الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الصيد والذبائح
1 -
عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من اتخذ كلبا إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع انتُقِصَ من أجره كل يوم قيراط" متفق عليه.
[المفردات]
الصيد: قال فى القاموس: والصيد المصيد أو ما كان ممتنعا ولا مالك له اهـ وقال ابن منظور فى لسان العرب: وقد تكرر فى الحديث ذكر الصيد اسما وفعلا ومصدرا، يقال: صاد يصيد صيدا فهو صائد وَمَصِيد وقد يقع الصيد على المصيد نفسه تسمية بالمصدر كقوله تعالى: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} قيل: لا يقال للشئ صيد حتى يكون ممتنعا حلالا اهـ وقال الحافظ فى الفتح: والصيد فى الأصل مصدر صاد يصيد صيدا، وعومل معاملة الأسماء فَأُوقِعَ على الحيوان المصاد اهـ.
والذبائح: هى جمع ذبيحة والمراد بها الحيوان الذى يحل ذبحه وأكل لحمه، وأصل الذبح فى اللغة الشق والفتق والنحر يقال ذبح ذبحا بمعنى شق وفتق ونحر، ويغلب استعمال
النحر بإرهاق الروح من طريق الطعن فى اللبة والمنحر، واستعمال الذبح فى إزهاق الروح بقطع الحلقوم بما فيه من المرئ والودجين. والودجان عرقان فى جانبى العنق والمرئ كأمير مجرى الطعام والشراب وهو رأس المعدة والكرش اللاصق بالحلقوم.
من اتخذ كلبا: أى من اقتنى كلبا.
إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع: أى إلا أن يكون اقتناؤه للكلب بقصد حراسة الماشية من إبله أو بقره أو غنمه أو نحوها أو أن يكون اقتناؤه للكلب من أجل أن يصيد به بشرط أن يكون معلما أو أن يكون اقتناؤه للكلب بقصد اتخاذه لحراسة زرعه.
انْتُقِصَ من أجره كل يوم قيراط: أى يضيع عليه من ثواب عمله الصالح اليومى الذى يتقرب به إلى اللَّه جزء من أربعة وعشرين جزءا ما دام مقتنيا للكلب. وقد تقدم فى مفردات الحديث السابع والثلاثين من أحاديث كتاب الجنائز أن القيراط يطلق على عدة معان منها أنه جزء من أجزاء الدينار والدرهم كما يطلق على جزء من أربعة وعشرين جزءا من كامل لة الشئ أرضا أو غيرها كما يطلق على الجزء فى الجملة وإن لم تعرف نسبته.
[البحث]
أورد البخارى فى كتاب المزارعة فى (باب اقتناء الكلب للحرث) من طريق يحيى بن أبى كثير عن أبى سلمة عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من أمسك كلبا فإنه ينقص كل يوم من عمله قيراط إلا كلب حرث أو ماشية" قال ابن سيرين وأبو صالح عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم: "إلا كلب غنم أو حرث أو صيد" وقال أبو حازم عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم: "كلب ماشية أو صيد" ثم ساق من طريق السائب بن يزيد أنه سمع سفيان بن أبى زهير -رجلا من أزد شنوءة- وكان من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم قال: سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول: "من اقتنى كلبا لا يغنى عنه زرعا ولا ضرعا نقص كل يوم من عمله قيراط" قلت: أنس سمعت هذا من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ قال: إى وربِّ هذا المسجد. وأورد فى كتاب الذبائح والصيد فى (باب من اقتنى كلبا ليس بكلب صيد أو ماشية) من طريق عبد اللَّه بن دينار قال: سمعت ابن عمر رضى اللَّه عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "من اقتنى كلبا ليس بكلب ماشية أو ضارية نقص كل يوم من عمله قيراطان" ثم ساقه من طريق سالم قال: سمعت عبد اللَّه بن عمر يقول: سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول: "من اقتنى كلبا إلا كلبا ضاريا لصيد أو كلب ماشية فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراطان" ثم ساقه من طريق نافع عن عبد اللَّه بن عمر قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من اقتنى كلبا
إلا كلب ماشية أو ضاريا نقص من عمله كل يوم قيراطان" أما مسلم رحمه الله فقد أخرج من طريق عمرو بن دينار عن ابن عمر أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب إلا كلب صيد أو كلب غنم أو ماشية، فقيل لابن عمر: إن أبا هريرة يقول: أو كلب زرع فقال ابن عمر: إن لأبى هريرة زرعا، وأخرج من طريق نافع عن ابن عمر نحو اللفظ الذى أخرجه البخارى عنه من طريقه وأخرجه من طريق سالم عن أبيه بلفظ: من اقتنى كلبا إلا كلب صيد أو ماشية نقص من أجره كل يوم قيراطان. ثم ساقه من طريق عبد اللَّه ابن دينار عن ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم بقريب من اللفظ الذى أخرجه به البخارى عنه. ثم ساقه من طريق سالم عن أبيه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بلفظ: "أيما أهل دار اتخذوا كلبا إلا كلب ماشية أو كلب صائد نقص من عملهم كل يوم قيراطان". وأخرجه من طريق ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبى هريرة عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: من اقتنى كلبا ليس بكلب صيد ولا ماشية، ولا أرض فإنه ينقص من أجره قيراطان كل يوم. ثم ساقه من طريق الزهرى عن أبى سلمة عن أبى هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من اتخذ كلبا إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع انتقص من أجره كل يوم قيراط". قال الزهرى: فَذُكِرَ لابن عمر قولُ أبى هريرة فقال: يرحم اللَّه أبا هريرة كان صاحب زرع. وأخرج من طريق السائب بن يزيد عن سفيان بن أبى زهير (وهو رجل من أزد شنوءة من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم باللفظ الذى أخرجه به البخارى عنه اهـ
وقول ابن عمر رضى اللَّه عنهما: إن لأبى هريرة زرعا وفى لفظ: كان صاحب زرع. أى إن أبا هريرة متثبت مما يقول لأنَّ ذلك يهمه، ويحتاج إلى معرفته. وقوله فى بعض الألفاظ: "نقص من أجره قيراط وفى بعض الألفاظ: قيراطان. الظاهر أن ذلك قد يختلف باختلاف الأحوال.
[ما يفيده الحديث]
1 -
جواز اقتناء الكلب للصيد.
2 -
جواز اقتناء الكلب لحراسة الماشية.
3 -
جواز اقتناء الكلب لحراسة الزرع.
4 -
يسر الشريعة الإسلامية.
2 -
وعن عدى بن حاتم رضى اللَّه عنه قال: قال لى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إذا أرسلت كَلْبَكَ فاذكر اسم اللَّه، فإن أمسك عليك فأدركته حيا فاذبحه، وإن أدركته قد قَتَلَ ولم يأكل منه فَكُلْهُ، وإن وجدت مع كلبك كلبا غيره وقد قتل فلا تأكل فإنك لا تدرى أيهما قتله، وإن رَمَيْتَ سهمك فاذكر اسم اللَّه عليه، فإن غاب عنك يوما فلم تجد فيه إلا أثَرَ سهمك فَكُلْ إن شئتَ، وإن وجدته غريقا فى الماء فلا تأكل" متفق عليه وهذا لفظ مسلم، وعن عدى رضى اللَّه عنه قال: سألت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن صيد المعراض فقال: "إذا أصبت بحده فكل، وإذا أصبت بعرْضه فقُتِلَ فإنه وَقِيذٌ فلا تأكل" رواه البخارى.
[المفردات]
عدى بن حاتم: هو أبو طريف عدى بن حاتم بن عبد اللَّه بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس بن عدى بن أخرم بن أبى أخرم بن ربيعة بن جرول بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طئ الطائى وأبوه حاتم الطائى المشهور بالجود، كما كان عدى رضى اللَّه عنه جوادا كريما، وقد قدم على النبى صلى الله عليه وسلم فى شعبان فى السنة السابعة أو الثامنة من الهجرة، وقد نفع اللَّه تعالى قومه به حين ارتد بعض الناس عن الإسلام بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فثبتهم اللَّه به، وجاء بصدقاتهم إلى أبى بكر رضى اللَّه عنه وقد حضر فتح المدائن، وقد ذكره أبو حاتم السجستانى فى المعمرين من العرب وأنه عاش مائة وثمانين سنة وتوفى بالكوفة سنة ثمان وستين رضى اللَّه عنه.
