الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب البيوع
باب شروطه وما نُهِىَ عنه منه
1 -
عن رفاعة بن رافع رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل أى الكسب أطيب؟ قال: "عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور" رواه البزار وصححه الحاكم.
[المفردات]
" البيوع" جمع بيع، وإنما جمع لاختلاف أنواعه، والبيع نقل الملك إلى الغير بثمنه، والشراء قبوله، وشرى الشئ أى باعه، ومنه قوله تعالى:{وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} أى باعوه، وكذلث قوله تعالى:{وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ} أى باعوا به أنفسهم، ومنه قول الشاعر:
وشريت بُرْدًا ليتنى
…
من بعد برد كنت هامه
أى بعت بردا، ويقال لمن يدفع السلعة ويأخذ الثمن البائع، ولمن يقبض السلعة ويدفع الثمن المشترى والمبتاع.
"شروطه" أى شروط البيع، والشرط بفتح الشين وسكون الراء هو فى اللغة إلزام الشئ أو التزامه، وفى اصطلاح الفقهاء ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته كالطهارة للصلاة.
"وما نُهِىَ عنه منه" أى وما نهت الشريعة عنه من البيع.
"رفاعة بن رافع" هو رفاعة بن رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن
عامر بن زريق الزُّرَقى الأنصارى وكان أبوه رافع بن مالك أحد النقباء الاثنى عشر، شهد العقبة مع السبعين من الأنصار، ولم يشهد بدرا، وشهدها ابناه رفاعة وخلاد ابنا رافع كما شهد رفاعة أيضا أحدا والخندق والمشاهد كلها مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وتوفى فى أول خلافة معاوية رضى اللَّه عنهما، هذا وأما رفاعة بن رافع بن خديج فهو من الطبقة الثانية من التابعين من الأنصار، وقد توفى بالمدينة فى خلافة الوليد بن عبد الملك أو عمر بن عبد العزيز.
"الكسب" أى ما يكتسبه الإِنسان ويضمه لنفسه من المال بالزراعة أو التجارة أو الصناعة أو أية حرفة أخرى.
"أطيب" أى أفضل وأَحَلُّ وَأبْرَكُ وَأشْرَفُ.
"عمل الرجل بيده" أى الإِنسان بنفسه وليس المراد خصوص الرجل بل المرأة كذلك، وذكر الرجل لأنه المسئول عن العمل غالبا، ولذلك كان الصحابة -رضى اللَّه عنهم- عمال أنفسهم كما رواه البخارى من حديث عائشة رضى اللَّه عنها.
"وكل بيع مبرور" أى وكل تجارة سلمت من الغش واليمين الفاجرة.
[البحث]
ظاهر قول المصنف رحمه الله: عن رفاعة بن رافع رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل الخ الحديث يشعر أن رفاعة هذا هو ابن رافع بن مالك الزرقى الصحابى الجليل رضى اللَّه عنه ويكون الحديث على هذا متصلا لا إرسال فيه، وقد فهم غير واحد من أهل العلم أن رفاعة هنا
هو رفاعة بن رافع بن خديج وعليه يكون الحديث مرسلا. غير أن سند البزار يفيد أنه رفاعة بن رافع الزرقى رضى اللَّه عنه فقد قال البزار حدثنا محمد بن عبد الرحيم قال: حدثنا أبو المنذر إسماعيل بن عمرو ثنا المسعودى عن وائل بن داود عن عبيد بن رفاعة عن أبيه أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل أى الكسب أطيب؟ قال: "عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور" قال البزار: لا نعلم أحدا أسنده عن المسعودى إلا إسماعيل، وقد رواه غيره فقال: عن عبيد بن رفاعة ولم يقل عن أبيه. اهـ. ولا شك أن رفاعة بن رافع الزرقى رضى اللَّه كان له من الولد، عبد الرحمن، وعبيد، ومعاذ، وعبيد اللَّه، والنعمان، ورملة، وبثينة، وأم سعد الكبرى، وأم سعد الصغرى، وكَلْثَم. أما رفاعة بن رافع بن خديج فأبناؤه هم عباية وامرؤ القيس وزُمَيْل، وينفع، وسهل، وعائشة، وميمونة، وعبدة، وأسماء وبكرة. والعجيب أن غير واحد من أهل العلم كما وصفت جعل هذا الحديث من رواية رافع بن خديج رضى اللَّه عنه فقد قال الهيثمى فى مجمع الزوائد: عن رافع بن خديج قال: قيل: يا رسول اللَّه أى الكسب أطيب؟ قال: "عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور". رواه أحمد والبزار والطبرانى فى الكبير والأوسط. وفيه المسعودى وهو ثقة ولكنه اختلط، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح، ثم قال:"وعن ابن عمر قال: سئل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أى الكسب أفضل؟ قال: عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور" رواه الطبرانى فى الأوسط والكبير ورجاله ثقات. اهـ وقال الحافظ فى تلخيص الحبير حديث رافع بن خديج أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن أطيب الكسب فقال:
"عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور" الحاكم من حديث المسعودى عن وائل بن داود عن عباية بن رافع بن خديج عن أبيه قال: قيل: يا رسول اللَّه أى الكسب أطيب؟ فذكره. ورواه الطبرانى من هذا الوجه إلا أنه قال: عن جده وهو صواب فإنه عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج. وقول الحاكم عن أبيه فيه تجوز. وقد اختلف فيه على وائل بن داود فقال شريك: عنه عن جميع بن عمير عن خاله أبى بردة. وقال الثورى عنه عن سعيد بن عمير عن عمه رواهما الحاكم أيضا. وأخرج البزار الأول لكن قال عن عمه. قال: وقد ذكر ابن معين أن عم سعيد بن عمير: البراء بن عازب، قال: وإذا اختلف الثورى وشريك فالحكم للثورى. قلت: وقوله: جميع بن عمير وهم وإنما هو سعيد والمحفوظ رواية من رواه عن الثورى عن وائل عن سعيد مرسلا قاله البيهقى. وقاله قبله البخارى. وقال ابن أبى حاتم فى العلل: المرسل أشبه. وفيه على المسعودى اختلاف آخر، أخرجه البزار من طريق إسماعيل بن عمرو عنه عن وائل عن عبيد بن رفاعة عن أبيه. والظاهر أنه من تخليط المسعودى فإن إسماعيل أخذ عنه بعد الاختلاط. وفى الباب عن على وابن عمر ذكرهما ابن أبى حاتم فى العلل وأخرج الطبرانى فى الأوسط حديث ابن عمر فى ترجمة أحمد بن زهير ورجاله لا بأس بهم اهـ. هذا: ولا شك أن الإسلام قد حض على أن يكتسب الإِنسان ويعمل بيده ولا يعيش عالة على غيره فقد روى البخارى فى باب كسب الرجل وعمله بيده من حديث المقدام رضى اللَّه عنه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من
عمل يده. وإن نبى اللَّه داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده. كما روى البخارى من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير من أن يسأل أحدا فيعطيه أو يمنعه، وفى لفظ للبخارى من حديث الزبير بن العوام رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لأن يأخذ أحدكم أحبله، وفى لفظ للبخارى فى باب الاستعفاف عن المسألة من كتاب الزكاة من حديث الزبير بن العوام رضى اللَّه عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتى بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها فيكف اللَّه بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه.
2 -
وعن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما أنه سمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة: "إن اللَّه ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام" فقيل: يا رسول اللَّه، أرأيت شحوم الميتة فإنها تُطْلَى بها السفن، وتدهن بها الجلود، ويَسْتَصْبِحُ بها الناس؟ فقال:"لا هو حرام" ثم قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ذلك: "قاتل اللَّه اليهود، إن اللَّه لما حرم عليهم شحومها جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه" متفق عليه.
[المفردات]
" عام الفتح" أى فى رمضان سنة ثمان من الهجرة النبوية.
"إن اللَّه ورسوله حرم" أى إن اللَّه تعالى حرم ونهى ومنع بيع هذه الأشياء، ورسوله صلى الله عليه وسلم تابع لأمر ربه عز وجل فى ذلك، وقال القرطبى: إنه صلى الله عليه وسلم تأدب فلم يجمع
بينه وبين اسم اللَّه تعالى فى ضمير الاثنين اهـ والصحيح جواز ذلك، قال الحافظ فى الفتح: والتحقيق جواز الإِفراد فى مثل هذا، ووجهه الإِشارة إلى أن أمر النبى صلى الله عليه وسلم ناشئ عن أمر اللَّه، وهو نحو قوله تعالى:{وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} والمختار فى هذا أن الجملة الأولى حذفت لدلالة الثانية عليها. والتقدير عند سيبويه: واللَّه أحق أن يرضوه، ورسوله أحق أن يرضوه وهو كقول الشاعر:
نحن بما عندنا وأنت بما
…
عندك راض والرأى مختلف
وقيل: أحق أن يرضوه خبر عن الإِسمين لأن الرسول تابع لأمر اللَّه اهـ.
"الخمر" هو اسم لما يغطى العقل من الأشربة وكل مسكر.
"والميتة" بفتح الميم هو الحيوان الذى زالت عنه الحياة بغير ذكاة شرعية.
"والخنزير" هو حيوان معروف وهو خبيث قذر شديد القذارة، خسيس شديد الخسة، شهوته فى تتبع العذرة والتهامها، لا يكاد يرفع رأسه من الأرض التماسا للعذرة، ولحمه لا ينفك من "الدودة الشريطية" الخبيثة، وهو مختلط الشحم واللحم لا يوجد له فى ذلك نظير من الحيوانات، وأكله يورث الدناءة والدياثة.
"والأصنام" جمع صنم فال الجوهرى: هو الوثن، وقال غيره: الوثن ما له جثة والصنم ما كان مصورا، قال الحافظ فى الفتح: فبينهما عموم وخصوص وجهى فإن كان مصورا فهو وثن
وصنم اهـ أقول: وأصل الصنم يعود فى أصل اللغة العربية إلى خبث الرائحة، كما أن الوثن يعود فى أصل اللغة العربية إلى ملازمة المكان والإِقامة فيه.
"أرأيت شحوم الميتة الخ" أى هل يحل بيع شحوم الميتة لتستعمل فى طلاء السفن، ودهن الجلود والاستصباح بها؟
"شحوم الميتة" أى دهنها.
"تطلى بها السفن" أى تدهن بها أخشاب المراكب والمنشآت البحرية.
"ويستصبح بها الناس" أى يجعلونها وقودا للاستصباح والإِضاءة.
"لا هو حرام" أى لا تبيعوها، بيعها حرام لا يحل ولا يجوز.
"عند ذلك" أى عند ما سأله السائل وأجابه صلى الله عليه وسلم بقوله: لا. هو حرام.
"قاتل اللَّه اليهود" أى لعنهم وطردهم من رحمته.
"اليهود" هم أعداء اللَّه قتلة الأنبياء إخوان القردة والخنازير المنتسبون إلى يهوذا أكبر إخوة يوسف عليه السلام وقيل: بل سموا يهودًا من التهويد وهو التطريب لما يحدثونه بأصواتهم وخياشيمهم عند القراءة وقيل غير ذلك.
"لما حرم عليهم شحومها" أى أكل شحومها، كما قال عز وجل:{وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أو مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ} .
"جملوه" بفتح الجيم والميم أى أذابوه، ومنه الجيل للشحم المذاب.
[البحث]
ليس قوله: سمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة" نصا على أن تحريم هذه الأشياء كان بمكة فى هذا التاريخ قال الحافظ فى الفتح: ويحتمل أن يكون التحريم وقع قبل ذلك ثم أعاده صلى الله عليه وسلم ليسمعه من لم يكن سمعه اهـ ويؤيد ذلك ما رواه البخارى ومسلم من حديث عائشة رضى اللَّه عنها قالت: لما أنزلت الآيات من سورة البقرة فى الربا خرج النبى صلى الله عليه وسلم إلى المسجد فقرأهن على الناس ثم حرم تجارة الخمر" وفى لفظ للبخارى من حديث عائشة رضى اللَّه عنها: لما نزلت آيات سورة البقرة عن آخرها خرج النبى صلى الله عليه وسلم فقال: حرمت التجارة فى الخمر" وتحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام من المقررات المتواترة فى شريعة الإسلام: وأن استباحتها تعتبر استباحة لما علم تحريمه من دين الإسلام بالضرورة. أما ما رواه البخارى ومسلم من حديث ابن عباس رضى اللَّه عنهما أنه قال: بَلَغَ عمرَ أن فلانا باع خمرا فقال قاتل اللَّه فلانا، ألم يعلم أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: قاتل اللَّه اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها" فقد تأوله العلماء على أنه أخذها من أهل الكتاب عن قيمة الجزية فباعها منهم معتقدا جواز ذلك، أو أنه كان عصيرا ولم يتخمر فأطلق عليه اسم الخمر لما يؤول إليه ظنا ممن بلَّغ عمر رضى اللَّه عنه أن مشترى هذا العصير يتخذه خمرا، أو أنه كان خمرا فخلله وباعه، وأكثر أهل العلم إنما يبيح بيع الخمر إذا تخللت بنفسها وصارت خلا دون علاج لها، على أنه ليس بلازم أن يكون الذى بلَّغ عمر رضى اللَّه عنه قد أصاب فى بلاغه، وقول عمر
رضى اللَّه عنه قاتل اللَّه فلانا يكون من باب الألفاظ التى تجرى على الألسنة دون قصد مدلولها الحقيقى وإنما قاله رضى اللَّه عنه لتأكيد التحذير من بيعها على أن نفس ما ساقه عمر رضى اللَّه عنه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم هو معنى حديث جابر المتفق عليه، وقد رواه كذلك أبو هريرة عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقد روى البخارى ومسلم من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: قاتل اللَّه يهود، حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها.
[ما يفيده الحديث]
1 -
تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام ولو كان المشترى غير مسلم.
2 -
أن اللَّه إذا حرم على قوم أكل شئ حرم عليهم ثمنه.
3 -
لا يجوز توكيل المسلِم الذمىّ فى بيع الخمر.
4 -
كل حيلة يتوصل بها إلى تحليل محرم فهى باطلة محرمة.
3 -
وعن ابن مسعود رضى اللَّه عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا اختلف المتبايعان ليس بينهما بينة فالقول ما يقول رب السلعة أو يتتاركان" رواه الخمسة وصححه الحاكم.
[المفردات]
" المتبايعان" أى البائع والمشترى.
"ليس بينهما بينة" أى لم يحضرهما عند البيع شاهدان.
"رب السلعة" أى البائع صاحب السلعة.
"أو يتتاركان" أو يترادان.
[البحث]
وصف غير واحد من أئمة أهل العلم هذا الحديث بأنه منقطع فقد قال ابن عبد البر فى الاستذكار: إنه حديث منقطع لا يكاد يتصل. وقال الحافظ ابن حجر فى تلخيص الحبير: حديث ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "إذا اختلف المتبايعان فالقول قول البائع، والمبتاع بالخيار" الشافعى عن سعيد بن سالم عن ابن جريج عن إسماعيل بن أمية عن عبد الملك بن عمير عن أبى عبيدة بن عبد اللَّه بن مسعود قال: أتى عبد اللَّه بن مسعود فقال: حضرت النبى صلى الله عليه وسلم فأمر بالبائع أن يستحلف ثم يخير المبتاع إن شاء أخذ وإن شاء ترك" رواه أحمد عن الشافعى، والنسائى والدارقطنى من طريق أبى عبيدة أيضا وفيه انقطاع على ما عرف من اختلافهم فى صحة سماع أبى عبيدة من أبيه. واختلف فيه على إسماعيل بن أمية ثم على ابن جريج فى تسمية والد عبد الملك هذا الراوى عن أبى عبيدة فقال يحيى بن سليم عن إسماعيل بن أمية: عبد الملك بن عمير كما قال سعيد بن سالم، ووقع فى النسائى: عبد الملك بن عبيد ورجح هذا أحمد والبيهقى، وهو ظاهر كلام البخارى، وقد صححه ابن السكن والحاكم. وروى الشافعى فى المختصر عن سفيان عن ابن عجلان عن عون بن عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود عن ابن مسعود نحوه بلفظ الباب وفيه انقطاع، ورواه الدارقطنى من طريق القاسم بن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن مسعود عن أبيه عن جده وفيه إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة. اهـ وقال الحافظ فى التلخيص أيضا: وقال الطبرانى فى الكبير: نا محمد بن هشام المستملى نا
عبد الرحمن بن صالح نا فضيل بن عياض نا منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد اللَّه مرفوعا: "البيعان إذا اختلفا فى البيع تَرَادَّا" رواته ثقات لكن اختلف فى عبد الرحمن بن صالح وما أظنه حفظه، فقد جزم الشافعى أن طرق هذا الحديث عن ابن مسعود ليس فيها شئ موصول وذكره الدارقطنى فى علله فلم يعرج على هذه الطريق اهـ.
4 -
وعن أبى مسعود الأنصارى رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ومهر البغِىِّ وحُلوَان الكاهن" متفق عليه.
[المفردات]
" ثمن الكلب" أى ما يعطاه صاحب الكلب كقيمة لكلبه.
"مهر البَغِىِّ" البغى بفتح الباء وكسر الغين وتشديد الياء قال الحافظ فى الفتح فى باب ثمن الكلب: وهو فعيل بمعنى فاعلة وجمع البغى بغايا والبغاء بكسر أوله: الزنا والفجور وأصل البغاء الطلب غير أنه أكثر ما يستعمل فى الفساد اهـ وقال فى باب كسب البغى والإِماء، والبغى بفتح الموحدة وكسر المعجمة وتشديد الياء بوزن فعيل بمعنى فاعلة أو مفعولة وهى الزانية اهـ وهذا الوصف خاص بالنساء فلا يوصف زنا الرجال بأنه بغاء. ومهر البغى هى الأجرة التى قد تأخذها الزانية على زناها وإطلاق اسم المهر عليها يدل على أن المهر قد يطلق على أجرة الزانية على زناها، كما أن المهر فى النكاح قد يسمى أجرة ولذلك قال اللَّه تعالى:{فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} وكما قال فى النساء المهاجرات من مكة: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} وفيه رد
صريح على من استدل على نكاح المتعة بقوله: {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} بدعوى أنه سماه أجرا ولم يسمه مهرا. وإنما حصل لهم ذلك بسبب عجمة قلوبهم كألسنتهم.
"حلوان الكاهن" بضم الحاء وسكون اللام قال الحافظ فى الفتح: والحلوان مصدر حلوته حلوانا إذا أعطيته وأصله من الحلاوة شبه بالشئ الحلو من حيث إنه يأخذه سهلا بلا كلفة ولا مشقة يقال: حلوته إذا أطعمته الحلو، والحلوان أيضا الرشوة، والحلوان أيضا أخذ الرجل مهر ابنته لنفسه اهـ. والكاهن هو الذى يدعى علم الغيب قال الحافظ فى الفتح: وفى معناه التنجيم والضرب بالحصى وغير ذلك مما يتعاناه العرافون من استطلاع الغيب اهـ.
