المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌ ‌باب الحضانة

‌باب الحضانة

ص: 117

1 -

عن عبد اللَّه بن عمرو رضى اللَّه عنهما أن امرأة قالت: يا رسول اللَّه إن ابنى هذا كان بطنى له وعاء، وثديى له سقاء، وحِجْرِى له حِواء، وإن أباه طلقنى، وأراد أن ينزعه منى؟ فقال لها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"أنت أحق به ما لم تَنْكِحِى" رواه أحمد وأبو داود وصححه الحاكم.

[المفردات]

الحضانة: يقال حَضَنَ الصَّبِىَّ حَضْنًا وحِضَانَة بالكسر جعله فى حِضْنِه أورباه وفى الاصطلاح: هو حفظ من لا يستقل بأمره وتَرْبِيَتُهُ ووِقَايَتُهُ عما يهلكه أو يضره.

وِعَاء: هو بكسر الواو ما يحفظ فيه الشئ من الظروف. وجمعه أوعية والمراد أنها حملته فى بطنها.

سِقَاء: هو بكسر السين إناء يصنع من جلد السَّخْلَةِ إذا أجذع يكون للماء واللبن.

حِوَاء: بكسر الحاء والمراد أن حجرها كان مكانه الذى يحويه ويضمه ويجمعه ويصونه ويحرزه.

أن ينزعه منى: أى أن يأخذه منى ويبعده عنى.

أنت أحق به ما لم تنكحى: أى أنت أحق بحضانة ولدك هذا ما لم تتزوجى غير أبيه.

ص: 117

[البحث]

حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده تقدم الكلام على سنده مرارا، وقد نقل غير واحد من أهل العلم أنه لا نزاع فى تقديم الأم على الأب فى الحضانة كما نقل ابن المنذر إجماع أهل العلم على أن الأم إذا تزوجت سقط حقها فى حضانة ولدها. واللَّه أعلم.

ص: 118

2 -

وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه أن امرأة قالت: يا رسول اللَّه إن زوجى يريد أن يذهب بابنى، وقد نفعنى وسقانى من بئر أبى عنبة فجاء زوجها فقال النبى صلى الله عليه وسلم:"يا غلام هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت" فأخذ بيد أمه فانطلقت به. رواه أحمد والأربعة وصححه الترمذى.

[المفردات]

يريد أن يذهب بابنى: أى يرغب أن يأخذ ولدى منه.

وقد نفعنى وسقانى من بئر أبى عنبة: أى وقد صار الولد مستغنيا بنفسه حتى أصبح يجلب لى الماء من بئر أبى عنبة وبئر أبى عنبة من آبار المدينة المنورة. كان ماؤها عذبا وهى على بُعد ميل من المدينة، وقد أثر أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عرض الجيش يوم خروجه إلى معركة بدر عندها. وقيل هى بئر السقيا. والظاهر أنها غير السقيا. واللَّه أعلم.

ص: 118

فجاء زوجها: أى فحضر زوجها إلى مجلس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.

فخذ بيد أيهما شئت: أى فاختر الذهاب مع من ترغب فى الذهاب معه منهما.

فأخذ بيد أمه فانطلقت به: أى فاختار الغلام أن يكون مع أمه فأخذته وذهبت به.

[البحث]

قال فى التلخيص: حديث أبى هريرة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خيَّر غلاما بين أبيه وأمه. وعنه: أنه اختصم رجل وامرأة فى ولده منها إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقالت المرأة: يا رسول اللَّه إن ابنى هذا قد نفعنى وسقانى من بئر أبى عنبة، وإن أباه يريد أن يأخذه منى؟ فقال الأب: لا أحد يحاقنى فى ابنى. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "يا غلام هذه أمك وهذا أبوك فاتبع أيهما شئت" فاتبع أمه. ويروى أن رجلًا وامرأة أتيا أبا هريرة يختصمان فى ابن لهما فقال أبو هريرة لأقضين بينكما بما شهدت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقضى به، يا غلام هذا أبوك وهذه أمك فاختر أيهما شئت -رواه باللفظ الأول أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذى من حديث هلال بن أبى ميمونة عن أبيه عن أبى هريرة، وقال: حسن. ورواه ابن حبان فى صحيحه باللفظ الثانى ورواه هو أيضا والنسائى بنحوه مختصرا ومطولا. ورواه بالقصة ابن حبان أيضا وغيره ورواه أبو بكر بن أبى شيبة عن وكيع عن على بن المبارك عن يحيى بن أبى كثير عن أبى ميمونة عن

ص: 119

أبى هريرة قال: جاءت امرأة إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: استهما فيه. وصححه ابن القطان اهـ.