أرسلت كلبك: أى أطلقت كلبك المعلم ليصيد لك.
فاذكر اسم اللَّه: أى فسَمِّ اللَّه عند إطلاقه.
فإن أمسك عليك: أى فإن اصطاد لك صيدا.
فأدركته حيا فاذبحه: أى فإن أدكت الصيد وهو على قيد الحياة لم يمت فاذبحه بقطع حلقه.
وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه: أى وإن أدركت كلبك المعلم
قد أزهق روح الصيد ولم يأكل الكلب منه شيئًا فإن هذا الصيد حلال فكله أما إذا كان الكلب قد أكل من الصيد شيئًا فلا تأكل منه لأنه ما أمسك عليك بل أمسك لنفسه، فلا يكون معلما.
وإن وجدت مع كلبك كلبا غيره وقد قتل فلا تأكل: أى وإن أدركت الصيد مقتولا لكنك وجدت كلبا آخر مع كلبك عند هذا الصيد فلا تأكل من هذا الصيد.
فإنك لا تدرى أيهما قتله: أى فإنك لا تعلم هل الذى قتله هو كلبك المعلم الذى ذكرت اسم اللَّه عليه أو كلب شخص آخر وأنت لا تعلم عنه هل هو معلم أولا وهل ذكر اسم اللَّه عليه أولا.
وإن رميت سهمك: أى وإن أطلقت نبلك يعنى على صيد لتصيده بنبْلِكَ.
فاذكر اسم اللَّه: أى فَسَمِّ اللَّه تعالى عند رمى السهم وتوجيهه إلى الصيد.
فإن غاب عنك يوما: أى فإن اختفى عنك الصيد بعد ما رميته ومضى يوم من وقت رميه.
فلم تجد فيه إلا أثر سهمك فكل إن شئت: أى ثم وجدته بعد مُضِىِّ يوم من رميه ميتا، ولم تعثر على أثر فيه غير أثر سهمك الذى رميته به فهو حلال، إن اشتهيته
فكله وإن لم تشتهه فلا تأكله.
وإن وجدته غريقا فى الماء فلا تأكل: أى وإن وجدت الصيد الذى رميته بسهمك وغاب عنك يوما وعزت عليه ميتا فى الماء فلا تأكل منه لأنك لا تدرى هل قتله سهمك أو قتله الماء الذى وجدته فيه؟
عن صيد المعراض: أى عن حكم الصيد الذى أصيده بالمعراض، والمعراض بكسر الميم وسكون العين بعدها راء ممدودة ثم ضاد على وزن محراب قال فى القاموس: سهم بلا ريش دقيق الطرفين غليظ الوسط يصيب بعَرْضِه دون حده اهـ وقال الحافظ فى الفتح: (قوله المعراض) بكسر الميم وسكون المهملة وآخره معجمة قال الخليل وتبعه جماعة: سهم لا ريش له ولا نصل، وقال ابن دريد وتبعه ابن سيده: سهم طويل له أربع قذذ رقاق فإذا رمى به اعترض. وقال الخطابى: المعراض نصل عريض له ثقل ورزانة، وقيل: عود رقيق الطرفين غليظ الوسط وهو المسمى بالحذافة. وقيل خشبة ثقيلة آخرها عصا محدد رأسها وقد لا يحدد، وقوى هذا الأخيرَ النووىُّ تبعا لعياض، وقال القرطبى: إنه المشهوو، وقال ابن التين: المعراض عصا فى طرفها حديدة يرمى الصائد بها الصيد
فما أصاب بحده فهو ذكى فيؤكل، وما أصاب بغير حده فهو وقيذ اهـ.
إذا أصبت بحده: أى إذا قتلت الصيد بحد المعراض المحدد فهو حلال يحل لك اكله.
وإذا أصبت بِعَرْضِه: أى وإذا قتلت الصيد بغير طرف المعراض المحدد.
فإنه وقيذ: أى فإن الصيد الذى قتله المعراض بعَرْضِه موقوذ، والموقوذ هو ما قتل بعصا أو حجر أو ما لا حد له، والموقوذة هى التى تضرب بالخشبة أو الحجر أو نحوهما من المثقل حتى تموت.
فلا تأكل: أى فلا يحل لك أن تأكل من الصيد الذى قتله الطرف غير المحدد من المعراض لأنه موقوذ وقد نهى اللَّه تبارك وتعالى عن أكل الموقوذة.
[البحث]
أخرج البخارى حديث عدى بن حاتم رضى اللَّه عنه من طريق زكرياء عن عامر عن عدى بن حاتم رضى اللَّه عنه قال: سألت النبى صلى الله عليه وسلم عن صيد المعراض، قال:"ما أصاب بحده فكله، وما أصاب بعَرْضِه فهو وقيذ" وسألته عن صيد الكلب، فقال: "ما أمسك عليك فكل، فَإِنَّ أخذَ الكلب ذكاة. وإن وجدت مع كلبك أو كِلَابِكَ كَلْبًا غيره، فخشيت أن يكون أخذه معه،
وقد قتله فلا تأكل، فإنما ذكرت اسم اللَّه على كلبك ولم تذكره على غيره" ثم ساقه من طريق عبد اللَّه بن أبى السَّفَر عن الشعبى قال: سمعت عدى بن حاتم رضى اللَّه عنه قال: سألت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن المعراض فقال: "إذا أصبت بحده فَكُلْ، فإذا أصاب بِعَرْضِه فَقَتَلَ فإنه وقيذ فلا تأكل" فقلت: أُرْسِلُ كلبى؟ قال: "إذا أرسلت كلبك وسميت فكل" قلت: فإن أكل؟ قال: "فلا تأكل، فإنه لم يُمسك عليك، إنما أمسك على نفسه" قلت: أُرْسِلُ كلبى فَأجِدُ معه كلبا آخر؟ قال: "لا تأكل، فإنك إنما سميت على كلبك ولم تُسم على آخر" ثم ساق من طريق همام بن الحارث عن عدى رضى اللَّه عنه قال: قلت: يا رسول اللَّه إنا نرسل الكلاب المعلَّمة؟ قال: "كُلْ ما أَمسَكْنَ عليك" قلت: وإن قَتَلْنَ؟ قال: "وإن قَتَلْنَ" قلت: وإنا نَرْمِى بالمعراض؟ قال: "كُلْ ما خَزَقَ، وما أصاب بِعَرْضِه فلا تأكل" اهـ وقوله (ما خزق) أى ما نفذ فيه السهم وجرحه يقال: سهم خازق أى نافذ، والمراد بالمُعَلَّمَةِ التى إذا أغراها صاحبها على الصيد طلبته، وإذا زجرها انزجرت وإذا أخذت الصيد حبسته على صاحبها ولم تأكل منه شيئًا. أما مسلم رحمه الله فقد أخرجه من طريق عاصم عن الشعبى عن عدى بن حاتم باللفظ الذى ساقه المصنف، وأخرجه من طريق همام بن الحارث عن عدى بن حاتم قال: قلت: يا رسول اللَّه إنى أُرْسِلُ الكلاب المُعَلَّمَةَ فيمسكن علىَّ وأذكر اسم اللَّه عليه، فقال:"إذا أرسلت كلبك المُعَلَّمَ وذكرت اسم اللَّه عليه فكل" قلت: وإن قتلن؟ قال: "وإن قتلن"
