ 4928 - ط. التأصيل)، [المسند المصنف (14/ 338/ 6964)].

وهذا إسناد ضعيف؛ لضعف عبد الرحمن.

د - وروى سفيان بن عيينة، ووكيع بن الجراح:

عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، قال: سمعت ابن عمر، يقول: ما صليت الضحى منذ أسلمت؛ إلا أن أطوف بالبيت.

أخرجه عبد الرزاق (3/ 81/ 4879)(3/ 52/ 4930 - ط. التأصيل)، وابن أبي شيبة (2/ 172/ 7774)، وسعدان بن نصر في جزئه (90).

وهذا موقوف على ابن عمر بإسناد صحيح.

• وانظر بقية الآثار عن ابن عمر في صلاة الضحى في كونه يراها بدعةً ويستحسنها، وأنها أول ما أحدثت بعد قتل عثمان: ما أخرجه عبد الرزاق (3/ 78/ 4868) و (3/ 79/ 4869)، وابن أبي شيبة (2/ 172/ 7775 و 7778 و 7782) و (2/ 7799/174)(5/ 179 7988 و 7991 - ط. الشثري) و (5/ 180/ 7995 - ط. الشثري) و (5/ 184/ 8012 - ط. الشثري)، وانظر: التاريخ الكبير (2/ 393).

2 -

حديث أبي بكرة:

رواه معاذ بن معاذ [العنبري: ثقة متقن]: ثنا شعبة، عن الفضيل بن فضالة، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة؛ أن أباه رأى أناسًا يصلون صلاة الضحى، فقال: أما إنهم ليُصلُّون صلاةً ما صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عامة أصحابه.

ص: 378

أخرجه النسائي في الكبرى (1/ 265/ 480)، والدارمي (1600 - ط. البشائر)، وأحمد (5/ 45)، وابن معين في الثاني من حديثه (204)، والبزار (9/ 100/ 3635)، [التحفة (8/ 288/ 11690)، الإتحاف (13/ 564/ 17140)، المسند المصنف (26/ 497/ 12022)].

قال البزار: "هذا الحديث لا نعلم أحدًا يرويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ إلا أبو بكرة، ولا نعلم يروي هذا الحديث عن شعبة إلا معاذ بن معاذ وحده".

قلت: هو حديث حسن غريب، فضيل بن فضالة القيسي البصري: لم يرو عنه سوى شعبة، وقال ابن معين:"ثقة"، وتبعه ابن شاهين، وقال أبو حاتم:"شيخ"، وذكره ابن حبان في الثقات، وليس له في الكتب الستة سوى هذا الحديث [التهذيب (3/ 401)، المنفردات والوحدان لمسلم (1231)، الجرح والتعديل (7/ 74)، المتفق والمفترق (3/ 1767)]، ولم يروه عن شعبة سوى معاذ بن معاذ.

• فإن قيل: لم ينفرد به فضيل بن فضالة؛ فقد رواه:

عدي بن الفضل، عن أبي عمرو؛ أن عبد الرحمن بن أبي بكرة أبصر ناسًا يصلون الضحى، فقال: أخبرني أبي؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم مضى وعامة أصحابه، وما يصلون هذه الصلاة.

أخرجه الطبراني في الأوسط (5/ 301/ 5374).

قال الطبراني: "أبو عمرو هذا عندي: أبو عمرو بن العلاء الذي روى هذا الحديث، ولم يروه عنه إلا عدي بن الفضل، تفرد به: ورد بن عبد الله".

قلت: ورد بن عبد الله التميمي: ثقة، لكن الشأن في عدي بن الفضل التيمي؛ فإنه: متروك الحديث.

3 -

حديث أبي سعيد الخدري:

ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى قط، قال عمر بن الحكم: فذكرت هذا لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يترك العمل كراهية أن يراه الناس، فيعمل به خاليًا، وإني لأصليها، سعد رضي الله عنه يقول ذلك [أخرجه الحارث بن أبي أسامة (221 - بغية الباحث) (659 - مطالب)، [وفي إسناده: عمر بن إسحاق، وهو: عمر بن إسحاق بن يسار، أخو محمد صاحب السيرة: ليس بقوي. انظر: اللسان (6/ 43 و 69)، والراوي عنه: محمد بن عمر الواقدي، وهو: متروك، ويروى عن أبي سعيد خلافه، وتقدم ذكره في شواهد الحديث السابق].

° قال ابن عبد البر في التمهيد (8/ 143): "ولم يكن عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر يصلون الضحى ولا يعرفونها".