[البحث]
ظاهر قوله: "نهى عن ثمن الكلب" يعم كل كلب سواء كان معلما أو غير معلم وسواء كان لحراسة أو غيرها. وأما ما رواه النسائى من حديث جابر رضى اللَّه عنه: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب إلا كلب صيد" فقد وصفه النسائى بأنه حديث منكر كما سيجئ مزيد بحث لهذا عند بحث الحديث التاسع من أحاديث هذا الباب إن شاء اللَّه تعالى.
[ما يفيده الحديث]
1 -
تحريم بيع الكلاب أو شرائها.
2 -
أن أجرة الزانية على زناها لا يحل لمسلم أن ينتفع بها لخبثها.
3 -
لا يحل لمسلم أن يأكل من حلوان الكاهن أو ينتفع به.
5 -
وعن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما أنه كان يسير على جمل له قد أعيا، فأراد أن يُسَيِّبَهُ، قال: فلحقنى النبى صلى الله عليه وسلم فدعا لى وضربه فسار سَيْرًا لم يسر مثله، فقال:"بعنيه بأوقية" قلت لا. ثم قال: "بعنيه" فبعته بأوقية واشترطت حملانه إلى أهلى. فلما بلغت أتيته بالجمل، فنقدنى ثمنه، ثم رجعت فأرسل فى أثرى فقال: أَتُرَانى مَاكَسْتُكَ لآخذ جملك؟ خذ جملك ودراهمك فهو لك" متفق عليه وهذا السياق لمسلم.
[المفردات]
" قد أعيا" أى كل وتعب فصار غير قادر على السير بنشاط.
"أن يسيبه" أى أن يطلقه ويتركه وليس المراد أن يكون سائبة كفعل أهل الجاهلية معاذ اللَّه.
"وضربه" أى وضرب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الجمل أى طعنه بمحجنه صلى الله عليه وسلم "فسار سيرا لم يسر مثله" أى نشط فى سيره نشاطا ما عهدت مثله فيه قط "بأوقية" الأوقية بضم الهمزة وتشديد الياء -هى كما فى المصباح- أربعون درهما. قال الحافظ فى الفتح: والأوقية من الفضة كانت فى عرف ذلك الزمان أربعين درهما وفى عرف الناس بعد ذلك عشرة دراهم وفى عرف أهل مصر اليوم اثنا عشر درهما اهـ وهى كذلك إلى اليوم فى مصر.
"واشترطت حملانه إلى أهلى" أى واستثنيت فى البيع أن يبقى معى لأحمل
عليه وأركبه حتى أصل إلى أهلى بالمدينة المنورة.
"فلما بلغت" أى وصلت إلى أهلى بالمدينة.
"أتيته بالجمل" أى جئت إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالجمل.
"فنقدنى ثمنه" أى فسلمنى ثمنه وقيمته وهى الأوقية.
"ثم رجعت فأرسل فى أثرى" ثم ذهبت بعد قبض الثمن وتسليم الجمل من عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فبعث فى عقبى من يدعونى إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
"أترانى" أى أتظننى؟
"ماكستك" المماكسة فى الأصل ضد المزايدة وتستعمل فى المساومة عند البيع، والمراد هنا: أتظننى لم أزدك على أوقية مماكسة.
"خذ جملك" أى استلم جملك مرة أخرى. وأضاف الجمل إلى جابر باعتبار أنه كان له فيما مضى.
"ودراهمك" أى والثمن الذى قبضته وهو الأوقية.
"فهو لك" أى فالجمل والدراهم لك هدية وهبة من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
[البحث]
ساق البخارى رحمه الله حديث جابر رضى اللَّه عنه فى كتاب البيوع بلفظ: كنت مع النبى صلى الله عليه وسلم فى غزاة فأبطأ بى جملى، وأعيا، فأتى علىَّ النبى صلى الله عليه وسلم فقال:"جابر؟ " فقلت: نعم قال: "ما شأنك؟ " قلت: أبطأ علىَّ جملى وأعيا فتخلفت، فنزل يَحْجُنُه بمحجنه، ثم قال: اركب، فركبته، فلقد رأيته أكُفُّه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال:"تزوجت؟ " قلت: نعم، قال:"بكرا أم ثيبا؟ "
قلت: بلى ثيبا، قال:"أفلا جاريةً تلاعبها وتلاعبك؟ " قلت: إن لى أخوات، فأحببت أن أتزوج امرأة تجمعهن وتَمْشُطهُنَّ وتقوم عليهن قال:"أمَا إنك قادم، فإذا قدمت فالكَيسَ الكَيسَ، ثم قال: "أتبيع جملك؟ " قلت: نعم. فاشتراه منى بأوقية. ثم قدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قبلى، وقدمت بالغداة، فجئنا إلى المسجد فوجدته على باب المسجد قال: "آلآن قدمت؟ " قلت: نعم. قال: "فدع جملك فادخل فصل ركعتين" فدخلت فصليت فأمر بلالا أن يزن له أوقية، فوزن فى بلال فأرجح فى الميزان. فانطلقت حتى وَلَّيتُ. فقال: ادعوا لى جابرا، قلت: الآن يَرُدُّ علىَّ الجمل. ولم يكن شئ أبغض إلىَّ منه، قال: "خذ جملك ولك ثمنه" وساقه البخارى فى كتاب الشروط فى باب إذا اشترط البائع ظهر الدابة إلى مكان مسمى جاز، عن جابر رضى اللَّه عنه أنه كان يسير على جمل له قد أعيا، فمر النبى صلى الله عليه وسلم فضربه فدعا له فسار بِسَيْرٍ ليس يسير مثله، ثم قال: "بعنيه بوقية" قلت: لا. ثم قال: "بعنيه بوقية" فبعته فاستثنيت حُملانه إلى أهلى، فلما قدمنا أتيته بالجمل ونقدنى ثمنه، ثم انصرفت فأرسل عَلَى إِثْرِى، قال: "ما كنت لآخذ جملك، فخذ جملك ذلك فهو مالك" قال شعبة عن مغيرة عن عامر عن جابر: أفقرنى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ظهره إلى المدينة، وقال إسحاق عن جرير عن مغيرة: فَبِعْتُهُ عَلَى أنَّ لى فَقَار ظهره حتى أبلغ المدينة، وقال عطاء وغيره: ذلك ظهره إلى المدينة، وقال محمد ابن المنكدر عن جابر: شَرَطَ ظهرَه إلى المدينة. وقال زيد بن أسلم عن جابر: ولك ظهره حتى ترجع. وقال أبو الزبير عن جابر: أفقرناك
ظَهْرَهُ إلى المدينة، وقال الأعمش عن سالم عن جابر: تَبَلَّغ عليه إلى أهلك، وقال عبيد اللَّه وابن إسحاق عن وهب عن جابر: اشتراه النبى صلى الله عليه وسلم بوقية، وتابعه زيد بن أسلم عن جابر، وقال ابن جريج عن عطاء وغيره عن جابر: أخذته بأربعة دنانير. وهذا يكون وَقِيَّة على حساب الدينار بعشرة دراهم، ولم يبين الثمنَ مغيرةُ عن الشعبى عن جابر، وابن المنكدر وأبو الزبير عن جابر. وقال الأعمش عن سالم عن جابر: وَقِيَّةُ ذَهَبٍ. وقال أبو إسحاق عن سالم عن جابر بمائتى درهم وقال داود بن قيس عن عبيد اللَّه بن مِقْسَمٍ عن جابر: اشتراه بطريق تبوك أحسبه قال: بأربع أواق، وقال أبو نضرة عن جابر: اشتراه بعشرين دينارا. وقولُ الشعبى بوقية أكثر، الاشتراط أكثر وأصح عندى قاله أبو عبد اللَّه اهـ. وهذا الحديث ظاهر الدلالة على جواز بيع وشرط ما دام هذا الشرط لا يناقض أصل البيع، وليس فيه جهالة، وسيأتى مزيد بحث لمسئلة البيع والشرط عند الكلام على الحديث العاشر من أحاديث هذا الباب وكذلك عند الكلام على الحديث العشرين من أحاديث هذا الباب وكذلك عند الكلام على الحديث الخامس والعشرين من أحاديث هذا الباب إن شاء اللَّه تعالى. ومعنى قوله فى الحديث أفقرنى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ظهره إلى المدينة: أى جعل فى ركوب فقار ظهر الجمل إلى أن أبلغ المدينة. ومعنى قوله وقول الشعبى بوقية أكثر أى رواية الشعبى بوقية أكثر طرقا. ومعنى قوله: الاشتراط أكثر وأصح عندى أى رواية الاشتراط أكثر طرقا وأصح مخرجا عند البخارى رحمه اللَّه
[ما يفيده الحديث]
1 -
جواز بيع الدابة مع استثناء ركوبها إلى مسافة معينة.
2 -
جواز بيع الدار ونحوها واستثناء سكناها لمدة معينة.
3 -
لا بأس أن يطلب الإِنسان من آخر بيع سلعته منه.
4 -
يجوز للمشترى أن يستمسك بالسعر الذى يذكره أول المبايعة ولا عيب عليه فى ذلك.
5 -
جواز البيع والشرط إذا كان الشرط معلوما ولا يتعارض مع المراد من البيع ويصح إفراده بالعقد.
6 -
جواز المماكسة والمناقصة فى البيع.
6 -
وعنه رضى اللَّه عنه قال: أعتق رجل منا عبدًا له عن دُبُر لم يكن له مال غيره، فدعا به النبى صلى الله عليه وسلم فباعه" متفق عليه.
[المفردات]
" وعنه" أى وعن جابر رضى اللَّه عنه.
"أعتق" أى حرر.
"رجل منا" أى من الأنصار.
"عبدًا له" أى مملوكا له.
"عن دبر" بضم الدال والباء أى بعد موته يعنى علَّق عتقه بموته أى بموت المالك تقول: دَبَّرْتُ العبدَ إذا علقتَ عتقه بموتك.
"فدعا به" أى بالعبد.
"فباعه" أى لم يجز عتقه وباعه لسداد دين كان على مالكه أو دفعه له لحاجته إليه.
[البحث]
أورد البخارى رحمه الله هذا الحديث فى كتاب الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس فى باب من باع مال المفلس أو المعدم فقسمه بين الغرماء أو أعطاه حتى ينفق على نفسه" وساقه من طريق جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما قال: أعتق رجل غلاما له عن دبر فقال النبى صلى الله عليه وسلم: من يشتريه منى؟ فاشتراه نُعَيْم بن عبد اللَّه فأخذ ثمنه فدفعه إليه، وأشار البخارى رحمه الله بترجمته هذه إلى أن السبب فى عدم إجازة عتقه وبيع العبد عليه هو إفلاسه وحاجته، وقد أخرج البخارى هذا الحديث أيضا فى الأحكام فى باب بيع الإمام على الناس أموالهم بلفظ: بلغ النبى صلى الله عليه وسلم أن رجلا من أصحابه أعتق غلاما له عن دبر ولم يكن له مال غيره فباعه بثمانمائة درهم ثم أرسل بثمنه إليه، وقد أخرجه مسلم وأبو داود والنسائى من طريق أيوب عن أبى الزبير عن جابر بلفظ: أن رجلا من الأنصار يقال له أبو مذكور أعتق غلاما له يقال له يعقوب عن دبر لم يكن له مال غيره فدعا به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: "من يشتريه؟ " فاشتراه نعيم بن عبد اللَّه بن النحام بثمانمائة درهم فدفعها إليه" كما أورده البخارى فى باب المزايدة عن جابر: بلفظ: أن رجلا أعتق غلاما له عن دبر فاحتاج، فأخذه النبى صلى الله عليه وسلم فقال: من يشتريه منى؟ " فاشتراه نعيم بن عبد اللَّه بكذا وكذا، فدفعه إليه" كما أخرجه مسلم أيضا من طريق جابر رضى اللَّه عنه قال: أعتق رجل من بنى عذرة عبدا له عن دبر فبلغ ذلك النبى صلى الله عليه وسلم فقال: "أَلك مال غيره؟ فقال: لا. الحديث وفيه: فدفعها إليه ثم قال: "ابدأ بنفسك
فتصدق عليها" الحديث وفى لفظ لمسلم أيضا: دبَّر رجل من الأنصار غلاما له لم يكن له مال غيره، فباعه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فاشتراه ابن النحام عبدا قبطيا مات عام أول فى إمارة ابن الزبير. وأخرج البخارى نحوه فى كفارات الأيمان دون قوله، فى إمارة ابن الزبير.
[ما يفيده الحديث]
1 -
يجوز للإِمام بيع المدبر لحاجة من دبره.
2 -
جواز المزايدة عند البيع.
3 -
جواز الحجر على المفلس وبيع ماله بغير رضاه لمصلحته.
7 -
وعن ميمونة رضى اللَّه عنها زوج النبى صلى الله عليه وسلم أن فأرة وقعت فى سمن فماتت فيه، فسئل النبى صلى الله عليه وسلم عنها فقال:"ألقوها وما حولها، وكلوه" رواه البخارى، وزاد أحمد والنسائى "فى سمن جامد".
[المفردات]
" وقعت" أى سقطت.
"ألقوها" أى اطرحوها يعنى اخرجوها من السمن وارموا بها.
"وما حولها" أى واطرحوا ما حولها من السمن الذى وقعت فيه.
"وكلوه" أى وكلوا ما بقى من السمن.
"جامد" أى متماسك غير مائع.
[البحث]
أورد البخارى رحمه الله حديث ميمونة فى كتاب الوضوء فى باب ما يقع من النجاسات فى السمن والماء فقال: حدثنا إسماعيل قال حدثنى
مالك عن ابن شهاب عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه عن ابن عباس عن ميمونة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سئل عن فأرة سقطت فى سمن فقال: "ألقوها، وما حولها فاطرحوه، وكلوا سمنكم" حدثنا على بن عبد اللَّه قال حدثنا معن قال حدثنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس عن ميمونة أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن فأرة سقطت فى سمن فقال: "خذوها وما حولها فاطرحوه" قال معن حدثنا مالك ما لا أحصيه يقول: عن ابن عباس عن ميمونة. وأما زيادة أحمد والنسائى "فى سمن جامد، فمعناها مفهوم من قوله صلى الله عليه وسلم: "ألقوها وما حولها" لأن المائع لا يمكن إبقاء ما حوله وحده. وسيأتى مزيد بحث لهذا فى الحديث الذى يلى هذا الحديث إن شاء اللَّه تعالى.
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن الفأرة إذا وقعت فى سمن جامد نجست ما حولها.
2 -
أنه يجب طرح ما حول الفأرة من السمن الذى وقعت فيه.
3 -
يجوز بيع وأكل باقى السمن الذى وقعت فيه الفأرة فماتت فيه ما دام قد ألقيت هى وما حولها منه.
8 -
وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إذا وقعت الفأرة فى السمن فإن كان جامدا فألقوها وما حولها، وإن كان مائعا فلا تقربوه" رواه أحمد وأبو داود، وقد حكم عليه البخارى وأبو حاتم بالوهم.
[المفردات]
" مائعا" أى سائلا ذائبا.
"فلا تقربوه" أى فلا تأكلوه ولا تبيعوه بل اطرحوه.
"بالوهم" أى بالخطأ.
[البحث]
قال الحافظ فى تلخيص الحبير: حديث: أنه سئل عن الفأرة تقع فى السمن فقال: إن كان جامدا فألقوها وما حولها، وإن كان ذائبا فأريقوه" ابن حبان فى صحيحه من حديث أبى هريرة بلفظ: وكلوه وإن كان ذائبا فلا تقربوه" وأما قوله: فأريقوه فذكر الخطابى أنها جاءت فى بعض الأخبار ولم يسندها. وأصله فى صحيح البخارى ولفظه: "خذوها وما حولها وكلوا سمنكم" وفى لفظ: ألقوها. ورواه أحمد وأبو داود والترمذى وابن حبان فى صحيحه من حديث معمر عن الزهرى عن سعيد عن أبى هريرة مفصلا لكن قال الترمذى: سمعت البخارى يقول: هو خطأ، والصواب: الزهرى عن عبيد اللَّه عن ابن عباس عن ميمونة انتهى ثم قال الحافظ: وممن خطأ رواية معمر أيضا الرازِيَّانِ والدارقطنى وأما الذهلى فقال: طريق معمر محفوظة لكن طريق مالك أشهر، ويؤيد ذلك أن أحمد وأبا داود ذكرا فى روايتهما عن معمر الوجهين فدل على أنه حفظه من الوجهين ولم يهم فيه، وكذلك أخرجه ابن حبان فى صحيحه، وفيه اختلاف آخر، رواه يحيى بن أيوب عن ابن جريج عن الزهرى عن سالم عن أبيه، وتابعه عبد الجبار الأيلى عن الزهرى، قال الدارقطنى: وخالفهما أصحاب الزهرى فرووه عن الزهرى عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه عن ابن عباس
وهو الصحيح، وقد أنكر جماعة فيه التفصيل اعتمادا على عدم وروده فى طريق مالك ومن تبعه، لكن ذكر الدارقطنى فى العلل أن يحيى القطان رواه عن مالك وكذلك النسائى رواه من طريق عبد الرحمن عن مالك مقيدا بالجامد وأنه أمر أن تُقَوَّرَ وما حولها فيرمى به، وكذا ذكر البيهقى من طريق حجاج بن منهال عن ابن عيينة مقيدا بالجامد وكذلك أخرجه إسحاق بن راهويه فى مسنده عن ابن عيينة ووهم من غلطه فيه ونسبه إلى التغير فى آخر عمره، فقد تابعه أبو داود الطيالسى فيما رواه فى مسنده عن ابن عيينة. واللَّه أعلم. اهـ
9 -
وعن أبى الزبير قال: سألت جابرا عن ثمن السِّنَّوْر والكلب فقال: زجر النبى صلى الله عليه وسلم عن ذلك" رواه مسلم والنسائى وزاد "إلا كلب صيد".
[المفردات]
" أبو الزبير" هو محمد بن مسلم بن تَدْرُسَ أبو الزبير -بضم الزاء المكى مولى حكيم بن حزام بن خويلد. قال عطاء كنا نكون عند جابر ابن عبد اللَّه فيحدثنا فإذا خرجنا من عنده تذاكرنا حديثه قال: فكان أبو الزبير أحفظنا للحديث.
"والسِّنَّور" بكسر السين وتشديد النون مع فتحها هو الهر كما فى القاموس.
"زجر" أى نهى وحذَّر.
"عن ذلك" أى عن ثمن السنور والكلب.
"وزاد" أى النسائى.
