الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الربا
1 -
عن جابر رضى اللَّه عنه قال: لعن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله، وكاتبه، وشاهديه" وقال:"هم سواء" رواه مسلم، وللبخارى نحوه من حديث أبى جحيفة.
[المفردات]
" الربا" مقصور قال فى الفتح: وحكى مده وهو شاذ وهو من ربا يربو فيكتب بالألف ولكن وقع فى خط المصحف بالواو وأصل الربا الزيادة إما فى نفس الشئ كقوله تعالى {اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} وإما فى مقابلة كدرهم بدرهمين اهـ ويطلق الربا على كل بيع محرم كذلك.
"لعن" أى دعا بالطرد والإبعاد من الرحمة.
"آكل الربا" أى متعاطيه.
"وموكله" أى ومعطيه وقد روى بتسهيل الهمزة وتحقيقها أى ومؤكله وتحقيق الهمزة رواية ابن مسعود عند مسلم.
"وكاتبه" أى ومحرر وثيقته.
"وشاهديه" أى وحاضرى توثيقه لإثبات وثيقته على آكله وموكله.
"هم سواء" أى هم فى الإثم سواء.
"نحوه من حديث أبى جحيفة" أى نحو حديث جابر عند مسلم لكنه من طريق أبى جحيفة رضى اللَّه عنه.
[البحث]
بوب البخارى رحمه الله فى صحيحه بابين لمعنى حديث جابر عند مسلم فقال: باب آكل الربا وشاهده وكاتبه، وقوله تعالى {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} ثم قال البخارى فى الباب الذى يليه: باب موكل الربا لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279) وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280) وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} قال ابن عباس هذه آخر آية نزلت على النبى صلى الله عليه وسلم ثم ساق البخارى الحديث الذى أشار إليه المصنف بقوله: وللبخارى نحوه من حديث أبى جحيفة فقال: حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن عون بن أبى جحيفة قال: رأيت أو اشترى عبدا حجاما فسألته فقال نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب، وثمن الدم، ونهى عن الواشمة والموشومة، وآكل الربا وموكله، ولعن المصور" اهـ وقد أخرج البخارى كذلك فى آخر البيوع من صحيحه هذا الحديث من طريق حجاج بن منهال حدثنا شعبة قال أخبرنى عون بن أبى جحيفة قال: رأيت أو اشترى حجاما فسألته عن ذلك فقال: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم-
نهى عن ثمن الدم وثمن الكلب وكسب الأمة، ولعن الواشمة والمستوشمة وآكل الربا، وموكله، ولعن المصور. وفى نسخة أبى ذر الهروى التى اعتمدها الحافظ ابن حجر فشرح عليها فتح البارى: رأيت أبى اشترى حجاما فأمر بمحاجه فكسرت فسألته عن ذلك فقال: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الدم، الخ الحديث. وقد أخرج البخارى من حديث سمرة بن جندب رضى اللَّه عنه قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم: "رأيت الليلة رجلين أتيانى، فأخرجانى إلى أرض مقدسة، فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم، فيه رجل قائم، وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذى فى النهر، فإذا أراد الرجل أن يخرج رمى الرجل بحجر فى فيه، فرده حيث كان فجعل كلما جاء ليخرج رمى فى فيه بحجر فيرجع كما كان فقلت: ما هذا؟ فقال: الذى رأيته فى النهر آكل الربا" هذا وأما ما رواه البخارى ومسلم من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: اللهم إنى آخذ عندك عهدا لن تخلفنى، فإنما أنا بشر، فأيما مؤمن آذيته أو شتمته أو جلدته أو لعنته فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقربه إليك يوم القيامة فإنه لا ينطبق على من لعنه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لأكله الربا أو ارتكابه جريمة من الجرائم الفاحشة بل إنما ينطبق على من يبادره رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بذلك فى حالة غضبه صلى الله عليه وسلم ونحوها. واللَّه أعلم.
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن الربا من أكبر الكبائر.
2 -
وأن موكل الربا وكاتبه وشاهديه يستوون فى الوزر والإثم مع آكل الربا.
3 -
لا يجوز لمسلم أن يوثق عقد ربا.
2 -
وعن عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "الربا ثلاثة وسبعون بابا أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمة، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم" رواه ابن ماجه مختصرا والحاكم بتمامه، وصححه.
[المفردات]
" ثلاثة وسبعون بابا" أى ثلاث وسبعون شعبة.
"أيسرها" أى أهونها وأخفها.
"ينكح الرجل أمه" أى يواقعها.
"أربى الربا" أى أعظم الربا وأفحشه وأكبره.
"عرض الرجل المسلم" أى انتهاك حرمته والنيل من شرفه، والاستطالة على كرامته وعفته.
"مختصرا" أى ليس فيه إلا قوله: الربا ثلاثة وسبعون بابا.
"بتمامه" أى مطولا دون حذف شئ منه وهو ما ساقه المصنف هنا.
[البحث]
قال ابن ماجه: حدثنا عبد اللَّه بن سعيد ثنا عبد اللَّه بن إدريس عن أبى معشر عن سعيد المقبرى عن أبى هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: الربا سبعون حويا أيسرها أن ينكح الرجل أمه. حدثنا عمرو ابن على الصيرفى أبو حفص ثنا ابن أبى عدى عن شعبة عن زُبَيْد عن إبراهيم عن مسروق عن عبد اللَّه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "الربا ثلاثة وسبعون بابا. اهـ والحديث الأول وهو حديث أبى هريرة فى سنده أبو معشر
نجيح بن عبد الرحمن وهو متفق على تضعيفه أما الحديث الثانى وهو حديث ابن مسعود فقد قال فى الزوائد: إسناده صحيح وابن أبى عدى اسمه محمد بن إبراهيم وهو ثقة وقد انفرد برواية هذا الحديث عن شعبة اهـ أما لفظ الحديث الذى أشار المصنف إلى أن الحاكم رواه بتمامه فقد أخرجه الحاكم من طريق عمرو بن على ثنا ابن أبى عدى ثنا شعبة عن زيد عن إبراهيم عن مسروق عن عبد اللَّه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: الربا ثلاثة وسبعون بابا أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم" ثم قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقد وافقه الذهبى على ذلك. لكن قال المنذرى فى الترغيب والترهيب: وعن عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: الربا ثلاثة وسيعون بابا أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه. رواه الحاكم وقال صحيح على شرط البخارى ومسلم ورواه البيهقى من طريق الحاكم ثم قال: هذا إسناد صحيح والمتن منكر بهذا الإسناد ولا أعلمه إلا وهما وكأنه دخل لبعض رواته إسناد فى إسناد اهـ هذا وقد وقع اختلاف فى اسم الراوى عن إبراهيم ففى ابن ماجه: شعبة عن زبيد عن إبراهيم وعند الحاكم: شعبة عن زيد عن إبراهيم وهو كذلك فى تلخيص الذهبى. والظاهر أن الصواب هو زبيد لا زيد. وزبيد هو ابن الحارث بن عبد الكريم بن عمرو بن كعب اليامى الكوفى وقد روى عن إبراهيم النخعى وإبراهيم التيمى وروى عنه شعبة، وهو ثقة وأما زيد الحوارى العمى البصرى أحد شيوخ شعبة ففيه اختلاف شديد. واللَّه أعلم.
3 -
وعن أبى سعيد الخدرى رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال "لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مِثلًا بِمِثلٍ، ولا تُشِفُّوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الوَرِق بالوَرِق إلا مِثلًا بِمِثلٍ، ولا تُشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائبا بناجز" متفق عليه.
