الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
إذا اشترط المشترى أن هذه الثمرة تكون له ووافق على ذلك البائع فإنها تكون للمشترى.
3 -
أنه يصح البيع مع الشرط ما دام هذا الشرط لا ينافى مقتضى العقد.
4 -
يكون للبائع حق الاستطراق فى الأرض المبيعة ما دامت ثمرته فيها.
أبوَابُ السَّلَم وَالقَرض والرَّهنِ
1 -
عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: قدم النبى صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يُسلِفُون فى الثمار السنة والسنتين، فقال:"من أسلف فى ثمر فليسلف فى كيل معلوم، ووزن معلوم إلى أجل معلوم" متفق عليه. وللبخارى "من أسلف فى شئ".
[المفردات]
" السلم" هو بفتح السين واللام كالسلف وزنا ومعنى قال الأزهرى: السلم والسلف واحد فى قول أهل اللغة وقد ذكر الماوردى أن السلم هو لغة أهل الحجاز وأن السلف لغة أهل العراق. وكلام الماوردى غير واضح لأن حديث الباب استعمل مادة أسلف بمعنى أسلم والمتكلم حجازى، والسلف أعم من السلم لأن السلف قد يستعمل بمعنى القرض كما استعمل بمعنى السلم فكل سلم سلف وليس كل سلف سلما. أما السلم فى الاصطلاح فهو بيع موصوف فى الذمة إلى أجل ببدل يعطى عاجلا. قيل: سمى سلفا لتقديم رأس المال وسلما لتسليمه فى المجلس.
"والقرض" قال فى القاموس: والقرض ويكسر: ما سلفت من إساءة أو إحسان، وما تعطه لتقضاه. وقال: وأقرضه أعطاه قرضا وقطع له قطعة يجازى عليها اهـ ويطلق الاستقراض على الاستدانة وهو أن يستدين شخص مالا من آخر ليؤديه له.
"والرهن" هو فى اللغة الثبوت والدوام يقال: ماء راهن أى راكد ونعمة راهنة أى دائمة. وفيل هو الحبس لقوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} أى محبوسة. والقولان متقاربان لأن المحبوس ثابت فى مكان لا يزايله. وقال فى القاموس: الرهن: ما وضع عندك لينوب مناب ما أخذ منك اهـ وعرفه الفقهاء بأنه جعل عين مالية وثيقة بدين أو عين مضمونة للاستيفاء منها أو من ثمنها عند الحاجة. ولعل المصنف جمع أبواب السلم والقرض والرهن معا لقلة الأحاديث الواردة فيها ولما لها من تعلق بعضها ببعض.
"قدم النبى صلى الله عليه وسلم المدينة" أى جاء صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مهاجرا.
"وهم يسلفون" أى وأهل المدينة من الأوس والخزرج وغيرهم يتعاملون بالسلف أى بالسلم أى يعطون الثمن فى الحال ويأخذون السلعة فى المآل اهـ.
"السنة والسنتين" إلى مدة سنة أو مدة سنتين يعنى يدفعون المال إلى من يتعاملون معه بالسلم ويكون تسليم الثمار مؤجلا إلى سنة أو إلى سنتين بعد تسليم الثمن.
"أسلف" أى رغب فى عقد صفقة سلم.
"فى ثمر" قال الصنعانى فى سبل السلام: روى بالمثناة والمثلثة اهـ. ولا شك أن رواية الثمر بالثاء وفتح الميم أعم من رواية التاء وسكون الميم وإن كان الذى وقفت عليه فى صحيح البخارى ومسلم كله بالتاء والميم الساكنة.
"كيل معلوم" أى مقدار محدد من الكيل مع ضبط نوع الكيل أيضا كصاع الحجاز وقفيز العراق وإردب مصر، وحتى إذا اختلفت مكاييل هذه الجهات فإنه يجب تحديد نوع الكيل الذى يقصد التعاقد عليه منها وهذا كله فيما يكال.
"ووزن معلوم" أى أو وزن معلوم يعنى فيما يوزن، ولابد من تحديد نوع الوزن كذلك إذا اختلفت أنواعه، وهذا أيضا فيما يوزن.
"إلى أجل معلوم" أى إلى وقت محدد.
"وللبخارى" أى من حديث ابن عباس رضى اللَّه عنهما.
"فى شئ" أى بدل قوله فى الراوية المتفق عليها: فى تمر. والشئ يشمل المار وغيرها كالحنطة والشعير والتمر والزيت.
