الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الرضاع
1 -
عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا تُحَرِّمُ المَصَّةُ والمَصَّتَان" أخرجه مسلم.
[المفردات]
الرضاع: بفتح الراء وتكسر هو امتصاص ثدى المرأة لشرب لبنها.
لا تحرم: أى لا تمنع الزواج، ولا تجعل الرجل محرما للمرأة بسبب الرضاع.
المصة: هى المرة الواحدة من المص ويقال لها الإِملاجة والرضعة وهى تناول الثدى برفق وامتلاج لبنه أى امتصاصه لمرة واحدة يقال: امتلج اللَّبَن أى امتصه. وأملجه أرضعه.
[البحث]
أخرج مسلم حديث عائشة رضى اللَّه عنها هذا من طريق عبد اللَّه ابن الزبير عن عائشة قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أو إن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "لا تُحَرِّم المصةُ والمصتان" ثم أخرج مسلم من طريق عبد اللَّه ابن الحارث وهو عبد اللَّه بن الحارث بن نوفل عن أم الفضل قالت: دخل أعرابى على نبى اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو فى بيتى فقال: يا نبى اللَّه إنى
كانت لى امرأة فتزوجت عليها أخرى فزعمت امرأتى الأولى أنها أرضعت امرأتى الحُدْثَى رَضْعَةً أو رضعتين فقال نبى اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا تحرم الإِملاجة والإِملاجتان" وفى لفظ لمسلم من طريق عبد اللَّه بن الحارث عن أم الفضل أن رجلا من بنى عامر بن صعصعة قال: يا نبى اللَّه هل تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ الواحِدَةُ؟ قال: "لا" وفى لفظ لمسلم من طريق عبد اللَّه بن الحارث أن أم الفضل حدثت أن نبى اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "لا تحرم الرضعة أو الرضعتان أو المصة أو المصتان" وفى لفظ قال: "والرضعتان والمصتان" وهذا الحديث يقيد مطلق قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} .
[ما يفيده الحديث]
1 -
عدم سريان المحرمية بسبب الرضعة أو الرضعتين.
2 -
أن السنة تقيد مطلق القرآن.
2 -
وعنها رضى اللَّه عنها قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "انْظُرْنَ مَن إخوانكن فإنما الرضاعة من المجاعة" متفق عليه.
[المفردات]
وعنها: أى وعن عائشة رضى اللَّه عنها.
انظرن من إخوانكن: أى تَأَكَّدْنَ ممن تحكمن عليه بأنه أخ لكن بسبب الرضاعة.
فإنما الرضاعة من المجاعة: أى فليس كل رضاع -ولو كان مصة أو مصتين- مُحَرِّما إنما الرضاعة التى تنشر الحرمة هى ما أذهبت الجوع، وهو الرضاع الذى يفتق الأعضاء وينشز العظم وينبت اللحم ويسد الجوع، والجوع ضد الشبع.
[البحث]
لهذا الحديث سبب فقد روى البخارى ومسلم واللفظ للبخارى من حديث عائشة رضى اللَّه عنها قالت: دخل علىَّ النبى صلى الله عليه وسلم وعندى رجل، قال:"يا عائشة من هذا؟ " قلت: أخى من الرضاعة قال: يا عائشة، انظرن من إخوانكن، فإنما الرضاعة من المجاعة. وفى لفظ للبخارى عن عائشة رضى اللَّه عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها رجل فكأنه تغير وجهه كأنه كره ذلك فقالت: إنه أخى. الحديث. وفى لفظ لمسلم من حديث عائشة رضى اللَّه عنها قالت: دخل علىَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وعندى رجل قاعد فاشتد ذلك عليه ورأيت الغضب فى وجهه قالت: فقلت: يا رسول اللَّه إنه أخى من الرضاعة فقال: "انظرن إخْوَتَكُنّ من الرضاعة فإنما الرضاعة من المجاعة". وهذا الحديث يؤكد ما أفاده الحديث الذى قبله من أن مطلق الرضاع لا يحرم وإنما تنتشر الحرمة وتحل الخلوة برضاع مقيد وهو ما يفيده الحديث الخامس من أحاديث هذا الباب من أن الرضاع المُحرم هو ما كان خمس رضعات
معلومات وسيجئ مزيد بحث لهذا فيه إن شاء اللَّه تعالى.
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن مطلق الرضاع لا يحرم.
2 -
أن الرضاع المحرم هو ما يسد الجوع.
3 -
أن السنة تقيد مطلق القرآن وتخصص عمومه وتبين مجمله.
4 -
شدة محافظة الإسلام على صيانة البيوت من أسباب الانهيار.
3 -
وعنها رضى اللَّه عنها قالت: جاءت سَهْلَةُ بنت سهيل فقالت: يا رسول اللَّه إن سالما مولى أبى حذيفة معنى فى بيتنا وقد بلغ ما يبلغ الرجال؟ فقال: "أرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عليه" رواه مسلم.
[المفردات]
وعنها: أى وعن عائشة رضى اللَّه عنها.
سهلة بنت سهيل: هى سهلة بنت سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبدود بن نصر بن مالك ابن حسل بن عامر بن لؤى بن غالب بن فهو بن مالك بن النضر. وهى زوجة أبى حذيفة وقد أسلمت قديما وهاجرت مع زوجها إلى الحبشة رضى اللَّه عنهما.
