الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الحَوَالَة والضَّمَان
1 -
عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "مَطْلُ الغَنيِّ ظُلْمٌ وإذا اتْبِعَ أحَدُكُم على مَلِئٍ فَلْيَتْبَعْ" متفق عليه، وفى رواية أحمد:"فَلْيَحْتَلْ".
[المفردات]
الحوالة: بفتح الحاء هى من قولهم: أحال الغريمَ إذا زَجَّاه عنه إلى غريم آخر، وعرفها الفقهاء بأنها نقل الدين من ذمة إلى ذمة أخرى.
والضمان: أى الكفالة والالتزام تقول: ضَمِن الشئ ضمَانًا فهو ضامن وضمين أى كفله والتزم به، وضَمَّنْتهُ الشئ تضمينا فَتَضَمَّنَهُ عَنِّى أى غَرَّمْتُه فالتزمه.
مطْل الغنى: أصل المطل المد قال الحافظ فى الفتح: قال ابن فارس: مَطَلْتُ الحديدة أَمْطُلُها مَطْلًا إذا مددتها لتطول، وقال الأزهرى: المطل المدافعة، والمراد هنا تأخير ما استحق أداؤه بغير عذر، والغنى مختلف فى تعريفه ولكن المراد به هنا من قدر على الأداء فأخره ولو كان فقيرا. اهـ قال فى القاموس: والغنى ذو الوَفْرِ قال شارحه: قوله: ذو الوفر أى المال
الكثير اهـ وظاهر الحديث يدل على أن المراد بالغنى الموسر ومطله تسويفه.
وإذا اتْبع أحدكم على ملئ فَلْيَتْبَع: أى وإذا أحيل أحدكم بالدَّين الذى على موسر فليحتل أى فليقبل الحوالة.
قال الحافظ فى الفتح: المشهور فى الرواية واللغة كما قال النووى إسكان المثناة فى أتبع وفى فليتبع. وهو على البناء للمجهول مثل: إذا أُعْلِمَ فَلْيَعْلَم تقول: تبعت الرجل بحقى أتبعه تباعة بالفتح إذا طلبته وقال القرطبى: أما أتبع فبضم الهمزة وسكون التاء مبنيا لما لم يسم فاعله عند الجميع وأما فَلْيَتْبع فالأكثر على التخفيف، وقيده بعضهم بالتشديد والأول أجود انتهى وما ادعاه من الاتفاق على اتْبعَ يرده قول الخطابى إن أكثر المحدثين يقولونه بتشديد التاء والصواب التخفيف اهـ والملئ الغنى قال فى القاموس: والمِلَاءُ بالكسر والأمْلِئَاءُ بهمزتين والمُلأء الأغنياء المتمولون أو الحَسَنُوا القضاء منهم. الواحد ملئ.
وفى رواية لأحمد: أى من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه.
[البحث]
أورد البخارى هذا الحديث بلفظ: مطل الغنى ظلم فإذا أتبع
أحدكم على ملئ فليتبع" وأورده بلفظ: "مطل الغنى ظلم ومن أتبع على ملئ فليتبع" أما مسلم فأورده باللفظ الذى ذكره المصنف. وقال ابن ماجه: حدثنا إسماعيل بن توبة ثنا هشيم عن يونس بن عبيد عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "مطل الغنى ظلم وإذا أحلْتَ على ملئ فاتْبَعْه" قال فى الزوائد: فى إسناده انقطاع بين يونس بن عبيد وبين نافع قال أحمد بن حنبل: لم يسمع من نافع شيئا وإنما سمع من ابن نافع عن أبيه. وقال ابن معين وأبو حاتم لم يسمع من نافع شيئا. قلت: وهشيم بن بشر مدلس وقد عنعنه اهـ.
أما حديث أحمد الذى أشار إليه المصنف رحمه الله فلفظه فى المسند: حدثنا وكيع قال: حدثنا سفيان عن أبى الزناد عن الأعرج عن أبى هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "مطل الغنى ظلم ومن أحيل على ملئ فليحتل" هذا والمدين الذى يُحيل بدينه على الملئ يسمى المحيل، والدائن يسمى المحتال والمدين الذى أحيل عليه يسمى المحال عليه. هذا ولا شك أن بعض الناس قد يكون خُلُقه المماطلة مهما كان غناه وقدرته على الأداء، وقد يرضى الدائن ببقاء دينه فى ذمة المدين له الفقير رجاء ميسرته لما قد يعرف عنه من حرصه على الأداء بخلاف من قد يحال عليه إذ قد يعرف منه المماطلة والتسويف، وإنما شرع الإسلام الحوالة لما فيها من التيسير على المحيل والمحتال وإبراء ذمة المحال عليه. واللَّه أعلم.
