المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب الدِّيَات - فقه الإسلام = شرح بلوغ المرام - جـ ٨

[عبد القادر شيبة الحمد]

الفصل: ‌ ‌باب الدِّيَات

‌باب الدِّيَات

ص: 174

1 -

عن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عز جده رضى اللَّه عنهم أن النبى صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن، فذكر الحديث، وفيه:"إن من اعتبط مؤمنا قَتْلًا عن بينة فإنه قود إلا أن يرضى أولياء المقتول، وإن فى النفس الدية مائة من الإِبل، وفى الأنف إذا أُوعِبَ جَدْعُه الدية، وفى العينين الدية، وفى اللسان الدية، وفى الشفتين الدية، وفى الذَّكَر الدية، وفى البيضتين الدية، وفى الصُّلْب الدية، وفى الرِّجلِ الواحدة نصف الدية، وفى المأمُومَة ثدث الدية، وفى الجائفة ثلث الدية، وفى الْمُنَقِّلَة خَمس عشرة من الإِبل وفى كل إصبع من أصابع اليد والرِّجل عَشْرٌ من الإِبل، وفى السِّنِّ خَمْسٌ من الإِبل، وفى المُوَضِّحَةِ خَمْسٌ من الإِبل، وإن الرَّجُلَ يُقْتَلُ بالمرأة، وعلى أهل الذهب أَلْفُ دينار" أخرجه أبو داود فى المراسيل، والنسائى وابن خزيمة، وابن حبان، وابن الجارود، وأحمد، واختلفوا فى صحته.

[المفردات]

الديات: هى جمع دية كعِدات جمع عدة قال الحافظ فى الفتح: وأصلها ودية بفتح الواو وسكون الدال، تقول ودى القتيل يَدِيهِ: إذا أعطى وليه ديته، وهى

ص: 174

ما جعل فى مقابلة النفس وسمى دية تسمية بالمصدر وفاؤها محذوفة، والهاء عوض، وفى الأمر"د" القتيل بدال مكسورة حسب، فإن وقفت قلت "ده" اهـ.

أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: هو قاضى المدينة المنورة أبو بكر ابن محمد بن عمرو بن حزم بن زيد بن لوذان بن حارثة بن عدى بن زيد بن ثعلبة بن زيد مناة بن حبيب بن عبد حارثة بن مالك بن جشم بن الحارث بن الخزرج الأنصارى الخزرجى المدنى يقال: اسمه أبو بكر وكنيته أبو محمد وقيل: اسمه كنيته. وهو والد عبد اللَّه قاضى المدينة. روى عن أبيه وخالته عمرة بنت عبد الرحمن وخالدة بنت أنس ولها صحبة، والسائب بن يزيد وعباد بن تميم وسلمان الأغر وعبد اللَّه بن قيس بن مخرمة وعبد اللَّه بن عمرو ابن عثمان وعمر بن عبد العزيز وأبى سلمة بن عبد الرحمن وغيرهم، ولم يدرك جده عمرو بن حزم وقد روى عنه ابناه عبد اللَّه ومحمد وابن عمه محمد ابن عمارة بن عمرو بن حزم وعمرو بن دينار وهو أكبر منه والزهرى ويحيى بن سعيد الأنصارى وغيرهم. وقد كان من مشاهير الفقهاء والعبَّاد وقد كان أثر السجود ظاهرا فى جبهته وأنفه وقد قيل

ص: 175

لعمر بن عبد العزيز: استعملت أبا بكر بن حزم غرك بصلاته فقال: إذا لم يغرنى المصلون فمن يغرنى؟ رحمهما اللَّه. وقد أمره عمر بن عبد العزيز أن يكتب له حديث عمرة بنت عبد الرحمن والقاسم ابن محمد. وكان من الثقات: وقد توفى سنة مائة من الهجرة وقيل بعدها. واللَّه أعلم.

عن أبيه: هو محمد بن عمرو بن حزم بن زيد بن لوذان الأنصارى النجارى أبو عبد الملك المدنى ويقال: أبو سليمان. ولد فى حياة النبى صلى الله عليه وسلم سنة عشر بنجران حيما كان أبوه واليا عليها لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقد روى عن أبيه وعن عمر بن الخطاب وعمرو ابن العاص، وروى عنه ابنه أبو بكر وعمر بن كثير ابن أفلح. وكان ثقة قليل الحديث وقتل يوم الحرة سنة ثلاث وستين من الهجرة رحمه الله.

جده: هو عمرو بن حزم بن زيد بن لوذان الأنصارى الخزرجى النجارى أبو الضحاك روى عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وعنه ابنه محمد وامرأته سودة بنت حارثة وزياد بن نعيم الحضرمى والنضر بن عبد اللَّه السلمى. وقد شهد الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة، واستعمله النبى صلى الله عليه وسلم على نجران وهو ابن سبع عشرة سنة

ص: 176

وقد اختلف فى وفاته فقيل سنة 51 أو 52 أو 53 أو 54. وقيل غير ذلك واللَّه أعلم.

كتب إلى أهل اليمن: أى أرسل إلى أهل اليمن كتابا مع عمرو بن حزم وكان الكتاب مُوَجَّهَا من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى شرحبيل بن عبد كلال ونعيم ابن عبد كلال والحارث بن عبد كلال قَيْل ذى رعين. وفى هذا الكتاب الفرائض والسنن والديات.

فذكر الحديث: أى فذكر ما فى كتاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن من الفرائض والسنن والديات.

وفيه: أى وفى كتاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المذكور.

من اعتبط مؤمنا قتلا عن بينة: أى من قتل مسلما اعتباطا بلا جناية منه ولا جريرة توجب قتله وقامت على ذلك البينة.

فإنه قود: أى ففيه القصاص.

إلا أن يرضى أولياء المقتول: أى إلا أن يتنازل عن القصاص مستحقوه من أولياء القتيل، ويقبلوا الدية.

وإن فى النفس الدية مائة من الإِبل: أى وإن فى إزهاق الروح الدية يعنى فى قتل الخطأ أو فى العمد إذا تنازل أولياء القتيل عن القصاص، ومقدار الدية مائة من الإِبل.

ص: 177

وفى الأنف إذا أوعِبَ جَدْعُهُ الدية: أى وتجب الدية كاملة فى الأنف إذا قطع جميعه.

وفى اللسان الدية: أى وتجب الدية كاملة فى قطع اللسان أو إصابته.

وفى الصُّلب الدية: أى فى كسر العمود الفقرى أو متن الظهر الدية، قال فى القاموس: الصلب بالضم وبالتحريك: عظم من لدن الكاهل إلى العجب.

وفى الشفتين الدية: أى ويجب فى قطع الشفتين الدية كاملة. وحدُّهما من تحت المنخرين إلى منتهى الشدقين فى عرض الوجه.

وفى البيضتين الدية: أى وفى أنثيى الرجل الدية.

وفى المأمومة: أى وفى الجناية التى بلغت أم الرأس وهى الدماغ أو الجلدة الرقيقة عليها.

وفى الجائفة: وهى الطعنة التى تصيب البطن فتصل إلى الجوف وقيل: هى التى تصل جوف العضو من ظهر أو صدر أو ورك أو عنق أو ساق أو عضد مما له جوف.

وفى المُنَقِّلَةِ: وهى الجناية التى تكسر العظم وتنقله من مكانه.

وفى الْمُوَضِّحَةِ: وهى التى تُوَضِّحُ العظم وتكشفه بإزالة ما عليه من اللحم.

وعلى أهل الذهب ألف دينار: أى ومن يريد دفع قيمة الدية بدل الإِبل عليه ألف دينار.