سالم: هو سالم بن عبيد بن ربيعة وقيل هو سالم
ابن معقل وقد نشأ فى بيت أبى حذيفة، وتبناه وكان مولى لامرأة من الأنصار وقد أنكحه أبو حذيفة بنت أخيه هندا بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة وكان من فضلاء الصحابة وقراء القرآن وكان يؤم المهاجرين الأولين بالعصبة من قباء وفيهم عمر بن الخطاب وأبو سلمة وكان أكثرهم قرآنا. واستشهد يوم اليمامة فى خلافة الصديق رضى اللَّه عنهما.
مولى أبى حذيفة: أى حليف أبى حذيفة وأبو حذيفة هو مهشم أو هاشم أو هشيم بن عتبة بن ربيعة ابن عبد شمس بن عبد مناف بن قصى. أسلم قبل دخول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وهاجر الهجرتين وصلى للقبلتين، وقد شهد بدرا والمشاهد كلها وأراد مبارزة أبيه يوم بدر. وقد استشهد يوم اليمامة.
مَعَنَا فى بيتنا: أى دائم الدخول علينا لملازمته لأبى حذيفة رضى اللَّه عنهما: وكان يأوى إليهما فيرى سهلة بنت سهيل وهى متبذلة فى ثياب المهنة.
بلغ ما يبلغ الرجال: أى أدرك الحلم وصار بالغا.
أرضعيه تحرمى عليه: أى أرضعيه من لبنك يصر محرما عليك على التأبيد وتحل الخلوة معه.
[البحث]
قد ساق البخارى رحمه الله من حديث عائشة رضى اللَّه عنها أن
أبا حذيفة بن عتبة بن عبد شمس وكان ممن شهد بدرا مع النبى صلى الله عليه وسلم تبنى سالما وأنكحه بنت أخيه -الحديث- وفيه: فجاءت سهلة بنت سهيل بن عمرو القرشى ثم العامرى وهى امرأة أبى حذيفة بن عتبة النبى صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول اللَّه إنا كنا نرى سالما ولدا، وقد أنزل اللَّه فيه ما قد علمت، فذكر الحديث" اهـ وقد ساق بقيته البرقانى وأبو داود: فكيف ترى؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أرضعيه" فَأرضعته خمس رضعات فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة اهـ وقولها فى الحديث: "وقد أنزل اللَّه فيه ما علمت" تعنى قوله تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} وقال مسلم رحمه الله: حدثنا عمرو الناقد وابن أبى عمر قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت: جاءت سهلة بنت سهيل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول اللَّه إنى أرى فى وجه أبى حذيفة من دخول سالم (وهو حليفه) فقال النبى صلى الله عليه وسلم: "أَرْضِعِيه" قالت: وكيف أُرْضِعُهُ وهو رجل كبير؟ فتبسم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقال: "قد علمتُ أنه رجل كبير" زاد عمرو فى حديثه: وكان قد شهد بدرا. وفى رواية ابن أبى عمر: فضحك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلى ومحمد بن أبى عمر جميعا عن الثقفى قال ابن أبى عمر: حدثنا عبد الوهاب الثقفى عن أيوب عن ابن أبى مليكة عن القاسم عن عائشة أن سالما مولى أبى حذيفة
كان مع حذيفة وأهله فى بيتهم فأتت (تعنى ابنة سهيل) النبى صلى الله عليه وسلم فقالت: إن سالما قد بلغ ما يبلغ الرجال، وعقل ما عقلوا، وإنه يدخل علينا، وإنى أظن أن فى نفس أبى حذيفة من ذلك شيئا. فقال لها النبى صلى الله عليه وسلم:"أَرْضِعِيْهِ تحرمى عليه ويذهب الذى فى نفس أبى حذيفة" فرجعت فقالت: إنى قد أرضعته فذهب الذى فى نفس أبى حذيفة. ثم ساق مسلم من طريق القاسم بن محمد بن أبى بكر أن عائشة أخبرته أن سهلة بنت سهيل بن عمرو جاءت النبى صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول اللَّه إن سالما (لسالم مولى أبى حذيفة) معنا فى بيتنا وقد بلغ ما يبلغ الرجال، وعلم ما يعلم الرجال، قال:"أرضعيه تحرمى عليه" ثم ساق مسلم من طريق زينب بنت أم سلمة قالت: قالت أم سلمة لعائشة: إنه يدخل عليك الغلام الأيفع الذى ما أحب أن يدخل علىَّ فقالت عائشة: أَمَالكِ فى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أسوة؟ قالت: إن امرأة أبى حذيفة قالت: يا رسول اللَّه إن سالما يدخل علىَّ وهو رجل وفى نفس أبى حذيفة منه شئ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أرضعيه حتى يدخل عليك" وفى لفظ من طريق زينب بنت أبى سلمة سمعت أم سلمة زوج النبى صلى الله عليه وسلم تقول لعائشة: واللَّه ما تطيب نفسى أن يرانى الغلام قد استغنى عن الرضاعة فقالت: لِمَ؟ قد جاءت سهلة بنت سهيل إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول اللَّه واللَّه إنى لَأرَى فى وجه أبى حذيفة من دخول سالم. قالت: فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم "أرضعيه" فقالت: إنه ذو لحية فقال: "أرضعيه يذهب ما فى وجه أبى حذيفة". فقالت: واللَّه ما عرفته فى وجه أبى حذيفة. ثم ساق مسلم من طريق زينب
بنت أبى سلمة أن أمها أم سلمة زوج النبى صلى الله عليه وسلم كانت تقول: أبى سائر أزواج النبى صلى الله عليه وسلم أن يُدْخِلْنَ عليهن أحدا بتلك الرضعة، وقلن لعائشة: واللَّه ما نرى هذا إلا رُخْصَةً أرخصها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لسالم خاصة فما هو بداخل علينا أحد بهذه الرضاعة ولا رائينا اهـ هذا ودعوى الخصوصية لسالم محتملة وإن كانت خلاف الأصل. ومع احتمال عدم الخصوصية فإنه لا معارضة بين رضاع الكبير وقوله صلى الله عليه وسلم: إنما الرضاعة من المجاعة إذ أن الكبير قد يشبعه لبن المرأة أيضا ويسد جوعته. واللَّه أعلم.