[البحث]
لم تعرف الإنسانية نظاما ماليا أدق، وأشمل، واكمل، وأبقى، وأنقى من نظام الإسلام، ولم تعرف ما يدانيه، ولا ما يقاربه، والإسلام يجعل المال قياما للناس كما جعل الدين لهم قياما حيث يقول اللَّه عز وجل:{جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ} ويقول: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} فلا قيام للمجتمع الصالح الا بصيانة الدين وطيب المال، وقد أنزل اللَّه تبارك وتعالى
أطول آية فى كتابه الكريم فى نظام صيانة الأموال، وضبطها على تقوى من. اللَّه تعالى واتباع لما شرعه لهم فيها حيث يقول:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أو ضَعِيفًا أو لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أو كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ثم يقول: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} وقد حذر اللَّه المسلمين أشد التحذير من أكل أموال الناس بالباطل وجعل أكل أموال الناس بالباطل قرينا لقتل أنفسهم حيث يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} ولم يجعل الأمر موقوفا على رضا المتعاقدين فقط
بل لابد أن يكون رضاهما فى حدود ما تجيزه الشريعة الإسلامية، إذ لو تراضيا على معاملة محرمة فإنه لاعبرة بتراضيهما، وقد أشار رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى أن قبول العبادة موقوف على أن يكون طعام العابد طيبا فقد روى مسلم فى صحيحه من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال "أيها الناس إن اللَّه طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن اللَّه أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} ثم ذكر الرجل يطل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام، وملبسه حرام وغذى بالحرام فأنى يستجاب لذلك" وقد أغلق الإسلام جميع الأبواب التى تؤدى إلى أكل أموال الناس بالباطل فحرم اكتساب المال من طريق الربا أو الرشوة أو التزوير أو الغصب أو الخداع أو النجش أو تلقى الركبان أو المزابنة أو بيع الثمار قبل بدو صلاحها، ووضع قواعد الأموال الربويةكما أنه شرع للمسلمين من طرق اكتساب المال واستثماره ما يغنى ويكفى ويشفى، ويسد حاجة الناس على اختلاف أحوالهم وطبائعهم ومعارفهم وقدراتهم وقد أوضحت الشريعة الإسلامية أنه لا ينعقد البيع إلا إذا كان عن تراض وأن يكون العاقد جائز التصرف وأن يكون المبيع مالًا، يصح الانتفاع به، من غير ضرورة، وأن يكون المبيع مملوكا للبائع أو مأذونا له فى بيعه، وأن يكون مقدورا على تسليمه وأن يكون معلوما برؤية أو صفة تحصل بها معرفته، وأن يكون الثمن معلوما. ورخصت الشريعة الإسلامية فى أنواع من المعاملات توسعة على المسلمين ودفعا
للأذى والضرر عنهم وسدًّا لحاجتهم فاستثنت بيع العرايا لمَّا حرمت الربا والمزابنة، وشرعت كذلك نظام السلم واستثنته من قاعدة منع بيع الإنسان ما ليس عنده كما شرعت المضاربة وألوانا من الشركات وفيها وفى السلم أبواب واسعة لاستثمار الأموال أحسن استثمار دون مضرة تلحق أحد الطرفين، فلم تجعل الفائدة لأحد المتعاقدين والخسارة على أحدهما كالربا. وبمقارنة المعاملات المشروعة بالمعاملات المحرمة يتضح أن هذا التشريع هو تشريع العليم الحكيم الخبير. ولم تحرم الشريعة شيئا إلا لدفع ما فيه من الأذى والمفاسد، ولم تبح شيئا إلا وفيه ما لا يحصى من المصالح والمنافع والفوائد، وذلك كله فى إطار قاعدة شرعية مطردة وهى أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح وأنه لا ضرر ولا ضرار. وقد عنون المصنف رحمه الله لثلاثة أبواب وهى السلم والقرض والرهن. هذا واللفظ الذى ساقه المصنف هنا هو لفظ مسلم أما البخارى فلفظه من حديث إسماعيل بن علية أخبرنا ابن أبى نجيح عن عبد اللَّه بن كثير عن أبى المنهال عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: قدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينة والناس يسلفون فى الثمر العام والعامين أو قال: عامين أو ثلاثة شك إسماعيل- فقال: "من سلف فى تمر فليسلف فى كيل معلوم ووزن معلوم" ثم أورده من طريق ابن عيينة بنفس السند عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: قدم النبى صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون بالتمر السنتين والثلاثة فقال: من أسلف فى شئ ففى كيل معلوم، ووزن معلوم إلى أجل معلوم" وقال البخارى: حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن ابن أبى نجيح عن عبد اللَّه بن كثير
عن أبى المنهال عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: قدم النبى صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون فى الثمار السنتين والثلاث فقال: "أسلفوا فى الثمار فى كيل معلوم إلى أجل معلوم" وقال عبد اللَّه بن الوليد: حدثنا سفيان حدثنا ابن أبى نجيح. وقال: فى كيل معلوم ووزن معلوم. أما مسلم رحمه الله فقد أورد اللفظ الذى ساقه المصنف ثم قال: حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا عبد الوارث عن ابن نجيح حدثنى عبد اللَّه بن كثير عن أبى المنهال عن ابن عباس قال: قدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والناس يسلفون فقال لهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من أسلف فلا يسلف إلا فى كيل معلوم ووزن معلوم. قال الحافظ فى الفتح: قال ابن بطال: أجمعوا على أنه إن كان فى السلم ما يكال أو يوزن فلابد فيه من ذكر الكيل المعلوم والوزن المعلوم فإن كان فيما لا يكال ولا يوزن فلابد فيه من عدد معلوم ثم قال الحافظ: وأجمعوا على أنه لا بد من معرفة صفة الشئ المسلم فيه صفة تميزه عن غيره وكأنه لم يذكر فى الحديث لأنهم كانوا يعملون به وإنما تعرض لذكر ما كانوا يهملونه. وقال الحافظ فى الفتح: واتفقوا على أنه يشترط له ما يشترط للبيع وعلى تسليم رأس المال فى المجلس، وقال الحافظ فى الفتح: وقد روى ابن حبان والحاكم والبيهقى من حديث عبد اللَّه بن سلام فى قصة إسلام زيد بن سعنة بفتح السين المهملة وسكون العين المهملة بعدها نون- أنه قال لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم هل لك أن تبيعنى ثمرا معلوما إلى أجل معلوم من حائط بنى فلأن؟ قال: "لا أبيعك من حائط مسمى، بل أبيعك أوسقا مسماة إلى أجل مسمى" وقال الحافظ فى الإصابة فى ترجمة زيد بن سعنة الحبر