ص: 120

3 -

وعن رافع بن سنان رضى اللَّه عنه أنه أسلم وأبت امرأته أن تُسْلِم، فأقعد النبى صلى الله عليه وسلم الأم ناحية والأب ناحية وأقعد الصبى بينهما، فمال إلى أمه، فقال: اللهم اهده فمال إلى أبيه فأخذه. أخرجه أبو داود والنسائى وصححه الحاكم.

[المفردات]

رافع بن سنان: قال فى التقريب: رافع بن سنان الأوسى أبو الحكم المدنى صحابى، له حديث مختلف فى إسناده.

وأبت امرأته أن تسلم: أى واستمرت امرأته على كفرها.

فأقعد النبى صلى الله عليه وسلم الأم ناحية: أى أمر أم الصبى أن تجلس فى جانب من جوانب المجلس.

والأب فى ناحية: أى وأمر والد الصبى أن يجلس فى جانب آخر من جوانب المجلس.

وأقعد الصبى بينهما: أى وأمر الصبى أن يجلس فى مكان يقع بين أبيه وبين أمه.

فمال إلى أمه: أى فظهر منه أنه يرغب فى أن يكون مع أمه.

فقال اللهم اهده: أى فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم اللهم أمل قلب الغلام إلى جانب الهدى. يعنى إلى والده المسلم.

ص: 120

فمال إلى أبيه: أى فانصرف الولد إلى ناحية أبيه وأقبل عليه فأخذه أبوه وذهب به.

[البحث]

تقدمت إشارة الحافظ رحمه الله فى مفردات هذا الحديث إلى أن إسناده مختلف فيه. وقد قال فى تلخيص الحبير: حديث أنه صلى الله عليه وسلم خيَّر غلاما بين أبيه المسلم، وأمه المشركة، فمال إلى الأم، فقال النبى صلى الله عليه وسلم اللهم اهده فمال إلى الأب، أحمد والنسائى وأبو داود وابن ماجه والحاكم والدارقطنى من حديث رافع بن سنان، وفى سنده اختلاف كثير، وألفاظ مختلفة، ورجح ابن القطان رواية عبد الحميد ابن جعفر، وقال ابن المنذر: لا يثبته أهل النقل، وفى إسناده مقال اهـ وعبد الحميد بن جعفر بن رافع ضعفه الثورى ويحيى بن معين.

ص: 121

4 -

وعن البراء بن عازب رضى اللَّه عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قضى فى ابنة حمزة لخالتها، وقال:"الخالة بمنزلة الأم" أخرجه البخارى وأخرجه أحمد من حديث على فقال: "والجارية عند خالتها فإن الخالة والدة".

[المفردات]

قضى فى ابنة حمزة لخالتها: أى حكم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى ابنة عمه حمزة أن تكون عند خالتها أسماء بنت عميس رضى اللَّه عنها.

الخالة بمنزلة الأم: أى الخالة تقوم مقام الأم.

ص: 121

والجارية عند خالتها: أى حكم أن تكون البنت (يعنى ابنة حمزة) عند خالتها أسماء.

فإن الخالة والدة: أى فإن أخت الأم بمنزلة الأم. وقد قال بعض أهل العلم فى تفسير قوله تعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} أى رفع والده وخالته. فأطلق القرآن عليها أنها أحد الأبوين وهى خالة.

[البحث]

تقدم فى بحث الحديث السادس من أحاديث باب الرضاع ذكر قصة ابنة حمزة رضى اللَّه عنهما وحكم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بها لجعفر بن أبى طالب لأن خالتها تحته، وقد سقت ألفاظ هذا الحديث هناك.

[ما يفيده الحديث]

1 -

أن الخالة بمنزلة الأم فى الحضانة.

2 -

وأن الأم أو الخالة إذا كانت متزوجة ولم ينازع الأب ووافق الزوج، صحت لها الحضانة.

ص: 122

5 -

وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إذا أتى أحدكم خادمُه بطعام فإن لم يجلسه معه فَلْيُنَاوِلْهُ لُقْمةً أو لقمتين" متفق عليه واللفظ للبخارى.

