المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب دعوى الدم والقسامة - فقه الإسلام = شرح بلوغ المرام - جـ ٨

[عبد القادر شيبة الحمد]

الفصل: ‌باب دعوى الدم والقسامة

‌باب دعوى الدَّمِ والقسامة

ص: 214

1 -

عن سهل بن أبى حثمة رضى اللَّه عنه عن رجال من كُبَرَاء قومه أن عبد اللَّه بن سهل ومُحَيِّصَة بن مسعود خرجا إلى خيبر من جَهْد أصابهم، فأتى مُحيصَةُ فأخبر أن عبد اللَّه بن سهل قد قُتِلَ وطُرِحَ فى عَيْن. فأتى يهودَ، فقال: أنتم واللَّه قتلتموه قالوا: واللَّه ما قتلناه، فأقبل هو وأخوه حُوَيصَةُ وعبد الرحمن بن سهل، فذهب محيصة ليتكلم، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"كَبِّرْ كَبِّرْ" يريد السِّنَّ فتكلم حويصة، ثم تكلم محيصة فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"إما أن يَدُوا صاحبكُمْ، وإما أن يَأذَنوا بحرب" فكتب إليهم فى ذلك، فكتبوا: إنا واللَّه ما قتلناه، فقال لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن بن سهل:"أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟ " قالوا: لا. قال: "فتحلف لكم يهود؟ " قالوا: ليسوا مُسْلِمِين. فَوَدَاهُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من عنده، فبعث إليهم مائة ناقة. قال: فلقد رَكَضَتْنى منها ناقة حمراء. متفق عليه.

[المفردات]

دعوى الدم: أى الادعاء على شخص أو جماعة بأن دم القتيل فى ذمتهم.

والقسامة: قال الحافظ فى الفتح: وهى الأيمان تقسم على

ص: 214

أولياء القتيل إذا ادعوا الدم أو على المدعى عليهم الدم، وخص القسم على الدم بلفظ القسامة، وقال إمام الحرمين: القسامة عند أهل اللغة اسم للقوم الذين يقسمون، وعند الفقهاء اسم للأيمان، وقال فى المحكم: القسامة: الجماعة يقسمون على الشئ أو يشهدون به، ويمين القسامة منسوب إليهم ثم أطلقت على الأيمان نفسها اهـ وقال فى القاموس: والقسامة الهدنة بين العدو والمسلمين ج قسامات، والجماعة يقسمون على الشئ ويأخذونه أو يشهدون اهـ.

من كبراء قومه: أى من شيوخ قوم سهل بن أبى حثمة وهم من الأنصار من بنى حارثة من الخزرج رضى اللَّه عنهم.

عبد اللَّه بن سهل: هو عبد اللَّه بن سهل بن زيد من بنى حارثة ابن الحارث بن الخزرج صحابى، اغتيل فى خيبر على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعد فتحها، وبعض كتب التراجم تقول فيه: عبد اللَّه بن سهل بن كعب، والذى فى الصحيح: عبد اللَّه بن سهل بن زيد.

محيصة بن مسعود: هو محيصة بن مسعود بن زيد من بنى حارثة ابن الحارث بن الخزرج، هذا كثير من كتب التراجم تقول فيه: محيصة بن مسعود بن كعب.

ص: 215

والذى فى الصحيحين: محيصة بن مسعود بن زيد.

من جَهْد أصابهم: أى من فاقة وحاجة وشظف عيش نالهم.

وطُرِحَ فى عين: أى وألقى فى حفرة أو بئر صغيرة أو حوض يكون بأسفل النخلة.

فأتى يهود: أى فجاء محيصة إلى يهود خيبر.

أنتم واللَّه قتلتموه: أى أنتم واللَّه الذين اغتلتم ابن عمى عبد اللَّه ابن سهل فأنتم أعدؤنا هنا.

فأقبل هو وأخوه حويصة وعبد الرحمن بن سهل: أى فجاء إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم محيصة وأخوه حويصة بن مسعود ابن زيد، وابن عمهما عبد الرحمن بن سهل بن زيد أخو عبد اللَّه بن سهل. وحويصة ممن شهد أحدا والخندق وسائر المشاهد مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو أخو محيصة لأبيه وأمه وكان حويصة أكبر من محيصة. وكان عبد الرحمن بن سهل بن زيد أخو القتيل أصغر الثلاثة.