[المفردات]
" مثلا بمثل" أى متساويين قَدْرًا سواء بسواء موزونا بموزون وفى لفظ لمسلم من حديث سهيل بن أبى صالح عن أبيه: إلا وزنا بوزن مثلا بمثل سواء بسواء".
"ولا تشفوا بعضها على بعض" أى لا تفضلوا بعضها على بعض. والشِّفُّ: بكسر الشين الزيادة ويطلق أيضا على النقصان فهو من الأضداد. يقال: شَفَّ الدرهمْ يَشِفُّ إذا زاد وإذا نقص، وَأشَفَّهُ غيرُه يُشِفُّه.
"الورق" أى الفضة مضروبة كانت أو غير مضروبة.
"غائبا بناجز" أى مؤَجَّلًا أو غير حاضر بحال. قال الحافظ فى الفتح: والمراد بالغائب أعم من المؤجل كالغائب عن المجلس مطلقا مؤجلا كان أو حالًا. والناجز الحاضر اهـ.
[البحث]
روى البخارى فى صحيحه من طريق ابن شهاب عن مالك بن أوس أخبره أنه التمس صَرْفًا بمائة دينار فدعانى طلحة بن عبيد اللَّه فَتَرَاوَضْنَا حتى اصطرف منى، فأخذ الذهب يُقَلِّبُهَا فى يده، ثم قال: حتى يأتى
خازني من الغابة، وعمر يمسمع ذلك، فقال: واللَّه لا تفارقه حتى تأخذ منه، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"الذهب بالذهب ربًا إلا هاءَ وهاءَ والشعير بالشعير ربا إلا هاءَ وهاءَ، والتمر بالتمر ربا إلا هاءَ وهاءَ" كما روى البخارى من طريق ابن شهاب قال حدثنى سالم بن عبد اللَّه عن عبد اللَّه ابن عمر رضى اللَّه عنهما أن أبا سعيد حدثه مثل ذلك حديثا عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فلقيه عبد اللَّه بن عمر فقال: يا أبا سعيد ما هذا الذى تحدث عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال أبو سعيد فى الصرف سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: الذهب بالذهب مِثْلًا بِمِثْلى، والوَرِق بالوَرِق مثلا بمثل" قال الحافظ فى الفتح: هكذا ساقه وفيه اختصار وتقديم وتأخير وقد أخرجه الإسماعيلى من وجهين عن يعقوب بن إبراهيم شيخ شيخ البخارى فيه بلفظ: أن أبا سعيد حدثه حديثا مثل حديث عمر عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى الصرف، فقال أبو سعيد" فذكره، فظهر بهذه الرواية معنى قوله: "مثل ذلك" أى مثل حديث عمر الماضى قريبا فى قصة طلحة بن عبيد اللَّه اهـ وقد أخرج مسلم قصة أبى سعيد مع ابن عمر من طريق الليث عن نافع بلفظ: أن ابن عمر قال له رجل من بنى ليث إن أبا سعيد الخدرى يأثر هذا عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. قال نافع، فذهب عبد اللَّه وأنا معه والليثى حتى دخل على أبى سعيد الخدرى فقال: إن هذا أخبرنى أنك تخبر أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن بيع الورق بالورق إلا مثلا بمثل" الحديث فأشار أبو سعيد بإصبعيه إلى عينيه وأذنيه فقال: أبصرت عيناى وسمعت أذناى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول "لا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل، الحديث، قال الحافظ فى الفتح:
ولمسلم من طريق أبى نضرة فى هذه القصة لابن عمر مع أبى سعيد: إن ابن عمر نهى عن ذلك بعد أن كان أفتى به لما حدثه أبو سعيد بنهى النبى صلى الله عليه وسلم اهـ ولأبى سعيد الخدرى رضى اللَّه عنه قصة كذلك مع ابن عباس رضى اللَّه عنهما وهى فى الصحيحين، ولفظ البخارى من طريق ابن جريج قال: أخبرنى عمرو بن دينار أن أبا صالح الزيات أخبره أنه سمع أبا سعيد الخدرى رضى اللَّه عنه يقول: الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم. فقلت له: فإن ابن عباس لا يقوله فقال أبو سعيد: سألته فقلت: سمعته من النبى صلى الله عليه وسلم أو وجدته فى كتاب اللَّه؟ قال: كل ذلك لا أقول، وأنتم أعلم برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم منى، ولكن أخبرنى أسامة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا ربا إلا فى النسيئة" ولفظ مسلم من طريق ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أو صالح الزيات أنه سمع أبا سعيد الخدرى رضى اللَّه عنه يقول: الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم مثلا بمثل، من زاد أو ازداد فقد أربى" فقلت له: إن ابن عباس يقول غير هذا، فقال أبو سعيد: لقد لقيت ابن عباس فقلت له الخ، وفيه: فقال: لم أسمعه من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ولا وجدته فى كتاب اللَّه عز وجل" قال الحافظ فى الفتح: ولمسلم من طريق عطاء: أن أبا سعيد لقى ابن عباس، فذكر نحوه، وفيه: فقال: كل ذلك لا أقول. أما رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأنتم أعلم به، وأما كتاب اللَّه فلا أعلمه" قال الحافظ: أى لا أعلم هذا الحكم فيه. وإنما قال لأبى سعيد: أنتم أعلم برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم منى لكون أو سعيد وأنظاره كانوا أسن منه وأكثر ملازمة لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. وفى السياق دليل على أن أبا سعيد وابن عباس
متفقان على أن الأحكام الشرعية لا تطلب إلا من الكتاب والسنة اهـ وكان ابن عباس رضى اللَّه عنهما يفتى فى أول الأمر بجواز التفاضل فى الصرف وأن الربا لا يكون إلا فى النسيئة أى فى تأخير أحد العوضين فى الصرف أما إذا كان يدا بيد فلا تضر الزيادة والتفاضل وكان يستند فى ذلك إلى ما سمعه من أسامة بن زيد رضى اللَّه عنهما أن رسول اللَّه قال: "لا ربا إلا فى النسيئة" وفى لفظ لمسلم: الربا فى النسيئة قال الحافظ فى الفتح: ولمسلم من طريق عبيد اللَّه بن أبى يزيد وعطاء جميعا عن ابن عباس "إنما الربا فى النسيئة" زاد فى رواية عطاء: ألا إنما الربا وزاد فى رواية طاوس عن ابن عباس "لا ربا فيما كان يدا بيد" وروى مسلم من طريق أبى نضرة قال: سألت ابن عباس عن الصرف فقال: أيدا بيد؟ قلت: نعم قال: فلا بأس فأخبرت أبا سعيد فقال: أو قال ذلك؟ إنا سنكتب له فلا يفتيكموه" وله من وجه آخر عن أبى نضرة "سألت ابن عمر وابن عباس عن الصرف فلم يريا به بأسا، فإنى لقاعد عند أبى سعيد فسألته عن الصرف فقال: ما زاد فهو ربا، فأنكرت ذلك لقولهما، فذكر الحديث، قال: فحدثنى أبو الصهباء أنه سأل ابن عباس عنه بمكة فكرهه" ثم قال الحافظ: والصرف بفتح المهملة دفع ذهب وأخذ فضة وعكسه اهـ وقد روى البخارى من طريق أبى المنهال قال: سألت البراء بن عازب وزيد بن أرقم رضى اللَّه عنهم عن الصرف فكل واحد منهما يقول: هذا خير منى فكلاهما يقول: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن بيع الذهب بالورق دينا" قال الحافظ فى الفتح: البيع كله إما بالنقد أو بالعرض حالا أو مؤجلا فهى أربعة أقسام:
فبيع النقد إما بمثله وهو المراطلة، أو بنقد غيره وهو الصرف، وبيع العرض بنقد يسمى النقد ثمنا والعرض عوضا وبيع العرض بالعرض يسمى مقابضة والحلول فى جيع ذلك جائز، وأما التأجيل فإن كان النقد بالنقد مؤخرا فلا يجوز، وإن كان العرض جاز، وإن كان العرض مؤخرا فهو السلم، وإن كانا مؤخرين فهو بيع الدين بالدين وليصر بجائز اهـ وليس حديث ابن عباس عن أسامة "إنما الربا فى النسيئة" بنص على أنه لا ربا فى التفاضل والزيادة لأن جواز التفاضل إنما يؤخذ منه بطريق المفهوم لا بطريق المنطوق وقد تكاثرت الروايات الصحيحة الصريحة عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بتحريم ربا الفضل بل هو المتبادر صراحة من لفظة الربا ولا شك أن العمل بالمنطوق مقدم على العمل بالمفهوم ولاسيما فى مثل هذا المقام، وظاهر ما سقناه فى هذا البحث من قصة أبى سعيد مع ابن عمر وابن عباس رضى اللَّه عنهم تدل على رجوع ابن عمر وابن عباس إلى العمل بحديث أبى سعيد ونحوه.