[المفردات]

إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه: أى إذا قدم لكم خادمكم طعاما

ص: 122

فأجلسوه معكم على الطعام.

فإن لم يجلسه معه فليناوله لقمة أو لقمتين: أى فإذا لم يُجْلس أحدكم خادمه معه على الطعام فليعطه منه لقمة أو لقمتين حتى لا تتعلق نفسه به.

[البحث]

هذا الحديث محله باب النفقات. وقد أورده البخارى فى باب الأكل مع الخادم بلفظ: إذا أتى أحدَكم خادمُهُ بطعامه فإن لم يجلسه معه فليناوله أُكْلَةً أو أُكْلَتَين أو لقمة أو لقمتين فإنه ولِىَ حره وعلاجه اهـ وقد تقدم مزيد بحث لهذا فى الحديث الثالث من أحاديث باب النفقات.

[ما يفيده الحديث]

1 -

استحباب إطعام الخادم من نفس طعام صاحب البيت.

2 -

استحباب إجلاس الخادم مع صاحب البيت على مائدته.

3 -

تربية المسلمين على الشفقة والتواضع.

ص: 123

6 -

وعن ابن عمر رضى اللَّه عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "عُذِّبَت امرأة فى هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت النار فيها، لا هى أطعمتها وسقتها إذ هى حَبَسَتْهَا، ولا هى تركتها تأكل من خشاش الأرض" متفق عليه.

[المفردات]

عذبت امرأة فى هرة سجنتها حتى ماتت: أى قضى اللَّه عز وجل

ص: 123

بتعذيب امرأة فى النار بسبب هرة حبستها حتى ماتت من الجوع.

فدخلت النار فيها: أى فقضى اللَّه عز وجل على المرأة أن تدخل النار بسبب الهرة.

تركتها: أى أطلقتها.

خشاش الأرض: أى حشرات الأرض وهوامها.

[البحث]

هذا الحديث أيضا محله باب النفقات، وقد أورد البخارى ومسلم هذا الحديث بلفظ من طريق نافع عن عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"عُذِّبت امرأة فى هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار، لا هى أطعمتها ولا سقتها إذ حبستها، ولا هى تركتها تأكل من خشاش الأرض". وفى لفظ للبخارى من حديث ابن عمر رضى اللَّه عنهما فى قصة صلاة الكسوف قال: ثم انصرف فقال: "قد دنت منى الجنة حتى لو اجترأت عليها لجئتكم بقطاف من قطافها، ودنت منى النار حتى قلت: أى رب وأنا معهم! فإذا امرأة حسبتُ أنه قال: تخدشها هرة، قلت: ما شأن هذه قالوا: حبستها حتى ماتت جوعا لا أطعمتها ولا أرسلتها تأكل". قال نافع: حسبتُ أنه قال: من خشيش أو خشاش وفى لفظ للبخارى فى المساقاة فى باب فضل سقى الماء من طريق نافع عن عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه عنهما: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "عُذِّبت امرأة

ص: 124

فى هرة حبستها حتى ماتت جوعا فدخلت فيها النار قال: فقال واللَّه أعلم: لا أنتِ أطعمتيها ولا سقيتيها حين حبستيها ولا أنت أرسلتيها فأكلت عن خشاش الأرض". كما أورده البخارى من طريق ابن أبى مليكة عن أسماء بنت أبى بكر رضى اللَّه عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الكسوف فقال: "دنت منى النار حتى قلت: أى رب وأنا معهم؟ فإذا امرأة حسبتُ أنه قال: تخدشها هرة قال: ما شأن هذه؟ قالوا: حبستها حتى ماتت جوعا وفى لفظ لمسلم من طريق نافع عن ابن عمر رضى اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: عذبت امرأة فى هرة أوثقتها فلم تطعمها ولم تسقها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض. وفى لفظ لمسلم من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم دخلت امرأة النار من جرَّاء هرة لها أو هر ربطتها فلا هى أطعمتها ولا هى أرسلتها تُرَمِّمُ من خشاش الأرض حتى ماتت هَزْلًا.

[ما يفيده الحديث]

1 -

تحريم تعذيب الحيوان.

2 -

لا يجوز ربط الحيوان حتى يموت جوعا.

3 -

الحض على الإِحسان والشفقة على الحيوان.

4 -

لا يحل للمسلم أن يُضيع من يعول.

ص: 125