الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقه الإسلام
شرح بلوغ المرام من جمع أدلة الأحكام للحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله
تأليف
عبد القادر شيبة الحمد
عضو هيئة التدريس بقسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة والمدرس بالمسجد النبوي الشريف
[الجزء الخامس]
باب الغَصْب
1 -
عن سعيد بن زيد رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "من اقتطع شِبْرًا من الأرض ظلما طوقه اللَّه به يوم القيامة من سبع أرَضين" متفق عليه.
[المفردات]
الغصب: هو أخذ حق الغير بغير حق.
اقتطع: أى أخذ يعنى بغير حق.
شبرا: الشِّبْرُ هو ما بين طرفى الخنصر والإِبهام بالتفريج المعتاد أما الْفِتْرُ فهو ما بين طرفى السبابة والإِبهام بالتفريج المعتاد.
ظلما: أى غصبا بغير حق.
طوقه اللَّه به: أى جعله طوقا فى عنقه.
من سبع أرضين: أى خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين يحملها فوق عنقه تكون كالطوق له وفى حديث ابن عمر عند البخارى: من أخذ شيئا من الأرض بغير حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين.
[البحث]
أخرج البخارى هذا الحديث فى كتاب المظالم من صحيحه فى باب إثم من ظلم شيئا من الأرض عن سعيد بن زيد رضى اللَّه عنه
بلفظ: قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "من ظَلَم من الأرض شيئا طُوِّقَهُ من سبع أرضين".
وأخرجه فى كتاب بدء الخلق فى باب ما جاء فى سبع أرضين عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أنه خاصمته أروى فى حق زعمت أنه انتقصه لها إلى مروان فقال سعيد: أنا أنتقص من حقها شيئا؟ أشهد لسمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "من أخذ شبرا من الأرض ظلما فإنه يُطَوَّقُه يوم القيامة من سبع أرضين". أما مسلم رحمه الله فقد أخرجه بعدة ألفاظ. منها عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "من اقتطع شبرا من الأرض ظلما طوَّقه اللَّه إياه يوم القيامة من سبع أرَضين. وفى لفظ من طريق عمر بن محمد عن أبيه عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أن أروى خاصمته فى بعض داره فقال: دعوها وإياها فإنى سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "من أخذ شبرا من الأرض بغير حقه طوِّقه فى سبع أرضين يوم القيامة. اللهم إن كانت كاذبةً فأعم بصرَها، واجعل قبرها فى دارها، قال: فرأيتها عمياء تلتمس الجُدُر تقول: أَصابتنى دعوة سعيد بن زيد، فبينما هى تمشى فى الدار مرَّت على بئر فى الدار فوقعت فيها فكانت قبرها. وفى لفظ من طريق هشام ابن عروة عن أبيه أن أروى بنت أُوَيس ادعت على سعيد بن زيد أنه أخذ شيئا من أرضها فخاصمته إلى مروان بن الحكم فقال
سعيد: أنا كنت آخذ من أرضها شيئا بعد الذى سمعت من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ قال وما سمعتَ من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "من أخذ شبرا من الأرض ظلما طُوِّقَه إلى سبع أرضين" فقال مروان: لا أسألك بينة بعد هذا فقال: اللهم إن كانت كاذبة فعمِّ بصَرها واقتلها فى أرضها. قال: فما ماتت حتى ذهب بصرها، ثم بينا هى تمشى فى أرضها إذ وقعت فى حفرة فماتت. وفى لفظ عن سعيد بن زيد قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "من أخذ شبرا من الأرض ظلما فإنه يُطوَّقه يوم القيامة من سبع أرضين.
هذا وقد روى البخارى ومسلم نحو ذلك من حديث عائشة رضى اللَّه عنها كما روى البخارى من حديث ابن عمر رضى اللَّه عنهما نحو ذلك كذلك كما روى مسلم من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه نحو ذلك أيضا.
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن غصب الأرض -مهما قلت- من كبائر الذنوب.
2 -
وأن من ملك أرضا ملك أسفلها.