[البحث]
قال الحافظ فى التلخيص: رواه النسائى بلفظ: نهى عن ثمن السنور والكلب إلا كلب صيد" ثم قال: هذا منكر اهـ وقال فى فتح البارى حديث جابر قال: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب إلا كلب صيد" أخرجه النسائى بإسناد رجاله ثقات إلا أنه طعن فى صحته اهـ وتعقب المناوى توثيق المصنف لرجاله بقول ابن الجوزى: فيه الحسين ابن أبى حفصة قال يحيى: ليس بشئ وضعفه أحمد. وقال ابن حبان: هذا الخبر بهذا اللفظ باطل لا أصل له. نعم الثابت جواز اقتناء الكلب للصيد من غير نقص من عمل من اقتناه، لقوله صلى الله عليه وسلم: من اقتنى كلبا إلا كلب صيد نقص من أجره كل يوم قيراطان". قال الحافظ فى الفتح: وقد وقع فى حديث ابن عمر عند ابن أبى حاتم بلفظ: نهى عن ثمن الكلب وإن كان ضاريا" يعنى مما يصيد، وسنده ضعيف قال أبو حاتم: هو منكر. وقد تقدم فى الحديث الرابع من هذا الباب ما رواه البخارى ومسلم من حديث أبى مسعود الأنصارى رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ومهر البغى وحلوان الكاهن". هذا وقد يكون الكلب كثير المنافع ككلب الصيد والكلاب "البوليسية" لكن منافعها هذه لا تبيح بيعها وأكل ثمنها. وإنما يمكن الحصول عليها والانتفاع بها بغير طريق البيع. واللَّه أعلم. هذا وقد روى مسلم من حديث ابن عمر رضى اللَّه عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: من اقتنى كلبا إلا كلب ماشية أو ضار نقص من عمله كل يوم
قيراطان" وفى لفظ: من اقتنى كلبا إلا كلب صيد أو ماشية" الحديث وفى لفظ: من اقتنى كلبا إلا كلب ضارية أو ماشية. الحديث، وفى لفظ لمسلم من حديث أبى هريرة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: من اقتنى كلبا ليس بكلب صيد ولا ماشية ولا أرض فإنه ينقص من أجره قيراطان كل يوم. والمراد بالكلب الضارى فى حديث ابن عمر هو الكلب المُعَوَّدُ على الصيد، يقال: ضرى الكلب وأضراه صاحبه أى عوَّده وأغراه بالصيد، ويجمع على ضَوارٍ، والمواشى الضارية هى المعتادة لرعى زروع الناس. واللَّه أعلم.
[ما يفيده الحديث]
1 -
تحريم بيع الكلب وأكل ثمنه.
2 -
تحريم بيع السنور.
10 -
وعن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: جاءتنى بريرة فقالت: إنى كاتبت أهلى على تسع أواق، فى كل عام أوقية، فأعينينى، فقلت إن أحب أهلك أن أَعُدَّها لهم ويكون ولاؤكِ لى فعلت. فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت لهم، فأبوا عليها، فجاءت من عندهم ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جالس فقالت: إِنى قد عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم، فسمع النبى صلى الله عليه وسلم، فأخبرت عائشة النبى صلى الله عليه وسلم فقال:"خذيها واشترطى لهم الولاء، فإنما الولاء لمن أعتق" ففعلت عائشة، ثم قام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى الناس خطيبا، فحمد اللَّه، وأثنى عليه، ثم قال "أما بعد فما بال رجال يشترطون شروطا ليست فى كتاب اللَّه عز وجل ما كان من شرط ليس فى كتاب اللَّه فهو باطل
وإن كان مائة شرط، قضاء اللَّه أحق، وشرط اللَّه أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق" متفق عليه واللفظ للبخارى، وعند مسلم فقال: "اشتريها وأعتقيها، واشترطى لهم الولاء".
[ما يفيده الحديث]
" بريرة" بفتح الباء هى مولاة عائشة رضى اللَّه عنها كانت قبل أن تعتقها عائشة رضى اللَّه عنها زوجة لمغيث وهو عبد أسود كان مملوكا لبنى المغيرة فلما أعتقتها عائشة خَيَّرَها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن تقر عنده أو تفارقه فاختارت فراقه، قال ابن عباس رضى اللَّه عنهما: قضى النبى صلى الله عليه وسلم فى بريرة أربع قضيات: إن مواليها اشترطوا الولاء فقضى أن الولاء لمن أعتق. وخُيِّرَت فاختارت نفسها فأمرها النبى صلى الله عليه وسلم أن تعتد قال: فكنت أراه -يعنى زوجها- يتبعها فى سكك المدينة يُعَصِّرُ عينيه عليها، قال: وتصدق عليها بصدقة فأهدت منها إلى عائشة فذكر ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فقال: هو عليها صدقة ولنا هدية.
"كاتبت" من المكاتبة وهى العقد بين السيد والعبد على مال يؤديه إليه منجما إذا أداه صار حرا.
"أهلى" هم ناس من الأنصار.
"على تسع أواق" أى منجمة على تسع سنوات.
"فأعينينى" أى ساعدينى.
"إن أحب أهلك" أى إن رضى ورغب سادتك.
"أن أعُدَّها لهم" بفتح الهمزة وضم العين أى أدفعها لهم معدودة دفعة واحدة الآن.
"ولاؤك" المراد بالولاء هنا ولاء العتق وهو أن يرث المعتق أو ورثته العتيق يعنى إن لم يكن له وارث من عصبته.
"فأبوا عليها" أى رفضوا بيعها إلا بشرط أن يكون الولاء لهم.
"فسمع النبى صلى الله عليه وسلم" أى المحادثة بين عائشة وبريرة رضى اللَّه عنهما.
"خذيها" أى اشتريها.
"واشترطى لهم الولاء" أى وافقيهم على ما اشترطوه فى البيع أن يكون الولاء لهم.
"فإنما الولاء لمن أعتق" أى وهذا الشرط لا قيمة له ولا نفاذ لأن الولاء لمن أعتق لا لمن باع.
"يشترطون شروطا ليست فى كتاب اللَّه" أى ليست فى شرع اللَّه وقضائه، قال الحافظ فى الفتح: ما ليس فى كتاب اللَّه أى ما خالف كتاب اللَّه، ثم قال: وقال ابن خزيمة ليس فى كتاب اللَّه أى ليس فى حكم اللَّه جوازه أو وجوبه، ثم قال: وقال النووى: قال العلماء: الشرط فى البيع أقسام: أحدها يقتضيه إطلاق العقد كشرط تسليمه الثانى: شرط فيه مصلحة كالرهن، وهما جائزان اتفاقا الثالث: اشتراط العتق فى العبد وهو جائز عند الجمهور لحديث عائشة وقصة بريرة. الرابع:
ما يزيد على مقتضى العقد ولا مصلحة فيه للمشترى كاستثناء منفعته فهو باطل.
ثم قال: وقال القرطبى: قوله ليس فى كتاب اللَّه أى ليس مشروعا فى كتاب اللَّه تأصيلا ولا تفصيلا. ومعنى هذا أن من الأحكام ما يؤخذ تفصيله من كتاب اللَّه كالوضوء، ومنها يؤخذ تأصيله دون تفصيله كالصلاة، ومنها ما أصل أصله كدلالة الكتاب على أصلية السنة والإِجماع وكذلك القياس الصحيح. فكل ما يقتبس من هذه الأصول تفصيلا فهو مأخوذ من كتاب اللَّه تأصيلا اهـ.
"فهو باطل" أى لا لا ينفذ.
"قضاء اللَّه أحق" أى شرع اللَّه وحكمه أولى بالاتباع بخلاف الشروط المخالفة لحكم اللَّه فإنها لا تتبع.
"وشرط اللَّه أوثق" أى وما يشترطه اللَّه عز وجل هو الشرط المؤكد الذى يجب الوفاء به فهو أحكم الشروط وأضبطها وأعدلها.
[البحث]
زعم بعض أهل العلم أن قول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لعائشة: خذيها واشترطى لهم الولاء خرج مخرج الزجر والتوبيخ لهم لأنه كان قد سبق أن بين لهم حكم الولاء وأن هذا الشرط لا يحل فلما ظهرت منهم المخالفة قال لعائشة ذلك وليس مراده أن يبيح لعائشة هذا الاشتراط لأنه ظاهر أنه خداع، وهذا الزعم كله يحتاج إلى دليل، ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم كان قد بين قبل ذلك أنه لا يحل اشتراط الولاء. ومقام النبوة أسمى وأجل
من أن يخطر على بال مسلم أن يأتى منه الخداع بل هذا السلوك فى التربية ومنع وقوع مثله مستقبلا، والحرص على التقيد بأحكام الشرع، وسؤال أهل العلم عند الجهل قبل إبرام العقود من أعظم مسالك التربية والتعليم التى اختص بها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وانتشرت فى ثنايا الكتاب والسنة. وظاهر هذا الحديث يدل على بطلان الشرط المخالف القواعد الشريعة مع صحة العقد للانفصال بين العقد والشرط، وسيأتى مزيد بحث لهذا عند الكلام على الحديث العشرين والخامس والعشرين من أحاديث هذا الباب إن شاء اللَّه تعالى.
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن البيع إذا اقترن بشرط فاسد منفصل فإنه يصح البيع ويبطل الشرط.
2 -
أن الولاء لمن أعتق الرقيق لا لمن باعه.
11 -
وعن ابن عمر رضى اللَّه عنهما قال: نهى عمر عن بيع أمهات الأولاد فقال: لا تباع ولا توهب ولا تورث، يستمتع بها ما بدا له، فإذا مات فهى حرة. رواه مالك والبيهقى وقال: رفعه بعض الرواة فوهم.
[المفردات]
" أمهات الأولاد" هن الأماء اللائى ولدن من سادتهن.
"يستمتع بها ما بدا له الخ" أى يقر بها سيدها بملك يمينه ما دام حيا فإذا مات صارت حرة
[البحث]
لم يرد نص صحيح صريح عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى جواز بيع أمهات الأولاد أو تحريم بيعهن، وإنما حدث البحث فيه فى زمن عمر رضى اللَّه عنه، وقد أخرج الحاكم وابن عساكر وابن المنذر عن بريدة رضى اللَّه عنه قال: كنت جالسا عند عمر إذ سمع صائحا قال: يا يرفأ انظر ما هذا الصوت، فنظر ثم جاء فقال: جارية من قريش تباع أمها فقال عمر: ادع لى المهاجرين والأنصار، فلم يمكث ساعة حتى امتلأت الدار والحجرة، فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فهل كان فيما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم القطيعة؟ قالوا: لا. قال: فإنها قد أصبحت فيكم فاشية ثم قرأ {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} ثم قال: وأى قطيعة أقطع من أن تباع أم امرئ منكم وقد أوسع اللَّه لكم؟ قالوا: فاصنع ما بدا لك! فكتب إلى الآفاق أن لا تباع أم حر فإنها قطيعة، وإنه لا يحل. وقد وافقه المهاجرون والأنصار على ما قال رضى اللَّه عنه ولم يخالفه أحد منهم رضى اللَّه عنهم وأما ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سرين عن عبيدة السلمانى قال: سمعت عليا يقول: اجتمع رأيى ورأى عمر فى أمهات الأولاد أن لا يبعن ثم رأيت بعد ذلك أن يبعن" فإن هذا الأثر الصحيح يؤكد ذلك وأن عليا رضى اللَّه عنه لم يخالف عمر رضى اللَّه عنه فى هذا الأمر بل اجتمع رأيه حينئذ مع رأى عمر رضى اللَّه عنه، وإنما اختلف رأى على رضى اللَّه عنه بعد ذلك، وقد ادعى الإجماع على تحريم بيع أمهات الأولاد غير واحد من أهل العلم.
12 -
وعن جابر رضى اللَّه عنه قال: "كنا نبيع سرارينا أمهات الأولاد والنبى صلى الله عليه وسلم حى لا يرى بذلك بأسا" رواه النسائى وابن ماجه والدارقطنى وصححه ابن حبان.
[المفردات]
" سرارينا" السرارى جمع سرية وهى الأمة التى يستمتع بها سيدها "لا يرى بذلك بأسا" أى لا يرى فى ذلك مانعا ولا يحرمه.
[البحث]
قدمت فى أول بحث الحديث السابق أنه لم يرد نص صحيح صريح عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى جواز بيع أمهات الأولاد أو تحريم بيعهن وإنما حدث البحث فيه فى زمن عمر رضى اللَّه عنه، وأشرت إلى أن عمر رضى اللَّه عندما استشار المهاجرين والأنصار فى تحريم بيعهن لم يخالفه فى تحريم بيعهن أحد من الصحابة رضى اللَّه عنهم حينئذ وإن كان صح الخير عن على رضى اللَّه عنه أنه رجع عن رأيه فى تحريم بيعهن ورأى جواز ذلك، قال الحافظ فى الفتح بعد أن أشار إلى الخلاف بين السلف: وإن كان الأمر استقر عند الخلف على المنع حتى وافق فى ذلك ابن حزم ومن تبعه من أهل الظاهر على عدم جواز بيعهن ولم يبق إلا شذوذ اهـ ثم قال الحافظ: وتعلق الأئمة بأحاديث أصحها حديثان: أحدهما حديث أبى سعيد فى سؤالهم عن العزل كما سيأتى شرحه فى كتاب النكاح، وممن تعلق به النسائى فى السنن فقال: باب ما يستدل به على منع بيع أم الولد فساق حديث أبى سعيد ثم ساق حديث عمرو بن
الحارث الخزاعى كما سيأتى فى الوصايا قال: "ما ترك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عبدا ولا أمة" الحديث. ووجه الدلالة من حديث أبى سعيد أنهم قالوا: إنا نصيب سبايا فنحب الأثمان فكيف ترى فى العزل؟ وهذا لفظ البخارى كما مضى فى باب بيع الرقيق من كتاب البيوع. قال البيهقى: لولا أن الاستيلاد يمنع من نقل الملك وإلا لم يكن لعزلهم لأجل محبة الأثمان فائدة اهـ ثم قال الحافظ: ووجه الدلالة من حديث عمرو بن الحارث أن مارية أم ولده إبراهيم كانت قد عاشت بعده، فلولا أنها خرجت عن الوصف بالرق لما صح قوله: إنه لم يترك أمة، وقد ورد الحديث عن عائشة عند ابن حبان مثله اهـ. ثم قال: وأما بقية أحاديث الباب فضعيفة، ويعارضها حديث جابر: كنا نبيع سرارينا أمهات الأولاد والنبى صلى الله عليه وسلم حَىٌّ لا يرى بذلك بأسا، وفى لفظ: بعنا أمهات الأولاد على عهد النبى صلى الله عليه وسلم وأبى بكر فلما كان عمر نهانا فانتهينا" ثم قال: ولم يستند الشافعى فى القول بالمنع إلا إلى عمر فقال: قلته تقليدا لعمر، قال بعض أصحابه: لأن عمر لما نهى عنه فانتهوا صار إجماعا، يعنى فلا عبرة بندور المخالف بعد ذلك. ولا يتعين معرفة سندالإجماع. اهـ
13 -
وعن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما قال: نهانا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن بيع فضل الماء" رواه مسلم وزاد فى رواية "وعن بيع ضراب الجمل".
[المفردات]
" بيع فضل الماء" أى أخذ ثمن الماء الزائد عن كفاية صاحبه يعنى
فى الفلاة ويحتاج إليه لرعى الكلأ.
"وزاد فى رواية" أى وزاد مسلم فى رواية أخرى.
"بيع ضراب الجمل" أى عن أخذ ثمن نزوه على الناقة، ويقال له أيضا: عسب الفحل.
[البحث]
لا نزاع عند أهل العلم فى جواز بيع البئر والعين المملوكتين، وما يحرزه الإِنسان من الماء فى الأوعية والأسقية هو ملك له يجوز بيعه، وإن كان أكثر من حاجته، ولذلك مثل العلماء رحمهم الله لما دل عليه هذا الحديث الصحيح من تحريم بيع فضل الماء بأن يكون الماء قد نبع فى أرض مباحة فيسقى الأعلى ثم يفضل فما فضل عن كفايته فليس له الحق فى بيعه بل يجب عليه أن يرسله إلى من دونه إذا احتاج إليه. وكذلك من حفر بئرا ليشرب منه أو يسقى أرضه فليس له أن يمنع عن غيره ما فضل عن حاجته ما دام أن بذل الفضل لا يلحق به أذى، ولا يعود عليه بضرر، وقد روى مسلم رحمه الله من حديث جابر: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن بيع ضراب الجمل وعن بيع الماء والأرض لتحرث فعن ذلك نهى النبى صلى الله عليه وسلم. ومعنى: وعن بيع الماء والأرض لتحرث أى تزرع بأن تكون الأرض والماء لشخص فيأخذها منه شخص آخر ليحرثها ويبذرها ويرويها بهذا الماء ليأخذ رب الأرض بعض الخارج من الحبوب ويأخذ الآخر بعضها. وسيأتى تحقيق هذه المسألة فى باب المساقاة والإجارة إن شاء اللَّه تعالى. وقد روى مسلم من حديث أبى هريرة رضى اللَّه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ.
وفى لفظ له قال: "قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به الكلأ وفى لفظ له قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لا يباع فضل الماء ليباع به الكلأ وهذه الألفاظ الصحيحة الثابتة عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تبين أن المراد من بيع فضل الماء فى حديث جابر هو ما ذكرناه فى مفردات هذا الحديث وأن المنهى عن بيعه من الماء هو الماء الزائد عن كفاية صاحبه يعنى فى الفلاة ويحتاج إليه الناس لرعى الكلأ واللَّه أعلم أما النهى عن ضراب الجمل فسيأتى مزيد بحثه فى الحديث الذى يلى هذا الحديث إن شاء اللَّه.
[ما يفيده الحديث]
1 -
تحريم بيع فضل الماء فى الفلاة.
2 -
النهى عن بيع ضراب الجمل.
14 -
وعن ابن عمر رضى اللَّه عنهما قال: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن عَسْب الفحل" رواه البخارى.
[المفردات]
" عسب الفحل" العسب بفتح العين وسكون السين ويقال له العسيب أيضا، والفحل: الذكر من كل حيوان فرسا كان أو جملا أو تيسا أو غير ذلك. والمراد النهى عن أخذ أجرة فى مقابل مائه ونزوه على الأنثى.
[البحث]
تقدم فى حديث جابر عند مسلم النهى عن بيع ضراب الجمل. وحديث ابن عمر هذا أعم منه فهو يعم سائر الفحول، ولا نزاع عند أهل العلم فى جواز عارية الفحل لينزو، ولو أهدى المستعير للمعير هدية
بغير شرط فإن ذلك جائز. ولعل الحكمة فى منع كراء الفحل أنه غير متقوم ولا معلوم ولا مقدور على تسليمه وفى التحذير من كرائه مصلحة عظيمة فى بذله.
[ما يفيده الحديث]
1 -
كراهية أخذ أجرة على نزو الفحل.
2 -
استحباب المسارعة فى أبواب التعاون على الخير ابتغاء وجه اللَّه لا لمراد دنيوى.
15 -
وعنه رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع حَبَل الحبَلة" وكان بيعا يبتاعه أهل الجاهلية: كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج الناقة ثم تُنتج التى فى بطنها" متفق عليه واللفظ للبخارى.
[المفردات]
" وعنه" أى وعن ابن عمر رضى اللَّه عنهما.
