المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌باب حد القذف

بسم الله الرحمن الرحيم

‌باب حد القذف

ص: 3

1 -

عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: لما نَزَلَ عُذرِى قام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على المنبر، فذكر ذلك، وتلا القرآن، فلما نزل أَمَرَ برجلين وامرأة فَضربُوا الحَدَّ. أخرجه أحمد والأربعة وأشار إليه البخارى.

[المفردات]

حد القذف: أى العقوبة المقدرة على من ورمى محصنا بالزنا، والقذف لغة هو الرمى مطلقا وشرعا هو رمى المحصن بالزنا مع العجز عن الإثبات شرعا.

لما نزل عُذْرِى: أى لما أنزل اللَّه تعالى فى سورة النور براءتى مما رمانى به أهل الإفك الذين يَرْأُسُهُمْ عبد اللَّه بن أُبَىّ ابن سلول رأس المنافقين عليه لعنة اللَّه، وكان عبد اللَّه بن أبى لعنة اللَّه عليه قد رمى أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق عائشة رضى اللَّه تعالى عنها بارتكاب الفاحشة وأخذ يذيعها، فأنزل اللَّه براءتها فى سورة النور من قوله عز وجل {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} إلى قوله تعالى:{أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} .

قام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على المنبر: أى وقف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم-

ص: 3

خطيبا على منبر مسجده صلى الله عليه وسلم.

فذكر ذلك: أى فذكر ما افتراه رأس المنافقين عبد اللَّه بن أُبَىّ وَرَوَّجَهُ ضد الحصان الرزان الطبة الطاهرة عائشة رضى اللَّه تعالى عنها.

وتلا القرآن: أى وقرأ على الناس ما أنزل اللَّه على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى كتابه الكريم من براءة أم المؤمنين عائشة رضى اللَّه تعالى عنها.

فلما نزل: أى فلما انتهى من خطبته ونزل من فوق المنبر.

أمر برجلين وامرأة فضربوا الحد: أى أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بأن يُجْلَد رجلان وامرأة حد القذف ثمانين جلدة. وقد وردت فى رواية عند أبى داود تسميتهم: حسان ابن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بن جحش رضى اللَّه تعالى عنهم.

وأشار إليه البخارى: أى وأشار البخارى إلى ضرب الرامين فى كتاب الاعتصام بالكتاب، والسنة من صحيحه.

[البحث]

هذا الحديث مداره عند أحمد والأربعة على محمد بن إسحاق وقد عنعنه، ومحمد بن إسحاق معروف بالتدليس فلا يقبل حديثه إذا كان معنعنا. قال الحافظ فى الفتح: قلت: ووقع التصريح بتحديثه فى بعض طرقه اهـ أقول: إن هذه الرواية التى أشار إليها الحافظ وجاء فيها أن

ص: 4

ابن إسحاق قال: حدثنى. إنما هى من رواية أحمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال حدثنى عبد اللَّه بن أبى بكر يعنى ابن محمد بن عمرو بن حزم الخ وأحمد بن عبد الجبار هو أحمد ابن عبد الجبار بن محمد بن عمير بن عطارد بن حاجب بن زرارة العطاردى أبو عمر الكوفى قال فى تهذيب التهذيب: قال ابن أبى حاتم: كتبت عنه وأمسكت عن الرواية عنه لكثرة كلام الناس فيه، وقال مطين: كمان يكذب وقال أبوأحمد الحاكم: ليس بالقوى عندهم تركه ابن عقدة، وقال ابن عدى: رأيت أهل العراق مجمعين على ضعفه، وكان ابن عقدة لا يحدث عنه، وذكر أن عنده قمطرا على أنه لا يتورع أن يحدث عن كل أحد اهـ وشيخه يونس بن بكير هو يونس بن بكير بن واصل الشيبانى فى أبو بكر ويقال أبو بكير الجمال الكوفى مختلف فيه، وإن كان مسلم قد روى له فقد أشرت فيما مضى إلى أن البخارى أو مسلما قد يخرج للشيخ حديثا لأنه موثق فيه فى هذا الموضع، ولا يخرج له فى موضع آخر لضعفه فيه. وقال الآجرى عن أبى داود: ليس هو عندى بحجة كان يأخذ كلام ابن إسحاق فيوصله بالأحاديث، وقال النسائى: ليس بالقوى وقال مرة: ضعيف، أقول: ليصر بمثل هذا السند يُنَالُ من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه تعالى عليه وسلم ورضى اللَّه تعالى عنهم، والواقع أن الناس عند ما رميت الصديقة بنت الصديق بالإِفك كانوا أربعة أقسام: قسم وهم أكثر الناس، حَمَوْا أسماعهم وألسنتهم فسكتوا ولم ينطقوا إلا بخير