3 -
وفيه دليل على أن الأرضين السبع متراكمة لم تفتق لأنها لو فتقت لتحمل الغاصب غير ما غصب كما أشار إلى ذلك الحافظ فى الفتح نقلا عن الداودى رحمهما اللَّه.
4 -
وفيه الرد على منع زعم أن الأرض لا يمكن غصبها.
2 -
وعن أنس رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان عند بعض نسائه فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين مع خادم لها بِقَصْعَة فيها طعام فَضَرَبَتْ بيدها فكسرت القَصْعَةَ فضَمَّها وجعل فيها الطعام، وقال:"كُلُوا" ودفع القصعة الصحيحة للرسول وحَبَسَ الْمَكْسُورة. رواه البخارى. والترمذى وسمى الضاربة عائشة وزاد: "فقال النبى صلى الله عليه وسلم: "طعامٌ بطعام وإناء بإناء" وصححه.
[المفردات]
عند بعض نسائه: هى عائشة رضى اللَّه عنها كما فى رواية الترمذى ولأن الهدايا إنما كانت تهدى إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى بيتها.
إحدى أمهات المؤمنين: هى زينب بنت جحش رضى اللَّه عنها.
بقصعة: هى بفتح القاف إناء من خشب، وفى رواية البخارى فى كتاب النكاح:"بصحفة" وهى قصعة مبسوطة وتكون من غير الخشب.
فيها طعام: كان حَيسًا أو ثريدا. والحَيْسُ تمر يخلط بسمن وأقط فيعجن شديدا ثم يُندَرُ منه نواه وربما
جعِل فيه سَويق. والثريد هو الخبز المفتوت المأدوم باللحم.
فضمها: أى فجمع النبى صلى الله عليه وسلم فلق القصعة وشَدَّها حتى تماسكت.
وجعل فيها الطعام: أى جمع الطعام الذى تناثر منها ووضعه فيها.
وقال: كلوا: أى وطلب ممن كان معه أن يأكلوا منها.
ودفع القصعة الصحيحة للرسول: أى وسلَّم للخادم القصعة السليمة المأخوذة من بيت التى كسرت.
وحبس المكسورة: أى أبقاها عند التى هو فى بيتها.
وسمى الضاربة عائشة: أى وسمى الترمذى فى روايته أم المؤمنين التى كسرت القصعة بأنها عائشة رضى اللَّه عنها.
وزاد: أى الترمذى.
طعام بطعام: أى وضع فى القصعة الصحيحة طعاما وأرسله للتى كُسِرت قصعتها مع خادمها وقال: هذا طعام بدل طعامها وفعل ذلك صلى الله عليه وسلم تطييبا لخاطرها.
وإناء بإناء: أى وهذه قصعة بدل القصعة التى كسرت.
[البحث]
أورد البخارى رحمه الله هذا الحديث فى كتاب المظالم فى باب إذا كسر قصعة أو شيئا لغيره من طريق يحيى بن سعيد عن حميد عن أنس رضى اللَّه عنه بلفظ: "أن النبى صلى الله عليه وسلم كان عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين مع خادم بقصعة فيها طعام، فضربت بيدها فكسرت القصعة، فضمها، وجعل فيها الطعام، وقال: "كلوا" وحبس الرسول والقصعة حتى فرغُوا، فدفع القصعة الصحيحة وحبس المكسورة" وأورده فى كتاب النكاح فى باب الغيرة من طريق ابن عُلَيَّة عن حميد عن أنس قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام، فضربت التى النبىُّ صلى الله عليه وسلم فى بيتها يد الخادم فسقطت الصحفة فَانْفَلَقَتْ، فجمع النبى صلى الله عليه وسلم فِلَقَ الصحفة، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذى كان فى الصحفة، ويقول:"غارت أمُّكم" ثم حبس الخادمَ حتى أتى بصحفة من عند التى هو فى بيتها، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التى كُسِرَت صحفتها، وأمسك المكسورة فى بيت التى كسرت" وقد أورد الترمذى هذا الحديث فى أبواب الأحكام فى باب ما جاء فيمن يكسر له الشئ ما يحكم له من مال الكاسر قال: حدثنا محمود بن غيلان ثنا أبو داود الحَفَرِىُّ عن سفيان عن حميد عن أنس قال: أهدت بعض أزواج النبى صلى الله عليه وسلم.