ما لم يَشركْهَا كلبٌ ليس معها" قلت له: فإنى أرمى بالمعراض الصيد فَأُصِيب؟ فقال: "إذا رميت بالمعراض فخزق فكله، وإن أصابه بِعَرْضِه فلا تأكله" ثم ساقه من طريق بَيَان عن الشعبى عن عدى بن حاتم قال: سألت رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قلت: إنا قومٌ نَصِيدُ بهذه الكلاب؟ فقال: "إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم اللَّه عليها فكل مما أمسكن عليك وإن قتلن إلا أن يأكل الكلب، فإن أكل فلا تأكل، فإنى أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه، وإن خالطها كِلَاب من غيرها فلا تأكل" وساقه من طريق عبد اللَّه بن أبى السَّفَر عن الشعبى عن عدى بن حاتم قال: سألت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن المعراض فقال: لا إذا أصاب بحده فكل، وإذا أصاب بِعَرْضِه فَقَتَلَ فإنه وقيذ فلا تأكل" وسألت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن الكلب فقال:"إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم اللَّه فكل، فإن أكل منه فلا تأكل فإنه إنما أمسك على نفسه" قلت: فإن وجدت مع كلبى كلبا أخر فلا أدرى أيهما أخذه؟ قال: "فلا تأكل فإنما سميت على كلبك ولم تُسَمِّ على غيره "وساقه من طريق زكرياء عن عامر عن عدى بن حاتم قال: سألت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن صيد المعراض فقال: "ما أصاب بحده فكله وما أصاب بعرضه فهو وقيذ" وسألته عن صيد الكلب فقال: "ما أمسك عليك ولم يأكل منه فكله فإن ذَكاتَهُ أخْذُه، فإن وجدت عنده كلبا آخر فخشيت أن يكون أخذه معه وقد قتله فلا تأكل، إنما ذكرت اسم اللَّه على كلبك، ولم تذكره على غيره"
ثم ساقه من طريق سعيد بن مسروق حدثنا الشعبى قال: سمعت عدى بن حاتم وكان لنا جارا، ودخيلا، وربيطا بالنهرين أنه سأل النبى صلى الله عليه وسلم قال: أُرْسِلُ كلبى فأجد مع كلبى كلبا قد أخذ، لا أدرى أيهما أخذ؟ قال:"فلا تأكل فإنما سميت على كلبك ولم تُسَمِّ على غيره" وساقه أيضًا من طريق عاصم عن الشعبى عن عدى بن حاتم قال: سألت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن الصيد قال: "إذا رميت سهمك فاذكر اسم اللَّه فإن وجدته قد قَتَلَ فكل إلا أن تجده قد وقع فى ماء فإنك لا تدرى الماء قَتَلَهُ أو سَهْمُكَ" اهـ وقوله "وكان لنا جارا ودخيلا وربيطا": الدخيل هو الذى يُداخِلُ الإِنسان ويخالطه فى أموره، والربيط هنا بمعنى المرابط وهو الملازم. وقد ساق البخارى أيضًا من طريق بيان عن الشعبى عن عدى بن حاتم قال: سألت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قلت: إنَّا قوم نصيد بهذه الكلاب، فقال:"إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم اللَّه فكل مما أمسكن عليك وإن قتلن إلا أن يأكل الكلب، فإنى أخاف أن يكون إنما أمسكه على نفسه، وإن خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل" وفى لفظ للبخارى من طريق بيان عن عامر عن عدى بن حاتم رضى اللَّه عنه قال: سألت رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم فقلت: إنَّا قوم نَتَصيَّدُ بهذه الكلاب فقال: "إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم اللَّه فكل مما أمسكن عليك إلا أن يأكل الكلب فلا تأكل، فإنى أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه، وإن خالطها كلب من غيرها فلا تأكل".
وساقه البخارى من طريق عاصم عن الشعبى عن عدى بن حاتم رضى اللَّه عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أرسلت كلبك وسميت فأمسك وقَتَلَ فكل، وإن أكل فلا تأكل، فإنما أمسك على نفسه، وإذا خالط كلابا لم يُذكَر اسمُ اللَّه عليها فأمسكن وقتلن فلا تأكل، فإنك لا تدرى أيهما قتل، وإن رميت الصيد فوجدته بعد يوم أو يومين ليس به إلا أثر سهمك فكل، وإن وقع فى الماء فلا تأكل" وقال عبد الأعلى عن داود عن عامر عن عدى أنه قال للنبى صلى الله عليه وسلم: يَرْمِي الصيد فَيَقْتَفِرُ أثره اليومين والثلاثة ضم لمجده ميتا وفيه سهمه قال: "يأكل إن شاء" وفى لفظ للبخارى من طريق عبد اللَّه بن أبى السَّفَر عن الشعبى عن عدى ابن حاتم قال: قلت: يا رسول اللَّه إنى أرسل كلبى وأسمى، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: إذا أرسلت كلبك وسميت، فَأَخذَ فَقَتَلَ فَأَكَلَ فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه" قلت إنى أرسل كلبى أجد معه كلبا آخر لا أدرى أيهما أخذه؟ فقال:"لا تأكل، فإنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره" وسألته عن صيد المعراض، فقال:"إذا أصبت بحده فكل، وإذا أصبت بِعَرضِه فَقَتَلَ فإنه وقيذ فلا تأكل" اهـ هذا وليس قوله: "فإذا أرسلت كلبك" أن الإِرسال للصيد خاص بالكلاب بل كل ما قبل التعليم من الجوارح كلبا كان أو طيرا فهو كذلك لقوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} الآية ومعنى "مكلبين" معلمين ومعودين ومدربين.
[ما يفيده الحديث]
1 -
إباحة الاصطياد بالسهام ونحوها.
2 -
إباحة الاصطياد بالكلاب المعلمة.
3 -
وجوب التسمية عند رمى الصيد أو إرسال الكلب المعلم لصيده.
4 -
إذا أدرك الصائد الصيد حيا وجب عليه تذكيته.
5 -
أنه إذا رماه بالسهم وقتله به ولم يدركه حيا حل أكله.
6 -
إذا أكل الكلب المعُلَّمُ من الصيد حرم لحم هذا الصيد.
7 -
إذا اشترك كلب أو كلاب مع كلب الصائد فى أخذ الصيد حَرُمَ أكل لحمه.
8 -
إذا رمى الصائد الصيد بالسهم واختفى الصيد ثم وجده الصائد بعد يوم ووجد فيه أثر سهمه وحده جاز له أن يأكله ما لم يجده غريقا فى الماء فإنه لا يحل له حينئذ لاحتمال أن يكون مات غرقا.
9 -
أنه إذا وقع الشك فى الذكاة المبيحة للحيوان لا يحل أكله.
10 -
إذا أدرك الصيد حيا وذبحه جاز أكله حتى لو اشترك كلاب أخرى مع كلبه فى أخذه.
11 -
إذا رمى الصيد بآلة بعضها محدد وبعضها مثقل غير محدد فأصابه بالمحدد حلَّ أكله وإذا أصابه بالمثقل لا يحل أكله.
12 -
كل صيد قُتل بالمثقل فهو وقيذ يحرم أكله بنص الكتاب والسنة.
13 -
دقة أحكام الشريعة الإسلامية.
14 -
تفسير قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} أى مما لم يأكل منه الكلب الذى أمسكه.
3 -
وعن أبى ثعلبة رضى اللَّه عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رميت بسهمك فغاب عنك فَأَدْرَكْتَهُ فَكُلْهُ ما لم يُنْتِنْ" أخرجه مسلم.
[المفردات]
فغاب عنك: أى فاختفى الصيد الذى رميته بسهمك.
فأدكته: أى فعثرت عليه ووجدته وعرفته بأثر سهمك فيه.
فكله ما لم يُنْتِنْ: أى فهو حلال فكله ما لم يَفْسُدْ لحمه بالتَّعَفُّن وتنتشر منه رائحة كريهة.