ص: 178

[البحث]

قال الحافظ فى تلخيص الحبير عن حديث عمرو بن حزم هذا: هو مشهور قد رواه مالك، والشافعى عنه عن عبد اللَّه بن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه: أن فى الكتاب الذى كتبه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم فى العقول، ووصله نعيم بن حماد عن ابن المبارك عن معمر عن عبد اللَّه بن أبى بكر بن حزم عن أبيه عن جده، وجده محمد بن عمرو بن حزم ولد فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم ولكن لم يسمع منه، وكذا أخرجه عبد الرزاق عن معمر، ومن طريقه الدارقطنى، ورواه أبو داود والنسائى من طريق ابن وهب عن يونس عن الزهرى مرسلا ورواه أبو داود فى المراسيل عن ابن شهاب قال: قرأت فى كتاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم حين بعثه إلى نجران، وكان الكتاب عند أبى بكر بن حزم، ورواه النسائى وابن حبان والحاكم والبيهقى موصولا مطولا من حديث الحكم بن موسى عن يحيى بن حمزة عن سليمان بن داود حدثنى الزهرى عن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده، وفرقه الدارمى فى مسنده عن الحكم مقطعا، وقد اختلف أهل الحديث فى صحة هذا الحديث، فقال أبو داود فى المراسيل: قد أسند هذا الحديث ولا يصح، والذى فى إسناده سليمان بن داود وهم إنما هو سليمان بن أرقم، وقال فى موضع آخر: لا أحدث به، وقد وهم الحكم بن موسى فى قوله: سليمان بن داود، وقد حدثنى محمد بن الوليد الدمشقى أنه قرأه فى

ص: 179

أصل يحيى بن حمزة: سليمان بن أرقم، وهكذا قال أبو زرعة الدمشقى: إنه الصواب، وتبعه صالح بن محمد جزرة، وأبو الحسن الهروى وغيرهما. وقال جزرة: نا دحيم قال: قرأت فى كتاب يحيى ابن حمزة حديث عمرو بن حزم فإذا هو عن سليمان بن أرقم، قال صالح: كتب هذه الحكاية عنى مسلم بن الحجاج، قلت: ويؤكد هذا ما رواه النسائى عن الهيثم بن مروان عن محمد بن بكار عن يحيى ابن حمزة عن سليمان بن أرقم عن الزهرى. وقال: هذا أشبه بالصواب. وقال ابن حزم: صحيفة عمرو بن حزم منقطعة لا تقوم بها حجة، وسليمان بن داود متفق على تركه، وقال عبد الحق: سليمان بن داود هذا الذى يروى هذه النسخة عن الزهرى ضعيف. ويقال: إنه سليمان بن أرقم، وتعقبه ابن عدى فقال: هذا خطأ إنما هو سليمان ابن داود وقد جوَّده الحكم بن موسى انتهى، وقال أبو زرعة: عرضته على أحمد فقال: سليمان بن داود هذا ليس بشئ، وقال ابن حبان: سليمان بن داود اليمامى ضعيف وسليمان بن داود الخولانى ثقة وكلاهما يروى عن الزهرى، والذى روى حديث الصدقات هو الخولانى، فمن ضعفه فإنما ظن أن الراوى له هو اليمامى، قلت: ولولا ما تقدم من أن الحكم بن موسى وهم فى قوله: سليمان بن داود وإنما هو سليمان بن أرقم لكان كلام ابن حبان وجه اهـ هذا والأحكام التى دل عليها هذا الحديث يكاد ينعقد إجماع المسلمين على القول بها واللَّه أعلم.

ص: 180

2 -

وعن ابن مسعود رضى اللَّه عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "دية الخطإ أخماسا: عشرون حقة وعشرون جذعة، وعشرون بنات مخاض، وعشرون بنات لبون، وعشرون بنى لبون" أخرجه الدارقطنى، وأخرجه الأربعة بلفظ:"وعشرون بنى مخاض" بدل "بنى لبون" وإسناد الأول أقوى، وأخرجه ابن أبى شيبة من وجه آخر موقوفا، وهو أصح من المرفوع. وأخرجه أبو داود والترمذى من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه:"الدية ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خَلِفَةً فى بطونها أولادها".

[المفردات]

دية الخطإ أخماسا: أى تؤخذ دية قتل الخطإ مخمسة من خمسة أنواع من الإِبل من كل نوع خُمْسُهَا.

حقة: وهى من الإبل ما استكمل السنة الثالثة ودخل فى الرابعة.

جذعة: وهى ما استكملت أربع سنين ودخلت فى الخامسة.

بنات مخاض: وهى ما استكملت السنة الأولى ودخلت فى السنة الثانية.

بنات لبون: وهى ما استكملت الثانية ودخلت فى الثالثة، وابن اللبون كذلك.

الأربعة: أى أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه عن ابن مسعود رضى اللَّه عنه.

وإسناد الأول: يعنى حديث الدارقطنى عن ابن مسعود.

ص: 181

أقوى: أى أمثل فى السند من حديث ابن مسعود عند الأربعة.

موقوفا: أى على ابن مسعود لم يرفعه إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.

وهو أصح من المرفوع: أى والموقوف على ابن مسعود أصح من الذى ذكر فيه الرفع إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.

خَلِفَةً: هى الحامل من النُّوق.

[البحث]

قال الدارقطنى فى سننه: نا أبو حفص عمر بن أحمد بن على الجوهرى نا سعيد بن مسعود نا النضر بن شميل أنا سعيد بن أبى عروبة، عن قتادة عن لاحق بن حميد عن أبى عبيدة عن ابن مسعود أنه قال: دية الخطأ أخماسا: عشرون جذعة، وعشرون حقة، وعشرون بنات لبون، وعشرون بنو لبون ذكور، وعشرون بنات مخاض نا الحسين بن إسماعيل نا العباس بن يزيد نا بشر بن المفضل نا سليمان التيمى عن أبى مجلز عن أبى عبيدة أن ابن مسعود ح ونا دعلج بن أحمد نا حمزة بن جعفر الشيرازى ثنا أبو سلمة نا حماد بن سلمة نا سليمان التيمى عن أبى مجلز عن أبى عبيدة أن ابن مسعوب قال: دية الخطأ خمسة أخماس: عشرون حقة، وعشرون جذعة، وعشرون بنات مخاض، وعشرون بنات لبون، وعشرون بنو لبون ذكور. لفظ دعلج، وهذا إسناد حسن، ورواته ثقات، وقد روى عن علقمة عن عبد اللَّه نحوه، ثنا به القاضى الحسين بن إسماعيل

ص: 182

نا عباس بن يزيد نا وكيع عن سفيان عن أبى إسحاق عن علقمة عن عبد اللَّه نحوه. ونا محمد بن القاسم بن زكريا المحاربى نا أبو كريب نا عبد الرحيم بن سليمان عن حجاج بن أرطأة عن زيد بن جبير عن خشف بن مالك عن عبد اللَّه بن مسعود قال: قضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى دية الخطأ مائة الإِبل، منها عشرون حقة، وعشرون جذعة وعشرون بنات لبون، وعشرون بنات مخاض، وعشرون بنى مخاض. هذا حديث ضعيف غير ثابت عند أهل المعرفة بالحديث من وجوه عدة، أحدها أنه مخالف لما رواه أبو عبيدة بن عبد اللَّه بن مسعود عن أبيه بالسند الصحيح عنه الذى لا مطعن فيه ولا تأويل عليه، وأبو عبيدة أعلم بحديث أبيه، وبمذهبه، وفتياه من خشف بن مالك ونظرائه، وعبد اللَّه بن مسعود أتقى لربه، وأشح على دينه من أن يروى عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه يقضى بقضاء ويفتى بخلافه. هذا لا يتوهم مثله على عبد اللَّه بن مسعود وهو القائل فى مسألة وردت عليه، لم يسمع فيها من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم شيئا، ولم يبلغه عنه فيها قول: أقول فيها برأيى، فإن يكن صوابا فمن اللَّه ورسوله، وإن يكن خطأ فمنى، ثم بلغه بعد ذلك أن فتياه فيها وافق قضاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى مثلها، فرآه أصحابه عند ذلك فرح فرحا لم يروه فرح مثله، من موافقة فتياه قضاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. فمن كانت هذه صفته، وهذا حاله، فكيف يصح عنه أن يروى عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم شيئا ويخالفه، ويشهد أيضا لرواية أبى عبيدة بن