ص: 5

ولم يصدقوا ولم يكذبوا. وقسم سارع إلى التكذيب وهو أبو أيوب الأنصارى وأم أيوب رضى اللَّه تعالى عنهما فقد وصفوه عند سماعه بأنه الإِفك وبَرَّءوا عائشة مما نسبت إليه فى الحال. أما القسم الثالث فكانوا جملة من المسلمين لم يصدقوا ولم يكذبوا ولم ينفوا. ولكنهم يتحدثون بما يقول أهل الإِفك وهم يحسبون أن الكلام بذلك أمر هَيِّن لا يعرضهم لعقوبة اللَّه لأن ناقل الكفر ليس بكافر وحاكى الإِفك ليس بقاذف ومن هؤلاء حمنة بنت جحش وحسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة أما القسم الرابع فهم الذين جاءوا بالإِفك وعلى رأس هؤلاء عدو اللَّه عبد اللَّه بن أبى بن سلول رأس المنافقين لعنه اللَّه وهو الذى تولى كبره وقد أشار اللَّه عز وجل إلى فضل القسم الثانى من هذه الأقسام وأنه كان ينبغى لجميع المسلمين أن يقفوا هذا الموقف فقال: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} وأما القسم الثالث فقد أشار اللَّه عز وجل إلى أنه ما كان ينبغى لهم أن يتحدثوا بمثل هذا الحديث حيث يقول: "إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند اللَّه عظيم، ولولا إذ سمعتموه قلتم: ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم" وقد أثبت اللَّه عز وجل لأهل هذا القسم فضائلهم التى عملوها حيث أثبت لمسطح هجرته وإيمانه عندما حلف أبو بكر أنه لن ينفق على مسطح ولن يتصدق عليه وهو من ذوى قرابته فقال عز وجل: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا

ص: 6

أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} أما القسم الرابع وهم جماعة عبد اللَّه بن أبى الذين جاءوا بالإِفك واخترعوا هذا الكذب فقد أشار اللَّه إلى موتهم على الكفر، وأنه لن يقبل منهم قولة، وأنه أنزل عليهم لعنته فى الدنيا والآخرة حيث قال:{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} وحسان هو شاعر رسول اللَّه صلى اللَّه تعالى عليه وسلم الذى كان يقول له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "قل وروح القدس معك" ويقول: "اللهم أيده بروح القدس" وهو القائل فى عائشة رضى اللَّه تعالى عنها:

حصانٌ رزانٌ ما تُزَنُّ بِرِيبَةٍ

وتصبح غَرْثَى من لحوم الغوافل

عقيلة حى من لؤى بن غالب

كرام المساعى مجدهم غير زائل

حليلة خير الخلق دينا ومنصبا

نبى الهدى والمكرمات الفواضل

مهذبة قد طَيَّبَ اللَّه خيمها

طهَّرَهَا من كل سوء وباطل

فإن كنت قد قلت الذى قد زعمتموا

فلا رفعت سوطى إلىَّ أناملى

فكيف وَوُدِّى ما حييت ونصرتى

لآل رسول اللَّه زَيْن المحافل

وقد أثر عن عائشة رضى اللَّه تعالى عنها أنها قالت: ما تمثلت بقول حسان لأبى سفيان بن الحارث بن عبد المطلب:

هَجَوْتَ محمدا فَأجبت عنه

وعند اللَّه فى ذاك الجزاء

فإن أبى ووالده وعرضى

لعرض محمد منكم وقاء

ص: 7

أتشتمه ولست له بكفءٍ

فشركما لخيركما الفداء

لسانى صارم لا عيب فيه

ويجرى لا تكدره الدلاء

إلا رجوت له الجنة

أما ما ذكر المصنف أن البخارى أشار إليه فهو ما قاله البخارى من كلامه هو دون أن يسوق له أى سند فى كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة من صحيحه فى باب قول اللَّه تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} قال: وشَاوَرَ عليًّا وأسامة فيما رمى أهل الإفك عائشة فسمع منهما حتى نزل القرآن فجلد الرامين ولم يلتفت إلى تنازعهم ولكن حكم بما أمره اللَّه اهـ قال الحافظ فى الفتح: وأما جلده الرامين فلم يأت فيه بإسناد ثم قال: وأما قوله فجلد الرامين فلم يقع فى شئ من طرق حديث الإِفك فى الصحيحين ولا أحدهما اهـ واللَّه تعالى أعلم.

ص: 8

2 -

وعن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: أوَّلُ لعان كان فى الإسلام أن شريك بن سحماء قذفه هلال بن أمية بامرأته، فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"البينةَ وإلا فحدّ فى ظهرك" الحديث، أخرجه أبو يعلى، ورجاله ثقات، وفى البخارى نحوه من حديث ابن عباس.

[المفردات]

قذفه هلال بن أمية بامرأته: أى رماه هلال بن أمية بأنه زنى بامرأته.

البينة: أى أقم البينة وأت بأربعة شهداء على ما تقول.

ص: 8

وإلا فحد فى ظهرك: أى وإلا جُلدت وضُرِبَ ظهرك ثمانين جلدة.

الحديث: أى أكمل الحديث.

نحوه: أى نحو حديث أنس بن مالك رضى اللَّه تعالى عنه.

[البحث]

قال أبو يعلى رحمه اللَّه تعالى: حدثنا مسلم بن أبى مسلم الجرمى حدثنا مخلد بن الحسين عن هشام عن ابن سيرين عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: لأول لعان كان فى الإِسلام أن شريك بن سحماء قذفه هلال بن أمية بامرأته، فرفعته إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"أربعة شهود وإلا فحد فى ظهرك" فقال: يا رسول اللَّه إن اللَّه يعلم أنى لصادق ولينزلن اللَّه عليك ما يبرئ به ظهرى من الجلد، فأنزل اللَّه آية اللعان {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} إلى آخر الآية، قال فدعاه النبى صلى الله عليه وسلم فقال:"اشهد باللَّه إنك لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا" فشهد بذلك أربع شهادات ثم قال له فى الخامسة: "ولعنة اللَّه عليك إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به من الزنا" ففعل، ثم دعاها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال:"قومى فاشهدى باللَّه إنه لمن الكاذبين فيما رماك به من الزنا" فشهدت بذلك أربع شهادات، ثم قال لها فى الخامسة:"وغضب اللَّه عليك إن كان من الصادقين فيما رماكِ به من الزنا" قال: فلما كانت فى الرابعة أو الخامسة سكتت سكتة حتى ظنوا أنها ستعترف، ثم قالت لا أفضح قومى سائر اليوم فمضت على القول، ففرق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بينهما وقال: "انظروا فإذا جاءت به جعدا حمش الساقين فهو لشريك بن سحماء، وإن جاءت به أبيض سبطا، ضيق العينين فهو