4 -
وعنها رضى اللَّه عنها أن أَفْلَحَ أخا أبى القُعَيْس جاء يستأذن عليها بعد الحجاب، قالت: فأبيت أن آذن له، فلما جاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أخبرته بالذى صَنَعْتُ، فأمرنى أن آذن له علىَّ وقال:"إنه عمك" متفق عليه.
[المفردات]
وعنها: أى وعن عائشة رضى اللَّه عنها.
أفلح أخا أبى القُعَيْسِ: جاء فى بعض روايات مسلم أفلح بن قعيس. وفى بعض روايات مسلم أفلح بن أبى قُعَيْس وفى بعض روايات مسلم: استأذن عليها أبو القعيس وفى بعض الروايات من طريق عطاء: أستأذن علىَّ عمى من الرضاعة أبو الجعد قال فى الفتح: وسائر الرواة عن هشام قالوا: أفلح أخو أبى القُعَيْس كما هو المشهور
وكذا قال سائر أصحاب عروة ووقع عند سعيد بن منصور من طريق القاسم بن محمد أن أبا قعيس أتى عائشة يستأذن عليها، وأخرجه الطبرانى فى الأوسط من طريق القاسم عن أبى قعيس والمحفوظ أن الذى استأذن هو أفلح وأبو القعيس هو أخوه. قال القرطبى: كل ما جاء من الروايات وهم إلا من قال: أفلح أخو أبى القعيس أو قال أبو الجعد لأنها كنية أفلح. قلت: وإذا تدبرت ما حررت عرفت أن كثيرا من الروايات لا وهم فيه ولم يخطئ عطاء فى قوله: أبو الجعد فإنه يحتمل أن يكون حفظ كنية أفلح. وأما اسم أبى القعيس فلم أقف عليه إلا فى كلام الدارقطنى فقال: هو وائل ابن أفلح الأشعرى، وحكى هذا ابن عبد البر، ثم حكى أيضا أن اسمه الجعد فعلى هذا يكون أخوه وافق اسمه اسم أبيه، ويحتمل أن يكون أبو القعيس نسب لجده، ويكون اسمه
وائل بن قعيس بن أفلح بن القعيس اهـ.
جاء يستأذن عليها بعد الحجاب: أى جاء إلى بيتها وطلب أن يؤذن له بالدخول عليها والخلوة معها بسبب أنه عمها من الرضاعة وكان ذلك بعد نزول آية الحجاب وهى قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} .
فأبيت أن آذن له: أى لم أوافق على دخوله علىَّ والخلوة معى ظنا منى أن الرضاعة إنما تتعلق بالمرأة المرضع لا بزوجها صاحب اللبن.
فأخبرته بالذى صنعت: أى أعلمته باستئذان أفلح وعدم موافقتى على السماح له بالدخول، والخلوة معى.
فأمرنى أن آذن له علىَّ: أى فأجاز لى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن آذن له بالدخول علىَّ والخلوة معى.
وقال: "إنه عمك": أى وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إنه عمك أى من الرضاعة لأن أخاه أبا القعيس كان زوجا لامرأة أرضعت
عائشة رضى اللَّه عنها من لبنه. ووقع فى بعض روايات مسلم: وكان أبو القعيس أخا عائشة من الرضاعة. وفى بعض روايات مسلم: وكان أبو القعيس زوج المرأة التى أرضعت عائشة.
[البحث]
ساق البخارى رحمه الله فى باب لبن الفحل من كتاب النكاح من طريق ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة رضى اللَّه عنها أن أفلح أخا أبى القعيس جاء يستأذن عليها، وهو عمها من الرضاعة بعد أن نزل الحجاب فأبيت أن آذن له، فلما جاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أَخْبَرْتُهُ بالذى صَنَعْتُ، فأمرنى أن آذن له. وفى لفظ البخارى أورده فى كتاب الشهادات من طريق عراك بن مالك عن عروة بن الزبير عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: استأذن علىَّ أفلح فلم آذَنْ له فقال: أتحتجبين منى وأنا عمك؟ فقلت: وكيف ذلك؟ قال: أَرْضَعَتْكِ امرأة أخى بلبن أخى، فقالت: سألت عن ذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: "صدق أفلح، ائذنى له" وفى لفظ البخارى من طريق شعيب عن الزهرى: فقلت: لا آذن له حتى أستأذن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فإن أخاه أبا القعيس ليس هو أرضعنى ولكن أرضعتنى امرأة أبى القعيس. أما مسلم رحمه الله فقد ساق هذا الحديث بألفاظ كثيرة كما أشرت إلى ذلك فى مفردات هذا الحديث فأخرجه من طريق مالك عن ابن شهاب
عن عروة بن الزبير عن عائشة بلفظ قريب من الحديث الأول الذى سقته عن البخارى فى صدر هذا البحث.