قال الأثرم في الناسخ (120): "فالوجه في هذه الأحاديث: أنه كان يصليها ويتركها، وقد ذكر فضلها، فرآه قوم يصليها فحفظوا ذاك، ورآه قوم تركها فحفظوا ذاك".

° قلت: للعلماء مذاهب في صلاة الضحى، أما الأحاديث الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم من فعله

ص: 379

فإن غالبها يمكن حمله على أنه فعلها لسبب، فحديث أم هانئ في صلاته صلى الله عليه وسلم يوم الفتح ثمان ركعات ضحى، إنما كانت من أجل الفتح، قال ابن العربي في المسالك (3/ 87):"فإن تلك الصلاة لم تكن صلاة الضحى، ولا كان المقصود بها الضحى، إنما كان المقصود بها شكر الله تعالى على ما وهب من الفتح وجميل الصنع والعافية والنصر"، وقال في القبس (1/ 335):"فكان ذلك في الضحى بالاتفاق لا بالقصد"، والدليل على صحة ما ذهب إليه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت عنه بإسناد صحيح مشهور أنه صلى الضحى ثماني ركعات إلا في هذا اليوم، وعليه يحمل حديث أنس، وقد ثبت عن أم هانئ أنها قالت: فلم أره سبَّحها قبلُ ولا بعدُ، ولم يثبتها بعد ذلك، وكانت عادته صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا صلى صلاة أثبتها، فقد روى يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة؛ أن عائشة رضي الله عنه حدثته، قالت: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرًا أكثر من شعبان، فإنه كان يصوم شعبان كله، وكان يقول:"خذوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا"، وأحب الصلاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما دُووِم عليه وإن قلَّت، وكان إذا صلى صلاة داوم عليها.

وفي رواية: "خذوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا"، وكان أحب الصلاة إليه ما داوم عليها منها وإن قلَّت، وكان إذا صلى صلاة أثبتها.

أخرجه البخاري (1970)، ومسلم (782/ 177 - كتاب الصيام). وتقدم تخريج موضع الشاهد منه تحت الحديث رقم (1273).

فلو كان صلى الله عليه وسلم صلى هذه الصلاة يوم الفتح لكونها صلاة الضحى لأثبتها بعد ذلك؛ كما فعل في ركعتي الظهر لما قضاهما بعد العصر، فأثبتهما بعد العصر حتى قبضه الله تعالى.

وكذلك صلاته صلى الله عليه وسلم في بيت عتبان بن مالك، كانت لسبب أيضًا، فإن عتبان قال له: إني أنكرت بصري، وإن السيول تحول بيني وبين مسجد قومي، فوددت أنك جئت، فصليت في بيتي مكانًا أتخذه مسجدًا، فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر معه بعدما اشتدَّ النهار فصلى في بيته، وفي معناه حديث أنس أيضًا، وحديث عائشة من أصرح الأدلة في ذلك حين قالت: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى إلا أن يقدم من مغيبه، ويدل عليه: حديث كعب بن مالك، وحديث جابر، وقد أطال ابن القيم في الزاد في عرض أدلة القول بأن صلاة الضحى لا تصلى إلا لسبب، ثم قال (1/ 357):"ومن تأمل الأحاديث المرفوعة وآثار الصحابة، وجدها لا تدل إلا على هذا القول، وأما أحاديث الترغيب فيها والوصية بها، فالصحيح منها كحديث أبي هريرة وأبي ذر لا يدل على أنها سنة راتبة لكل أحد، وإنما أوصى أبا هريرة بذلك، لأنه قد روي أن أبا هريرة كان يختار درس الحديث بالليل على الصلاة، فأمره بالضحى بدلًا من قيام الليل، ولهذا أمره ألا ينام حتى يوتر، ولم يأمر بذلك أبا بكر وعمر وسائر الصحابة".

قلت: إعراض الشيخين أبي بكر وعمر عن هذه الصلاة، وعدم المواظبة عليها في وقت الضحى، حتى نقل عنهما ابن عمر أنهما لم يكونا يصليانها، فيه دليل على ذلك،