ص: 9

لهلال بن أمية" فجاءت به جعدا حمش الساقين، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لولا ما نزل فيهما من كتاب اللَّه لكان لى ولها شأن" اهـ أما ما أخرجه البخارى من حديث ابن عباس فلفظه: أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبى صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء فقال النبى صلى الله عليه وسلم: "البينة أو حد فى ظهرك" فقال: يا رسول اللَّه إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة؟ فجعل النبى صلى الله عليه وسلم يقول: "البينة وإلا حد فى ظهرك" فقال هلال: والذى بعثك بالحق إنى لصادق، ولينزلَنَّ اللَّه ما يبرئ ظهرى من الحد، فنزل جبريل وأنزل عليه {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} فقرأ حتى بلغ {إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} فانصرف النبى صلى الله عليه وسلم فأرسل إليهما فجاء هلال فشهد والنبى صلى الله عليه وسلم يقول: "إن اللَّه يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب؟ " ثم قامت فشهدت فلما كان فى الخامسة وقفوها وقالوا: إنها موجبة. قال ابن عباس: فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع، ثم قالت: لا أفضح قومى سائر اليوم فمضت فقال النبى صلى الله عليه وسلم: "أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الاليتين خدلج الساقين فهو لشريك بن سحماء" فجاءت به كذلك فقال النبى صلى الله عليه وسلم: "لولا ما مضى من كتاب اللَّه لكان لى ولها شأن" اهـ.

[ما يفيده الحديث]

1 -

أن من رمى امرأته بالزنا ولم يأت بأربعة شهداء لإثبات ما يقول جُلدَ ثمانين جلدة وهى حد القذف.

ص: 10

2 -

أنه إذا لم يستطع إثبات ما رمى به امرأته وتلاعنا سقط عنه حد القذف.

3 -

دقة نظام الإِسلام فى التفريق بين رمى الزوج زوجته وبين من رَمى غير الزوجة من المحصنات.

ص: 11

3 -

وعن عبد اللَّه بن عامر بن ربيعة رضى اللَّه عنه قال: لقد أدركت أبا بكر وعمر وعثمان ومن بَعْدَهُمْ فلم أرهم يضربون المملوك فى القذف إلا أربعين" رواه مالك والثورى فى جامعه.

[المفردات]

عبد اللَّه بن عامر بن ربيعة رضى اللَّه تعالى عنه: تقدمت ترجمته فى مفردات الحديث السابع من أحاديث باب الصداق، ووهم الصنعانى فى سبل السلام فحسبه عبد اللَّه بن عامر قارئ أهل الشام فقال: فى قوله: "وعن عبد اللَّه بن عامر ابن ربيعة" هو أبو عمران عبد اللَّه بن عامر القارئ الشامى كان عالما ثقة حافظا لما رواه، فى الطبقة الثانية من التابعين، أحد القراء السبعة روى عن واثلة بن الأسقع وغيره وقرأ القرآن على المغيرة بن شهاب المخزومى عن عثمان بن عفان ولد سنة إحدى وعشرين من الهجرة ومات سنة ثمان عشرة ومائة اهـ ولم يتفطن الصنعانى لقوله: أدركت أبا بكر وعمر وعثمان الخ إذ كيف يدرك أبا بكر من ولد سنة 21 هجرية.

ص: 11

والواقع أن راوى هذا الحديث هو عبد اللَّه بن عامر بن ربيعة العنزى المولود فى عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أحد الفقهاء كما تقدم فى ترجمته فى باب الصداق. أما عبد اللَّه بن عامر قارئ أهل الشام الذى يقول فيه الشاطبى:

وأما دمشق الشام دار ابن عامر

فتلك بعبد اللَّه طابت مُحَلَّلَا

فهو عبد اللَّه بن عامر بن يزيد بن تميم بن ربيعة اليحصبى المقرئ الدمشقى أبو عمران وقيل أبو عبيد اللَّه وقيل أبو عامر وقيل أبو نعيم وقيل أبو عثمان وقيل أبو سعيد وقيل أبو محمد وقيل غير ذلك فى كنيته. وهو المولود سنة إحدى وعشرين واللَّه أعلم.