[ما يفيده الحديث]
1 -
تحريم ربا الفضل.
2 -
تحريم ربا النسيئة.
4 -
وعن عبادة بن الصامت رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبُرُّ بالبُرِّ، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مِثلًا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد" رواه مسلم.
[المفردات]
" مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد" أى متساويين قدرا مقبوضين حالا ناجزين قال بعض أهل العلم: يحتمل أن يكون الجمع بين هذه الألفاظ توكيدا ومبالغة فى الإيضاح.
"فإذا اختلفت هذه الأصناف" أى تغايرت هذه الأنواع كالذهب بالفضة أو الفضة بالذهب أو البر بالشعير أو بالتمر أو بالملح.
"فبيعوا كيف شئتم" أى ولو مع التفاضل فى القيمة أو الوزن أو الكيل.
"إذا كان يدا بيد" أى بشرط التقابض فى المجلس وعدم تأجيل العوضين أو أحدهما.
[البحث]
هذه الأصناف الستة وهى الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح تسمى الأموال الربوية أى التى تخضع لقاعدة تحريم الربا لوجود النص النبوى فيها فلا يجوز بيع جنس منها بجنس آخر منها مؤجلا، ولا يجوز بيع جنس منها بجنسه متفاضلا أو مؤجلا فلا يجوز بيع الذهب بالذهب مؤجلا أو متفاضلا مهما كان نوع الذهب فيهما. وكذلك كل جنس من الأجناس الأخرى التى وردت فى هذا الحديث لا يباع بجنسه متفاضلا أو مؤجلا بقطع النظر عن جودة أحد الجنسين أو رداءته. ويجوز بيع الذهب بالفضة أو الفضة بالذهب بقطع النظر عن الوزن أو القيمة بشرط التقابض فى المجلس، وكذلك بيع البر بالشعير يجوز فيه التفاضل ولكن لابد فيه من التقابض فى المجلس. وهذا الحديث يؤكد ما أثبته حديث أبى سعيد الخدرى المتقدم من تحريم ربا الفضل وقد
ذكر الحافظ فى الفتح عند شرح حديث أبى سعيد الخدرى وحديث ابن عباس "لا ربا إلا فى النسيئة أن فى بعض نسخ البخارى زيادة تفسير لمعنى: لا ربا إلا فى النسيئة بما يتطابق مع حديث عبادة بن الصامت هذا فقد قال الحافظ: (تنبيه) وقع فى نسخة الصغانى هنا "قال أبو عبد اللَّه" يعنى البخارى. "سمعت سليمان بن حرب يقول: لا ربا إلا فى النسيئة. هذا عندنا فى الذهب بالورق، والحنطة بالشعير متفاضلا، ولا بأس به يدا بيد، ولا خير فيه نسيئة" اهـ وسيأتى فى الحديث السادس من هذا الباب تأكيد تحريم بيع الشئ بجنسه متفاضلا بغض النظر عن جودة أحدهما أو رداءته وارتفاع قيمته أو انخفاضها. إن شاء اللَّه تعالى.
[ما يفيده الحديث]
1 -
لا يجوز بيع الشئ بجنسه متفاضلا ولا مؤجلا.
2 -
يجوز بيع الجنس الربوى بجنس آخر ربوى متفاضلا بشرط التقابض فى المجلس.
5 -
وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب، وَزْنًا بِوَزن، مِثْلًا بِمِثْل، والفضة بالفضة، وَزْنًا بوزن، مثلا بمثل، فمن زاد أو استزاد فهو ربا" رواه مسلم.
[المفردات]
" الذهب بالذهب" أى الذهب يباع بالذهب والمراد بالذهب جميع أنواعه من مضروب ومنقوش، وجيد وردئ، وصحيح
ومكَسَّر، وحُلِىٍّ وتبر، وخالص ومغشوش، وقد نقل النووى الإجماع على ذلك.
"وزنا بوزن" أى متوازنين متساويين فى الوزن.
"مِثْلًا بمثل" أى متماثلين متساويين بلا زيادة ولا نقص.
"والفضة بالفضة" أى الفضة تباع بالفضة سواء كانت مضروبة أو غير مضروبة.
"فمن زاد" أى أعطى زيادة على مقدار المبيع الآخر من جنسه.
"أو استزاد" أى طلب زيادة على مقدار المبيع الآخر من جنسه وأخذ الزيادة.
"فهو ربا" أى الزائد فى أحد البدلين على الآخر وهما جنس واحد يكون ربا لا يحل للمسلم تعاطيه.
[البحث]
بيَّن هذا الحديث أنه لا يجوز بيع الذهب بالذهب إلا موزونا متماثلا وأنه لا يكفى فيه الخرص والتخمين. وفى قوله صلى الله عليه وسلم: فمن زاد أو استزاد فهو ربا" دليل صريح على تحريم ربا الفضل وقد تقدم مزيد بحث لذلك فى الحديث الثالث والرابع من أحاديث هذا الباب كما أشار هذا الحديث إلى أن آخذ الربا ومعطى الربا يشتركان فى الإثم وقد تقديم فى الحديث الأول من أحاديث الباب التسوية بينهما فى الإثم. وقد جاء فى لفظ لمسلم من حديث أبى سعيد رضى اللَّه عنه: فمن زاد أو استزاد فقد أربى الآخذ والمعطى فيه سواء" وفى لفظ لمسلم من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه: فمن زاد أو استزاد فقد أربى إلا ما اختلفت
ألوانه" أى أجناسه.
[ما يفيده الحديث]
1 -
لا يجوز بيع الذهب بالذهب إلا موزونا متماثلا بلا زيادة ولا نقص.
2 -
لا يجوز بيع الفضة بالفضة إلا بالوزن والمماثلة بينهما فيه.
3 -
تحريم ربا الفضل.
4 -
أن آكل الربا ومؤكله يشتركان فى الإثم.
6 -
وعن أبى سعيد الخدرى وأبى هريرة رضى اللَّه عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا على خيبر، فجاءه بتمر جنيب، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"أكُلُّ تمر خيبر هكذا؟ " فقال: لا واللَّه يا رسول اللَّه إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"لا تفعل، بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيبا" وقال فى الميزان مثل ذلك" متفق عليه. ولمسلم: "وكذلك الميزان".
