المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب قتال الجانى وقتل المرتد - فقه الإسلام = شرح بلوغ المرام - جـ ٨

[عبد القادر شيبة الحمد]

الفصل: ‌باب قتال الجانى وقتل المرتد

‌باب قتال الجانى وقتل المرتد

ص: 238

1 -

عن عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من قُتِلَ دون ماله فهو شهيد" رواه أبو داود والنسائى والترمذى وصححه.

[المفردات]

قتال الجانى: أى مقاتلة المعتدى على حريمك أو مالك لدفعه.

وقتل المرتد: أى وسفك دم من يرتد عن دين الإسلام ويخرج منه بإنكاره ما علم بالضرورة أنه من دين الإسلام أو بأى سبب من أسباب الردة نعوذ باللَّه منها.

من قتل دون ماله فهو شهيد: أى من دافع عن ماله وقاتل المهاجم وقُتِلَ المدافع فإنه يكون شهيدا عند اللَّه عز وجل.

[البحث]

قد أخرج البخارى من حديث عبد اللَّه بن عمرو رضى اللَّه عنهما قال: سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول: "من قُتِلَ دون ماله فهو شهيد" وقد أخرج مسلم من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه أن رجلا قال للنبى صلى الله عليه وسلم: أرأيت إذ جاء رجل يريد أخذ مالى؟ قال: "فلا تعطه" قال: أرأيت إن قاتلنى؟ قال: "قاتله" قال: أرأيت إن قتلنى؟ قال: "فأنت شهيد" قال: أرأيت إن

ص: 238

قتلته؟ قال: "فهو فى النار" هذا وقد تقدم فى بحث الحديث الأول من أحاديث قتال أهل البغى ما يفيد استثناء الأمير فلا يقاتل إذا أخذ المال ولو بغير حق لقوله صلى الله عليه وسلم فى الاستمساك بطاعة الأمير: "وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك".

[ما يفيده الحديث]

1 -

جواز مقاتلة من هجم عليك ليأخذ مالك بغير حق.

2 -

أن من قُتِلَ وهو يدافع عن ماله كان شهيدا.

3 -

وجوب صيانة الأموال.

4 -

أن انتهاب أموال الناس من الكبائر.

ص: 239

2 -

وعن عمران بن حصين رضى اللَّه عنهما قال: قاتل يعلى ابن أمية رجلا، فعض أحدهما صاحبه، فانتزع يده من فمه، فنزع ثنيته، فاختصما إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال:"أيَعَضُّ أحدكم أخاه كما يَعَضُّ الفَحْلُ؟ لا دية له" متفق عليه واللفظ لمسلم.

[المفردات]

فعض أحدهما صاحبه: أى فأمسك أحد المتقاتلين يد الآخر بأسنانه.

فانتزع يده من فمه: أى فشد المعضوض يده من فم العاض.

فنزع ثنيته: أى فخلع المعضوض سنا من أسنان العاض الأمامية.

ص: 239

فاختصما إلى النبى صلى الله عليه وسلم: أى فتحاكما إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.

كما يَعَضُّ الفحل: أى مثل عض الجمل.

لا دية له: يعنى سقوط الثنية من فم هذا العاض بفعل هذا المعضوض ذهبت هدرا.

[البحث]

لفظ البخارى من طريق شعبة عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن عمران بن حصين أن رجلا عض يد رجل، فنزع يده من فمه، فوقعت ثنيتاه. فاختصموا إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال:"يعضُّ أحدكم أخاه يَعَضُّ الفحل؟ لا دية لك". ثم أخرجه من طريق ابن جريج عن عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه قال: خرجت فى غزوة فَعَضَّ رجلٌ فانتزع ثنيته، فأبطلها النبى صلى الله عليه وسلم. وأورده فى باب غزوة تبوك من طريق عطاء أيضا قال: أخبرنى صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه قال: غزوت مع النبى صلى الله عليه وسلم العسرة. قال: كان يعلى يقول: تلك الغزوة أوثق أعمالى عندى قال عطاء: فقال صفوان: قال يعلى: فكان لى أجر فقاتل إنسانا فعض أحدهما يد الآخر قال عطاء: فلقد أخبرنى صفوان أيهما عض الآخر فنسيته، قال: فانتزع المعضوض يده من فى العاضّ، فانتزع إحدى ثنيتيه، فأتيا النبى صلى الله عليه وسلم فأهدر ثنيته. قال عطاء: وحسبت أنه قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم: "أفيدع يده فى فيك تقْضَمُهَا كأنها فى فى فحل تقْضَمُهَا؟ " وأورده فى الجهاد فى باب الأجير من طريق