ص: 380

لكن الأحاديث الصريحة الصحيحة في الباب عن: أبي هريرة، وأبي ذر، وأبي الدرداء، وزيد بن أرقم، ونعيم بن همار، وغيرهم تدل بمجموعها على مشروعية صلاة الضحى وفضلها، والله أعلم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في المجموع (22/ 284):"ومن هذا الباب صلاة الضحى؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يداوم عليها باتفاق أهل العلم بسنته، ومن زعم من الفقهاء أن ركعتي الضحى كانتا واجبتين عليه، فقد غلط، والحديث الذي يذكرونه: "ثلاث هن عليَّ فريضة، ولكم تطوع: الوتر، والفجر، وركعتا الضحى": حديث موضوع، بل ثبت في حديث صحيح لا معارض له: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي وقت الضحى لسبب عارض؛ لا لأجل الوقت، مثل أن ينام من الليل، فيصلي من النهار اثنتي عشرة ركعة، ومثل أن يقدم من سفر وقت الضحى، فيدخل المسجد فيصلي فيه، ومثل ما صلى لما فتح مكة ثماني ركعات، وهذه الصلاة كانوا يسمونها صلاة الفتح؛ وكان من الأمراء من يصليها إذا فتح مصرًا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما صلاها لما فتح مكة، ولو كان سببها مجرد الوقت كقيام الليل، لم يختص بفتح مكة؛ ولهذا كان من الصحابة من لا يصلي الضحى".

ثم ذكر الأحاديث الصحيحة الدالة على مشروعية صلاة الضحى، ثم قال:"وهذه الأحاديث الصحيحة وأمثالها تبين أن الصلاة وقت الضحى حسنة محبوبة".

قلت: وهذا القول عندي أعدل الأقوال، في التفريق بين فعله صلى الله عليه وسلم لهذه الصلاة المتعلق بسبب، وبين قوله العام للأمة الدال على المشروعية دون قيد، ويؤيد ذلك: عدم ورود أثر صحيح يدل على اختصاص أبي هريرة أو غيره بهذه الوصية، بدليل تكرار عين الوصية لأبي هريرة وأبي الدرداء وأبي ذر، بل قد ثبت عن أبي هريرة بإسناد صحيح أنه كان يأخذ حظه ونصيبه من قيام الليل:

فقد روى مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبي مرة مولى عقيل بن أبي طالب، أنه سأل أبا هريرة: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر؟ فسكت عنه أبو هريرة، ثم سأله، فسكت، ثم سأله، فقال: إن شئتَ أخبرتُك كيف أصنعُ؟ قال: فقلت له: فأخبرني، فقال: إذا صليتُ العشاء صليتُ بعدها خمس ركعات، ثم أنام، فإن صليتُ من الليل؛ صليتُ مثنى مثنى، وإن أصبحتُ؛ أصبحتُ على وتر.

أخرجه مالك في الموطأ (301 - رواية أبي مصعب الزهري)(250 - رواية محمد بن الحسن الشيباني)، ومن طريقه: الطحاوي (1/ 343)، والبيهقي (3/ 37)، [الإتحاف (16/ 264/ 20749)].

ويدل على ذلك أيضًا: عموم حديث نعيم بن همار قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يقول الله عز وجل: يا ابن آدم! لا تُعجِزني من أربعِ ركَعاتٍ في أول نهاركَ أكْفِكَ آخرَه"، وهو حديث صحيح، تقدم برقم (1289)، وحديث زيد بن أرقم أنه رأى قومًا يصلون من الضحى، فقال: أما لقد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل، إن

ص: 381

رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة الأوابين حين تَرمَض الفصال"، وفي رواية: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل قباء وهم يصلون [الضحى][وفي رواية: وهم يصلون بعد طلوع الشمس]، فقال:"صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال [من الضحى] "[أخرجه مسلم (748)]، وهذا لا يدل على اختصاص قوم بها دون قوم، ويسلك هذا المسلك في العموم رواية معاذة العدوية حين سألت عائشة: كم كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ قالت: أربعًا، ويزيد ما شاء الله، إخبارًا عن غيرها من الصحابة، كذلك فإنه قد ثبت عن عائشة من طرق أنها كانت تواظب على صلاة الضحى، وهي من نفت رؤيتها للنبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يسبح سبحة الضحى، وتعليل عائشة في نفس الحديث يشعر بهذا المعنى، حين قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يترك العمل وهو يحب أن يعمله، خشية أن يستنَّ به الناس فيفرض عليهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب ما خف على الناس من الفرائض، والله أعلم.

° وممن قال بهذا القول: الزهري:

فقد روى معمر بن راشد، عن الزهري، قال: سألته عن صلاة الضحى؟ فقال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون بالهواجر، أو قال: بالهجير، ولم يصلِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الضحى قط إلا يوم فتح مكة، وإذا قدم من سفر.

أخرجه عبد الرزاق (3/ 77/ 4862)(3/ 49/ 4913 - ط. التأصيل).

فأثبت للصحابة فعلها في وقت الهاجرة إذا اشتد الحر عملًا بالعمومات الدالة على مشروعيتها، وقيد فعلها بسببٍ في حق النبي صلى الله عليه وسلم. وانظر: الفتح لابن حجر (3/ 55).

