المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الجنايات - فقه الإسلام = شرح بلوغ المرام - جـ ٨

[عبد القادر شيبة الحمد]

الفصل: ‌ ‌كتاب الجنايات

‌كتاب الجنايات

ص: 126

1 -

عن ابن مسعود رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا اللَّه وأنى رسول اللَّه إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزانى، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة" متفق عليه.

[المفردات]

الجنايات: هى جمع جناية. وإنما جمعت لاختلاف أنواعها، من عمد وخطأ وفى النفس وفى الأطراف. قال ابن منظور فى لسان العرب: الجناية: الذنب والجُرْم وما يفعله الإِنسان مما يوجب عليه العقاب أو القصاص فى الدنيا والآخرة. وقال ابن منظور أيضا: وجنى فلان على نفسه إذا جَرَّ جَرِيرَةً. وقال: وتَجَنَّى فلان على فلان ذَنْبًا إذا تَقَوَّلَهُ عليه وهو برئ.

لا يحل دم امرئ مسلم: أى لا يجوز سفك دم إنسان مسلم يعنى قتله.

يشهد أن لا إله إلا اللَّه وأنى رسول اللَّه: أى يقر للَّه بالوحدانية ولمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة. وهذه الجملة وصف كاشف لقوله "مسلم" لأن الإِنسان لا يكون مسلما حتى يشهد هذه الشهادة.

إلا بإحدى ثلاث: أى إلا بسبب ارتكاب إحدى الجرائم الثلاث.

الثيب الزانى: أى المرتكب لجريمة الزنا وهو ثيب والمراد بالثيب هنا هو المكلف الحر الذى وطئ فى نكاح صحيح. أى فيقتل رجما.

ص: 126

والنفس بالنفس: أى وقاتل النفس عمدا بغير حج يقتل فى مقابلة النفس التى قتلها عدوانا.

والتارك لدينه المفارق للجماعة: أى والمرتد المارق عن دين الإسلام، المناقض المباين لجماعة المسلمين بالارتداد عن دينهم، المنكر لما علم وجوبه من دين الإسلام بالضرورة كالصلوات الخمس.

[البحث]

أخرج البخارى هذا الحديث من طريق عمر بن حفص عن أبيه عن الأعمش عن عبد اللَّه بن مرة عن مسروق عن عبد اللَّه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا اللَّه وأنى رسول اللَّه إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزانى، والمفارق لدينه التارك للجماعة" وأورده مسلم من طريق وكيع عن الأعمش بالسند المذكور باللفظ الذى ساقه المصنف، ثم أورده من طريق أحمد ابن حنبل عن عبد الرحمن بن مهدى عن سفيان عن الأعمش بالسند المذكور بلفظ عن عبد اللَّه قال: قام فينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: "والذى لا إله غيره لا يحل دم رجل مسلم يشهد أن لا إله إلا اللَّه وأنى رسول اللَّه إلا ثلاثةُ نَفَرٍ: التارك الإسلام المفارق للجماعة، أو الجماعة (شك فيه أحمد) والثيب الزانى، والنفس بالنفس" قال الأعمش فحدثت به إبراهيم فحدثنى عن الأسود عن عائشة بمثله.

[ما يفيده الحديث]

1 -

أن من قتل نفسا معصومة ظلما وعدوانا يستحق أن يقتل بها.

ص: 127

2 -

أن من زنى بعد إحصان يقتل يعنى رجما بالحجارة.

3 -

أن المرتد عن دينه يقتل يعنى إذا أصر على ردته ولم يرجع إلى الإسلام.

ص: 128

2 -

وعن عائشة رضى اللَّه عنها عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل قتلُ مسلم إلا بإحدى ثلاث خصال: زانٍ مُحْصَنٍ فَيُرْجَمُ، ورجل يَقْتُلُ مسلما مُتَعَمِّدًا فَيُقْتَلُ، ورجل يخرج من الإسلام فيحارب اللهَ ورسولَه فيقتلُ أو يصلبُ أو ينفى من الأرض" رواه أبو داود والنسائى وصححه الحاكم.

[المفردات]

فيرجم: أى يقتل رَمْيًا بالحجارة.

متعمدا: أى قاصدا قتله.

يخرج من الإسلام: أى يرتد عن دين الإسلام. ويجوز أن يكون المراد من خروجه عن الإسلام مجرد محاربته لولى أمر المسلمين ويكون التعبير بالخروج عن الإسلام للوعيد الشديد على الخروج على إمام المسلمين.

فيحارب اللَّه ورسوله: المراد بالمحاربة هنا المضادة والمخالفة والمناقضة وهى صادقة على الكفر وعلى قطع الطريق وإخافة السبيل.

يُنفَى من الأرض: أى يُبْعَدُ من بلده ووطنه إلى بلد آخر.

[البحث]

قال أبو داود فى سننه: حدثنا محمد بن سنان الباهلى ثنا إبراهيم بن

ص: 128

طهمان عن عبد العزيز بن رفيع عن عبيد بن عمير عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه إلا إحدى ثلاث: رجل زنى بعد إحصان فإنه يرجم، ورجل خرج محاربا للَّه ورسوله فإنه يقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض، أو يقتل نفسا فَيُقْتَل بها". وقال النسائى فى المجتبى من سننه: أخبرنا العباس بن محمد الدورى قال حدثنا أبو عامر العقدى عن إبراهيم بن طهمان عن عبد العزيز بن رفيع عن عبيد بن عمير عن عائشة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث خصال: زان مُحْصَن يُرْجَم، أو رجل قتل رجلا متعمدا فيقتل، أو رجل يخرج من الإسلام يحارب اللَّه عز وجل ورسوله فَيُقْتَل أو يُصْلب أو يُنْفَى من الأرض" وسند أبى داود حرى بالتصحيح وكذلك سند النسائى. وقوله فى حديث النسائى: "أو رجل قتل رجلا" يشعر بأن هذا القيد لا مفهوم له لإِجماع أهل السنة والجماعة على أن المرأة إذا زنت وهى محصنة فإنها ترجم وإنما ذكر الرجل لأن الغالب أن القتل إنما يقع من الرجال على الرجال وهو يشعر كذلك بأن المرأة المرتدة تقتل، ويؤكده الحديث:"من بدل دينه فاقتلوه" واللَّه أعلم.

[ما يفيده الحديث]

1 -

عصمة دم المسلم إلا إذا ارتكب واحدة من هذه الثلاث.

2 -

أن الخروج على الإمام بعد بيعته ونبذ الطاعة يجعل الإمام بالخيار فى قتل الخارج أو صلبه أو نفيه إلا إذا قتل أو ارتد فإنه يقتل.

ص: 129

3 -

وعن عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم "أَوَّلُ ما يُقْضَى بين الناس يوم القيامة فى الدماء" متفق عليه.

[المفردات]

أَوَّلُ مَا يُقْضَى بين الناس يوم القيامة فى الدماء: أى أول قضاء يقضيه اللَّه بين عباده يوم القيامة هو القضاء بين القاتل والقتيل. ويجوز أن يكون التقدير: أول ما يقضى فيه الأمر الكائن فى الدماء أى فى إراقتها وسفكها بغير حق.

[البحث]

أورد البخارى هذا الحديث فى كتاب الرقاق فى باب القصاص يوم القيامة من طريق عمر بن حفص عن أبيه عن الأعمش عن شقيق قال: سمعت عبد اللَّه: قال النبى صلى الله عليه وسلم: أَوَّلُ ما يقضى بين الناس بالدماء" وأخرجه فى كتاب الديات من طريق عبيد اللَّه بن موسى عن الأعمش عن أبى وائل (وأبو وائل هو شقيق) عن عبد اللَّه قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم: "أَوَّلُ ما يُقْضَى بين الناس فى الدماء" أما مسلم فقد أخرجه من عدة طرق عن وكيع عن الأعمش عن أبى وائل عن عبد اللَّه باللفظ الذى ساقه المصنف. ثم ساق من عدة طرق عن شعبة عن الأعمش بمثله غير أن بعضهم قال: عن شعبة: يُقْضَى وبعضهم قال: يُحْكَمُ بين الناس" قال الحافظ فى الفتح: ولا يعارض هذا

ص: 130

حديث أبى هريرة رفعه: "إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته" الحديث. أخرجه أصحاب السنن لأن الأول محمول على ما يتعلق بمعاملات الخلق والثانى فيما يتعلق بعبادة الخالق. وقد جمع النسائى فى روايته فى حديث ابن مسعود بين الخبرين ولفظه: أول ما يحاسب العبد عليه صلاته وأول ما يقضى بين الناس فى الدماء اهـ. وقد ثبت أن أول من يجثو للخصومة يوم القيامة هو على بن أبى طالب وحمزة بن عبد المطلب وعبيدة بن الحارث وخصومهم الذين برزوا لهم يوم بدر وهم عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة، فقد روى البخارى فى صحيحه من طريق قيس بن عُبَاد عن على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه قال: أنا أول من يجثو بين يدى الرحمن للخصومة يوم القيامة. قال قيس: وفيهم نزلت {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} قال: هم الذين برزوا يوم بدر: على وحمزة وعبيدة وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة

[ما يفيده الحديث]

1 -

حرمة نفوس المسلمين وخطورة التعدى عليها.

2 -

أن سفك دم المسلم فى قمة الجنايات.

3 -

أن أول ما يقضى فيه يوم القيامة حوادث القتل.

