الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقه الإسلام
شرح بلوغ المرام من جمع أدلة الأحكام للحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله
تأليف
عبد القادر شيبة الحمد
عضو هيئة التدريس بقسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة والمدرس بالمسجد النبوي الشريف
[الجزء التاسع]
باب الْأَضَاحِي
1 -
عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يُضَحِّى بكبشين أمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ وَيُسَمِّى وَيُكَبِّرُ، وَيَضَعُ رِجْلَهُ على صِفَاحِهمَا. وفى لفظ: ذَبَحَهُمَا بيده. متفق عليه. وفى لفظ: سَمِينَيْنِ. ولأبى عَوَانَةَ فى صحيحه: ثَمِينَيْنِ. بِالْمُثَلَّثَةِ بدل السين. وفى لفظ لمسلم ويقول: "بسم اللَّه واللَّه أكبر" وله من حديث عائشة: أمَرَ بكبش أقْرَنَ يَطَأُ فى سَوَادٍ، وَيَبْرُكُ فى سواد، وَيَنْظُرُ فى سواد فَأُتِىَ به لِيُضَحِّى به، فقال لها:"يا عائشة هَلُمِّى المُدْيَةَ" ثم قال: "اشْحَذِيهَا بِحَجَرِ" فَفَعَلَتْ، ثم أَخَذَهَا، وَأَخَذَهُ، فَأَضْجَعَهُ، ثم ذَبَحَهُ، ثم قال:"بسم اللَّه اللهم تَقَبَّلْ من محمد وآل محمد ومن أمة محمد" ثم ضحى به.
[المفردات]
الأضاحى: قال فى الفتح: وهو جمع أضحية بضم الهمزة ويجوز كسرها ويجوز حذف الهمزة فتفتح الضاد والجمع ضحايا، وهى أَضَحَاةٌ والجمع أَضْحَى وبه سمى يوم الأضحى وهو يذكر ويؤنث وكأن تسميتها اشتقت من اسم الوقت الذى تشرع فيه اهـ وقال
الجوهرى: قال الأصمعى: فيها أربع لغات أُضحية وإِضحية بضم الهمزة كسرها وجمعها أضاحى بتشديد الياء وتخفيفها واللغة الثالثة ضَحية وجمعها ضحايا والرابعة أَضحاة بفتح الهمزة والجمع أَضحى كأرطاة وأَرطَى اهـ.
يُضحى: أى يتقرب إلى اللَّه تعالى يوم النحر.
بكبشين: أى يذبح كبشين قال فى الفتح: والكبش فحل الضأن فى أى سِنٍّ كان، واختلف فى ابتدائه فقيل إذا أثنى وقيل: إذا أربع اهـ وقال فى القاموس: الكبش الحَمَلُ إذا أثنى أو إذا خرجت رَبَاعيته اهـ.
أَمْلَحَيْنِ: تثنية أملح، والأملح هو الذى فيه سواد وبياض والبياض أكثر وقال الأصمعى: هو الأبيض ويشوبه شئ من السواد ويقال له الأغبر وقال ابن الأعرابى: هو الأبيض الخالص البياض. وقال الخطابى: هو الأبيض الذى فى خلل صوفه طبقات سود.
أَقرَنَيْنِ: تثنية أقرن والكبش الأقرن هو الذى له قرنان ضد الأجم وهو الذى لا قرن له.
ويسمى ويكبر: أى ويقول بسم اللَّه واللَّه أكبر.
رجله: أى قدمه.
صفاحهما: أى على صفاح كل منهما عند ذبحه، والصِّفَاح
بكسر الصاد المهملة وتخفيف الفاء وآخره حاء مهملة جمع صَفْح أو جمع صفحة وهى الجوانب، والمراد الجانب الواحد من وجه الأضحية، وإنما ثنى إشارة إلى أنه فعل ذلك فى كل واحد منهما فهو من إضافة الجمع إلى المثنى بقصد التوزيع.
وفى لفظ: أى للبخارى ومسلم من حديث أنس رضى اللَّه عنه.
ذبحهما بيده: أى تولى بنفسه صلى الله عليه وسلم ذبح الكبشين ولم يُوَكِّلْ غيره صلى الله عليه وسلم فى ذبحهما.