[البحث]
لم يحدد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مدة غياب الصيد فى هذا الحديث بوقت، وإنما جعل غاية حله إلى أن ينتن، ولا شك أن تسرب الفساد إلى اللحم يختلف باختلاف حرارة الجو أو برودته، وتقدم فى بحث الحديث الثانى من أحاديث هذا الباب ما رواه البخارى من حديث عدى بن حاتم رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"وإن رميت الصيد فوجدته بعد يوم أو يومين ليس به إلا أثر سهمك فكل" وفى لفظ للبخارى: عن عدى أنه قال للنبى صلى الله عليه وسلم: "يرمى الصيد فيقتفر أثره اليومين والثلاثة ثم يجده ميتا وفيه سهمه، قال: "يأكل إن شاء" وذلك يدل على أن التوقيت بيوم فى الحديث الثانى من أحاديث هذا الباب لا مفهوم له، وأنه يحل أكله ولو غاب أكثر من يوم ما لم ينتن. وقد جاء فى لفظ لمسلم من حديث أبى ثعلبة رضى اللَّه عنه
عن النبى صلى الله عليه وسلم فى الذى يدرك صيده بعد ثلاث "فكله ما لم ينتن" وفى لفظ لمسلم من حديث أبى ثعلبة رضى اللَّه عنه: وقال فى الكلب: "كله بعد ثلاث إلا أن ينتن فدعه" وهذا كله يؤكد أن مدة الغياب لا دخل لها فى التحريم أو التحليل وإنما العمدة على أنه متى فسد اللحم فإنه لا يؤكل. وقوله فى الحديث: فيقتفر أثره أى فيقتفى أثره وقد جاء فى رواية الكشميهنى والهروى: فيقتفى بدل قوله: فيقتفر.
[ما يفيده الحديث]
1 -
أنه يحل أكل الصيد ولو غاب عن صاحبه أياما ما لم ينتن ما دام أنه وجد أثر سهمه فيه ولم يجده فى الماء.
2 -
تحذير المسلم من أكل ما تعفن من الطعام.
3 -
حرص الإسلام على المحافظة على صحة أجسام المسلمين.
4 -
النهى عن أكل اللحم الفاسد.
4 -
وعن عائشة رضى اللَّه عنها أن قوما قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم: إن قوما يأتوننا باللحم لا ندرى أَذُكِرَ اسمُ اللَّه عليه أم لا؟ فقال: "سَمُّوا اللَّه عليه أنتم وكلوه"(1) رواه البخارى.
[المفردات]
أن قوما قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم: قال الحافظ فى الفتح: لم أقف على تعيينهم ووقع فى رواية مالك: سئل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم اهـ.
إن قوما يأتوننا باللحم: أى إن ناسا يجيئون إلينا بلحوم من حيوانات قد ذبحوها فى البادية. والمراد بهم هنا أعراب من بادية المدينة المنورة كانوا حديثى عهد بالجاهلية.
لا ندرى أَذُكِرَ اسمُ اللَّه عليه أم لا؟ : أى لا نعرف هل سَمُّوا اللَّه تعالى عند ذبحها أو لم يسموا اللَّه تعالى عند الذبح لحداثة عهدهم بالإِسلام وقلة معرفتهم للحلال والحرام على حد قوله تعالى: {وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} .
سَمُّوا اللَّه عليه أنتم كلوه: أى اذكروا اسم اللَّه أنتم عند الأكل، ولا يلزمكم أن تبحثوا عن ذلك لأنَّ الأصل فى المسلم أن يسمى اللَّه عند الذبح، وقد نهى الإسلام عن التَّنَطُّعِ والغُلُوِّ.
[البحث]
أخرج البخارى رحمه الله حديث عائشة بعدة ألفاظ، فقد ساقه فى كتاب البيوع (فى باب من لم ير الوَسَاوِسَ ونحوها من المُشَبَّهَات) من طريق محمد بن عبد الرحمن الطُّفَاوِي حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى اللَّه عنها أن قوما قالوا: يا رسول اللَّه إن قوما يأتوننا باللحم لا ندرى أَذَكَرُوا اسم اللَّه عليه أم لا؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "سَمُّوا اللَّه عليه وكلوه" وساقه فى كتاب الذبائح والصيد فى (باب ذبيحة الأعراب ونحوهم) من طريق أسامة بن حفص المدنى عن
هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى اللَّه عنها أن قوما قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم: إن قوما يأتونا باللحم لا ندرى أَذُكِرَ اسمُ اللَّه عليه أم لا؟ فقال: "سمُّوا عليه أنتم وكلوه" قالت: وكانوا حديثى عهد بالكفر. وتابعه علىُّ عن الدراوردى، وتابعه أبو خالد والطَّفَاوِىُّ. وساقه فى كتاب التوحيد فى (باب السؤال بأسماء اللَّه تعالى والاستعاذة بها) من طريق أبى خالد الأحمر قال سمعت هشام بن عروة يحدث عن أبيه عن عائشة قالت: قالوا: يا رسول اللَّه إنى هنا أقواما حديثا عَهْدُهُمْ بِشِرْكٍ يأتونا بلحمان لا ندرى يذكرون اسم اللَّه عليها أم لا؟ قال: "اذكروا أنتم اسمَ اللَّه وَكُلُوا" تابعه محمد بن عبد الرحمن والدراوردى وأسامة بن حفص اهـ وقد أشار هذا الحديث إلى أصل عظيم وهو أن من أباح اللَّه تعالى أكل ذبائحهم لا ينبغى للمسلم أن يسأل عنها إذا قدمت إليه هل ذبحت على الطريقة الإِسلامية أو لا؟ أو هل سَمَّى الذابحُ اسم اللَّه عليها أو لا؟ وأن مثل هذا السؤال هو نوع من التنطع، ولذلك نقل البخارى عن الزهرى أنه قال فى ذبيحة النصارى: إن سمعته يسمى لغير اللَّه فلا تأكل، وإن لم تسمعه فقد أحله اللَّه وعلم كفرهم، ويُذكَرُ عن على نحوه وقال الحسن وإبراهيم: لا بأس بذبيحة الأقلف اهـ قال فى الفتح: ويستفاد منه أن كل ما يوجد فى أسواق المسلمين محمول على الصحة اهـ وأما ذبيحة المشركين من غير أهل الكتاب وذبيحة المجوس والشيوعيين والملاحدة فإنها لا تحل حتى ولو سموا اللَّه تعالى عليها.
[ما يفيده الحديث]
1 -
كراهية الإسلام للتنطع والغُلُوِّ.
2 -
أن الأصل فى المسلم أن يذكر اسم اللَّه عند الذبح.
3 -
يجوز أكل اللحوم (المستوردة) من البلاد (الكتابية) والإِسلامية دون حاجة إلى معرفة طريقة ذبحها.
5 -
وعن عبد اللَّه بن مغفل المزنى رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نهى عن الْخَذْفِ وقال: "إنها لا تصيد صيدا، ولا تَنْكَأُ عَدُوًّا، ولكنها تَكْسِرُ السِّنَّ وتَفْقَا الْعَيْنَ" متفق عليه واللفظ لمسلم.
[المفردات]
الْخَذْف: هو رَمْيُكَ بحصاة أو نواة أو نحوهما بالسبابتين أو الإِبهام والسبابة أو على ظاهر الوسطى وباطن الإِبهام، أو بمخذفة من خشب كالمقلاع. قال الحافظ فى الفتح: وقال ابن فارس خذفت الحصاة رميتها بين إصبعيك، وقيل فى حصى الخذف أن يجعل الحصاة بين السبابة من اليمن والإِبهام من اليسرى ثم يقذفها بالسبابة من اليمين، وقال ابن سيده: خذف بالشئ يخذف فارسى وخص به الحصى، قال: والمخذفة التى يوضع فيها الحجر ويرمى بها الطير، ويطلق على المقلاع أيضًا قاله فى الصحاح اهـ.
إنها لا تصيد صيدًا: أى ليس الصيد بالخذف مما أباحه اللَّه لأنه ليس من المُجْهِزَاتِ على الصيد بطريق صحيح بل
يصير وقيذًا ولا مصلحة فيه لأنه يقتل الصيد بقوة راميه لا بحده.