[ما يفيده الحديث]
1 -
ينبغى لمن أحيل على غنى أن يقبل الحوالة.
2 -
أن مطل الغنى معصية.
3 -
يجب على الغنى أن يؤدى ما عليه من الدين الحال متى طلبه الدائن.
4 -
دقة نظام المال فى الإِسلام.
5 -
أن نقل الدَّين من ذمة إلى ذمة ليس من باب بيع الدين بالدين.
2 -
وعن جابر رضى اللَّه عنه قال: تُوُفِّى رجل منَّا فَغَسَّلْناهُ، وحَنَّطْناه، وكَفَّنَّاه، ثم أتينا به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقلنا: تصلى عليه؟ فخَطَا خُطًا، ثم قال:"أعليه دين؟ " قلنا: ديناران، فانصرف، فتحملهما أبو قتادة، فأتيناه، فقال أبو قتادة: الديناران علىَّ. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "حق الغرِيمِ وبَرِئَ منهما الميت؟ " قال: نعم، فصَلَّى عليه رواه أحمد وأبو داود والنسائى، وصححه ابن حبان والحاكم.
[المفردات]
رجل منَّا: أى رجل من الأنصار.
وَحَنَّطْنَاه: الحَنوط كل طِيب يخلط للميت فى تغسيله عند الغسلة الأخيرة.
فَخَطَا: أى فمشى صلى الله عليه وسلم.
خُطًا: أى خطوات والخُطْوَةُ ما بين القدمين عند المشى والمرة الواحدة منها خَطْوَة بفتح الخاء.
أعليه دين: أى أفى ذمة الميت دين.
فانصرف: أى رفض أن يصلى عليه.
فتحملهما أبو قتادة: أى فضمن أبو قتادة الدينارين لمستحقهما والتزم بالوفاء عن الميت.
فأتيناه: أى فذهبنا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نخبره بأن أبا قتادة تحملهما.
حق الغريم: هكذا فى نسخ بلوغ المرام قال فى سبل السلام: منصوب على المصدر مؤكد لمضمون قوله: الديناران علىَّ" أى حق عليك الحق وثبت عليك وكنت غريما اهـ لكن لفظ الحديث فى المنتقى للمجد ابن تيمية رحمه الله: "قد أوفى اللَّه حق الغريم".
وبرئ منهما الميت: أى خلصت ذمة الميت من الدينارين. والكلام على الاستفهام أى "هل برئت ذمة الميت واستحق الدائن هذا الدين عليك؟ ".
قال نعم: أى قال أبو قتادة رضى اللَّه عنه: نعم يا رسول اللَّه أَوْفَى اللَّهُ حق الغريم وبرئ منهما الميت.
[البحث]
قال فى تلخيص الحبير: حديث: أن النبى صلى الله عليه وسلم: أتى بجنازة
ليصلى عليها فقال: هل على صاحبكم من دين؟ فقالوا: نعم، ديناران، فقال أبو قتادة: هما علىَّ يا رسول اللَّه! قال: فصلى عليه صلى الله عليه وسلم. البخارى من حديث سلمة بن الأكوع مطولا. وفيه: أن الدين كان ثلاثة دنانير. ورواه أحمد وأبو داود والنسائى وابن حبان من حديث جابر، وفيه أن الدين كان دينارين اهـ ولفظ حديث سلمة بن الأكوع الذى أشار إليه الحافظ ابن حجر رحمه الله أورده البخارى فى باب إذا أحال دَينَ الميت على رجل جاز ثم ساق بسنده إلى سلمة بن الأكوع رضى اللَّه عنه قال: كنا جلوسا عند النبى صلى الله عليه وسلم إذ أُتىَ بجنازة فقالوا: صل عليها. فقال: "هل عليه دين؟ قالوا: لا. قال: "فهل ترك شيئا؟ " قالوا لا. فصلى عليه. ثم أتى بجنازة أخرى فقالوا: يا رسول اللَّه: صل عليها. قال: "هل عليه دين؟ " قيل: نعم. قال: "فهل ترك شيئا؟ " قالوا: ثلاثة دنانير فصلى عليها. ثم أُتِى بالثالثة فقالوا: صل عليها قال: هل ترك شيئا؟ " قالوا: لا. قال: فهل عليه دين؟ " قالوا: ثلاثة دنانير قال: "صلوا على صاحبكم" فقال أبو قتادة: صل عليه يا رسول اللَّه وعلىَّ دَينُه. فصلى عليه. قال الحافظ فى الفتح عند قوله "ثلاثة دنانير" فى حديث جابر عند الحاكم ديناران وأخرجه أبو داود من وجه آخر عن جابر نحوه وكذلك أخرجه الطبرانى من حديث أسماء بنت يزيد ويجمع بينهما بأنهما كانا دينارين وشطرا فمن قال ثلاثة
جبر الكسر ومن قال ديناران ألغاه اهـ.