وفى لفظ: أى عند أبى عوانة فى صحيحه من طريق الحجاج بن محمد عن شعبة عن قتادة عن أنس رضى اللَّه عنه.
سمينين: تثنية سَمِين أى كثير اللحم والشحم.
ولأبى عوانة فى صحيحه: أى من حديث أنس رضى اللَّه عنه.
ثمينين: تثنية ثمين أى غالى الثَّمَنِ.
بالمثلثة بدل السين: أى بالثاء مكان السين فى رواية "سمينين".
وفى لفظ لمسلم: أى من حديث أنس رضى اللَّه عنه.
بسم اللَّه واللَّه أكبر: أى بدل قوله فى الرواية المتفق عليها "ويسمى ويكبر" هذا وبعض علماء العربية يحتمون كتابة باسم اللَّه بالألف بعد الباء ولا تحذف الألف إلا فى بسم اللَّه الرحمن الرحيم إذا كتبت بتمامها.
وله من حديث عائشة: أى ولمسلم من حديث الصديقة بنت الصديق عائشة رضى اللَّه عنها.
أَقرن: أى له قرنان.
يطأ فى سواد ويبرك فى سواد وينظر فى سواد: أى أظلافه وقوائمه ومواضع البروك منه وبطنه وما حول عينيه أسود، وسائر بدنه أبيض.
فَأتِىَ به: أى فجئ به إليه صلى الله عليه وسلم.
ليضحى به: أى ليذبحه قربانا إلى اللَّه تعالى يوم الأضحى.
هَلُمِّى: أى هاتى.
المدية: أى السكين.
اشحذيها بحجر: أى حدديها وأبرديها وسَنِّيهَا بحجر لتكون حادة سريعة الذبح تريح الذبيحة.
ففعلت: أى أتت عائشة بالسكين إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعد أن شحذتها بحجر.
أخذها وأخذه فأضجعه ثم ذبحه الخ: أى ثم تناول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم السكين والكبش فطرحه على جنبه ثم شرع فى ذبحه قائلا بسم اللَّه الخ.
اللهم تقبل: أى يا اللَّه خذ منى ومن أهل بيتى ومن أمتى على رضاك هذا القربان، وأصل تَقَبَّلْ من المقابلة لأنه مقابل بالجزاء وهذا سؤال من لا يريد بما فعله إلا مرضاة اللَّه عز وجل والإِخلاص له فى دعائه وعبادته.
ثم ضَحَّى به: أى ثم فعل به ما يفعل بأضحيته وثم فى هذه المواضع من حديث عائشة ليست على بابها من الترتيب والتراخى فهى مؤولة بما قدرت به هذه الجمل
[البحث]
أخرج البخارى ومسلم من طريق قتيبة بن سعيد حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن أنس قال: ضَحَّى النبىُّ صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده وسَمَّى وكبَّر ووضع رجله على صفاحهما. وأخرجه البخارى من طريق همام عن قتادة حدثنا أنس رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يضحى بكبشين أملحين أقرنين، ويضع رجله على صفحتهما، ويذبحهما بيده. وفى لفظ للبخارى من طريق أبى قلابة عن أنس أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم انكفأ إلى كبشين أقرنين أملحين فذبحهما بيده. وفى لفظ للبخارى من طريق شعبة حدثنا قتادة عن أنس قال: ضحى النبى صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين، فرأيته واضعا قدمه على صفاحهما يسمى ويكبر، فذبحهما بيده. وفى لفظ لمسلم من طريق شعبة عن قتادة عن أنس قال: ضحى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين. قال ورأيته يذبحهما بيده، ورأيته واضعا قدمه على صفاحهما، قال: وسَمَّى كبَّرَ. وفى لفظ لمسلم من طريق ابن أبى عدى عن سعيد عن قتادة عن أنس عن النبى صلى الله عليه وسلم بمثله غير أنه قال: ويقول: باسم اللَّه واللَّه أكبر. أما حديث أنس عند أبى عوانة بلفظ "عينين" فقد قال الحافظ فى الفتح عند قول البخارى: (باب أضحية النبى صلى الله عليه وسلم بكبشين أقرنين ويذكر "سمينين"): (قوله: ويذكر سمينين) أى فى صفة الكبشين وهى فى بعض طرق حديث أنس من رواية شعبة عن قتادة عنه أخرجه أبو عوانة فى صحيحه من
طريق الحجاج بن محمد عن شعبة، وقد ساقه المصنف فى الباب من طريق شعبة عنه وليس فيه سمينين وهو المحفوظ عن شعبة اهـ وقد وصف الحافظ فى الفتح بأن رواية عينين أولى من رواية ثمينين فقد قال: وقد أخرجه ابن ماجه من طريق عبد الرزاق لكن وقع فى النسخة "ثمينين" بمثلثة أوله بدل السين والأول أولى اهـ أما حديث عائشة رضى اللَّه عنها الذى ساقه المصنف هنا فهو بنفس لفظ مسلم رحمه الله سوى قوله فى مسلم: "ضم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه" الخ. هذا وقد أخرج البخارى عن أبى أمامة بن سهل قال: كنا نُسَمِّنُ الأضحية بالمدينة، وكان المسلمون يسمِّنُونَ.