ص: 240

عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه رضى اللَّه عنه قال: غزوت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك فحملت على بكر فهو أوثق أعمالى فى نفسى، فاستأجرت أجيرا، فقاتل رجلا فعض أحدهما الآخر، فانتزع يده من فيه، ونزع ثنيته، فأتى النبىَّ صلى الله عليه وسلم فأهدرها، فقال:"أيدفع يده إليك فَتَقْضَمُهَا كما يَقْضَمُ الفحل؟ " وأخرج مسلم هذا الحديث بعدة ألفاظ كذلك فرواه من طريق شعبة عن قتادة عن زرارة عن عمران بن حصين قال: قاتل يعلى بن منية أو ابن أمية رجلا فعض أحدهما صاحبه. الخ الحديث باللفظ الذى ساقه المصنف وفى لفظ "ثنيتيه" وأورده أيضا من طريق قتادة عن زرارة ابن أوفى عن عمران بن حصين أن رجلا عض ذراع رجل فجذبه فسقطت ثنيته، فرُفع إلى النبى صلى الله عليه وسلم فأبطله، وقال:"أردت أن تأكل لحمه؟ ". وأورده من طرَيق قتادة عن بديل عن عطاء بن أبى رباح عن صفوان بن يعلى أن أجيرا ليعلى بن منية عض رجل ذراعه فجذبها، فسقطت ثنيته، فرفِعَ إلى النبى صلى الله عليه وسلم فأبطلها وقال:"أردت أن تقْضَمَهَا؟ تقْضَمُ الفحلُ". ثم أخرجه من طريق محمد ابن سيرين عن عمران بن حصين أن رجلا عض يد رجل فانتزع يده فسقطت ثنيته أو ثناياه، فاستعدى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"ما تأمرنى؟ تأمرنى أن آمره أن يدع يده فى فيك تَقْضَمُهَا كما يَقْضَمُ الفحل؟ ادفع يدك حتى يعضها ثم انتزعها" ثم أخرجه من طريق عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية

ص: 241

عن أبيه قال: غزوت مع النبى صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك قال: وكان يعلى يقول: تلك الغزوة أوثق عملى عندى، فقال عطاء: قال صفوان: قال يعلى: كان لى أجير فقاتل إنسانا فعض أحدهما يد الآخر (قال: لقد أخبرنى صفوان أيهما عض الآخر) فانتزع المعضوض يده من فى العاض فانتزع إحدى ثنيتيه، فأتيا النبىَّ صلى الله عليه وسلم فأهدر ثنيته اهـ والظاهر أن العاض هو يعلى رضى اللَّه عنه وأن المعضوض هو أجيره رضى اللَّه عنه. قال الحافظ فى الفتح: ولم أقف على تسمية أجيره اهـ هذا وقد انتقد الدارقطنى مسلما فى تخريجه رواية صفوان المرسلة ورواية محمد بن سيربن عن عمران وهو لم يسمع منه قال الحافظ فى الفتح: وأجاب النووى بما حاصله أن المتابعات يغتفر فيها ما لا يغتفر فى الأصول، وهو كما قال اهـ هذا وقد اانعقد الإِجماع على أن من شهر على آخر سلاحا ليقتله فدفع عن نفسه فقتل الشاهرَ أنه لا شئ عليه.

[ما يفيده الحديث]

1 -

أن من عض رجلا فى ذراعه فانتزع المعضوض كده فنزع ثنية العاض فلا شئ عليه.

2 -

مشروعية الدفاع عن النفس.

ص: 242

3 -

وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: "لو أن امرأ اطَّلَعَ عليك بغير إذن، فحذفته بحصاة

ص: 242

فَفَقَأتَ عينه، لم يكن عليك جُنَاح" متفق عليه وفى لفظ لأحمد والنسائى وصححه ابن حبان "فلا دية له ولا قصاص".

[المفردات]

أبو القاسم: هى كنية رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقد صح الخبر أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: تسموا باسمى ولا تكنَّوا بكنيتى.

لو أن امرأ: أى لو أن إنسانا.

اطلع عليك بغير إذن: أى نظر إلى داخل سترك أو دارك من كُوَّة أو نحوها ولم تكن قد أذنت له فى ذلك، ولم يكن الباب مفتوحا أو الجدار غير ساتر.

فحذفته بحصاة: أى فرميته بحجر صغير أو نحوه وبعضهم يقول: فخذفته بالخاء.