ثم ساقه من طريق سفيان بن عيينة عن الزهرى عن عروة عن عائشة قالت: أتانى عمى من الرضاعة أفلح بن أبى قعيس فذكر بمعنى حديث مالك وزاد: قلت: إنما أرضعتنى المرأة ولم يُرْضِعْنِى الرجل قال: تربت يداك أو يمينك. وفى لفظ لمسلم من طريق يونس عن ابن شهاب عن عروة أن عائشة أخبرته أنه جاء أفلح أخو أبى القعيس يستأذن عليها بعد ما نزل الحجاب، وكان أبو القعيس أبا عائشة من الرضاعة، قالت عائشة فقلت: واللَّه لا آذن لأفلح حتى أستأذن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فإن أبا القعيس ليس هو أرضعنى ولكن أرضعتنى امرأته. قالت عائشة: فلما دخل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قلت: يا رسول اللَّه إن أفلح أخا أبى القعيس جاءنى يستأذن علىَّ فكرهت أن آذن له حتى أستأذنك، قالت: فقال النبى صلى الله عليه وسلم ائذنى له. وفى لفظ لمسلم من طريق ابن نمير عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت: جاء عمى من الرضاعة يستأذن علىَّ فأبيت أن آذن له حتى أستأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فلما جاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قلت: إن عمى من الرضاعة استأذن علىَّ، فأبيت أن آذن له، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"فَلْيَلِجْ عليك عمك" قلت إنما أرضعتنى المرأة ولم يرضعنى الرجل. قال: "إنه عمك فليلج عليك" وفى لفظ من طريق أبى معاوية عن هشام بهذا الإِسناد نحوه غير أنه قال: استأذن عليها أبو القعيس -وفى لفظ لمسلم من طريق ابن جريج عن عطاء أخبرنى
عروة بن الزبير أن عائشة أخبرته قالت: استأذن علىَّ عمى من الرضاعة أبو الجعد فرددته (قال لى هشام إنما هو أبو القعيس) فلما جاء النبى صلى الله عليه وسلم أخبرته بذلك. قال: "فهلا أذنتِ له تربت يمينك أو يدك" وفى لفظ لمسلم من طريق الليث عن يزيد بن أبى حبيب عن عراك عن عروة عن عائشة أنها أخبرته أن عمها من الرضاعة يسمى أفلح استأذن عليها فحجبته فَأَخْبَرَتْ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال لها: "لا تَحْتَجِبِى منه فإنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب" وفى لفظ لمسلم من طريق شعبة عن الحكم عن عراك بن مالك عن عروة عن عائشة قالت: استأذن علىَّ أفلح بن قعيس فأبيت أن آذن له. فأرسل إنى عمك أرضعتكِ امرأة أخى فأبيت أن آذن له، فجاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ ذلك له، فقال:"ليدخل عليك فإنه عمك" اهـ وفى هذا الحديث الصحيح المتفق عليه دليل واضح على أن لبن الفحل يتعلق به التحريم وتنتشر بسببه الحرمة فلو أن رجلًا كانت له زوجتان فأرضعت إحداهما صبيا وأرضعت الأخرى صبية حرم تزويج هذا الصبى من هذه الصبية لأنها أخته من الرضاعة بسبب لبن الرجل وإن كانا لم يجتمعا على ثدى واحد.
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن لبن الفحل يتعلق به التحريم وتنتشر بسببه الحرمة.
2 -
حرص عائشة رضى اللَّه عنها على أن لا تفعل شيئا إلا فى حدود الشريعة.
5 -
وعنها رضى اللَّه عنها قالت: كان فيما أُنْزِلَ من القرآن: عَشْرُ رَضَعَاتٍ معلوماتٍ يُحَرِّمْنَ ثم نُسِخْنَ بخمس معلومات. فَتُوُفِّىَ
رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهن فيما يُقْرَأُ من القرآن. رواه مسلم.
[المفردات]
وعنها: أى وعن عائشة رضى اللَّه عنها.
فيما أُنْزِلَ من القرآن: أى فيما أوحى إلى النبى صلى الله عليه وسلم.
معلومات: أى واضحات جليات مشبعات.
يحرمن: أى ينشرن الحرمة بين الرضيع ومن أرضعته فتكون أُمًّا له من الرضاعة وأبناؤها إخوانه من الرضاعة وزوجها صاحب اللبن أباه من الرضاعة.
ثم نسخن بخمس معلومات: أى ثم أبدل اللَّه تعالى هذا الحكم وجعل التحريم بخمس رضعات واضحات جليات مشبعات.
فتوفى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن: أى فلحق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى ولم ينسخ هذا الحكم الأخير.