[المفردات]
" استعمل رجلا على خيبر" أى بعثه وجعله عاملا وأميرا عليها بعد فتحها والرجل هو سواد بن غزية -بوزن عطية- وهو من بنى عدى بن النجار من الأنصار رضى اللَّه عنهم وقد ذكر موسى بن عقبة أنه شهد بدرا والمشاهد كلها وهو الذى أسر خالد بن هشام المخزومى يوم بدر.
"جنيب" هو بفتح الجيم وكسر النون بعدها ياء ثم باء بوزن عظيم قال الحافظ فى الفتح: قال مالك: هو الكبيس، وقال الطحاوى: هو الطيب، وقيل: الصلب، وقيل: الذى أخرج منه حشفه
ورديئه. وقال غيرهم: هو الذى لا يخلط بغيره بخلاف الجمع اهـ.
"هكذا" أى جنيب.
"من هذا" أى من الجنيب.
"بالثلاثة" أى من أنواع التمر الرديئة وهو التمر الذى يطلق عليه اسم الجمع.
"لا تفعل" أى لا تبع التمر بتمر آخر متفاضلا مهما اختلفت أنواعه.
"الجمع" هو بفتح الجيم وسكون الميم وهو كل نوع من التمر لا يعرف اسمه أو هو تمر ردئ أو تمر مختلط من أنواع متفرقة وليس مرغوبا فيه وما يخلط إلا لرداءته. وفسره فى المصباح بالدقل وهو أردأ أنواع التمر وفسره فى القاموس بالنخل الذى يخرج من النوى لا يعرف اسمه.
"ابتع" أى اشتر.
"وقال فى الميزان مثل ذلك" أى قال فيما يباع وزنا إذا بيع بجنسه مثل ما قال فى المكيل أى إنه لا يجوز بيعه متفاضلا.
"ولمسلم" أى من طريق عبد اللَّه بن مسلمة بن قعنب عن سليمان يعنى ابن بلال عن عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن.
"وكذلك الميزان" أى وكذلك ما يوزن من الربويات إذا احتيج إلى بيع بعضها ببعض فلا يجوز التفاضل فيه كما لا يجوز فى المكيل إذا بيع بجنسه.
[البحث]
قول المصنف: ولمسلم "وكذلك الميزان" يوهم أن مسلما تفرد بهذا اللفظ، وليس كذلك فقد أخرجه البخارى فى كتاب الاعتصام من صحيحه فى باب إذا اجتهد العامل أو الحاكم فأخطأ خلاف الرسول من غير علم فحكمه مردود لقول النبى صلى الله عليه وسلم:"من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" ثم ساقه من طريق سليمان بن بلال عن عبد المجيد ابن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع سعيد بن المسيب يحدث أن أبا سعيد الخدرى وأبا هريرة حدثاه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعث أخا بنى عدى الأنصارى واستعمله على خيبر فقدم بتمر جنيب فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أكل تمر خيبر هكذا؟ " قال: لا واللَّه يا رسول اللَّه، إنا لنشترى الصاع بالصاعين من الجمع. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا تفعلوا ولكن مثلا بمثل، أو بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا، وكذلك الميزان" كما روى البخارى ومسلم واللفظ للبخارى من طريق عقبة بن عبد الغافر أنه سمع أبا سعيد الخدرى رضى اللَّه عنه قال: جاء بلال إلى النبى صلى الله عليه وسلم بتمر برنى. فقال له النبى صلى الله عليه وسلم: "من أين هذا؟ " قال بلال: كان عندنا تمر ردئ فبعت منه صاعين بصاع لنطعم النبى صلى الله عليه وسلم فقال النبى صلى الله عليه وسلم عند ذلك: "أوَّهْ أوَّهْ، عين الربا، عين الربا، لا تفعل، ولكن إذا أردت أن تشترى فبع التمر ببيع آخر ثم اشتره" وقد أورد البخارى هذا الحديث فى باب إذا باع الوكيل شيئا فاسدا فبيعه مردود من صحيحه رحمه الله وقال الدارقطنى: ثنا يحيى بن صاعد نا يحيى بن سليمان بن نضلة نا عبد العزيز بن محمد الدراوردى عن عبد المجيد بن
سهيل بن عبد الرحمن بن عوف عن سعيد بن المسيب أن أبا سعيد الخدرى وأبا هريرة حدثاه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعث سواد بن غزية أخا بنى عدى من الأنصار وأمَّره على خيبر، فقدم عليه بتمر جنيب فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"أكل تمر خيبر هكذا؟ " قال: لا واللَّه يا رسول اللَّه، إنا نشترى الصاع بالصاعين، والصاعين بالثلاثة آصع من الجمع، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"لا تفعل، ولكن بع هذا واشتر بثمنه من هذا، وكذلك الميزان" قال الشيخ أبو الحسن: يقال كل شئ من النخل لا يعرف اسمه فهو جمع، يقال: ما أكثر الجمع فى أرض فلان، بفتح الجيم اهـ ومعنى قوله فى حديث بلال: أوَّهْ هى كلمة تقال عند التوجع والتحزن قال الحافظ فى الفتح: وهى مشددة الواو وقد تكسر والهاء ساكنة وربما حذفوها ويقال بسكون الواو وكسر الهاء وحكى بعضهم الهمزة بدل التشديد، قال ابن التين: إنما تأوه ليكون أبلغ فى الزجر، وقاله إما للتألم من هذا الفعل وإما من سوء الفهم اهـ ومعنى قوله: عين الربا أى حقيقة الربا المحرم. وفى لفظ لمسلم من طريق أبى نضرة عن أبى سعيد قال: أتى النبى صلى الله عليه وسلم بتمر فقال: "ما هذا التمر من تمرنا" فقال الرجل يا رسول اللَّه: بعنا تمرنا صاعين بصاع من هذا فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "هذا الربا فردوه ثم بيعوا تمرنا واشتروا لنا من هذا" وفى لفظ لمسلم من طريق أبى سلمة عن أبى سعيد قال: كنا نرزق تمر الجمع على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو الخلط من التمر فكنا نبيع صاعين بصاع فبلغ ذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: "لا صاعى تمر بصاع ولا صاعى حنطة بصاع ولا درهم بدرهمين.
[ما يفيده الحديث]
1 -
النص على تحريم ربا الفضل.
2 -
بطلان عقد بيع الربا.
3 -
لا يجوز بيع الجنس الربوى بجنسه متفاضلا مهما كانت جودة أحدهما أو رداءته.
4 -
أن بيع أحد الجنسين بجنسه متفاضلا هو عين الربا.
5 -
أن التفاضل فى الوزن لا يجوز كالتفاضل فى الكيل.
6 -
الحرص على تعليم أمور الدين لمن يجهلها.
7 -
أنه ينبغى لمن يستريب فى الشئ الذى يراد إدخاله عليه أن يبحث عنه حتى ينكشف حاله.
8 -
عناية ولى أمر المسلمين بشئون دينهم وتعليمهم ما يجهلونه من ذلك.
7 -
وعن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما قال: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن بيع الصبرة من التمر لا يعلم مكيلها بالكيل المسمى من التمر رواه مسلم.
[المفردات]
" الصبرة" هى الكومة والمراد بها هنا المجتمع من التمر دون معرفة قدره كيلا أو وزنا. قال فى القاموس: والصبرة بالضم ما جمع من الطعام بلا كيل ولا وزن.
"لا يعلم مكيل" أى لا يعرف مقدار ما فيها من الكيل فهى مجهولة المقدار.
"بالكيل المسمى من التمر" أى بمقدار من الكيل المعلوم من التمر.