ص: 183

عبد اللَّه بن مسعود عن أبيه ما رواه وكيع وعبد اللَّه بن وهب وغيرهما عن سفيان الثورى عن منصور عن إبراهيم عن عبد اللَّه بن مسعود أنه قال: دية الخطأ أخماسا. حدثنا به القاضى المحاملى نا العباس بن يزيد نا وكيع عن سفيان عن منصور عن إبراهيم عن عبد اللَّه قال: دية الخطأ أخماسا، ثم فسرها كما فسرها أبو عبيدة وعلقمة عنه سواء. فهذه الرواية وإن كان فيها إرسال، فإبراهيم النخعى هو أعلم الناس بعبد اللَّه وبرأيه وبفتياه، قدأخذ ذلك عن أخواله علقمة والأسود وعبد الرحمن ابنى يزيد وغيرهم من كبراء أصحاب عبد اللَّه وهو القائل إذا قلت لكم: قال عبد اللَّه بن مسعود فهو عن جماعة من أصحابه عنه، وإذا سمعته من رجل واحد سميته لكم، ووجه آخر وهو أن الخبر المرفوع الذى فيه ذكر بنى المخاض لا نعلمه رواه إلا خشف بن مالك عن ابن مسعود، وهو رجل مجهول، ولم يروه عنه إلا زيد بن جبير بن حرمل الجشمى، وأهل العلم بالحديث لا يحتجون بخبر ينفرد بروايته رجل غير معروف، وإنما يثبت العلم عندهم بالخبر إذا كان (رواته) عدلا مشهورا، أو رجل قد ارتفع اسم الجهالة عنه، وارتفاع اسم الجهالة عنه أن يروى عنه رجلان فصاعدا. فإذا كان هذه صفته ارتفع عنه اسم الجهالة، وصار حينئذ معروفا، فأما من لم يرو عنه إلا رجل واحد، انفرد بخبر وجب التوقف عن خبره ذلك حتى يوافقه غيره، واللَّه أعلم، ووجه آخر أن خبر خشف بن مالك لا نعلم أن أحدا رواه عن زيد بن جبير عنه إلا حجاج بن أرطأة، والحجاج

ص: 184

(فرجل) مشهور بالتدليس وبأنه يحدث عن من لم يلقه، ومن لم يسمع منه، قال أبو معاوية الضرير: قال لى حجاج: لا يسألنى أحد عن الخبر يعنى إذا حدثتكم بشئ فلا تسألونى من أخبرك به وقال يحيى ابن زكريا بن أبى زائدة: كنت عند الحجاج بن أرطأة يوما فأمر بغلق الباب، ثم قال: لم أسمع الزهرى شيئا، ولم أسمع إبراهيم ولا من الشعبى إلا حديثا واحدا، ولا من فلان ولا من فلان حتى عد سبعة عشر أو بضعة عشر كلهم قد روى عنه الحجاج، ثم زعم بعد روايته عنهم أنه لم يلقهم ولم يسمع منهم شيئا. وترك الرواية عنه سفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد القطان عيسى بن يونس بعد أن جالسوه وخبروه، وكفاك بهم علما بالرجال ونبلا، قال سفيان بن عيينة: دخلت على الحجاج بن أرطأة وسمعت كلامه فذكر شيئا أنكرته، فلم أحمل عنه شيئا، وقال يحيى بن سعيد القطان: رأيت الحجاج بن أرطأة بمكة فلم أحمل عنه شيئا، ولم أحمل أيضا عن رجل عنه. كان عده مضطربا. وقال يحيى بن معين: الحجاج بن أرطأة لا يحتج بحديثه، وقال عبد اللَّه بن إدريس: سمعت الحجاج يقول لا ينبل الرجل حتى يدع الصلاة فى الجماعة، وقال عيسى بن يونس: سمعت الحجاج يقول: أخرج إلى الصلاة يزاحمنى الحمالون والبقالون. وقال جرير: سمعت الحجاج يقول: أهلكنى حب المال والشرف. ووجه آخر وهو أن جماعة من الثقات رووا هذا الحديث عن الحجاج ابن أرطأة فاختلفوا عليه فيه، فرواه عبد الرحيم بن سليمان عن حجاج

ص: 185

على هذا اللفظ الذى ذكرنا عنه، ووافقه على ذلك عبد الواحد بن زياد، وخالفهما يحيى بن سعيد الأموى وهو من الثقات، فرواه عن الحجاج عن زيد بن جبير عن خشف بن مالك قال: سمعت عبد اللَّه بن مسعود يقول: قضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى الخطأ أخماسا: عشرون جذاعا وعشرون بنات لبون، وعشرون بنى لبون، وعشرون بنات مخاض، وعشرون بنى مخاض ذكور، فجعل مكان الحقاق: بنى لبون. حدثنا بذلك أحمد بن عبد اللَّه وكيل أبى صخرة حدثنا عمار بن خالد النمار حدثنا يحيى بن سعيد الأموى، ورواه إسماعيل بن عياش عن الحجاج عن زيد بن حية عن خشف ابن مالك عن ابن مسعود أيضا: قضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى دية الخطأ أخماسا: خمسا جذاع، وخمسا حقاق، وخمسا بنات لبون، وخمسا بنات مخاض، وخمسا بنى لبون ذكور، فجعل مكان بنى المخاض: بنى اللبون، ووافق رواية أبى عبيدة عن عبد اللَّه. حدثنا بذلك أحمد بن محمد بن رميح حدثنا أحمد بن محمد بن إسحاق العنزى نا على بن حجر نا إسماعيل بن عياش، ورواه أبو معاوية الضرير وحفص بن غياث وعمرو بن هاشم أبو مالك الجنبى وأبو خالد الأحمر كلهم عن الحجاج بهذا الإِسناد عن زيد بن حية عن خشف بن مالك عن عبد اللَّه قال: جعل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم دية الخطأ أخماسا، لم يزيدوا على هذا، ولم يذكروا فيه تفسير الأخماس. نا محمد بن القاسم بن زكريا نا هشام بن يونس نا أبو مالك

ص: 186

الجنبى ح وثنا محمد بن القاسم بن زكريا نا أبو سعيد الأشج نا أبو خالد الأحمر جميعا عن حجاج ح وثنا إسماعيل بن محمد الصفار نا سعدان بن نصر نا أبو معاوية ح ونا أبو بكر النيسابورى نا محمد بن يزيد ابن طيفور نا أبو معاوية ح ونا الهروى نا أحمد بن نجدة نا الحمانى نا حفص وأبو معاوية مثله، ورواه يحيى بن زكريا بن أبى زائدة عن حجاج، واختلف عنه، فرواه عنه سريج ين يونس بموافقة عبد الرحيم وعبد الواحد بن زياد، وخالفه أبو هشام الرفاعى، فرواه عنه بموافقة أبى معاوية الضرير ومن تابعه: أن النبى صلى الله عليه وسلم جعل دية الخطأ أخماسا، لم يفسرها، فقد اختلفت الرواية عن الحجاج كما ترى، فيشبه أن يكون الصحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم جعل دية الخطأ أخماسا كما رواه أبو معاوية وحفص وأبو مالك الجنبى وأبو خالد وابن أبى زائدة فى رواية أبى هشام عنه، وليس فيه تفسير الأخماس لا تفاقهم على ذلك، وكثرة عددهم وكلهم ثقات، ويشبه أن يكون الحجاج ربما كان يفسر الأخماس برأيه بعد فراغه من حديث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيتوهم السامع أن ذلك فى حديث النبى صلى الله عليه وسلم وليس ذلك فيه، وإنما هو من كلام الحجاج، ويقوى هذا أيضا اختلاف عبد الواحد بن زياد وعبد الرحيم ويحيى بن سعيد الأموى عنه فيما ذكرنا فى أحاديثهم أن يحيى بن سعيد الأموى حفظ عنه: عشرين بنى لبون، مكان الحقاق، وأن عبد الواحد وعبد الرحيم حفظا عنه: عشرين حقة، مكان بنى لبون، واللَّه أعلم. ووجه آخر وهو أنه قد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم وعن جماعة من