طعاما فى قصعة فضربت عائشة القصعة بيدها فألقت ما فيها، فقال النبى صلى الله عليه وسلم:"طعام بطعام وإناء بإناء" هذا حديث حسن صحيح اهـ.
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن من كسر لغيره شيئا كان مضمونا بمثله إن أمكن حصول المثل.
2 -
أن الغضب الذى لا يزول معه الإِدراك لا يعفى صاحبه من المسئولية.
3 -
التلطف فى معاملة النساء.
4 -
أن على الزوج أن يعالج ما قد يحدث من إحدى زوجاته على الأخرى بما يطيب خاطرهما.
3 -
وعن رافع بن خديج رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من زرع فى أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شئ، وله نفقته" رواه أحمد والأربعة إلا النسائى وحسنه الترمذى ويقال: إن البخارى ضعفه.
[المفردات]
بغير إذنهم: أى بغير أمرهم ودون موافقتهم.
وله نفقته: أى وللذى زرع أجرة عمله.
ضعفه: أى ضعف حديث رافع بن خديج رضى اللَّه عنه هذا.
[البحث]
ساق المجد ابن تيمية رحمة اللَّه فى المنتقى هذا الحديث فقال: عن رافع بن خديج أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "من زرع فى أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شئ وله نفقته" رواه الخمسة إلا النسائى وقال البخارى هو حديث حسن اهـ وقول المصنف هنا: ويقال: إن البخارى ضعفه يشير إلى ما ذكره الخطابى عن البخارى بأنه ضعف هذا الحديث. وقد ساق الترمذى هذا الحديث من طريق قتيبة ثنا شريك بن عبد اللَّه النخعى عن أبى إسحاق عن عطاء عن رافع بن خديج ثم قال الترمذى: وسألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال: هو حديث حسن وقال لا أعرفه من حديث أبى إسحاق إلا من رواية شريك، قال محمد: ثنا معقل بن مالك البصرى ثنا عقبة بن الأصم، عن عطاء عن رافع بن خديج عن النبى صلى الله عليه وسلم نحوه اهـ وبنفس السند الذى ساقه الترمذى قد أخرجه أبو داود أما ابن ماجه فقال: حدثنا عبد اللَّه بن عامر بن زرارة ثنا شريك الخ سند أبى داود والترمذى إلا أنه قال: "وتُرَدُّ عليه نفقته" بدل قوله: وله نفقته. قال فى تهذيب التهذيب: وقال أبو زرعة: لم يسمع عطاء من رافع بن خديج وحكى ابن المنذر عن أحمد بن حنبل أنه
قال: إن أبا إسحاق زاد فى هذا الحديث: "زرع بغير إذنهم" وليس غيره يذكر هذا الحرف اهـ. واللَّه أعلم.
وعلى كل حال فإن من زرع فى أرض قوم بغير إذنهم فهو عرق ظالم وسيأتى بحثه فى الحديث الذى يلى هذا الحديث إن شاء اللَّه.
4 -
وعن عروة بن الزبير رضى اللَّه عنه قال: قال رجل من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إن رجلين اختصما إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى أرض غرس أحدهما فيها نخلا والأرض للآخر فقضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالأرض لصاحبها وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله وقال: "ليس لعرقٍ ظالمٍ حقٌّ" رواه أبو داود وإسناده حسن، وآخره عند أصحاب السنن من رواية عروة عن سعيد بن زيد واختلف فى وصله وإرساله، وفى تعيين صحابيِّه.
[المفردات]
والأرض للآخر: أى ليست للذى غرس.