[البحث]
لا نزاع عند أهل العلم أن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر وأن قراءة الآحاد تكون شاذة ولا تجوز القراءة بها فى الصلاة، وقد أجمع المسلمون كذلك على أن قول عائشة رضى اللَّه عنها "فَتُوُفِّىَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن" أنه لا تجوز قراءة "خمس رضعات معلومات" على أنها قرآن لأنها لم تخرج عن كونها قراءة آحاد. فهى منسوخة التلاوة قطعا ولا نسخ بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقول عائشة رضى
اللَّه عنها: فتوفى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن قال النووى: معناه أن النسخ بخمس رضعات تأخر إنزاله جدا حتى أنه صلى الله عليه وسلم توفى وبعض الناس يقرأ: خمس رضعات ويجعلها قرآنا متلوا لكونه لم يبلغه النسخ لقرب عهده فلما بلغهم النسخ رجعوا عن ذلك وأجمعوا على أن هذا لا يتلى اهـ غير أن خبر عائشة رضى اللَّه عنها هذا يجرى مجرى الحديث فيحتج به على إثبات أن المُحَرِّم هو خمس رضعات معلومات. وقد روى مسلم حديث عائشة من ثلاثة طرق فقال: حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن عبد اللَّه بن أبى بكر عن عمرة عن عائشة أنها قالت: كان فيما أُنْزِلَ من القرآن عشر رضعات معلومات يُحَرِّمْنَ ثم نُسِخْنَ بخمس معلومات فَتُوُفِّىَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهن فيما يُقْرَأ من القرآن. حدثنا عبد اللَّه بن مَسْلَمَةَ القعنبى حدثنا سليمان بن بلال عن يحيى وهو ابن سعيد عن عمرة أنها سمعت عائشة تقول: وهى تذكر الذى يُحَرِّمُ من الرضاعة قالت عمرة: فقالت عائشة: نَزَلَ فى القرآن عشر رضعات معلومات ثم نزل أيضا خمس معلومات. وحدثناه محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب قال: سمعت يحيى بن سعيد قال: أخبرتنى عمرة أنها سمعت عائشة تقول بمثله اهـ قال الحافظ فى تلخيص الحبير: حديث عائشة: كان فيما أُنْزِلَ من القرآن عشر رضعات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن" مسلم من حديثها. قوله: وحمل ذلك على قراءة حكمها،
أى أن ظاهر قولها: وهن فيما يقرأ من القرآن أن التلاوة باقية وليس كذلك، فالمعنى قراءة الحكم، وأجاب غيره بأن المراد بقولها: توفى: قارب الوفاة أو أنه لم يبلغ النسخ من استمر على التلاوة اهـ.
[ما يفيده الحديث]
1 -
أنه كان الرضاع المُحَرِّمُ أولا هو ما كان عشر رضعات معلومات.
2 -
وأن ذلك نسخ وصار المُحَرِّمُ هو خمس رضعات معلومات.
3 -
وأن هذا الحكم الأخير لم ينسخ.
4 -
وأن السنة تقيد مطلق القرآن.
6 -
وعن ابن عباس رضى اللَّه عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم أريد على ابنة حمزة فقال: "إنها لا تحل لى، إنها ابنة أخى من الرضاعة، ويَحْرُمُ من الرضاعة ما يَحْرُمُ من النسب" متفق عليه.
[المفردات]
أريد على ابنة حمزة: أى رُغِّبَ فى أن يتزوج من ابنة عمه حمزة رضى اللَّه عنهما.
ابنة حمزة: هى أمامة أو عمارة أو سلمى أو عائشة أو فاطمة أو أمة اللَّه أو يعلى أو أم الفضل بنت حمزة بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمية القرشية رضى اللَّه عنها.
وهى التى لحقت برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عند خروجه من مكة فى عمرة القضاء وأخذت تنادى: يا عم يا عم وأمها سلمى بنت عميس أخت أسماء بنت عميس رضى اللَّه عنها.
إنها لا تحل لى: أى إن ابنة حمزة لا يجوز لى أن أتزوجها.
إنها ابنة أخى من الرضاعة: أى لأنى أنا عمها من الرضاعة فإن ثويبة مولاة أبى لهب قد أرضعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأرضعت حمزة بن عبد المطلب رضى اللَّه عنه كما أرضعت أيضا أبا سلمة رضى اللَّه عنه.
ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب: أى والرضاع ينشر الحرمة بين الرضيع ومن أرضعته كما أن النسب وقرابة الولادة يفعل ذلك.