فذهب محيصة ليتكلم: أى فشرع محيصة يشرح القصة لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.

كبِّر كبِّر: أى ليبدأ بالكلام الأكبر يريد الأسنَّ.

فتكلم حويصة: أى فشرح حويصة القصة على ما أخبره بها أخوه محيصة إذ كان هو المرافق فى خيبر للقتيل

ص: 216

عبد اللَّه بن سهل رضى اللَّه عنه.

ثم تكلم محيصة: أى بعد انتهاء حويصة من كلامه بدأ محيصة يشرح القصة كذلك لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ويطالب بدم ابن عمه.

إما أن يدوا صاحبكم: أى إما أن يدفع اليهود لكم دية القتيل.

وإما أن يأذنوا بحرب: أى وإما أن يعلنوا أنهم حرب علينا. يعنى إذا امتنعوا عن الحلف على أنهم ما قتلوه ولا علموا له قاتلا. فيكونون بذلك ممتنعين من الالتزام بأحكامنا فينتقض عهدهم ويصيرون حربا.

فكتب إليهم فى ذلك: أى فأرسل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كتابا إلى اليهود يذكر لهم ما ادُّعِىَ عليهم من قتلهم عبد اللَّه بن سهل ووجوده قتيلا بينهم.

فكتبوا: إنا واللَّه ما قتلناه: أى فأرسلت اليهود من خيبر إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالمدينة كتابا أقسموا فيه باللَّه أنهم ما قتلوا عبد اللَّه بن سهل وأنهم بُرَآءُ من دمه.

أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم: أى أتحلفون خمسين يمينا على شخص من اليهود بأنه قتل عبد اللَّه بن سهل فنحكم لكم بثبوت دمه على هذا الشخص فتقتلونه به أو تأخذون ديته.

قالوا: لا: أى قال حويصة ومحيصة وعبد الرحمن بن سهل:

ص: 217

لا نحلف لأننا لم نشاهد القاتل وهو يقتل.

فتحلف لكم يهود: أى فتحلف لكم اليهود خمسين يمينا أنهم ما قتلوه ولا علموا له قاتلا.

قالوا: ليسوا مسلمين: أى قال حويصة ومحيصة وعبد الرحمن: لا نقبل أيمان اليهود لأنهم كفار يجترئون على الحلف بالكذب.

فوداه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من عنده: أى فدفع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم دية القتيل لوليه من عنده صلى الله عليه وسلم حتى لا يهدر دم القتيل رضى اللَّه عنه.

مائة ناقة: هى دية القتيل.

ركضتنى منها ناقة حمراء: أى قال سهل بن أبى حثمة: لقد ضربتنى برجلها ناقة حمراء وهى من تلك النوق المائة التى دفعها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى دية عبد اللَّه ابن سهل رضى اللَّه عنه ومعنى ركضتنى رفستنى.

[البحث]

هذا الحديث رواه البخارى فى كتاب الجزية فى باب الموادعة والمصالحة مع المشركين بالمال وغيره وإثم من لم يف بالعهد، وقد ساقه من طريق بشر هو ابن المفضل حدثنا يحيى عن بُشَيْر بن يسار عن سهل بن أبى حثمة قال: انطلق عبد اللَّه بن سهل ومحيصة بن مسعود بن زيد إلى خيبر وهى يومئذ صُلْحٌ، فتفرقا، فأتى محيصة إلى