ففقأت عينه: أى فشققت عينه وأتلفتها وأطفأت ضوءها.

لم يكن عليك جُنَاح: أى لم يكن عليك حرج ولا مؤاخذة فيما فعلت.

وفى لفظ لأحمد والنسائى: أى من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه.

فلا دية له ولا قصاص: أى فعينه هدر.

[البحث]

أورد البخارى هذا الحديث بهذا اللفظ فى كتاب الديات فى باب من اطلع فى بيت قوم ففقئوا عينه فلا دية. وأورده فى باب من أخذ حقه أو اقتص دون السلطان بلفظ: لو اطلع فى بيتك أحد ولم تأذن

ص: 243

له حذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك من جُنَاح، وقد ساق من طريق يحيى عن حميد أن رجلا اطلع فى بيت النبى صلى الله عليه وسلم فسدد إليه مِشْقَصًا. فقلت: من حدثك؟ قال: أنس بن مالك، وفى لفظ للبخارى ومسلم واللفظ لمسلم من حديث أنس: أن رجلا اطلع من بعض حُجر النبى صلى الله عليه وسلم فقام إليه بمشقص أو مشاقص فكأنى أنظر إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يختله ليطعنه" وفى لفظ لمسلم من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من اطلع فى بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يَفْقَئُوا عينه. ولفظ حديث الباب عند مسلم: "لو أن رجلا اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك من جناح" أما الرواية التى أوردها أحمد والنسائى وصححها ابن حبان فقد أخرجها أيضا ابن أبى عاصم وصححها البيهقى أيضا وهى من طريق بشير بن نهيك عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه. هذا وسيأتى مزيد بحث لهذا عند الكلام على الحديث السادس من أحاديث باب التعزير وحكم الصائل إن شاء اللَّه تعالى.

[ما يفيده الحديث]

1 -

لا يحل لأحد أن ينظر من جُحر أو كوة فى دار أحد بغير إذنه.

2 -

أن من نظر من فُرْجة أو نحوها فى دار أحد بغير إذنه ففقأ عينه فلا جناح عليه إن أثبت ذلك.

3 -

صيانة البيوت فى الإسلام.

ص: 244

4 -

وعن البراء بن عازب رضى اللَّه عنه قال: قضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن حفظ الحوائط بالنهار على أهلها، وأن حفظ الماشية بالليل على أهلها، وأن على أهل الماشية ما أصابت ماشيتهم بالليل" رواه أحمد والأربعة إلا الترمذى وصححه ابن حبان وفى إسناده اختلاف.

[المفردات]

قضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أى حكم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.

أن حفظ الحوائط بالنهار على أهلها: أى أن صيانة البساتين والمزارع بالنهار تكون على أصحابها.

وأن حفظ الماشية بالليل على أهلها: أى وأن صيانة الماشية من إفساد زروع الناس بالليل تكون على أصحاب الماشية.

وأن على أهل الماشية ما أصابت ماشيتهم بالليل: أى وأن أصحاب المواشى والبهائم مسئولون عما تفسده مواشيهم من مزارع الناس بالليل.

[البحث]

ذكر الحافظ فى التلخيص أن حديث حرام بن سعد بن محيصة أن ناقة البراء بن عازب الخ قد أخرجه مالك فى الموطأ والشافعى عنه وأحمد وأبو داود والنسائى وابن ماجه والداقطنى وابن حبان والحاكم والبيهقى وقال الشافعى: أخذنا به لثبوته واتصاله، ومعرفة رجاله،

ص: 245

قلت: ومداره على الزهرى واختلف عليه. فقيل هكذا، وهذه رواية الموطأ وكذلك رواية الليث عن الزهرى، عن ابن محيصة لم يسمه أن ناقة، ورواه معن بن عيسى عن مالك فَزَاد فيه عن جده محيصة ورواه معمر عن الزهرى عن حرام عن أبيه ولم يتابع عليه، أخرجه أبو داود وابن حبان ورواه الأوزاعى وإسماعيل بن أمية وعبد اللَّه بن عيسى كلهم عن الزهرى. عن حرام عن البراء وحرام لم يسمع من البراء. قاله عبد الحق تبعا لابن حزم. ورواه النسائى من طريق محمد بن أبى حفصة عن الزهرى عن سعيد بن المسيب عن البراء ورواه ابن عيينة عن الزهرى عن حرام وسعيد بن المسيب أن البراء، ورواه ابن جريج عن الزهرى أخبرنى أبو أمامة بن سهل: أن ناقة للبراء ورواه ابن أبى ذئب عن الزهرى قال: بلغنى أن ناقة للبراء. اهـ وقد يستدل بقوله تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ، فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} على وجوب ضمان ما أتلفته الماشية بالليل لأن النفش هو أن تنتشر الماشية للرعى ليلا من غير راع. باعتبار أن شرع من قبلنا شرع لنا. هذا وسيأتى مزيد بحث لهذا عند الكلام على الحديث السابع من أحاديث باب التعزير وحكم الصائل إن شاء اللَّه تعالى.