[البحث]
روى البخارى رحمه الله فى باب عمرة القضاء من حديث البراء رضى اللَّه عنه قال لما اعتمر النبى صلى الله عليه وسلم فى ذى القعدة فأبى أهل مكة أن يَدَعُوه يدخل مكة حتى قاضاهم على أن يقيم بها ثلاثة أيام فلما كُتِبَ الكتاب كتبوا: هذا ما قَاضَى عليه محمد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قالوا: لا نقر لك بهذا، لو نعلم أنك رسول اللَّه ما منعناك شيئا ولكن أنت محمد بن عبد اللَّه، فقال: أنا رسول اللَّه، وأنا محمد بن عبد اللَّه، ثم قال لعلى:"امح رسول اللَّه" قال على: لا واللَّه لا أمحوك أبدا. فأخذ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الكتاب وليس يُحْسِنُ يكتب،
فكتب: هذا ما قاضى محمد بن عبد اللَّه لا يُدْخِلُ مكةَ السلاحَ إلا السيف فى الْقِرَاب، وأن لا يَخْرُجَ من أهلها بأحد إن أراد أن يَتْبَعَهُ وأن لا يمنع من أصحابه أحدا إن أراد أن يقيم بها، فلما دخلها ومضى الأجل أتوا عَلِيًّا فقالوا: قل لصاحبك: أخرج فقد مضى الأجل عنا، فخرج النبى صلى الله عليه وسلم فَتَبِعَتْهُ ابنة حمزة تنادى: يا عم، يا عم، فتناولها علىٌّ فأخذ بيدها وقال لفاطمة عليها السلام: دونك ابنة عمك، حَمَلَتْهَا، فاختصم فيها على وزيد وجعفر فقال على: أنا أخذتها وهى بنت عمى. وقال جعفر: هى ابنة عمى وخالتها تحتى، وقال زيد: بنت أخى فقضى بها النبى صلى الله عليه وسلم لخالتها، وقال:"الخالة بمنزلة الأم" وقال لعلى: "أنت منى وأنا منك" وقال لجعفر: "أَشْبَهْتَ خَلْقِى وخُلُقِى" وقال لزيد: "أنت أخونا ومولانا" وقال على: ألا تتزوج بنت حمزة؟ فقال: "إنها ابنة أخى من الرضاعة" وأورده البخارى فى كتاب الشهادات من حديث ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم فى بنت حمزة: "لا تحل لى، يَحْرُمُ من الرضاع ما يحرم من النسب، هى بنت أخى من الرضاعة" وأورده فى كتاب النكاح من طريق جابر ابن زيد عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: قيل للنبى صلى الله عليه وسلم: ألا تتزوج ابنة حمزة؟ قال: "إنها ابنة أخى من الرضاعة" أما مسلم رحمه الله فقد أخرج من حديث على رضى اللَّه عنه قال: قلت: يا رسول اللَّه مَا لَكَ تَنَوَّقُ فى قريش وتَدَعُنا؟ فقال: وعندكم
شئ؟ " قلت: نعم بنت حمزة. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إنها لا تحل لى، إنها ابنة أخى من الرضاعة" ثم ساق مسلم من طريق جابر بن زيد عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما باللفظ الذى ساقه المصنف إلا أنه قال فى آخره:"ويحرم من الرضاعة ما يحرم من الرَّحِم" وفى لفظ "وإنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب" وفى لفظ لمسلم من طريق حميد بن عبد الرحمن يقول: سمعت أم سلمة زوج النبى صلى الله عليه وسلم تقول: قيل لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أين أنت يا رسول اللَّه عن ابنة حمزة؟ أو قيل: أَلَا تَخطب بنت حمزة بن عبد المطلب؟ قال: "إن حمزة أخى من الرضاعة" وقوله فى الحديث: "تَنَوَّقُ فى قريش وتدعنا" تَنَوَّقُ بفتح التاء والنون وتشديد الواو بعدها قاف أى تختار مشتق من النِّيقة بكسر النون وهى الخيار من الشئ. يقال: تَنَوَّقَ تَنَوُّقًا أى بالغ فى اختيار الشئ وانتقائه. أى مالك ترغب فى انتقاء زوجاتك من قريش ولا تختار من بنى هاشم؟ وقوله صلى الله عليه وسلم: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" ليس على عمومه قال الحافظ فى الفتح: قال العلماء: يستثنى من عموم قوله: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" أربع نسوة. الأولى: أم الأخ فى النسب حرام لأنها إِمَّا أم وإما زوج أب وفى الرضاع قد تكون أجنبية فترضع الأخ فلا تحرم على أخيه. الثانية: أم الحفيد حرام فى النسب لأنها إما بنت أو زوج ابن. وفى الرضاع قد تكون أجنبية فترضع الحفيد فلا تحرم على جده. الثالثة: جدة الولد فى النسب حرام لأنها إِمَّا أم أو أم زوجة: وفى الرضاع قد تكون
أجنبية أرضعت الولد فيجوز لوالده أن يتزوجها، الرابعة: أخت الولد حرام فى النسب لأنها بنت أو ربيبة. وفى الرضاع قد تكون أجنبية فترضع الولد فلا تحرم على الوالد. اهـ هذا وليست محرمية الرضاع إلا فى حرمة التناكح وجواز الخلوة والنظر والمسافرة. أما ما عدا ذلك من التوراث ووجوب الانفاق والعتق بالملك فهذا خاص بالنسب ويفارق الرضاع فيه.
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن بنت الأخ من الرضاعة لا تحل.
2 -
أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب.
7 -
وعن أم سلمة رضى اللَّه عنها قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا يحرم من الرضاع إلا ما فَتَقَ الأمعاء وكان قبل الفطام" رواه الترمذى وصححه هو والحاكم.
[المفردات]
لا يحرم من الرضاع: أى لا يعتبر الرضاع مؤثرا فى التحريم، ناشرا للحرمة مبيحا للخلوة.
إلا ما فتق الأمعاء: أى إلا ما شق أمعاء الرضيع وجَرَى فيها وأثر فى تغذيته والأمعاء جمع مِعًى وهو المصران.
وكان قبل الفطام: أى وحصل الرضاع قبل أن ينفطم الصبى
ويفصل ويُحْجَزُ عن ثدى أمه بالاستغناء عن الرضاع، أو كان قبل أوان الفطام أى فى مدة الحولين.