"بيع حَبَل الحبلة" فسر بيع حَبَل الحبلة فى هذا الحديث الصحيح بأنه كان بيعا جاهليا ومعناه أن يشترى المشترى الناقة ويؤجل ثمنها إلى أن تلد ثم يكبر مولودها ويلد أيضا والحبل بفتح الحاء والباء مصدر حبلت تحبل حبلا، والحبلة بفتح الحاء والباء أيضا جمع حابل كظلمة وظالم وكتبة وكاتب والهاء للمبالغة وقيل للإِشعار بالأنوثة وقد ندر فيه: امرأة حابلة فالهاء فيه للتأنيث. قال الحافظ فى الفتح: قال أبو عبيد: لا يقال لشئ من الحيوان حبلت إلا الآدميات إلا ما ورد فى
هذا الحديث، وأثبته صاحب المحكم قولا فقال: اختلف أهى للإناث عامة أم للآدميات خاصة وأنشد فى التعميم قول الشاعر: أو ذيخة حبلى مجح مقرب.
وفى ذلك تعقب على نقل النووى اتفاق أهل اللغة على التخصيص "وكان" أى بيع حبل الحبلة.
"يبتاع الجزور" أى يشترى الجزور والجزور بفتح الجيم وضم الزاى هو البعير ذكرا كان أو أنثى إلا أن لفظه مؤنث تقول هذه الجزور وإن أردت ذكرا. وذكر الجزور هنا إما لأنه كان فعل أهل الجاهلية فيه خاصة وإما أن يكون ذكره على سبيل التمثيل إذ لا فرق بين الجزور وغيرها من الحيوانات فى ذلك.
"تُنْتَج الناقة" بضم التاء وسكون النون وفتح التاء الثانية على وزن المبنى للمجهول، أى تلد ولدا، وهذا الفعل مبنى للمعلوم وإن كان لم يرد فى اللغة إلا على صورة المبنى للمجهول.
"ثم تنتج التى فى بطنها" أى ثم تعيش المولودة حتى تكبر ثم تحمل وتلد.
[البحث]
جاء فى رواية البخارى لهذا الحديث فى باب السلم إلى أن تُنْتَج الناقة من كتاب السلم من طريق جويرة عن نافع عن عبد اللَّه رضى اللَّه عنه قال: كانوا يتابعون الجزور إلى حَبَل الحَبَلة فنهى النبى صلى الله عليه وسلم عنه. فسره نافع: إلى أن تُنْتَجَ الناقة ما فى بطنها" وهو صريح بأن تفسير حَبَل الحبلة من كلام نافع رحمه الله غير أن هذه الرواية التى أوردها فى السلم مختصرة تفيد أن رواية حديث الباب التى أوردها
البخارى فى باب بيع الغرر وحَبَل الحبلة من كتاب البيوع تفيد أن التفسير فيها أيضا من كلام نافع رحمه الله. وهذا هو الظاهر وقيل: إن التفسير من كلام ابن عمر رضى اللَّه عنهما وقد أخرج مسلم هذا الحديث من طريق الليث عن نافع بدون هذا التفسير، ورواه البخارى فى أيام الجاهلية من طريق عبيد اللَّه بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال كان أهل الجاهلية يتبايعون لحم الجزور إلى حبَل الحبلة، وحبل الحبلة أن تَنْتَجُ الناقة ما فى بطنها ثم تحمل التى نُتِجَتْ فنهاهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن ذلك" وهذا السياق قد فهم منه أن التفسير من ابن عمر رضى اللَّه عنهما لكن تصريح رواية البخارى فى السلم بأن التفسير من نافع أولى من هذا الإِستنباط. ولفظ رواية البخارى التى أوردها المصنف فى حديث الباب هنا: وكان بيعا يتبايعه أهل الجاهلية" ولم يسقه بلفظ: "يبتاعه" كما ذكره المصنف. واللفظ الذى فى صحيح البخارى أصح وأدق وقوله: عن حبل الحبلة وفى لفظ إلى حبل الحبلة يفيد تحريم بيع ما فى بطون الإناث منفردا ويفيد تحريم البيع مع تأجيله إلى حبل الحبلة لما فى ذلك كله من الغرر والجهالة لأنه إن جعل الثمن مؤجلا إلى أن تلد الخ ففيه جهالة وغرر وإن كان بيع ما فى بطنها ففيه غرر وجهالة وهو غير مقدور على تسليمه فى الحال كبيع السمك فى الماء والطير فى الهواء هذا وقد ذكر الحافظ فى الفتح ما حكاه صاحب المحكم وغيره عن ابن كيسان أن المراد بالحبلة الكرمة وأن النهى عن بيع حبلها أى حملها قبل أن تبلغ كما نهى عن بيع ثمر النخلة قبل أن تزهى، قال الحافظ: وعلى هذا فالحبلة بإسكان الموحدة وهو خلاف ما تثبت به الروايات لكن حكى فى الكرمة فتح الباء "ويعنى الحافظ: الحبلة" ثم قال: وادعى السهيلى تفرد ابن كيسان به وليس
كذلك فقد حكاه ابن السكيت فى كتاب الألفاظ ونقله القرطبى فى المفهم عن أبى العباس المبرد. والهاء على هذا للمبالغة وجها واحدا اهـ.
[ما يفيده الحديث]
1 -
تحريم بيع الجنين منفردا.
2 -
تحريم البيع إلى أجل مجهول.
3 -
تحريم بيع الجزور وغيره إلى أن تلد الناقة ثم يلد مولودها.
4 -
إبطال الإسلام جهل أهل الجاهلية.
5 -
ضبط المبايعات فى الإِسلام.
16 -
وعنه رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء، وعن هبته" متفق عليه.
[المفردات]
" بيع الولاء" المراد ولاء العتق وهو ما قرره الإِسلام أن الولاء لمن أعتق فإذا مات العتيق ورثه معتقه أو ورثة معتقه يعنى إن لم يكن له وارث من عصبته كما تقدم فى شرح حديث بريرة. والمراد ببيع الولاء التنازل عنه بثمن لشخص آخر "وهبته" أى وهبة الولاء وهو التنازل عنه بغير ثمن لشخص آخر.
[البحث]
لما كان الولاء لحمة كلحمة النسب لا يزال بالإِزالة نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن بيعه وهبته وسيأتى فى الحديث التاسع من كتاب العتق
ما رواه الشافعى من حديث ابن عمر رضى اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب" وقد صححه ابن حبان والحاكم كما سيجئ مزيد تحقيق فيه إن شاء اللَّه تعالى. وبهذا يبطل الإسلام ما كان يفعله أهل الجاهلية من بيع الولاء وهبته.
[ما يفيده الحديث]
1 -
تحريم بيع الولاء.
2 -
تحريم هبته.
3 -
فساد بيع الولاء وهبته وأنه لا ينعقد.
17 -
وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر رواه مسلم.
[المفردات]
" بيع الحصاة" هو أن يقول: بعتك من هذه الأثواب "مثلا" ما وقعت عليه الحصاة التى أرميها، أو يقول: بعتك على أنك بالخيار إلى أن أرمى بهذه الحصاة وقال الحافظ فى الفتح واختلفوا فى تفسير بيع الحصاة فقيل هو أن يقول: بعتك من هذه الأثواب ما وقعت عليه الحصاة ويرمى حصاة، أو من هذه الأرض ما انتهت إليه فى الرمى، وقيل هو أن يشترط الخيار إلى أن يرمى الحصاة، والثالث: أن يجعلا نفس الرمى بيعا اهـ وقيل: هو أن يقول ارم بهذه الحصاة فعلى أى ثوب وقعت فهو لك بدرهم وقيل: هو أن يقبض على كف من
حصا ويقول: لى بكل حصاة درهم ثمنا لهذه السلعة. أو يقبض على كف من حصا ويقول: لى بعددها من المبيع.
"بيع الغرر" بفتح الغين والراء الأولى هو بيع ما يمكن أن يوجد وأن لا يوجد وكل ما لا يقدر على تسليمه كالسمك فى الماء والطير فى الهواء والمعدوم والمجهول والآبق ونحو ذلك مما مبناه الخداع والجهالة.
[البحث]
قال الحافظ فى الفتح: قال النووى: النهى عن بيع الغرر أصل من أصول البيع فيدخل تحته مسائل كثيرة جدا اهـ وإنما حرم الإِسلام بيع الحصاة لما فى ذلك كذلك من الغرر والجهالة وعدم ضبط المبايعات. وهو مما كان يتبايع به أهل الجاهلية.
[ما يفيده الحديث]
1 -
تحريم بيع الحصاة.
2 -
تحريم الغرر فى البيوع.
3 -
ضبط الإِسلام لأصول المبايعات.
18 -
وعنه رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "من اشترى طعاما فلا يبعه حتى يكتاله" رواه مسلم.
[المفردات]
" وعنه" أى وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه.
[البحث]
قد روى البخارى ومسلم من حديث عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "من ابتاع طعاما فلا يبيعه حتى يستوفيه" كما روى البخارى ومسلم من حديث عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه عنهما قال: رأيت الذين يشترون الطعام مجازفة يُضْرَبُون على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه حتى يؤووه إلى رحالهم" كما روى البخارى ومسلم من حديث طاوس عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نهى أن يبيع الرجل طعامه حتى يستوفيه قلت لابن عباس: كيف ذاك قال: ذاك دراهم بدراهم والطعام مرجأ" وقول طاوس لابن عباس كيف ذاك؟ قال: ذاك دراهم بدراهم والطعام مرجأ" قال الحافظ فى الفتح: معناه أنه استفهم عن سبب هذا النهى فأجابه ابن عباس بأنه إذا باعه المشترى قبل القبض وتأخر المبيع فى يد البائع فكأنه باعه دراهم بدراهم، ويبين ذلك ما وقع فى رواية سفيان عن ابن طاوس عند مسلم قال طاوس: قلت: لابن عباس: لِمَ؟ قال: ألا تراهم يتبايعون بالذهب والطعام مرجأ" أى فإذا اشترى طعاما بمائة دينار مثلا ودفعها للبائع ولم يقبض منه الطعام ثم باع الطعام لآخر بمائة وعشرين دينارا وقبضها والطعام فى يد البائع فكأنه باع مائة دينار بمائة وعشرين دينارا وعلى هذا التفسير لا يختص النهى بالطعام ولذلك قال ابن عباس: "لا أحسب كل شئ إلا مثله" اهـ وقول الحافظ: ولذلك قال ابن عباس: لا أحسب كل شئ إلا مثله، يشير إلى ما رواه البخارى فى باب "بيع الطعام قبل أن يقبض وبيع ما ليس عندك" من حديث طاوس قال:
سمعت ابن عباس رضى اللَّه عنهما يقول: أما الذى نهى عنه النبى صلى الله عليه وسلم فهو الطعام أن يباع حتى يقبض قال ابن عباس: ولا أحسب كل شئ إلا مثله" وقد جاء فى رواية لمسلم من حديث ابن عمر رضى اللَّه عنهما قال: كنا نبتاع الطعام فيبعث إلينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من يأمرنا بانتقاله من المكان الذى ابتعناه فيه إلى مكان سواه قبل أن نبيعه" وكل هذه الروايات تثبت أنه لا يجوز لمن اشترى شيئا أن يبيعه قبل أن يقبضه. والقبض يتفاوت بتفاوت المبيع فما يتناول باليد كالدراهم والدنانير ونحوهما فقبضه بالتناول، وما لا ينقل كالعقار والثمر على الشجر فقبضه بالتخلية، وما ينقل فى العادة كالأخشاب والحبوب والحيوان فقبضه بالنقل إلى مكان لا اختصاص للبائع به، وما يشترى كيلا لا يباع إلا بالكيل، وما يشترى وزنا لا يباع إلا بالوزن وأنه لا يجوز أن يكتفى فيه بالكيل الأول ولا بالوزن الأول وقد انعقد إجماع علماء هذه الأمة على جواز بيع الصبرة جزافا. أى بلا كيل ولا وزن واللَّه أعلم.
[ما يفيده الحديث]
1 -
يشترط القبض فى المكيل بالكيل وفى الموزون بالوزن فمن اشترى مكايلة لا يبيع وزنا ومن اشترى وزنا لا يبيع مكايلة.
2 -
من اشترى مكايلة وقبضه ثم باعه لغيره لم يجز تسليمه بالكيل الأول حتى يكيله على من اشتراه ثانيا.
3 -
أن القبض فى المبيعات يتفاوت بتفاوت المبيع فقبض العقار ونحوه بالتخلية. وقبض الدراهم ونحوها بتسلمها وتناولها، وقبض الحيوانات و"السيارات" والأخشاب والحبوب يكون
بنقلها من مكان إلى مكان لا اختصاص للبائع به.
4 -
أنه يجوز بيع الصبرة جزافا.
19 -
وعنه رضى اللَّه عنه قال: نهى رسول اللَّه عن بيعتين فى بيعة" رواه أحمد والنسائى وصححه الترمذى وابن حبان، ولأبى داود "من باع بيعتين فى بيعة فله أوكَسُهُمَا أو الربا".
[المفردات]
" وعنه" أى عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه.
"عن بيعتين فى بيعة" فسر بتفسيرين: أحدهما أن يقول البائع للمشترى: بعتك هذا الشئ نسيئة -أى مع تأجيل الثمن بألفين، ونقدا بألف فأيهما شئت أخذت به، ثم يتفرقان دون أن يتم البيع نقدا أو نسيئة. والتفسير الثانى أن يقول البائع للمشترى: بعتك هذا الجمل -مثلا- على أن تبيعنى كذا، ورواية أبى داود تؤيد التفسير الأول.
"فله أوكسهما أو الربا" أى من باع بيعتين فى بيعة فله أقل الثمنين أو الربا.
[البحث]
لا نزاع عند أهل العلم فى جواز أن يشترى الإنسان طعاما أو نحوه بثمن مؤجل وعنون البخارى لذلك فى كتاب البيوع فقال: باب شراء النبى صلى الله عليه وسلم بالنسيئة. وروى هو ومسلم من حديث عائشة رضى اللَّه عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم اشترى طعاما من يهودى إلى أجل ورهنه درعا من حديد" كما عنون البخارى فى كتاب الاستقراض فقال: باب من اشترى بالدين
وليس عنده ثمنه أو ليس بحضرته" وساق حديث جابر فى بيعه الجمل على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى الطريق وقبضه الثمن بالمدينة. وقد راج فى زمننا هذا أن بعض التجار يعرضون سلعهم ويجعلون ثمنها -بالتقسيط كذا ونقدا كذا- ويجعلون الثمن إذا كان -بالتقسيط- أكثر من البيع بالنقد وقد أجازه جماعة من أهل العلم ما دام البيعان لم يتفرقا حتى تم البيع على طريق منهما. والأحوط تركه لما فيه من شبهة الربا. واللَّه أعلم.
20 -
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضى اللَّه عنهم قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان فى بيع ولا رِبْح ما لم يُضْمَنْ، ولا بَيْعُ ما ليس عندك" رواه الخمسة وصححه الترمذى وابن خزيمة والحاكم، وأخرجه فى علوم الحديث من رواية أبى حنيفة عن عمرو المذكور بلفظ "نهى عن بيع وشرط" ومن هذا الوجه أخرجه الطبرانى فى الأوسط وهو غريب.
[المفردات]
" سلف وبيع" قال فى النهاية: وهو مثل أن يقول: بعتك هذا العبد بألف على أن تسلفنى ألفا فى متاع أو على أن تقرضنى ألفا اهـ وقيل هو أن يشترى سلعة بأكثر من ثمنها لأجل أنها نسيئة فيحتال لجعلها نقدا بأن يستلف ويستقرض الثمن من البائع ليعجله إليه حيلة.
"شرطان فى بيع" قال فى النهاية: كقولك بعتك هذا الثوب نقدا بدينار ونسيئة بدينارين. وقيل هو أن يشترط البائع على المشترى
أن لا يبيع السلعة ولا يهبها. وقيل: هو أن يقول: بعتك هذه السلعة بكذا على أن تبيعنى السلعة الفلانية بكذا.
"ربح ما لم يضمن" قيل: معناه: ما لم يقبض لأن السلعة قبل قبضها ليست فى ضمان المشترى فإذا تلفت تلفت من مال البائع وقيل: ما لم يملك، فإذا باع شيئا لا يملكه فإنه لا يحل له ربحه.
"بيع ما ليس عندك" قال ابن المنذر: وبيع ما ليس عندك يحتمل معنيين أحدهما أن يقول: أبيعك عبدا أو دارا معينة وهى غائبة فيشبه بيع الغرر لاحتمال أن تتلف أو لا يرضاها. ثانيهما أن يقول: هذه الدار بكذا على أن أشتريها لك من صاحبها أو على أن يسلمها لك صاحبها اهـ.
"وأخرجه" أى الحاكم.
"عمرو المذكور" هو عمرو بن شعيب رحمه الله.
"ومن هذا الوجه" أى الذى أخرجه منه الحاكم وهو طريق أبى حنيفة عن عمرو بن شعيب.
"وهو غريب" أى ضعيف، وممن استغربه النووى.