[البحث]
فى أكثر نسخ صحيح مسلم: "لا يعلم مكيلتها" وفى بعض نسخ مسلم: "لا يعلم مكيلها" وهو لفظ النسائى، والمعنى واحد. والمراد أنه يحرم بيع التمر بالتمر حتى يعلم المماثلة لأن الجهل بالمماثلة كحقيقة المفاضلة فى هذا، لباب وحكم سائر الربويات إذا بيع بعضها ببعض حكم التمر بالتمر كما أشار إلى ذلك النووى رحمه الله.
[ما يفيده الحديث]
1 -
تحريم بيع الصبرة المجهولة المقدار من الطعام بكيل معين من جنسها.
2 -
أن الجهل بالمماثلة فى الربويات كحقيقة المفاضلة.
3 -
لا يجوز بيع الطعام بجنسه إلا مثلا بمثل.
8 -
وعن معمر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنه قال: إنى كنت أسمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "الطعام بالطعام مثلا بمثل" وكان طعامنا يومئذ الشعير" رواه مسلم.
[المفردات]
" الطعام بالطعام" أى بيع الطعام بالطعام.
"مثلا بمثل" أى يجب أن يتماثلا ويحرم أن يتفاضلا.
"يومئذ" أى يوم سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: الطعام بالطعام مثلا بمثل.
[البحث]
قول معمر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنه: وكان طعامنا يومئذ الشعير" يفيد أن المراد بالطعام هو الشعير وكأنه صلى الله عليه وسلم قال: الشعير بالشعير" ولا نزاع عند أهل العلم فى أن الشعير لا يباع بالشعير إلا مثلا بمثل. غير أنه أثر عن معمر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنه أنه كان يخشى أن هذا اللفظ النبوى ربما يشمل بيع البر بالشعير وأنه تجب فيهما المماثلة وهو اجتهاد منه رضى اللَّه عنه ولفظ هذا الحديث بتمامه فى صحيح مسلم يشعر بذلك فقد رواه مسلم من طريق عمرو بن الحارث أن أبا النضر حدثه أن بسر بن سعيد حدثه عن معمر بن عبد اللَّه أنه أرسل غلامه بصاع قمح فقال: بعه ثم اشتر به شعيرا، فذهب الغلام فأخذ صاعا وزيادة بعض صاع فلما جاء معمرا أخبره بذلك فقال له معمر: لم فعلت ذلك؟ انطلق فرده، ولا تأخذن إلا مثلا بمثل فإن كنت أسمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول:"الطعام بالطعام مثلا بمثل" وكان طعامنا يومئذ الشعير. قيل له فإنه ليس بمثله. قال: إنى أخاف أن يضارع" والذى فهمه عامة أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن المراد من الطعامين ما يكون من جنس واحد كالبر بالبر والشعير بالشعير أما الشعير مع البر فهما جنسان لما تقدم فى الحديث الرابع من أحاديث هذا الباب من قول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة والبر بالبر، والشعير بالشعير الخ الحديث فإنه ينص على أن جنس البر غير جنس الشعير كما أن جنس الذهب غير جنس الفضة. وقد قال فى آخره:"فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد"
9 -
وعن فضالة بن عبيد رضى اللَّه عنه قال: "اشتريت يوم خيبر قلادة باثنى عشر دينارا، فيها ذهب وخرز فَفَصَّلْتُها فوجدت فيها أكثر من اثنى عشر دينارا، فذكرت ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فقال: "لا تباع حتى تُفَصَّلَ" رواه مسلم.
[المفردات]
" يوم خيبر" أى يوم غزوة خيبر يعنى بعد انتهاء المعركة وتقسيم المغانم.
"قلادة" هى من حلى النساء التى تعلقها المرأة فى عنقها.
"خرز" هى حبات تكون من جواهر مختلفة وهى جمع خرزة قال فى القاموس. والخرزة محركة الجوهر وما يُنْظم.
"ففصلتها" أى ميزت خرزها من ذهبها بعد الشراء.
"حتى تفصل" أى يميز ذهبها عن خرزها، فيباع الذهب بوزنه والخرز بقيمته.
[البحث]
أورد مسلم هذا الحديث من طريق حنش الصنعانى عن فضالة رضى اللَّه عنه وأخرج من طريق على بن رباح اللخمى أنه سمع فضالة بن عبيد الأنصارى يقول أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بقلادة فيها خرز وذهب وهى من المغانم تباع فأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالذهب الذى فى القلادة فنزع وحده ثم قال لهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب وزنا بوزن" وفى لفظ لمسلم من طريق حنش الصنعانى عن فضالة بن عبيد
قال: كنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم خيبر نبايع اليهود الوقية الذهب بالدينارين والثلاثة فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزنا بوزن" وفى لفظ لمسلم من طريق حنش أنه قال: كنا مع فضالة بن عبيد فى غزوة فطارت لى ولأصحابى قلادة فيها ذهب وورق وجوهر فأردت أن أشتريها فسألت فضالة بن عبيد فقال: انزع ذهبها فاجعله فى كفة واجعل ذهبك فى كفة ثم لا تأخذن إلا مثلا بمثل فإنى سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فلا يأخذن إلا مثلا بمثل".
[ما يفيده الحديث]
1 -
أنه لا يجوز بيع شئ فيه ذهب وغيره بذهب إلا بعد نزع الذهب ووزنه بمثله من الذهب.
2 -
أن بيع القلادة ونحوها المشتملة على ذهب وغيره بذهب هو من الربا.
3 -
يجوز شراء شئ فيه ذهب وغيره بغير الذهب.
10 -
وعن سمرة بن جندب رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة. رواه الخمسة وصححه الترمذى وابن الجارود.
[المفردات]
" نسيئة" أى مؤجلا فيه قبض أحد العوضين.
[البحث]
هذا الحديث من رواية الحسن عن سمرة وفيها نزاع شديد عند أهل العلم ولذلك رجح الحفاظ أن هذا الحديث مرسل ونقل عن الشافعى
أنه قال: إنه غير ثابت عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال الحافظ فى الفتح: وفى الباب عن ابن عباس عند البزار والطحاوى ورجاله ثقات أيضا إلا أنه اختلف فى وصله وإرساله فرجح البخارى وغير واحد إرساله اهـ. ويعارض هذا الحديث ما أخرجه الدارقطنى وغيره بإسناد وصف بأنه قوى من حديث عبد اللَّه بن عمرو أنه ابتاع البعير بالبعيرين بأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقد قال البخارى فى صحيحه: باب بيع العبد والحيوان بالحيوان نسيئة، واشترى ابن عمر راحلة بأربعة أبعرة مضمونة عليه يوفيها صاحبها بالربذة. وقال ابن عباس: قد يكون البعير خيرا من البعيرين" واشترى رافع بن خديج بعيرا ببعيرين فأعطاه أحدهما وقال: آتيك بالآخر غدا رهوا إن شاء اللَّه. وقال ابن المسيب: لا ربا فى الحيوان، البعر بالبعيرين، والشاة بالشاتين إلى أجل، وقال ابن سيرين لا بأس بعير ببعيرين نسيئة اهـ وسيأتى مزيد بحث لهذا الحديث عند الكلام على الحديث الرابع عشر من أحاديث هذا الباب إن شاء اللَّه تعالى.
11 -
وعن ابن عمر رضى اللَّه عنهما قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط اللَّه علكم ذُلًّا لا ينزعه شئٌ حتى ترجعوا إلى دينكم" رواه أبو داود من رواية نافع عنه. وفى إسناده مقال، ولأحمد نحوه من رواية عطاء، ورجاله ثقات، وصححه ابن القطان.