***

1294 -

. . . زهير: حدثنا سماك، قال: قلتُ لجابر بن سمرة: أكنتَ تجالسُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم كثيرًا، فكان لا بقوم من مُصلاه الذي صلَّى فيه الغداةَ حتى تطلعَ الشمسُ، فإذا طلعتْ قام.

حديث صحيح

أخرجه مسلم (670/ 286) و (2322)، وأبو عوانة (1/ 365/ 1317)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 263/ 1496)، والنسائي في المجتبى (3/ 1358/80)، وفي الكبرى (2/ 105/ 1283) و (9/ 75/ 9926)(170 - عمل اليوم والليلة)، وابن حبان (14/ 153/ 6259)، وأحمد (5/ 91)، وأبو العباس السراج في مسنده (1275)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1234)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (2659 و 2661)، وفي معجم الصحابة (1/ 478 /462)، والطبراني في الكبير (2/ 226 /1933)، وابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال (115)، والبيهقي في السنن (7/ 52)، وفي الدلائل (1/ 323)، والبغوي في شرح السنة (3/ 220/ 709) و (12/ 317/ 3351)، وفي

ص: 382

الشمائل (304)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (4/ 62)، [التحفة (2/ 187/ 2155)، الإتحاف (3/ 94/ 2579)، المسند المصنف (4/ 557/ 2307)].

رواه عن زهير بن معاوية: عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل الحراني، وأحمد بن عبد الله بن يونس، ويحيى بن يحيى النيسابوري، وأبو كامل مظفر بن مدرك، وأبو النضر هاشم بن القاسم، وعلي بن الجعد، ويحيى بن آدم، وأبو غسان مالك بن إسماعيل، وعمرو بن خالد الحراني، ويحيى بن أبي بكير، والحسن بن محمد بن أعين [وهم ثقات، أكثرهم حفاظ متقنون].

ولفظ يحيى بن يحيى [عند مسلم]: قلت لجابر بن سمرة: أكنتَ تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم كثيرًا، كان لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه الصبح حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت قام، وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية، فيضحكون ويتبسم صلى الله عليه وسلم.

زاد أبو النضر: وكان كثير الصمات، وزاد: أبو كامل، وعمرو بن خالد، وابن أبي بكير، وابن يونس في رواية: وكان يطيل الصمت، فهي زيادة محفوظة لاتفاق جماعة من الحفاظ عليها.

وزاد يحيى بن آدم [عند النسائي]: وينشدون الشعر، ولعله أدخل حديثًا في حديث، فإن هذه الزيادة ليست من حديث زهير، ولكنها من حديث شريك وقيس، كما سيأتي.

وممن رواه أيضًا عن سماك:

1 -

أبو الأحوص سلام بن سليم، عن سماك، عن جابر بن سمرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر قعد في مصلاه [وفي رواية: جلس في مجلسه] حتى تطلع الشمس.

أخرجه مسلم (670/ 287)، وأبو نعيم في مستخرجه عليه (2/ 264 /1498)، والترمذي (585)، وقال:"حديث حسن صحيح". والنسائي في المجتبى (3/ 80/ 1357)، وفي الكبرى (2/ 105/ 1282)، وابن حبان (5/ 375/ 2028) و (5/ 376/ 2029)، وابن أبي شيبة في المصنف (2/ 7766/171) و (5/ 309/ 26384)، وفي الأدب (155)، وعبد الله بن أحمد في زيادات المسند (5/ 97)، وفي الزهد (83)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 228/ 1563)، والطبراني في الكبير (2/ 236/ 1982)، [التحفة (2/ 192/ 2168)، الإتحاف (3/ 94/ 2579)، المسند المصنف (4/ 557/ 2307)].

وانظر فيما لا يثبت عن أبي الأحوص في هذا: ما أخرجه أبو نعيم الأصبهاني في كتاب الشعراء (44 - المنتخب).

2 -

محمد بن جعفر، وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى بن سعيد القطان، ووهب بن جرير، وشبابة بن سوار، وأبو داود الطيالسي، ومسلم بن إبراهيم الفراهيدي، وأبو زيد سعيد بن الربيع الهروي، وإبراهيم بن طهمان، ومحمد بن إسحاق بن يسار، وعمرو بن حماد بن طلحة القناد [وهم ثقات، وفيهم أثبت الناس في شعبة]:

ص: 383

عن شعبة، عن سماك؛ أنه سأل جابر بن سمرة: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع إذا صلى الصبح؟ قال: كان يقعد في مصلاه إذا صلى الصبح حى تطلع الشمس.