[البحث]
تقدم كلام أهل العلم فى سند حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده كما تقدم الكلام عند الحديث الخامس من أحاديث هذا الباب عن جواز البيع والشرط لحديث جابر رضى اللَّه عنه ما دام هذا الشرط معلوما ولا يتعارض مع المراد من البيع ويصح إفراده بالعقد. كما تقدم الكلام عند الحديث العاشر من أحاديث هذا الباب على بطلان الشرط المخالف
لكتاب اللَّه مع صحة البيع لحديث بريرة رضى اللَّه عنها، وقد اتضح أن الشرط الباطل هو الذى ينافى مقصود البيع كما إذا اشترط فى بيع الجارية أن لا يطأها، وفى الدار أن لا يسكنها، وفى العبد أن لا يستخدمه، وفى الدابة أن لا يركبها. قال الحافظ فى الفتح: وأما حديث النهى عن بيع وشرط ففى إسناده مقال وهو قابل للتأويل اهـ وأما إذا اشترط شيئا معلوما لوقت معلوم فلا بأس به ففى حديث النهى عن الثنيا: "إلا أن تعلم" كما سيجئ بحثه فى الحديث الخامس والعشرين إن شاء اللَّه تعالى. والحكم على كل بيع وقع فيه شرط بالبطلان غير سديد كما أن الحكم على كل بيع وقع فيه شرط بالصحة للبيع والشرط هو غير سديد كذلك. وقد أثر عن عبد الوارث بن سعيد قال: قدمت مكة فوجدت بها أبا حنيفة وابن أبى ليلى وابن شبرمة فسألت أبا حنيفة فقلت ما تقول فى رجل باع بيعا وشرط شرطا فقال: البيع باطل والشرط باطل، ثم أتيت ابن أبى ليلى فسألته فقال: البيع جائز والشرط باطل، ثم أتيت ابن شبرمة فقال: البيع جائز والشرط جائز فقلت: سبحان اللَّه ثلاثة من فقهاء العراق اختلفوا على مسألة واحدة، واللَّه لأسألنهم، فأتيت أبا حنيفة فقلت: يا شيخ، سألتك عن رجل باع بيعا وشرط شرطا فقلت: البيع باطل والشرط باطل، وسألت فلانا وفلانا فقال أحدهما كذا وكذا، وقال الآخر: كذا وكذا، فقال أبو حنيفة: لا أدرى ما قالا؟ . حدثنى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط فالبيع باطل والشرط باطل. ثم أتيت ابن أبى ليلى فأخبرته فقال: ما أدرى ما قالا؟ حدثنى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى اللَّه
قالت: أمرنى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن اشترى بريرة فأعتقيها، البيع جائز والشرط باطل. ثم أتيت ابن شبرمة فأخبرته فقال: ما أدرى ما قالا؟ حدثنى مسعر بن كدام عن محارب بن دثار عن جابر بن عبد اللَّه قال: بعت من النبى صلى الله عليه وسلم ناقة فاشترط لى حملانها إلى المدينة. البيع جائز والشرط جائز اهـ وقد وصف المصنف هنا رواية أبى حنيفة رحمه الله عن عمرو بن شعيب بالغرابة. واللَّه أعلم. وقال الحافظ فى تلخيص الحبير: "نهى عن بيع وشرط" بيض له الرافعى فى التذنيب واستغربه النووى، رواه ابن حزم فى المحلى والخطابى فى المعالم والطبرانى فى الأوسط، والحاكم فى علوم الحديث من طريق محمد بن سليمان الذهلى عن عبد الوارث بن سعيد عن أبى حنيفة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فى قصة طويلة مشهورة، ورويناه فى الجزء الثالث من مشيخة بغداد للدمياطى، ونقل فيه عن ابن أبى الفوارس أنه قال: غريب. ورواه أصحاب السنن إلا ابن ماجه، وابن حبان، والحاكم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ: لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان فى بيع. اهـ وقد عنون البخارى فى صحيحه فقال: باب بيع الطعام قبل أن يقبض وبيع ما ليس عندك. قال الحافظ فى الفتح: لم يذكر فى حديثى الباب بيع ما ليس عندك وكأنه لم يثبت على شرطه فاستنبطه من النهى عن البيع قبل القبض، ووجه الاستدلال منه بطريق الأولى، وحديث النهى عن بيع ما ليس عندك أخرجه أصحاب السنن من حديث حكيم بن حزام بلفظ: قلت: يا رسول اللَّه، يأتينى الرجل فيسألنى البيع ليس عندى أبيعه منه ثم أبتاعه له من السوق؟ فقال: "لا تبع
ما ليس عندك" وأخرجه الترمذى مختصر ولفظه: نهانى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عندى" اهـ.
21 -
وعنه رضى اللَّه عنه قال: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن بيع العُرْبان" رواه مالك قال: بلغنى عن عمرو بن شعيب به.
[المفردات]
" عنه" أى وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
"بيع العربان" قال فى القاموس: والعُرْبان والعُربون بضمهما والعَربُون محركة وتبدل عينهن همزة: ما عقد به المبايعة من الثمن. وقال فى لسان العرب: العُرْبان والعُرْبُون والعَرَبُون: كل ما عقد به البيعة من الثمن، أعجمى أعرب، قال الفراء: أعربت إعرابا وعَرَّبْتُ تعريبا إذا أعطيت العربان، وروى عن عطاء أنه كان ينهى عن الإِعراب فى البيع، قال شمر: الإِعراب فى البيع أن يقول الرجل للرجل: إن لم آخذ هذا البيع بكذا فلك كذا وكذا من مالى. وفى الحديث أنه نهى عن بيع العربان، هو أن يشترى السلعة ويدفع إلى صاحبها شيئا على أنه إن أمضى البيع حسب من الثمن، وإن لم يمض البيع كان لصاحب السلعة ولم يرتجعه المشترى اهـ.
[البحث]
لفظ الموطأ من رواية يحيى: عن مالك عن الثقة عنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العُربان"
قال مالك: وذلك فيما نُرَى واللَّه أعلم أن يشترى الرجل العبد أو الوليدة أو يتكارى الدابة ثم يقول للذى اشترى منه أو تكارى منه: أعطيك دينارا أو درهما أو أكثر من ذلك أو أقل على أنى إن أخذت السلعة أو ركبت ما تكاريت منك فالذى أعطيك هو من ثمن السلعة أو من كراء الدابة وإن تركت ابتياع السلعة أو كراء الدابة فما أعطيتك لك، باطل بغير شئ. اهـ قال السيوطى فى تنوير الحوالك: هذا الحديث أخرجه الخطيب فى الرواة عن مالك من طريق الهيثم بن يمان أبى بشر الرازى عن مالك عن عمرو بن الحارث عن عمرو بن شعيب به. وقال ابن عبد البر: تكلم الناس فى الثقة عنده فى هذا الموضع وأشبه ما قيل فيه أنه أخذه عن الزهرى عن ابن لهيعة أو عن ابن وهب عن ابن لهيعة لأن ابن لهيعة سمعه من عمرو بن شعيب سمعه منه ابن وهب وغيره انتهى، وقال الحافظ فى تلخيص الحبير:"نهى عن بيع العربان" مالك أبو داود وابن ماجه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وفيه راو لم يسم، وسمى فى رواية لابن ماجه ضعيفة: عبد اللَّه بن عامر الأسلمى وقيل: هو ابن لهيعة وهما ضعيفان، ورواه الدارقطنى والخطيب فى الرواة عن مالك من طريق الهيثم بن اليمان عنه عن عمرو بن الحارث عن عمرو بن شعيب، وعمرو بن الحارث ثقة، والهيثم ضعفه الأزدى، وقال أبو حاتم: صدوق. وذكر الدارقطنى أنه تفرد بقوله عن عمرو بن الحارث. قال ابن عدى: يقال: إن مالكا سمع هذا الحديث من ابن لهيعة. ورواه البيهقى من طريق عاصم بن عبد العزيز عن الحارث بن عبد الرحمن عن عمرو بن شعيب، وقال
عبد الرزاق فى مصنفه: أنا الأسلمى، عن زيد بن أسلم: سئل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن العربان فى البيع فأحله ، وهذا ضعيف مع أرساله. الأسلمى هو إبراهيم بن محمد بن أبى يحيى اهـ ثم نقل الحافظ تفسير مالك لبيع العربان ثم قال: وكذلك فسره عبد الرزاق عن الأسلمى عن زيد بن أسلم. هذا الخطر فى بيع العربان قد يأتى إذا أراد المشترى الاحتيال حتى لا يتمكن غيره من شراء هذه السلعة مع مجازفته بالمبلغ الذى يدفعه عربونا، وقد يكون ذلك غررا بالبائع وتفويت فرصة البيع عليه. واللَّه أعلم.
22 -
وعن ابن عمر رضى اللَّه عنهما قال: ابتعت زيتا فى السوق، فلما استوجبته لقينى رجل فأعطانى به ربحا حسنا، فأردت أن أضرب على يد الرجل، فأخذ رجل من خلفى بذراعى، فَالْتَفَتُّ فإذا زيد بن ثابت، فقال: لا تبعه حيث ابتعته حتى تحوزه إلى رحلك، فإن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم" رواه أحمد أبو داود واللفظ له وصححه ابن حبان والحاكم.
[المفردات]
" ابتعت" أى اشتريت.
"فلما استوجبته" أى فلما تم عقد البيع بينى وبين البائع.
"فأعطانى به ربحا حسنا" أى فأراد شراءه منى بزيادة حسنة عما اشتريته به.
"فأردت أن أضرب على يد الرجل" أى فعزمت على بيعه عليه وأردت أن أضرب بيدى على يده إشعارا بموافقتى على البيع.
"فالتفت" أى فاستدرت بوجهى إلى الخلف لأرى الرجل الذى أمسك بذراعى من خلفى.
"فإذا زيد بن ثابت" أى فإذا الذى أمسك بذراعى من خلفى هو زيد ابن ثابت رضى اللَّه عنه.
"حيث ابتعته" أى فى المكان الذى اشتريته فيه.
"حتى تحوزه إلى رحلك" أى حتى تنقله من المكان الذى اشتريته فيه إلى المكان الذى تضع فيه حوائجك.
"حيث تبتاع" أى فى المكان الذى تشترى منه.
"حتى يحوزها التجار" أى يضمها وينقلها المشترون.
"إلى رحالهم" أى إلى منازلهم أو الأماكن التى يضعون فيها حوائجهم.
[البحث]
تقدم فى بحث الحديث الثامن عشر ما رواه مسلم من حديث ابن عمر رضى اللَّه عنهما قال: كنا نبتاع الطعام فيبعث إلينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من يأمرنا بانتقاله من المكان الذى ابتعناه فيه إلى مكان سواه قبل أن نبيعه" كما قدمت هناك ما رواه البخارى ومسلم من حديث ابن عمر رضى اللَّه عنهما قال: رأيت الذين يشترون الطعام مجازفة يُضْرَبُون على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه حتى يؤووه إلى رحالهم، وقد استنبط البخارى رحمه الله من هذا الحديث تعزير من باع ما اشتراه قبل أن يؤويه إلى رحله، فقال مترجما لحديث ابن عمر هذا "باب من رأى
إذا اشترى طعاما جزافا أن لا يبيعه حتى يؤويه إلى رحله، والأدب فى ذلك" يعنى تأديب من باع ما اشتراه قبل أن يؤويه إلى رحله. ولفظ البخارى الذى أورده فى هذا الباب عن ابن عمر رضى اللَّه عنهما: قال لقد رأيت الناس فى عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يبتاعون جِزافا -يعنى الطعام- يضربون أن يبيعوه فى مكانهم حتى يؤووه إلى رحالهم.
[ما يفيده الحديث]
1 -
لا يجوز بيع السلعة المشتراة قبل أن ينقلها المشترى ويحوزها.
2 -
حرص أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على نشر تعاليم الإسلام.
23 -
وعنه رضى اللَّه عنه قال: "قلت: يا رسول اللَّه إنى أبيع الإِبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدرهم وآخذ الدنانير، آخذ هذا من هذا، وأعطى هذا من هذا؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا بأس أن تأخذها بسعر يومها، ما لم تفترقا وبينكما شئ" رواه الخمسة صححه الحاكم.
[المفردات]
" وعنه" أى وعن عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه عنهما.
"بالبقيع" البقيع بالباء المفتوحة يطلق على مواضع منها بقيع الغرقد وهو شرقى المسجد النبوى وهو مدفن أهل المدينة وكان ينبت به شجر يقال له: الغرقد فقيل بقيع الغرقد. وقد جاء فى رواية البيهقى لهذا الحديث: فى بقيع الغرقد قال النووى: ولم تكن كثرت إذ ذاك فيه القبور. يعنى فكانوا يتبايعون فيه
ويطلق البقيع أيضا على موضع يقع شمال شرقى المسجد النبوى وشمالى بقيع الغرقد يقال له: بقيع الأسواق أو بقيع الأصواف. وموضعه الآن: شرقى "شارع أبى ذر قرب باب التمار" جنوبى "السمانية" وشمالى "العنابية" والظاهر أنه هو الذى كان يتبايع فيه الناس وقد ذكر ابن باطيش عن اللفظ الوارد فى حديث ابن عمر هذا: أن الظاهر أنه بالنون. وإذا صح كلام ابن باطيش فإن النقيع يقع جنوبى المدينة المنورة وهو حمى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كما جاء فى صحيح البخارى فى باب لا حمى إلا اللَّه ورسوله.
"وآخذ الدراهم" أى بدل الدنانير التى انعقد بها البيع.
"وآخذ الدنانير" أى بدل الدراهم التى انعقد بها البيع.
"آخذ هذا من هذا" أى آخذ هذا بدل هذا.
"وأعطى هذا من هذا" أى وأعطى هذا بدل هذا.
"ما لم تفترقا وبينكما شئ" أى ما لم يتفرق البيعان وبينهما شئ لم يقبض من الدراهم أو الدنانير.
[البحث]
قال الحافظ فى تلخيص الحبير: حديث ابن عمر: كنت أبيع الإبل بالبقيع بالدنانير وآخذ مكانها الورق، وأبيع بالورق وآخذ مكانها الدنانير فأتيت النبى صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك فقال:"لا بأس به بالقيمة" وفى رواية "لا بأس إذا تفرقتما وليس بينكما شئ" أحمد وأصحاب السنن وابن حبان والحاكم من طريق سماك ابن حرب عن سعيد بن جبير عنه. ولفظ أبى داود: لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شئ" وفى لفظ لأحمد: لا بأس به بالقيمة" ولفظ النسائى: لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا
وبينكما شئ" وفى لفظ له: ما لم يفرق بينكما شئ قال الترمذى والبيهقى: لم يرفعه غير سماك. وعلق الشافعى فى سنن حرملة القول به على صحة الحديث. وروى البيهقى من طريق أبى داود الطيالسى قال: سئل شعبة عن حديث سماك هذا فقال شعبة: سمعت أيوب عن نافع عن ابن عمر ولم يرفعه، ونا قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عمر ولم يرفعه، ونا يحيى بن أبى إسحاق عن سالم عن ابن عمرو لم يرفعه ورفعه لنا سماك بن حرب. وأنا أفرقه (تنبيه) البقيع المذكور بالباء الموحدة كما وقع عند البيهقى: "فى بقيع الغرقد" قال النووى: ولم تكن كثرت إذ ذاك فيه القبور، وقال ابن باطيش: لم أر من ضبطه، والظاهر أنه بالنون. اهـ ولا شك أن من استقر فى ذمته عند المبايعة دنانير فدفعها للبائع دراهم أو بالعكس ورضى بذلك البائع وتقابضا قبل التفرق فإنه لا بأس بذلك لما تقرر أنه إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد. واللَّه أعلم.
24 -
وعنه رضى اللَّه عنه قال: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن النَّجْشِ" متفق عليه.
[المفردات]
" وعنه" أى وعن عبد اللَّه ابن عمر رضى اللَّه عنهما.
"النَّجْشِ" بفتح النون وسكون الجيم أصله فى اللغة إثارة الصيد من مخبئه ليصيده غيره وفسر ابن قتيبة النجش بالختل والخديعة وفى الاصطلاح هو أن يزيد فى ثمن السلعة لا ليشتريها بل
ليخدع غيره ويغريه بشرائها.
[البحث]
قال البخارى: باب النجش ومن قال لا يجوز ذلك البيع، وقال ابن أبى أوفى "الناجش آكل ربا خائن" وهو خداع باطل لا يحل قال النبى صلى الله عليه وسلم: الخديعة فى النار، ومن عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" ثم ساق الحديث. قول البخارى: قال ابن أبى أوفى: الناجش آكل ربا خائن" قال الحافظ فى الفتح: هذا طرف من حديث أورده المصنف فى الشهادات فى باب قول اللَّه تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} ثم ساق فيه من طريق السكسكى عن عبد اللَّه بن أبى أوفى قال: أقام رجل سلعته فحلف باللَّه لقد أعطى فيها ما لم يعط فنزلت، قال ابن أبى أوفى: الناجش آكل ربا خائن" أورده من طريق يزيد بن هارون عن السكسكى. ثم قال الحافظ: وأطلق ابن أبى أوفى على من أخبر بأكثر مما اشترى به أنه ناجش لمشاركته لمن يزيد فى السلعة وهو لا يريد أن يشتريها فى غرور الغير فاشتركا فى الحكم لذلك وكونه آكل ربا بهذا التفسير وكذلك يصح على التفسير الأول إن واطأه البائع على ذلك وجعل له عليه جعلا فيشتر كان جميعا فى الخيانة اهـ. قد أوضح الحافظ رحمه الله أن قوله فى الترجمة: وهو خداع باطل لا يحل هو من تفقه المصنف وليس من تتمة كلام ابن أبى أوفى. هذا ومن العجيب أن الحافظ رحمه الله ضبط النجش فى أول شرحه للترجمة وحديث الباب بفتح النون وسكون الجيم. ثم قال فى آخر شرحه لهذا الحديث "عن النجش" تقدم أن المشهور أنه بفتح الجيم وحكى
المطرزى فيه السكون".
[ما يفيده الحديث]
1 -
أنه لا يحل لمسلم أن يزيد فى ثمن سلعة وهو لا يريد شراءها.
2 -
ولا يحل للبائع أن يدعى أنه أعطى فى السلعة كذا وهو لم يعط.
3 -
وأنه حرى بالبيع الذى يجرى فيه النجش أن لا يبارك للبائع فيه.
25 -
وعن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن المحاقلة، والمزابنة، والمخابرة، وعن الثنيا إلا أن تعلم" رواه الخمسة إلا ابن ماجه وصححه الترمذى.
[المفردات]
" المحاقلة" أصلها فى اللغة مأخوذة من الحقل جمع حقلة قاله الجوهرى وهى الساحات جمع ساحة. وفى الاصطلاح هى أن يبيع الإِنسان الزرع بمائة فرق من الحنطة مثلا. وقال أبو عبيد: هو بيع الطعام فى سنبله بالبر. وقال الليث: الحقل: الزرع إذا انشعب من قبل أن يغلظ سوقه.
"المزابنة" هى بيع الثمر على رؤس النخل بمائة فرق التمر مثلا. وبيع العنب بالزبيب كيلا.
"المخابرة" هى المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها من الزرع مأخوذة من الخبار وهى الأرض اللينة وقد تسمى المزارعة وقيل المزراعة: العمل فى الأرض بجزء من الخارج منها والبذر من مالك الأرض. أما المخابرة فهى كذلك إلا أن
البذر من العامل.
"الثنيا" أى الاستثناء أو الاشتراط فى البيع.