ص: 187

الصحابة والمهاجرين والأنصار فى دية الخطأ أقاويل مختلفة لا نعلم روى عن أحد منهم فى ذلك ذكر بنى مخاض إلا فى حديث خشف بن مالك هذا، فأما ما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم فروى إسحاق بن يحيى بن الوليد بن عبادة عن عبادة بن الصامت عن النبى صلى الله عليه وسلم فى دية الخطأ: ثلاثين حقة وثلاثين جذعة وعشرين بنات لبون وعشرين بنى لبون ذكور وهذا حديث مرسل، إسحاق بن يحيى لم يسمع من عبادة بن الصامت، ورواه محمد بن راشد عن سليمان ابن موسى عن عمرو بن. شعيب عن أبيه عن جده أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من قتل خطأ فديته مائة من الإِبل: ثلاثون بنات مخاض وثلاثون بنات لبون وثلاثون حقة وعشر بنو لبون ذكور. حدثنا به الحسين بن إسماعيل نا يوسف بن موسى نا عبيد اللَّه بن موسى نا محمد بن راشد، وهذا أيضا فيه مقال من وجهين: أحدهما أن عمرو بن شعيب لم يخبر فيه بسماع أبيه من جده عبد اللَّه بن عمرو، والوجه الثانى أن محمد بن راشد ضعيف عند أهل الحديث. وروى عن عمر بن الخطاب مثل ما روى إسحاق بن يحيى عن عبادة وروى عن عثمان بن عفان وزيد بن ثابت قالا: فى دية الخطأ: ثلاثون حقة وثلاثون بنات لبون، وعشرون بنات مخاض وعشرون بنو لبون ذكور. نابذلك عمر بن أحمد المروزى نا سعيد بن مسعود نا النضر عن سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب وعن عبد ربه عن أبى عياض: أن عثمان بن عفان وزيد بن ثابت قالا

ص: 188

ذلك. حدثنا دعلج بن أحمد نا حمزة بن جعفر نا موسى بن إسماعيل نا حماد نا الحجاج عن الشعبى عن زيد بن ثابت بذلك. وروى عن على أنه قال: دية الخطأ أرباع: خمس وعشرون جذعة، وخمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون بنات لبون، وخمس وعشرون بنات مخاض، نا به دعلج بن أحمد نا حمزة بن جعفر نا موسى بن إسماعيل نا حماد عن الحجاج عن أبى إسحاق عن الحارث عن على بذلك، وعن الحجاج عن الشعبى وإبراهيم النخعى مثله. نا الحسين بن إسماعيل نا العباس بن يزيد نا وكيع نا سفيان عن أبى إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن على أنه كان يجعل الدية فى الخطأ أرباعا: خمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون بنت لبون وخمسن وعشرون بنت مخاض. حدثنا الحسين بن إسماعيل نا يوسف بن موسى نا بهز بن أسد نا محمد بن راشد نا سليمان بن موسى عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: من قتل متعمدا دفع إلى ولى المقتول فإن شاءوا قتلوا، وإن شاءوا أخذوا الدية وهى ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة، وما صالحوا عليهم فهو لهم، وذلك شديد العقل اهـ هذا وقد تعقب البيهقى الدارقطنى فى تقوية أثر أبى عبيدة وذكر أن الدارقطنى وهم فيه وقال: إن جعله لبنى اللبون غلط فيه وصحح عن عبد اللَّه أنه جعل أحد أخماسها بنى المخاض قال: لا كما توهم شيخنا الدارقطنى، وقال: والجواد يعثر قال: وقد رأيته فى جامع سفيان الثورى عن منصور عن

ص: 189

إبراهيم عن عبد اللَّه، وعن أبى إسحاق عن علقمة عن عبد اللَّه، وعن عبد الرحمن بن مهدى عن يزيد بن هارون عن سليمان التيمى عن أبى مجلز عن أبى عبيدة عن عبد اللَّه، وعند الجميع: بنى مخاض قال الحافظ فى التلخيص تعقيبا على البيهقى: وقد رد على نفسه بنفسه فقال: وقد رأيته فى كتاب ابن خزيمة وهو إمام من رواية وكيع عن سفيان فقال: بنى لبون كما قال الدارقطنى. قلت: فانتفى أن يكون الدارقطنى عثر فلعل الخلاف فيه من فوق اهـ هذا وقد قال الخطابى فى حديث عمرو بن شعيب هنا: هذا الحديث لا أعرف أحدا من الفقهاء قال به اهـ وقد قال الترمذى: وقد أجمع أهل العلم على أن الدية تؤخذ فى ثلاث سنين، فى كل سنة ثلث الدية. ورأوا أن دية الخطأ على العاقلة اهـ.

ص: 190

3 -

وعن ابن عمر رضى اللَّه عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "وإن أَعْتَى الناس على اللَّه ثلاثة: من قتل فى حرم اللَّه، أو قَتَلَ غيرَ قاتله، أو قتل لذَحْلِ الجاهلية" أخرجه ابن حبان فى حديث صححه.

[المفردات]

أعتى الناس: أى أشد الناس تكبرا وتَجَبُّرًا وظلما وأبغضهم عند اللَّه عز وجل.

من قتل فى حرم اللَّه: أى من سفك دم مسلم بغير حق فى

ص: 190

مكة وسائر الحرم.

أو قتل غير قاتله: أى أو سفك دم إنسان لم يقتل له قتيلا وإنما الذى قتل هو غيره، وكان أهل الجاهلية لا يكتفون بقتل القاتل وإنما يقتلون معه بعض أقاربه البرآء من الجريمة، بل كانوا يأخذون الجار بجاره والحليف بحليفه.

أو قَتَلَ لذَحْل الجاهلية: الذَّحْل بفتح الذال وسكون الحاء هو الثأر والعداوة والمراد أنه يقتل لثأر الجاهلية وإحنها وقد أهدر دماءها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فكل دم من دماء الجاهلية موضوع، بعد أن دخل الناس فى الإسلام.

[البحث]

قال ابن حبان فى صحيحه فى باب ما جاء فى غزوة الفتح: أخبرنا الحسين بن مصعب بمرو بقرية سلج حدثنا محمد بن عمر بن الهياج حدثنا يحيى بن عبد الرحمن الأرجى حدثنى عبيدة بن الأسود حدثنا القاسم بن الوليد عن سنان بن الحارث بن مصرف عن طلحة ابن مصرف عن مجاهد عن ابن عمر قال: كانت خزاعة حلفاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وكانت بنو بكر رهط من بنى كنانة حلفاء لأبى سفيان، قال: وكانت بينهم موادعة أيام الحديبية، فأغارت بنو بكر على خزاعة فى تلك المدة، فبعثوا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يستمدونه، فخرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ممدا لهم فى شهر رمضان، فصام حتى بلغ قديدا، ثم أفطر، وقال: "ليصم الناس فى السفر، ويفطروا، فمن

ص: 191

صام أجزأ عنه صومه، ومن أفطر وجب عليه القضاء، ففتح اللَّه مكة، فلما دخلها أسند ظهره إلى الكعبة وقال:"كفوا السلاح إلا خزاعة عن بكر"، حتى جاءه رجل، فقال: يا رسول اللَّه إنه قتل رجل بالمزدلفة، فقال:"إن هذا الحرم حرام عن أمر اللَّه، لم يحل لمن كان قبلى ولا يحل لمن بعدى، وإنه لم يحل لى إلا ساعة واحدة، وإنه لا يحل لمسلم أن يشهر فيه سلاحا، وإنه لا يختلى خلاه، ولا يعضد شجره، ولا ينفر صيده" فقال رجل: يا رسول اللَّه إلا الإذخر فإنه لبيوتنا وقبورنا، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"إلا الإذخر، وإن أعتى الناس على اللَّه ثلاثة: من قتل فى حرم اللَّه، أو قتل غير قاتله، أو قتل بذحل الجاهلية" فقام رجل فقال يا رسول اللَّه إنى وقعت على جارية بنى فلان وإنها ولدت لى فأمرْ بولدى فَلْيُرَدَّ إلىَّ، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"ليس بولدك، لا يجوز هذا فى الإسلام، والمدعى عليه أولى باليمين إلا أن تقوم بينة، الولد للفراش وبفي العاهر الأثلب" فقال رجل: يا رسول اللَّه وما الأثلب؟ قال: الحجر، فمن عهر بامرأة لا يملكها أو امرأة قوم آخرين فولدت له فليس بولده لا يرث، ولا يورث، والمؤمنون يد على من سواهم تتكافأ دماؤهم، يعقد عليهم أولهم، ويرد عليهم أقصاهم، ولا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد فى عهده ولا يتوارث أهل ملتين، ولا تنكح المرأة على عمتها، ولا على خالتها، ولا تسافر ثلاثا مع غير ذى محرم، ولا تصلوا بعد الفجر حتى تطلع الشمس، ولا تصلوا بعد العصر حتى تغرب