وسيأتى فى الحديث الذى يليه أن امتناع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة على الميت المدين كان فى أول الأمر ثم لما فتحت الفتوح صار يقضى الدين عن الميت المدين ويصلى عليه صلى الله عليه وسلم.
[ما يفيده الحديث]
1 -
الإِشعار بصعوبة أمر الدَّين وأنه لا ينبغى للإِنسان أن يستدين إلا للضرورة.
2 -
الحض على قضاء الدين.
3 -
أنه يصح لأجنبى عن الميت أن يضمن دينه عنه ويتكفل بذلك.
4 -
أنه ينبغى للحاكم فى الإِلزام بالحق أن يتحقق من المراد بألفاظ العقود والإِقرارات الواردة فى القضية التى ينظر فيها.
5 -
يستحب إفهام المتبرع بقضاء الدين عن شخص أنه يصير ملزما بقضاء ذلك الدين للغريم.
6 -
أن ذمة الميت تبرأ من الدين إن تكفل أحد بقضائه عنه.
3 -
وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يُؤتَى بالرجل المُتَوَفَّى، عليه الدَّين، فَيَسألُ: هل ترك لدينه من قضاء؟ " فإن حُدِّث أنه ترَك وَفَاءً صَلَّى عليه.
وإلا قال: "صَلُّوا على صاحبكم" فلما فتَح اللَّه عليه الفتوح قال: "أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم. فمن تُوُفِّى وعليه دَين فَعَلَىَّ قضاؤه" متفق عليه. وفى رواية للبخارى "فمن مات ولم يتْركْ وَفاءً.
[المفردات]
يؤتى بالرجل المتوفى: أى يُقَدَّمُ الرجل الميت إلى مُصَلَّى الجنازة ليصلى عليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
عليه الدين: أى فى ذمته دين لم يؤده قبل وفاته.
فيسأل: أى فيستفهم رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم ممن يعرف حاله.
هل ترك لدينه من قضاء: أى هل خلَّف الميت مالًا يفى بالدين الذى فى ذمته وعهدته.
فإن حُدِّث: أى فإن أُخْبِر.
أنه ترك وفاء: أى أن الميت ترك مالًا يفى بالدين الذى فى ذمته وعهدته.
صلَّى عليه: أى تقدم فصلى عليه صلاة الجنازة.
وإلا: أى وإن أخبر أنه لم يترك وفاء لدينه.
قال: أى لأصحابه رضى اللَّه عنهم.
صلُّوا على صاحبكم: أى تقدموا أنتم فَصَلُّوا عليه صلاة الجنازة وامتنع هو صلى الله عليه وسلم من الصلاة عليه من أجل دينه الذى لم يجد وفاء.
فتح اللَّه عليه الفتوح: أى وسع عليه بالاستيلاء على أرض خيبر وغيرها وحصول المغانم وما أفاء اللَّه به عليه صلى الله عليه وسلم.
أولى بالمؤمنين: أى أحق بالمؤمنين.
فعلىَّ قضاؤه: أى علىَّ الوفاءُ به وتأديته عن الميت.
وفى رواية للبخارى: أى فى كتاب الفرائض من صحيحه من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه.