أخرجه مسلم (670/ 287)، وأبو عوانة (1/ 366/ 1322)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 264/ 1499)، وابن خزيمة (1/ 372/ 757)، وأحمد (5/ 88 و 101)، والطيالسي (2/ 122/ 794)، والبزار (10/ 175/ 4251)، وأبو العباس السراج في مسنده (1269 و 1273)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1228 و 1229)، والطبراني في الكبير (12/ 217/ 1888)، وأبو الشيخ في ذكر الأقران (312)، وفي طبقات المحدثين (4/ 138)، وأبو الفضل الزهري في حديثه (733)، [التحفة (2/ 198/ 2186)، الإتحاف (3/ 94/ 2579)، المسند المصنف (4/ 557/ 2307)].

• وانفرد أحد المتروكين عن أصحاب شعبة بما ليس من حديثه:

فرواه أسلم بن سهل الواسطي [لقبه بحشل: حافظ مصنف مؤرخ، وثقه خميس الحوزي وغيره، وليَّنه الدارقطني، فقال: "تكلموا فيه". سؤالات الحاكم (106)، سؤالات السلفي (111)، السير (13/ 553)، اللسان (2/ 97)]: ثنا أحمد بن سهل بن علي الباهلي [لم يعرفه الهيثمي. مجمع الزوائد (9/ 123)]: حدثنا صلة بن سليمان: ثنا شعبة، عن سماك، عن جابر بن سمرة، قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتناشدون الشعر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع.

أخرجه بحشل في تاريخ واسط (156)، وعنه: الطبراني في الكبير (2/ 221/ 1910).

وهذا باطل من حديث شعبة؛ تفرد به عنه: صلة بن سليمان، وهو: متروك، كذبه ابن معين وأبو داود [اللسان (4/ 333)].

3 -

وكيع بن الجراح، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وعبيد الله بن موسى، وأبو داود الحفري عمر بن سعد بن عبيد [وهم ثقات، من أصحاب الثوري]:

عن سفيان الثوري، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الفجر جلس في مصلاه حى تطلع الشمس حسناء.

أخرجه مسلم (670/ 287)، وأبو عوانة (1/ 366/ 1321)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 263/ 1497)، وأبو داود (4850)، وأحمد (5/ 101 و 107)، وابنه عبد الله في زيادات المسند (5/ 100)، وابن أبي غرزة في مسند عابس الغفاري (45)، وأبو العباس السراج في مسنده (1274)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1233)، والطبراني في الكبير (2/ 216/ 1885)، والبيهقي في السنن (2/ 186)، وفي الآداب (253)، وفي الشعب (3/ 85/ 2959)، والخطيب في الجامع لأخلاق الراوي (1/ 401/ 942)، [التحفة (2/ 190/ 2164)، الإتحاف (3/ 94/ 2579)، المسند المصنف (4/ 557/ 2307)].

ص: 384

• تنبيه: اختلف على أبي داود الحفري في لفظ هذا الحديث، فرواه عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن عثمان بن محمد: حدثنا أبو داود: حدثنا سفيان به؛ فقال في آخره: لم يرجع حتى تطلع الشمس [زيادات عبد الله على المسند].

ورواه أبو داود السجستاني صاحب السنن، عن عثمان بن أبي شيبة، عن أبي داود الحفري به، بلفظ: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر تربَّع في مجلسه حتى تطلع الشمس حسناء. وهكذا رواه من طريق أبي داود: البيهقي في الآداب والخطيب البغدادي.

هكذا اختلف حافظان إمامان على عثمان بن أبي شيبة في لفظه، فقال أحدهما: لم يرجع، وقال الآخر: تربع في مجلسه، وقد خولف ابن أبي شيبة في ذلك.

فقد رواه البيهقي في السنن والشعب بإسناد صحيح إلى علي بن حرب الطائي [وهو: ثقة]، عن أبي داود الحفري به مثل رواية الجماعة: جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس.

وعلى هذا: فإن الوهم فيه عندي من عثمان بن أبي شيبة نفسه، فيكون حدَّث به أبا داود من حفظه فوهم، ثم حدث به عبد الله بن أحمد أيضًا من حفظه على التوهم [وقد حُفظت عليه أوهام، انظر: ترجمته من التهذيب (3/ 77)]، وأتى به علي بن حرب الطائي على الصواب، والله أعلم.

وعليه: فإن هاتين الزيادتين: لم يرجع، و: تربع في مجلسه: زيادتان شاذتان.

لم يأت بهما أحد من أصحاب سفيان الثوري المتقنين المقدمين فيه، مثل: وكيع بن الجراح، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، وأبي نعيم الفضل بن دكين.

وقد وهم بعضهم حين صحح الزيادة الثانية أو عزاها لمسلم.