ص: 192

الشمس" اهـ وقد قال البخارى فى صحيحه: باب من طلب دم امرئ بغير حق: حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن عبد اللَّه بن أبى حسين حدثنا نافع بن جبير عن ابن عباس: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: أبغض الناس إلى اللَّه ثلاثة: ملحد فى الحرم، ومبتغ فى الإسلام سنة الجاهلية، ومُطَّلِبُ دم امرئ بغير حق ليهريق دمه.

[ما يفيده الحديث]

1 -

أن المعصية فى الحرم ليست كالمعصية فى غيره.

2 -

وأن القتل بغير حق فى الحرم يستجلب غضب اللَّه ومقته أعظم مما يجلبه القتل فى غيره وإن كان القتل مطلقا فى القمة من الكبائر.

3 -

وأنه لا يجوز لولى الدم المسفوك عمدا أن يقتل غير قاتل وليه.

4 -

إبطال الإسلام لجهالات أهل الجاهلية.

5 -

أن من يبتغى فى الإسلام سنة الجاهلية يعتبر مرتكبا لكبيرة من أفحش الكبائر.

6 -

إعلان الإسلام لقواعد العدالة.

7 -

حفظ الإسلام لحقوق الإنسان.

ص: 193

4 -

وعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضى اللَّه عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "ألا إن دية الخطأ وشبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الإِبل منها أربعون فى بطونها

ص: 193

أولادها" أخرجه أبو داود والنسائى وابن ماجه وصححه ابن حبان.

[المفردات]

دية الخطأ: أى دية القتل الذى حدث خطأ دون تعمد.

وشبه العمد: ما كان بالسوط والعصا: أى وأن دية القتل شبه العمد وهو ما حدث بالسوط والعصا يعنى مما لم يقتل غالبا وإن حصل من صاحبه قصد الضرب أو الرمى.

[البحث]

قوله: "دية الخطأ وشبه العمد" بالعطف جاء هكذا فى بلوغ المرام، والذى فى سنن أبى داود والنسائى وابن ماجه "دية الخطأ شبه العمد" وهو الصواب لأن المقصود هنا بيان دية شبه العمد وهى مغلظة حيث قال:"منها أربعون فى بطونها أولادها" بخلاف دية الخطأ الذى لا يشبه العمد. ولا شك أن القتل إما خطأ محض، وإما خطأ شبه عمد، وإما عمد فمن لم يقصد القتل ولم يضرب بعصا ولا سوط فهو خطأ محض، ومن لم يقصد القتل ولكنه تعمد الضرب بما لم يقتل غالبا كالعصا والسوط فهو خطأ شبه عمد، أما من تعمد القتل واستعمل فيه آلته فهو عمد، ولا قصاص فى الخطأ وشبه العمد، وإنما القصاص فى القتل العمد فقط. هذا والحديث عند أبى داود من رواية خالد يعنى الحذاء عن القاسم بن ربيعة عن عقبة بن أوس عن عبد اللَّه بن عمرو أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خطب يوم الفتح بمكة فكبر ثلاثا ثم قال: لا إله إلا اللَّه وحده،

ص: 194

صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ألا إن كل مأثرة فى الجاهلية تذكر وتدعى من دم أو مال تحت قدمى، إلا ما كان من سقاية الحاج وسدانة البيت. ثم قال: ألا إن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الإِبل منها أربعون فى بطونها أولادها. وقال ابن ماجه: باب دية شبه العمد مغلظة: حدثنا محمد بن بشار ثنا عبد الرحمن بن مهدى ومحمد بن جعفر قالا: ثنا شعبة عن أيوب سمعت القاسم بن ربيعة عن عبد اللَّه بن عمرو عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "قتيل الخطأ شبه العمد قتيل السوط والعصا مائة من الإِبل أربعون منها خلفة فى بطونها أولادها" ثم ساق من طريق خالد الحذاء عق القاسم بن ربيعة عن عقبة بن أوس عن عبد اللَّه بن عمرو عن النبى صلى الله عليه وسلم نحوه. أما النسائى فقد رواه من طريق أيوب السختيانى عن القاسم بن ربيعة عن عبد اللَّه بن عمرو عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: قتيل الخطأ شبه العمد بالسوط والعصا مائة من الإِبل، أربعون منها فى بطونها أولادها، ثم ساقه من طريق أيوب عن القاسم بن ربيعة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خطب يوم الفتح. مرسل ثم ساقه من طريق خالد يعنى الحذاء عن القاسم بن ربيعة عن عقبة ابن أوس عن عبد اللَّه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"ألا وإن قتيل الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا: مائة من الإِبل، أربعون فى بطونها أولادها" ثم ساقه من طريق خالد عن القاسم بن ربيعة عن عقبة بن أوس عن رجل من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم قال: خطب النبى صلى الله عليه وسلم يوم

ص: 195

فتح مكة فقال: ألا وإن قتيل الخطأ شبه العمد بالسوط والعصا والحجر مائة من الإبل فيها أربعون ثنية بازل عامها كلهن خَلِفَةٌ. ثم ساقه من طريق خالد عن القاسم عن عقبة بن أوس أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: ألا إن قتيل الخطأ قتيل السوط والعصا فيه مائة من الإِبل مغلظة، أربعون منها فى بطونها أولادها. وفى لفظ للنسائى من طريق خالد عن القاسم بن ربيعة عن يعقوب بن أوس أن رجلا من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم حدثه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة عام الفتح قال: ألا وإن قتيل الخطأ العمد قتيل السوط والعصا. منها أربعون فى بطونها أولادها. اهـ

ص: 196

5 -

وعن ابن عباس رضى اللَّه عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "هذه وهذه سواء" يعنى الخنصر والإِبهام. رواه البخارى، ولأبى داود والترمذى "الأصابع سواء، والأسنان سواء الثنية والضرس سواء" ولابن حبان: "دية أصابع اليدين والرجلين سواء: عشرة من الإبل لكل إصبع".

[المفردات]

هذه: إشارة إلى الخنصر.

وهذه: إشارة إلى الإبهام.

يعنى الخنصر والإبهام: أى يقصد بالإشارة بهذه وهذه إلى

ص: 196

الإصبعين: الخنصر والإبهام. والخنصر هى الإصبع الصغرى ويقال للتى تليها البنصر والتى تلى البنصر الوسطى ثم بعد الوسطى السبابة والتى تليها الإِبهام.

ولأبى داود والترمذى: أى من حديث ابن عباس رضى اللَّه عنهما.

الأصابع سواء: أى دية كل أصبع من الأصابع على حد سواء لا فرق بين إصبع وإصبع.

والأسنان سواء الخ: أى ودية كل سن من الأسنان على حد سواء لا فرق بين سن وأخرى فالثنية والناب والضرس على حد سواء فى مقدار ديتها.

ولابن حبان: أى من حديث ابن عباس رضى اللَّه عنهما.

