المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌ ‌باب العارية

‌باب العارية

ص: 245

1 -

عن سَمُرَةَ بن جُنْدُبٍ رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "على اليد ما أخذت حتى تؤديه" رواه أحمد والأربعة وصححه الحاكم.

[المفردات]

العارية: قال فى القاموس: والعَارِيَّةُ مشددةٌ وقد تخفف والعَارة ما تداولوه بينهم ج عواريّ مشددة ومخففة أعاره الشيءَ وأعاره منه وعاوره إياه وتَعَوَّرَ واستعار طلبها واستعاره منه طلبه إعارته واعْتَوَرُوا وتَعَوَّرُوه تداولوه اهـ وقال فى النهاية: كأنها منسوبة إلى العار لأن طلبها عار اهـ.

أما فى اصطلاح الفقهاء فهى: إباحة منافع العين بغير عوض.

على اليد ما أخذت: أى يلزم اليد صيانة ما قبضت من مال الغير.

حتى تؤديه: أى حتى ترده إلى مالكه أو مستحقه.

[البحث]

قال المجد ابن تيمية فى المنتقى: وعن الحسن عن سمرة عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: "على اليد ما أخذت حتى تؤديه" رواه

ص: 245

الخمسة إلا النسائى زاد أبو داود والترمذى: قال قتادة: ثم نسى الحسن فقال: هو أمينك لا ضمان عليه، يعنى العارية. اهـ وقال الحافظ فى تلخيص الحبير: حديث على اليد ما أخذت حتى تؤديه" أحمد والنسائى وابن ماجه والحاكم من حديث الحسن عن سمرة. ورواه أبو داود والترمذى بلفظ: حتى تؤدى. والحسن مختلف فى سماعه من سمرة. وزاد فيه أكثرهم: ثم نسى الحسن فقال: هو أمينك لا ضمان عليه اهـ.

ولا شك أن هناك تناقضا بين قول المجد ابن تيمية فى المنتقى رواه الخسمة إلا النسائى مع قول الحافظ فى تلخيص الحبير: أحمد والنسائى وقوله فى البلوغ: أحمد فى الأربعة. وقد بحثت عن هذا الحديث فى مجتبى النسائى فلم أقف عليه فيه. هذا وقد قال الترمذى عقيب إخراج هذا الحديث: هذا حديث حسن صحيح اهـ واللَّه أعلم.

ص: 246

2 -

وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك" رواه أبو داود والترمذى وحسنه وصححه الحاكم واستنكره أبو حاتم الرازى وأخرجه جماعة من الحفاظ وهو شامل للعارية.

ص: 246

[المفردات]

أدِّ الأمانة: أى رُدّ الوديعة قال فى القاموس: أدَّاهُ تأدية أوصله وقضاه والاسم الأداء.

إلى من ائتمنك: أى إلى صاحبها الذى جعلك أمينا عليها متى طلبها.

ولا تخن من خانك: أى ولا تغدر بمن غدر بك ولا تجاز بالإِساءة من أساء إليك.

جماعة من الحفاظ: منهم مالك وأحمد والدارقطنى والبيهقى وأبو نعيم لكن جميع طرقه عندهم مطعون فيها.

وهو شامل للعارية: أى وهو يعم الوديعة والعارية.

[البحث]

هذا الحديث أخرجه أبو داود من طريق طَلْق بن غَنَّام عن شريك وأخرجه الترمذى من طريق طلق بن غنام عن شريك وقيس عن أبى حَصِين عن أبى صالح عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه ثم قال الترمذى عقيبه: هذا حديث حسن غريب.

وقال الحافظ فى تلخيص الحبير: حديث: أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك" أبو داود والترمذى والحاكم من حديث أبى هريرة تفرد به طلق بن غنام عن شريك واستشهد له الحاكم بحديث أبى التياح عن أنس وفيه أيوب بن سويد مختلف فيه، وذكر الطبرانى أنه تفرد به، وفى الباب عن أُبَى بن كعب ذكره

ص: 247

ابن الجوزى فى العلل المتناهية، وفى إسناده من لا يعرف، وروى أبو داود والبيهقى من طريق يوسف بن ماهك عن فلان عن آخر، وفيه هذا المجهول، وقد صححه ابن السكن، ورواه البيهقى من طريق أو أمامة بسند ضعيف ومن طريق الحسن مرسلا قال الشافعى: هذا الحديث ليس بثابت وقال ابن الجوزى: لا يصح من جميع طرقه، ونقل عن الإِمام أحمد أنه قال: هذا حديث باطل لا أعرفه من وجه يصح اهـ. على أن أداء الأمانة وإيصالها إلى صاحبها وذم من يخونها وعدم جواز عمل معصية بمن عمل معصية، فلا يُزْنَى بحريم من زَنى، ولا يُفْجَرُ بمن فجر. كل هذه الأمور قد قررتها شريعة اللَّه. ونَصَّ عليها القرآن الكريم وفى ذلك يقول اللَّه عز وجل:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} وأما تخليص المغصوب من غاصبه واسترداد الحق من جاحده بالوسائل المباحة فإنه لا صلة له بقوله: ولا تخن من خانك.

وأما الاستدلال بقوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} وبقوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} وبقوله تعالى: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} وبقوله: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} وبقوله تعالى: {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} على جواز خيانة من خان فهو استدلال غير سديد ورمى بالقول من مكان بعيد.

ص: 248

3 -

وعن يعلى بن أمية رضى اللَّه عنه قال: قال لى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إذا أتتك رسلى فأعطهم ثلاثين دِرْعا" قلت يا رسول اللَّه أعارية مضمونة أو عارية مؤداة؟ قال: "بل عارية مؤداة" رواه أحمد وأبو داود والنسائى وصححه ابن حبان.

