المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الأطعمة - فقه الإسلام = شرح بلوغ المرام - جـ ٩

[عبد القادر شيبة الحمد]

الفصل: ‌ ‌كتاب الأطعمة

‌كتاب الأطعمة

ص: 223

1 -

عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "كُلُّ ذى نَابٍ من السِّباع فَأَكْلُهُ حَرَامٌ" رواه مسلم، وأخرجه من حديث ابن عباس بلفظ:"نهى" وزاد: "وكُلِّ ذِى مِخْلَبٍ من الطَّيْرِ".

[المفردات]

الأطعمة: أى المأكولات والمقصود بيان ما يباح وما لا يباح منها كل ذى ناب من السباع: أصل الناب السن خلف الرباعية والمراد هنا الناب المستخدم فى الافتراس وهو الناب القوى الذى يعض به ويفترس، والسباع حمع سبع وهو المفترس من الحيوان كالأسد والنمر والذئب والفيل والكلب ونحوها مما تفترس الحيوان بنابها وتأكله قهرا وقسرا.

فأكْله حرام: أى فتناول لحمه لا يحل للمسلم، ولا يجوز له أن يأكل منه.

وأخرجه: أى وأخرج مسلم أيضا هذا الحديث بغير لفظ أبى هريرة رضى اللَّه عنه.

من حديث ابن عباس: أى من رواية ابن عباس رضى اللَّه عنهما عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.

ص: 223

بلفظ "نهى": أى بعبارة "نهى" بدل قوله: "فأكله حرام" فى حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه.

وزاد: أى وزاد مسلم من حديث ابن عباس رضى اللَّه عنهما.

وكلِّ ذى مخلب من الطير: أى ونهى عن أكل لحم كل طير له مخلب يصيد به، قال فى القاموس: المخلب: المنجل وظُفْر كل سَبُع من الماشى والطائر أو هو لما يصيد من الطير اهـ والطير الذى يصيد بمخلبه كالعقاب والباز والصقر والشاهين ونحوها. والطير جمع طائر وقد يطلق على الواحد أيضا، والطيران هو حركة ذى الجناح فى الهواء بجناحيه.

[البحث]

حديث ابن عباس أخرجه مسلم من طريق ميمون بن مهران عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن كل ذى ناب من السباع وعن كل ذى مخلب من الطير. وقد أخرج البخارى ومسلم من طريق ابن شهاب عن أبى إدريس الخولانى عن أبى ثعلبة رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذى ناب من السباع. وفى لفظ لمسلم من حديث أبى ثعلبة رضى اللَّه عنه: نهى عن كل ذى ناب من السباع.

[ما يفيده الحديث]

1 -

يحرم أكل لحم كل ذى ناب من السباع.

2 -

يحرم أكل لحم كل ذى مخلب من الطير.

ص: 224

2 -

وعن جابر رضى اللَّه عنه قال: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأذن فى لحوم الخيل. متفق عليه. وفى لفظ للبخارى: "ورخص".

[المفردات]

نهى: أى منع وزجر.

يوم خيبر: أى زمن غزوة خيبر.

عن لحوم الحمر الأهلية: أى عن أكل لحوم الحمر الإِنسية وهى تغاير الحمر الوحشية فإن حمار الوحش حلال كما سيجئ فى الحديث التاسع من أحاديث هذا الباب إن شاء اللَّه تعالى.

وفى لفظ للبخارى: أى من حديث جابر رضى اللَّه عنه.

ورخَّصَ: أى وأباح وأذن.

[البحث]

لفظ البخارى من حديث جابر رضى اللَّه عنه قال: نهى النبى صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر ورخص فى لحوم الخيل. كما أخرج البخارى من حديث ابن عمر رضى اللَّه عنهما: نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر. ورواه مسلم من حديث ابن عمر رضى اللَّه عنهما بلفظ: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن أكل الحمار الأهلى يوم خيبر وكان الناس احتاجوا إليها. كما أخرج البخارى ومسلم