[البحث]

قال المجد ابن تيمية فى المنتقى: وعن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم: قال: "هذه وهذه سواء يعنى الخنصر والبنصر والإِبهام" رواه الجماعة إلا مسلما وفى رواية قال: "دية أصابع اليدين والرجلين سواء، عشر من الإبل لكل إصبع" رواه الترمذى وصححه اهـ والذى فى صحيح البخارى فى باب دية الأصابع: حدثنا آدم حدثنا شعبة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: هذه وهذه سواء" يعنى الخنصر والإبهام. حدثنا محمد بن بشار حدثنا ابن أبى عدى عن شعبة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال: سمعت النبى صلى الله عليه وسلم نحوه اهـ وقد أخرج أبو داود

ص: 197

من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنى شعبة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: الأصابع سواء والأسنان سواء: الثنية والضرس سواء هذه وهذه سواء قال أبو داود: ورواه النضر بن شميل عن شعبة بمعنى عبد الصمد ثم أخرج من طريق يزيد النحوى عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: الأسنان سواء والأصابع سواء. ثم أخرج من طريق يزيد النحوى عن عكرمة عن ابن عباس قال: جعل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أصابع اليدين والرجلين سواء. قال الحافظ فى تلخيص الحبير: حديث ابن عباس: جعل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أصابع اليد والرجل سواء وقال: الأسنان سواء الثنية والضرس سواء، وهذه وهذه سواء. أبو داود والبزار بتمامه وابن ماجه مختصر وابن حبان. وهو فى صحيح البخارى مختصر بلفظ: هذه وهذه سواء يعنى الخنصر والإبهام. اهـ وقدأخرج الترمذى من طريق يزيد النحوى عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "دية أصابع اليدين والرجلين سواء عشرة من الإبل لكل إصبع. ثم قال: حديث ابن عباس حديث حسن صحيح غريب، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم اهـ قال الحافظ فى الفتح: قلت: وبه قال جميع فقهاء الأمصار اهـ ثم ساق الترمذى من طريق شعبة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: هذه وهذه سواء يعنى الخنصر والإبهام هذا حديث حسن صحيح اهـ قال فى الفتح: قال

ص: 198

الخطابى: هذا أصل فى كل جناية لا تضبط كميتها، فإذا فاق ضبطها من جهة المعنى اعتبرت من حيث الاسم، فتتساوى ديتها، وإن اختلف حالها ومنفعتها، ومبلغ فعلها فإن للإبهام من القوة ما ليس للخنصر، ومع ذلك فديتهما سواء، ومثله فى الجنين غرة سواء كان ذكرا أو أنثى، وكذا القول فى المواضح ديتها سواء ولو اختلفت فى المساحة، وكذلك الأسنان نفع بعضها أقوى من بعض وديتها سواء نظرا للاسم فقط. وما أخرجه مالك فى الموطأ عن ربيعة: سألت سعيد بن المسيب: كم فى إصبع المرأة؟ قال: عشر قلت: ففى إصبعين؟ قال: عشرون. قلت: ففى ثلاث؟ قال: ثلاثون. قلت: ففى أربع؟ قال: عشرون. قلت: حين عظم جرحها، واشتدت مصيبتها نقص عقلها؟ قال: يابن أخى، هى السنة. فإنما قال ذلك لأن دية المرأة نصف دية الرجل، لكنها عنده تساويه فيما كان قدر ثلث الدية فما دونه، فإذا زاد على ذلك رجعت إلى حكم النصف اهـ.

[ما يفيده الحديث]

1 -

أن دية كل إصبع من أصابع اليدين والرجلين عشر من الإِبل.

2 -

أن دية الأسنان سواء لا فرق بين ثنية وناب وضرس.

ص: 199

6 -

وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضى اللَّه عنهم رفعه قال: "من تَطبَّبَ ولم يكن بالطب معروفا فأصاب نفسا فما دونها فهو ضامن" أخرجه الدارقطنى وصححه الحاكم وهو عند أبى داود والنسائى وغيرهما إلا أن من أرسله أقوى ممن وصله.

[المفردات]

من تطبب: أى من ادعى المعرفة بالطب وعالج مريضا وهو لا يعرف العلاج.

ولم يكن بالطب معروفا: أى ولم يشهد له أحد من الثقات بمعرفة الطب ودراسته.

فأصاب نفسا فما دونها: أى فأتلف بعلاجه إنسانا فمات من علاجه أو أتلف بعض أعضائه.

فهو ضامن: أى فالمتطبب ضامن لما أتلف وتجب بفعله الدية.

[البحث]

قال الدارقطنى: نا أبو بكر النيسابورى نا عيسى بن أبى عمران الرملى نا الوليد بن مسلم نا ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من تطبب ولم يُعْلَمْ منه الطبُّ قبل ذلك فهو ضامن، نا محمد بن عبد اللَّه بن إبراهيم نا محمد بن بشر بن مطر نا محمد بن عبد الرحمن بن سهم نا الوليد بن مسلم نا عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال:

ص: 200

قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من تطبب ولم يكن بالطب معروفا، فأصاب نفسا فما دونها، فهو ضامن" لم يسنده عن ابن جريج غير الوليد بن مسلم. وغيره يرويه عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب مرسلا عن النبى صلى الله عليه وسلم اهـ وقال أبو داود: "باب فيمن تطبب بغير علم" حدثنا نصر بن على الانطاكى ومحمد بن الصباح بن سفيان أن الوليد بن مسلم أخبرهم عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: من تطبب ولا يعلم منه طب فهو ضامن قال نصر: قال: حدثنى ابن جريج. قال أبو داود: هذا لم يروه إلا الوليد لا ندرى هو صحيح أم لا. حدثنا محمد بن العلاء ثنا حفص ثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز حدثنى بعض الوفد الذين قدموا على أبى قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أيما طبيب تطبب على قوم لا يعرف له تطبب قبل ذلك فأعنت فهو ضامن. أهـ وفى سند الدارقطنى: عيسى بن أبى عمران الرملى ترك ابن أبى حاتم الرواية عنه. وفى سنده وسند أبى داود: الوليد بن مسلم أبو العباس الدمشقى مدلس وربما يدلس عن الكذابين كما نقل الذهبى فى تذكرة الحفاظ عن أبى مسهر وغيره. وهو ثقة يحتج به إذا صرح بالتحديث، وقد ولد سنة تسع عشرة ومائة وقد نزل على حرملة بن عبد العزيز بذى المروة وهو راجع من الحج فمات عنده سنة خمس وتسعين فى شهر المحرم. رحمه الله وسند حديث عمرو بن شعيب قد تقدم الكلام عليه كثيرا قال

ص: 201

ابن القيم رحمه الله فى الهدى النبوى: والطبيب الجاهل إذا تعاطى علم الطب أو علَّمه ولم يتقدم له به معرفة فقد هجم بجهله على إتلاف الأنفس، وأقدم بالتهور على ما لا يعلمه، فيكون قد غرر بالعليل فيلزمه الضمان. اهـ وقد أجمع أهل العلم على ذلك. قال الخطابى: لا أعلم خلافا فى أن المعالج إذا تعدى فتلف المريض كان ضامنا والمتعاطى علما أو عملا لا يعرفه متعد فإذا تولد من فعله التلف ضمن الدية، وسقط عنه القود، لأنه لا يستبد بذلك دون إذن المريض، وجناية الطيب على قول عامة أهل العلم على عاقلته اهـ

ص: 202

7 -

وعنه رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: فى المواضح خَمْسٌ خمْسٌ من الإِبل. رواه أحمد والأربعة. وزاد أحمد: والأصابع سواء: كلهن عشر عشر من الإِبل. وصححه ابن خزيمة وابن الجارود.

[المفردات]

وعنه: أى وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضى اللَّه عنهم.

المواضح: جمع موضحة وقد تقدم تفسيرها فى مفردات الحديث الأول من أحاديث هذا الباب.

خمس خمس: أى فى الموضحة خمس من الإِبل فلو تعددت ففى كل واحدة خمس من الإِبل.

زاد أحمد: أى من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده

ص: 202

عشر عشر: أى فى الإصبع عشر من الإبل فلو تعددت ففى كل إصبع عشر من الإبل.