[المفردات]

إذا أتتك رسلى: أى إذا جاءك رجال مبعوثون إليك من قِبَلِى.

فأعطهم ثلاثين درعا: أى فادفع لهم ثلاثين درعا والدرع لباس يصنع من الحديد يلبسه المحارب ليقيه من سلاح أعدائه وجمعه دروع وأدراع وأدرع وهى الزرد وهى حلق متداخل بعضها فى بعض وأول من صنعها ونسجها كذلك هو داود عليه السلام وكانت قبله صفائح وفى ذلك يقول اللَّه عز وجل فى داود: {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} وكما قال عز وجل: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ} وكما قال كعب بن زهير رضى اللَّه عنه فى وصف المهاجرين رضى اللَّه عنهم:

ص: 249

شُمُّ العَرَانين أبطال لَبُوسُهُم

من نسج داود فى الهيجا سرابيلُ

بِيضٌ سوابغُ قد شُكَّتْ لها حَلَقٌ

كأنها حَلَقُ القَفْعَاء مَجْدُولُ

ودرع الحديد مؤنثة وقال أبو عبيدة: تؤنث وتذكر. أما درع المرأة فهو قميصها وهو مذكر.

أعارية مضمونة: العارية المضمونة هى التى يجب تأديتها إن كانت باقية فإذا تلفت ضمن المستعير قيمتها لصاحبها.

أو عارية مؤداة: العارية المؤداة هى التى يجب تأديتها لصاحبها إن كانت باقية فإذا تلفت لم يضمن المستعير قيمتها.

[البحث]

قال أبو داود "فى باب فى تضمين العارية" من سننه: حدثنا إبراهيم بن المستمر ثنا حبان بن هلال ثنا همام عن قتادة عن عطاء ابن أبى رباح عن صفوان بن يعلى عن أبيه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إذا أتتك رسلى فأعطهم ثلاثين درعا وثلاثين بعيرا" قال: فقلت: يا رسول اللَّه أعارية مضمونة أو عارية مؤداة؟ قال: بل مؤداة" وإبراهيم بن المستمر قال فى

ص: 250

التقريب: صدوق يُغْرِب. وعطاء بن أبى رباح ثقة ولكنه كان كثير الإرسال وقد عنعن هنا. واللَّه أعلم.

ص: 251

4 -

وعن صفوان بن أمية رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم استعار منه دروعا يوم حنين فقال: أَغَصْبٌ يا محمد؟ قال: "بل عارية مضمونة" رواه أبو داود وأحمد والنسائى وصححه الحاكم وأخرج له شاهدا ضعيفا عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما.

[المفردات]

صفوان بن أمية: هو صفوان بن أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح القرشى الجمحى قتل أبوه يوم بدر كافرا وأسلم صفوان بعد الفتح وكان من المؤلفة قلوبهم وكان حضر وقعة هوازن يوم حنين فلما انهزم المسلمون فى أول المعركة فرح بعض من كان فى قلبه مرض من أهل مكة وقال: ألا بطل السحر اليوم فقال له صفوان: أسكت فضَّ اللَّه فاك فواللَّه لأن يرُبَّنى رجل من قريش أحبُ إلىَّ من أن يَرُبَّنى رجل من هوازن. ولما أيد اللَّه

ص: 251

رسوله والمؤمنين وتم لهم النصر على هوازن وقسم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الغنائم بالجعرانة أعطى صفوان بن أمية مائة بعير. وقد شهد صفوان اليرموك وتوفى أيام قتل عثمان رضى اللَّه عنه وقيل توفى سنة 41 وقيل 42 واللَّه أعلم.

استعار: أى أخذ على سبيل العارية.

يوم حنين: أى يوم غزوة هوازن عند حُنين وكانت بعد فتح مكة فى السنة الثامنة. وحنين موضع بين مكة والطائف.

أغصب: أى أقهر واستيلاء بغير عوض؟ .

بل عارية مضمونة: أى ليس غصبا بل هو عارية مضمونة تُرَدُّ إليك أو قيمتها إن تلفت.

وأخرج له: أى أخرج الحاكم لتقوية هذا الحديث.

[البحث]

قال أبو داود: حدثنا الحسن بن محمد وسلمة بن شبيب قالا: ثنا يزيد بن هارون ثنا شريك عن عبد العزيز بن رفيع عن أمية بن صفوان بن أمية عن أبيه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم استعار منه أدراعا يوم حنين فقال: أغصب يا محمد فقال: "لا بل عارية مضمونة" قال أبو داود وهذه رواية يزيد ببغداد وفى روايته بواسط

ص: 252

على غير هذا. حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة ثنا جرير عن عبد العزيز ابن رفيع عن أناس من آل عبد اللَّه بن صفوان أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "يا صفوان هل عندك من سلاح؟ " قال: عارية أم غصبا؟ قال: "لا بل عارية" فأعاره ما بين الثلاثين إلى الأربعين درعا، وغزا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حنينا فلما هُزِمَ المشركون جمعت دروع صفوان ففقد منها أدراعا فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لصفوان:"إنا قد فقدنا من أدراعك أدراعا فهل نغرم لك؟ " قال: لا يا رسول اللَّه لأن فى قلبى اليوم ما لم يكن يومئذ. حدثنا مسدد ثنا أبو الأحوص ثنا عبد العزيز بن رفيع عن عطاء عن أناس من آل صفوان قال: استعار النبى صلى الله عليه وسلم فذكر معناه اهـ وقال الحافظ فى تلخيص الحبير: وأخرجه أحمد والنسائى والحاكم وأورد له شاهدا من حديث ابن عباس ولفظه: بل عارية مؤداة اهـ.

وقد أعل ابن حزم وابن القطان طرق هذا الحديث.

ص: 253