[البحث]
روى البخارى ومسلم من حديث ابن عمر رضى اللَّه عنهما قال: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن المزابنة. أن يبيع ثمر حائطه إن كان نخلا بتمر كيلا وإن كان كرما أن يبيعه بزبيب كيلا أو كان زرعا أن يبيعه بكيل طعام ونهى عن ذلك كله وفى لفظ للبخارى ومسلم من حديث ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة قال: والمزابنة: أن يبيع التمر بكيل إن زاد فلى وإن نقص فعلَىَّ. وفى لفظ للبخارى من حديث ابن عمر رضى اللَّه عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة. والمزابنة اشتراء الثَّمر بالتَّمْر كيلا وبيع الكرم بالزبيب كيلا. وفى لفظ للبخارى من حديث أبى سعيد الخدرى رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة والمحاقلة. والمزابنة اشتراء الثَّمر بالتَّمْر فى رؤس النخل. وفى لفظ للبخارى ومسلم من حديث ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة، وأخرج مسلم من حديث جابر رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن المحاقلة والمزابنة. قال فى التلخيص: حديث جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن المحاقلة والمزابنة، والمحاقلة أن يبيع الرجل الرجل الزرع بمائة فرق من الحنطة والمزابنة: أن يبيع التمر على رؤس النخل بمائة فرق من تمر. الشافعى فى المختصر عن سفيان عن ابن جريج عن عطاء عنه قال ابن جريج: قلت لعطاء: أفسر لكم جابر المحاقلة كما أخبرتنى؟ قال: نعم، وهو متفق عليه من حديث سفيان
نحوه، واتفقا عن مالك عن نافع عن بن عمر بلفظ: نهى عن المزابنة والمزابنة بيع الثمر بالثمر كيلا وبيع الكرم بالزبيب كيلا، وأخرجه عن الشافعى فى الأم قال الشافعى: وتفسير المحاقلة والمزابنة فى الأحاديث يحتمل أن يكون عن النبى صلى الله عليه وسلم منصوصا، ويحتمل أن يكون من رواية من رواه انتهى. وفى الباب عن أبى سعيد وابن عمر وابن عباس وأنس وأبى هريرة وكلها فى الصحيحين أو أحدهما. وعن رافع بن خديج فى النسائى وسهل بن سعد فى الطبرانى اهـ أما المخابرة فسيأتى تحقيق البحث فيها إن شاء اللَّه تعالى فى باب المساقاة والإجارة عند الكلام على حديث ثابت بن الضحاك الذى أخرجه مسلم بلفظ: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نهى عن المزارعة وأمر بالمؤاجرة، أما النهى عن الثنيا فقد أخرجه أصحاب السنن بإسناد صحيح من حديث جابر رضى اللَّه عنه وأخرجه مسلم بلفظ نهى عن الثنيا، وقد قال الترمذى: باب ما جاء فى النهى عن الثنيا حدثنا زياد بن أيوب البغدادى حدثنا عباد بن العوام، أخبرنى سفيان اين حسين عن يونس بن عبيد عن عطاء عن جابر أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نهى عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة والثنيا إلا أن تعلم" هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه من حديث يونس بن عبيد عن عطاء عن جابر اهـ فالثنيا ينهى عنها إذا كان الشرط مجهولا أما إذا كان معلوما لوقت معلوم فلا بأس به كما تقدم عند الكلام على الحديث العشرين من هذا الباب واللَّه أعلم. هذا وقد أشار الحافظ فى التلخيص إلى أن ابن الجوزى وهم فذكر فى جامع المسانيد أن حديث النهى عن الثنيا متفق عليه من حديث جابر قال الحافظ: ولم يذكر البخارى فى كتابه الثنيا
[ما يفيده الحديث]
1 -
تحريم بيع الثمر على رؤس النخل بتمر كيلا.
2 -
تحريم بيع العنب بالزبيب كيلا.
3 -
تحريم بيع الزرع بحنطة كيلا.
4 -
جواز البيع مع الشرط إذا كان الشرط معلوما لوقت معلوم كركوب الناقة المبيعة حتى يصل البائع إلى المدينة مثلا. أو يبيع شجر بستان إلا شجرة أو شجرا مع تعيين المستثنى.
26 -
وعن أنس رضى اللَّه عنه قال: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمخاضرة والملامسة والمنابذة والمزابنة. رواه البخارى.
[المفردات]
" المخاضرة" هى بيع الثمار والحبوب قبل أن يبدو صلاحها وهى مفاعلة من الخضرة.
"الملامسة" هو المبايعة بمجرد لمس الرجل ثوب الآخر بيده بالليل أو النهار لا ينظر إليه ولا يقلبه من غير نظر ولا تراض.
"المنابذة" هى أن يطرح الرجل إلى الرجل ثوبه ويطرح الآخر ثوبه يتبايعان بذلك دون تقليب أو نظر.
[البحث]
أما النهى عن المخاضرة فقد روى البخارى ومسلم من حديث جابر رضى اللَّه عنه قال: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن تباع الثمرة حتى تُشَقَّح فقيل: وما تشقح؟ قال: تحمار، وتصفار، ويؤكل منها. كما
روى البخارى من حديث ابن عمر رضى اللَّه عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها نهى البائع والمبتاع. كما روى البخارى من حديث أنس رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع ثمرة النخل حتى تزهو قال أبو عبد اللَّه يعنى حتى تحمر. وفى لفظ للبخارى من حديث أنس رضى اللَّه عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها وعن النخل حتى يزهو قيل وما يزهو؟ قال يحمار أو يصفار. وأما النهى عن الملامسة والمنابذة فقد روى البخارى ومسلم من حديث أبى سعيد رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نهى عن المنابذة وهى طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى الرجل قبل أن يقلبه أو ينظر إليه ونهى عن الملامسة والملامسة: لمس الثوب لا ينظر إليه كما روى البخارى من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نهى عن الملامسة والمنابذة. كما روى مسلم من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه تفسر الملامسة والمنابذة قال: أما الملامسة فأن يلمس كل واحد منهما ثوب صاحبه بغير تأمل، والمنابذة أن ينبذ كل واحد منهما ثوبه إلى الآخر لم ينظر واحد منهما إلى ثوب صاحبه. قال الحافظ فى الفتح: وهذا التفسير الذى فى حديث أبى هريرة أقعد بلفظ الملامسة والمنابذة لأنها مفاعلة فتستدعى وجود الفعل من الجانبين اهـ
[ما يفيده الحديث]
1 -
تحريم بيع الملامسة.
2 -
تحريم بيع المنابذة.
3 -
تحريم المحاقلة.
4 -
تحريم المزابنة.
5 -
تحريم بيع الثمرة قبل أن يبدو صلاحها.
6 -
ضبط المبايعات وتحريم الغرر والجهالة فيها.
27 -
وعن طاوس عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لَا تَلَقَّوُا الرُّكْبَان، ولا يبع حاضر لباد" قلت: لابن عباس: ما قوله: ولا يبع حاضر لبادٍ؟ قال: لا يكون له سمسارا" متفق عليه.
[المفردات]
" لا تَلَقَّوُا الركبان" أى لا تخرجوا لاستقبال البدو والذين يجلبون الماشية أو الأطعمة أو غيرها إلى أسواق المدن أو القرى لتشتروا منهم قبل وصولهم إلى السوق، وليس ركوب الجالبين شرطا فى تحريم تلقيهم فهذا القيد لا مفهوم له بل لو كان الجالب عددا مشاة أو واحدا راكبا أو ماشيا لم يختلف الحكم. وإنما القيد خرج مخرج الغالب فى أن الذين يجلبون الطعام أو غيره إلى المدن يكونون عددا ويجيئون راكبين.
"ولا يبع حاضر لباد" يعنى لا يتولى المقيم فى المدينة أو القرية البيع لمن جلب إليها حتى يرى الجالب بنفسه السوق ويعرف الأسعار.
"لا يكون له سمسارا" السمسار هو فى الأصل القيم بالأمر والحافظ له ثم استعمل فى من يتولى البيع والشراء لغيره.
[البحث]
هذا النهى النبوى لتلقى الركبان وبيع الحاضر للبادى من أعظم أسباب صيانة حقوق الموردين والمستهلكين للأرزاق. وإخضاع الأسعار لقاعدة العرض والطلب، ومنع تلاعب ذوى الجشع بالأسواق وإرشاد من يجلب إلى الأسواق أن لا يبيع قبل أن يصل إليها ويعرف أسعارها وأن لا يترك شئونه لبعض المقيمين فى البلد ليبيع له أو ليشترى منه، وقد أشار رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى سبب هذا النهى فيما رواه مسلم من حديث جابر رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا يبيع حاضر لبادٍ، دعوا الناس يرزق اللَّه بعضهم من بعض" ففى هذا النهى مصلحة المورد والمستهلك جميعا، إذ أن تلقى الركبان وبيع الحاضر للبادى فيه نوع احتكار للأرزاق، وقد روى البخارى أيضا من حديث ابن عمر رضى اللَّه عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نهى أن يبيع حاضر لباد. كما روى البخارى من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن التلقى وأن يبيع حاضر لباد وفى لفظ للبخارى من حديث ابن عمر أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال ولا تَلَقوا السلع حتى يهبط بها إلى السوق. وقد جاء فى لفظ لمسلم من حديث أنس بن مالك رضى اللَّه عنه: نهينا أن يبيع حاضر لبادٍ وإن كان أخاه أو أباه" وهذا كله لمصلحة البائعين والمشترين حتى لا يغتر أحد أو يستضر.
[ما يفيده الحديث]
1 -
لا يجوز تلقى الجالبين والشراء منهم قبل وصولهم إلى سوق البلد.
2 -
لا يجوز للمقيمين بالبلد أن يكونوا سماسرة للجالبين حتى يعرف
الجالبون أسعار السوق.
3 -
حرص الإسلام عل صيانة أموال الناس وحفظ حقوقهم.
28 -
وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم "لا تَلَقَّوُا الجَلَبَ، فمن تُلُقِّىَ فَاشْتُرِى منه، فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار" رواه مسلم.
[المفردات]
" الجَلَب" بفتح اللام هو مصدر بمعنى المجلوب.
"فإذا أتى سيده السوق" أى فإذا وصل صاحب الجلب إلى سوق البلد "فهو بالخيار" يعنى يحق له أن يفسخ البيع إذا أراد ذلك بعد أن يصل إلى السوق.
[البحث]
إثبات الخيار للجالب دليل على صحة البيع على الذين يتلقون الركبان وأن النهى عنه إنما يقتضى تأثيم فاعله لا بطلان هذا البيع، وهو دليل على أنه لا يلزم من النهى عن شئ فساده قال الحافظ فى الفتح: وأما كون صاحبه عاصيا آثمًا، والاستدلال عليه بكونه خداعا فصحيح ولكنى لا يلزم من ذلك أن يكون البيع مردودا لأن النهى لا يرجع إلى نفس العقد، ولا يخل بشئ من أركانه وشرائطه وإنما هو لدفع الإضرار بالركبان اهـ. وسيأتى مزيد بحث لذلك كذلك فى الحديث الرابع والثلاثين من أحاديث هذا الباب ففيه النهى عن تصرية الإبل والغنم ومع ذلك يصح البيع مع ثبوت الخيار للمشترى إلى ثلاثة أيام. وقد جاء فى لفظ هذا الحديث عند أبى داود والترمذى عن أبى هريرة رضى
اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن تلقى الجلب، فإن تلقاه فاشتراه فصاحبه بالخيار إذا أتى السوق.
[ما يفيده الحديث]
1 -
تحريم تلقى الجَلَب.
2 -
إثبات الخيار للجالب إذا اشترى منه من تلقاه.
29 -
وعنه رضى اللَّه عنه قال: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد، ولا تناجشوا، ولا يبيع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خِطبة أخيه، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لِتَكْفَأ ما فى إنائها" متفق عليه. ولمسلم:"لا يسوم المسلم على سَوم المسلم".
[المفردات]
" وعنه" أى وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه.
"ولا تناجشوا" أى ولا تستعملوا النجش عند المبايعات.
"ولا يبيع الرجل على أخيه" أى لا يسوم على سومه إذا كان المبيع غير معروض فى المزايدة، أو يطلب من المشترى أو البائع فسخ العقد إذا كان فى مدة الخيار ليشتريه هو بأزيد أو يبيعه بأنقص.
"ولا يخطب على خطبة أخيه" أى لا يتقدم لطب زواج امرأة بعد أن تقدم إليها غيره. والخِطبة بكسر الخاء.
"ولا تسأل المرأة" أى ولا تطلب الزوجة من زوجها.
"طلاق أختها" أى مفارقة جارتها وضرتها.
"لتكفأ ما فى إنائها" أى لتُفَرِّغَ زوجها لنفسها وحدها دون مشاركة جارتها فيه.
"ولمسلم" أى من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه.
"لا يسوم المسلم على سوم أخيه" أى لا يزيد فى ثمن السلعة المعروضة للبيع إذا كانت غير معروضة بطريق المزايدة.
[البحث]
يحرص الإِسلام على سلامة قلوب المسلمين ودفع كل أسباب تشويشها، ولذلك نهى رسول اللَّه أن يبيع الرجل على بيع أخيه أو يخطب على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب، وصورة بيع الرجل على بيع أخيه أن يطلب من المشترى أو البائع فسخ العقد إذا كان فى مدة الخيار ليشتريه هو بأزيد من الثمن المدفوع أو يبيعه مثله بأنقص من الثمن المدفوع وقد فسر غير واحد من أهل العلم البيع على البيع هنا بأن المراد بالبيع السوم وقد جاء فى لفظ للبخارى من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه: وأن يستام الرجل على سوم أخيه. وكذلك جاء فى لفظ لمسلم من حديث ابن عمر رضى اللَّه عنهما كما أخرج مسلم من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه "لا يسوم المسلم على سوم المسلم" كما أورده المصنف هنا. والسوم على السوم إنما يحرم إذا كانت السلعة معروضة بغير طريق المزايدة أما إذا كانت السلعة معروضة بطريق المزايدة فإنه لا بأس بذلك، وقد بوب البخارى لذلك فقال: باب بيع المزايدة وقال عطاء: أدركت الناس لا يرون بأسا ببيع المغانم فيمن يزيد ثم ساق من حديث جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما أن رجلا أعتق غلاما له عن دبر فاحتاج فأخذه النبى صلى الله عليه وسلم فقال: "من يشتريه منى؟ " فاشتراه نُعَيم بن عبد اللَّه بكذا وكذا فدفعه إليه "وقد تقدم ذكر هذا الحديث وهو متفق عليه وهو الحديث السادس من
أحاديث هذا الباب. كما أخرج أحمد وأصحاب السنن مطولا ومختصرا من حديث أنس رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم باع حلسا وقدحا وقال: من يشترى هذا الحلس والقدح؟ فقال رجل أخذتهما بدرهم فقال: "من يزيد على درهم"؟ فأعطاه رجل درهمين فباعهما منه. وهذا لفظ الترمذى وقد حسنه. أما ما أخرجه البزار من حديث سفيان بن وهب: سمعت النبى صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع المزايدة فإن فى إسناده ابن لهيعة وهو ضعيف. أما تحريم الخطبة على الخِطبة فقد جاء تقييده بما لم يأذن له الخاطب فإن أذن له جاز ذلك فقد روى البخارى فى صحيحه من حديث ابن عمر رضى اللَّه عنهما بلفظ: نهى أن يبيع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب" وفى لفظ لمسلم عنه رضى اللَّه عنه "لا يبع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه إلا أن يأذن له" وأما قوله صلى الله عليه وسلم "ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما فى إنائها" فإنه ترهيب للجارة أن تسعى عند زوجها لطلاق ضرتها وكذلك لا تسأل المرأة رجلا أن يطلق زوجته ويتزوجها وقد عبر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالأخ والمسلم والأخت للحض على الامتثال فالمسلم أخو المسلم والجارة أخت جارتها وهذا وصف يحمل المسلم أن لا يعمل عملا يشوش على أخيه المسلم أو يدخل المساءة إليه. ولا شك أن هذا صورة من صور تعاليم الإسلام المشرقة وكلها مشرقة نسأل اللَّه عز وجل أن يربط قلوبنا بها وأن يحيينا عليها ويتوفانا عليها إنه هو أرحم الراحمين.
[ما يفيده الحديث]
1 -
تحريم بيع الرجل على بيع أخيه
2 -
تحريم سوم الرجل على سوم أخيه إذا لم يكن البيع بطريق المزايدة.
3 -
تحريم خِطبة الرجل على خِطبة أخيه.
4 -
لا يجوز للمرأة أن تسعى عند زوجها فى طلاق ضرتها.
30 -
وعن أبى أيوب الأنصارى رضى اللَّه عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "من فرَّق بين والدة وولدها فرق اللَّه بينه وبين أحبته يوم القيامة" رواه أحمد وصححه الترمذى والحاكم لكن فى إسناده مقال، وله شاهد.
[المفردات]
" فرق بين والدة وولدها" أى بين الأمة الوالدة وولدها الرقيق بأن باع أحدهما ولم يبع الآخر معه أو باعهما على شخصين فباعد بينهما.
[البحث]
نسب المصنف هنا إلى الترمذى أنه صحح هذا الحديث ونسب إليه فى تلخيص الحبير أنه حسنه حيث قال فى التلخيص حديث أبى أيوب: من فرق بين والدة وولدها فرق اللَّه بينه بين أحبته يوم القيامة. أحمد والترمذى وحسنه والدارقطنى والحاكم وصححه. وفى سياق أحمد عنه قصة. وفى إسنادهم حيى بن عبد اللَّه المعافرى مختلف فيه. وله طريق أخرى عند البيهقى غير متصلة لأنها من طريق العلاء بن كثير الاسكندرانى عن أبى أيوب ولم يدركه، وله طريق أخرى عند الدارمى فى مسنده. فى كتاب السير منه اهـ.
31 -
وعن على بن أبى طالب رضى عنه قال: أمرنى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن أبيع غلامين أخوين فبعتهما، ففرقت بينهما فذكرت ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فقال:"أدركهما فارتجعهما ولا تبعهما إلا جميعا" رواه أحمد ورجاله
ثقات، وقد صححه ابن خزيمة، وابن الجارود، وابن حبان، والحاكم والطبرانى، وابن القطان.
[المفردات]
" غلامين" أى عبدين مملوكين.
"ففرقت بينهم" أى بعت أحدهما على شخص والآخر على شخص آخر فتسببت فى التباعد بينهما.
"فارتجعهم" أى فاستردهما من المشتريين.
"ولا تبعهما إلا جميعا" أى ولا تبعهما إلا على شخص واحد ليكونا معا.
"ابن الجارود" يطلق هذا الاسم على إمامين جليلين متعاصرين أحدهما الإمام الحافظ أبو جعفر أحمد بن على بن محمد بن الجارود الأصبهانى الرحال المصنف صاحب المسند والشيوخ روى عن أبى سعيد الأشج وعمر بن شبة وهارون بن اسحاق وأحمد بن الفرات وخلق من الأصبهانيين وعنى بهذا الشأن وروى عنه أبو إسحاق ابن حمزة وأبو القاسم الطبرانى وأبو الشيخ وغيرهم ومات سنة 299 هـ وقيل قبلها بعام. أما الثانى فهو أبو محمد عبد اللَّه بن على بن الجارود النيسابورى الفقيه المحدث الحافظ جاور بمكة وتوفى بها سنة 307 هـ وهو صاحب المنتقى من السنن المسندة عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والظاهر أنه هو المراد هنا لأن هذا الحديث من أحاديث المنتقى. كما أن أكثر الاحاديث التى أطلق فيها ابن حجر ذكر ابن الجارود هى من أحاديث المنتقى غير أن الحافظ رحمه الله ذكر فى الفتح فى باب صدقة الفطر على العبد وغيره من المسلمين من صحيح البخارى قال: وقال أبو داود بعد أن أخرجه من طريق مالك
وعمر بن نافع: رواه عبد اللَّه العمرى عن نافع فقال: على كل مسلم. ورواه سعيد بن عبد الرحمن الجمحى عن عبيد اللَّه بن عمر عن نافع فقال فيه: من المسلمين. والمشهور عن عبيد اللَّه ليس فيه من المسلمين انتهى وقد أخرج الحاكم فى المستدرك من طريق سعيد بن عبد الرحمن المذكورة، وأخرج الدارقطنى وابن الجارود طريق عبد اللَّه العمرى اهـ ولم نجد فى المنتقى لابن الجارود هذه الرواية التى أشار إليها الحافظ ابن حجر فى الفتح فإما أن تكون ساقطة من المنتقى وإما أن تكون لابن الجارود أحمد بن على فى المسند. واللَّه أعلم.