ص: 131

4 -

وعن سمرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من قتل عبده قتلناه، ومن جَدَعَ عبده جدعناه"

ص: 131

رواه أحمد والأربعة وحسنه الترمذى، وهو من رواية الحسن البصرى عن سمرة، وقد اختلف فى سماعه منه، وفى رواية لأبى داود والنسائى بزيادة "ومن خَصَى عبدَه خَصَيْنَاهُ" وصحح الحاكم هذه الزيادة.

[المفردات]

قتل عبده: أى سفك دم مملوكه.

قتلناه: أى سفكنا دمه قصاصا.

ومن جدع عبده جدعناه: أى ومن قطع أنف مملوكه أو أذنه أو شفته قطعنا منه مثل ما قطع من مملوكه قصاصا.

وحسَّنه الترمذى: حيث قال فيه: حديث حسن غريب.

وقد اختلف فى سماعه منه: أى وقد اختلف أهل العلم فى صحة سماع الحسن البصرى من سمرة بن جندب رضى اللَّه عنه فقال ابن معين: لم يسمع الحسن منه شيئا وإنما هو كتاب، وقيل: سمع منه حديث العقيقة، وقال ابن المدينى سمع الحسن من سمرة.

وفى رواية لأبى داود والنسائى: أى من طريق الحسن البصرى عن سمرة بن جندب.

[البحث]

هذا الحديث مداره على الحسن البصرى عن سمرة بن جندب، وفى سماع الحسن من سمرة ما علمت فى مفردات هذا الحديث. وقد قال أبو داود -بعد إيراد هذا الحديث من طريق شعبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة-: حدثنا الحسن بن على ثنا سعيد بن عامر عن أبى عروبة عن قتادة بإسناد

ص: 132

شعبة مثله زاد: ثم إن الحسن نسى هذا الحديث فكان يقول: لا يقتل حُرٌّ بِعَبْدٍ. حدثنا مسلم ابن إبراهيم ثنا هشام عن قتادة عن الحسن قال: لا يقاد الحر بالعبد. هذا وقد قال النووى فى حديث: "من قتل عبده قتلناه" قال العلماء: يستحب للمفتى إذا رأى مصلحة فى التغليظ أن يغلظ فى العبارة، وإن كان لا يعتقد ذلك، واستدلوا بهذا الحديث ونحوه. اهـ

ص: 133

5 -

وعن عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يُقَادُ الوالد بالولد" رواه أحمد والترمذى وابن ماجه وصححه ابن الجارود والبيهقى وقال الترمذى: إنه مضطرب.

[المفردات]

لا يقاد الوالد بالولد: أى لا يقتص من الوالد إذا قتل ولده.

[البحث]

قال الترمذى: باب ما جاء فى الرجل يقتل ابنه يقاد منه أم لا؟ حدثنا على بن حُجْر ثنا إسماعيل بن عياش ثنا المُثنَّى بن الصبَّاح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن سراقة بن مالك قال: حضرت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يُقِيدُ الأب من ابنه ولا يقيد الابن من أبيه. هذا حديث لا نعرفه من حديث سراقة إلا من هذا الوجه وليس

ص: 133

إسناده بصحيح رواه إسماعيل بن عياش عن المثنى بن الصبَّاح والمثنى بن الصباح يضعف فى الحديث. وقد روى هذا الحديث أبو خالد الأحمر عن الحجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم وقد روى هذا الحديث عن عمرو بن شعيب مرسلًا، وهذا حديث فيه اضطراب والعمل على هذا عند أهل العلم أن الأب إذا قتل ابنه لا يقتل به وإذا قذفه لا يحد حدثنا أبو سعيد الأشج ثنا أبو خالد الأحمر عن حجاج بن أرطأة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يقاد الوالد" اهـ وقال ابن ماجه: حدثنا سُوَيْد بن سعيد ثنا على بن مُسهِر عن إسماعيل بن مسلم عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: لا يُقْتَلُ بالوَلَد الوالدُ.

حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة ثنا أبو خالد الأحمر عن حجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عمر بن الخطاب قال سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: لا يُقْتَلُ الوالدُ بالولد اهـ.

ص: 134

6 -

وعن أبى جحيفة رضى اللَّه عنه قال: قلت لعلى: هل عندكم شئ من الوحى غير القرآن؟ قال: لا والذى فَلَقَ الحَبَّةَ، وبَرَأَ النَّسَمَةَ إلا فَهْمٌ يعطيه اللَّهُ رجلا فى القرآن، وما فى هذه الصحيفة. قلت: وما فى هذا الصحيفة؟ قال: الْعَقْلُ، وَفِكَاكُ الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر. رواه البخارى وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائى من وجه آخر عن على وقال فيه:

ص: 134

المؤمنون تَتَكَافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يَدٌ على من سواهم، ولا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد فى عهده. وصححه الحاكم.

[المفردات]

هل عندكم شئ من الوحى غير القرآن: أى هل خصكم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يا أهل البيت بعلم شئ لا يعلمه غير أهل البيت؟ .

قال: لا: أى قال على رضى اللَّه عنه لم يخصنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعلم شئ لا يعلمه غير أهل البيت بل أهل البيت وغيرهم سواء فيما يبلغه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من الوحى.

والذى فلق الحبة: أى أقسم باللَّه الذى شق الحبة اليابسة الجامدة الميتة حتى نبت منها النبات الغض.

وبرأ النسمة: أى وخَلَقَ الإِنسان، والنسمة محركة تطلق على نَفَسِ الرُّوح وعلى الإِنسان، وبرأ: خلق.

إلا فهم: أى إلا فقه واستنباط.

يعطيه اللَّه رجلا فى القرآن: أى يفقهه اللَّه عز وجل فى كتابه، ويعلمه تأويله.

وما فى هذه الصحيفة: أى وما فى هذه الورقة وكانت بقراب سيفه رضى اللَّه عنه. والصحيفة الورقة المكتوبة.

ص: 135

العقل: أى الدية وسميت الدية عقلا لأنهم كانوا إذا أعطوا الإِبل فى الدية عقلوها بفناء دار المقتول أو لأنها تعقل عن القتل وتمنعه والمراد أحكامها ومقاديرها وأصنافها.

وفكاك الأسير: أى تخليصه من يد عدوه وآخذيه.

وأن لا يقتل مسلم بكافر: أى وأن لا يقتص من مسلم بقتله إذا كان قد قَتَلَ كافرا.

من وجه آخر: أى من طريق آخر وهو طريق قتادة عن الحسن عن قيس بن عباد عن على رضى اللَّه عنه.

تتكافأ دماؤهم: أى تتساوى فى الديات والقصاص فلا فرق فى الدم بين الشريف والوضيع.

ويسعى بذمتهم أدناهم: أى وإذا أَمَّنَ مُسْلِمٌ حربيا كان أمانه أمانا لهذا الحربى من جميع المسلمين حتى ولو كان المُؤَمِّنُ امرأةً ما دام قد بلغ حد التكليف، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم أن أمان الصبى غير جائز.

وهم يد على من سواهم: أى وهم متعاونون مجتمعون ضد أعدائهم لا يخذل بعضهم بعضا ولا يعين واحد منهم كافرا على مسلم فهم يد واحدة وقوة متماسكة على جميع من عاداهم من أهل الملل والنحل.

ولا ذو عهد فى عهده: أى ولا يقتل معاهد فى مدة عهده حتى يبلغ مَأْمَنَهُ.

[البحث]

أورد البخارى رحمه الله هذا الحديث فى مواضع من صحيحه

ص: 136

فقد أخرجه فى كتاب العلم من طريق وكيع عن سفيان عن مطرف عن الشعبى عن أبى جحيفة قال: قلت لعلى: هل عندكم كتاب؟ قال: لا. إلا كتاب اللَّه أو فَهْمُ أُعْطِيَهُ رجلٌ مسلم، أو ما فى هذه الصحيفة. قال: قلت: فما فى هذه الصحيفة؟ قال: الْعَقْلُ وفكاك الأسير، ولا يقتل مسلم بكافر. وأورده فى كتاب الجهاد من طريق زهير عن مطرف أن عامرا حدثهم عن أبى جحيفة رضى اللَّه عنه قال: قلت لعلى رضى اللَّه عنه: هل عندكم شئ من الوحى إلا ما فى كتاب اللَّه؟ قال: لا والذى فلق الحبة وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، مَا أَعْلَمُهُ إلا فهما يعطيه اللَّه رجلا فى القرآن وما فى هذه الصحيفة. قلت: وما فى الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر. وأورده فى كتاب الديات فى باب لا يقتل المسلم بالكافر فقال: حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا مطرف أن عامرا حدثهم عن أبى جحيفة قال: قلت لعلى. وحدثنا صدقة بن الفضل أخبرنا ابن عيينة حدثنا مطرف سمعت الشعبى يحدث قال: سمعت أبا جحيفة قال: سألت عليا رضى اللَّه عنه هل عندكم شئ مما ليس فى القرآن؟ وقال ابن عيينة مرة: ما ليس عند الناس؟ فقال: والذى فلق الحبة وبرأ النسمة، ما عندنا إلا ما فى القرآن، إلا فهما يُعطَى رجل فى كتابه، وما فى الصحيفة. قلت: وما فى الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير وأن لا يقتل مسلم بكافر. وقد أخرج البخارى ومسلم واللفظ للبخارى من حديث يزيد بن شريك بن