عرق ظالم: قال الحافظ فى التلخيص: قوله لعرق ظالم هو بالتنوين وبه جزم الأزهرى وابن فارس وغيرهما وغلَّط الخطابى من رواه بالإِضافة اهـ والمراد بالعرق الظالم هنا هو أن يزرع أو يغرس أو يبنى
أو يحفر شخص فى ملك غيره بغير رضاه.
وآخره: أى وهو قوله: ليس لعرق ظالم حق.
وفى تعيين صحابيه: أى هل هو سعيد بن زيد أو أبو سعيد الخدرى أو جابر أو عائشة رضى اللَّه عنهم.
[البحث]
قال الحافظ فى تلخيص الحبير عند كلامه على حديث ليس لعرق ظالم حق: واختلف فيه على هشام بن عروة اختلافا كثيرا ورواه أبو داود الطيالسى من حديث عائشة وفى إسناده زمعة وهو ضعيف، ورواه ابن أبى شيبة وإسحاق بن راهويه فى مسنديهما من حديث كثير بن عبد اللَّه بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده وعلقه البخارى بقوله: ويروى عن عمرو بن عوف ورواه البيهقى من حديث الحسن عن سمرة والطبرانى من حديث عبادة وعبد اللَّه ابن عمرو اهـ.
وقال البخارى فى صحيحه فى كتاب المزارعة فى باب من أحيا مواتا" ورأى ذلك عليٌّ فى أرض الخراب بالكوفة. وقال عمر: من أحيا أرضا ميتة فهى له، ويروى عن عمرو بن عوف عن النبى صلى الله عليه وسلم وقال: فى غير حق مسلم، وليس لعرق ظالم فيه حق، ويروى فيه عن جابر عن النبى صلى الله عليه وسلم. وفى بعض نسخ البخارى: ويروى عن عمر وابن عوف" وهو تصحيف. وقال الحافظ فى الفتح: عند قول البخارى: "وقال فيه فى غير حق مسلم وليس لعرق ظالم حق" وصله إسحاق بن
راهويه قال: أخبرنا أبو عامر العقدى عن كثير بن عبد اللَّه بن عمرو بن عوف حدثنى أبى أن أباه حدثه أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم يقول: "من أحيا أرضا مواتا من غير أن يكون فيها حق مسلم فهى له وليس لعرق ظالم حق" وهو عند الطبرانى ثم البيهقى. وكثير هذا ضعيف وليس لجده عمرو بن عوف فى البخارى سوى هذا الحديث وهو غير عمرو بن عوف الأنصارى البدرى ثم قال الحافظ: ووقع فى بعض الروايات: وقال عُمر وابن عوف على أن الواو عاطفة وعمر بضم العين وهو تصحيف ثم قال الحافظ: ولحديث عمرو بن عوف المعلق شاهد قوى أخرجه أبو داود من حديث سعيد بن زيد، وله من طريق ابن إسحاق عن يحيى بن عروة عن أبيه مثله مرسلا وزاد: قال عروة: فلقد خبرنى الذى حدثنى بهذا الحديث أن رجلين اختصما إلى النبى صلى الله عليه وسلم غرس أحدهما نخلا فى أرض الآخر فقضى لصاحب الأرض بأرضه وأمر صاحا النخل أن يخرج نخله منها. وفى الباب عن عائشة أخرجه أبو داود الطيالسى، وعن سمرة عند أبى داود والبيهقى وعن عبادة وعبد اللَّه بن عمرو عند الطبرانى وعن أبى أسيد عند يحيى بن آدم فى كتاب الخراج. وفى أسانيدها مقال لكن يتقوى بعضها ببعض اهـ وقال الحافظ فى قول البخارى: ويروى فيه عن جابر عن النبى صلى الله عليه وسلم: وصله أحمد قال: حدثنا عباد بن عباد حدثنا هشام عن عروة عن وهب بن كيسان
عن جابر فذكره.