[المفردات]
" العينة" هى أن يبيع الإنسان غيره سلعة بثمن مؤجل ثم يشتريها
منه بأقل من ثمنها الذى باعه به. والعينة بكسر العين.
"وأخذتم أذناب البقر" أى اشتغلتم بالحراثة عن الجهاد فى سبيل اللَّه.
"ورضيتم بالزرع" أى صارت الزراعة منتهى رضاكم وشغلكم فقصرتم فى إعلاء كلمة اللَّه ولم تجاهدوا.
"وتركتم الجهاد" أى ولم تقاتلوا فى سبيل اللَّه.
"ذلا" أى هوانا وصغارا ومسكنة.
"لا ينزعه شئ" أى لا يرفعه ولا يدفعه ولا يزيله عنكم شئ.
"حتى ترجعوا إلى دينكم" أى حتى تعودوا إلى الجهاد فى سبيل اللَّه لإعزاز دينكم.
"عنه" أى عن ابن عمر رضى اللَّه عنهما.
"وفى إسناده مقال" أى هو حديث ضعيف.
"نحوه من رواية عطاء" أى نحو حديث أبى داود لكنه من رواية عطاء عن ابن عمر بإسقاط نافع.
[البحث]
قال أبو داود فى سننه "باب النهى عن العينة" حدثنا سليمان بن داود المهرى أخبرنا ابن وهب أخبرنى حيوة بن شريح ح وثنا جعفر بن مسافر التنيسى ثنا عبد اللَّه بن يحيى البرلسى ثنا حيوة بن شريح عن إسحاق أبى عبد الرحمن قال سليمان عن أبى عبد الرحمن الخراسانى أن عطاء الخراسانى حدثه أن نافعا حدثه عن ابن عمر قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا تبايعتم بالعينة" الخ الحديث ثم قال: قال أبو داود: الاخبار لجعفر وهذا لفظه اهـ وسبب ضعف هذا الحديث أنه
من رواية إسحاق بن أسيد الأنصارى أبى عبد الرحمن الخراسانى قال الحافظ فى التقريب: كذا يقول فيه الليث، ويقال: أبو محمد المروزى نزيل مصر. فيه ضعف. من الثامنة اهـ وقال فى تهذيب التهذيب: قال أبو حاتم: شيخ ليس بالمشهور ولا يشغل به، وقال أبو أحمد بن عدى مجهول. ثم قال الحافظ: وحكى أن الأزدى قال فيه: منكر الحديث، تركوه اهـ وأما الحديث الذى أشار إليه المصنف بقوله: ولأحمد نحوه من رواية عطاء الخ فقد أخرجه أحمد من طريق أبى بكر ابن عياش عن الأعمش عن عطاء عن ابن عمر قال: أتى علينا زمان، وما يرى أحدنا أنه أحق بالدينار والدرهم من أخيه المسلم، ثم أصبح الدينار والدرهم أحب إلى أحدنا من أخيه المسلم، سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول:"إذا ضن الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة، وتبعوا أذناب البقر وتركوا الجهاد فى سبيل اللَّه، أنزل اللَّه بهم ذلا فلم يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم" قال الحافظ فى تلخيص الحبير: وعندى أن إسناد الحديث الذى صححه ابن القطان معلول لأنه لا يلزم من كون رجاله ثقات أن يكون صحيحا، لأن الأعمش مدلس، ولم ينكر سماعه من عطاء، وعطاء يحتمل أن يكون هو عطاء الخراسانى فيكون فيه تدليس التسوية بإسقاط نافع بين عطاء وابن عمر فرجع الحديث إلى الإِسناد الأول وهو المشهور اهـ أقول: عطاء الخراسانى مشهور بالتدليس. هذا ولا شك أن بيع العينة من أظهر حيل الربا، فإن هذه الصفقة لم يقصد بها تبادل السلعة وإنما قصد بها أن يدفع صاحب السلعة مبلغا من المال ليحصل على مبلغ أكثر منه فى نظير
التأجيل، كا أن المتقدم للشراء لم يرد السلعة حقيقة وإنما أراد الحصول على مبلغ من المال يرده مع زيادة. قال ابن رسلان فى شرح السنن: وسميت هذه المبايعة عينة لحصول النقد لصاحب العينة، لأن العين هو المال الحاضر والمشترى إنما يشتريها ليبيعها بعين حاضرة تصل إليه من فوره ليصل به إلى مقصوده اهـ.
12 -
وعن أبى أمامة رضى اللَّه عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من شفع لأخيه شفاعة فأهدى له هدية فقبلها فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا" رواه أحمد وأبو داود وفى إسناده مقال.
[المفردات]
" شفع لأخيه شفاعة" أى توجه له عند الغير لجلب منفعة له أو دفع مضرة عنه وأصل الشفع الازدواج يقال: شفع بصرى إذا كان يرى الخط خطين كأن الشفيع يضم صوته لصوت المشفوع له فى قضاء حاجته.
"فأهدى له هدية" أى فأعطاه فى نظير شفاعته عطية.
"فقبلها" أى فأخذها الشافع وقبضها.
"فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا" أى فقد دخل مدخلا عظيما من مداخل الربا وانغمس فى الحرام.
"وفى إسناده مقال" أى وفى إسناده ضعف.
[البحث]
سبب ضعف هذا الحديث أنه من رواية القاسم بن عبد الرحمن
الدمشقى أبى عبد الرحمن الأموى مولاهم قال الحافظ فى التقريب: صدوق يرسل كثيرا، وقال فى تهذيب التهذيب نقلا عن أحمد رحمه الله أنه قال: فى أحاديث القاسم مناكير مما يرويها الثقات، يقولون من قبل القاسم. وقال الأثرم سمعت أحمد حمل على القاسم ثم قال الحافظ: وقال جعفر بن محمد بن أبان الحرانى: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما أرى البلاء إلا من القاسم. ونقل الحافظ عن ابن حبان قال: كان يروى عن الصحابة المعضلات. وقد توفى القاسم سنة اثنتى عشرة ومائة ويقال سنة ثمانى عشرة. هذا ولا شك أن الأصل فى الشريعة هو الحض على قبول الهدية ما لم تكن لأمير أو عامل أو قاض لما رواه البخارى من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: ولو أهدى إلىَّ ذراع أو كراع لقبلت" واشفعوا تؤجروا. ولا شك أن الأعمال بالنيات.
13 -
وعن عبد اللَّه بن عمرو رضى اللَّه عنهما قال: "لعن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الراشى والمرتشى" رواه أبو داود والترمذى وصححه.
[المفردات]
" لعن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الراشى الخ" أى دعا عليه بأن يطرد من رحمة اللَّه فاللعن الطرد والإبعاد من رحمة اللَّه.
"الراشى" هو الذى يدفع الرشوة للوصول إلى ما يريد من الباطل والرشوة -مثلثة الراء- هى الجعل مأخوذ من الرشاء وهو الحبل الذى يتوصل به إلى الماء فى البئر.
"المرتشى" هو آخذ الرشوة. أما الوسيط الذى يسعى بين الراشى والمرتشى فيقال له الرائش.
[البحث]
قال الترمذى: حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى ثنا أبو عامر العقدى ثنا ابن أبى ذئب عن خاله الحارث بن عبد الرحمن عن أبى سلمة عن عبد اللَّه بن عمرو قال: "لعن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الراشى والمرتشى" هذا حديث حسن صحيح. وقال أبو داود فى سننه: حدثنا أحمد بن يونس ثنا ابن أبى ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن عن أبى سلمة عن عبد اللَّه بن عمرو قال: لعن رسول اللَّه الراشى والمرتشى، وصحة سند هذا الحديث ظاهرة. ولعل إيراد المصنف لهذا الحديث فى باب الربا لإِفادة أن المال المستفاد من الرشوة كالمال المستفاد من الربا ولذلك لعن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم آكل الربا وآكل الرشوة ومؤكلهما. واللَّه أعلم.