ص: 246

5 -

وعن معاذ بن جبل رضى اللَّه عنه فى رجل أسلم ثم تَهَوَّدَ: لا أجلس حتى يُقْتَل، قضاءُ اللَّه ورسوله، فأمر به فقتل. متفق عليه. وفى رواية لأبى داود: وكان قد استتيب قبل ذلك.

ص: 246

[المفردات]

أسلم ثم تَهَوَّد: أى دخل فى الإِسلام ثم ارتد وصار يهوديا.

لا أجلس حتى يقتل: أى لا أقعد حتى يقتل لِرِدَّتِهِ.

قضاء اللَّه ورسوله: أى حكم اللَّه وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم فيمن كفر بعد إسلام.

فأمر به فقتل: أى فنفذ فيه القتل فورا.

وفى رواية لأبى داود: أى من طريق أبى بردة عن أى موسى رضى اللَّه عنه.

وكان قد استتيب قبل ذلك: أى وكان هذا المرتد قد طلب منه أن يتوب إلى اللَّه وأن يرجع إلى الإِسلام فأصر على ردته.

[البحث]

حديث معاذ بن جبل ساقه البخارى من طريق أبى بردة قال: بعث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أبا موسى ومعاذ بن جبل إلى اليمن قال: وبعث كل واحد منهما على مخلاف قال: واليمن مخلافان. ثم قال: "يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا" فانطلق كل واحد منهما إلى عمله وكان كل واحد منهما إذا سار فى أرضه كان قريبا من صاحبه أحدث به عهدا فسلم عليه، فسار معاذ فى أرضه قريبا من صاحبه أبى موسى فجاء يسير على بغلته حتى انتهى إليه، وإذا هو جالس وقد اجتمع إليه الناس. وإذا رجل عنده قد جُمِعَتْ يداه إلى عنقه فقال له معاذ: أَيَّمَ هذا؟ قال: هذا رجل كفر بعد إسلامه قال: لا أنزل حتى يقتل. قال: إنما جئ به لذلك فانزل، قال: ما أنزل حتى يقتل، فأمر به فَقُتِلَ ثم نزل. وفى لفظ: فزار معاذ أبا موسى فإذا رجل مُوثَق. فقال: ما هذا؟ فقال أبو موسى: يهودى

ص: 247

أسلم ثم ارتد فقال معاذ: لأضربن عنقه. وفى لفظ من طريق أبى بردة عن أبى موسى: فلما قدم عليه ألقى له وسادة قال: انزل، فإذا رجل عنده مُوثَق. قال: ما هذا؟ قال: كان يهوديا فأسلم ثم تَهَوَّدَ، قال: اجلس قال: لا أجلس حتى يقتل، قضاء اللَّه ورسوله ثلاث مرات. فأمر به فَقُتِلَ. وفى لفظ من طريق أبى بردة عن أبى موسى أن رجلا أسلم ثم تهود فأتى معاذ بن جبل وهو عند أبى موسى فقال: ما لهذا؟ قال: أسلم ثم تهود قال: لا أجلس حتى أقتله، قضاء اللَّه ورسوله. وقد أخرجه مسلم من طريق أبى بردة عن أبى موسى الأشعرى رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم بعثه على اليمن ثم أتبعه معاذ بن جبل، فلما قدم عليه قال: انزل وألقى له وسادة وإذا رجل عنده مُوثق، قال: ما هذا؟ قال هذا كان يهوديا فأسلم ثم راجع دينه دين السَّوْء فتهود، قال: لا أجلس حتى يقتل، قضاءُ اللَّه ورسوله، فقال اجلس، نَعَم، قال: لا أجلس حتى يقتل. قضاء اللَّه ورسوله ثلاث مرات فَأَمرَ به فَقُتِلَ. أما لفظ أبى داود الذى أشار إليه المصنف فقد أخرجه من طريق طلحة بن يحيى وبريد ابن عبد اللَّه بن أبى بردة عن أبى بردة عن أبى موسى قال: قدم علىَّ معاذ وأنا باليمن، ورجل كان يهوديا فأسلم فارتد عن الإسلام، فلما قدم معاذ قال: لا أنزل عن دابتى حتى يقتل، فَقُتِلَ. قال أحدهما: وكان قد استتيب قبل ذلك اهـ.