ص: 218

عبد اللَّه بن سهل وهو يَتَشَحّطُ فى دمٍ قتيلا، فدفنه ثم قدم المدينة، فانطلق عبد الرحمن بن سهل ومُحَيِّصَةُ وحُوَيِّصَةُ ابنا مسعود إلى النبى صلى الله عليه وسلم فذهب عبد الرحمن يتكلم فقال:"كَبِّرْ كَبِّرْ" وهو أحدث القوم، فسكت فتكلما، فقال:"تحلفون، وتستحقون قاتلكم أو صاحبكم" قالوا: كيف نحلف ولم نشهد ولم نر؟ قال: "فَتُبْريِكُمْ يهود بخمسين" فقالوا: كيف نأخذ أيمان قوم كفار؟ فعقله النبى صلى الله عليه وسلم من عنده. ثم أخرجه فى باب القسامة من طريق سعيد بن عُبَيْد عن بُشَيْر بن يسار زعم أن رجلا من الأنصار يقال له سهل بن أبى حثمة أخبره أن نفرا من قومه انطلقوا إلى خيبر، فتفرقوا فيها، ووجدوا أحدهم قتيلا، وقالوا للذى وُجِدَ فيهم: قتلتم صاحبنا، قالوا: ما قتلنا ولا علمنا قاتلا. فانطلقوا إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول اللَّه، انطلقنا إلى خيبر، فوجدنا أحدنا قتيلا، فقال: الكُبْرَ الكُبْرَ، فقال لهم:"تأتون بالبينة على من قتله؟ " قالوا: ما لنا بينة. قال: "فيحلفون" قالوا: لا نرضى بأيمان اليهود. فكره رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يُطلَّ دَمُهُ فوداه مائة من إبل الصدقة. ثم قال البخارى: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو بشر إسماعيل بن إبراهيم الأسدى حدثنا الحجاج بن أبى عثمان حدثنى أبو رجاء من آل أبى قلابة حدثنى أبو قلابة أن عمر بن عبد العزيز أبرز سريره يوما للناس ثم أذن لهم فدخلوا، فقال: ما تقولون فى القسامة؟ قالوا: نقول: القسامة القود بها حق، وقد أقادت بها الخلفاء، قال لى: ما تقول

ص: 219

يا أبا قلابة؟ ونصبنى للناس، فقلت: يا أمير المؤمنين، عندك رءوس الأجناد وأشراف العرب، أرأيت لو أن خمسين منهم شهدوا على رجل مُحْصَنِ بدمشق أنه قد زنى لم يروه، أكُنتَ تَرْجُمُهُ؟ قال: لا. قلتُ: أرأيت لو أن خمسين منهم شهدوا على رجل بحمص أنه سرق أكنت تقطعه ولم يَرَوْهُ؟ قال: لا. قلت: فواللَّه ما قتل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أحدا قط إلا فى إحدى ثلاث خصال: رجلٌ قتل بجريرة نفسه فَقُتِلَ، أو رجلٌ زنى بعد إحصان، أو رجل حارب اللَّه ورسوله وارتد عن الإِسلام. فقال القوم: أو ليس قد حدَّثَ أنس بن مالك أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قطع فى السَّرَقِ وسَمَرَ الأعْيُنَ ثم نبذهم فى الشمس فقلت: أنا أحدثكم حديث أنس: حدثنى أنس أن نفرا من عُكلٍ ثمانية قَدِمُوا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فبايعوه على الإِسلام. فاستوخموا الأرض، فَسَقِمَتْ أجسامهم، فشكوا ذلك إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال:"أفلا تخرجون مع راعينا فى إبله فتصيبون من ألبانها وأبوالها؟ " قالوا بلى. فخرجوا فشربوا من ألبانها وأبوالها فَصَحُّوا، فقتلوا راعى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأطردوا النَّعَم. فبلغ ذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأرسل فى آثارهم فَادركوا فجئ بهم فَأَمَرَ بهم فَقُطِّعَت أيديهم وأرجلهم، وسَمَرَ أعينهم، ثم نبذهم فى الشمس حتى ماتوا، قلت: وأى شئ أشدُّ مما صَنَعَ هؤلاء؟ ارتدوا عن الإسلام، وقتلوا، وسرقوا. فقال عنبسة بن سعيد: واللَّه إن سمعت كاليوم قط، فقلت أتردُّ علىَّ حديثى يا عنبسة؟