ولا تَنْكَأُ عَدُوًّا: أى لا تصيب عدوا ولا تنال منه قال الحافظ فى الفتح: قال عياض: الرواية بفتح الكاف وبهمز فى آخره وهى لغة والأشهر بكسر الكاف بغير همز، وقال فى شرح مسلم: لا ينكأ بفتح الكاف مهموز وروى لا يَنْكِى بكسر الكاف وسكون التحتانية وهو أوجه لأنَّ المهموز إنما هو من "نكأت القرحة" وليس هذا موضعه فإنه من النكاية. لكن قال فى العين: نكأت لغة فى نكيتُ فعلى هذا تتوجه هذه الرواية، قال: ومعناه المبالغة فى الأذى. وقال ابن سيده: نكى العدو نكاية أصاب منه ضم قال: نكأتُ العدو أَنْكَؤُهُمْ لغة فى نكيتهم، فظهر أن الرواية صحيحة المعنى، ولا معنى لتخطئتها. وأغرب ابن التين فلم يعرج على الرواية التى بالهمز أصلا بل شرحه على التى بكسر الكاف بغير همز ثم قال: ونكأت القرحة، بالهمز اهـ قال فى القاموس: وَنَكَأت الْقَرْحَة كمنع فَشَرَهَا قبل أن تبرأ فَنَدِيَتْ وَالعدُوَّ نَكَاهُمْ اهـ.
ولكنها تكسر السن وتفقأ العين: أى ولكن الرمية بطريق الخذف تكسر سِنَّ المرمى أو غيره من آدمى وغيره، وتقلع عين المرمى وغيره من آدمى وغيره، فشر الخذف كثير ولا خير فيه.
[البحث]
قرن البخارى رحمه الله فى صحيحه بين الصيد بالخذف والصيد بالبندقة وجعل ذلك عنوانا لحديث الباب، والبندقة تتخذ من طين وتيبس فيرمى بها وقد تكون عصا أو حديدة مجوفة يصطاد بها فهى من جنس الصيد بالمثقل، ولذلك قال البخارى فى صحيحه: وقال ابن عمر فى المقتولة بالبندقة: تلك الموقوذة اهـ والبندقة تعرف عند أهل فارس بالجُلَّاهِقة بضم الجيم وتشديد اللام كسر الهاء بعدها قاف وقد اتفق العلماء على تحريم أكل ما قتلته البندقة والحجر.
أما الرمى بالبنادق المعروفة الآن التى ينطلق منها الرصاص والبارود فهى من أحسن آلات الصيد لأنَّها تقتل بمحدد لا بمثقل فهى تثقب الصيد وتجرحه وتُنْهِرُ دَمَه. وقد ساق البخارى رحمه الله حديث الباب من طريق وكيع ويزيد بن هارون واللفظ ليزيد عن كَهْمَس بن الحسن عن عبد اللَّه بن بريدة عن عبد اللَّه بن مغفل أنه رأى رجلا يَخْذِفُ، فقال له: لَا تَخْذِفْ، فإن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نَهَى عن الخَذْفِ، أو كان يكره الخذف وقال:"إنه لا يُصاد به صَيْدٌ ولا ينكأ به عدو ولكنها قد تكسر السن، وتفقأ العين" ثم رآه بعد ذلك يخذف فقال له: أُحَدِّثُكَ عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الخذف أو كره الخذف وأنت تخذف؟ لا أكلمك كذا كذا اهـ أما مسلم رحمه الله فقد قال: حدثنا عبيد اللَّه بن مُعاذ العنبرى حدثنا أبى حدثنا كهمس عن ابن بريدة قال: رأى عبد اللَّه بن المغفل رجلا من أصحابه
يخذف فقال له: لا تخذف فإن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يكره -أو قال- ينهى عن الخذف، فإنه لايصطاد به الصَّيدُ ولا يُنكَأ به العَدوُّ ولكنه يكسر السن ويَفْقَأ العين، ثم رآه بعد ذلك يخذف، فقال له: أُخْبِرُكَ أن رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يكره أو ينهى عن الخذف ضم أراك تخذف؟ لا أُكَلِّمُكَ كلمةً كذا وكذا. ثم ساقه من طريق محمد بن جعفر وعبد الرحمن بن مهدى قالا: حدثنا شعبة عن قتادة عن عقبة ابن صُهبَانَ عن عبد اللَّه بن مغفل قال: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن الخذف، قال ابن جعفر فى حديثه: وقال: إنه لا ينكأ العدوَّ ولا يقتل الصيد ولكنه يكسر السن ويفقأ العين. وقال ابن مهدى: إنها لا تنكأ العدو، ولم يذكر تفقأ العين. ثم ساقه من طريق إسماعيل ابن علية عن أيوب عن سعيد بن جبير أن قريبا لعبد اللَّه بن مغفل خذف فنهاه وقال: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف وقال: "إنها لا تصيد صيدا ولا تنكأ عدوا ولكنها تكسر السن وتفقأ العين" قال: فعاد، فقال: أُحَدِّثُكَ أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نهى عنه ثم تخذف؟ لا أكلمك أبدا اهـ.
[ما يفيده الحديث]
1 -
النهى عن الصيد بطريقة الخذف.
2 -
النهى عن الصيد بالبندقة.
3 -
تحريم أكل ما صيد بالخذف أو البندقة.
4 -
النهى عن الصيد بالمثقل.
5 -
إباحة الصيد بالمحدد كالبنادق "النارية" ونحوها.
6 -
لا يجوز رمى الطور وسائر الصيد لغير مصلحة الانتفاع به.
7 -
وجوب المحافظة على سلامة الناس من الأذى.
8 -
الحث على اختيار أجود أنواع الأسلحة لقتال العدو.
9 -
لا يجوز استعمال الأسلحة الفاسدة التى قد تضر من يستعملها.
6 -
وعن ابن عباس رضى اللَّه عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "لا تَتَّخِذُوا شيئًا فيه الرُّوحُ غَرَضًا" رواه مسلم.
[المفردات]
لا تتخذوا شيئًا فيه الروح غرضا: أى لا تَجْعَلُوا الحيوان الحى هدفا ترمونه بسهامكم وتتدربون على الرمى فيه، فمعنى "فيه الروح" أى هو على قيد الحياة. والغرضُ هو الهدف الذى يُرْمى فيه. والبهيمة التى تُرْبَطُ وتتخذ غرضا تسمى المصبورة والمُجَثَّمَة، والجثوم للطير وفيه بمنزلة البروك للإِبل.
[البحث]
روى البخارى ومسلم واللفظ لمسلم من طريق هشام بن زيد بن أنس بن مالك قال: دخلت مع جدى أنس بن مالك دار الحكم بن أيوب فإذا قوم قد نصبوا دجاجة يرمونها قال: فقال أنس: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن تُصبرَ البهائم. ولفظ البخارى من طريق هشام بن زيد
قال: دخلت مع أنس على الحكم بن أيوب فرأى غلمانا أو فتيانا نصبوا دجاجة يرمونها. الحديث. كما روى البخارى من طريق إسحاق ابن سعيد بن عمرو عن أبيه أنه سمعه يحدث عن ابن عمر رضى اللَّه عنهما أنه دخل على يحيى بن سعيد، وغُلام من بنى يحيى رابط دجاجة يرميها فمشى إليها ابن عمر حتى حلَّها، ثم أقبل بها وبالغلام معه، فقال: ازْجُرُوا غلامكم عن أن يَصْبِرَ هذا الطير للقتل، فإنى سمعت النبى صلى الله عليه وسلم نهى أن تُصبر بهيمة أو غيرها للقتل. كما روى البخارى ومسلم واللفظ للبخارى من طريق أبى بشر عن سعيد بن جبير قال: كنت عند ابن عمر فَمَرُّوا بفتية أو بنفر نصبوا دجاجة يرمونها فلما رأوا ابن عمر تفرقوا عنها وقال ابن عمر: من فعل هذا؟ إن النبى صلى الله عليه وسلم لعن من فعل هذا. وفى لفظ لمسلم من طريق أبى بشر عن سعيد بن جبير قال: مَرَّ ابن عمر بفتيان من قريش قد نصبوا طيرا وهم يرمونه وقد جعلو الصاحب الطير كل خاطئة من نَبْلِهِمْ، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا، فقال ابن عمر: من فعل هذا؟ لعن اللَّه من فعل هذا، إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئًا فيه الروح غرضا اهـ وسيأتى مزيد بحث لذلك عند الكلام على الحديث التاسع من أحاديث هذا الباب إن شاء اللَّه تعالى.