ص: 225

واللفظ لمسلم من حديث على رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن لحوم الحمر الإِنسية. وفى لفظ لمسلم: وعن أكل لحوم الحمر الإِنسية. كما أخرج البخارى من طريق عدى عن البراء وابن أبى أوفى رضى اللَّه عنهم قالا: نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر. ورواه مسلم من طريق عدى (وهو ابن أبى ثابت) قال: سمعت البراء وعبد اللَّه بن أبى أوفى يقولان: أصبنا حُمُرا فطبخناها فنادى منادى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أكفئوا القدور" وأخرج مسلم من طريق الشيبانى قال: سألت عبد اللَّه بن أبى أوفى عن لحوم الحمر الأهلية فقال: أصابتنا مجاعة يوم خيبر ونحن مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقد أصبنا للقوم حمرا خارجة من المدينة فنحرناها فإن قُدُورَنَا لَتَغْلِى إذ نادى منادى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن أكفئوا القدور ولا تَطْعَمُوا من لحوم الحمر شيئا فقلت: حرمها تحريم ماذا؟ قال: تحدثنا بيننا فقلنا: حرمها ألبتة وحرمها من أجل أنها لم تُخَمَّسْ. ورواه مسلم من طريق الشعبى عن البراء بن عازب قال: أمرنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نُلْقِىَ لحوم الحمر الأهلية نِيئَةً ونَضِيجَةً ثم لم يأمرنا بأكله وروى البخارى ومسلم من حديث أبى ثعلبة رضى اللَّه عنه قال: حرَّم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لحوم الحمر الأهلية كما روى البخارى ومسلم واللفظ للبخارى من حديث أنس ابن مالك رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جاءه جاءٍ فقال: أُكِلت الحمر، ثم جاءه جاءٍ فقال: أكِلَت الحمر، ثم جاءه جاءٍ فقال: أفنيت الحمر، فأمر مناديا فنادى فى الناس: إن اللَّه ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية، فإنها رجس فَأكْفِئَت القدور وإنها لَتَفُور باللحم. وأخرج مسلم من حديث سلمة بن الأكوع رضى اللَّه عنه قال: خرجنا مع

ص: 226

رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى خيبر ثم إن اللَّه فتحها عليهم، فلما أمسى الناس اليوم الذى فُتحت عليهم أوقدوا نيرانا كثيرة، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ما هذه النيران؟ على أى شئ توقدون؟ " قالوا: على لحم. قال: "على أى لحم؟ " قالوا: على لحم حمر إنسية، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أهريقوها، واكْسِرُوها" فقال رجل: يا رسول اللَّه أو نُهْرِيقُهَا ونَغْسِلُهَا؟ قال: "أو ذاك" وأما ما رواه البخارى ومسلم واللفظ للبخارى من حديث ابن عباس رضى اللَّه عنهما أنه قال: لا أدرى: نهى عنه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من أجل أنه كان حمولة الناس فكره أن تذهب حمولتهم أو حرمه فى يوم خيبر؟ لحم الحمر الأهلية اهـ فإنه لا يعارض ما تقدم من الأخبار عن أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقد تضمن حديث ابن عباس ما صرحت به الأخبار الكثيرة من تحريمها يوم خيبر وإن كان تردد فى شأن سبب النهى رضى اللَّه عنه ولم يكن حاضرا يوم خيبر. أما الإِذن فى أكل لحم الخيل فسيأتى مزيد بحث له فى الحديث العاشر من أحاديث هذا الباب إن شاء اللَّه تعالى.

[ما يفيده الحديث]

1 -

تحريم أكل لحم الحمر الأهلية.

2 -

الترخيص فى أكل لحم الخيل.

ص: 227

3 -

وعن ابن أبى أوفى رضى اللَّه عنهما قال: غَزَوْنَا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سَبْعَ غَزَوَاتٍ نأكل الجراد. متفق عليه.

ص: 227

[المفردات]

ابن أبى أوفى: هو عبد اللَّه بن أبى أوفى رضى اللَّه عنهما.

نأكل الجراد: أى نتَغَذَّى بالجراد، والجراد اسم جنس جمعى واحدته جرادة ويطلق على الذكر والأنثى كالحمامة قال الحافظ فى فتح البارى: ويقال: إنه مشتق من الجرد لأنه لا ينزل على شئ إلا جرده، وخلقة الجراد عجيبة فيها عشرة من الحيوانات ذكر بعضها ابن الشهرزورى فى قوله:

لها فَخِذَا بَكْرِ وَسَاقَا نَعَامَةٍ

وَقَادِمَتَا نَسْرٍ وَجُؤْجُؤ ضَيْغَمِ

حَبَتْهَا أفَاعِي الرَّمْلِ بَطْنًا وَأنْعَمَتْ

عَلَيْهَا جِيَادُ الْخَيْلِ بِالرَّأس وَالْفَمِ

قيل: وفاته عَيْنُ الفيل وعنق الثور وقرن الأيل وذنب الحية وهو صنفان طَيَّارٌ وَوَثَّابٌ، ويبيض فى الصخر فيتركه حتى ييبس وينتشر فلا يمر بزرع إلا اجتاحه ثم قال: واختلف فى أصله فقيل: إنه نثرة حوت ثم قال: وقد أجمع العلماء على جواز أكله بغير تذكية اهـ.