[ما يفيده الحديث]
1 -
مشروعية الأضحية وتأكيدها فى كل عام.
2 -
وأن التضحية بالكبش أفضل من التضحية بالنعجة.
3 -
استحباب التضحية بالأقرن والأملح.
4 -
مشروعية التسمية والتكبير عند الذبح.
5 -
استحباب وضع الرجل على صفحة عنق الأضحية الأيمن بعد إضجاعها على الجانب الأيسر ليكون أسهل على الذابح فى أخذ السكين بابن وإمساك رأسها بيده اليسرى.
6 -
يستحب للإِنسان أن يذبح أضحيته بيده.
7 -
استحباب اختيار السمين ذى القيمة فى الأضحية.
8 -
بيان صفة التسمية والتكبير.
9 -
استحباب الأضحية بأكثر من كبش للقادر على ذلك من ذوى اليسار والسعة.
10 -
يجوز للإِنسان أن يضحى عن نفسه وعن أهل بيته بكبش واحد.
11 -
أنه لا يتحتم لون معين فى الأضاحى.
12 -
يجوز لمن يذبح الأضحية أن يستعين بغيره.
13 -
معاونة المرأة لزوجها فى ذبح أضحيته.
14 -
استحباب حد السكين عند الذبح.
15 -
استحباب مبادرة المرأة فى طاعة زوجها.
2 -
وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من كان له سَعَةٌ، ولم يُضَحِّ، فلا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا" رواه أحمد وابن ماجه وصححه الحاكم لكن رَجَّح الأئمة غَيْرُهُ وَقفَهُ.
[المفردات]
له سَعَةٌ: أى عنده غنى ويسار وقدرة.
ولم يُضَحِّ: أى ولم يذبح للَّه تعالى قربانا يوم الأضحى.
فلا يقربن مصلانا: أى فلا يُصَلِّيَنَّ معنا.
غيره: أى غير الحاكم.
وقفه: أى جعله من كلام أبى هريرة لا من كلام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
[البحث]
قال الحافظ فى الفتح: حديث أبى هريرة رفعه: من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا. أخرجه ابن ماجه وأحمد ورجاله ثقات لكن اختلف فى رفعه ووقفه والموقوف أشبه بالصواب. قاله الطحاوى وغيره اهـ.
3 -
وعن جُنْدَب بن سفيان رضى اللَّه عنه قال: شهدت الأضحى مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فلما قَضَى صلاته بالناس نَظَرَ إلى غنم قد ذُبِحَتْ، فقال:"من ذَبَحَ قبل الصلاة فليذبح شاةً مكانها، ومن لم يكن ذَبَحَ فَلْيَذْبَحْ على اسم اللَّه" متفق عليه.
[المفردات]
جُنْدَب بن سفيان: هو أبو عبد اللَّه جندب بن عبد اللَّه بن سفيان البجلى العَلَقى نسبة إلى علقة بن عبقر بن أنمار بطن من بجيلة وقد ينسب إلى جده فيقال: جندب ابن سفيان قال فى تهذيب التهذيب: ويقال جندب ابن خالد بن سفيان اهـ وقد ذكره البخارى فى التاريخ فيمن توفى من الستين إلى السبعين. وهو من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ورضى اللَّه عنهم.