ص: 220

قال: لا. ولكن جئتَ بالحديث على وجهه، واللَّه لا يزال هذا الجُنْدُ بخير ما عاش هذا الشيخ بين أظْهُرِهِمْ. قلت: وقد كان فى هذا سنةٌ من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. دخل عليه نفر من الأنصار فتحدثوا عنده، فخرج رجل منهم بين أيديهم فَقُتِلَ، فخرجوا بعده، فإذا هم بصاحبهم يَتَشَحَّطُ فى الدم. فرجعوا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول اللَّه، صَاحِبُنَا كان تَحَدَّثَ معنا، فخرج بين أيدينا، فإذا نحن به يتشحط فى الدم، فخرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال:"بمن تظنون أو تَرَوْنَ قَتَلَهُ" قالوا: نَرَى أن اليهود قَتَلَتْهُ. فأرسل إلى اليهود فدعاهم، فقال:"آنتم قتلتم هذا؟ " قالوا: لا. قال: أتَرْضَوْنَ نَفْلَ خمسين من اليهود ما قتلوه؟ فقالوا: مَا يُبَالُون أن يقتلونا أجمعين، ثم يَنْتَفِلُونَ. قال:"أفتستحقون الدية بأيمان خمسين منكم؟ " قالوا: ما كنا لِنَحْلِفَ. فوداه من عنده. قلت: وقد كانت هذيل خَلَعُوا خليعا لهم فى الجاهلية، فَطَرَقَ أهْلَ بيت من اليمن بالبطحاء، فانتبه له رجل منهم، فحذفه بالسيف فقتله، فجاءت هذيل، فأخذوا اليمانى فرفعوه إلى عمر بالموسم، وقالوا: قتل صاحبنا، فقال: إنهم قد خلعوه، فقال: يقسم خمسون من هذيل ما خلعوه، قال: فأقسم منهم تسعة وأربعون رجلا وقدم رجل منهم من الشام فسألوه أن يُقسِمَ، فافتدى يمينه منهم بألف درهم، فأدخلوا مكانه رجلا آخر فدفعه إلى أخى المقتول، فقرنت يده بيده، قالوا: فانطلقنا والخمسون الذين أقسموا. حتى

ص: 221

إذا كانوا بنخلة أخذتهم السماء، فدخلوا فى غار فى الجبل، فانهجم الغار على الخمسين الذين أقسموا فماتوا جميعا، وأفلت القرينان، واتَّبَعَهمَا حجر فكسر رجل أخى المقتول فعاش حولا ثم مات، قلتُ وقد كان عبد الملك بن مروان أقاد رجلا بالقسامة ثم ندم بعد ما صنع فأمر بالخمسين الذين أقسموا فمسحوا من الديوان، وسَيَّرَهُمْ إلى الشام. وقد أخرجه فى الأدب فى باب إكرام الكبير من طريق بشير بن يسار عن رافع بن خديج وسهل بن أبى حثمة وفيه: أتستحقون قتيلكم أو قال صاحبكم بأيمان خمسين منكم. وقد أخرج مسلم هذا الحديث بعدة ألفاظ فأخرجه من طريق الليث عن يحيى (وهو ابن سعيد) عن بُشَيْر بن يسار عن سهل بن أبى حثمة (قال يحيى: وحسبت قال: ) وعن رافع بن خديج أنهما قالا: خرج عبد اللَّه بن سهل بن زيد ومحيصة بن مسعود بن زيد حتى إذا كانا بخيبر تفرقا فى بعض ما هنالك ثم إذا محيصة يجد عبد اللَّه بن سهل قتيلا فدفنه، ثم أقبل إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم هو وحويصة بن مسعود وعبد الرحمن بن سهل وكان أصغر القوم، فذهب عبد الرحمن ليتكلم قبل صاحبيه، فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: كَبِّرْ (الكُبْرَ فى السنِّ) فَصَمَتَ فتكلم صاحباه، وتكلم معهما، فذكروا لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مقتل عبد اللَّه بن سهل، فقال لهم:"أتحلفون خمسين يمينا فتستحقون صاحبكم (أو قاتلكم)؟ " قالوا: كيف نحلف ولم نشهد؟ قال: "فتبْرِئُكُمْ يهود بخمسين يمينا" قالوا: وكيف نقبل أيمان قوم كفار؟ فلما رأى ذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أعطى عقله. ثم أخرجه من طريق حماد بن زيد