[البحث]

أخرج البخارى هذا الحديث من طريق شعبة عن أبى يعفور قال:

ص: 228

سمعت ابن أبى أوفى رضى اللَّه عنهما قال: غزونا مع النبى صلى الله عليه وسلم سبع غزوات أو سِتًّا كنا نأكل معه الجراد، قال سفيان وأبو عوانة وإسرائيل عن أبى يعفور عن ابن أبى أوفى: سبع غزوات اهـ والمراد بسفيان هنا هو الثورى كما بينه الحافظ فى الفتح وأخرجه مسلم من طريق أبى عوانة عن أبى يعفور عن عبد اللَّه بن أبى أوفى قال: غزونا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد. ثم قال مسلم: وحدثناه أبو بكر بن أبى شيبة وإسحاق بن إبراهيم وابن أبى عمر جميعا عن ابن عيينة عن أبى يعفور بهذا الإسناد قال أبو بكر فى روايته: سبع غزوات وقال إسحاق: ستَّ. وقال ابن أبى عمر: ستّ أو سَبْعَ. وحدثناه محمد بن المثنى حدثنا ابن أبى عدى ح وحدثنا ابن بشار عن محمد بن جعفر كلاهما عن شعبة عن أبى يعفور بهذا الإِسناد وقال: سبع غزوات اهـ قال النووى: فيه إباحة الجراد وأجمع المسلمون على إباحته اهـ.

[ما يفيده الحديث]

1 -

جواز أكل الجراد.

2 -

أن الجراد ليس من الخبائث.

ص: 229

4 -

وعن أنس رضى اللَّه عنه فى قصة الأرنب قال: فذبحها فبعث بِوَرِكها إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فَقَبِلَهُ، متفق عليه.

ص: 229

[المفردات]

فى قصة الأرنب: أى فى حكاية شأن الأرنب التى صادها أنس رضى اللَّه عنه بمَرِّ الظَّهْرَان. والأرنب حيوان صغير فى رجليه طول بخلاف يديه، ناعم الجلد قال الحافظ فى الفتح: والأرنب اسم جنس للذكر والأنثى ويقال للذكر أيضا الخُزَز وزن عُمَر بمعجمات وللأنثى عكرشة وللصغير خِرْنَق بكسر المعجمة وسكون الراء وفتح النون بعدها قاف، هذا هو المشهور، وقال الجاحظ: لا يقال أرنب إلا للأنثى، ويقال إن الأرنب شديدة الجبن كثيرة الشبق وأنها تكون سنة ذكرا وسنة أنثى وأنها تحيض اهـ وقد ذكر أنها تنام مفتوحة العين. وما نقل عن الجاحظ من أنها تكون سنة ذكرا وسنة أنثى عجيب. واللَّه أعلم

فبعث: أى فأرسل.

بوركها: الورك بفتح الواو وكسرها وككَتف هو ما فوق الفخذ.

فقبله: أى فأخذه.

[البحث]

أخرج البخارى هذا الحديث فى كتاب الذبائح والصيد قال: حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن هشام بن زيد عن أنس رضى اللَّه عنه قال: انفَجْنَا أرنبا ونحن بمَرِّ الظهران، فسعى القوم فَلَغبُوا، فأخذتها فجئت بها إلى أبى طلحة فذبحها، فبعث بوركيها أو قال

ص: 230

بفخذيها إلى النبى صلى الله عليه وسلم فَقَبِلَهَا. وأخرجه فى كتاب الهبة فقال: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن هشام بن زيد بن أنس بن مالك عن أنس رضى اللَّه عنه قال: أنفجنا أرنبا بمر الظهران، فسعى القوم فَلَغبُوا، فأدركتها فأخذتها، فأتيت بها أبا طلحة فذبحها وبعث بها إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بوركها أو فخذيها قال: فخذيها لاشك فيه فقبله، قلت: وأكل منه؟ قال: وأكل منه، ثم قال بَعْدُ: قَبِلَهُ اهـ وقال مسلم: حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد ابن جعفر حدثنا شعبة عن هشام بن زيد عن أنس بن مالك قال: مررنا فاستنفجنا أرنبا بمر الظهران فَسَعَوْا عليه فَلَغبُوا، قال: فسعيت حتى أدركتها، فأتيت بها أبا طلحة فذبحها فبعث بوركها وفخذيها إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأتيت بها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فَقَبِلَهُ، وحدثنيه زهير بن حرب حدثنا يحيى بن سعيد ح وحدثنى يحيى بن حبيب حدثنا خالد (يعنى ابن الحارث) كلاهما عن شعبة بهذا الإِسناد وفى حديث يحيى: بوركها أو فخذيها اهـ وقوله فى الحديث (أنفجنا) أى أثرنا. وقوله (فلغبوا) أى تعبوا. ومر الظهران قال فى الفتح: واد معروف على خمسة أميال من مكة إلى جهة المدينة اهـ وجزم البكرى بأنه على ستة عشر ميلا من مكة. ومرّ قرية ذات نخل وزرع ومياه والظهران اسم الوادى. واللَّه أعلم.

[ما يفيده الحديث]

1 -

جواز أكل الأرنب.

ص: 231

2 -

جواز إثارة الصيد، والعدْو فى طلبه.

3 -

وأن من صاد صيدا يملكه ولا يشاركه من أثاره معه.

4 -

استحباب قبول الهدية ولو كانت يسيرة.

ص: 232

5 -

وعن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن قتل أربع من الدواب: النملة والنحلة والهدهد والصُّرَد" رواه أحمد وأبو داود وصححه ابن حبان.