[ما يفيده الحديث]
1 -
تحريم اتخاذ الحيوانات هدفا للرمى.
2 -
تحريم أكل لحم الحيوانات التى قتلت بالمراماة.
3 -
وجوب الشفقة على الناس والبهائم والطيور.
4 -
سمو الشريعة الإِسلامية وشمولها.
7 -
وعن كعب بن مالك رضى اللَّه عنه أن امرأة ذبحت شاة بحجر فَسُئِلَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأمر بأكلها. رواه البخارى.
[المفردات]
امرأة: هى جارية لكعب بن مالك رضى اللَّه عنه كانت ترعى له الغنم بسلع بالمدينة قال الحافظ فى الفتح: لم أقف على اسمها.
ذبحت شاة: أى ذكَّتْها.
بحجر: أى بقطعة محددة من المروة وهو حجر أبيض قد يكون له حد كالسكين وقيل هو الذى يقدح منه النار، والمقصود أن كل حجر يمكن تحديده حتى يقطع الحلقوم ويفرى الأوداج يجوز أن يذبح به.
فسئل النبى صلى الله عليه وسلم عن ذلك: أى استفتى كعب بن مالك أو غيره رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم فى جواز أكل هذه الذبيحة التى ذكتها المرأة بكسرة من حجر.
فأمر بأكلها: أى فأباح رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لهم أن يأكلوها، وأذن لهم فى ذلك.
[البحث]
أخرج البخارى رحمه الله هذا الحديث بعدة ألفاظ فى عدة مواضع من صحيحه فقد أخرجه فى كتاب الوكالة فى (باب إذا أبصر الراعى أو الوكيل شاة تموت أو شيئًا يفسد ذبح وأصلح ما يخاف عليه الفساد) من طريق المعتمر أنبأنا عبيد اللَّه عن نافع أنه سمع ابن كعب بن مالك يحدث عن أبيه أنه كانت لهم غنم ترعى بسَلْع، فأبْصَرَتْ جارية لنا بشاة من غنمنا مَوْتًا، فكسرت حَجَرًا، فَذَبَحَتْهَا به، فقال لهم: لا تأكلوا حتى أسألَ النبىَّ صلى الله عليه وسلم أو أرْسِلَ إلى النبى صلى الله عليه وسلم مَنْ يسأله، وأنه سأل النبىَّ صلى الله عليه وسلم عن ذاك أو أرسل إليه، فأمره بأكلها. قال عبيد اللَّه: فيعْجِبُنى أنها أمة وأنها ذَبَحَتْ. تابعه عَبْدَةُ عن عبيد اللَّه. وساقه فى كتاب الذبائح والصيد فى (باب ما أنْهَرَ الدَّمَ من الْقَصَب والمروة والحديد) من طريق المعتمر عن عبيد اللَّه عن نافع عابن كعب بن مالك يُخْبِرُ ابن عمر أن أباه أخبره أن جارية لهم كانت ترعى غنما بسلع فأبصرت بشاة من غنمها مَوْتًا، فَكَسَرَتْ حَجَرًا فَذَبَحَتْهَا به، فقال لأهله: لا تأكلوا حتى آتِيَ النبىَّ صلى الله عليه وسلم فأسأله أو حتى أرسل إليه من يسأله، فأتى النبىَّ صلى الله عليه وسلم أو بعث إليه فأمر النبىُّ صلى الله عليه وسلم بأكلها. ثم ساقه من طريق جويرية عن نافع عن رجل من بنى سلمة أخبرنا عبد اللَّه أن جارية لكعب بن مالك ترعى غنما له بِالْجُبَيْلِ الذى بالسُّوق وهو بِسَلْع، فَأُصِيبَتْ بشاة، فَكَسَرَتْ حجرا فذبحتها به، فذكروا للنبى صلى الله عليه وسلم فأمرهم بأكلها، ثم ساقه فى (باب ذبيحة المرأة والأمة) من طريق عَبْدة عن عبيد اللَّه عن
نافع عن ابن لكعب بن مالك عن أبيه أن امرأة الخ الحديث باللفظ الذى ساقه المصنف ثم قال البخارى: وقال الليث: حدثنا نافع أنه سمع رجلا من الأنصار يُخْبِرُ عبد اللَّه عن النبى صلى الله عليه وسلم أن جارية لكعب بهذا، ثم ساقه من طريق مالك عن نافع عن رجل من الأنصار عن معاذ بن سعد أو سعد بن معاذ أخبره أن جارية لكعب بن مالك كانت ترعى غنما بسلع فأصيبت شاة منها فَأدْرَكَتْهَا فَذَبَحَتْهَا بحجر، فسئل النبىُّ صلى الله عليه وسلم فقال:"كلوها" وقوله فى الحديث (فَأبصرت بشاة من غنمها موتا) أى فرأت أن شاة من الغنم التى ترعاها على وشك الموت.
[ما يفيده الحديث]
1 -
يجوز ذبح الحيوان بالمحدد من الحجر.
2 -
تجوز ذبيحة المرأة ولو كانت أمة أو حائضا أو نفساء.
3 -
يجوز ذبح الشاة المريضة مرض الموت وأكل لحمها.
4 -
إذا أبصر الراعى شاة من الغنم التى يرعاها تموت فذبحها بغير إذن مالكها حل أكلها.
8 -
وعن رافع بن خديج رضى اللَّه عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "ما أَنهَرَ الدَّمَ وذُكِرَ اسمُ اللَّه عليه فَكُلْ ليس السِّنَّ والظُّفْرَ، أما السِّنُّ فَعَظْمٌ، وأما الظُّفرُ فَمُدَى الحبشة" متفق عليه.
[المفردات]
ما أنهر الدم: أى أسَالَ الدم وصبه بكثرة.
فَكُل: أى فالذبح به جائز فكل ما ذكيته به.
ليس السِّنَّ والظفرْ: أى إلا السن والظفر فإنه لا يجوز التذكية والذبح بهما.
أما السِّنُّ فعظم: أى إنما لم يجز الذبح بالسن لأنه عظم والذبح بالعظم من جنس الذبح بالمثقل كالحجر، والذبح بالمثقل لا يجوز وقيل: إن السن عظم فى الجملة، وقد نهى عن تلويث العظم لأنَّ عظم ما ذكر اسم اللَّه عليه يجعله اللَّه عز وجل زاد للمؤمنين من الجن.
وأما الظفر فمدى الحبشة: أى وإنما لم يجز الذبح بالظفر لأنه من جنس الذبح بالمثقل أو بالخنق. والحبشة يدمون مذابح الشاة بالظفر حتى تزهق نفسها خنقا، والحبشة جنس من السودان، كانوا وثنيين ودخلتهم النصرانية قبل الإسلام. والمدى جمع مدية وهى الشفرة أى السكين فقد كانت سكاكين الحبشة أظافيرهم آنذاك.
[البحث]
ساق البخارى رحمه الله حديث رافع بن خديج هذا فى كتاب الذبائح والصيد فى (باب التسمية على الذبيحة ومن ترك متعمدا)
من طريق عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج فى قصة، وفيها: وقال جدى: إنا لنرجو أو نخاف أن نلقى العدو غدا وليست معنا مُدًى أفنذبح بالقصب؟ فقال: "ما أنهر الدم وذكر اسمُ اللَّه فكل، ليس السن والظفر، وسأحدثكم عن ذلك، أما السن فعظم وأما الظفر فمدى الحبشة" ثم ساقه فى (باب ما أنهر الدم من القصب والمروة والحديد) من طريق عباية بن رقاعة عن جده أنه قال: يا رسول اللَّه ليس لنا مُدًى فقال: "ما أنهر الدم وذكر اسمُ اللَّه فكل ليس الظفر والسن، أما الظفر فمدى الحبشة، وأما السن فعظم) ونَدَّ بعير فحبسه فقال: "إن لهذه الإِبل أوابد كأوابد الوحش فما غلبكم منها فما صنعوا به هكذا" ثم ساقه فى (باب لا يذكى بالسن والعظم والظفر) من طريق عباية بن رفاعة عن رافع بن خديج قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم "كل" يعنى ما أنهر الدم إلا السن والظفر. وقد رواه البخارى ومسلم من طريق عباية بن رفاعة عن جده رافع بن خديج قال: قلت: يا رسول اللَّه إنا لَاقو العدو غدًا ولست معنا مدًى؟ فقال: "اعجل أو أَرِنْ، ما أنهر الدم وذُكِرَ اسمُ اللَّه فكل، ليس السن والظفر، وسأحدثك: أما السن فعظم وأما الظفر فَمُدى الحبشة" وأصبنا نَهْب إبل وغنم فَنَدَّ منها بعير، فرماه رجل بسهمه فحبسه، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إن لهذه الإِبل أوابد كأوابد الوحش، فإذا غلبكم منها شئ فافعلوا به هكذا" ولفظ مسلم:"فاصنعوا به هكذا" وقوله "أَرِنْ" هى بمعنى اعجل. والمراد إراحة
الذبيحة بسرعة ذمحها بما يُنهِرُ الدم. واللَّه أعلم.