[البحث]
قال الترمذى: باب ما جاء أن الرضاعة لا تحرم إلا فى الصغر دون الحولين. حدثنا قتيبة نا أبو عوانة عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أم سلمة قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام" هذا حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن الرضاعة لا تحرم إلا ما كان دون الحولين. وما كان بعد الحولين الكاملين فإنه لا يُحَرِّم شيئا. وفاطمة بنت المنذر بن الزبير ابن العوام، وهى امرأة هشام بن عروة اهـ.
8 -
وعن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: "لا رضاع إلا فى الحولين" رواه الدارقطنى. وابن عدى مرفوعا وموقوفا ورَجَّحَا الموقوف.
[المفردات]
لا رضاع: أى لا أثر للرضاع فى التحريم والتحليل.
إلا فى الحولين: أى إلا إذا وقع الرضاع من الصبى قبل أن يتم عامين كاملين.
ورَجَّحا الموقوف: أى ورجح الدارقطنى وابن عدى الموقوف على
الصحابى دون المرفوع إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى هذا الحديث.
[البحث]
قال الدارقطنى: نا عبد اللَّه بن محمد بن عبد العزيز نا عثمان بن أبى شيبة نا طلحة بن يحيى عن يونس عن ابن شهاب عن عبيد اللَّه عن ابن عباس قال: كان يقول: لا رضاع بعد حولين كاملين، نا الحسين بن إسماعيل وإبراهيم بن دبيس بن أحمد وغيرهما قالوا: نا أبو الوليد بن برد الأنطاكى نا الهيثم بن جميل نا سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لا رضاع إلا ما كان فى الحولين. لم يسنده عن ابن عيينة غير الهيثم بن جميل وهو ثقة حافظ. اهـ وقال الحافظ فى تلخيص الحبير: لا رضاع إلا ما كان فى الحولين. الدارقطنى من حديث عمرو بن دينار عن ابن عباس وقال: تفرد برفعه الهيثم ابن جميل عن ابن عيينة وكان ثقة حافظا، وقال ابن عدى: يعرف بالهيثم وغيره لا يرفعه، وكان يغلط، ورواه سعيد بن منصور عن ابن عيينة فوقفه، وقال البيهقى: الصحيح موقوف اهـ ورواه عبد الرزاق فى مصنفه ثنا معمر عن ابن عيينة به موقوفا، ورواه ابن أبى شيبة فى مصنفه حدثنا ابن عيينة به موقوفا.
9 -
وعن ابن مسعود رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا رضاع إلا ما أنشز العظم، وأنبت اللحم" أخرجه أبو داود
[المفردات]
إلا ما أنشز العظم: أى إلا ما رفع عظم الرضيع وأعلاه وأكبر حجمه وقواه وشده.
وأنبت اللحم: أى وحصل به نمو اللحم وتربيته.
[البحث]
روى أبو داود من طريق أبى موسى الهلالى عن أبيه عن ابن لعبد اللَّه ابن مسعود عن ابن مسعود قال: لا رضاع إلا ما شد العظم وأنبت اللحم فقال أبو موسى: لا تسألون وهذا الحبر فيكم ثم روى أبو داود من طريق أبى موسى الهلالى عن أبيه عن ابن مسعود عن النبى صلى الله عليه وسلم بمعناه وقال: أنشر العظم اهـ قال الحافظ فى التلخيص: حديث: الإِرضاع ما أنبت اللحم وأنشر العظم" أبو داود من حديث أبى موسى الهلالى عن أبيه عن ابن مسعود بلفظ: لا رضاع إلا، وفيه قصة له مع أبى موسى فى رضاع الكبير، وأبو موسى وأبوه قال أبو حاتم: مجهولان اهـ وقد أخرج الدارقطنى هذا الحديث من طريق أبى موسى الهلالى عن أبيه أن رجلا كان فى سفر فولدت امرأته فاحتبس لبنها، فخشى عليها، فجعل يمصه ويمجه، فدخل فى حلقه فسأل أبا موسى فقال: حرمت عليك، فأتى ابن مسعود فسأله فقال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم وأنشر العظم. والعجيب أن الحافظ اكتفى فى التلخيص بكلام أبى حاتم فى أبى موسى الهلالى فوصفه مع أبيه بأنهما مجهولان وقال فى التقريب:
أبو موسى الهلالى مقبول اهـ وقال فى تهذيب التهذيب: أبو موسى الهلالى عن أبيه عن ابن مسعود فى الرضاع وعن كعب بن عجرة فى الإِسراء وعنه سليمان بن المغيرة وابن هلال الراسبى. قال ابن المدينى: لا أعلم روى عنه غير سليمان بن المغيرة. وقال أبو حاتم مجهول. وذكره ابن حبَّان فى الثقات اهـ واللَّه أعلم.
10 -
وعن عقبة بن الحارث رضى اللَّه عنه أنه تزوج أم يحيى بنت أبى إهاب فجاءت امرأة فقالت: قد أرضعتكما فسأل النبى صلى الله عليه وسلم فقال: "كيف وقد قيل" ففارقها عقبةُ فنكحت زوجا غيره. أخرجه البخارى.
[المفردات]
عقبة بن الحارث: قيل هو عقبة بن الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف بن قصى بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى النوفلى المكى. أسلم يوم الفتح ويقال له أبو سِرْوَعَة. وقيل أبو سروعة أخوه وقيل كان أخاه لأمه قال فى تهذيب التهذيب: قال أبو حاتم: أبو سروعة قاتل خبيب له صحبة اسمه عقبة بن الحارث بن عامر وليس هو عندى بعقبة بن الحارث الذى أدركه ابن أبى مليكة.