ولفظه: من أحيا أرضا ميتة فله فيها أجر وما أكلت العوافى منها فهو له صدقة. وأخرجه الترمذى من وجه آخر عن هشام بلفظ: من أحيا أرضا ميتة فهى له" وصححه. وقد اختلف فيه على هشام فرواه عنه عباد هكذا ورواه يحيى القطان وأبو ضمرة وغيرهما عنه عن أبى رافع عن جابر، ورواه أيوب عن هشام عن أبيه عن سعيد بن زيد، ورواه عبد اللَّه بن إدريس عن أبيه مرسلا.
واختلف فيه على عروة فرواه أيوب عن هشام موصولا وخالفه أبو الأسود فقال: عن عروة عن عائشة كما فى هذا الباب، ورواه يحيى بن عروة عن أبيه مرسلا كما ذكرته من سنن أبى داود ولعل هذا هو السر فى ترك جزم البخارى به اهـ وقال الترمذى: حدثنا محمد بن بشار ثنا عبد الوهاب ثنا أيوب عن هشام بن عروة عن أبيه عن سعيد بن زيد عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "من أحيا أرضا ميتة فهى له، وليس لعرق ظالم حق" هذا حديث حسن غريب. حدثنا محمد بن بشار ثنا عبد الوهاب الثقفى عن أيوب عن هشام بن عروة عن وهب بن كيسان عن جابر بن عبد اللَّه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "من أحيا أرضا ميتة فهى له" هذا حديث حسن صحيح، وقد رواه بعضهم عن هشام بن عروة عن أبيه عن النبى صلى الله عليه وسلم مرسلا أهـ وقال أبو داود فى باب فى إحياء الموات" من كتاب الخراج والإِمارة
والفئ من سننه: حدثنا محمد بن المثنى ثنا عبد الوهاب ثنا أيوب عن هشام بن عروة عن أبيه عن سعيد بن زيد عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "من أحيا أرضا ميتة فهى له وليس لعرق ظالم حق" حدثنا هناد بن السرى ثنا عبدة عن محمد يعنى ابن إسحاق عن يحيى بن عروة عن أبيه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال "من أحيا أرضا ميتة فهى له". وذكر مثله قال: فلقد خبرنى الذى حدثنى هذا الحديث أن رجلين اختصما إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم غرس أحدهما نخلا فى أرض الآخر فقضى لصاحب الأرض بأرضه وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله منها قال: فلقد رأيتها وإنها لتُضْرَب أصولها بالفؤوس وإنها لنخلُ عُمٍّ حتى أخرجت منها. حدثنا أحمد بن سعيد الدارمى ثنا وهب عن أبيه عن ابن إسحاق بإسناده ومعناه إلا أنه قال عند قوله مكان الذى حدثنى هذا فقال رجل من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم وأكثر ظنى أنه أبو سعيد الخدرى فأنا رأيت الرجل يَضْرِبُ فى أصول النخل اهـ.
وكون العرق الظالم لا حق له مما تقرره قواعد الشريعة من صيانة حقوق الناس ومنع التعدى عليهم ومعاملة المتعدى بنقيض قصده. واللَّه أعلم.
[ما يفيده الحديث]
1 -
أنه ليس لعرق ظالم حق.
2 -
وأنه ينبغى معاملة المتعدى بنقيض قصده.
3 -
وأنه يجب المحافظة على حقوق الناس.
5 -
وعن أبى بكرة رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى خطبته يوم النحر بمنى: "إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا فى شهركم هذا فى بلدكم هذا" متفق عليه.
[المفردات]
يوم النحر بمنى: يعنى خطبته يوم الأضحى فى حجة الوداع.