[ما يفيده الحديث]

1 -

أن من ارتد عن دين الإسلام يقتل.

ص: 248

2 -

أنه ينبغى استتابة المرتد قبل قتله فإن تاب خلى سبيله وإن لم يتب قتل.

3 -

وجوب حفظ دين الإسلام وصيانته.

ص: 249

6 -

وعن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه" رواه البخارى.

[المفردات]

من بدل دينه: أى من ارتد عن دين الإِسلام

فاقتلوه: أى فاسفكوا دمه.

[البحث]

أورد البخارى رحمه الله هذا الحديث فى كتاب استتابه المرتدين والمعاندين وقتالهم من طريق أيوب عن عكرمة قال: أُتى على رضى اللَّه عنه بزنادقة، فأحرقهم، فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أُحْرِقْهُمْ، لنهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"لا تعذبوا بعذاب اللَّه"، ولقتلتهم لقول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"من بدل دينه فاقتلوه".

[ما يفيده الحديث]

1 -

أن من بدل دينه وارتد عن الإسلام يقتل.

2 -

وجوب حفظ الدين وصيانته.

ص: 249

7 -

وعنه رضى اللَّه عنه أن أعمى كانت له أم ولد تشتم النبى صلى الله عليه وسلم-

ص: 249

وتقع فيه، وينهاها فلا تنتهى، فلما كان ذات ليلة أخذ المِغْوَلَ فجعله فى بطنها، واتكأ عليها، فقتلها، فبلغ ذلك النبىَّ صلى الله عليه وسلم فقال:"ألا اشهدوا، فإن دمها هدر" رواه أبو داود ورواته ثقات.

[المفردات]

وعنه: أى وعن ابن عباس رضى اللَّه عنهما.

أعمى: أى فاقد البصر.

له أم ولد: أى جارية يطؤها وله منها ولد.

تشتم النبى صلى الله عليه وسلم وتقع فيه: أى تسب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.

وينهاها فلا تنتهى: أى ويزجرها عن سب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فلا تنزجر.

المِغْول: هو بكسر الميم وسكون الغين المعجمة قال فى القاموس: والمغول كمنبر حديدة تجعل فى السوط فيكون لها غلافا وشبه مِشمَل إلا أنه أدق وأطول منه، ونصل طويل أو سيف دقيق له قفا اهـ والمِشْمَل كمِنبر سيف قصير يتغطى بالثوب كما فى القاموس أيضا.

فإن دمها هدر: أى لا دية فيها ولا قصاص.

[البحث]

أخرج أبو داود هذا الحديث فى باب الحكم فيمن سبَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم-

ص: 250

قال: حدثنا عباد بن موسى الختلى أخبرنا إسماعيل بن جعفر المدنى عن إسرائيل عن عثمان الشحام عن عكرمة قال: ثنا ابن عباس أن أعمى كانت له أم ولد تشتم النبى صلى الله عليه وسلم وتقع فيه، فينهاها فلا تنتهى ويزجرها فلا تنزجر، قال: فلما كان ذات ليلة جعلت تقع فى النبى صلى الله عليه وسلم وتشتمه، فأخذ المغول فوضعه فى بطنها واتكأ عليها فقتلها، فوقع بين رجليها طفل، فلطخت ما هناك بالدم، فلما أصبح ذُكِرَ ذلك لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فجمع الناس فقال:"أنشد اللَّه رجلا فعل ما فعل لى عليه حق إلا قام" قال: فقام الأعمى يتخطى الناس وهو يتزلزل حتى قعد بين يدى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنا صاحبها كانت تشتمك وتقع فيك فأنهاها فلا تنتهى وأزجرها فلا تنزجر، ولى منها ابنان مثل اللؤلؤتين، وكانت بى رفيقة، فلما كانت البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك، فأخذت المغول فوضعته فى بطنها، واتكأت عليها حتى قتلتها. فقال النبى صلى الله عليه وسلم:"ألا اشهدوا أن دمها هدر"

[ما يفيده الحديث]

1 -

أن من سب النبى صلى الله عليه وسلم يقتل.

2 -

أن من سب النبى صلى الله عليه وسلم لا يستتاب قبل قتله.

ص: 251