ص: 137

طارق التيمى عن على رضى اللَّه عنه قال: ما عندنا شئ إلا كتابُ اللَّه وهذه الصحيفة عن النبى صلى الله عليه وسلم "المدينة حرم ما بين عائر إلى كذا من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين لا يُقْبَلُ منه صرف ولا عدل" وقال: "ذمة المسلمين واحدة، فمن أخفر مسلما فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل، ومن تولى قوما بغير إذن مواليه فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل" وفى لفظ فى الفرائض: فيها الجراحات وأسنان الإبل والمدينة حرم ما بين عير إلى ثور ولمسلم عن أبى الطفيل عن على: ما خصنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بشئ لم يعم به الناس كافة إلا ما فى قراب سيفى هذا، وأخرج صحيفة مكتوبة، فيها: لعن اللَّه من ذبح لغير اللَّه. ولعن اللَّه من سرق منار الأرض ولعن اللَّه من لعن والده ولعن اللَّه من آوى محدثا. قال الحافظ فى الفتح: والجمع بين هذه الأحاديث أن الصحيفة كانت واحدة، وكان جميع ذلك مكتوبا فيها، فنقل كل واحد من الرواة عنه ما حفظه، واللَّه أعلم، وقد بين ذلك قتادة فى روايته لهذا الحديث عن أبى حسان عن على وبين أيضا السبب فى سؤالهم لعلى رضى اللَّه عنه عن ذلك. أخرجه أحمد والبيهقى فى الدلائل من طريق أبى حسان أن عليا كان يأمر بالأمر فيقال: قد فعلناه، فيقول: صدق اللَّه ورسوله، فقال له الأشتر: هذا الذى تقول: أهو شئ عهده إليك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خاصة دون الناس؟ فذكره بطوله. اهـ وقال الحافظ فى الفتح أيضا: وإنما سأله أبو جحيفة عن ذلك لأن جماعة

ص: 138

من الشيعة كانوا يزعمون أن عند أهل البيت لا سيما عليا أشياء من الوحى خصهم النبى صلى الله عليه وسلم بها، لم يطلع غيرهم عليها. وقد سأل عليا عن هذه المسألة أيضا قيس بن عباد وهو بضم المهملة وتخفيف الموحدة والأشتر النخعى وحديثهما فى مسند النسائى اهـ أقول حديث قيس بن عباد والأشتر هو فى سنن أبى داود قال: حدثنا أحمد بن حنبل ومسدد قالا: ثنا يحيى بن سعيد أخبرنا سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن الحسن عن قيس بن عُباد قال: انطلقت أنا والأشتر إلى على عليه السلام فقلنا: هل عهد إليك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم شيئا لم يعهده إلى الناس عامة؟ قال: لا. إلا ما فى كتابى هذا. قال مسدد: قال: فأخرج كتابا، وقال أحمد: كتابا من قراب سيفه فإذا فيه: المؤمنون تكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم، أَلَا لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد فى عهده، من أحدث حدثا فعلى نفسه، ومن أحدت حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين اهـ هذا وقول الصنعانى فى سبل السلام فى هذا الحديث: فلا يلزم منه نفى ما نسب إلى على رضى اللَّه عنه من الجفر وغيره، وقد يقال: إن هذا داخل تحت قوله: "إلا فهم يعطيه اللَّه رجلا فى القرآن" اهـ أقول: إن هذا القول من الصنعانى زلة لا تليق بمثله، حيث إن هذا القول هو من أبرز أقوال الرافضة الذين نسبوا إلى على خاصة وأهل البيت عامة أنهم يعلمون الغيب. واللَّه يقول: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ

ص: 139

ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} وإضافة غير الرسل فى هذا الباب إلى الرسل من أعظم الفرية على اللَّه عز وجل، وقد زلت فيها أقدام كثيرة نسأل اللَّه تعالى أن يجنبنا بمنه الخَطَلَ والزلل إنه سميع مجيب، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه العلى العظيم.

[ما يفيده الحديث]

1 -

تساوى المسلمين فى القصاص بلا فرق بين شريف ووضيع ولا بين لون ولون أو جنس وجنس أو صغير وكبير.

2 -

يجوز أن يجير على المسلمين امرأة منهم.

3 -

إذا أمَّنَ المسلم حربيا كان أمانه أمانا من جميع المسلمين.

4 -

وجوب اتحاد كلمة المسلمين ضد أعداء الإسلام.

5 -

لا يجوز قتل مسلم بكافر.

6 -

لا يجوز قتل مُعَاهَد فى مدة عهده.

7 -

لم يخص رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أهل البيت بشئ من العلم دون سائر الأمة.

8 -

وجوب العمل على فكاك الأسير المسلم.

ص: 140

7 -

وعن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه أن جارية وُجِدَ رَأسُها قد رُضَّ بين حَجَرَيْنِ، فسألوها: من صنع بكِ هذا؟ فلان؟ فلان؟ حتى ذكروا يهوديا، فأومأت برأسها، فأُخِذَ اليهودىُّ فأَقَرَّ، فأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يُرَضَّ رَأسُهُ بين حَجَرَيْنِ" متفق عليه، واللفظ لمسلم.

ص: 140

[المفردات]

جارية: هى الأمة أو الفتاة الصغيرة.

رُضَّ رأسها: أى رُضخَ ودُقَّ قال الحافظ فى الفتح: لم أقف على اسمها.

فسألوها: يعنى أدركوها وبها رمق قبل أن تفارق الحياة فاستفهموا منها.

من صَنَعَ بك هذا: أى من رَضَّ رَأسَكِ بين الحَجَرَيْن؟

فلان؟ فلان؟ : أى أهو الشخص الفلانى أو الشخص الفلانى لشخص آخر. وفلان كناية عن شخص.

حتى ذكروا يهوديا: أى أخذوا يُعَدِّدُونَ أسماء يتهمونها حتى ذكروا اسم يهودى. قال الحافظ فى الفتح: لم أقف على اسمه.

فأومأت برأسها: أى فأشارت إشارة برأسها تفيد أن هذا اليهودى الذى ذُكِرَ هو الذى رض رأسها بين الحجرين.

فَأُخذ اليهودى فأقَرَّ: أى فَقُبِضَ على اليهودى المذكور فاعترف بأنه هو الذى رض رأسها.

فأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يُرَضَّ رأسه بين حجرين: أى فقضى وحكم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يقاد منه وأن ينفذ فيه القصاص بمثل ما قَتَلَ فَيُدَق رأسه بين حجرين حتى يموت.

[البحث]

قال البخارى فى صحيحه: باب سؤال القاتل حتى يقر، والإِقرار فى الحدود ثم ساق من طريق قتادة عن أنس بن مالك رضى

ص: 141

اللَّه عنه أن يهوديا رض رأس جارية بين حجرين، فقيل لها: من فعل بكِ هذا؟ أفلان أو فلان؟ حتى سُمِّىَ اليهودى، فأتى به النبى صلى الله عليه وسلم فلم يزل به حتى أَقَرَّ به، فرض رأسه بالحجارة. ثم قال البخارى: باب إذا قَتَلَ بحجر أو عصا وساق من طريق هشام بن زيد بن أنس عن جده أنس بن مالك قال: خرجت جارية عليها أوضاح بالمدينة قال: فرماها بحجر، قال: فجئ بها إلى النبى صلى الله عليه وسلم وبها رمق، فقال لها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم "فلان قتلكِ؟ " فرفعت رأسها، فأعاد عليها، قال:"فلان قتلكِ؟ " فرفعت رأسها، فقال لها فى الثالثة:"فلان قتلكِ؟ " فخفضت رأسها. فَدَعَا به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقتله بين الحجرين. ثم ساقه فى باب من أقاد بالحجر من طريق هشام بن زيد عن أنس رضى اللَّه عنه أن يهوديا قتل جارية على أوضاح لها فقتلها بحجر فجئ بها إلى النبى صلى الله عليه وسلم وبها رمق، فقال لها "أقتلكِ فلان؟ " فأشارت برأسها أن لا. ثم قال الثانية فأشارت برأسها أن لا. ثم سألها الثالثة فأشارت أن نعم، فقتله النبى صلى الله عليه وسلم بحجرين. ثم ساقه البخارى فى باب إذا أقر بالقتل مرة قتل به، من طريق قتادة حدثنا أنس بن مالك أن يهوديا رض رأس جارية بين حجرين فقيل لها: من فعل بك هذا؟ أفلان؟ أفلان؟ حتى سُمِّى اليهودى. فأومأت برأسها، فجئ باليهودى فاعترف. فأمر به النبى صلى الله عليه وسلم فَرُضَّ رأسه بالحجارة. وقد قال هشام: بحجرين. ثم قال البخارى: باب قتل الرجل بالمرأة وساقه من

ص: 142

طريق قتادة عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قتل يهوديا بجارية، قتلها على أوضاح لها اهـ كما ساقه مسلم من طريق هشام بن زيد عن أنس بن مالك أن يهوديا قتل جارية على أوضاح لها فقتلها بحجر قال: فجئ بها إلى النبى صلى الله عليه وسلم وبها رمق فقال لها: "أقتلكِ فلان؟ " فأشارت برأسها أن لا. ثم قال لها الثانية فأشارت برأسها أن لا. ثم سألها الثالثة فقالت: نعم وأشارت برأسها فقتله رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بين حجرين. ثم ساقه من طريق أبى قلابة عن أنس أن رجلا من اليهود قتل جارية من الأنصار على حُلِىٍّ لها ثم ألقاها فى القليب ورضخ رأسها بالحجارة، فَأُخِذَ فَأُتِىَ به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأمر به أن يرجم حتى يموت فَرُجِمَ حتى مات. ثم ساقه من طريق قتادة عن أنس باللفظ الذى ساقه المصنف إلا أنه قال: فأمر به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يُرَضَّ رَأسُهُ بالحجارة" هذا وقوله فى الحديث: على أوضاح أى قتلها بسبب حلى معها ليأخذه، ولا معارضة بين رواية أن يرض رأسه بالحجارة ورواية بين حجرين، ورواية: أن يرجم حتى يموت فرجم حتى مات. قال الحافظ فى الفتح: قال عياض: رضخه بين حجرين ورميه بالحجارة ورجه بها بمعنى. والجامع أنه رمى بحجر أو أكثر ورأسه على آخر اهـ.