[المفردات]

من الدواب: أى من الحيوانات.

النملة والنحلة: قال ابن منظور فى لسان العرب: روى عن إبراهيم الحربى أنه قال: أراد بالنملة الكُبَّارَ الطويلة القوائم التى تكون فى الخربات وهى لا تؤذى ولا تضر، ونهى عن قتل النحلة لأنها تُعَسِّلُ شرابا فيه شفاء للناس ومنه الشمع.

والهدهُد: هو طائر ضئيل يقرقر، ويذكر أنه منتن الريح فصار فى معنى الجلالة.

والصُّرد: قال ابن منظور فى لسان العرب: والصُّرد طائر فوق العصفور وقال الأزهرى: يصيد العصافير ثم نقل عن إبراهيم الحربى أنه قال: ونهى عن قتل

ص: 232

الصرد لأن العرب كانت تَطَّيَّر من صوته وتتشاءم بصوته وشخصه ثم قال: ونهى عن قتله ردا للطيرة ثم قال ابن منظور: وقيل الصرد طائر أبقع ضخم الرأس يكون فى الشجر نصفه أبيض ونصفه أسود، ضخم المنقار، ثم نقل عن سُكَيْن النميرى ما يفيد أن الصرد نوعان أحدهما يسميه أهل العراق العَقْعَق والثانى بَرِّى يكون بنجد فى العضاه لا تراه إلا فى الأرض يقفز من شجر إلى شجر.

وقد أشار فى النهاية إلى أن النهى عن قتل الهدهد والصرد إنما هو لتحريم لحمهما لأن الحيوان إذا نهى عن قتله ولم يكن ذلك لاحترامه أو لضرر فيه كان لتحريم لحمه. واللَّه أعلم.

[البحث]

قال فى تلخيص الحبير: قوله "ورد النهى عن قتل النحل والنمل" أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان من حديث ابن عباس أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل أربع من الدواب: النملة والنحلة والهدهد والصرد. رجاله رجال الصحيح، قال البيهقى: هو أقوى ما ورد فى الباب اهـ وقد أخرجه أبو داود من طريق أحمد بن حنبل عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهرى عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما، هذا وقد أخرج مسلم من حديث أبى هريرة

ص: 233

رضى اللَّه عنه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن نملة قرصت نبيا من الأنبياء فأمر بقرية النمل فأحرقت فأوحى اللَّه إليه: أفى أن قرصتك نملة أهلكت أمة من الأمم تسبح؟ وفى لفظ له من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "نزل نبى من الأنبياء تحت شجرة فلدغته نملة فأمر بجهازه فَأُخْرِجَ من تحتها ثم أمَرَ بِهَا فَأُحْرِقَتْ فَأوْحَى اللَّه إليه: فَهَلَّا نملة واحدة؟ ".

[ما يفيده الحديث]

1 -

التحذير من قتل النمل والنحل والهدهد والصرد.

ص: 234

6 -

وعن ابن أبى عمار رضى اللَّه عنه قال: قلت لجابر: الضَّبعُ صَيْدٌ هو؟ قال: نعم، قلت: قاله رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. رواه أحمد والأربعة وصححه البخارى وابن حبان.

[المفردات]

ابن أبى عمار: هو عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن أبى عمار المكى حليف بنى جمح الملقب بالقَس، من رجال مسلم.

لجابر: هو جابر بن عبد اللَّه الأنصارى رضى اللَّه عنهما.

الضبع: قال فى القاموس: وهى سَبُعٌ كالذئب إلا إذا جَرَى كأنه أعرج فلذا سُمِّىَ الضبعُ العرجاء ومن أمسك بيده حنظلة فرت منه الضباع ومن أمسك أسنانها

ص: 234

معه لم تنبح عليه الكلاب اهـ. هذا والضبع نوعان: نوع لا يأكل إلا المَدَر والعشب ويغلب وجوده فى الجبال، ونوع يفترس الحمير بنابه ويعيش على الجيف. وأهل البادية يعرفون الفرق بينهما بمجرد رؤيتهما لأن مظهرهما مختلف، والظاهر أن النوع الأول هو المعتبر صيدا وهو الذى يؤكل لحمه.

صيد هو: أى أيُصَادُ ليؤكل؟ .

[البحث]

قال فى تلخيص الحبير: حديث جابر أنه سئل عن الضبع أصيد هو؟ قال: نعم. قيل: أيؤكل؟ قال: نعم. قيل: أسمعته من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. الشافعى والترمذى والنسائى وابن ماجه والبيهقى وصححه البخارى والترمذى وابن حبان وابن خزيمة والبيهقى وأعله ابن عبد البر بعبد الرحمن بن أبى عمار فوهم لأنه وثقه أبو زرعة والنسائى، ولم يتكلم فيه أحد، ثم إنه لم ينفرد به، وقال البيهقى: قال الشافعى: وما يباع لحم الضباع إلا بين الصفا والمروة، ورواه أبو داود بلفظ: سألت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن الضبع فقال: "صيد ويُجْعَلُ فيه كبش إذا صاده المحرم" اهـ وقول الشافعى: وما يباع لحم الضباع إلا بين الصفا والمروة" لا يريد به الحصر وإنما أراد اشتهار بيعه فى الأماكن المقدسة من غير نكير. واللَّه أعلم.