[البحث]
قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الوهاب عن سعيد عن رجل عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن على أنه قال: أمرنى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن أبيع غلامين أخوين، فبعتهما ففرقت بينهما، فذكرت ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم، فقال:"أدركهما فارتجعهما، ولا تبعهما إلا جميعا، ولا تفرق بينهما" فالعجب أن يصحح ابن خزيمة وابن الجارود وابن حبان والحاكم والطبرانى وابن القطان هذا الحديث وأن يوثق الحافظ ابن حجر رجاله، وسنده كما ترى. فالرجل الراوى عن سعيد بن أبى عروبة مجهول. وقد روى أحمد هذا الحديث من وجهين آخرين فقال: حدثنا محمد جعفر حدثنا سعيد يعنى ابن أبى عروبة عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن على بن أبى طالب قال: أمرنى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن أبيع غلامين أخوين، فبعتهما، ففرقت بينهما، فذكرت ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فقال: أدركهما فارجعهما، ولا تبعهما إلا
جميعا. وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان وإسحاق بن عيسى قالا: حدثنا حماد بن سلمة عن الحجاج عن الحاكم عن ميمون بن أبى شبيب عن على قال: وهب لى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم غلامين أخوين فبعت أحدهما فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ما فعل الغلامان؟ فقلت: بعت أحدهما فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "رده" وسعيد بن أبى عروبة لم يسمع من الحكم ابن عتيبة شيئا ففى كتاب المراسيل لابن أبى حاتم: أخبرنا عبد اللَّه بن أحمد بن حنبل فيما كتب إلىَّ: حدثنى أبى قال: لم يسمع سعيد بن أبى عروبة من الحكم بن عتيبة شيئا اهـ كما أن ميمون بن أبى شبيب لم يسمع من على رضى اللَّه عنه، وقد ضعفه ابن معين، وقال على بن المدينى: خفى علينا أمره. وقال ابن خراش: لم يسِمع من على. وكذلك قال أبو داود فقد قال: حدثنا عثمان بن أبى شيبة ثنا إسحاق ابن منصور ثنا عبد السلام بن حرب عن يزيد بن عبد الرحمن عن الحكم عن ميمون بن أبى شبيب عن على رضى اللَّه عنه أنه فرق بين جارية وولدها فنهاه النبى صلى الله عليه وسلم عن ذلك ورَدَّ البيع قال أبو داود: وميمون لم يدرك عليا اهـ وقال الحافظ فى التلخيص: حديث على أنه فرق بين جارية وولدها فنهاه النبى صلى الله عليه وسلم ورد البيع، أبو داود وأعله بالانقطاع بين ميمون بن أبى شبيب وعلى والحاكم وصحح إسناده، ورجحه البيهقى بشواهده، لكن رواه الترمذى وابن ماجه من هذا الوجه وأحمد والدارقطنى من طريق الحكم عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن على بلفظ: قدم على النبى صلى الله عليه وسلم بسبى فأمرنى ببيع أخوين فبعتهما -الحديث- وصحح ابن القطان رواية الحكم هذه لكن حكى ابن أبى حاتم
عن أبيه فى العلل: أن الحكم إنما سمعه من ميمون بن أبى شبيب عن على، وقال الدارقطنى فى العلل بعد حكاية الخلاف فيه: لا يمتنع أن يكون الحكم سمعه من عبد الرحمن ومن ميمون فحدث به مرة عن هذا ومرة عن هذا اهـ ولفظ قدم على النبى صلى الله عليه وسلم بسبى، ليس من رواية أحمد رحمه الله وقد سقت جميع ألفاظه فى صدر هذا البحث: وقال أبو محمد عبد اللَّه بن على بن الجارود فى المنتقى: حدثنا أبو أمية الطرسوسى محمد بن إبراهيم قال: ثنا سليمان بن عبيد اللَّه الأنصارى قال: ثنا عبيد اللَّه بن عمرو عن زيد بن أبى أنيسة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن على رضى اللَّه عنه قال: أمرنى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن أبيع غلامين أخوين فبعتهما وفرقت بينهما فذكرت ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فقال: أدركهما فارتجعهما ولا تبعهما إلا جميعا.
32 -
وعن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: غلا السعر فى المدينة على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال الناس: يا رسول اللَّه غلا السعر فَسَعِّرْ لنا فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إن اللَّه هو المُسَعِّر القابض الباسط الرازق وإنى لأرجو أن ألقى اللَّه تعالى وليس أحد منكم يطلبنى بمظلمة فى دم ولا مال" رواه الخمسة إلا النسائى وصححه ابن حبان.
[المفردات]
" غلا السعر" أى ارتفعت أثمان المشتريات فوق المعتاد.
"سعِّر لنا" أى حَدِّدْ لنا أثمان المشتريات حتى لا يزيد أحد على ما تحدده.
"هو المسعر" أى هو الذى يخفض الأسعار ويرفعها بحكمته
"القابض" أى الذى يضيق على من شاء.
"الباسط" أى الموسع على من شاء.
"الرازق" أى الواهب لعباده أرزاقهم.
[البحث]
قال الحافظ فى التلخيص: حديث أن السعر غلا، فقالوا يا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سعر لنا فقال:"إن اللَّه هو المسعر" الحديث. أحمد وأبو داود والترمذى وابن ماجه والدارمى والبزار وأبو يعلى من طريق حماد بن سلمة عن ثابت وغيره عن أنس. وإسناده على شرط مسلم. وقد صححه ابن حبان والترمذى، ولأحمد وأبى داود من حديث أبى هريرة، جاء رجل فقال: يا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سعر لنا فقال: بل أدعو. ثم جاء آخر فقال: يا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سعر، فقال:"بل اللَّه يخفض ويرفع" الحديث، وإسناده حسن، ولابن ماجه والبزار والطبرانى فى الأوسط من حديث أبى سعيد نحو حديث أنس، وإسناده حسن أيضا. وللبزار من حديث على نحوه. وعن ابن عباس فى الطبرانى الصغير، وعن أبى جحيفة فى الكبير. وأغرب ابن الجوزى فجعله فى الموضوعات من حديث على فقال: إنه حديث لا يصح اهـ.
33 -
وعن معمر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحتكر إلا خاطئ" رواه مسلم.
[المفردات]
" معمر بن عبد اللَّه" بفتح الميم وسكون العين بعدها ميم مفتوحة ثم راء قال ابن سعد فى الطبقات: معمر بن عبد اللَّه بن نضلة بن عوف
ابن عَبيد بن عَويج بن عدى بن كعب، وأمه الأشعرية، وكان قديم الإسلام بمكة، وهاجر إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية فى روايتهم جميعا ثم قدم مكة فأقام بها، وتأخرت هجرته إلى المدينة ثم هاجر بعد ذلك ويقولون إنه لحق النبى صلى الله عليه وسلم بالحديبية، يختلفون فيه وفى خراش بن أمية الكعبى، وهو الذى كان يُرَجِّل للنبى صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع وقد روى عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حديثا. أخبرنا يزيد بن هارون قال أخبرنى محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن سعيد بن المسيب عن معمر بن عبد اللَّه بن نضلة قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يحتكر إلا خاطئ" ثم ذكر ابن سعد أن الذى حلق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى عمرة القضية هو معمر بن عبد اللَّه العدوى رضى اللَّه عنه.
"لا يحتكر" أى لا يحبس أقوات المسلمين عنده التماسا لارتفاع الأسعار.
"إلا خاطئ" أى إلا عاص آثم.
[البحث]
قال الحافظ فى الفتح: وقد ورد فى ذم الاحتكار أحاديث منها حديث معمر المذكور أولا، وحديث عمر مرفوعا من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه اللَّه بالجذام والإفلاس، رواه ابن ماجه وإسناده حسن. وعنه مرفوعا قال: الجالب مرزوق والمحتكر ملعون أخرجه ابن ماجه والحاكم وإسناده ضعيف. وعن ابن عمر مرفوعا: من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برئ من اللَّه وبرئ منه. أخرجه أحمد والحاكم وفى إسناده مقال. وعن أبى هريرة مرفوعا: من احتكر حكرة يريد أن يغالى بها على المسلمين فهو خاطئ. أخرجه الحاكم. اهـ على أن
الحديث الصحيح الذى أورده المصنف هنا من طريق معمر بن عبد اللَّه عند مسلم فيه كفاية فى التحذير من الاحتكار ووجوب الابتعاد عنه.
[ما يفيده الحديث]
1 -
تحريم احتكار أقوات المسلمين وما فيه معايشهم ومصالحهم.
34 -
وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "لا تُصَرُّوا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن شاء أمسكها، وإن شاء ردَّها وصاعا من تمر" متفق عليه. ولمسلم "فهو بالخيار ثلاثة أيام" وفى رواية له علقها البخارى "وردَّ معها صاعا من طعام لا سمراء" قال البخارى: والتمر أكثر.
[المفردات]
" لا تصروا الإبل والغنم" قال البخارى: والمُصَرَّاةُ التى صُرِّىَ لبنها وحقن فيه وجُمِعَ فلم يحلب أياما، وأصل التصرية، حبس الماء يقال منه: صَرَّيتُ الماء إذا حبسته اهـ قال فى الفتح: وهذا التفسير قول أبى عبيد وأكثر أهل اللغة، وقال الشافعى: هو ربط أخلاف الناقة أو الشاة وترك حلبها حتى يجتمع لبنها فيكثر فيظن المشترى أن ذلك عادتها فيزيد فى ثمنها لما يرى من كثرة لبنها اهـ ثم قال الحافظ: قوله: "لا تُصَرُّوا" بضم أوله وفتح ثانيه بوزن تزكوا يقال: صَرَّى يُصَرِّى تصرية كزكَّى يزكى تزكية. والإبل بالنصب على المفعولية، وقيده بعضهم بفتح أوله وضم ثانيه، والأول أصح لأنه من صريت اللبن فى الضرع إذا جمعته وليس من صررت الشئ
إذا ربطته، إذ لو كان منه لقيل: مصرورة أو مصررة ولم يقل مصراة على أنه قد سمع الأمران فى كلام العرب قال الأغلب:
رأت غلاما قد صرى فى فقرته
…
ماء الشباب عنفوان سيرته
وقال مالك بن نويرة:
فقلت لقومى هذه صدقاتكم
…
مصررة أخلافها لم تحرر
وضبطه بعضهم بضم أوله وفتح ثانيه لكن بغير واو على البناء للمجهول والمشهور الأول اهـ.
"فمن ابتاعها بعد" أى اشتراها بعد التصرية.
"فهو بخير النظرين" أى فهو مخير فى اختيار أحب الرأيين الآتيين إليه.
"بعد أن يحلبها" أى بعد أن يتبين له أنها مصراة، ولا يتبين ذلك غالبا إلا بعد حلبها.
"إن شاء أمسكها" أى إن شاء أخذها وأجاز هذا البيع ورضى بالعيب وهذا هو أحد النظرين.
"وإن شاء ردَّها وصاعا من تمر" أى وإن شاء أرجعها للبائع وأعطاه معها صاعا من تمر وهذا هو النظر الثانى.
"ولمسلم" أى من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه.
"فهو بالخيار ثلاثة أيام" أى فالمشترى له الخيار فى إنفاذ البيع أو فسخه إلى ثلاثة أيام.
"وفى رواية له" أى لمسلم من حديث أبى هريرة.
"علقها البخارى" أى لم يروها متصلة السند والمعلق هو ما حذف من مبتدأ إسناده راو أو أكثر ولو إلى آخره.
"لا سمراء" لا حنطة.
"قال البخارى والتمر أكثر" أى إن الروايات الناصة على التمر أكثر عددا من الروايات التى لم تنص عليه كحديث ابن مسعود رقم 35 الذى رواه البخارى بلفظ: فليرد معها صاعا. أو التى أبدلت التمر بالطعام حيث قالت: صاعا من طعام. فرواية التمر أكثر عددا من غيرها.
[البحث]
قال البخارى: باب النهى للبائع أن لا يُحَفِّل الإبل والبقر والغنم وكلَّ محفلة، ثم ساق من طريق الأعرج عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها بعد فإنه بخير النظرين بعد أن يحتلبها، إن شاء أمسكها، وإن شاء ردها وصاع تمر. ويذكر عن أبى صالح ومجاهد والوليد بن رباح وموسى بن يسار عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم: صاع تمر. وقال بعضهم عن ابن سيرين: صاعا من طعام، وهو بالخيار ثلاثا. وقال بعضهم عن ابن سيرين: صاعا من تمر ولم يذكر ثلاثا. والتمر أكثر. وهذا الذى علقه البخارى عن أبى صالح عن أبى هريرة وصله مسلم من طريق سهيل بن أبى صالح عن أبيه عن أبى هريرة بلفظ: من ابتاع شاة مصراة فهو فيها بالخيار ثلاثة أيام فإن شاء أمسكها وإن شاء ردها ورد معها صاعا من تمر. كما أن الذى علقه عن موسى بن يسار قد وصله مسلم بلفظ: من اشترى شاة مصراة فلينقلب بها فليحلبها، فإن رضى بها أمسكها وإلا ردها
ومعها صاع من تمر. وأما قول البخارى وقال بعضهم عن ابن سيرين صاعا من طعام وهو بالخيار ثلاثا. فقد وصله مسلم من طريق قرة بن خالد عنه بلفظ: من اشترى مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام فإن ردها رد معها صاعا من طعام لا سمراء: قال الحافظ فى الفتح: وأما رواية من رواه بلفظ التمر دون ذكر الثلاث فوصلها أحمد من طريق معمر عن أيوب عن ابن سيرين بلفظ: من اشترى شاة مصراة فإنه يحلبها فإن رضيها أخذها وإلا ردها ورد معها صاعا من تمر وقد رواه سفيان عن أيوب فذكر الثلاث أخرجه مسلم من طريقه بلفظ: من اشترى شاة مصراة فهو بخير النظرين ثلاثة أيام إن شاء أمسكها وإن شاء ردها وصاعا من تمر لا سمراء، ورواه بعضهم عن ابن سيرين بذكر الطعام ولم يقل ثلاثا أخرجه أحمد والطحاوى من طريق عوف عن ابن سيرين وخلاس بن عمرو كلاهما عن أبى هريرة بلفظ: من اشترى لقحة مصراة أو شاة مصراة فحلبها فهو بأحد النظرين بالخيار إلى أن يحوزها أو يردها وإناء من طعام. فحصلنا عن ابن سيرين على أربع روايات: ذكر التمر والثلاث وذكر التمر بدون الثلاث، والطعام بدل التمر كذلك. والذى يظهر فى الجمع بينها أن من زاد الثلاث معه زيادة علم وهو حافظ ويحمل الأمر فيمن لم يذكرها على أنه لم يحفظها أو اختصرها، وتحمل الرواية التى فيها الطعام على التمر وقد روى الطحاوى من طريق أيوب عن ابن سيرين أن المراد بالسمراء الحنطة الشامية. وروى ابن أبى شيبة وأبو عوانة من طريق هشام بن حسان عن ابن سيرين "لا سمراء" يعنى الحنطة. وروى ابن المنذر من طريق ابن عون عن ابن سيرين
أنه سمع أبا هريرة يقول: "لا سمراء" تمر ليس ببر. فهذه الروايات تبين أن المراد بالطعام التمر اهـ هذا وقد تحرف عوف عن ابن سيرين وخلاس بن عمرو فى نسخ الفتح بعون عن ابن سيرين وخلاس بن عمرو، مع أن سند الإمام أحمد فى مسنده قال: حدثنا عبد الواحد عن عوف عن خلاس بن عمرو ومحمد بن سيرين عن أبى هريرة. وعوف هو ابن أبى جميلة الهجرى المعروف بالأعرابى وقد رواه بلفظ التمر أيضا ثابت بن عياض من حديث أبى هريرة عند البخارى كذلك، كما رواه بلفظ التمر أيضا همام بن منبه عن أبى هريرة عند مسلم، ولذلك كله قال البخارى: والتمر أكثر. وظاهر الحديث يوجب رد صاع من تمر مع الشاة المصراة إذا حلبها المشترى وأراد ردها بعيب التصرية، لا فرق فى ذلك بين أن يكون اللبن الذى احتلب قليلا أو كثيرا، ولا بين أن يكون التمر قوت ذلك البلد أم لا؟ ولذلك أوجب الصاع فى الناقة المصراة كما أوجبه فى رد الشاة المصراة، وقد حاول بعض الناس أن يطعن فى هذا الحديث الصحيح المتفق عليه متعللا بدعاوى فاسدة منها أن الحديث مضطرب ومنها أن أبا هريرة لم يكن فى الفقه كعبد اللَّه بن مسعود فلا يقدم ما يرويه على القياس. ودعوى الاضطراب بأنه روى مرة بلفظ التمر ومرة بلفظ الطعام ومرة بلفظ الصاع ومرة بلفظ الإناء ومرة بلفظ الثلاث ومرة بغيرها وقد تقدم بيان ذلك وأنه لا اضطراب، ودعوى رده لأنه من رواية أبى هريرة ولم يكن فى الفقه كعبد اللَّه بن مسعود فهى مردودة كذلك لأن عبد اللَّه بن مسعود أفتى بمثل ما رواه أبو هريرة رضى اللَّه عنه، وقد رواه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جملة من الصحابة رضى اللَّه عنهم
مع أنه لو انفرد به أبو هريرة رضى اللَّه عنه ففيه حجة كافية شافية قال الحافظ فى الفتح: وقال ابن السمعاني فى "الاصطلام" التعرض إلى جانب الصحابة علامة على خذلان فاعله بل هو بدعة وضلالة وقد اختص أبو هريرة بمزيد الحفظ لدعاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم له ثم قال الحافظ وقال ابن عبد البر: هذا الحديث مجمع على صحته وثبوته من جهة النقل، واعتل من لم يأخذ به بأشياء لا حقيقة لها اهـ هذا والعاقل ينبغى أن يتهم عقله إذا عارض أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فهم حملة الإسلام، وناقلوه إلى العالمين رضى اللَّه عنهم.
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن من اشترى شاة أو ناقة أو بقرة مصراة فهو مخير أن يردها أو يمسكها.
2 -
وأنه إذا اختار ردها بعد أن يحلبها رد معها صاعا من تمر.
3 -
أن التدليس والخداع والغش فى السلعة لا يفسد عقد البيع ولكن يجعل الخيار للمشترى.