[البحث]

حديث: فى المواضح خمس أخرجه أبو داود والترمذى والنسائى من طريق حسين العلم عن عمرو بن شعيب أن أباه أخبره عن عبد اللَّه ابن عمرو أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: فى المواضح خمس. هذا لفظ إلى داود، ولفظ النسائى من طريق حسين المعلم عن عمرو بن شعيب أن أباه حدثه عن عبد اللَّه بن عمرو قال: لما افتتح رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مكة قال فى خطبته: وفى المواضع خمس خمس. أما الترمذى فلفظه عن حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "فى المواضح خمس خمس". هذا حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أهل العلم. اهـ أما ابن ماجه فقد أخرجه من طريق مطر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبى صلى الله عليه وسلم-قال: "فى المواضح خمس خمس من الإبل" وأما ما أشار إليه المصنف من زيادة أحمد: "والأصابع سواء كلهن عشر عشر من الإِبل" فإن أحمد لم ينفرد بهذه الزيادة فقد أخرجها كذلك ابن ماجه من طريق مطر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "الأصابع سواء كلهن فيهن عشر عشر من الإبل". اهـ هذا وقد تقدم مزيد بحث لهذا فى الحديث الخامس من أحاديث هذا الباب.

[ما يفيده الحديث]

1 -

أن فى الموضحة خمسا من الإبل.

ص: 203

2 -

أن فى كل إصبع عشرا من الإبل.

3 -

أن جميع ديات الأصابع على حد سواء.

ص: 204

8 -

وعنه رضى اللَّه عنه قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "عقل أهل الذمة نصف عقل المسلمين" رواه أحمد والأربعة، ولفظ أبى داود:"دية المعاهد نصف دية الحر" وللنسائى "عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى يبلغ الثلث من ديتها" وصححه ابن خزيمة.

[المفردات]

وعنه: أى وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضى اللَّه عنهم.

عقل أهل الذمة: أى دية القتيل من أهل الذمة وهم اليهود والنصارى الذين يعيشون تحت سلطان المسلمين ويؤدون الجزية عن يد وهم صاغرون.

نصف عقل المسلمين: أى نصف دية القتيل من المسلمين.

ولفظ أبى داود: أى من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضى اللَّه عنهم.

دية المعاهد: أى دية القتيل المعاهد وهو من دخل دار الإسلام من الكفار بعهد سواء كان العهد عهد إمام المسلمين له أو بتأمين بعض المسلمين له كذلك فإنه يسعى بذمتهم أدناهم.

ص: 204

نصف دية الحر: أى تساوى نصف دية القتيل من أحرار المسلمين والمراد به الخالص من الرق سواء كان قد سبق عليه رق أم لا.

وللنسائى: أى من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

عقل المرأة: أى دية المرأة يعنى فى أعضائها وجراحها.

مثل عقل الرجل: أى تتساوى مع دية الرجل فى جراحه.

حتى يبلغ الثلث: أى تستمر المساواة والمماثلة بين ديات جراح الرجل والمرأة حتى يصل الأرش إلى ثلث دية المرأة فإذا وصلت إلى الثلث صارت ديات جراحها على النصف من دية جراح الرجل، فمثلا فى أصبعين من أصابع المرأة عشرون ناقة كالرجل وفى ثلاث أصابع ثلاثون من الإبل وفى أربع أصابع عشرون من الإبل لأنها زادت على الثلث فترجع إلى النصف من دية جراح الرجل.

[البحث]

هذا الحديث رواه أبو داود من طريق محمد بن إسحاق عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده، ففيه علتان عنعنة محمد بن إسحاق والخلاف فى سند عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. غير أن أبا داود بعد أن أخرجه قال: قال أبو داود: رواه أسامة بن زيد وعبد الرحمن بن الحارث عن عمرو بن شعيب مثله اهـ أما الترمذى فقد أخرجه من طريق أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه

ص: 205

عن جده أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: لا يقتل مسلم بكافر. وبهذا الإِسناد عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: دية عقل الكافر نصف عقل المؤمن. حديث عبد اللَّه بن عمرو فى هذا الباب حديث حسن اهـ أما النسائى فقد أخرجه من طريق محمد بن راشد عن سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: عقل أهل الذمة نصف عقل المسلمين. وهم اليهود والنصارى ثم ساقه من طريق أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد اللَّه بن عمرو أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "عقل الكافر نصف عقل المؤمن". أما ابن ماجه فقد أخرجه من طريق عبد الرحمن بن عياش عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قضى أن عقل أهل الكتابين نصف عقل المسلمين. وهم اليهود والنصارى اهـ قال فى الزوائد: إسناده حسن لقصوره عن درجة الصحيح لأن عبد الرحمن بن عياش لم أر من ضعفه ولا من وثقه وعمرو بن شعيب عن جده مختلف فيه اهـ وعبد الرحمن بن الحارث الذى ذكره أبو داود هو عبد الرحمن بن عياش الذى ذكره ابن ماجه فهو عبد الرحمن بن الحارث بن عبد اللَّه بن عياش. وهو أبو الحارث المدنى قال فى التقريب: صدوق له أوهام اهـ وقد أخرج له البخارى فى الأدب المفرد كما أخرج له الأربعة. أما حديث النسائى فى دية المرأة فقد أخرجه من طريق إسماعيل بن عياش عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده كما أخرجه الدارقطنى بنفس السند. وقد أعل

ص: 206

هذا الحديث بأنه من رواية إسماعيل بن عياش عن غير الشاميين، وهو فى غير الشاميين ضعيف. وقد ذكرت فى بحث الحديث الخامس من أحاديث هذا الباب ما أخرجه مالك فى الموطأ عن ربيعة سألت سعيد بن المسيب: كم فى إصبع المرأة؟ قال: عشر. قلت: ففى إصبعين؟ قال: عشرون قلت: ففى ثلاث؟ قال: ثلاثون. قلت: ففى أربع؟ قال: عشرون قلت: حين عظم جرحها واشتدت مصيبتها نقص عقلها؟ قال: يا ابن أخى هى السنة اهـ. قال الحافظ فى تلخيص الحبير: قال الشافعى: كان مالك يذكر أنه من السنة كنت أتابعه عليه وفى نفسى منه شئ ثم علمت أنه يريد أنه سنة أهل المدينة فرجعت عنه.

ص: 207

9 -

وعنه رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "عقل شبه العمد مُغَلَّظٌ مثل عقل العمد ولا يقتل صاحبه، وذلك أن ينزو الشيطان، فتكون دماءٌ بين الناس فى غير ضغينة ولا حمل سلاح" أخرجه الدارقطنى وضعفه.

[المفردات]

وعنه: أى وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

عقل شبه العمد مغلظ مثل عقل العمد: أى دية قتيل العصا والسوط ونحوهما مما لا يقتل به غالبا دية مغلظة أى

ص: 207

أشد من دية قتيل الخطأ المحض، وكذلك دية قتيل العمد مغلظة إذا عفا أولياؤه عن القود وقبلوا الدية.

ولا يقتل صاحبه: أى ولا قود فى قتل شبه العمد.

وذلك أن ينزو الشيطان الخ: أى وإنما كان شبه العمد كذلك لا قصاص فيه لأن القتل وقع دون أن يتعمده القاتل والنزو هو الوثوب، والضغينة الحقد والعداوة.

[البحث]

أخرج الدأرقطنى هذا الحديث من طريق محمد بن راشد عن سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده باللفظ الذى ساقه المصنف دون قوله: وذلك أن ينزو الشيطان الخ ولم يذكر الدارقطنى تضعيف هذا السند بعد أن أخرجه وإنما ساق تضعيف هذا السند فى أثناء تحقيقه لحديت عبد اللَّه بن مسعود فى تخميس دية الخطأ فقال: ورواه محمد بن راشد عن سليمان بن موسى عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من قتل خطأ فديته مائة من الإبل: ثلاثون بنات مخاض وثلاثون بنات لبون وثلاثون حقة. وعشر بنو لبون ذكور. ثم قال وهذا أيضا فيه مقال من وجهين: أحدهما أن عمرو بن شعيب لم يخبر فيه بسماع أبيه من جده عبد اللَّه بن عمرو. والوجه الثانى أن محمد ابن راشد ضعيف عند أهل الحديث اهـ. هذا وقد روى أبو داود فى سننه هذا الحديث من طريق محمد يعنى ابن راشد عن سليمان يعنى ابن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: عقل شبه العمد مغلظ مثل عقل العمد ولا يقتل صاحبه قال: وزادنا

ص: 208

خليل عن ابن راشد: وذلك أن ينزو الشيطان بين الناس فيكون دماء فى عميا فى غير ضغينة ولا حمل سلاح اهـ.