[ما يفيده الحديث]

1 -

جواز أكل لحم الضبع.

2 -

وأنها غير داخلة فى تحريم كل ذى ناب من السباع.

ص: 235

7 -

وعن ابن عمر رضى اللَّه عنهما أنه سئل عن القُنْفُذ فقال: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} الآية. فقال شيخ عنده: سمعت أبا هريرة يقول: ذُكِرَ عند النبى صلى الله عليه وسلم فقال: "خَبِيثَةٌ من الخبائث" فقال ابن عمر: إن كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال هذا فهو كما قال أخرجه أحمد وأبو داود وإسناده ضعيف.

[المفردات]

سئل عن القنفذ: أى أيحل أكله أم لا؟ والقنفذ دويبة مغطاة بشَعر كالشوك ويتجمع على نفسه حتى يصير كالكرة من الشوك، وإذا ألقيت فى الماء أخرجت رأسها وهو يشبه رأس الفأر، كأنه نوع من الفئران، وقد قيل: إنه لا ينام.

فقال: "لا أجد" الخ: أى فقرأ قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أو دَمًا مَسْفُوحًا أو لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أو فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} الآية يعنى أن القنفذ ليس من المحرمات المذكورة فى الآية.

ذُكرَ: أى القنفذ.

خبيثة: هى مؤنث الخبيث وهو ضد الطيب.

[البحث]

هذا الحديث أخرجه أبو داود من طريق عيسى بن نميلة عن أبيه قال: كنت عند ابن عمر فسئل عن أكل القنفذ فتلا {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا

ص: 236

أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} الآية فذكره. قال فى تلخيص الحبير: قال الخطابى: ليس إسناده بذاك وقال البيهقى: فيه ضعف ولم يرو إلا بهذا الإِسناد اهـ والشيخ الذى روى عن أبى هريرة مجهول. أما الاستدلال بالآية على إباحة ما لم يذكر فيها فهو غير ظاهر لأن حصر المحرمات فيها عند نزول الآية لا يدل على أنه لن يحرم بعد ذلك شئ وقد تقدم فى الحديث الأول من أحاديث هذا الباب تحريم كل ذى ناب من السباع وذى مخلب من الطير، كما تقدم فى الحديث الثانى من أحاديث هذا الباب تحريم لحوم الحمر الأهلية. واللَّه أعلم.

ص: 237

8 -

وعن ابن عمر رضى اللَّه عنهما قال: نَهَى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن الجَلَّالَةِ وأَلْبَانِهَا. أخرجه الأربعة إلا النسائى وحسَّنه الترمذى.

[المفردات]

عن الجلَّالة: أى عن أكل لحم الجلَّالة، والجلَّالة هى التى تَأكل العَذْرَةَ والنجاسات من الإِبل أو البقر أو الغنم أو الدجاج أو غيرها.

وألبانها: أى ونهى عن شرب ألبان الجلالة كذلك.

[البحث]

قال فى تلخيص الحبير: حديث ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى

ص: 237

عن أكل الجلَّالة وشرب ألبانها حتى تحبس. الحاكم والدارقطنى والبيهقى من حديث ابن عمرو بن العاص نحوه وقال: حتى تعلف أربعين ليلة ورواه أحمد وأبو داود والنسائى والحاكم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ: نهى عن لحوم الحمر الأهلية وعن الجلَّالة وعن ركوبها ورواه أبو داود والترمذى وابن ماجه من حديث عبد اللَّه بن عمر ابن الخطاب أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الجلَّالة وألبانها، ولأبى داود: أن يركب عليها أو تشرب ألبانها. وهو عندهم من رواية ابن إسحاق عن ابن أبى نجيح عن مجاهد عنه. واختلف فيه على ابن أبى نجيح، فقيل عنه عن مجاهد مرسلا وقيل عن مجاهد عن ابن عباس ورواه البيهقى من وجه آخر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر ولحديث ابن عباس طريق أخرى رواها أصحاب السنن وأحمد وابن حبان والحاكم والبيهقى بلفظ: نهى عن أكل المجثمة وهى المصبورة للقتل وعن أكل الجلَّالة وشرب ألبانها، وفى رواية: والشرب من فى السقاء. صححه ابن دقيق العيد، وروى الحاكم والبيهقى من حديث أبى هريرة النهى عن أن يشرب من فى السقاء وعن المجثمة والجلالة، وهى التى تأكل العذرة، وإسناده قوى اهـ هذا وقد قال الترمذى بعد أن ساق حديث الباب من طريق ابن إسحاق: هذا حديث حسن غريب وروى الثورى عن ابن أبى نجيح عن مجاهد عن النبى صلى الله عليه وسلم مرسلا. حدثنا محمد بن بشار ثنا معاذ بن هشام ثني أبى عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن المجثمة وعن لبن الجلالة وعن الشرب

ص: 238

من فى السقاء. قال محمد بن بشار ثنا ابن أبى عدى عن سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم نحوه هذا حديث حسن صحيح اهـ.