يضربون المملوك فى القذف إلا أربعين: أى يجلدون الرقيق إذا رمى محصنا بالزنا أربعين جلدة لا غير وهى نصف حد الحر إذا قذف محصنا.

رواه مالك: أى فى الموطأ.

والثورى فى جامعه: أى ورواه الثورى فى جامعه والثورى هو أبو عبد اللَّه سفيان بن سعيد بن مسروق الثورى الكوفى. قيل هو نسبة لثور بن عبد مناة بن أدبن طابخة. قيل من ثور همدان قال فى تهذيب التهذيب:

ص: 12

والصحيح الأول، روى عن أبيه وأبى إسحاق الشيبانى وأبى إسحاق السبيعى وعبد الملك بن عمير وعبد الرحمن ابن عابس بن ربيعة وغيرهم، كما روى عنه خلق لا يحصون منهم بعض شيوخه كابن إسحاق وجعفر بن برقان وخصيف بن عبد الرحمن وغيرهم، وشعبة ومالك والأوزاعى وغيرهم من أقرانه. قال شعبة وابن عيينة وأبو عاصم وابن معين وغير واحد من العلماء: سفيان أمير المؤمنين فى الحديث وقال ابن المبارك: كتبت عن ألف ومائة شيخ ما كتبت عن أفضل من سفيان اهـ وقد ولد رحمه اللَّه تعالى سنة سبع وتسعين وتوفى بالبصرة سنة إحدى وستين. وكان ثقة مأمونا عابدا ثبتا. رحمه اللَّه تعالى ورضى عنه.

[البحث]

أخرج مالك هذا الحديث فى الموطأ فقال: عن أبى الزناد أنه قال: جلد عمر بن عبد العزيز عبدا فى فرية ثمانين قال أبو الزناد: فسألت عبد اللَّه بن عامر بن ربيعة عن ذلك فقال: أدركت عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، والخلفاء هلم جرا. فما رأيت أحدا جلد عبدا فى فرية أكثر من أربعين. قال البيهقى: ورواه الثورى عن أبى الزناد عبد اللَّه بن ذكوان حدثنى عبد اللَّه بن عامر بن ربيعة قال: لقد أدركت أبا بكر وعمر وعثمان ومن بعدهم من الخلفاء فلم أهم يضربون المملوك فى القذف إلا

ص: 13

أربعين اهـ قال الموفق: أجمع أهل العلم على وجوب الحد على العبد إذا قذف الحر المحصن اهـ وحديث الباب يؤيده قول اللَّه عز وجل فى حق الأمة إذا زنت: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} واللَّه أعلم.

[ما يفيده الحديث]

1 -

أن حد العبد أو الأمة نصف حد الحر الذى يقبل التنصيف وهو الجلد.

2 -

أن حد الرقيق إذا قذف محصنا هو أربعون جلدة.

ص: 14

4 -

وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من قذف مملوكه يُقامُ عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال" متفق عليه.

[المفردات]

من قذف مملوكه: أى من رمى عبده أو أمته بالزنا من غير برهان يقام عليه الحد يوم القيامة: أى كان للَّه فى ظهر هذا القاذف حدٌّ يوم القيامة وهو حد القذف.

إلا أن يكون كما قال: أى إلا أن يكون هذا المملوك قد ارتكب الفاحشة فإنه لا شئ على مالكه فيما قال.

[البحث]

لفظ هذا الحديث عند البخارى من طريق ابن أبى نُعْمٍ عن

ص: 14

أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: "من قذف مملوكه وهو برئ مما قال جُلدَ يوم القيامة، إلا أن يكون كما قال" وأخرجه مسلم من طريق عبد الرحمن بن أبى نعم حدثنى أبو هريرة قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم "من قذف مملوكه بالزنا يُقامُ عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال" اهـ

[ما يفيده الحديث]

1 -

أن السيد إذا قذف عبده بالزنا لم يُحد للقذف فى الدنيا.

2 -

التحذير من قذف المملوك بالزنا إذا كان بريئا.

ص: 15