شهدت الأضحى: أى حضرت صلاة عيد الأضحى.
فلما قضى صلاته بالناس: أى فلما أدى صلاة العيد بجماعة المسلمين.
نظر إلى غنم قد ذبحت: أى التفت فوجد غنما قد ذبحت قرب المصلى.
من ذبح قبل الصلاة فليذبح شاة مكانها: أى من تعجل فذبح أضحيته قبل صلاة العيد فلا يعتدبها وليذبح بدلها أضحية أخرى لأنَّ وقت ذبح الأضاحى يبدأ من بعد صلاة العيد.
ومن لم يكن ذبح فليذبح على اسم اللَّه: أى ومن لم يكن تعجل وذبح مع هؤلاء المتعجلين فليتقرب إلى اللَّه تعالى بذبح أضحيته على اسم اللَّه تعالى فقد دخل الوقت الذى يشرع فيه ذبح الأضاحى.
[البحث]
أخرج البخارى هذا الحديث فى كتاب الذبائح من طريق أبى عوانة عن الأسود بن قيس عن جُندب بن سفيان البجلى قال: ضَحَّيْنَا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أضحاةً ذات يوم فإذا أناس قد ذبحوا ضحاياهم قبل الصلاة، فلما انصرف رآهم النبى صلى الله عليه وسلم أنهم قد ذبحوا قبل الصلاة فقال:"من ذبح قبل الصلاة فليذبح مكانها أخرى، ومن كان لم يذبح حتى صلينا فليذبح على اسم اللَّه".
وأخرجه فى كتاب الأضاحى من طريق شعبة عن الأسود بن قيس سمعت جندب بن سفيان البجلى قال: شهدت النبى صلى الله عليه وسلم يوم النحر فقال: "من ذبح قبل أن يصلى فَلْيُعِدْ مكانها أخرى، ومن لم يذبح فليذبح اهـ وقد أخرج مسلم رحمه الله هذا الحديث من طريق أبى خيثمة عن الأسود بن قيس حدثنى جندب بن سفيان قال: شهدت الأضحى مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فلم يَعْدُ أن صَلَّى وَفَرَغَ من صلاته سَلَّمَ فإذا هو يرى لحم أضاحى قد ذبحت قبل أن يَفْرَغَ من صلاته فقال: "من كان ذبح أضحيته قبل أن يصلى أو نصلى فليذبح مكانها أخرى، ومن كان لم يذبح فليذبح باسم اللَّه" ثم ساقه من طريق أبى الأحوص سلَّام بن سُلَيْم عن الأسود بن قيس عن جندب بن سفيان باللفظ الذى ساقه المصنف. ثم ساقه مسلم من طريق شعبة عن الأسود سمع جندبا البجلى قال: شهدت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صلى يوم أضحى، ثم خطب، فقال:"من كان ذبح قبل أن يصلى فَلْيُعِدْ مكانها ومن لم يكن ذبح فليذبح باسم اللَّه" اهـ وقد أخرج البخارى من حديث أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم: "من ذبح قبل الصلاة فإنما ذبح لنفسه، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تَمَّ نُسُكُهُ وأصاب سنة المسلمين" وأخرج البخارى ومسلم واللفظ للبخارى من حديث البراء بن عازب رضى اللَّه عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "من ذبح قبل الصلاة فإنما يذبح لنفسه ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين".
وفى رواية للبخارى ومسلم واللفظ للبخارى من حديث البراء رضى اللَّه عنه قال: سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: "إن أول ما نبدأ ول من يومنا هذا أن نصلى ثم نرجع فننحر، فمن فعل هذا فقد أصاب سنتنا، ومن نحر فإنما هو لحم يقدمه لأهله ليس من النسك فى شئ".
وأخرج مسلم من حديث أنس رضى اللَّه عنه قال قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم النحر: "من كان ذبح قبل الصلاة فَلْيُعِدْ".
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن وقت ذبح الأضحية يبدأ من بعد صلاة العيد.
2 -
تأكيد مشروعية الأضحية.
3 -
جواز ذبح الأضاحى حول المصلى.
4 -
أن من ذبح الأضحية قبل وقتها لا تجزئه.
5 -
جواز أكل ما ذبح من الأضاحى قبل الصلاة وإن كانت لا تجزئ فى الأضحية.