[ما يفيده الحديث]

1 -

سؤال القاتل حتى يقر إذا لم تكن هناك بينة.

2 -

أن القتل العمد قد يكون بالرض بالحجارة.

ص: 143

3 -

وأن مَن قَتَلَ بالحَجَر قُتِلَ قصاصا بالحجر.

4 -

وأن الإِقرار بالقتل يكفى فيه أن يقر مرة واحدة.

5 -

وأن الرجل يقتل بالمرأة.

ص: 144

8 -

وعن عمران بن حصين رضى اللَّه عنهما أن غلاما لأناس فقراء قطع أذن غلام لأناس أغنياء فأتوا النبى صلى الله عليه وسلم فلم يجعل لهم شيئا" رواه أحمد والثلاثة بإسناد صحيح.

[المفردات]

أن غلاما: أى أن مملوكا أو أن صبيا.

فلم يجعل لهم شيئا: أى فلم يمكنهم من القصاص لأن الجانى صبى أو أن ما تحمله العاقلة يسقط عنهم بفقرهم.

والثلاثة: أى أبو داود والترمذى والنسائى.

[البحث]

ذكر المصنف رحمه الله أن هذا الحديث رواه أحمد والثلاثة، وقال المجد ابن تيمية فى المنتقى: رواه أحمد وأبو داود والنسائى وقال الشوكانى فى نيل الأوطار: الحديث أخرجه أيضا ابن ماجه وقد بحثت عنه كثيرا فى الترمذى وابن ماجه فلم أقف عليه فيهما. وقد أخرجه أبو داود فى باب فى جناية العبد يكون للفقراء فقال: حدثنا أحمد بن حنبل ثنا معاذ بن هشام حدثنى أبى عن قتادة عن أبى نضرة عن

ص: 144

عمران بن حصين أن غلاما لأناس فقراء قطع أذن غلام لأناس أغنياء فأتى أهله النبى صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول اللَّه إنا أناس فقراء فلم يجعل عليه شيئا. وقد ساقه النسائى باللفظ الذى ذكره المصنف من طريق إسحاق بن إبراهيم أنبأنا معاذ بن هشام قال: حدثنى أبى عن قتادة عن أبى نضرة عن عمران بن حصين قال الخطابى: معنى هذا أن الغلام الجانى كان حرا وكانت عاقلته فقراء وإنما يتواسى العاقلة عن وجود وسعة ولا شئ على الفقير اهـ وقال البيهقى: إن كان المراد بالغلام فيه المملوك فإجماع أهل العلم على أن جناية العبد فى رقبته اهـ واللَّه أعلم.

ص: 145

9 -

وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده -رضى اللَّه عنهم- أن رجلا طعن رجلا بقَرْنٍ فى ركبته، فجاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: أَقِدْنِى، فقال:"حتى تَبْرَأَ" ثم جاء إليه فقال: أقدنى، فأقاده، ثم جاء إليه، فقال: يا رسول اللَّه عرجت؟ فقال: "قد نهيتك فَعَصَيْتَنِى فَأَبْعَدَكَ اللَّهُ، وبَطَلَ عَرَجُكَ" ثم نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يُقْتَصَّ من جُرْح حتى يَبْرَأَ صاحبه. رواه أحمد والدارقطنى. وأعل بالإِرسال.

[المفردات]

طعن رجلا بقرن فى ركبته: أى ضربه ووخزه بقرن فى ركبته والقَرْن بفتح القاف وسكون الراء هو الرَّوق وهو عظم

ص: 145

ينبت فى رأس الحيوان وهو معروف وقد يطلق على حد السيف والنصل لكنه غير مراد هنا إذ المراد هنا قرن الحيوان وكان العرب يستعملونه كالرمح. ويتباهى الشاعر حيث قال:

ومعى لبوس للبئيس كأنه

روق بجبهة ذى نعاج مُجْفلِ

ولبعض القرون شُعَبٌ. والركبة هى مَوْصِلُ ما بين أسافل أطراف الفخذ وأعالى الساق.

حتى تبرأ: أى حتى يندمل جرحك وتشفى ركبتك.

فأقاده: أى فمكنه من القصاص ممن طعنه فى ركبته.

عَرَجْتُ: أى خَمَعْتُ وصرت لا أستطيع المشى برجلى المطعونة على استواء ولم تعد إلى حالتها الأولى.

قد نهيتك فعصيتنى: أى نصحتك أن تصبر حتى يندمل جرحك وتتضح عاقبة الطعنة لتستوفى القصاص على بينة لكنك أبيت إلا أن تتعجل فَفَوَّتَّ على نفسك بعض حقك.

فأبعدك اللَّه: أى نَحَّاكَ عن الخير والحق الذى جئت تطلبه الآن بعد أن ضَيَّعْتَهُ وَفَوَّتَّهُ على نفسك بعَجَلَتِكَ.

وبطل عرجك: أى وضاع عليك أرش عرجك.

أن يقتص من جرح حتى يبرأ صاحبه: أى أن يستوفى القصاص

ص: 146

فى الجروح حتى تندمل ويشفى المجروح ويعرف ما صار إليه الجرح وانتهى إليه.

[البحث]

قال الدارقطنى: نا محمد بن أحمد بن الحسن نا محمد بن عبدوس بن كامل نا أبو بكر وعثمان ابنا أبى شيبة قالا: نا ابن علية عن أيوب عن عمرو بن دينار عن جابر: أن رجلا طعن رجلا بقرن فى ركبته، فأتى النبى صلى الله عليه وسلم يستقيد، فقيل له: حتى تبرأ، فأبى، وعجل، فاستقاد قال: فعنتت رجله وبرئت رجل المستقاد منه، فأتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال له:"ليس لك شئ، إنك أبيت" قال أبو أحمد ابن عبدوس: ما جاء بهذا إلا أبو بكر وعثمان. قال الشيخ: أخطأ فيه ابنا أبى شيبة، وخالفهما أحمد بن حنبل وغيره عن ابن علية عن أيوب عن عمرو مرسلا وكذلك قال أصحاب عمرو بن دينار عنه، وهو المحفوظ مرسلا. نا محمد بن إسماعيل نا إسحاق بن إبراهيم، أنا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن عمرو بن دينار عن محمد بن طلحة عن النبى صلى الله عليه وسلم نحوه. نا محمد بن إسماعيل الفارسى نا إسحاق بن إبراهيم بن عباد نا عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرنى عمرو بن دينار عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة أخبرهم أن رجلا طعن رجلا بقرن فى رجله، فجاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: أقدنى، قال: حتى تبرأ، قال: أقدنى قال: حتى تبرأ قال: أقدنى. فأقاده، ثم عرج، فجاء المستقيد فقال: حقى،

ص: 147

فقال النبى صلى الله عليه وسلم: لاحق لك، نا محمد بن إسماعيل نا إسحاق أنا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن عمرو بن دينار عن محمد بن طلحة مثله. وعن معمر عن أيوب عن عمرو بن شعيب قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أبعدك اللَّه أنت عجلت" نا أبو بكر النيسابورى نا محمد بن إسحاق نا أحمد بن محمد الأزرقى نا محمد بن خالد نا ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: نهى النبى صلى الله عليه وسلم بعد ذك أن يقتص من الجراح حتى ينتهى. ثنا أحمد بن عيسى الخواص نا أحمد بن الهيثم بن خالد نا هانئ بن يحيى نا يزيد ابن عياض عن أبى الزبير عن جابر قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: يستأنى بالجراح سَنَةً. يزيد بن عياض ضعيف متروك اهـ

ص: 148

10 -

وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: اقتتلت امرأتان من هذيل، فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما فى بطنها، فاختصموا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن دية جنينها غُرَّةٌ عَبْدٌ أو وليدة وقضى بدية المرأة على عاملتها، وَوَرَّثَهَا وَلَدَهَا ومن معهم، فقال حَمَلُ بن النابغة الهُذَلى: يا رسول اللَّه كيف يغرم من لا شَرِبَ ولا أَكَلَ، ولا نَطَقَ ولا اسْتَهَلَّ، فَمِثْلُ ذلك يُطَلُّ. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"إنما هذا من إخوان الكهان" من أجل سَجْعِه الذى سَجَعَ. متفق عليه. وأخرجه أبو داود والنسائى من حديث ابن عباس: أن عمر سأل من شهد قضاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم-

ص: 148

فى الجنين؟ قال: فقام حَمَلُ بن النابغة فقال: كنت بين امرأتين فضربت إحداهما الأخرى. فذكره، مختصرا. وصححه ابن حبان والحاكم.

[المفردات]

اقتتلت امرأتان: أى تشاجرت وتضاربت امرأتان، وإحداهما يقال لها مليكة والأخرى يقال لها أم عفيف بنت مسروح وقيل: اسم الثانية أم عطيف وقيل: أم مكلف وقيل: أم مليكة. وكانتا تحت حمل بن النابغة.

من هذيل: أى كلتا المرأتين من قبيلة هذيل وهما من بنى لحيان بطن من هذيل، وهذيل قبيلة معروفة. وقيل إن المرأة الثانية عامرية، لكنها لما كانت متزوجة فى هذيل قيل لها: من هذيل.