35 -
وعن ابن مسعود رضى اللَّه عنه قال: من اشترى شاة مُحَفَّلَةً فردها فليرد معها صاعا" رواه البخارى وزاد الإِسماعيلى "من تمر"
[المفردات]
" محفلة" أى قد جمع فيها اللبن فالتحفيل: التجميع قال الحافظ فى الفتح: قال أبو عبيد: سميت بذلك لأن اللبن يكثر فى ضرعها
وكل شئ كثَّرته فقد حفَّلته، ئقول: ضرع حافل أى عظيم واحتفل القوم إذا كثر جمعهم ومنه حمى المحفل اهـ والمُحَفَّلَةُ بمعنى المُصَرَّاة.
"الإسماعيلى" هو الإمام الحافظ الثبت شيخ الإسلام أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن العباس الجرجانى. ولد سنة سبع وسبعين ومائتين وسمع أبا خليفة وأبا يعلى وابن خزيمة وصنف الصحيح والمعجم ومسند عمر وغيرها حدث عنه الحاكم والبرقانى قال الحاكم: كان واحد عصره وشيخ المحدثين والفقهاء وأجلهم فى الرياسة والمروءة والسخاء. علا إسناده وتفرد ببلاد العجم وتوفى فى رجب سنة 371 هـ رحمه الله.
[البحث]
فى بعض نسخ البخارى: فليرد معها صاعا من تمر وهى رواية أبى ذر الهروى لصحيح البخارى وروايته للصحيح هى أتقن الروايات وهى التى شرح الحافظ ابن حجر عليها كما صرح بذلك فى فتح البارى لكن الحافظ فى بلوغ المرام مشى على غير رواية أبى ذر فذكره بلفظ: فليرد معها صاعا. وجعل كلمة "من تمر" من زيادة الإِسماعيلى فى رواية لهذا الحديث وقد أورد البخارى رحمه الله هذا الحديث فى صحيحه بعد حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه مباشرة ليدفع فى نحر من يحاول الطعن فى حديث أبى هريرة بدعوى أنه لم يكن كابن مسعود ليوضح أنهما يستضيئان بنور صادر من مشكاة واحدة. رضى اللَّه عنهما. هذا وقد جعل ابن تيمية فى المنتقى زيادة "من تمر" من رواية البرقانى فقال
وعن أبى عثمان النهدى قال: قال عبد اللَّه: من اشترى شاة محفلة فردها فليرد معها صاعا. رواه البخارى والبرقانى على شرطه وزاد "من تمر".
[ما يفيده الحديث]
1 -
تأكيد جواز رد الشاة المصراة.
2 -
أن المشترى إذا حلبها يرد معها صاعا من تمر.
36 -
وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مرَّ على صُبْرَة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بَلَلًا فقال: "ما هذا يا صاحب الطعام؟ " قال: أصابته السماء يا رسول اللَّه. قال: أفلا جعلته فوق الطعام كى يراه الناس. من غش فليس منى" رواه مسلم.
[المفردات]
" صبرة طعام" أى كومة مجموعة من الطعام.
"فنالت أصابعه بللًا" أى لمست أصابعه صلى الله عليه وسلم رطوبة.
"ما هذا" أى البلل الذى بأسفل الصبرة.
"أصابته السماء" أى نزل عليه المطر.
"أفلا جعلته فوق الطعام" أى أفلا جعلت المبلول من الطعام فى أعلى الصبرة.
"كى يراه الناس" أى حتى يبصره المشترون.
"غش" أى خان وخدع ودلس.
"فليس منى" أى ليس ممن اهتدى بهديى وسار على منهجى فى المعاملات.
[البحث]
روى البخارى ومسلم من حديث حكيم بن حزام رضى اللَّه عنه قال: رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو قال: حتى يتفرقا. فإن صدقا وبَيَّنَا بورك لهما فى بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما". وقال البخارى فى صحيحه: باب إذا بَيِّنَ البيعان ولم يكتما ونصحا ويذكر عن العداء بن خالد قال: كتب لى النبى صلى الله عليه وسلم: هذا ما اشترى محمد رسول اللَّه، من العَدَّاء بن خالد: بَيعَ المسلم المسلمَ، لا داء ولا خِبْثَةَ ولا غائلة. وقول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: من غش فليس منى" يعتبر من أحاديث الوعيد وأحاديث الوعيد كهذا الحديث وكقوله صلى الله عليه وسلم "فمن رغب عن سنتى فليس منى" يرى بعض أهل العلم تفسيرها وبيان المراد بها وأنه من ارتكب ما عليه هذا الوعيد لا يخرج من دين الإسلام فمن غش لا يرتد عن الإسلام بالغش ومعناه: ليس ممن اهتدى بهديى واقتدى بمنهجى فى هذا السبيل لا أنه خارج عن دين الإسلام. وقال سفيان بن عيينة: يكره تفسير مثل هذا. يعنى أنه لا يشرح للعامة ليكون أوقع فى نفوسهم وأبلغ فى زجرهم. واللَّه أعلم.
[ما يفيده الحديث]
1 -
تحريم الغش فى المعاملات وغيرها.
2 -
الوعيد الشديد لمن يغش.
3 -
يجب أن يكون المسلم أحسن الناس معاملة وأبعدهم عن الخداع والغش والخيانة.
37 -
وعن عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من حبس العنب أيام القطاف حتى يبيعه ممن يتخذه خمرا فقد تقحم النار على بصيرة" رواه الطبرانى فى الأوسط بإسناد حسن.
[المفردات]
" عن أبيه" هو بريدة بن الحصيب الأسلمى رضى اللَّه عنه.
"حبس العنب" أى منع جنيه فلم يقطفه عند نضجه واحتجره واحتكره.
"أيام القطاف" أى وقت أخذ ثمار العنب من أشجاره.
"حتى يبيعه" أى ليبيعه.
"يتخذه خمرا" أى يعصره خمرا.
"تقحم النار" أى ألقى بنفسه فى النار وطرح جسمه فيها.
"على بصيرة" أى على علم منه بأنه يتقحم النار.
[البحث]
قال الحافظ فى التلخيص: حديث: نهى عن بيع العنب من عاصره أخرجه الطبرانى فى الأوسط عن محمد بن أحمد بن أبى خيثمة بإسناده عن بريدة مرفوعا: من حبس العنب أيام القطاف حتى يبيعه منى يهودى أو نصرانى أو ممن يتخذه خمرا فقد تقحم النار على بصيرة. قال الهيثمى فى مجمع الزوائد: وفيه عبد الكريم بن عبد الكريم قال أبو حاتم حديثه يدل على الكذب.
38 -
وعن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:
"الخراج بالضمان" رواه الخمسة وضعفه البخارى وأبو داود وصححه الترمذى وابن خزيمة وابن الجارود وابن حبان والحاكم وابن القطان.
[المفردات]
" الخراج" هو الغلة والفائدة التى تحصل من العين المبيعة.
"بالضمان" أى يستحق الخراج من تقع العين فى ضمانه والتزامه.
[البحث]
هذا الحديث أخرجه الشافعى وأحمد وأصحاب السنن والحاكم من طريق عروة عن عائشة مطولا ومختصرا ففى بعض ألفاظه أن رجلا اشترى غلاما فى زمن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فكان عنده ما شاء اللَّه ثم رده من عيب وجده فقضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم برده بالعيب فقال المقضى عليه: قد استغله فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: الخراج بالضمان" وقد ضعفه البخارى لأن فيه مسلم بن خالد الزنجى وهو ضعيف. وقد اقتصر الحافظ فى التلخيص على صحيح ابن القطان له ثم قال: وقال ابن حزم: لا يصح.
39 -
وعن عروة البارقى رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم أعطاه دينارا يشترى به أضحية أو شاة، فاشترى به شاتين فباع إحداهما بدينار فأتاه بشاة ودينار فدعا له بالبركة فى بيعه فكان لو اشترى ترابا لربح فيه. رواه الخمسة إلا النسائى وقد أخرجه البخارى فى ضمن حديث ولم يسق لفظه، وأورد الترمذى له شاهدا من حديث حكيم بن حزام
[المفردات]
" البارقى" نسبة إلى بارق جبل باليمن.
"أضحية" أى شاة يضحى بها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ويتقرب بها إلى اللَّه يوم النحر.
"فاشترى به" أى فاشترى بالدينار.
"فأتاه" أى فجاء إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
"فدعا له بالبركة فى بيعه" أى فسأل النبى صلى الله عليه وسلم ربه أن يجعل النماء والزيادة فيما يشتريه عروة أو يبيعه.
[البحث]
روى البخارى فى صحيحه فى كتاب المناقب من طريق سفيان عن شبيب بن غرقدة قال: سمعت الحى يحدثون عن عروة أن النبى صلى الله عليه وسلم أعطاه دينارا يشترى له به شاة فاشترى له به شاتين فباع إحداهما بدينار فجاء بدينار وشاة، فدعا له بالبركة فى بيعه، وكان لو اشترى التراب لربح فيه" ثم قال البخارى: قال سفيان: كان الحسن بن عمارة جاءنا بهذا الحديث عنه قال: سمعه شبيب من عروة فأتيته فقال شبيب: إنى لم أسمعه من عروة قال: سمعت الحى يخبرونه عنه ولكن سمعته يقول سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول: "الخير معقود بنواصى الخيل إلى يوم القيمة" قال: وقد رأيت فى داره سبعين فرسا. قال سفيان: يشترى له شاة كأنها أضحية اهـ قال فى الفتح: سمعت الحى يتحدثون أى قبيلته، وهم منسوبون إلى بارق جبل باليمن نزله بنو سعد بن عدى بن حارثة ابن عمرو بن عامر مزيقيا فنسبوا إليه اهـ وقد حاول بعض الناس تضعيف هذا الحديث بدعوى أن الحى مجهولون وتضعيفه بهذه العلة
غير سديد بل هو يدل على تأكيد صحته فإن الحى يمتنع فى العادة أن يتواطئوا على الكذب قال الحافظ: وله شاهد من حديث حكيم بن حزام وقد أخرجه ابن ماجه عن أبى بكر بن أبى شيبة عن سفيان عن شبيب عن عروة ولم يذكر بينهما أحدا اهـ وقد قال الترمذى فى جامعه حدثنا أبو كريب حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبى حصين عن حبيب بن أبى ثابت عن حكيم بن حزام أن النبى صلى الله عليه وسلم بعث حكيم بن حزام يشترى له أضحية بدينار فاشترى أضحية فأربح فيها دينارا، فاشترى أخرى مكانها، فجاء بالأضحية والدينار إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال ضح بالشاة وتصدق بالدينار، ثم قال الترمذى: حديث حكيم بن حزام لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وحبيب بن أبى ثابت لم يسمع عندى من حكيم بن حزام اهـ وقد أخرجه أبو داود من طريق أبى حصين عن شيخ من أهل المدينة عن حكيم بن حزام قال المنذرى: فى إسناده مجهول اهـ ولا شك أن حديث عروة بن الجعد أو ابن أبى الجعد البارقى حديث صحيح لا يحتاج إلى شاهد ضعيف. واللَّه أعلم.
[ما يفيده الحديث]
1 -
صحة بيع الفضولى أو شرائه إذا أجازه صاحب المال.
2 -
جواز التوكيل فى شراء الأضاحى والهدايا وغيرها من أنواع القرابين.
40 -
وعن أبى سعيد الخدرى رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن شراء ما فى بطون الأنعام حتى تضع وعن بيع ما فى ضروعها، وعن شراء العبد وهو آبق، وعن شراء المغانم حتى تقسم، وعن شراء الصدقات حتى تقبض، وعن ضربة الغائص" رواه ابن ماجه والبزار والدارقطنى بإسناد ضعيف.
[المفردات]
" ما فى بطون الأنعام" يعنى الأجنة فى أرحام الحيوانات قبل أن تولد والأنعام هى الإبل والبقر والغنم.
"حتى تضع" أى حتى تلد هذه الحوامل.
"ما فى ضروعها" يعنى اللبن قبل أن يحلب.
"وهو آبق" أى وهو هارب لا يعرف مكانه.
"المغانم" جمع مغنم وهو ما يستولى عليه المسلمون فى الحرب مع الكفار.
"حتى تقسم" أى حتى تخمس وتفرز ويستلم كل شخص من المجاهدين نصيبه منها.
"الصدقات" أى ما يستحق على الأموال من الزكاة.
"حتى تقبض" أى حتى يحوزها المتصدق عليه.
"ضربة الغائص" أى غوصته فى الماء وهو أن يقول أغوص فى البحر غوصة فما خرج فهو لك بكذا.
[البحث]
سبب ضعف هذا الحديث أنه من رواية شهر بن حوشب وهو ضعيف فى الحديث قد تكلم فيه غير واحد من الأئمة، لكن العلماء قد أجمعوا على تحريم بيع ما فى بطون الأنعام ومما فى الضروع وكذلك بيع كل ما لا يقدر على تسليمه أو لا يملكه البائع، وكل بيع مبناه الغرر والجهالة والمقامرة.
41 -
وعن ابن مسعود رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا تشتروا السمك فى الماء فإنه غرر" رواه أحمد وأشار إلى أن الصواب وقفه
[المفردات]
" وأشار" أى الإِمام أحمد رحمه الله.
"الصواب" أى الصحيح.
"وقفه" أى على ابن مسعود فهو من كلامه وليس بمرفوع.
[البحث]
قال الحافظ فى التلخيص: حديث ابن مسعود: لا تشتروا السمك فى الماء إنه غرر" موقوف، أحمد مرفوعا وموقوفا من طريق يزيد بن أبى زياد عن المسيب بن رافع عنه. قال البيهقى: فيه إرسال بين المسيب وعبد اللَّه، والصحيح وقفه، وقال الدارقطنى فى العلل: اختلف فيه والموقوف أصح. وكذا قال الخطيب وابن الجوزى، وفى الباب عن عمران بن حصين مرفوعا رواه أبو بكر بن أبى عاصم فى كتاب البيوع له. ولفظه: نهى عن بيع ما فى ضروع الماشية قبل أن تحلب وعن الجنين فى بطون الأنعام، وعن بيع السمك فى الماء، وعن المضامين والملاقيح، وحبل الحبلة وعن بيع الغرر" اهـ.
42 -
وعن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن تباع ثمرة حتى تُطْعِمَ، ولا يباع صوف على ظهر، ولا لبن فى ضَرْع" رواه الطبرانى فى الأوسط والدارقطنى، وأخرجه أبو داود فى المراسيل لعكرمة وهو الراجح، وأخرجه ايضا موقوفا على ابن عباس بإسناد قوى، ورجحه البيهقى.
[المفردات]
" تُطعِمَ" بضم التاء وسكون الطاء وكسر العين أى حتى يبدو
صلاحها وتصير طعاما يطيب أكلها.
"صوف على ظهر" أى صوف على ظهر الحيوان قبل أن يجز ويقص.
[البحث]
هذا الحديث رواه الدارقطنى والبيهقى من طريق عمر بن فروخ عن حبيب بن الزبير عن عكرمة عنه وقال البيهقى تفرد به عمر وليس بالقوى قال الحافظ فى التلخيص: قلت: وقد وثقه ابن معين وغيره قال: ورواه وكيع مرسلا. قلت: كذا فى المراسيل لأبى داود ومصنف ابن أبى شيبة. قال: ووقفه غيره على ابن عباس وهو المحفوظ: قلت: وكذا أخرجه أبو داود أيضا من طريق أبى إسحاق عن عكرمة، وكذا أخرجه الشافعى من وجه آخر عن ابن عباس. وليس فى رواية وكيع المرسلة ذكر اللبن. وأخرجه الطبرانى فى الأوسط من رواية عمر المذكور وقال: لا يروى عن النبى صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد اهـ وقد تقدم فى الحديث المتفق عليه من رواية جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع الثمرة حتى تشقح. فقيل ما تشقح؟ قال: تحمار وتصفار ويؤكل منها. وما رواه البخارى من حديث أنس رضى اللَّه عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها وعن النخل حتى يزهو. كما تقدم فى بحث الحديث السابق ذكر الإِجماع على تحريم بيع اللبن فى الضرع. واللَّه أعلم.
43 -
وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المضامين والملاقيح" رواه البزار وفى إسناده ضعف.
[المفردات]
" المضامين والملاقيح" قال ابن الأثير فى النهاية: المضامين ما فى أصلاب الفحول. وهى جمع مضمون يقال: ضمن الشئ بمعنى تضمنه ومنه قولهم: مضمون الكتاب كذا وكذا. والملاقيح جمع ملقوح وهو ما فى بطن الناقة. وفسرهما مالك فى الموطأ بالعكس، وحكاه الأزهرى عن مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب. وحكاه أيضا عن ثعلب عن ابن الأعرابى قال: إذا كان فى بطن الناقة حمل فهو ضامن ومضمان وهن ضوامن ومضامين. والذى فى بطنها ملقوح وملقوحة اهـ.
[البحث]
قال الحافظ فى التلخيص: حديث أبى هريرة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الملاقيح والمضامين. إسحاق بن راهويه والبزار من حديث سعيد بن المسيب عن أبى هريرة. وفى إسناده صالح بن أبى الأخضر عن الزهرى وهو ضعيف وقد رواه مالك فى الموطأ عن الزهرى عن سعيد مرسلا. قال الدارقطنى فى العلل: تابعه معمر، ووصله عمر بن قيس عن الزهرى والصحيح قول مالك. وفى الباب عن عمران بن حصين وهو فى البيوع لابن أبى عاصم كما تقدم. وعن ابن عباس فى الكبير للطبرانى والبزار وعن ابن عمر أخرجه عبد الرزاق وإسناده قوى اهـ.
44 -
وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم "من أقَال مسلما بيعته أقَاله اللَّه عثرته" رواه أبو داود وابن ماجه وصححه ابن حبان والحاكم.
[المفردات]
" أقال مسلما بيعته" أى رضى بفسخ العقد لما أحس بندم الذى تبايع معه وكراهته لهذه الصفقة.
"أقاله اللَّه عثرته" أى دفع عنه شر ما يحدث له من زلل وتجاوز له عنه.
[البحث]
قال الحافظ فى التلخيص: حديث: من أقال أخاه المسلم صفقة كرهها أقاله اللَّه عثرته يوم القيامة" أبو داود وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححه من حديث الأعمش عن أبى صالح عن أبى هريرة بلفظ: من أقال مسلما أقاله اللَّه عثرته يوم القيامة" قال أبو الفتح القشيرى: هو على شرطهما، وصححه ابن حزم. وقال ابن حبان: ما رواه عن الأعمش إلا حفص بن غياث ولا عن حفص إلا يحيى بن معين. ورواه عن الأعمش أيضا مالك بن شعير تفرد به عنه زياد بن يحيى الحسانى، وأخرجه البزار. ثم أورده من طريق إسحاق الفروى عن مالك عن سمى عن أبى صالح بلفظ: من أقال نادما" وقال: إن إسحاق تفرد به وذكره الحاكم فى علوم الحديث من طريق معمر عن محمد بن واسع عن أبى صالح، وقال: لم يسمعه معمر من محمد ولا محمد من أبى صالح اهـ.
[ما يفيده الحديث]
1 -
استحباب إقالة النادم فى البيع.
2 -
أن من ترك شيئا للَّه عز وجل عوضه اللَّه تعالى خيرا منه.