الاسرائيلى: روى قصة إسلامه الطبرانى وابن حبان والحاكم وأبو الشيخ فى كتاب أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم وغيرهم من طريق الوليد بن مسلم عن محمد بن حمزة بن يوسف بن عبد اللَّه بن سلام عن أبيه عن جده عن عبد اللَّه بن سلام قال: قال زيد بن سعنة: ما من علامات النبوة شئ إلا وقد عرفته فى وجه محمد حين نظرت إليه إلا خصلتين لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا يزيده شدة الجهل إلا حلما". فذكر الحديث بطوله، وفيه مبايعته النبى صلى الله عليه وسلم التمر إلى أجل ومقاضاته إياه عند استحقاقه. وفى آخره: فقال زيد بن سعنة: أشهد ألا إله إلا اللَّه وأن محمدا عبده ورسوله، وآمن وصدق، وشهد مع النبى صلى الله عليه وسلم مشاهده واستشهد فى غزوة تبوك مقبلا غير مدبر. ورجال الإسناد موثقون. وقد صرح الوليد فيه بالتحديث. ومداره على محمد بن أبى السرى الراوى له عن الوليد، وثقه ابن معين ولينه أبو حاتم واللَّه أعلم اهـ وقال البيهقى فى السنن الكبرى فى باب "لا يجوز السلف حتى يكون بصفة معلومة لا تتعلق بعين: وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ببغداد ثنا عبد اللَّه بن جعفر بن درستويه ثنا يعقوب بن سفيان حدثنى محمد بن أبى السرى ثنا الوليد بن مسلم حدثنى محمد بن حمزة ابن يوسف بن عبد اللَّه بن سلام عن أبيه عن جده قال: قال عبد اللَّه ابن سلام: إن اللَّه لما أراد هدى زيد بن سعنة -فذكر الحديث إلى أن قال: فقال زيد بن سعنة: يا محمد هل لك أن تبيعنى تمرا معلوما إلى أجل معلوم من حائط بنى فلان؟ قال: "لا يا يهودى، ولكنى أبيعك تمرا معلوما إلى كذا وكذا من الأجل، ولا أسمى من حائط بنى فلان"
فقلت: نعم، فبايعنى، فأطلقت هميانى وأعطيته ثمانين دينارا فى تمر معلوم إلى كذا وكذا من الأجل. اهـ ومنع الشريعة من أن يكون السلم فى ثمر حائط معين أو شجر معين لأنه ربما لا يثمر هذا الحائط أو يصاب بآفة وكذلك الشجر المعين فإنه قد لا يثمر أو يصاب بآفة. واللَّه أعلم.
[ما يفيده الحديث]
1 -
مشروعية السلم.
2 -
أنه يجوز أن يكون الأجل إلى سنة أو سنتين أو ثلاثة بشرط تحديد وقت الأجل.
3 -
أنه إذا كان السلم فيما يكال فلابد فيه من كيل معلوم.
4 -
وأنه إذا كان السلم فيما يوزن فلابد فيه من وزن معلوم.
5 -
وأنه إذا كان السلم فيما لا يكال ولا يوزن لكنه مما يضبط بالعدد فلابد فيه من عدد معلوم.
6 -
لابد من معرفة صفة الشئ المسلم فيه صفة تميزه عن غيره.
7 -
ولابد أن تتوفر فى السلم جميع الشروط التى يجب أن تتوفر فى عقد البيع.
8 -
يجب فى السلم تسليم رأس المال فى مجلس العقد.
9 -
لا يجوز أن يكون السلم فى ثمر حائط معين أو شجر معين.
2 -
وعن عبد الرحمن بن أبْزَى وعبد اللَّه بن أبى أوفى رضى اللَّه عنهما قالا: كنا نصيب المغانم مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وكان يأتينا أنباط من أنباط الشام فَنُسْلِفُهم فى الحنطة والشعير والزبيب" وفى رواية -والزيت إلى أجل مسمى" قيل: أكان لهم زرع؟ قالا: ما كنا نسألهم عن ذلك" رواه البخارى.
[المفردات]
" عبد الرحمن بن أَبْزَى" هو الخزاعى مولى نافع بن الحارث قال الحافظ فى تهذيب التهذيب: قال البخارى: له صحبة، وذكره غير واحد فى الصحابة وقال أبو حاتم أدرك النبى صلى الله عليه وسلم وصلى خلفه. ثم قال الحافظ: وقد ذكره ابن سعد فيمن مات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهم أحداث الأسنان. وممن جزم بأن له صحبة خليفة بن خياط والترمذى ويعقوب بن سفيان وأبو عروبة والدارقطنى والبرقى، وبقى بن مخلد وغيرهم اهـ وقد استخلفه نافع بن الحارث على أهل مكة أيام عمر وقال لعمر: إنه قارئ لكتاب اللَّه عالم بالفرائض ثم سكن الكوفة، واستعمله على بن أبى طالب على خراسان. والعجيب أن ابن حبان ذكره فى ثقات التابعين مع تصريحه فى حديث الباب هذا بأنه كان يصيب المغانم مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. هذا وأبزى بوزن أعلى قد اختلف فى صحبته ورجح الحافظ فى الفتح أن لأبزى صحبة.
"أنباط من أنباط الشام" قال الحافظ فى الفتح: وهم قوم من العرب دخلوا فى العجم والروم واختلطت أنسابهم، وفسدت ألسنتهم، وكان الذين اختلطوا بالعجم منهم ينزلون البطائح بين العراقين، والذين اختلطوا بالروم ينزلون فى بَوَادى الشام ويقال لهم النبط بفتحتين، والنبيط بفتح أوله وكسر ثانيه وزيادة تحتانية، والأنباط، قيل: سموا بذلك لمعرفتهم بإنباط الماء أى استخراجه لكثرة معالجتهم الفلاحة اهـ.
"فنسلفهم" أى نتعامل معهم بالسلف أى السلم.
"وفى رواية" أى للبخارى: من طريق عهد الواحد -هو ابن زياد عن الشيبانى ومن طريق سفيان عن سليمان الشيبانى أيضا.
"أجل مسمى" أى إلى مدة معلومة.
"قيل" فى لفظ البخارى: قال: قلت: أكان لهم زرع الخ والقائل هو محمد بن أبى المجالد راوى الحديث عن عبد الرحمن بن أبزى وعبد اللَّه بن أبى أوفى.