[البحث]
ترك المصنف رحمه الله من الحديث المتفق عليه الجملة الأخيرة منه ولفظها عند البخارى: "ومن ترك مالًا فلورثته" أما عند مسلم فلفظها "ومن ترك مالا فهو لورثته" وقد أورد البخارى رحمه الله هذا الحديث فى باب الدين الذى عقده فى أواخر الكفالة قبل كتاب الوكالة من صحيحه ثم أورده فى تفسير سورة الأحزاب من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم بلفظ: ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به فى الدنيا والآخرة. اقرءوا إن شئتم {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} فأيُّما مؤمن ترك مالا فليرثه عصبته من كانوا، فإن ترك دَينًا أو ضَيَاعا فليأتنى وأنا مولاه وأورده فى كتاب الفرائض فى باب "قول النبى صلى الله عليه وسلم من ترك مالا فلأهله" من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن مات وعليه دين
ولم يترك وفاء فعلينا قضاؤه. ومن ترك مالا فلورثته" وقوله فى الحديث: فليرثه عصبته من كانوا أى فليرثه ورثته من أى جهة كانوا ما داموا مستحقين للميراث.
وقوله: "أو ضياعا" بفتح الضاد -وكذلك الضيعة- هو مصدر وصف به أى ترك أولادا أو عيالا ذوى ضياع يعنى لا شئ لهم. قال فى النهاية: وإن كسرت الضاد كان ضياع جمع ضائع كجائع فى جياع اهـ وقوله فى الحديث "فلورثته" أى فهو أمرثته كما جاء فى لفظ مسلم. وقوله "فليأتنى" أى من يقوم مقامه فى السعى فى وفاء دينه أو المراد صاحب الدَّين. والضمير فى قوله: "مولاه" للميت المذكور أى وأنا كفيل بقضاء الدين عنه وقد أورد البخارى هذا الحديث أيضا فى باب الصلاة على من ترك دينا. من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه بلفظ: من ترك مالا فلورثته ومن ترك كلًّا فإلينا" ومعنى كلًّا أى عيالا.
وقد أورد مسلم هذا الحديث عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "والذى نفس محمد بيده إن على الأرض من مؤمن الا أنا أولى الناس به، فأيُّكم ما ترك دَيْنًا أو ضَياعا فأَنا مولاه وأيكم ترك مالا فإلى العصبة من كان" وفى لفظ: "أنا أولى الناس بالمؤمنين فى كتاب اللَّه عز وجل فأيكم ما ترك دينا أو ضَيْعَةً فادعونى فأنا وَليُّه، وأيكم ما ترك مالا فَلْيُؤثَر بماله عَصَبَتُهُ من كان" وفى لفظ أنه قال: "من ترك مالا فللورثة ومن ترك كلًا
فإلينا" وفى لفظ: "من ترك كلًّا وَلِيتُه.
وقوله فى الحديث "فَلْيُؤثر بماله عصبتُه من كان" هو بمعنى رواية البخارى: فليرثه عصبته من كانوا" وقد قيدت رواية البخارى "فمن مات ولم يترك وفاء" الرواية الأخرى "فمن ترك دينا" ورواية "فمن توفى وعليه دين" وأنه إنما يقضى الدين عمن مات وعليه دين ولم يترك وفاء فإن ترك الميت المدين وفاء لدينه كان وفاء غريمه من تركته. وقضاء دين الميت من تركته مقدم على الوصية وعلى الوارثين. واللَّه أعلم.
[ما يفيده الحديث]
1 -
أنه يجب على أولياء الميت المدين المسارعة فى قضاء الدين عنه من تركته.
2 -
أنه إذا لم يترك الميت المدين وفاء لدينه فعلى ولاة أمور المسلمين قضاء الدين عنه من بيت مال المسلمين.
4 -
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضى اللَّه عنهم قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا كفالة فى حد" رواه البيهقى بإسناد ضعيف.
[المفردات]
لا كفالة: أى لا ضمان.
فى حد: أى فى عقوبة مقدرة كالجلد أو الرجم أو القطع وكذلك القتل القصاص.
[البحث]
هذا الحديث -كما ترى- من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وقد قال البيهقى فى هذا الحديث: إنه منكر. ولا نزاع عند أهل العلم فى أنه لا كفالة فى حد ولا قصاص وقد أشار الحافظ إلى ذلك فى الفتح وأنه لا خلاف فى أن المكفول بحد أو قصاص إذا غاب أو مات أن لا حد على الكفيل بخلاف الدَّين ثم قال الحافظ: والفرق بينهما أن الكفيل إذا أدى المال وجب له على صاحب المال مثله اهـ.