ص: 222

حدثنا يحيى بن سعيد عن بُشَيْر بن يسار عن سهل بن أبى حثمة ورافع بن خديج أن محيصة بن مسعود وعبد اللَّه بن سهل انطلقا قِبَلَ خيبر فتفرقا فى النخل، فَقُتِلَ عبد اللَّه بن سهل، فاتهموا اليهود فجاء أخوه عبد الرحمن وابنا عمه حويصة ومحيصة إلى النبى صلى الله عليه وسلم فتكلم عبد الرحمن فى أمر أخيه وهو أصغر منهم، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم "كبِّر الكُبْر" أو قال:"ليبدأ الأكبر" فتكلما فى أمر صاحبهما فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: يُقْسم خمسون منكم على رجل منهم فيدْفَعُ بِرُمَّتِهِ. قالوا: أمر لم نشهده كيف نحلف؟ قال: "فَتُبْرِئُكُمْ يهودُ بأيمان خمسين منهم" قالوا: يا رسول اللَّه قوم كفار؟ قال: فوداه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من قِبَلِهِ، قال سهل: فدخلت مِرْبَدًا لهم يوما فركضتنى ناقة من تلك ركضة برجلها. قال حماد هذا أو نحوه. وحدثنا القواريرىُّ حدثنا بشر بن المفضل حدثنا يحيى بن سعيد عن بُشَيْر بن يسار عن سهل بن أبى حثمة عن النبى صلى الله عليه وسلم نحوه وقال فى حديثه: فعقله رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من عنده ولم يقل فى حديثه: فركضتنى ناقة. ثم ساقه من طريق سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن بُشَيْر بن يسار أن عبد اللَّه بن سهل بن زيد ومحيصة بن مسعود بن زيد الأنصاريين فى من بنى حارثة خرجا إلى خيبر فى زمان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهى يومئذ صلح وأهلها يهود فتفرقا لحاجتهما، فَقُتِل عبد اللَّه بن سهل، فَوُجِدَ فى شَرَبَةٍ مقتولا، فدفنه صاحبه ثم أقبل إلى المدينة. فمشى أخو المقتول عبد الرحمن بن سهل ومحيصة وحويصة فذكروا لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم شأن عبد اللَّه، وحيث قتل، فزعم بُشَيْر

ص: 223

وهو يحدث عمن أدرك من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه قال لهم: "تحلفون خمسين يمينا وتستحقون قاتلكم (أو صاحبكم)؟ " قالوا: يا رسول اللَّه ما شهدنا ولا حضرنا، فزعم أنه قال:"فتبْرِئُكُمْ يهودُ بخمسين" فقالوا: يا رسول اللَّه كيف نقبل أيمان قوم كفار؟ فزعم بُشَيْر أن النبى صلى الله عليه وسلم عقله من عنده. ثم ساقه من طريق هُشَيْم عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار أن رجلا من الأنصار من بنى حارثة يقال له عبد اللَّه بن سهل بن زيد انطلق هو وابن عم له يقال له محيصة بن مسعود بن زيد وساق الحديث بنحو حديث الليث إلى قوله: فوداه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من عنده قال يحيى: فحدثنى بشير بن يسار قال: أخبرنى سهل بن أبى حثمة قال: لقد ركضتنى فرِيضَةٌ من تلك الفرائض بالمربد ثم ساقه من طريق سعيد بن عبيد حدثنا بشير بن يسار الأنصارى عن سهل بن أبى حثمة الأنصارى أنه أخبره أن نفرا منهم انطلقوا إلى خيبر فتفرقوا فيها فوجدوا أحدهم قتيلا وساق الحديث وقال فيه: فكره رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يُبْطل دمه فوداه مائة من إبل الصدقة. ثم ساقه من طريق مالك بن أنس حدثنى أبو ليلى عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن سهل عن سهل بن أبى حثمة أنه أخبره عن رجال من كبراء قومه أن عبد اللَّه بن سهل ومحيصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهم، فأتى محيصةُ فأخْبَرَ أن عبد اللَّه بن سهل قد قُتِلَ وطُرِحَ فى عين أو فَقير فأتى يهودَ فقال: أنتم واللَّه قتلتموه قالوا: واللَّه ما قتلناه. ثم أقبل حتى قدم على قومه فذكر لهم ذلك، ثم أقبل هو وأخوه حويصة. وهو أكبر منه وعبد الرحمن بن سهل فذهب