[ما يفيده الحديث]

1 -

كراهية أكل الجلالة.

2 -

ينبغى أن تحبس مدة على الطعام الطاهر قبل ذبحها.

ص: 239

9 -

وعن أبى قتادة رضى اللَّه عنه فى قصة الحمار الوحشى: فأكل منه النبى صلى الله عليه وسلم. متفق عليه.

[المفردات]

فى قصة الحمار الوحشى: أى فى حكاية صيده للحمار الوحشى.

[البحث]

تقدم حديث أبى قتادة رضى اللَّه عنه فى قصة صيده الحمار الوحشى فى كتاب الحج وهو الحديث السابع من أحاديث باب الإِحرام وما يتعلق به، وتقدم بحثه هناك. والمقصود من إيراد هذه القطعة منه هنا هو بيان جواز أكل لحم الحمار الوحشى. وهو إجماع.

[ما يفيده الحديث]

1 -

إباحة أكل لحم الحمار الوحشى.

2 -

أن لحم الحمار الوحشى من الطيبات.

ص: 239

10 -

وعن أسماء بنت أبى بكر رضى اللَّه عنهما قالت: نحرنا على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فرسا فأكلناه. متفق عليه.

[المفردات]

نحرنا: أى ذبحنا.

على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أى فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم يعنى فأقرَّنا على ذلك ولم ينكر علينا.

فرسا: أى حصانا، والفرس يطلق على الذكر والأنثى.

فأكلناه: أى فتغذينا منه.

[البحث]

أخرج البخارى هذا الحديث من طريق سفيان الثورى عن هشام بن عروة قال: أخبرتنى فاطمة بنت المنذر امرأتى عن أسماء بنت أبى بكر رضى اللَّه عنهما قالت: نحرنا على عهد النبى صلى الله عليه وسلم فرسا فأكلناه. وأورده من طريق جرير عن هشام عن فاطمة عن أسماء بلفظ: نحرنا على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فرسا فأكلناه، وأورده من طريق عبدة (وهو ابن سليمان) عن هشام عن فاطمة عن أسماء قالت: ذبحنا على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فرسا ونحن بالمدينة فأكلناه. وقد ساقه مسلم من طريق عبد اللَّه بن نمير وحفص بن غياث ووكيع عن هشام عن فاطمة عن أسماء قالت: نحرنا فرسا على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأكلناه اهـ وقد تقدم فى الحديث الثانى من أحاديث هذا

ص: 240

الباب لفظ حديث الشيخين عن جابر رضى اللَّه عنه: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأذن فى الخيل. وفى لفظ للبخارى: ورخص فى لحوم الخيل.

[ما يفيده الحديث]

1 -

جواز أكل لحوم الخيل.

2 -

أن إباحة لحوم الخيل كانت بعد فرض الجهاد.

3 -

أنه يجوز أن يطلق لفظ النحر على الذبح.

ص: 241

11 -

وعن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: أُكِلَ الضَّبُّ على مائدة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. متفق عليه.

[المفردات]

الضب: هو دويبة لم أر شبيها لها فى المنظر إلا الوزغ غير أن الضب قد يكون جسمه أكبر من جسم الوزغ كثيرا مع طِيب الضب وخبث الوزغ، والضب قد يذبح ويوضع فى النار أو يطبخ فى القدر ويستمر فى الحركة مدة طويلة وقد يخرج من القدر أثناء غليانه إذا لم يكسر ظهره، وللضب ذَكَرَان ولأنثاه فَرْجَانِ وهذا من أظهر آيات الخالق الحكيم العليم.

وقال الحافظ فى الفتح: وذكر ابن خالويه أن

ص: 241

الضب يعيش سبعمائة سنة وأنه لا يشرب الماء ويبول فى كل أربعين يوما قطرة، ولا يسقط له سن ويقال: بل أسنانه قطعة واحدة، وحكى غيره أن أكل لحمه يذهب العطش ومن الأمثال: لا أفعل كذا حتى يرد الضب يقوله من أراد أن لا يفعل الشئ لأن الضب لا يرد بل يكتفى بالنسيم وبرد الهواء ولا يخرج من جحره فى الشتاء اهـ.

وجمع الضب أضُبٌّ وضِبَابٌ وضُبَّانٌ ومَضَبَّةٌ وأرض مضبَّةٌ وضبِيبَةٌ كثيرته.

على مائدة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: المائدة هى الطعام، والخوان عليه الطعام وهو الذى يفرش على الأرض وقد يطلق عليه اسم (السُّفرة) وهو المراد بالخوان الذى أكل عليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لا الخوان الذى وُصِف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بأنه ما أكل على خوان قط.