[البحث]
أورد البخارى رحمه الله هذا الحديث فى كتاب السلم من صحيحه بعدة ألفاظ قال: حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن ابن أبى المجالد ح وحدثنا يحيى حدثنا وكيع عن شعبة عن محمد بن أبى المجالد ح وحدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة قال: أخبرنى محمد أبو عبد اللَّه بن أبى المجالد قال: اختلف عبد اللَّه بن شداد وأبو بردة فى السلف فبعثونى إلى ابن أبى أوفى رضى اللَّه عنه فسألته فقال: انا كنا نسلف على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر فى الحنطة والشعير والزبيب والتمر، وسألت ابن أبزى، فقال مثل ذلك، ثم قال البخارى: باب السلم إلى من ليس عنده أصل، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا عبد الوحد حدثنا الشيبانى، حدثنا محمد بن أبى المجالد قال: بعثنى عبد اللَّه بن شداد وأبو بردة إلى عبد اللَّه بنى أبى أوفى رضى اللَّه عنهما فقالا: سَله هل كان أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم يسلفون فى الحنطة؟ فقال عبد اللَّه: كنا نسلف نبيط أهل الشام فى الحنطة والشعر والزيت فى كيل معلوم
إلى أجل معلوم. قلت: إلى من كان أصله عنده؟ قال: ماكنا نسألهم عن ذلك، ثم بعثانى إلى عبد الرحمن بن أبزى فسألته فقال: كان أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم يسلفون على عهد النبى صلى الله عليه وسلم ولم نسألهم: ألهم حرث أم لا؟ . حدثنا إسحاق حدثنا خالد بن عبد اللَّه عن الشيبانى عن محمد بن أبى مجالد بهذا. وقال: فنسلفهم فى الحنطة والشعير وقال عبد اللَّه بن الوليد عن سفيان حدثنا الشيبانى وقال: والزيت. حدثنا قتيبة حدثنا جرير عن الشيبانى وقال: فى الحنطة والشعير والزبيب. ثم قال البخارى فى باب السلم إلى أجل معلوم حدثنا محمد بن مقاتل أخبرنا عبد اللَّه أخبرنا سفيان عن سليمان الشيبانى عن محمد بن أبى المجالد قال: أرسلنى أبو بردة وعبد اللَّه بن شداد إلى عبد الرحمن بن أبزى وعبد اللَّه بن أبى أوفى فسألتهما عن السلف فقالا: كنا نصيب المغانم مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فكان يأتينا انباط من أنباط الشام فنسلفهم فى الحنطة والشعر والزيت إلى أجل مسمى. قال: قلت: أكان لهم زرع أو لم يكن لهم زرع؟ . قالا: ما كنا نسألهم عن ذلك.
[ما يفيده الحديث]
1 -
جواز السلم فى المعدوم حال العقد.
2 -
يصح عقد السلم وإن لم يذكر فيه مكان قبض المسلم فيه.
3 -
جواز مبايعة أهل الذمة والسلم إليهم.
4 -
جواز السلم فى الحنطة والشعير والزبيب والتمر والزيت ونحوها.
5 -
لا يشترط أن يكون البائع فى السلم له زرع وحرث.
6 -
أن بيع الثمر قبل بدو صلاحه ليس من باب السلم ولا صلة له به.
3 -
وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال "من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدَّى اللَّه عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه اللَّه" رواه البخارى.
[المفردات]
" أخذ أموال الناس" أى على سبيل السلم أو القرض أو الحفظ أو نحو ذلك.
"يريد أداءها" أى وهو عازم على قضائها وردها إلى مستحقها.
"أدى اللَّه عنه" أى يسر اللَّه له قضاءها وبراءة ذمته منها.
"إتلافها" أى تضييعها على صاحبها وعزمه على عدم ردها.
"أتلفه اللَّه" أى أهلكه اللَّه وأوقعه فى البلايا وضيق عليه ومحق بركته.
[البحث]
هذا الحديث ليس خاصا بالسلم وإنما هو للتنفير من محاولة أخذ أموال الناس بشتى الأسباب مع عزم الآخذ على عدم أدائها كأن يطلب منهم مالا ليكون ثمنا فى السلم ويبيعه الشئ المسلم فيه وهو عازم على أن لا يوفيه، أو أن يأخذ من شخص قرضا وهو عازم على عدم أدائه، أو يأخذ على سبيل العارية وهو عازم على جحدها، أو على سبيل الأمانة وهو ناو أن لا يؤديها أو نحو ذلك. وهذا الحديث مَثل من أمثلة حرص الشريعة الإسلامية على صيانة أموال الناس وعدم أكلها بالباطل، وهو كذلك عامل من أهم عوامل تفريج كرب المكروبين. لأن ما يربيه فى النفس المؤمنة من خشية عقوبة اللَّه على إتلاف أموال الناس
مُسَهِّل على الموسرين قضاء حاجة المعسرين لغلبة ظنهم أن المستدين سيدفعه الخوف من عقوبة اللَّه على قضاء ما فى ذمته من الدين. هذا مع ما أخبر به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من أن اللَّه يغفر للشهيد باستشهاده فى سبيل اللَّه كل شئ إلا الدين فقد روى مسلم فى صحيحه من حديث عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضى اللَّه عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين. كما روى مسلم من حديث أبى قتادة رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قام فيهم فذكر أن الجهاد فى سبيل اللَّه والإِيمان باللَّه أفضل الأعمال، فقام رجل فقال: يا رسول اللَّه أرأيت إن قتلت فى سبيل اللَّه تكفر عنى خطاياى، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "نعم إن قتلت فى سبيل اللَّه، وأنت صابر محتسب، مقبل، غير مدبر" ثم قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"كيف قلت؟ " قال: أرأيت إن قتلت فى سبيل اللَّه أتكفر عنى خطاياى؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "نعم إن قتلت وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر. إلا الدين فإن جبرائيل قال لى ذلك".