فرمت إحداهما الأخرى. بحجر: أى فخذفت إحدى المرأتين المرأة الأخرى بحجر وضربتها به، وألقته على بطنها، ويبدو أنها ضربتها أيضا بعمود فسطاط كما جاء فى بعض الروايات.

فقتلتها: أى فماتت المخذوفة بالحجر.

وما فى بطنها: أى وطرحت جنينها ميتا مقتولا كذلك.

فاختصموا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أى فاحتكموا إلى النبى صلى الله عليه وسلم.

فقضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أى فحكم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.

ص: 149

غرة عبد أو وليدة: أى دية الجنين الذى سقط من بطن أمه ميتا مقتولا عبدٌ أو أمة ويطلق على العبد أنه غرة وعلى الأمة أنها غرة كذلك، وأو للتقسيم قال الحافظ فى الفتح: وقال الباجى: يحتمل أن تكون "أو" شكا من الراوى فى تلك الواقعة المخصوصة ويحتمل أن تكون للتنويع وهو الأظهر وقيل: المرفوع من الحديث قوله: "بغرة" وأما قوله: "عبد أو أمة" فشك من الراوى فى المراد بها اهـ والغرة فى الأصل البياض يكون فى جبهة الفرس وقد استعمل فى الآدمى. كما تطلق الغرة على الشئ النفيس آدميا كان أو غيره ذكرا كان أو أنثى وقيل: الغرة اسم للإنسان المملوك.

بدية المرأة: أى المقتولة.

على عاقلتها: أى على عاقلة القاتلة أى عصبتها.

وَوَرَّثَهَا ولدها ومن معهم: أى وجعل ميراثها لأولادها وزوجها.

حَمَلَ بن النابغة الهذلى: هو أبو نضلة حمل بن مالك بن النابغة الهذلى، له صحبة. وقد نزل البصرة وعاش إلى خلافة عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه. روى عنه عبد اللَّه بن عباس، قال فى تهذيب التهذيب: وذكر

ص: 150

أبو ذر الهروى فى مستدركه أن عمر بن الخطاب روى عنه أيضا رضى اللَّه عنه.

كيف يغرم الخ: قال فى القاموس: والغرامة ما يلزم أداؤه كالغُرْم وكَمُكْرَم، وأغرمه إياه وغرَّمتُه وقد غَرِمَ الدية كسمع اهـ أى كيف يلزم بدفع دية من سقط من بطن أمه ميتا فلم يشرب ولم يأكل ولم يتكلم ولم يصح.

ولا استهل: أى ولا صاح عند ولادته.

فمثل ذلك يُطَلُّ: أى فمثل هذا السقط يهدر.

من إخوان الكهان: أى من أشباه الكهان وهم المدعون علم الغيب، وكان الناس يحتكمون إليهم فى الجاهلية.

من أجل سجعه الذى سجع: أى بسبب قوله الذى قاله بطريق السجع، قال فى القاموس: السجع: الكلام المقفى أو موالاة الكلام على رَوِيٍّ ج أسجاع كالأسجوعة بالضم ج أساجيع كمنع نطق بكلام له فواصل اهـ

من شهد: أى من حضر.

قضاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى الجنين: أى حكم النبى صلى الله عليه وسلم فى قضية الجنين الذى طرحته المرأة لما ضربتها الأخرى بحجر.

كنت بين امرأتين: أى كنت زوجا لامرأتين.

فذكره مختصرا: أى فَسَاقَ الحديث بإيجاز.

ص: 151

[البحث]

حديث ابن عباس عن عمر هو عند أبى داود من طريق عمرو بن دينار سمع طاوسا عن ابن عباس عن عمر أنه سأل عن قضية النبى صلى الله عليه وسلم فى ذلك فقام حمل بن مالك بن النابغة فقال: كنت بين امرأتين فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فقتلتها وجنينها فقضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى جنينها بغرة وأن تقتل. أما النسائى فقال فى المجتبى: أخبرنا قتيبة قال حدثنا حماد عن عمرو عن طاوس أن عمر استشار الناس فى الجنين فقال حمل بن مالك: قضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى الجنين غرة، قال طاوس: إن الفرس غرة اهـ. وقد رواه البخارى رحمه الله فى كتاب الديات فى باب جنين المرأة ومسلم من طريق مالك عن ابن شهاب عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه: أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى فطرحت جنينها فقضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيها بغرة عبد أو أمة. ثم أورده البخارى فى باب جنين المرأة وأن العقل على الوالد وعصبة الوالد لاعلى الولد، ومسلم واللفظ للبخارى من طريق الليث عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبى هريرة: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قضى فى جنين امرأة من بنى لحيان بغرة عبد أو أمة، ثم إن المرأة التى قضى عديها بالغرة توفيت فقضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن ميراثها لبنيها وزوجها، وأن العقل على عصبتها. وأورده البخارى ومسلم من طريق يونس عن ابن شهاب عن ابن المسيب وأبى سلمة بن

ص: 152

عبد الرحمن عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه باللفظ الذى ساقه المصنف وساقه مسلم من طريق معمر عن الزهرى عن أبى سلمة عن أبى هريرة قال: اقتتلت امرأتان، وساق الحديث بقصته ولم يذكر وورثها ولدها ومن معهم وقال: فقال قائل: كيف نعقل؟ ولم يُسَمِّ حمل بن مالك. وقد أخرج البخارى من طريق هشام عن أبيه عن المغيرة بن شعبة عن عمر رضى اللَّه عنه أنه استشارهم فى إملاص المرأة فقال المغيرة: قضى النبى صلى الله عليه وسلم بالغرة عبد أو أمة فشهد محمد بن مسلمة أنه، شهد النبى صلى الله عليه وسلم قضى به. وفى لفظ للبخارى منا طريق هشام عن أبيه أن عمر نشد الناس: من سمع النبى صلى الله عليه وسلم قضى فى السقط؟ وقال المغيرة: أنا سمعته قضى فيه بغرة عبد أو أمة فقال: ائت من يشهد معك على هذا، فقال محمد بن مسلمة: أنا أشهد على النبى صلى الله عليه وسلم بمثل هذا. ثم ساق البخارى من طريق هشام بن عروة عن أبيه أنه سمع المغيرة بن شعبة يحدث عن عمر أنه استشارهم فى إملاص المرأة مثله. اهـ وأصل إملاص المرأة أن تزلق الجنين قبل الولادة المعتادة وفسر فى رواية للبخارى أوردها فى كتاب الاعتصام عن هشام عن أبيه عن المغيرة: سأل عمر بن الخطاب فى إملاص المرأة وهى التى تُضرَبُ بَطْنُهَا فتلقى جنينها. الحديث. أما مسلم فقد أخرج من طريق عُبَيْد بن نُضَيْلَة الخزاعى عن المغيرة بن شعبة قال: ضربت امرأة ضَرَّتَهَا بعمود فسطاط وهى حبلى فقتلتها قال: وإحداهما لحيانية قال: فجعل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم دية المقتولة

ص: 153

على عصبة القاتلة وغرة لما فى بطنها، فقال رجل من عصبة القاتلة: أَنَغْرَمُ دية من لا أكل ولا شرب، ولا استهل، فَمِثْلُ ذلك يُطَلُّ. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم "أَسَجْعٌ كَسَجْعِ الأعْرَاب" قال: وجعل عليهم الدية. وفى لفظ لمسلم من طريق عبيد بن نضيلة عن المغيرة بن شعبة أن امرأة قتلت ضرتها بعمود فسطاط فَأُتِىَ فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقضى على عاقلتها بالدية، وكانت حاملا، فقضى فى الجنين بغرة، فقال بعض عصبتها: أَنَدِى من لا طَعِمَ ولا شَرِبَ، ولا صاح فاستهل، ومثل ذلك يُطَلُّ؟ قال: فقال: "سَجْعٌ كَسَجْع الأعراب" ثم أورده مسلم من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن المسور بن مخرمة قال: استشار عمر بن الخطاب الناس فى إملاص المرأة فقال المغيرة بن شعبة: شهدت النبى صلى الله عليه وسلم قضى فيه بغرة عبد أو أمة قال: فقال عمر: ائتنى بمن يشهد معك. قال: فشهد له محمد بن مسلمة.

[ما يفيده الحديث]

1 -

أن قتل الخطأ تجب فيه الدية ولو كان بحجر.

2 -

أنه لا قود إلا فى قتل العمد.

3 -

أنه إذا ضرب أحد بطن الحبلى فألقت جنينها ميتا تكون ديته غرة عبدًا أو أمة.

4 -

أن دية القتيل على عصبة القاتل فى القتل الخطأ.

5 -

أن ولد المرأة لا يعقل عنها إذا لم يكن من عصبتها. لأن

ص: 154

العقل على والد القاتل وعصبة الوالد إذ العاقلة هى العصبة وهم القرابة من جهة الأب.

6 -

أن من يرث المرأة لا يعقل عنها إذا لم يكن من عصبتها.

7 -

بغض الإسلام لسجع الكهان.

ص: 155

11 -

وعن أنس رضى اللَّه عنه أن الرُّبيِّع بنتَ النضر عمته كَسَرَتْ، ثَنِيَّةَ جارية، فطلبوا إليها العفو فَأَبَوْا، فَعَرَضُوا الأرش فأبوا، فأتوا رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فَأَبَوْا إلا القصاص، فأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالقصاص، فقال أنس بن النضر: يا رسول اللَّه أَتُكْسَرُ ثَنية الرُّبَيِّع؟ لا والذى بعثك بالحق لا تُكْسَرُ ثنيتها، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"يا أنس كتابُ اللَّه القصاصُ" فَرَضىَ القوم فَعَفَوْا، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"إن من عباد اللَّه من لو أقسم على اللَّه لأبَرَّه" متفق عليه واللفظ للبخارى.