[البحث]
تقدم ذكر هذا الحديث فى كتاب الحج فى باب صفة الحج ودخول مكة برقم 31 وذكرت هناك أن مسلما رحمه الله قد أورده فى سياق شأن تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال دون أن يسوق كامل لفظه وأن البخارى رحمه الله قد أخرجه فى باب الخطبة أيام منى من كتاب الحج بلفظ عن أبى بكرة رضى اللَّه عنه قال: خطبنا النبى صلى الله عليه وسلم يوم النحر قال: أتدرون أى يوم هذا؟ " قلنا: اللَّه ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير أسمه، قال: "أليس يوم النحر؟ " قلنا: بلى. قال: أى شهر هذا؟ " قلنا: اللَّه ورسوله أعلم. فسكت
حتى ظننا أنه سيسميه بغير إسمه فقال: "أليس ذو الحجة؟ " قلنا بلى. قال: "أى بلد هذا؟ " قلنا: اللَّه ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير أسمه. قال: "أليست بالبلدة الحرام؟ " قلنا: بلى. قال: "فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا فى شهركم هذا فى بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم. ألا هل بَلغت؟ " قالوا: نعم. قال: اللهم اشهد فَلْيُبَلِّغ الشاهدُ الغائبَ فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أوعى من سامع، فلا ترجعوا بعدى كفارا، يضرب بعضكم رقاب بعض".
[ما يفيده الحديث]
1 -
تحريم الغصب والظلم.
2 -
وجوب صيانة دماء المسلمين وأموالهم.
3 -
أنه ليس لعرق ظالم حق.
4 -
أن صيانة دماء الناس وأموالهم من أهم مقاصد الإِسلام.
هذا وقد تم بحمد اللَّه تعالى الجزء الخامس من فقه الإِسلام فى ضحى يوم الاثنين السابع عشر من رجب عام 1402 هـ بالمدينة المنورة. ويليه الجز السادس وأوله "باب الشفعة". وما توفيقى إلا باللَّه. وصلى اللَّه وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عبد القادر شيبة الحمد
عضو هيئة التدريس بقسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة والمدرس بالمسجد النبوي الشريف
-[استدراك]-
فاتنى أن أترجم لمالك فى مفردات الحديث الحادى عشر من كتاب لبيوع كما فاتنى أن أترجم لأبى حنيفة فى مفردات الحديث العشرين من كتاب البيوع وهذه ترجمة مالك وأبى حنيفة رحمهما اللَّه.
مالك: هو إمام دار الهجرة مالك بن أنس بن مالك بن أبى عامر أنس بن عمرو بن الحارث بن غَيْمان بن خُثَيْل ابن عمرو بن الحارث -وهو ذو أَصْبَح بن عوف بن مالك بن زيد بن عامر بن ربيعة بن نَبْت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن مُعْرِب- وإنما سمى معربا لفصاحته لأنه أول من أقام اللسان العربى -بن مُهَرَّم- وهو قحطان بن الهمَيْسَع بن تيمن بن قيس بن نبت بن إسماعيل بن إبراهيم- قال ابن سعد: هكذا نسبه لى أبو بكر بن عبد اللَّه بن أبى أويس بن عم مالك بن أنس. ولد مالك بن أنس سنة خمس وتسعين وفيها ولد الليث ابن سعد: قال الشافعى: إذا جاءك الحديث عن مالك فشد به يديك، وقال ابن عيينة: إنا كنا نتبع أثار مالك وننظر إلى الشيخ إن كتب عنه وإلا تركناه، وما مثلى ومثل مالك إلا كما قال الشاعر:
وابن اللبون إذا ما لز فى قرن
…
لم يستطع صولة البزل القناعيس
وقال ابن عيينة أيضا: ما كان أشد انتقاد مالك للرجال وأعلمه بشأنهم، وقال النسائى: ما عندى بعد التابعين أنبل من مالك ولا أجل منه ولا أوثق ولا آمن على الحديث منه ولا أقل رواية عن الضعفاء ما علمناه حدَّث عن متروك إلا عبد الكريم يعنى أبا أمية. وقال ابن حبان فى الثقات: كان مالك أول من انتقد الرجال من الفقهاء بالمدينة، وقال ابن مهدى: ما رأيت أحدا أتم عقلا من مالك. وقال البخارى: أصح الأسانيد: مالك عن نافع عن عبد اللَّه بن عمر، وقال عبد اللَّه بن أحمد: قلت لأبى: من أثبت أصحاب الزهرى؟ قال: مالك أثبت فى كل شئ، وقال ابن سعد: كان مالك ثقة مأمونا ثبتا ورعا فقيها عالما حجة.