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن من استدان ناويا الإِيفاء أعانه اللَّه ويسر له قضاء دينه.
2 -
أن من استدان وهو لا ينوى الأداء أوقعه اللَّه فى المهالك.
3 -
أنه ينبغى للإِنسان أن يحسن نيته.
4 -
أن سوء نية الإِنسان يوقعه فى البلايا.
5 -
وأن حسن نيته يجلب له الخير.
4 -
وعن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: قلت يا رسول اللَّه إن فلانا قدم له بَزٌّ من الشام فلو بَعَثْتَ إليه فأخذت منه ثوبين نسيئة إلى ميسرة فبعث إليه فامتنع" أخرجه الحاكم والبيهقى ورجاله ثقات.
[المفردات]
" فلانا" هو كناية عن شخص وقد كان يهوديا.
"بَزٌّ" قال فى القاموس: البز الثياب أو متاع البيت من الثياب ونحوها وبائعه البزاز، وحرفته البِزازة.
"نسيئة" أى دينا تعنى أن يأخذ منه الثوبين ويكون ثمنهما دينا عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
"إلى ميسرة" أى يقضى ثمنهما عند ما يوسع اللَّه عليه ويتمكن من قضاء هذا الدين.
"فامتنع" أى رفض أن يبيع بثمن مؤجل.
[البحث]
هذا الحديث ليس من أحاديث السلم بل هو من أحاديث جواز شراء سلعة حاضرة بثمن مؤجل على عكس السلم، وقد أورده الترمذى فى باب ما جاء فى الرخصة فى الشراء إلى أجل قال: حدثنا أبو حفص عمرو بن على ثنا يزيد بن زريع ثنا عمارة بن أبى حفصة ثنا عكرمة عن عائشة قالت: كان على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثوبان قطريان غليظان، فكان إذا قعد فعرق ثقلا عليه فقدم بز من الشام لفلان اليهودى. فقلت: لو بعثت إليه فاشتريت منه ثوبين إلى الميسرة،
فأرسل إليه فقال: قد علمت ما يريد: إنما يريد أن يذهب بمالى أو بدراهمى، فقال رسول صلى الله عليه وسلم:"كذب قد علم أنى من أتقاهم وأدَّاهم للأمانة" وفى الباب عن ابن عباس وأنس وأسماء ابنة يزيد. حديث عائشة حديث حسن صحيح غريب، قد رواه شعبة أيضا عن عمارة بن أبى حفصة سمعت محمد بن فراس البصرى يقول: سمعت أبا داود الطيالسى يقول: سئل شعبة يوما عن هذا الحديث فقال: لست أحدثكم حتى تقوموا إلى حرمى بن عمارة فتقبلوا رأسه. قال: وحرمى فى القوم اهـ وقوله فى حديث الترمذى: قطريان منسوب إلى قطر وهو موضع بين البحرين وعمان وضبطه بعضهم بقاف فطاء فراء كنسب وسبب قال: وهو نوع من برود تصنع باليمن. وفى القاموس: وثياب قطرية بالكسر على غير قياس. وقال بعضهم: القطرى بكسر القاف ضرب من البرود فيه حمرة ولها أعلام فيها بعض الخشونة. هذا وفى بعض نسخ الترمذى ثوبين قطريين. وأورده النسائى بلفظ: وكان على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بردين قطريين الخ والمعروف فى اللغة هو لفظ الترمذى الذى سقته.
[ما يفيده الحديث]
1 -
جواز الشراء إلى أجل أعنى فى غير الربويات.
2 -
جواز الشراء من أهل الذمة ومبايعتهم.
3 -
حلم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على أعدائه.
4 -
صبر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على الأذى.
5 -
وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا، ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا، وعلى الذى يركب ويشرب النفقة" رواه البخارى.
[المفردات]
" الظهر" أى ظهر الدابة المرهونة.
"يركب بنفقته" أى يجوز للمرتهن أن يركبه بمقابلة قيمة العلف الذى يعلف به الدابة المرهونة.
"إذا كان مرهونا" أى إذا كانت الدابة التى يركب ظهرها محبوسة عند المرتهن.
"ولبن الدر" قال الحافظ فى الفتح: (قوله الدر) بفتح المهملة وتشديد الراء مصدر بمعنى الدارة أى ذات الضرع.
وقوله "لبن الدر" هو من إضافة الشئ إلى نفسه وهو كقوله تعالى: {وَحَبَّ الْحَصِيدِ} اهـ وتعقبه العينى بأنه إذا كان المراد بالدر الدارة فلا يكون من إضافة الشئ إلى نفسه لأن اللبن غير الدارة.
"يشرب بنفقته" أى يجوز للمرتهن أن يشرب من لبن الدارة بقدر نفقته عليها.
"إذا كان مرهونا" أى إذا كانت الدارة محبوسة عند المرتهن.