• ورواه بشر بن منصور، عن سفيان، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح لم يبرح من مجلسه حتى تطلع الشمس حسناء.

أخرجه أبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (4/ 819/120)، وابن شاهين في الناسخ (226)، والبغوي في شرح السنة (3/ 221/ 711)، وفي الشمائل (559).

قلت: بشر بن منصور السليمي: ثقة، لكنه لم يكن من أصحاب سفيان الثوري المكثرين عنه، ولا المقدمين فيه، وقد روى هذه اللفظة بالمعنى: لم يبرح، وقد رواه الجماعة من ثقات أصحاب سفيان بلفظ: جلس، بدل: لم يبرح، ومعناهما واحد، والله أعلم.

وانظر فيمن وهم في إسناده: ما أخرجه عبد الخالق بن أسد في المعجم (119).

4 -

زكرياء بن أبي زائدة، عن سماك، عن جابر بن سمرة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الفجر جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس حسنًا. وفي رواية: حسناء.

أخرجه مسلم (670/ 287)، وأبو نعيم في مستخرجه عليه (2/ 263/ 1497)، وابن الأعرابي في المعجم (678)، والطبراني في الكبير (2/ 240/ 2006)، [التحفة (2/ 187/ 2153)، المسند المصنف (4/ 557/ 2307)].

ص: 385

5 -

زائدة بن قدامة [ثقة متقن]، عن سماك، عن جابر بن سمرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر قعد في مصلاه حتى تطلع الشمس.

أخرجه أحمد (5/ 91 و 105)، وأبو العباس السراج في مسنده (1272)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1232)، والطبراني في الكبير (2/ 224/ 1927)، [الإتحاف (3/ 94/ 2579)، المسند المصنف (/ 4/ 557 /2307)].

وهو حديث صحيح، وزائدة بن قدامة: ثقة ثبت متقن، وهو من طبقة شعبة وسفيان.

6 -

إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق [ثقة]، عن سماك، قال: قلت لجابر بن سمرة: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع إذا صلى الصبح؟ قال: كان يقعد في مصلاه حتى تطلع الشمس.

أخرجه عبد الرزاق (1/ 530/ 2026) و (2/ 238/ 3202)، وأبو العباس السراج في مسنده (1270)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1230)، والطبراني في الكبير (2/ 221/ 1913)، [المسند المصنف (4/ 557/ 2307)].

وهو حديث صحيح.

وسماك بن حرب: صدوق، تُكُلم فيه لأجل اضطرابه في حديث عكرمة خاصة، وكان لما كبر ساء حفظه؛ فربما لُقِّن فتلقن، وأما رواية القدماء عنه فهي مستقيمة، قال يعقوب بن شيبة:"وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وهو في غير عكرمة صالح، وليس من المتثبتين، ومن سمع منه قديمًا - مثل شعبة وسفيان - فحديثهم عنه: صحيح مستقيم"[انظر: الأحاديث المتقدمة برقم (68 و 375 و 447 و 622 و 656)].

فهذا الحديث من صحيح حديثه؛ فقد رواه عنه جماعة من قدماء أصحابه، مثل: سفيان وشعبة وزهير بن معاوية وزكريا بن أبي زائدة وزائدة بن قدامة وإسرائيل، وقد صححه مسلم وجماعة.

قال ابن عبد البر في التمهيد (8/ 138): "وهذا حديث صحيح، رواه الثوري وغيره جماعة عن سماك".

7 -

[عمرو بن أبي قيس [ليس به بأس، وله أوهام عن سماك. انظر: حديث هلب الطائي تحت الحديث رقم (759)]، عن سماك، عن جابر بن سمرة، قال: لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من مكانه الذي يصلي فيه حتى تطلع الشمس، ثم يقوم. قال: قلت: أكنت تجالسه؟ قال: نعم.

أخرجه أبو العباس السراج في مسنده (1271)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1231)، والطبراني في الكبير (2/ 249/ 2045)، والدارقطني في الأفراد (1/ 343/ 1876 - أطرافه).

وهو حديث حسن، مروي بالمعنى.

8 -

شريك بن عبد الله النخعي [صدوق، سيئ الحفظ]، عن سماك، قال: قلت

ص: 386

لجابر بن سمرة: أكنت تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، وكان طويل الصمت، قليل الضحك، وكان أصحابه يذكرون عنده الشعر، وأشياء من أمورهم، فيضحكون، وربما تبسم.

وفي رواية: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مائة مرة في المسجد، وأصحابه يتذاكرون [وفي رواية: يتناشدون] الشعر و [يتذاكرون] أشياء من أمر الجاهلية [وهو ساكت]، فربما تبسم معهم.