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن دفع الرشوة من الكبائر.
2 -
وأن أخذ الرشوة من الكبائر كذلك.
3 -
جواز لعن العصاة المرتكبين للكبائر ما لم تعرف توبتهم.
14 -
وعنه رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشا فنفدت الإبل فأمره أن يأخذ على قلائص الصدقة، قال:"فكنت آخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة" رواه الحاكم والبيهقى ورجاله ثقات.
[المفردات]
" أن يجهز جيشا" أى أن يعد ويهئ إبلا لحمل المقاتلين.
"فنفدت الإبل" أى لم يوف الموجود منها بالمطلوب.
"فأمره" أى أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عبد اللَّه بن عمرو رضى اللَّه عنهما.
"أن يأخذ على قلائص الصدقة" أى أن يبتاع أو يستلف إبلا على أن يجعل عوضها من إبل الصدقة عند تحصيلها من المزكين. والقلائص جمع قلوص وهى الناقة الشابة.
"آخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة" أى فكنت أبتاع أو أستلف البعير على أن يكون ثمنه أو قضاؤه بعيرين من إبل الصدقة عند حلول وقتها وتحصيلها عند خروج المصدق.
[البحث]
قد تقدم فى بحث الحديث العاشر من أحاديث هذا الباب ما ذكره البخارى فى صحيحه عن جملة من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وغيرهم أنهم لم يروا بأسا ببيع البعير بالبعيرين، وأنه لا ربا فى بيع الحيوان بالحيوان وفى الصحيحين من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: كان لرجل على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حق فأغلظ له، فهم به أصحابه، فقال:"دعوه فإن لصاحب الحق مقالا، فقال لهم: "اشتروا له سنا فأعطوه إياه" فقالوا: إنا لا نجد إلا سنا هو خير من سنه. قال: "فاشتروه فأعطوه إياه فإن من خيركم -أو خيركم- أحسنكم قضاء" كما روى مسلم فى صحيحه من حديث أبى رافع رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم استلف من رجل بكرا، فقدمت عليه إبل من إبل الصدقة. فأمر أبا رافع أن يقضى الرجل بكره، فرجع إليه أبو رافع فقال: لم أجد فيها إلا خيارًا ورباعيا فقال: "أعطه إياه، إن خيار الناس أحسنهم قضاء" والبكر بفتح الباء هو الفتى من الإبل، والرباعى
هو من الإبل ما أتى عليه ست سنوات ودخل فى السابعة حين طلعت رباعيته والرباعية بوزن الثمانية هى السن التى بين الثنية والناب، وإذا بلغ البعر ثمانى سنوات ودخل فى التاسعة قيل له: البازل. وحديث عبد اللَّه بن عمرو هذا أخرجه البيهقى من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وقد أشرت فى بحث الحديث العاشر من أحاديث هذا الباب إلى أن سند حديث عبد اللَّه بن عمرو هذا وصف بأنه قوى. واللَّه أعلم.
15 -
وعن ابن عمر رضى اللَّه عنهما قال: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن المزابنة أن يبيع ثمر حائطه إن كان نخلا بتمر كيلا، وإن كان كرما أن يبيعه بزبيب كيلا، وإن كان زرعا أن يبيعه بكيل طعام، نهى عن ذلك كله" متفق عليه.
[المفردات]
" نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن المزابنة الخ" أى حرم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المزابنة ثم فسرها رضى اللَّه عنه.
"أن يبيع ثمر حائطه الخ" أى والمزابنة هى أن يبيع ثمر حائطه أى بستانه. وقد تقدم ذكر المزابنة فى الحديث الخامس والعشرين من أحاديث الباب الأول من أبواب كتاب البيوع وهو باب شروطه وما نهى عنه منه، وهى بيع الرطب بتمر كيلا أو العنب بزبيب كيلا أو ثمرة الزرع الرطبة فى أصلها بجنسها اليابس كيلا.
[البحث]
فى كتاب فتح العلام شرح بلوغ المرام للشيخ صديق بن حسن رحمه الله: وعن ابن عمرو رضى اللَّه عنهما ثم قال: وكان قياس قاعدة المصنف وعنه اهـ وفى سبل السلام: وعن ابن عمر رضى اللَّه عنهما ثم قال: وكان قياس قاعدة المصنف وعنه اهـ وهذا وهم من الصنعانى رحمه الله وتابعه فى هذا الوهم الشيخ صديق بن حسن، فإن هذا الحديث عند البخارى ومسلم من رواية عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنهما لا من رواية عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضى اللَّه عنهما. وسيأتى فى "باب الرخصة فى العرايا وبيع أصول الثمار" جواز بيع الرطب بخرصها من التمر فيما دون خمسة أوسق أو فى خمسة أوسق وسيأتى مزيد بحث لذلك هناك إن شاء اللَّه تعالى وقد تقرر أن عدم العلم بالتساوى مع الاتفاق فى الجنس هو كالعلم بالتفاضل فيدخل فى باب الربا.
[ما يفيده الحديث]
1 -
لا يجوز بيع الرطب خرصا بتمر كيلا إلا فى العرايا.
2 -
ولا يجوز بيع العنب خرصا بزبيب كيلا.
3 -
ولا يجوز بيع ثمرة الزرع خرصا بجنسها كيلا.
4 -
أن بيع الثمرة الرطبة خرصا بجنسها كيلا ربا إلا ما استثنى من العرايا.
16 -
وعن سعد بن أبى وقاص رضى اللَّه عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يسأل عن اشتراء الرطب بالتمر فقال: "أينقص الرطب إذا يبس؟ " قالوا: نعم، فنهى عن ذلك، رواه الخمسة وصححه ابن المدينى والترمذى وابن حبان والحاكم.
[المفردات]
" إذا يبس" أى إذا جف.
"فنهى عن ذلك" أى فحرم بيع الرطب بالتمر.