"وعلى الذى يركب ويشرب النفقة" أى ويتحتم على من يستفيد من ظهر المرهون أو لبنه أن ينفق على المرهون ما دام محبوسا عنده
[البحث]
أورد البخارى فى صحيحه فى كتاب الرهن فى الحضر فى باب: "الرهن مركوب ومحلوب" حديثين قال فى الأول منهما: حدثنا أبو نعيم حدثنا زكرياء عن عامر عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: "الرهن يركب بنفقته، ويشرب لبن الدر إذا كان مرهونا. حدثنا محمد بن مقاتل أخبرنا عبد اللَّه أخبرنا زكرياء عن الشعبى عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: الظهر يركب بنفقته الخ الحديث باللفظ الذى ذكره المصنف هنا. وقد وقع فى أكثر من نسخة من صحيح البخارى المطبوع بدل قوله: "الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا" "الرهن يركب بنفقته إذا كان مرهونا" وهو خطأ بين. وقد وقع هذا الخطأ فى طبعة مطبعة الفجالة الجديدة التى قام بطبعها مكتبة النهضة الحديثة لعبد الحفيظ وعبد الشكور فدا بمكة المكرمة وكذلك فى نسخة فتح البارى طبع الحلبى بمصر سنة 1378 هـ وفى نسخ أخرى مع أن الحافظ رحمه الله قال فى شرح الحديث الأول من حديثى "الرهن مركوب ومحلوب" "قوله الرهن يركب بنفقته" كذا للجميع بضم أول يركب على البناء للمجهول وكذلك يشرب وهو خبر بمعنى الأمر لكن لم "يتعين فيه المأمور، والمراد بالرهن: المرهون. وقد أوضحه فى الطريق الثانية حيث قال: الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا اهـ وفى نسخة فتح البارى طبع المكتبة السلفية بمصر على الصواب: الظهر الخ. وقد استنبط البخارى رحمه الله من هذين الحديثين ترجمة هذا الباب وأن
الانتفاع بالعين المرهونة إنما يكون بقدر ما ينفقه المرتهن عليها وأشار إلى أن هذا المعنى قد نقله كذلك مغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعى حيث قال البخارى بعد الترجمة: وقال مغيرة عن إبراهيم: تركب الضالة بقدر علفها، وتحلب والرهن مثله اهـ قال الحافظ فى الفتح: وهذا الأثر وصله سعيد بن منصور عن هشيم عن مغيرة به "قوله والرهن مثله" أى فى الحكم المذكور وقد وصله سعيد بن منصور بالإسناد المذكور ولفظه "الدابة إذا كانت مرهونة تركب بقدر علفها، وإذا كان لها لبن يشرب منه بقدر علفها" ورواه حماد بن سلمة فى جامعه عن حماد بن أبى سليمان عن إبراهيم بأوضح من هذا، ولفظه: إذا ارتهن شاة شرب المرتهن من لبنها بقدر ثمن علفها فإن استفضل من اللبن بعد ثمن العلف فهو ربا" اهـ ولا شك أنه ما دام المرتهن لم ينتفع من العين المرهونة إلا بقدر ما ينفقه عليها لبقائها فإنه لا شبهة فى ذلك، لأنه لم ينتفع فى نظير ماله عند الراهن بشئ، وإنما صار كمن يشترى اللبن أبى يكترى الظهر من شخص ليس بينه وبينه معاملة. والمفهوم من الحديثين ومن الأثر المذكور أنه لو تكفل الراهن بنفقة المرهون عند المرتهن فإنه لا يحل للمرتهن أن يشرب من لبنه أو يركب ظهره. وعلى هذا فلا وجه ألبتة للطعن على هذا الحديث الصحيح الثابت بوجه فقول ابن عبد البر: هذا الحديث عند جمهور الفقهاء يرده أصول مجمع عليها وآثار ثابتة لا يختلف فى صحتها، ويدل على نسخه حديث ابن عمر الماضى فى أبواب المظالم "لا تحلب ماشية امرئ بغير إذنه" انتهى. أقول: هذا القول مردود ولا وجه له بحال
ولا معارضة بين هذا الحديث وبين شئ من الأصول الثابتة عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فهو ليس من باب بيع اللبن فى الضرع ولا من باب كل قرض جر منفعة فهو ربا ولا من باب حلب الماشية بغير إذن صاحبها، بل هذا الحديث من أعظم محاسن الشريعة الإسلامية بما اشتمل عليه من الرفق بالدابة المرهونة والإِحسان إليها ودفع الضرر عنها وعن المرتهن وعن الراهن كذلك. واللَّه أعلم.
[ما يفيده الحديث]
1 -
جواز انتفاع المرتهن من العين المرهونة بقدر نفقته عليها فقط دون زيادة.
2 -
أن انتفاع المرتهن من العين المرهونة بقدر نفقته عليها ليس من الربا.
3 -
دقة نظام الإِسلام فى الأموال وغيرها، وبناؤه على الرحمة والإحسان.
6 -
وعنه رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا يغلق الرهن من صاحبه الذى رهنه، له غنمه وعليه غرمه" رواه الدارقطنى والحاكم ورجاله ثقات إلا أن المحفوظ عند أبى داود وغيره إرساله.
[المفردات]
" وعنه" أى وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه.
"لا يغلق الرهن" قال فى القاموس: وغلق الرهن كفرح استحقه المرتهن وذلك إذا لم يفتكك فى الوقت المشروط اهـ فمعنى "لا يغلق الرهن" أى لا يستحقه المرتهن بمجرد حلول الأجل فهو لا يزال فى ملك الراهن وإن استمر محبوسا بيد المرتهن حتى يفكه الراهن بقضاء ما عليه.
للمرتهن أو يبيعه على المرتهن أو على غيره وتأدية ما عليه.
"من صاحبه" أى من الراهن.
"له غنمه" أى للراهن زيادته ونماؤه مدة كونه مرهونا.
"وعليه غرمه" أى وعلى الراهن مايحصل على المرهون من نقص أو تلف أو نفقة أو غيرها.
"عند أبى داود" أى فى المراسيل.
"وغيره" كالبزار والدارقطنى وابن القطان.
"إرساله" أى عن سعيد بن المسيب عن النبى صلى الله عليه وسلم وليس فيه أبو هريرة رضى اللَّه عنه.