ص: 224

محيصة ليتكلم وهو الذى كان بخيبر، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لمحيصة:"كَبِّرْ كَبِّرْ"(يريد السن) فتكلم حويصة ثم تكلم محيصة، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"إما أن يدوا صاحبكم، وإما أن يؤذنوا بحرب" فكتب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إليهم فى ذلك، فكتبوا: إنا واللَّه ما قتلناه، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن:"أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟ " قالوا: لا. قال: "فتحلف لكم يهود؟ " قالوا: ليسوا بمسلمين. فوداه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من عنده، فبعث إليهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مائة ناقة حتى أُدْخِلت عليهم الدارَ فقال سهل: فلقد ركضتنى منها ناقة حمراء.

[ما يفيده الحديث]

1 -

مشروعية القسامة.

2 -

لابد من وجود اللوث وهى العداوة والشبهة القوية والقرينة الضاهرة.

3 -

البدء بتوجيه الأيمان على المدعين.

4 -

إذا نكل المدعون توجهت الأيمان على المدعى عليهم.

5 -

إذا نكل المدعى عليهم وجبت عليهم الدية.

6 -

يجوز للإِمام أن يدفع الدية من عنده قطعا للنزاع وإصلاحا لذات البين.

7 -

إذا كانت الدعوى من ولى الدم على شخص معين بالقتل العمد وحلف المدعون خمسين يمينا سلم إليهم المدعى عليه برمته، وهم مسئولون عن أيمانهم أمام اللَّه يوم القيامة.

ص: 225

8 -

يجب الاحتياط لصيانة الدماء.

9 -

لا قسامة إلا بعد التحقق من وجود القتيل.

10 -

ينبغى أن يتقدم فى الحديث الأسن فالأسن.

11 -

استحباب توقير الكبير من أجل سنه.

ص: 226

2 -

وعن رجل من الأنصار رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أقر القسامة على ما كانت عليه فى الجاهلية، وقضى بها رسول اللَّه بين ناس من الأنصار فى قتيل ادَّعُوه على اليهود" رواه مسلم.

[المفردات]

رجل من الأنصار: هو أحد الصحابة جاء النص ذلك فى صحيح مسلم وفى لفظ لمسلم من طريق ابن شهاب عن أبى سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار أخبراه عن ناس من الأنصار عن النبى صلى الله عليه وسلم.

أقر القسامة على ما كانت عليه فى الجاهلية: أى ثَبَّتَ وأبقى نظام القسامة على ما كانت عليه فى الجاهلية ولم يبطله حيث أبطل أكثر عادات أهل الجاهلية. وكانت القسامة فى الجاهلية: أنه يخير أولياء المدعى عليه بالقتل بين تسليمه لأولياء القتيل ليقتلوه به أو يدفعوا الدية. أو يحلف خمسون منهم أنهم ما قتلوه ولا علموا

ص: 226

له قاتلا ولا قتله صاحبهم.

وقضى بها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أى وحكم بها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: وأثبت شرعيتها.

بين ناس من الأنصار: هم بنو حارثة فى قصة عبد اللَّه بن سهل ابن زيد المتقدمة فى الحديث الأول من حديثى هذا الباب.

فى قتيل ادعوه على اليهود: أى فى حادث قتل عبد اللَّه بن سهل ابن زيد الذى ادعى أولياؤه أن يهود خيبر هم الذين قتلوه.