[البحث]

أخرج البخارى هذا الحديث من طريق أبى أمامة بن سهل بن حنيف الأنصارى أن ابن عباس أخبره أن خالد بن الوليد الذى يقال له سيف اللَّه أخبره أنه دخل مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على ميمونة وهى خالته وخالة ابن عباس فوجد عندها ضَبًّا محنوذا قدمت به أختها حُفَيْدَة بنت الحارث من نجد، فَقَدَّمَتِ الضَّبَّ لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم-

ص: 242

وكان قَلَّمَا يقدم يده لطعام حتى يُحَدَّثَ به ويُسَمَّى له، فَأهْوَى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يده إلى الضب، فقالت امرأة من النسوة الحضور: أخْبِرْنَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما قَدَّمْتُنَّ له، هو الضب يا رسول اللَّه، فرفع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يده عن الضب، فقال خالد بن الوليد: أحَرَامٌ الضَّبُّ يا رسول اللَّه؟ قال: "لا. ولكن لم يكن بأرض قومى، فَأجِدُنى أعافُهُ" قال خالد: فاجتررته فأكلته ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ينظر إلىَّ. وأخرجه مسلم من طريق أبى أمامة بن سهل بن حنيف عن عبد اللَّه بن عباس قال: دخلت أنا وخالد بن الوليد مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة فَأُتى بضب محنوذ فأهوى إليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بيده. فقال بعض النسوة اللاتى فى بيت ميمونة: أخْبِرُوا رسول اللَّه بما يريد أن يأكل، فرفع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يده، فقلت: أحرام هو يا رسول اللَّه؟ قال: "لا. ولكنه لم يكن بأرض قومى فأجدنى أعافه" قال خالد: فاجتررته فأكلته ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ينظر. ثم ساقه بقريب من لفظ البخارى إلا أنه قال فى آخره: "فلم ينهنى" وفى لفظ: فَقُدِّمَ إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لحم ضب جاءت به أمُّ حُفَيْد بنت الحارث من نجد وكانت تحت رجل من بنى جعفر. ثم ساقه من طريق أبى أمامة بن سهل بن حنيف عن ابن عباس قال: أُتى النبىُّ صلى الله عليه وسلم ونحن فى بيت ميمونة بِضبَّيْنِ مَشْوِيَيَّنِ. وفى لفظ من طريق سعيد بن جبير قال: سمعت ابن عباس يقول: أهدت خالتى أمُّ حُفَيْدٍ إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سمنا وأقطًا وأضبًّا فأكل من السمن والأقط وترك الضب تَقَذُّرًا وَأُكِلَ على

ص: 243

مائدة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ولو كان حراما ما أُكِلَ على مائدة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. ثم ساقه مسلم من طريق يزيد بن الأصم قال: دعانا عَرُوسٌ بالمدينة فَقَرَّبَ إلينا ثلاثة عشر ضبًّا، فآكِلٌ وتاركٌ، فلقيت ابن عباس من الغد، فأخبرته فأكثر القوم حوله حتى قال بعضهم: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا آكله ولا أنهى عنه ولا أحرمه" فقال ابن عباس: بئس ما قلتم، ما بُعث نبى اللَّه صلى الله عليه وسلم إلا مُحِلًّا ومُحَرِّمًا، إن رسول اللَّه بينما هو عند ميمونة وعنده الفضل بن عباس وخالد بن الوليد وامرأة أخرى إذ قرب إليهم خِوَانٌ عليه لحم، فلما أراد النبى صلى الله عليه وسلم أن يأكل قالت له ميمونة: إنه لحم ضب، فَكَفَّ يده، وقال:"هذا لحم لم آكله قط" وقال لهم: "كلوا" فأكل منه الفضل وخالد بن الوليد والمرأة، وقالت ميمونة: لا آكل من شئ إلا شئ يأكل منه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. وروى البخارى من حديث ابن عمر رضى اللَّه عنهما قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم: "الضب لست آكله ولا أحرِّمه" ورواه مسلم من حديث ابن عمر بلفظ: سُئِلَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم عن الضب فقال: "لست بآكله ولا بمحرمه" وفى لفظ لمسلم من حديث ابن عمر قال: سأل رجل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر عن أكل الضب فقال: "لا آكله ولا أحرِّمه". وأما ما رواه مسلم من حديث أبى سعيد رضى اللَّه عنه قال: قال رجل: يا رسول اللَّه إنا بأرض مَضَبَّة، فما تأمرنا؟ أو فما تفتينا؟ قال: ذُكر لى أن أمة من بنى إسرائيل مسخت، فلم يأمر ولم ينه، وفى لفظ: فقال: "يا أعرابى إن اللَّه لعن أو غضب على سِبْطٍ من بنى إسرائيل فمسخهم دواب يَدِبُّون فى الأرض فلا أدرى