[البحث]
هذا الحديث والحديث الذى يليه كلاهما فى الرهن قال الحافظ فى تلخيص الحبير: حديث: "لا يغلق الرهن من راهنه، له غنمه وعليه غرمه" ابن حبان فى صحيحه والدارقطنى والحاكم والبيهقى من طريق زياد بن سعد عن الزهرى عن سعيد بن المسيب عن أبى هريرة مرفوعا لا يغلق الرهن، له غنمه وعليه غرمه. وأخرجه ابن ماجه من طريق إسحاق بن راشد عن الزهرى، وأخرجه الحاكم من طرق عن الزهرى موصولة أيضا، ورواه الأوزاعى ويونس وابن أبى ذئب عن الزهرى عن سعيد مرسلا. ورواه الشافعى عن ابن أبى فديك، وابن أبى شيبة عن وكيع، وعبد الرزاق عن الثورى، كلهم عن ابن أبى ذئب كذلك. ولفظه: لا يغلق الرهن من صاحبه الذى رهنه له غنمه وعليه غرمه. قال الشافعى: غنمه زيادته. وغرمه هلاكه. وصحح أبو داود والبزار
والدارقطنى وابن القطان إرساله، وله طرق فى الدارقطنى والبيهقى كلها ضعيفة، وصحح ابن عبد البر وعبد الحق وصله، وقوله: له غنمه وعليه غرمه قيل: إنها مدرجة من قول سعيد بن المسيب، فتحرر طرقه، قال ابن عبد البر: هذه اللفظة اختلف الرواة فى رفعها ووقفها فرفعها ابن أبى ذئب ومعمر وغيرهما، مع كونهم أرسلوا الحديث على اختلاف على ابن أبى ذئب، ووقفها غيرهم. وقد روى ابن وهب هذا الحديث فجوده وبين أن هذه اللفظة من قول سعيد بن المسيب، وقال أبو داود فى المراسيل: قوله له غنمه وعليه غرمه، من كلام سعيد بن المسيب نقله عنه الزهرى. وقال عبد الرزاق: نا معمر عن الزهرى عن ابن المسيب أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: لا يغلق الرهن ممن رهنه" قلت للزهرى: أرأيت قول النبى صلى الله عليه وسلم: لا يغلق الرهن. أهو الرجل يقول إن لم آتك بمالك فالرهن لك؟ قال: نعم، قال معمر: ثم بلغنى عنه أنه قال: إن هلك لم يذهب حق هذا، إنما هلك من رب الرهن، له غنمه وعليه غرمه. وروى ابن حزم من طريق قاسم بن أصبغ نا محمد ابن إبراهيم نا يحيى بن أبى طالب الأنطاكى وغيره من أهل الثقة نا نصر ابن عاصم الأنطاكى نا شبابة عن ورقاء عن ابن أبى ذئب عن الزهرى عن سعيد بن المسيب وأبى سلمة بن عبد الرحمن عن أبى هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لا يغلق الرهن، الرهن لمن رهنه، له غنمه وعليه غرمه. قال ابن حزم: هذا سند حسن. قلت: أخرجه الدارقطنى من طريق عبد اللَّه بن نصر الأصم الأنطاكى عن شبابة به. وصححها عبد الحق، وعبد اللَّه بن نصر له أحاديث منكرة ذكرها ابن
عدى وظهر أن قوله فى رواية ابن خزم: نصر بن عاصم تصحيف وإنما هو عبد اللَّه بن نصر الأصم، وسقط عبد اللَّه وحرف الأصم بعاصم اهـ.
7 -
وعن أبى رافع رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكرا فقدمت عليه إبل من إبل الصدقة فأمر أبا رافع أن يقضى الرجل بكره. فقال: لا أجد إلا خيارا رباعيا. فقال أعطه إياه فإن خيار الناس أحسنهم قضاء" رواه مسلم.
[المفردات]
" أبى رافع" هو مولى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
"استسلف" أى استقرض.
"بكرا" هو ولد الناقة أو الفتى من الإِبل أو الثنى إلى أن يجذع أو ابن المخاض إلى أن يثنى أو ابن اللبون أو الذى لم يبزل.
"إبل الصدقة" أى الإِبل التى تؤخذ من الأغنياء من زكاة إبلهم.
"أن يقضى الرجل" أى أن يؤدى للرجل الذى استسلف منه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بكره.
"خيارا" قال فى المرقاة: يقال حمل خيار وناقة خيارة أى مختارة.
"رباعيا" هو الذى استكمل ست سنوات ودخل فى السابعة.
"أعطه إياه" أى أده له وفاء لدينه وقضاء لقرضه.
"خيار الناس" أى أفاضل الناس وذوى الأخلاق الحسنة.
"أحسنهم قضاء" أى أفضلهم فى توفية الدين وتأديته لمستحقه.
[البحث]
قد تقدم فى بحث الحديث العاشر والحديث الرابع عشر من أحاديث باب الربا مزيد بحث لمبادلة الحيوان بالحيوان نسيئة. وقد روى مسلم حديث أبى رافع بعدة ألفاظ منها ما قدمته فى بحث الحديث الرابع عشر من أحاديث باب الربا وفى لفظ عن أبى رافع رضى اللَّه عنه قال: استسلف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بكرا بمثله غير أنه قال: فإن خير عباد اللَّه أحسنهم قضاء. كما روى البخارى ومسلم من حديث أبى هريرة قال: كان لرجل على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حق فأغلظ له فهمَّ به أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم. الخ الحديث المتقدم فى بحث الحديث الرابع عشر من باب الربا. وأخرج البخارى من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه أن رجلا أتى النبى صلى الله عليه وسلم يتقاضاه بعيرا، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"أعطوه" فقالوا: ما نجد إلا سِنًّا أفضلَ من سِنِّه فقال الرجل: أوفيتنى أوفاك اللَّه. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أعطوه فإن من خيار الناس أحسنهم قضاء وفى لفظ للبخارى من حديث أبى هريرة قال: كان لرجل على النبى صلى الله عليه وسلم سِنٌّ من الإبل فجاءه يتقاضاه فقال صلى الله عليه وسلم: "أعطوه" فطلبوا سنه فلم يجدوا له إلا سنا فوقها. فقال: "أعطوه" فقال: أوفيتنى وفى اللَّه بك. قال النبى صلى الله عليه وسلم: "إن خياركم أحسنكم قضاء" وفى لفظ لمسلم من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: استقرض رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سنا فأعطى سنا فوقه وقال: "خياركم محاسنكم قضاء. وفى لفظ لمسلم من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: جاء رجل يتقاضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعيرا فقال: "أعطوه فوق سنه" وقال: "خيركم أحسنكم
قضاء" هذا ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إنما استقرض البعير على إبل الصدقة لدفع حاجة المساكين. إذ أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لا تحل له الصدقة ولا يستقرض عليها لنفسه الشريفة ولا لأهل بيته صلى الله عليه وسلم ورضى اللَّه عنهم.