[المفردات]

الرُّبَيِّع بنت النضر: هى الربيع بنت النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غَنْم بن عدى بن النجار الأنصارية النجارية. قال الحافظ فى التقريب: الربيع بنت النضر الأنصارية الخزرجية عمة أنس بن مالك صحابية، روى عنها أنس فى الجهاد من صحيح مسلم، ولم يذكرها المزى اهـ ويذكر أنها

ص: 155

هى التى اشترت والد الحسن البصرى من سبى ميسان وأعتقته رضى اللَّه عنها. وقد وقع عند البيهقى فى أول الجنايات: الربيع بنت معوذ. قال فى الفتح وهو غلط فى ذكر أبيها.

عمته: أى عمة أنس بن مالك فهى أخت أبيه مالك ابن النضر.

ثنية: هى واحدة الثنايا وهى الأسنان الأربع التى فى مقدم الفم، اثنتان من فوق واثنتان من أسفل.

جارية: أى أمرأة شابة وهى من الأنصار.

فطلبوا إليها العفو فأبوا: أى فطلب أهل الربيع من الجارية ومن أهلها أن يعفوا عن الكسر المذكور مجانا، فامتنعوا عن قبول ذلك وأصروا على عدم التنازل.

فَعَرَضُوا الأرش فأبوا: أى فطلب أهل الربيع من أهل الجارية أن يقبلوا الصلح على مال وأن يتجاوزوا عن القصاص فامتنعوا عن قبول الأرش وأصروا على القصاص.

القصاص: أى المماثلة وذلك بكسر ثنية الربيع. إما بقلع سنها إن كانت قلعت سن الجارية أو بأن يبرد من سنها بقدر ما كسرت من ثنية الجارية.

فأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالقصاص: أى فحكم وقضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بأن تكسر ثنية الرُّبَيِّع رضى اللَّه عنها.

أنس بن النضر: هو أخو الرُّبيِّع أنس بن النضر بن ضمضم بن

ص: 156

زيد بن حرام الخزرجى الأنصارى رضى اللَّه عنه. وقد سمى به أنس بن مالك رضى اللَّه عنه. وقد روى البخارى من حديث أنس رضى اللَّه عنه قال: نرى هذه الآية نزلت فى أنس بن النضر رضى اللَّه عنه {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ} الآية وعند مسلم من حديث سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس أن أنس بن النضر رضى اللَّه عنه لم يشهد مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم بدر فشق عليه وقال: أول مشهد مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم غبت عنه، لئن أرانى اللَّه تعالى مشهدا فيما بعد مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ليرين اللَّه عز وجل ما أصنع فلما كان يوم أحد استقبل سعد بن معاذ رضى اللَّه عنه وقال له: يا أبا عمرو أين؟ واها لريح الجنة إنى أجده دون أحد، فقاتلهم حتى قتل رضى اللَّه عنه قال: فَوُجِدَ فى جسده بضع وثمانون بين ضربة وطعنة ورمية فقالت أخته عمتى الرُّبَيِّع ابنة النضر: فما عرفت أخى إلا ببنانه، قال: فنزلت. فيه هذه الآية: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} قال: فكانوا يرون أن هذه الآية نزلت

ص: 157

فيه وفى أصحابه رضى اللَّه عنهم اهـ وهذا يدل على أن قصة الربيع فى كسر ثنية الجارية كانت قبل أحد.

لا والذى بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها: أى لا تكسر ثنية الربيع واللَّه الذى بعثك بالحق إنى لأرجو أن لا تكسر ثنية الربيع قصاصا وأن يقبل أهل الجارية أرش سنها، وكأنه يرجو من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يُرَغِّبَ أهل الجارية بالعفو مجانا أو بقبول الأرش وأن يتنازلوا عن القصاص.

يا أنس كتاب اللَّه القصاص: أى يا أنس شرع اللَّه يثبت لهم الحق فى القصاص كسر ثنية الرُّبَيِّع وقد يكون ذلك إشارة إلى قوله تعالى فى كتابه الكريم: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} .

فرضى القوم فعفوا: أى فتنازل أهل الجارية عن القصاص.

إن من عباد اللَّه من لو أقسم على اللَّه لأبره: أى إن بعض عباد اللَّه لا يخيب اللَّه رجاءهم ولا يرد دعاءهم، يعنى منهم أنس بن النضر رضى اللَّه عنه.

[البحث]

أورد البخارى رحمه الله هذا الحديث باللفظ الذى ساقه المصنف، من طريق عبد اللَّه بن بكر السهمى عن حميد عن أنس فى تفسير سورة البقرة، وأورده فى كتاب الصلح فى باب الصلح فى الدية من طريق محمد بن عبد اللَّه الأنصارى قال حدثنى حميد أن أنسا حدثهم

ص: 158

أن الربيع وهى ابنة النضر كسرت ثنية جارية، فطلبوا الأرش وطلبوا العفو، فأبوا، فأتوا النبى صلى الله عليه وسلم فأمرهم بالقصاص، فقال أنس بن النضر: أتكسر ثنية الربيع يا رسول اللَّه؟ لا؟ والذى بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها، فقال:"يا أنس كتاب اللَّه القصاص" فرضى القوم وَعَفَوا، فقال النبى صلى الله عليه وسلم "إن من عباد اللَّه من لو أقسم على اللَّه لأبره" زاد الفزارى عن حميد عن أنس: فرضى القوم وقبلوا الأرش. وأورده فى باب "السن بالسن" من طريق الأنصارى عن حميد عن أنس رضى اللَّه بلفظ: أن ابنة النضر لطمت جارية فكسرت ثنيتها، فأتوا النبى صلى الله عليه وسلم فأمر بالقصاص. وقال البخارى فى باب القصاص بين الرجال والنساء فى الجراحات: وجرحت أخت الرُّبَيِّع إنسانا، فقال النبى صلى الله عليه وسلم:"القصاص" أما مسلم رحمه الله فقد قال: حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة، حدثنا عفان بن مسلم حدثنا حماد أخبرنا ثابت عن أنس أن أخت الربيع أم حارثة جرحت إنسانا، فاختصموا إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"القصاصَ القصاصَ" فقالت أم الرُّبَيِّع: يا رسول اللَّه أيقتص من فلانة؟ واللَّه لا يُقْتَصُّ منها. فقال النبى صلى الله عليه وسلم: "سبحان اللَّه، يا أم الربيع القصاصُ كتاب اللَّه" قالت: لا واللَّه لا يقتص منها أبدا، قال: فما زالت حتى قبلوا الدية، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"إن من عباد اللَّه من لو أقسم على اللَّه لأبره" وظاهر سياق البخارى ومسلم يشعر بأنه قد وقع للربيع ابنة

ص: 159

النضر أن لطمت جارية فكسرت ثنيتها فأبى أهل الجارية إلا القصاص وأن أنس بن النضر رضى اللَّه عنه ضرع إلى اللَّه تعالى ألا تكسر ثنية أخته الربيع فَأَلَانَ اللَّه تعالى قلوب أهل الجارية فتنازلوا عن حقهم فى القصاص وقبلوا الدية، وأن أخت الربيع وهى أم حارثة ابنة النضر جرحت إنسانا، فاختصموا إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقضى بالقصاص فضرعت أمها إلى اللَّه عز وجل أن يُلَيِّن قلوب أهل الإِنسان الذى جُرِحَ فيتنازلوا عن حقهم فى القصاص وقالت: لا واللَّه لا يقتص منها أبدا فاستجاب اللَّه دعاءها وقبل ضراعتها فتنازل أهل الجريح عن القصاص، وأن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى حق أنس بن النضر:"إن من عباد اللَّه من لو أقسم على اللَّه لأبره"، وقال فى حق والدة أم حارثة أخت الربيع:"إن من عباد اللَّه من لو أقسم على اللَّه لأبره" وعلى هذا فهما قصتان وقعتا لأختين، وليستا قصتين وقعتا للربيع وحدها. فجرحت إنسانا كسرت ثنية جارية، وبهذا لا يكون حديث الباب من المتفق عليه. قال البيهقى الأظهر أنهما قضيتان. وقال النووى: هما قضيتان. وقال الحافظ فى الفتح: فى القصتين مغايرات منها هل الجانية الربيع أو أختها؟ وهل الجناية كسر الثنية أو الجراحة؟ وهل الحالف أُمُّ الرُّبَيِّع أو أخوها أنس بن النضر؟ وأما ما وقع فى أول الجنايات عند البيهقى من وجه آخر عن حميد عن أنس قال: لطمت الربيع بنت معوذ جارية فكسرت ثنيتها. فهو غلط فى ذكر أبيها والمحفوظ أنها بنت النضر عمة أنس كما وقع التصريح به فى صحيح البخارى اهـ

ص: 160

[ما يفيده الحديث]

1 -

أن كل من وجب له القصاص فى النفس أو دونها فعفا على مال فرضوا به جاز.

2 -

مشروعية القصاص فى كل ما تتأتى فيه المماثلة من الجنايات.

3 -

أن من وجب عليه القصاص فألح على مستحقيه فى العفو وقبول الدية وأكثر من الضراعة إلى اللَّه أن يلين قلوب خصومه لقبول الدية لا يكون ذلك من باب رد حكم اللَّه.

4 -

جواز الاستشفاع فى قبول التنازل عن القصاص وأن ذلك ليس من باب الشفاعة فى الحدود بعد رفعها للسلطان.