وقد روى مالك عن أكثر من تسعمائة شيخ منهم نافع مولى ابن عمر وزيد بن أسلم والزهرى وأبى الزناد وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق وأيوب السختيانى وحميد الطويل وربيعة بن أبى عبد الرحمن، وهشام بن عروة ويحيى بن سعيد الأنصارى. وقد روى عنه من شيوخه الزهرى ويحيى ابن سعيد الأنصارى وغيرهما.
كما روى عنه من الأعلام الذين ماتوا قبله سفيان الثورى وشعبة بن الحجاج وأبو عاصم النبيل وعبد اللَّه بن المبارك وعبد الرحمن الأوزاعى والإِمام أبو حنيفة قال السيوطى: ألف الدارقطنى جزءا فى مرويات أبى حنيفة عن مالك اهـ كما روى عنه عبد اللَّه بن مسلمة بن قعنب القعنبى، وعبد اللَّه ابن جريج وأبو نعيم الفضل بن دكين وقتيبة بن سعيد والليث بن سعد -وهو من أقرانه- والإِمام الشافعى ومحمد بن الحسن الشيبانى وخلق كثير، وقد جمع أبو الحسن على بن عمر الدارقطنى الذين رووا عن مالك الموطأ وغيره من المسائل فبلغ نحو ألف رجل وقد بلغ من حرص المحدثين على السماع منه أن شيخه ربيعة بن أبى عبد الرحمن كان يجلس فى المسجد النبوى فيأتى المحدث إلى مالك فى المسجد النبوى ليسمع منه الحديث عن ربيعة مع أنه كان بإِمكانه أن يسمعه من ربيعة ويحصل له علو الإِسناد.
وقد توفى رحمه الله فى ربيع الأول سنة تسع وسبعين ومائة وعاش أربعا وثمانين سنة، ودفن بالبقيع.
أبو حنيفة: هو فقيه العراق النعمان بن ثابت بن زوطا مولى لبنى تيم اللَّه بن ثعلبة من بكر بن وائل. ولد سنة ثمانين، ونشأ بالكوفة، وقد روى ابن سعد عن سيف بن جابر أنه سمع أبا حنيفة يقول: إنه رأى أنس بن مالك غير مرة لما قدم عليهم بالكوفة وتفقه على حماد بن أبى سليمان ولازمه مدة طويلة وحدَّث عن عطاء ونافع وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج وعدى بن ثابت وسلمة بن كهيل وأبى جعفر محمد بن على وقتادة وعمرو بن دينار وأبى إسحاق، وخلق كثير. وتفقه به زفر بن الهذيل وداود الطائى والقاضى أبو يوسف ومحمد بن الحسن وأسد بن عمرو والحسن بن زياد اللؤلؤى وأبو مطيع البلخى وغيرهم. وحدث عنه وكيع ويزيد بن هارون وسعد بن الصلت وأبو عاصم وعبد الرزاق وعبيد اللَّه بن موسى وأبو نعيم وأبو عبد الرحمن المقرئ، وخلق كثير. وقد انتقل من الكوفة إلى بغداد لما بناها المنصور. واستقر وكان يتجر ويتكسب. وقال الذهبى فى تذكرة الحفاظ: قال ضرار بن صرد: سئل يزيد ابن هارون أيما أفقه الثورى أو أبو حنيفة؟
فقال: أبو حنيفة أفقه والثورى أحفظ. وقال ابن المبارك: أبو حنيفة أفقه الناس، وقال الشافعى: الناس فى الفقه عيال على أبى حنيفة: وقال يزيد: ما رأيت أحدا أورع ولا أعقل من أبى حنيفة. وروى أحمد بن محمد بن القاسم بن محرز عن يحيى بن معين قال: لا بأس، لم يكن يتهم، ولقد ضربه يزيد بن عمر بن هبيرة على القضاء فأبى أن يكون قاضيا، قال أبو داود رحمه الله: إن أبا حنيفة كان إماما. اهـ.
وقد توفى ببغداد فى رجب أو شعبان سنة خمسين ومائة من الهجرة رحمه الله.