وفي أخرى: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر لم يقم من مجلسه الذي صلى فيه حتى تطلع الشمس.

أخرجه الترمذي في الجامع (2850)، وفي الشمائل (247)، وابن حبان (13/ 97/ 5781)، وأحمد (5/ 86 و 88 و 91 و 105)، وابن سعد في الطبقات (1/ 372)، وابن أبي شيبة في المصنف (5/ 278 /26062)، وفي الأدب (410)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 124/ 361 - السفر الثاني)، والبزار (10/ 186/ 4268)، وأبو يعلى (13/ 446/ 7449)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (2/ 632/ 933 - مسند عمر)، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (1/ 478/ 461)، والطحاوي في المشكل (4/ 307 1623)، والطبراني في الكبير (2/ 195/ 1789) و (2/ 229/ 1948) و (2/ 230/ 1953) و (2/ 231/ 1960)، وفي الأوسط (7/ 120/ 7031)، وابن عدي في الكامل (4/ 15)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (4/ 75)، وأبو نعيم الأصبهاني في كتاب الشعراء (44 - المنتخب)، والبيهقي (10/ 240)، والبغوي في شرح السنة (12/ 379/ 3411)، وفي الشمائل (335)، [التحفة (2/ 195/ 2176)، الإتحاف (3/ 82/ 2561)، المسند المصنف (4/ 557/ 2307)].

قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح، وقد رواه زهير عن سماك أيضًا".

وقال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم أحدًا يرويه عن سماك إلا شريك".

قلت: قد توبع عليه شريك، لكن يبقى الحديث على ضعفه في تناشد الأشعار؛ لأن من أتوا بهذه الزيادة ليسوا في رتبة أصحاب سماك المقدَّمين فيه ممن سمعوا منه قديمًا قبل أن يلقَّن، مثل سفيان الثوري وشعبة وزهير بن معاوية وزكريا بن أبي زائدة وزائدة بن قدامة وإسرائيل، ومن كان في طبقتهم.

وأما تصحيح الترمذي لحديثه؛ فقد علل التصحيح بمتابعة زهير له، لكنها متابعة غير تامة، فقد تابعه على بعض المتن دون بعض: ففي حديث زهير:

كان لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه الصبح حتى تطلع الشمس.

وكان يطيل الصمت.

وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية، فيضحكون ويتبسم صلى الله عليه وسلم.

فلم يتابع شريكًا على قوله: يتناشدون الشعر.

• ورواه أبو داود الطيالسي: ثنا شريك، وقيس، عن سماك بن حرب، قال: قلت

ص: 387

لجابر بن سمرة: أكنت تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، قال: كان طويل الصمت، قليل الضحك، وكان أصحابه ربما تناشدوا عنده الشعر والشيء من أمورهم، فيضحكون وربما تبسم.

أخرجه الطيالسي (2/ 129/ 808)، ومن طريقه: البيهقي في السنن (7/ 52)، وفي الدلائل (1/ 323)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (2/ 226).

9 -

ورواه عفان بن مسلم، وعلي بن الجعد، ومحمد بن فضيل، وعاصم بن علي [وهم ثقات]، ويحيى بن عبد الحميد الحماني [حافظ؛ إلا أنهم اتهموه بسرقة الحديث]، وغيرهم:

عن قيس بن الربيع: حدثني سماك بن حرب، عن جابر، قال: قلت له: أكنت تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، وكان طويل الصمت، وكان أصحابه يتناشدون الشعر عنده، ويذكرون أشياء من أمر الجاهلية، ويضحكون ويبتسم معهم إذا ضحكوا.

أخرجه ابن سعد في الطبقات (1/ 372)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (2068 و 2070)، والخرائطي في مكارم الأخلاق (63)، وأبو بكر الشافعي في فوائده "الغيلانيات"(348)، والطبراني في الكبير (2/ 243/ 2017)، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (1/ 82/ 5) و (2/ 19/ 208)، وابن بشران في الأمالي (319)، وأبو نعيم الأصبهاني في كتاب الشعراء (44 - المنتخب)، والبيهقي (10/ 240)، والبغوي في شرح السنة (12/ 318/ 3352)، وفي الشمائل (336)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (4/ 8 و 62).

قلت: فلم يتابع شريكًا هنا إلا من هو أدنى منه؛ فإن قيس بن الربيع: ليس بالقوي، ضعفه غير واحد، وابتلي بابنٍ له كان يدخل عليه ما ليس من حديثه فيحدث به [انظر: التهذيب (3/ 447)، الميزان (3/ 393)].