5 -

جواز الثناء على بعض عباد اللَّه الصالحين فى وجوههم عند أمن الفتنة من ذلك.

6 -

أن الخيرة فى القصاص أو الدية للمستحق فقط دون المستحق عليه.

7 -

إثبات القصاص بين النساء فى الجراحات وفى الأسنان.

8 -

جواز الحلف فيما يظن وقوعه ولا يكون ذلك تَأَلِّيًا على اللَّه.

9 -

أن شرع من قبلنا شرع لنا ما دام لم يرد دليل بالنسخ أو التخصيص.

ص: 161

12 -

وعن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من قُتِلَ فى عِمِّيّا أو رِمِّيّا بحجر أو سوط أو عصا فعقله

ص: 161

عَقْل الخطأ، ومن قُتِلَ عمدا فهو قَوَدٌ، ومن حال دونه فعليه لعنة اللَّه" أخرجه أبو داود والنسائى وابن ماجه بإسناد قوى.

[المفردات]

عِمِّيًّا أو رِمِّيًّا: الرِّمِّىُّ: المراماة، قال فى القاموس: وقُتِلَ عِمِّيًّا كَرِمِّيًّا: لم يُدْرَ من قتله اهـ ومعناه أن يترامى فريقان فيوجد بينهم قتيل لا يدرى من قتله. قال فى النهاية فى تفسير قوله "عميا رميا" يوجد بينهم قتيل يعمى أمره ولا يتبين قاتله اهـ

سوط: أصل السوط: الخلط، ويطلق على المقرعة وهو المراد هنا لأنها تخلط اللحم بالدم.

فعقله عقل الخطأ: أى فديته دية قتل الخطأ.

فهو قود: أى ففيه القصاص.

ومن حال دونه الخ: أى ومن حال دون استيفاء القصاص أو الدية مع طلب مستحقه فعليه لعنة اللَّه.

[البحث]

قال أبو داود فى باب القصاص من النفس: حدثنا محمد بن عبيد ثنا حماد ح وثنا ابن السرح ثنا سفيان -وهذا حديثه- عن عمرو عن طاوس قاله: من قتل- وقال ابن عبيد: قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: من قتل فى عميا فى رمى يكون بينهم بحجارة أو بالسياط أو ضرب بعصى فهو خطأ، وعقله عقل الخطأ، ومن قتل

ص: 162

عمدا فهو قود -قال ابن عبيد: قود يد- ثم اتفقا: ومن حال دونه فعليه لعنة اللَّه وغضبه، لا يقبل منه صرف ولا عدل. وحديث سفيان أتم. حدثنا محمد بن أبى غالب ثنا سعيد بن سليمان عن سليمان بن كثير ثنا عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فذكر معنى حديث سفيان اهـ وقد جاء فى بعض نسخ سنن أبى داود بعد باب فى جناية العبد يكون للفقراء "باب فيمن قتل فى عِمِّيَّا بين قوم" قال أبو داود: حُدِّثْتُ عن سعيد بن سليمان عن سليمان بن كثير ثنا عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: من قتل فى عِمِّيًّا أو رِمِّيًّا يكون بينهم بحجر أو بسوط فعقله عقل خطأ ومن قتل عمدا فقود يديه، فمن حال بينه وبينه فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين اهـ وقوله فى حديث ابن عبيد "قود يد" وفى حديث سعيد بن سليمان "قود يديه" هو بمعنى: قود نفسه. وقال النسائى فى باب من قتل بحجر أو سوط: أخبرنا هلال بن العلاء بن هلال قال: حدثنا سعيد بن سليمان قال: أنبأنا سليمان ابن كثير قال: حدثنا عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من قتل فى عِمِّيا أو رِمِّيا تكون بينهم بحجر أو سوط أو بعصا فعقله عقل خطأ، ومن قُتِلَ عمدا فقود يده، فمن حال بينه وبينه فعليه لعنة اللَّه، والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف وعدل.

ص: 163

أخبرنا محمد بن مَعْمَرٍ قال حدثنا محمد بن كثير قال: حدثنا سليمان بن كثير عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس يرفعه، قال: من قتل فى عِمِّيَّة أو رِمِّيَّة بحجر أو سوط أو عصا فعقله عقل الخطأ، ومن قتل فهو قود، ومن حال بينه وبينه فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين لا يقبل اللَّه منه صَرْفًا ولا عَدْلًا. وقال ابن ماجه: باب من حال بين ولى المقتول وبين القود أو الدية حدثنا محمد بن معمر ثنا محمد بن كثير ثنا سليمان بن كثير عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس رفعه إلى النبى صلى الله عليه وسلم قال: "من قَتَلَ فى عمية أو عصبية بحجر أو سوط أو عصا فعليه عقل الخطأ، ومن قتل عمدا فهو قودَ، ومن حال بينه وبينه فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين لا يُقْبَلُ منه صَرْفٌ ولا عَدْلٌ اهـ وسند هذا الحديث عند أبى داود متردد بين الإِرسال والانقطاع أو عدم ذكر اللفظ فى المتصل. أو ذكر اللفظ مع الجهالة فى السند حيث قال: حدثت عن سعيد بن سليمان. أما سند النسائى وابن ماجه فهو قوى.

[ما يفيده الحديث]

1 -

أنه إذا ترامى فريقان بحجارة ونحوها ثم وجد بينهم قتيل لا يدرى من قتده فإن ديته دية القتل الخطأ، ولا قصاص فيه.

2 -

وأن قتل العمد فيه القصاص.

3 -

وأنه لا يحل لمسلم أن يحول دون استيفاء القصاص أو الدية.

4 -

وأن الحيلولة دون استيفاء القصاص أو الدية من الكبائر.

ص: 164

13 -

وعن ابن عمر رضى اللَّه عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أمسك الرجلُ الرجلَ وقتله الآخر يُقْتَلُ الذى قَتَلَ ويُحْبَسُ الذى أمسك" رواه الدارقطنى موصولا ومرسلا، وصححه ابن القطان ورجاله ثقات إلا أن البيهقى رجح المرسل.

[المفردات]

أمسك الرجل الرجل: أى حبسه وحجزه عن الحركة وعاقه عن الدفاع عن نفسه.

وقتله الآخر: أى وجاء رجل آخر وقتل الرجل الذى أمسكه.

يقتل الذى قتل: أى يقتل الذى باشر القتل قصاصا.

ويحبس الذى أمسك: أى ويسجن الذى أمسك الرجل حتى قُتِلَ.

[البحث]

قال الدارقطنى: نا محمد بن القاسم بن زكريا نا عباد بن يعقوب نا محمد بن الفضل عن إسماعيل بن أمية عن سعيد بن المسيب قال: أُتِىَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم برجلين أحدهما قتل والآخر أمسك، فَقَتَلَ الذى قَتَلَ، وحبس المُمْسِك. نا محمد بن إسماعيل الفارسى نا إسحاق بن إبراهيم نا عبد الرزاق عن معمر وابن جريج عن إسماعيل بن أمية رفع الحديث: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: يُقْتَلُ القاتلُ ويُصْبَرُ الصابر" نا الحسن بن أحمد بن صالح الكوفى نا إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الصيرفى نا عبدة بن عبد اللَّه الصفار نا أبو داود الحفرى عن سفيان الثورى عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم: "إذا أمسك الرجلُ

ص: 165

الرجلَ، وقتله الآخر، يُقْتَلُ الذى قَتَلَ، ويُحْبَسُ الذى أمسك". نا أبو عبيد نا مسلم بن جنادة نا كيع عن سفيان عن إسماعيل بن أمية قال: قضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى رجل أمسك رجلا وقتله الآخر فقال: يُقْتَلُ القاتلُ، ويُحْبَسُ المُمْسِكُ، وعن سفيان عن جابر عن عامر عن على أنه قضى بذلك اهـ وقوله فى الحديث "ويُصْبَرُ الصابرُ" أى ويحبس الممسك. وقد وصف البيهقى الموصول بأنه غير محفوظ. واللَّه أعلم.

ص: 166

14 -

وعن عبد الرحمن بن البيلمانى رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قتل مسلما بمعاهد وقال: أنا أولى من وَفَّى بذمته" أخرجه عبد الرزاق هكذا مرسلا، ووصله الدارقطنى بذكر ابن عمر فيه وإسناد الموصول واه.

[المفردات]

عبد الرحمن بن البيلمانى: بفتح الباء وسكون الياء قال أبو حاتم: عبد الرحمن بن أبى زيد هو ابن البيلمانى وهو مولى عمر رضى اللَّه عنه. وكان ينزل بحران روى عنه ابنه محمد ويزيد بن طلق وربيعة بن أبى عبد الرحمن وخالد ابن أبى عمران وسماك بن الفضل وهمام والد عبد الرزاق. قال أبو حاتم: لين الحديث وقال

ص: 166

الدارقطنى: ضعيف لا تقوم به حجة، وقال الأزدى: منكر الحديث ويروى عن ابن عمر بواطيل، وقال صالح جزرة: حديثه منكر، مات خلافة الوليد بن عبد الملك.

أنا أولى من وَفَّى بذمته: أى أنا أحق من صان عهد المعاهد وأدى لكل ذى حق حقه.