ذاك قديم. وقال الزبير بن بكار: عقبة وهو أبو سروعة الذى قتل خبيب بن عدى، وحكى ابن عبد البر عن الزبير أنه قال: أبو سروعة هو عقبة ابن الحارث فيما قال أهل الحديث، وأما أهل النسب فيقولون: إن عقبة أخو أبى سروعة، وأنهما أسلما جميعا يوم الفتح. وقيل: بل كان أخاه لأمه وهو أثبت عند مصعب. قلت: وقال العسكرى: من قال: إن أبا سروعة هو عقبة هذا فقد أخطأ. كذا قال: وقد أطبق أهل الحديث على أنه هو. وقولهم أولى إن شاء اللَّه تعالى اهـ
أم يحيى بنت أبى إهاب: هى غَنِيَّةُ أو زينب بنت أبى إهاب بن عزيز التيمى.
فجاءت امرأة: هى أمة سوداء قال الحافظ فى الفتح: لم أقف على اسمها.
فسأل النبى صلى الله عليه وسلم: أى فاستفتى عقبةُ بن الحارث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى ذلك.
كيف وقد قيل: أى كيف تعاشر أم يحيى بعد ذلك وقد شهدت المرأة بما شهدت من أنها أرضعتكما.
ففارقها عقبة: أى اجتنب عقبة بن الحارث أم يحيى لهذه الشبهة وخَلَّى سبيلها.
فنكحت زوجا غيره: أى فتزوجت أم يحيى رجلا آخر بعد مفارقة عقبة بن الحارث لها.
[البحث]
أورد البخارى رحمه الله هذا الحديث فى كتاب العلم فى باب الرحلة فى المسألة النازلة وتعليم أهله من طريق عمر بن سعيد بن أبى حسين قال: حدثنى عبد اللَّه بن أبى مُلَيْكَةَ عن عقبة بن الحارث أنه تزوج ابنة لأبى إهاب بن عزيز، فأتته امرأة فقالت: إنى قد أرضعت عقبة والتى تزوج، فقال لها عقبة: ما أعلم أنكِ أَرْضَعْتِنِى، ولا أَخْبَرْتِنِى، فركب إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالمدينة فسأله فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"كيف وقد قيل؟ " ففارقها عقبة، ونكحت زوجا غيره. وأورده فى كتاب الشهادات فى باب شهادة الإِماء والعبيد من طريق ابن جريج عن ابن أبى مُلَيْكَةَ قال: حدثنى عقبة ابن الحارث أو سمعته منه أنه تزوج أم يحيى بنت أبى إهاب قال: فجاءت أمة سوداء فقالت: قد أرضعتكما، فذكرتُ ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فأعرض عنى قال: فتنحيت فذكرتُ ذلك له. قال: وكيف وقد زعمت أن أرضعتكما؟ " فنهاه عنها. ثم قال باب شهادة المرضعة وساقه من طريق عمر بن سعيد عن ابن أبى مُلَيْكَةَ عن عقبة بن الحارث، قال: تزوجت امرأة فجاءت امرأة فقالت: إنى قد أرضعتكما، فأتيت النبى صلى الله عليه وسلم فقال: "كيف وقد قيل؟ دعها عنك" أو نحوه. وأورده فى النكاح فى باب شهادة المرضعة من طريق
أيوب عن عبد اللَّه بن أبى مليكة قال: حدثنى عبيد بن أبى مريم عن عقبة بن الحارث قال: وقد سمعته من عقبة لكنى لحديث عبيد أحفظ، قال: تزوجت امرأة فجاءت امرأة سوداء فقالت: أرضعتكما. فأتيت النبى صلى الله عليه وسلم فقلت: تزوجت فلانة بنت فلان فجاءتنا امرأة سوداء فقالت: إنى قد أرضعتكما. وهى كاذبة، فأعرض عنى، فأتيته من قِبَلِ وجهه، قلت: إنها كاذبة، قال:"كيف بها وقد زعمت أنها قد أرضعتكما. دعها عنك"
[ما يفيده الحديث]
1 -
أنه ينبغى اتقاء الشبهات.
2 -
أنه يستحب للمسلم أن لا يُعَرِّضَ نفسه للإِشاعة السيئة.
3 -
أنه ينبغى للمفتى أن يرشد السائل إلى ما يحفظ عرضه من قالة السوء.
11 -
وعن زياد السهمى رضى اللَّه عنه قال: "نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن تُسْتَرْضَعَ الحَمْقَاء" أخرجه أبو داود وهو مَرسل وليست لزياد صحبة.
[المفردات]
زياد السهمى: قال فى التقريب: زياد السهمى، مجهول، أرسل حديثا، ويقال: هو مولى عمرو بن العاص،
وأشار الحافظ إلى أنه أخرج له أبو داود فى المراسيل.
أن تسترضع الحمقاء: أى أن يطلب من الحمقاء أن ترضع الطفل. والحمقاء هى المرأة القليلة العقل.
[البحث]
قد صرح المصنف بأن هذا الحديث مرسل ومع كونه مرسلا فإنه من رواية زياد السهمى وهو مجهول. وبذلك لا يصلح للاحتجاج به على شئ من الأحكام واللَّه تعالى أعلم.