[ما يفيده الحديث]
1 -
أنه لابد فى آلة الذبح أن تكون مما يقطع ويجرى الدم.
2 -
وأنه لابد من التسمية عند الذبح.
3 -
وأن متروك التسمية عليه عمدا لا يؤكل.
4 -
وأنه لا يجوز الذبح بالعظم أو السن أو الظفر.
9 -
وعن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما قال: نَهَى رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يُقْتَلَ شَىْءٌ من الدواب صبرا" رواه مسلم.
[المفردات]
نهى: أى منع.
من الدواب: أى من الحيوانات.
صَبْرًا: أى بطريق ربطه ورميه حتى يموت.
[البحث]
تقدم فى بحث الحديث السادس من أحاديث هذا الباب النهى عن اتخاذ الحيوان غرضا، وقد سقت هناك ما رواه الشيخان من حديث أنس بن مالك رضى اللَّه عنه أنه قال: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن تُصْبَرَ البهائم. كما سقت ما رواه البخارى من حديث ابن عمر رضى اللَّه عنهما أنه قال: سمعت النبى صلى الله عليه وسلم نهى أن تصبر بهيمة أو غيرها للقتل.
[ما يفيده الحديث]
1 -
تحريم قتل الحيوانات صبرا.
2 -
تحريم لحم البهيمة المصبورة.
3 -
وجوب الشفقة على البهائم حتى عند تذكيتها
4 -
سمو الشريعة الإِسلامية وشمولها.
10 -
وعن شداد بن أوس رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إن اللَّه كتب الإِحسان على كل شئ، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلَةَ، وإذا ذبحتم فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَه، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ" رواه مسلم.
[المفردات]
شداد بن أوس: هو شداد بن أوس بن ثابت بن المنذر بن حرام ابن عمرو الأنصارى النجارى أبو يعلى أو أبو عبد الرحمن رضى اللَّه عنه وهو ابن أخى حسان بن ثابت رضى اللَّه عنه. كان من أهل العلم من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ورضى اللَّه عنهم. وقال ابن سعد وغير واحد: مات بالشام سنة ثمان وخمسين وهو ابن خمس وسبعين سنة. وقيل توفى عام 64 وقال ابن عبد البر: يقال: مات سنة 41 هـ واللَّه أعلم.
كتب الإِحسان على كل شئ: أى أمر بالإحسان فى كل شئ
وفَرضَه وحكم به. والإِحسان ضد الإِساءة، وكل ما جاءت به الشريعة الإِسلامية فهو حسن سواء كان فى الاعتقاد أو السلوك أو العبادات أو المعاملات وسائر الأحكام. كما تطلب الشريعة من كل مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أن يحسنه ويتقنه، ويؤديه على أكمل وجه، حتى ولو كان ذلك فى باب العقوبات وإزهاق الأرواح.
فإذا قتلتم: أى فإذا أردتم قتل إنسان قصاصا أو حدًا.
فأحسنوا القِتْلَةَ: أى فاستعملوا أحسن طريق لإِزهاق روحه بدون تعذيب، واختاروا أسهل الطرق وأقلها إيلاما. والقتلة بكسر القاف هى هيئة القتل وحالته.
وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبْحَةَ: أى وإذا أردتم ذبح حيوان فاختاروا أسهل الطرق وأقلها إيلإما للحيوان، والذبحة بكسر الذال هى هيئة الذِّبح وحالته. قال النووى فى شرح مسلم: وقع فى كثير من النسخ أو أكثرها "فأحسنوا الذبح" بفتح الذال بغير هاء وفى بعضها "الذبحة" بكسر الذال وبالهاء كالقِتلة.
وليحد أحدكم شفرته: أى ولتكن آلة الذبح حادة يقال: حدَّ السكين وأحدها وحَدَّدَهَا إذا مسحها بحجر أو مبرد فحدَّت تحدُّ حِدَّةً. والشَّفْرَةُ السكين.
وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ: أى وليرفق بذبيحته فلايجرها بشدة إلى المذبح ولا يحد السكين أمامها، وليسرع بالإِجهاز عليها وليعجل إمرار السكين على مذابحها وهو يذبحها حتى لا يطول تألمها، ولا يسلخها حتى تبرد.
[البحث]
لفظ هذا الحديث عند مسلم من طريق أبى الأشعث عن شداد ابن أوس قال: ثنتان حفظتهما عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إن اللَّه كتب الإِحسان على كل شئ فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلَةَ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذَبْحَ، وليحد أحدكم شفرته فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ".
[ما يفيده الحديث]
1 -
بيان آداب الذبح.
2 -
ينبغى للمسلم أن يكون قدوة حسنة ومثالا صالحا يحتذى فى إتقان صنعته وإحسان عمله.
3 -
تحريم تشويه جثة القتيل.
4 -
استعمال أفضل الوسائل المريحة للقتيل عند تنفيذ عقوبة الإِعدام.
5 -
رحمة الإسلام بالإنسان والحيوان.
11 -
وعن أبى سعيد الخدرى رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "ذكاة الجنين ذَكَاةُ أُمِّه" رواه أحمد وصححه ابن حبان.
[المفردات]
ذكاة الجنين ذكاة أمه: أى إن ذبح الشاة أو البقرة أو نحر الناقة أو فيها من الإِناث يغنى عن ذبح ما يخرج من بطنها ميتا بعد ذبحها فيؤكل بلا حاجة إلى ذبح وتذكية اكتفاء بذبح أمه أو نحرها.