[البحث]

قال الدارقطنى: نا الحسن أحمد بن سعيد الرهاوى أخبرنى جدى سعيد بن محمد الرهاوى أن عمار بن مطر حدثهم نا إبراهيم بن محمد الأسلمى عن ربيعة بن أبى عبد الرحمن عن ابن البيلمانى عن ابن عمر أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قتل مسلما بمعاهد وقال: أنا أكرم من وفى بذمته. لم يسنده غير إبراهيم بن أبى يحيى وهو متروك الحديث. والصواب عن ربيعة عن ابن البيلمانى مرسل عن النبى صلى الله عليه وسلم، وابن البيلمانى لا تقوم به حجة إذا وصل فكيف بما يرسله واللَّه أعلم. ثنا إسماعيل الصفار نا الرمادى ح ونا محمد بن إسماعيل الفارسى نا إسحاق بن إبراهيم قالا: نا عبد الرزاق عن الثورى عن ربيعة عن عبد الرحمن بن البيلمانى يرفعه أن النبى صلى الله عليه وسلم أقاد مسلما قتل يهوديا، وقال الرمادى: أقاد مسلما بذمى، وقال: أنا أحق من وفَّى بذمته. نا بن مخلد نا موسى بن إسحاق نا أبو بكر نا عبد الرحيم عن حجاج ربيعة عن عبد الرحمن بن البيلمانى قال: قتل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رجلا من أهل القبلة برجل من أهل الذمة. وقال: أنا أحق من أوفى بذمته اهـ

ص: 167

وعمار بن مطر كان يقلب الأحاديث ويسرقها، وكذبه أبو حاتم الرازى. وإبراهيم بن أبى يحيى هو أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن أبى يحيى الأسلمى المدنى أحد الضعفاء قال يحيى بن سعيد: سألت مالكا عنه: أكان ثقة فى الحديث؟ فقال: لَا ولا فى دينه. وقال القطان: كذاب، وقال أحمد: تركوا حديثه، قَدَرِىٌّ معتزلى يروى أحاديث ليس لها أصل. وقال البخارى: تركه ابن المبارك والناس، وقال النسائى والدارقطنى وغيرهما: متروك. قال أبو عبيد: بمثل هذا السند لا تسفك دماء المسلمين اهـ هذا وقد قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: من قتل نفسا معاهدا لم يَرَحْ رائحة الجنة وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاما، كما جاء فى البخارى.

ص: 168

15 -

وعن ابن عمر رضى اللَّه عنهما قال: قُتِلَ غُلَامٌ غِيلَةً، فقال عمر: لو اشترك فيه أهل صنعاء لقتلتُهم به. أخرجه البخارى.

[المفردات]

غلام: أى شاب صبى.

غيلة: بكسر الغين أى سرا وخفية بخديعة. فقتل الغيلة هو أن يُخْدَعَ الإنسان ويُقتَلَ فى موضع لا يراه أحد.

لو اشترك فيه: أى لو تعاون على قتله.

أهل صنعاء: يعنى سكان مدينة صنعاء وهى عاصمة اليمن.

لقتلتُهم به: أى لاقتصصت منهم وقتلتهم جميعا لاشتراكهم فى قتله.

ص: 168

[البحث]

لفظ البخارى فى كتاب الديات فى باب إذا أصاب قوم من رجل: وقال لى ابن بشار حدثنا يحيى عن عبيد اللَّه عن نافع عن ابن عمر رضى اللَّه عنهما: أن غلاما قُتِلَ غِيلَةً، فقال عمر: لو اشترك فيها أهل صنعاء لقتلتهم. وقال مغيرة بن حكيم عن أبيه: إن أربعة قتلوا صبيا فقال عمر مثله. قال الحافظ فى الفتح فى قوله: فقال عمر: "لو اشترك فيها". فى رواية الكشميهنى "فيه" وهو أوجه، والتأنيث على إرادة النفس، وهذا الأثر موصول إلى عمر بأصح إسناد وقد أخرجه ابن أبى شيبة عن عبد اللَّه بن نصر عن يحيى القطان من وجه آخر عن نافع ولفظه: إن عمر قتل سبعة من أهل صنعاء برجل الخ وأخرجه الموطأ بسند آخر قال: عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر قتل خمسة أو ستة برجل قتلوه غيلة وقال: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعا، ورواية نافع أوصل وأوضح اهـ وأثر مغيرة بن حكيم عن أبيه وصله ابن وهب فقال: حدثنى جرير بن حازم أن المغيرة بن حكيم الصنعانى حدثه عن أبيه أن امرأة بصنعاء غاب عنها زوجها وترك فى حجرها ابنا له من غيرها غلاما يقال له: أصيل. فاتخذت المرأة بعد زوجها خليلا فقالت له: إن هذا الغلام يفضحنا فاقتله، فَأَبَى فامتنعت منه، فطاوعها فاجتمع على قتل الغلام الرجل ورجل آخر، والمرأة وخادمها فقتلوه ثم قطعوه اعضاء وجعلوه فى عَيْبَة، فطرحوه فى رَكِيَّةٍ، قال

ص: 169

الحافظ فى الفتح: فذكر القصة وفيه: فأخذ خليلها فاعترف ثم اعترف الباقون فكتب يعلى وهو يومئذ أمير بشأنهم إلى عمر، فكتب إليه عمر بقتلهم جميعا، وقال: واللَّه لو أن أهل صنعاء اشتركوا فى قتله لقتلتهم أجمعين اهـ والعيبة بفتح العين وسكون الياء بعدها باء مفتوحة هى وعاء من أدم، والركية بفتح الراء كسر الكاف وتشديد الياء هى البئر التى لم تطو.

[ما يفيده الحديث]

1 -

أنه لو اشترك أكثر من شخص فى قتل مسلم فإنهم يقتلون به جميعا.

2 -

أن المشتركين فى قتل شخص يعتبر كل واحد منهم قاتلا كأنه منفرد بقتله.

3 -

أنه لا معارضة بين قتل الجماعة بالواحد وقوله تعالى: {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} .

ص: 170

16 -

وعن أبى شُريْحٍ الخُزَاعِىِّ رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "فمن قُتِلَ له قتيل بعد مقالتى هذه فأهله بين خِيرَتَيْن: إما أن يأخذوا الْعَقْلَ أو يقتلوا" أخرجه أبو داود والنسائى وأصله فى الصحيحين من حديث أبى هريرة بمعناه.

[المفردات]

أبو شريح الخزاعى: هو خويلد بن عمرو أو عمرو بن خويلد

ص: 170

أو عبد الرحمن بن عمرو وقيل: هانئ وقيل كعب. الخزاعى من بنى كعب بن ربيعة بن لحى بطن من خزاعة. ويقال له العدوى أيضا فقيل: فى خزاعة بطن يقال لهم بنو عدى. وقيل كان حليفا لبنى عدى بن كعب من قريش فقيل له: الكعبى. صحابى جليل، نزل المدينة وتوفى سنة ثمان وستين على الصحيح رضى اللَّه عنه.

بعد مقالتى هذه: أى بعد خطبتى هذه وهى التى ألقاها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الغد من فتح مكة.

فأهله بين خيرتين: أى فأولياء القتيل يُخَيَّرُون بين أمرين.

إما أن يأخذو العقل: أى إما أن يقبلوا الدية.

أو يقتلوا: أى أو أن يقتصوا من القاتل بقتله.

وأصله فى الصحيحين الخ: أى وأصل جعل أولياء القتيل بين خيرتين إما أن يأخذوا الدية أو يقتلوا القاتل هو فى البخارى ومسلم لكنه من حديث أبى هريرة رضى رضى اللَّه عنه وبغير لفظ حديث أو شريح بل بمعناه.

[البحث]

قال أبو داود فى باب ولى الدم يرضى بالدية: حدثنا مسدد بن مسرهد ثنا يحيى بن سعيد ثنا ابن أبى ذئب قال حدثنى سعيد بن أن سعيد قال: سمعت أبا شريح الكعبى يقول: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:

ص: 171

"أَلَا إنكم يا معشر خزاعة قتلتم هذا القتيل من هذيل، وإنى عاقله، فمن قتل له بعد مقالتى هذه قتيل فأهله بين خيرتين أن يأخذوا العقل أو يقتلوا. أما ما أشار إليه المصنف من أصله الذى فى الصحيحين فهو ما أخرجه الشيخان واللفظ للبخارى من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه: أنه عام فتح مكة قتلت خزاعة رجلا من بنى ليث بقتيل لهم فى الجاهلية، فقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: "إن اللَّه حبس عن مكة الفيل، وسلط عليهم رسوله والمؤمنين، ألا وإنها لم تحل لأحد قبلى ولا تحل لأحد بعدى، ألا وإنما أُحلت لى ساعة من نهار. ألا وإنها ساعتى هذه حرام، لا يختلى شوكها، ولا يعضد شجرها، ولا يلتقط ساقطتها إلا منشد، ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما يودي وإما يقاد" فقام رجل من أهل اليمن يقال له: أبو شاه فقال: اكتب لى يا رسول اللَّه، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "اكتبوا لأبى شاه" وفى لفظ مسلم: "ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يُعطىَ (يعنى الدية) وإما أن يقاد (أهل القتيل) اهـ. هذا وقد ثبت أن بنى إسرائيل لم يكن فى شريعتهم العفو ولم يكن عندهم إلا القصاص، فوسع اللَّه تبارك وتعالى على أمة محمد صلى الله عليه وسلم فخيرهم بين القصاص أو العفو وهو قبول الدية واللَّه أعلم.

[ما يفيده الحديث]

1 -

أن ولى الدم يخير بين القصاص والدية.

ص: 172

2 -

وأنه إذا اختار ولى الدم الدية سقط حقه فى القصاص.

3 -

كمال الشريعة الإِسلامية، ووضع الإِصر والأغلال التى كانت على الأم السابقة.

ص: 173