[ما يفيده الحديث]
1 -
جواز استقراض الإبل ونحوها من الحيوانات.
2 -
جواز المطالبة بالدين إذا حل أجله.
3 -
أن للإِمام أن يقترض على بيت المال للمساكين ودفع حاجة بعض المحتاجين.
4 -
جواز الوفاء بما هو أفضل من المثل المقترض ما دام لم يشترط ذلك فى العقد، ولم يكن مرادا من الاقتراض.
5 -
أن الزيادة فى وفاء الدين تبرعا وإحسانا لا يعتبر من باب القرض الذى جر نفعا.
6 -
تربية المسلمين على مكارم الأخلاق والوفاء.
8 -
وعن على رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "كل قرض جر منفعة فهو ربا" رواه الحارث بن أبى أسامة وإسناده ساقط، وله شاهد ضعيف عن فضالة بن عبيد عند البيهقى، وآخر موقوف عن عبد اللَّه بن سلام عند البخارى.
[المفردات]
" جر منفعة" أى جلب للمقرض مصلحة.
"ساقط" أى لا يحتج به.
"وآخر" أى وشاهد آخر.
"عند البخارى" أى فى باب مناقب عبد اللَّه بن سلام رضى اللَّه عنه.
[البحث]
وصف المصنف رحمه الله حديث على رضى اللَّه عنه الذى أخرجه الحارث بن أبى أسامة فى مسنده بأن إسناده ساقط، وسبب سقوط إسناده أنه من رواية سوار بن مصعب الهمدانى الأعمى المؤذن وهو متروك. قال الحافظ فى تلخيص الحبير: حديث: أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن قرض جر منفعة وفى رواية: كل قرض جر منفعة فهو ربا. . قال عمر بن بدر فى المغنى: لم يصح فيه شئ وأما إمام الحرمين فقال: إنه صح وتبعه الغزالى. وقد رواه الحارث بن أبى أسامة فى مسنده من حديث على باللفظ الأول، وفى إسناده سوار بن مصعب وهو متروك ورواه البيهقى فى المعرفة عن فضالة بن عبيد موقوفا بلفظ: كل قرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الربا ورواه فى السنن الكبرى عن ابن مسعود وأبى بن كعب وعبد اللَّه بن سلام وابن عباس موقوفا عليهم اهـ أما ما أشار إليه المصنف رحمه الله من الشاهد الآخر الموقوف على عبد اللَّه بن سلام عند البخارى فقد أورده البخارى رحمه الله فى باب مناقب عبد اللَّه بن سلام رضى اللَّه عنه قال البخارى: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن سعيد بن أبى بردة عن أبيه: أتيت المدينة فلقيت عبد اللَّه بن سلام رضى اللَّه عنه فقال: ألا تجئ فأطعمك سويقا وتمرا وتدخل فى بيت. ثم قال: إنك بأرض الربا بها فاش، إذا كان لك على رجل حق فأهدى إليك حمل تبن أو حمل شعير أو حمل قت فلا تأخذه فإنه ربا" ولا شك أن هذا هو معنى أن القرض إذا جر
نفعا فهو ربا، وكأن الصنعانى رحمه الله لم يتفطن لذلك فقال عند قول المصنف: وآخر موقوف عن عبد اللَّه بن سلام عند البخارى" قال الصنعانى: لم أجده فى البخارى فى باب الاستقراض ولا نسبه المصنف فى التلخيص إلى البخارى بل قال: إنه رواه البيهقى فى السنن الكبرى عن ابن مسعود وأبى بن كعب وعبد اللَّه بن سلام وابن عباس موقوفا عليهم انتهى فلو كان فى البخارى لما أهمل نسبته إليه فى التلخيص اهـ وبهذه المناسبة أشير إلى أن البخارى رحمه الله قد يورد لفظا من حديث فى مكان من صحيحه لا يخطر على بال الكثيرين أنه يورده فيه. وقد كنت أثناء تدريسى لسبل السلام بكلية الشريعة بالرياض عام 1379 هـ أشرح الحديث التاسع والثلاثين من كتاب البيوع وهو: عن عروة البارقى رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم أعطاه دينارا يشترى به أضحية أو شاة فاشترى به شاتين فباع إحداهما بدينار فأتاه بشاة ودينار فدعا له بالبركة فى بيعه فكان لو اشترى ترابا لربح فيه" رواه الخمسة إلا النسائى وقد أخرجه البخارى فى ضمن حديث ولم يسق لفظه وأورد الترمذى له شاهدا من حديث حكيم بن حزام اهـ فبحثت فى البخارى فى البيوع والوكالة وما يتعلق بالأضاحى فلم أعثر عليه وسألت الكثيرين من أهل العلم فلم أجد عند أحد خبرا عنه وبعد زمن طويل من البحث وسؤال أهل العلم تذكر الشيخ عبد العزيز بن باز وفقه اللَّه للخير وكان وقتئذ مدرسا بكلية الشريعة أنه مرَّ به وأنه علقه على نسخة خطة عنده من بلوغ المرام ولما طلبها وجد تعليقة له على هذا الحديث بأن البخارى أخرجه فى ذكر صفة الخيل فى الباب الأخير من كتاب المناقب، فرجعت إليه فوجدته هناك. هذا وقد