[البحث]
قال فى تلخيص الحبير: حديث أبى سعيد الخدرى: قلنا: يا رسول اللَّه إنا لننحر الإِبل ونذبح البقرة والشاة فنجد فى بطنها الجنين، أفنلقيه أم نأكله؟ فقال:"كلوه إن شئتم، فإن ذكاته ذكاة أمه" الترمذى من طريق مجالد عن أبى الوداك عن أبى سعيد بهذا، ورواه أبو داود مثله إلا أنه قال:"الناقة" بدل "الإِبل" ورواه الدارقطنى بلفظ: "إذا سميتم على الذبيحة فإن ذكاته ذكاة أمه" قال عبد الحق: لا يحتج بأسانيده كلها، وخالف الغزالى فى الإِحياء فقال: هو حديث صحيح، وتبع فى ذلك إمامه فإنه قال فى الأساليب: هو حديث صحيح لا يتطرق احتمال إلى متنه، ولا ضعف إلى سنده، وفى هذا نظر، والحق أن فيها ما تنتهض به الحجة وهى مجموع طرق حديث أبى سعيد وطرق حديث جابر على ما سيأتى بيانه، وقال ابن حزم: هو حديث واهى، فإن مجالدا ضعيف، وكذا أبو الوداك، قلت: قد رواه الحاكم من حديث عبد الملك بن عمير عن عطية عن أبى سعيد، وعطية وإن كان لين الحديث فمتابعته لمجالد معتبرة، وأما
أبو الوداك فلم أر من ضعفه، وقد احتج به مسلم، وقال يحيى بن معين: ثقة على أن أحمد بن حنبل قد رواه فى مسنده عن أبى عبيدة الحداد عن يونس بن أبى إسحاق عن أبى الوداك، فهذه متابعة قوية لمجالد، ومن هذا الوجه صححه ابن حبان وابن دقيق العيد، وفى الباب عن جابر وأبى أمامة وأبى الدرداء وأبى هريرة قاله الترمذى، وفيه أيضًا عن على بن أبى طالب وابن مسعود وأبى أيوب والبراء بن عازب وابن عمر وابن عباس كعب بن مالك. أما حديث جابر فرواه الدارمى وأبو داود بلفظ: ذكاة الجنين ذكاة أمه. وفيه عبيد اللَّه بن أبى زياد القداح عن أبى الزبير والقداح ضعيف، ورواه الدارقطنى من طريق ابن أبى ليلى عن أبى الزبير، والحاكم من طريق زهير بن معاوية عن أبى الزبير فهولاء ثلاثة رووه عن أبى الزبير وتابعهم حماد بن شعيب عن أبى الزبير عند أبى يعلى، ولو صح الطريق إلى زهير لكان على شرط مسلم إلا أن راويه عنه استنكر أبو داود حديثه، وأما حديث أبى أمامة وأبى الدرداء فرواهما الطبرانى من طريق راشد بن سعد عن أبى أمامة وأبى الدرداء جميعا وفيه ضعف وانقطاع، وأما حديث أبى هريرة فرواه الدارقطنى من طريق عمر بن قيس عن عمرو بن دينار عن طاوس عن أبى هريرة وعمر بن قيس ضعيف، وهو المعروف بسندل وأخرجه الحاكم من طريق أخرى عن المقبرى عن أبى هريرة، والراوى له عن أبى سعيد المقبرى حفيده عبد اللَّه بن سعيد وهو متروك، وأما حديث على فأخرجه الدارقطنى وفيه الحارث الأعور والراوى عنه أيضًا
ضعيف، وأما حديث ابن مسعود فرواه الدارقطنى بسند رجاله ثقات إلا أحمد بن الحجاج بن الصلت فإنه ضعيف جدا وهو علته، وأما حديث أبى أيوب فرواه الحاكم من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن أخيه عيسى عن أبيه عبد الرحمن عن أبى أيوب ومحمد ضعيف وأما حديث البراء فذكره البيهقى، وأما حديث ابن عمر فله طرق منها ما رواه الحاكم والطبرانى فى الأوسط وابن حبان فى الضعفاء فى ترجمة محمد بن الحسن الواسطى عن محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر مرفوعا: إذا أشعر الجنين فذكاته ذكاة أمه. فيه عنعنة ابن إسحاق ومحمد بن الحسن ضعفه ابن حبان، ورواه الخطيب فى الرواة عن مالك عن أحمد بن عصام عن مالك عن نافع به وقال: وفى به أحمد بن عصام وهو ضعيف وهو فى الموطأ موقوف وهو أصح، ولفظه: إذا نحرت الناقة فذكاة ما فى بطنها فى ذكاتها إذا كان قد تم خلقه، ونبت شعره، فإذا خرج من بطن أمه ذبح حتى يخرج الدم من جوفه، ورواه الطبرانى فى الأوسط فى ترجمة أحمد بن يحيى الأنطاكى من حديث العمرى عن نافع عن ابن عمر مرفوعا، وروى أيضًا من طريق مبارك بن مجاهد عن ابن عمر ومن طريق أيوب بن موسى قال: ذكر عن ابن عمر، قال ابن عدى: اختلف فى رفعه ووقفه على نافع ثم قال: ورواه أيوب وعدد جماعة عن نافع عن ابن عمر موقوفا وهو الصحيح. وأما حديث ابن عباس فرواه الدارقطنى من حديث موسى بن عثمان الكندى عن ابن إسحاق عن عكرمة عن
ابن عباس بلفظ: ذكاة الجنين ذكاة أمه. وموسى مجهول. وأما حديث كعب بن مالك فرواه الطبرانى فى الكبير من طريق إسماعيل ابن مسلم عن الزهرى عن عبد الرحمن بن كعب عن كعب به، وإسماعيل ضعيف، وذكره ابن حبان فى الضعفاء فيما أنكر على إسماعيل، قال: إنما هو عن الزهرى قال: كان الصحابة فذكره، وروى ابن حزم من طريق سفيان بن عيينة عن الزهرى عن ابن كعب ابن مالك قال: كان أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقولون: ذكاة الجنين ذكاة أمه. ورواه البيهقى عن جماعة من الصحابة موقوفا. واللَّه أعلم (فائدة) قال ابن المنذر: لم يرو عن أحد من الصحابة وسائر العلماء أن الجنين لا يؤكل إلا باستئناف الذكاة فيه إلا ما روى عن أبى حنيفة اهـ وزاد فى الدراية فى تخرج أحاديث الهداية بعد قوله: إلا ما روى عن أبى حنيفة: ولا أحسب أصحابه وافقوه عليه اهـ واللَّه أعلم.
12 -
وعن ابن عباس رضى اللَّه عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: المسلم يكفيه اسمه، فإن نسى أن يسمى حين يذبح فَلْيُسَمِّ ثم لْيَأكُلْ أخرجه الدارقطنى وفى إسناده محمد بن يزيد بن سنان وهو صدوق ضعيف الحفظ، وأخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح إلى ابن عباس موقوفا عليه، وله شاهد عند أبى داود فى مراسيله بلفظ: ذبيحة المسلم حلال ذُكر اسم اللَّه عليها أم لم يذكر. ورجاله موثقون.
[المفردات]
يكفيه اسمه: أى يغنيه اسمه.
أن يسمى حين يذبح: أى يذكر اسم اللَّه على ذبيحته.
فليسم ثم ليأكل: أى فليذكر اسم اللَّه عند الأكل.
محمد بن يزيد بن سنان: هو محمد بن يزيد بن سنان بن يزيد التيمى الجزرى أبو عبد اللَّه بن أبى فروة الرهاوى مولى بنى طهية من بنى تميم، روى عن أبيه وعن جده وابن أبى ذئب وغيرهم وروى عنه أبو فروة يزيد وأبو حاتم الرازى والمغيرة بن عبد الرحمن الحرانى ومعقل ابن عبيد اللَّه الجزرى وعبد العزيز بن منيب أبو الدرداء وغيرهم. قال ابن أبى حاتم سألت أبى عنه فقال: ليس بشيئ هو أشد غفلة من أبيه مع أنه كان رجلا صالحا لم يكن من أحلاس الحديث، صدوق، وقال البخارى: أبو فروة مقارب الحديث إلا أن ابنه محمدا يروى عنه مناكير، وقال الآجرى عن أبى داود: أبو فروة الجزرى ليس بشئ وابنه ليس بشئ وقال النسائى ليس بالقوى، قال فى تهذيب التهذيب: وذكره ابن حبان فى الثقات، وقال: مولده سنة اثنتين وثلاثين ومائة ومات سنة عشرين ومائتين. وقال الترمذى: لا يتابع على روايته، وهو ضعيف، وقال الدارقطنى: ضعيف اهـ.
[البحث]
قال الدارقطنى: حدثنا الحسين بن إسماعيل نا أبو حاتم الرازى نا محمد بن يزيد نا معقل عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: المسلم يكفيه اسمه فإن نسى أن يسمى حين يذبح فليسم، وليذكر اسم اللَّه ثم ليأكل اهـ وقد أخرجه عبد الرزاق فى مصنفه فى الحج فقال: حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبى الشعثاء حدثنا عين يعنى عكرمة عن ابن عباس قال: إن فى المسلم اسم اللَّه فإن ذبح ونسى أن يذكر اسم اللَّه فليأكل وإن ذبح المجوسى وذكر اسم اللَّه فلا يأكل اهـ أما الشاهد الذى أخرجه أبو داود فى المراسيل فهو من طريق ثور بن يزيد عن الصلت، رفعه: ذبيحة المسلم حلال، ذكر اسم اللَّه أو لم يذكر، لأنه إن ذكر لم يذكر إلا اسم اللَّه اهـ.