ص: 244

لعل هذا منها فلست آكلها ولا أنهى عنها" فالظاهر أن هذا قبل أن يعلمه اللَّه بأن الممسوخ لا ينسل. قال فى الفتح: قال الطبرى: ليس فى الحديث الجزم بأن الضب مما مسخ وإنما خشى أن يكون منهم، فتوقف عنه، وإنما قال ذلك قبل أن يعلم اللَّه نبيه أن الممسوخ لا ينسل اهـ هذا وقد روى مسلم فى صحيحه من طريق معرور بن سُويد عن عبد اللَّه بن مسعود قال: قالت أم حبيبة: اللهم مَتِّعْنى بزوجى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وبأبى أبى سفيان وبأخى معاوية، فقال لها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إنك سألت اللَّه لآجال مضروبة، وآثار موطوءة، وأرزاق مقسومة، لا يُعَجِّلُ شيئا منها قبل حلِّه، ولا يُؤَخِّر منها شيئا بعد حلِّه. ولو سألت اللَّه أن يعافيك من عذاب فى النار، وعذاب فى القبر لكان خيرا لك" قال: فقال رجل: يا رسول اللَّه القِرَدَةُ والخنازير هى مما مُسِخَ؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم: "إن اللَّه عز وجل لم يُهلك قوما فيجعل لهم نَسلًا، وإن القردة والخنازير كانوا قبل ذلك".

[ما يفيده الحديث]

1 -

جواز أكل الضب.

2 -

أن نفور الطبع من بعض المأكولات المباحة ليس عيبا.

3 -

تفاوت الناس فى الرغبة فى بعض أنواع الأطعمة.

4 -

أن مطلق النفرة وعدم الاستطابة لا يستلزم التحريم.

5 -

أن الأمر قد يرد للإِباحة.

ص: 245

12 -

وعن عبد الرحمن بن عثمان القُرشىِّ رضى اللَّه عنه أن طبيبا سأل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن الضِّفْدَع يَجْعَلُهَا فى دواء فَنَهَى عن قتلها. أخرجه أحمد وصححه الحاكم وأخرجه أبو داود والنسائى.

[المفردات]

عبد الرحمن بنَ عثمان: هو عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد اللَّه بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم التيمى القرشى، أسلم يوم الحديبية وقيل يوم الفتح وكان يقال له: شارب الذهب وقد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم وعن عمه طلحة بن عبيد اللَّه وعثمان بن عفان وروى عنه ابناه عثمان ومعاذ والسائب بن يزيد وسعيد بن المسيب ومحمد بن إبراهيم التيمى وأبو سلمة بن عبد الرحمن وغيرهم. وقتل مع عبد اللَّه بن الزبير رضى اللَّه عنهم سنة ثلاث وسبعين ودفن بالحزورة.

أن طبيبا: أى أن شخصا يعالج المرضى. قال فى القاموس: الطب مثلثة الطاء علاج الجسم والنفس.

عن الضفدع: أى عن حكم قتله قال فى القاموس: الضفدع كَزِبْرِج وجَعْفَر وجُنْدب ودِرْهَم وهذا أقل أو مردود: دابة نَهريَّة ولحمها مطبوخا بزيت وملح ترياق للهوام، وبَريَّة وشحمها عجيب لِقَلْعِ الأسنان الواحدة بهاء

ص: 246

ج ضفادع اهـ وهى تنق كثيرا، ولذلك قيل لها: النَّقَّاقة والنقنقة صوتها إذا ضوعف، ونق الضفدع أى صاح.

يجعلها فى دواء: أى يخلطها فيما يعالج به المرضى.

فنهى عن قتلها: أى منع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من قتل الضفدع ولو كان للعلاج.

[البحث]

قال أبو داود: (باب فى قتل الضفدع) حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن ابن أبى ذئب عن سعيد بن خالد عن سعيد بن المسيب عن عبد الرحمن بن عثمان أن طبيبا سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن ضفدع يجعلها فى دواء فنهاه النبى صلى الله عليه وسلم عن قتلها اهـ وقال النسائى: أخبرنا قتيبة قال: حدثنا ابن أبى فديك عن ابن أبى ذئب عن سعيد ابن خالد عن سعيد بن المسيب عن عبد الرحمن بن عثمان أن طبيبا ذكر ضفدعا فى دواء عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فنهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن قتله اهـ وسعيد بن خالد بن عبد اللَّه بن قارظ الكنانى المدنى قال الحافظ فى التقريب: صدوق. ونسب فى تهذيب التهذيب إلى النسائى تضعيفه. واللَّه أعلم. هذا وقد قال البخارى فى صحيحه فى باب صيد البحر من كتاب الذبائح والصيد: وقال الشعبى: لو أن أهلى أكلوا الضفادع لأطعمتهم اهـ وقال الحافظ فى الفتح: وذكر الأطباء أن الضفدع نوعان: برى وبحرى فالبرىُّ يقتل آكله، والبحرى يضره. اهـ.

ص: 247