[البحث]
قال الحافظ فى تلخيص الحبير: حديث سعد بن أبى وقاص: أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال: "أينقص الرطب إذا يبس؟ " قالوا: نعم، قال:"فلا إذا" ويروى: نهى عن ذلك. مالك، والشافعى، وأحمد، وأصحاب السنن، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، والدارقطنى، والبيهقى، والبزار كلهم من حديث زيد أبى عياش أنه سأل سعد بن أبى وقاص عن البيضاء بالسلت فقال: أيهما أفضل؟ قال: البيضاء، فنهاه عن ذلك وذكر الحديث، وفى رواية لأبى داود والحاكم مختصرة: نهى عن بيع الرطب بالتمر نسيئة. وذكر الدارقطنى فى العلل: أن إسماعيل بن أمية وداود بن الحصين، والضحاك بن عثمان، وأسامة بن زيد وافقوا مالكا على إسناده، وذكر ابن المدينى: أن أباه حدث به عن مالك عن داود بن الحصين عن عبد اللَّه بن يزيد عن زيد أو عياش، قال: وسماع أبى من مالك قديم، قال فكأن مالكا كان علقه عن داود ثم لقى شيخه فحدثه به، فحدث به مرة عن داود، ثم استقر رأيه على التحديث به عن شيخه، ورواه البيهقى من حديث ابن وهب عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن عبد اللَّه بن أبى سلمة عن النبى صلى الله عليه وسلم مرسلا، وهو مرسل قوى، وقد أعله جماعة منهم الطحاوى، والطبرى، وأبو محمد ابن حزم وعبد الحق
كلهم أعله بجهالة حال زيد أو عياش، والجواب أن الدارقطنى قال: إنه ثقة ثبت، وقال المنذرى: قد روى عنه اثنان ثقتان، وقد اعتمده مالك مع شدة نقده، وصححه الترمذى والحاكم قال: ولا أعلم أحدا طعن فيه، وجزم الطحاوى بوهم من زعم أنه هو أبو عياش الزرقى زيد بن الصلت، وقيل: زيد بن النعمان الصحابى المشهور، وصحح أنه غيره وهو كما قال. (فائدة) روى أبو داود. والطحاوى، والحاكم من طريق يحيى بن أبى كثير عن عبد اللَّه بن يزيد عن زيد أبى عياش عن سعد أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الرطب بالتمر نسيئة. قال الطحاوى: هذا هو أصل الحديث فيه ذكر النسيئة، ورد ذلك الدارقطنى وقال: خالف يحيى مالكا، وإسماعيل بن أمية والضحاك بن عثمان، وأسامة بن زيد، فلم يذكروا النسيئة، قال البيهقى: وقد روى عمران بن أبى أنس عن زيد أبى عياش بدون الزيادة أيضا. (تنبيه) قال فى الغريبين البيضاء حب بين الحنطة والشعير وفى الصحاح: إنه ضرب من الشعير ليس له قشر اهـ هذا وقد قال الخطابى: البيضاء نوع من البر أبيض اللون فيه رخاوة يكون بمصر. والسلت أدق حبا منه اهـ هذا وسند هذا الحديث فى الموطأ: مالك عن عبد اللَّه بن يزيد أن زيدا أبا عياش أخبره أنه سأل سعد بن أبى وقاص عن البيضاء بالسلت فقال له سعد: أيتهما أفضل فقال: البيضاء فنهاه عن ذلك، وقال سعد: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يسأل عن اشتراء التمر بالرطب فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أينقص الرطب إذا يبس؟ " فقالوا نعم، فنهى عن ذلك اهـ هذا والثابت أن مالكا كان من تلاميذ داود بن الحصين وعبد اللَّه بن يزيد
وحدث عنهما، كما أن داود بن الحصين كان من تلاميذ عبد اللَّه بن يزيد رحمهم الله جميعا.
[ما يفيده الحديث]
1 -
تحريم بيع الرطب بالتمر لعدم التساوى بينهما.
2 -
أن بيع الشئ بجنسه متفاضلا ربا.
17 -
وعن ابن عمر رضى اللَّه عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ" يعنى الدين بالدين. رواه إسحاق والبزار بإسناد ضعيف.
[المفردات]
" الكالئ بالكالئ" أشار فى القاموس إلى أنه يقال: كَلَأ الدَّينُ أى تَأخَّر وقال: والكالئ والْكُلْأةُ بالضم النسيئة والْعَرَبُون وتَكَلَّأتُ وَكَلَّأتُ تَكْلِيًا أخَذتُه، واكْلَأ أَسلَفَ اهـ وقد فسره فى هذا الحديث بأنه الدين بالدين، وفسر فى النهاية ييع الكالئ بالكالئ بأنه: هو أن يشترى الرجل شيئا إلى أجل فإذا حل الأجل لم يجد ما يقضى به فيقول: بعنيه إلى أجل آخر بزيادة شئ فيبيعه ولا يجرى بينهما تقابض.
[البحث]
قال البزار: حدثنا محمد بن معمر، ثنا بهلول، ثنا موسى بن عبيدة عن عبد اللَّه بن رومان عن ابن عمر قال: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن الشغار، وعن بيع المجر، وعن بيع الغرر، وعن بيع كالئ بكالئ، وعن بيع آجل بعاجل، قال: والمجر ما فى الأرحام، والغرر أن تبيع
ما ليس عندك، وكالئ بكالئ: دين بدين، والآجل بالعاجل: أن يكون لك على الرجل ألف درهم فيقول رجل أعجل لك خمسمائة ودع البقية، والشغار: أن ينكح المرأة بالمرأة ليس بينهما صداق. قال البزار: لا نعلم رواه بهذا التمام إلا موسى بن عبيدة عن عبد اللَّه بن دينار عن ابن عمر اهـ وقوله فى السند: عبد اللَّه بن رومان يظهر أنه عبد اللَّه ابن دينار. وقال الدارقطنى: ثنا على بن محمد المصرى نا سليمان بن شعيب الكيسانى ثنا الخصيب بن ناصح نا عبد العزيز بن محمد الدراوردى عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ.
ثنا على بن محمد نا مقدام بن داود نا ذؤيب بن عمامة نا حمزة بن عبد الواحد عن موسى بن عقبة عن عبد اللَّه بن دينار عن ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الكالئ بالكالئ. قال اللغويون: هو النسيئة بالنسيئة اهـ وقد رواه الحاكم فى المستدرك من طريق موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر وقال: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وقد غلط البيهقى الدارقطنى والحاكم وقال: إنما هو موسى بن عبيدة الربذى ورواه ابن عدى فى الكامل وأعله بموسى بن عبيدة ونقل تضعيفه عن أحمد قال: فقيل لأحمد: إن شعبة يروى عنه قال: لو رأى شعبة ما رأينا منه لم يرو عنه. وقد رواه عبد الرزاق فى مصنفه من طريق إبراهيم بن أبى يحيى الأسلمى عن عبد اللَّه بن دينار به وإبراهيم ابن أبى يحيى الأسلمى ضعيف. وقال الحافظ فى تلخيص الحبير: حديث: روى أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ. الحاكم
والدارقطنى من طريق عبد العزيز الدراوردى عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر ومن طريق ذؤيب بن عمامة عن حمزة بن عبد الواحد عن موسى بن عقبة عن عبد اللَّه بن دينار عن ابن عمر، وصححه الحاكم على شرط مسلم فوهم، فإن راويه موسى بن عبيدة الربذى لا موسى بن عقبة قال البيهقى: والعجب من شيخنا الحاكم كيف قال فى روايته عن موسى بن عقبة وهو خطأ، والعجب من شيخ عصره أبى الحسن الدارقطنى حيث قال فى روايته عن موسى بن عقبة، وقد حدثنا به أبو الحسن بن بشران عن على بن محمد المصرى شيخ الدارقطنى فيه فقال: عن موسى غير منسوب ثم رواه المصرى أيضا بسنده فقال: عن أبى عبد العزيز الربذى وهو موسى بن عبيدة، وقد رواه ابن عدى من طريق الدراوردى عن موسى بن عبيدة وقال: تفرد به موسى بن عبيدة. وقال أحمد بن حنبل: لا تحل عندى الرواية عنه ولا أعرف هذا الحديث عن غيره وقال أيضا: ليس فى هذا حديث يصح لكن إجماع الناس على أنه لا يجوز بيع دين بدين، وقال الشافعى: أهل الحديث يوهنون هذا الحديث، وقد جزم الدارقطنى فى العلل بأن موسى بن عبيدة تفرد به، فهذا يدل على أن الوهم فى قوله موسى بن عقبة من غيره. وفى الطبرانى من طريق عيسى بن سهل بن رافع بن خديج عن أبيه عن جده: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة ونهى أن يقول الرجل: أبيع هذا بنقد وأشتريه بنسيئة حتى يبتاعه ويحرزه، ونهى عن كالئ بكالئ: دين بدين. وهذا لا يصح شاهدا لحديث ابن عمر فإنه من طريق موسى بن عبيدة أيضا عن عيسى بن سهل