[البحث]

قال مسلم: حدثنى أبو الطاهر وحرملة بن يحيى قال أبو الطاهر: حدثنا وقال حرملة: أخبرنا ابن وهب أخبرنى يونس عن ابن شهاب أخبرنى أبو سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار مولى ميمونة زوج النبى صلى الله عليه وسلم عن رجل من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من الأنصار أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أقر القسامة على ما كانت عليه فى الجاهلية. وحدثنا محمد ابن رافع حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن جريج حدثنا ابن شهاب بهذا الإِسناد مثله وزاد: وقضى بها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بين ناس من الأنصار فى قتيل ادعوه على اليهود اهـ وقوله فى هذا الحديث "أقر القسامة على ما كانت عليه الجاهلية" قد أورد البخارى صورة واضحة للقسامة فى الجاهلية فقال: "القسامة فى الجاهلية" حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا قطن أبو الهيثم حدثنا أبو يزيد المدنى عن

ص: 227

عكرمة عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: إن أول قسامة كانت قي الجاهلية لفينا بنى هاشم: كان رجل من بنى هاشم استأجره رجل من قريش من فخذ أخرى، فانطلق معه فى إبله، فمر رجل به من بنى هاشم قد انقطعت عروة جُوالقه، فقال: أغثنى بعقال أشد به عروة جُوالقى، لا تنفر الإبل، فأعطاه عقالا فشد به عروة جُوالقه، فلما نزلوا عُقِلَت الإِبل إلا بعيرا واحدا، فقال الذى استأجره: ما شأن هذا البعير لم يُعْقَلْ من بين الإبل؟ قال ليس له عقال. قال: فأين عقاله؟ قال: فحذفه بعصا كان فيها أجله، فمر به رجل من أهل اليمن، فقال: أتشهد الموسم؟ قال: ما أشهد، وربما شهدته. قال: هل أنت مُبْلِغٌ عنى رسالة مرة من الدهر؟ قال: نعم. قال: فكنتَ إذا أنت شهدت الموسم فناد: يا آل قريش فإذا أجابوك فناد يا آل بنى هاشم، فإن أجابوك فسل عن أبى طالب فأخبره أن فلانا قتلنى فى عقال. ومات المُستَاجَرُ، فلما قدم الذى استأجره أتاه أبو طالب فقال: ما فعل صاحبنا؟ قال: مرض فأحسنت القيام عليه فَوَلِيتُ دَفْنَهُ، قال: قد كان أهل ذاك منك. فمكث حينا. ثم إن الرجل الذى أوصى إليه أن يُبْلِغَ عنه وَافَى الموسِمَ، فقال: يا آل قريش! قالوا: هذه قريش. قال يا آل بنى هاشم؟ قالوا: هذه بنو هاشم. قال: أين أبو طالب؟ قالوا: هذا أبو طالب. قال: أمرنى فُلان أن أبلغك رسالة، أن فلانا قتله فى عقال. فأتاه أبو طالب فقال له: اختر منا إحدى ثلاث: إن شئت أن تؤدى

ص: 228

مائة من الإِبل فإنك قتلت صاحبنا. وإن شئت حلف خمسون من قومك إنك لم تقتله، فإن أبيت قتلناك به. فأتى قومه فقالوا: نحلف. فأتته امرأة من بنى هاشم كانت تحت رجل منهم قد ولدت له فقالت: يا أبا طالب أحب أن تجيز ابنى هذا برجل من الخمسين ولا تصبر يمينه حيث تصبر الأيمان ففعل، فأتاه رجل منهم فقال: يا أبا طالب أردت خمسين رجلا أن يحلفوا مكان مائة من الإبل يصيب كلَّ رجل بعيران، هذان بعيران فاقبلهما عنى ولا تصبر يمينى حيث تصبر الأيمان. فقبلهما وجاء ثمانية وأربعون فحلفوا. قال ابن عباس: فوالذى نفسى بيده ما حال الحول ومن الثمانية والأربعين عين تَطرفُ اهـ.

[ما يفيده الحديث]

1 -

أن نظام القسامة كان موجودا فى الجاهلية قبل الإِسلام.

2 -

وأن أولياء القتيل كانوا يخيرون القاتل بين ثلاث: إما الدية مائة ناقة وإما أن يقتل القاتل، وإما أن يحلف خمسون من الرجال من أولياء القاتل أنهم ما قتلوه ولا علموا له قاتلا ولا قتله صاحبهم المدعى عليه.

3 -

مشروعية القسامة.

4 -

وأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قضى بها.

ص: 229