ص: 209

10 -

وعن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: قتل رجل رجلا على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فجعل النبى صلى الله عليه وسلم ديته اثنى عشر ألفا. رواه الأربعة ورجح النسائى وأبو حاتم إرساله.

[المفردات]

على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أى فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم.

اثنى عشر ألفا: أى اثنى عشر ألف درهم.

إرساله: أى إسقاط ابن عباس رضى اللَّه عنهما.

[البحث]

قال أبو داود: حدثنا محمد بن سليمان الأنبارى ثنا زيد بن الحباب عن محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس أن رجلا من بنى عدى قتل فجعل النبى صلى الله عليه وسلم ديته اثنى عشر ألفا. قال أبو داود: رواه ابن عيينة عن عمرو عن عكرمة عن النبى صلى الله عليه وسلم لم يذكر ابن عباس اهـ وقال الترمذى: باب ما جاء فى الدية كم هى من الدراهم؟ حدثنا محمد بن بشار ثنا معاذ بن هانئ ثنا محمد بن مسلم هو الطائفى عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه جعل الدية اثنى عشر ألفا. حدثنا سعيد بن

ص: 209

عبد الرحمن المخزومى ثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن النبى صلى الله عليه وسلم نحوه ولم يذكر فيه عن ابن عباس اهـ وساق النسائى فى (ذكر الدية من الورق) من طريق محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس باللفظ الذى ساقه المصنف. ثم ساقه من طريق سفيان عن عمرو عن عكرمة سمعناه مرة يقول: عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قضى باثنى عشر ألفا. يعنى فى الدية اهـ وأخرجه ابن ماجه أيضا من طريق محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه جعل الدية اثنى عشر ألفا اهـ قال فى تلخيص الحبير: حديث أنه صلى الله عليه وسلم قضى فى الدية بألف دينار أو اثنى عشر ألف درهم وروى عن ابن عباس أن رجلا قتل على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فجعل ديته اثنى عشر ألف درهم، أما قضاؤه فى الدية بألف دينار فهو فى حديث عمرو بن حزم الطويل وأما قضاؤه فى الدية باثنى عشر ألفا فهو حديث ابن عباس بعينه، وقد رواه أصحاب السنن من حديث عكرمة واختلف فيه على عمرو بن دينار فقال محمد بن مسلم الطائفى عنه عن عكرمة هكذا وقال ابن عيينة عن عمرو بن دينار مرسلا، قال ابن أبى حاتم عن أبيه: المرسل أصح وتبعه عبد الحق اهـ.

ص: 210

11 -

وعن أبى رمثة رضى اللَّه عنه قال: أتيت النبى صلى الله عليه وسلم-

ص: 210

ومعى ابنى فقال: "من هذا؟ " فقلت: ابنى وأشْهَدُ به، فقال:"أمَا إنه لا يجنى عليك ولا تجنى عليه" رواه النسائى وأبو داود وصححه ابن خزيمة وابن الجارود.

[المفردات]

وعن أبى رمثة: رمثة بكسر الراء وسكون الميم بعدها ثاء وأبو رمثة قال فى تهذيب التهذيب: أبو رمثة البلوى ويقال التميمى ويقال التيمى تيم الرباب قيل اسمه: رفاعة بن يثربى وقيل يثربى بن رفاعة وقيل ابن عوف وقيل: عمارة بن يثربى وقيل حبان بن وهب وقيل: خشخاش. روى عن النبى صلى الله عليه وسلم وعنه إياد بن لقيط وثابت بن أبى منقذ. قلت: فرق ابن عبد البر بين أو رمثة التيمى وبين أبى رمثة البلوى فذكر أن البلوى سكن مصر ومات بإفريقية اهـ وقال فى التقريب: أبو رمثة بكسر أوله وسكون الميم بعدها مثلثة، البلوى ويقال: التميمى ويقال: التيمى، ويقال: هما اثنان وقيل اسمه رفاعة بن يثربى ويقال عكسه ويقال: عمارة بن يثربى ويقال: حيَّان بن وهيب وقيل جندب وقيل خشخاش صحابى قال ابن سعد: مات بأفريقية اهـ واللَّه أعلم

ص: 211

وأشهد به: أى وأقر وأعترف بأنه ولدى.

لا يجنى عليك ولا تجنى عليه: أى لا تحمل وزره ولا يحمل وزرك، فلا تزر وازرة وزر أخرى.

[البحث]

هكذا ورد هذا الحديث بهذا اللفظ فى نسخ بلوغ المرام وهو غلط يتنبه له الصنعانى فى سبل السلام ولا صديق حسن فى فتح العلام، والذى فى سنن أبى داود: باب لا يؤخذ أحد بجريرة أخيه أو أبيه. حدثنا أحمد بن يونس ثنا عبد اللَّه يعنى ابن إياد ثنا إياد عن أبى رمثة قال: انطلقت مع أبى نحو النبى صلى الله عليه وسلم ثم إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال لأبى: ابنك هذا؟ قال: أى ورب الكعبة قال: "حقا؟ " قال: أشهد به. قال: فتبسم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ضاحكا من بين شبهى فى أبى ومن حلف أبى علىَّ ثم قال: "أما إنه لا يجنى عليك ولا تجنى عليه" وقرأ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} وقال النسائى: هل يؤخذ أحد بجريرة غيره؟ أخبرنى هارون بن عبد اللَّه قال: حدثنا سفيان قال: حدثنى عبد الملك بن أبجر عن إياد بن لقيط عن أبى رمثة قال: أتيت النبى صلى الله عليه وسلم مع أبى، فقال: من هذا معك؟ قال: ابنى أشهد به، قال:"أما إنك لا تجنى عليه ولا يجنى عليك" اهـ فأبو رمثة هو الإبن الذى جاء مع أبيه إلى النبى صلى الله عليه وسلم وليس هو الأب الذى جاء مع ابنه، وقد ساقه المجد بن تيمية رحمه الله فى المنتقى بلفظ: وعن أبى رمثة قال: خرجت مع أبى حتى أتيت

ص: 212

رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فرأيت برأسه رَدْعَ حِنَّاء. وقال لأبى: هذا ابنك؟ قال: نعم قال: أما إنه لا يجنى عليك ولا تجنى عليه. وقرأ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ثم قال المجد: رواه أحمد وأبو داود. وقد أخرج ابن ماجه من طريق عمرو بن رافع ثنا هُشيم عن يونس عن حُصَيْن بن أبى الحُرِّ عن الخَشْخَاش العنبرى قال: أتيت النبى صلى الله عليه وسلم ومعى ابنى فقال: لا تجنى عليه ولا يجنى عليك. قال فى الزوائد: إسناده كلهم ثقات إلا أن هشيما كان يدلس اهـ كما أن إسناد حديث أبى رمثة كلهم ثقات. ولا معارضة بين قول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إنه لا يجنى عليك ولا تجنى عليه وبين تحمل العاقلة للدية فى قتل الخطأ لأن تحمل العاقلة للدية ليس من باب تحمل جناية الغير وإنما هى من باب التعاون والتعاضد وتخفيف البلوى عن المبتلى بها من العصبة. وقد أقرت جميع الشرائع السماوية قاعدة: أنه لا يجنى جان إلا على نفسه فلا يتحمل أحد وزر أحد وإلى ذلك يشير اللَّه عز وجل حيث يقول: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) ألَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} وكما قال عز وجل: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى}

[ما يفيده الحديث]

1 -

أنه لا يطالب أحد بجناية غيره ولو كان ولدا أو والدا.

2 -

صيانة حقوق الإِنسان فى الإِسلام.

ص: 213