• ورواه محمد بن عبد الرحمن المسروقي: ثنا عون بن سلام: ثنا قيس، عن سماك، عن جابر، يرفعه: أنه كان يصلي الفجر ثم يقعد إلى طلوع الشمس.

أخرجه الطبراني في الكبير (2/ 243/ 2019)، قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن به.

قلت: وهذا غريب من حديث قيس، وشيخ الطبراني: مجهول [تاريخ بغداد (5/ 430)].

• وهذه الزيادة في تناشد الأشعار قد اشتهرت عن شريك وقيس بن الربيع، وتناقلها الناس، ورواه عنهما جمع كبير، لكنها رويت أيضًا من طريقين آخرين لم يشتهرا:

10 -

عنبسة بن سعيد، عن سماك، عن جابر، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يطيل الصمت، فيتحدثون بأمر الجاهلية فيضحكون، ويبتسم معهم.

وفي رواية: لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا يقوم من مكانه الذي يصلي فيه الفجر حتى تطلع الشمس، ثم يقوم.

وفي أخرى: قلت لجابر بن سمرة: هل كنتم تذكرون الشعر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، كنا نذكر عنده الأشعار فنضحك ويبتسم.

ص: 388

أخرجه الطبراني في الكبير (2/ 239/ 1999) و (2/ 242/ 2013 و 2014)، والدارقطني في الأفراد (1/ 342/ 1874 - أطرافه).

بإسنادين صحيحين إلى عنبسة أحدهما غريب، ولم يشتهر الحديث عن عنبسة.

وعنبسة بن سعيد بن الضريس الأسدي قاضي الري: ثقة، من الطبقة الثامنة، من طبقة شريك، فليس هو من طبقة سفيان وشعبة ممن سمع قديمًا من سماك، والله أعلم.

11 -

عبد الملك بن عبد ربه الطائي: ثنا سعيد بن سماك بن حرب، عن أبيه، عن جابر بن سمرة، قال: جالست النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مائة مرة في المسجد، يجلس أصحابه يتناشدون الشعر، وربما تذاكروا أمر الجاهلية، فيبتسم النبي صلى الله عليه وسلم معهم.

أخرجه الطبراني في الكبير (2/ 237/ 1990)، وفي الأوسط (2/ 169/ 1608)، وابن عدي في الكامل (3/ 461).

قال الطبراني: "لم يرو هذه الأحاديث عن ابن سماك واسمه: سعيد، إلا عبد الملك".

قلت: سعيد بن سماك بن حرب: متروك الحديث [اللسان (4/ 58)]، وعبد الملك بن عبد ربه الطائي: منكر الحديث، واتهم [اللسان (5/ 263 و 268)، تاريخ بغداد (12/ 172 - ط الغرب)].

والحاصل: فإن زيادة: يتناشدون الشعر: لا تثبت من حديث سماك عن جابر بن سمرة؛ فقد رواه عنه جماعة من ثقات أصحابه ممن سمعوا منه قديمًا قبل أن يتلقن فلم بأتوا بهذه الزيادة، فلعلها مما تلقنها سماك بعد ذلك، والله أعلم.

12 -

وروى عمران بن بكار البراد [حمصي، ثقة]: حدثنا الربيع بن روح [حمصي، ثقة]: حدثنا محمد بن حرب الأبرش [حمصي، ثقة]، عن محمد بن الوليد الزبيدي [حمصي، ثقة ثبت]، عن عدي بن عبد الرحمن أبي الهيثم بن عدي، عن داود بن أبي هند [بصري، ثقة متقن، من الطبقة الخامسة]، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الصبح جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس.

أخرجه الطبراني في الصغير (1189).

قال الطبراني: "لم يروه عن داود بن أبي هند إلا عدي بن عبد الرحمن، ولا عنه إلا الزبيدي، تفرد به عمران عن الربيع عن محمد بن حرب".

وعدي بن عبد الرحمن الطائي: ذكره البخاري وابن أبي حاتم ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا، وذكره ابن حبان في الثقات من رواية ثلاثة عنه، ثم قال:"روى الزبيدي عنه عن داود بن أبي هند نسخة مستقيمة"، لكن يعكر عليه قول ابن أبي حاتم:"فسألت أبي عن الزبيدي هذا من هو؟ فقال: هو سعيد بن عبد الجبار الزبيدي. قال أبو محمد: سعيد بن عبد الجبار هذا هو الذي قدم الري: ضعيف، وسعيد بن عبد الجبار أبو شيبة: قوي".

قلت: قد صرح في هذه الرواية باسمه، فقال: محمد بن الوليد الزبيدي، وهو الثقة

ص: 389