4 -
وعن البراء بن عازب رضى اللَّه عنه قال: قام فينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: "أرْبَعٌ لا تجوز فى الضحايا: العوراء البَيِّن عَوَرُهَا، والمريضة البَيِّنُ مَرَضُهَا، والعرجاء البَيِّنُ عَرَجُهَا، وَالْكَسِيرُ التى لا تُنْقِى" رواه أحمد والأربعة وصححه الترمذى وابن حبان.
[المفردات]
قام فينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أى خَطَبَنَا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
العوراء: أى التى ذهب حِسُّ إحدى عينها.
البين عَوَرُهَا: أى الظاهر المتضح عَوَرُهَا وذهاب حس عينها.
والمريضة البين مرضها: أى الصابة باعتلال طبيعتها واضطراب صحتها وقد ظهر أثر ذاك وبان على جسمها.
والعرجاء البين عَرَجُهَا: أى والتى أصيبت فى رجلها فلا تستقيم فى مشيها بل بها ميل واعوجاج، وقد جاء فى بعض نسخ بلوغ المرام: البين ضَلَعُهَا" والضَلَعَ الاعوجاج خلقة.
التى لا تنقى: أى التى لا نِقْىَ لها أى لا مخ لها فالنِّقْىُ بكسر النون وسكون القاف بعدها ياء هو المخ وهو كناية عن كونها هزيلة عجفاء.
[البحث]
قال ابن حجر فى الدراية فى تخريج أحاديث الهداية: حديث لا تجزئ فى الضحايا أربعة: العوراء البين عورها -الحديث. الأربعة وأحمد والحاكم كلهم من رواية عبيد بن فيروز عن البراء، ووقع فى رواية أبى داود: الكسير، بدل "العجفاء" وأخرجه الحاكم من رواية أبى سلمة عن البراء، وادعى أن مسلم أخرجه من رواية عبيد بن فيروز المذكورة فلم يصب، ورواية أبى سلمة فيها أيوب بن سويد، وهو ضعيف اهـ وقال فى تلخيص الحبير: حديث البراء بن عازب أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عما لا يجزئ من الضحايا، فقال: العرجاء البين عرجها، ويروى: البين ضلعها، والعوراء البين عورها والمريضة البين
مرضها، والعجفاء التى لا تُنقِى. مالك وأحمد وأصحاب السنن وابن حبان والحاكم والبيهقى، وادعى الحاكم أن مسلم أخرجه، وأنه مما أخذ عليه لأنه من رواية سليمان بن عبد الرحمن عن عبيد بن فيروز، وقد اختلف الناقلون عنه فيه، هذا كلام الحاكم فى كتاب الضحايا وساقه فى أواخر كتاب الحج من طريق سليمان بن عبد الرحمن عن عبيد بن فيروز عن البراء. وقال: صحيح ولم يخرجاه، وهو مصيب هنا مخطئ هناك. ولفظ أبى داود والنسائى فى هذا الحديث، عن عبيد بن فيروز: سألنا البراء بن عازب عما لا يجوز فى الأضاحى، فقال: قام فينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأصابعى أقصر من أصابعه، وأناملى أقصر من أنامله، فقال: أربع -وأشار بأربع أصابعه- لا تجوز فى الأضاحى: العوراء بَيِّنُ عورها، والمريضة بَيِّنُ مرضها، والعرجاء بَيِّنُ ضلعها والكسير التى لا تنقى. قال: قلت: فإنى أكره أن يكون فى السِّنِّ نقص قال: ما كَرِهْتَ فدعه ولا تحرمه على أحد. وفى رواية للنسائى: والعجفاء بدل الكسير اهـ.
هذا وقد أخرج الترمذى هذا الحديث من طريق محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبى حبيب عن سليمان بن عبد الرحمن عن عبيد بن فيروز عن البراء، ومن طريق هناد حدثنا ابن أبى زائدة ثنا شعبة عن سليمان بن عبد الرحمن عن عبيد بن فيروز عن البراء ثم قال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث عبيد بن فيروز عن البراء والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم اهـ.
[ما يفيده الحديث]
1 -
لا تجوز الأضحية بالعوراء البين عورها.
2 -
ولا تجوز الأضحية بالمريضة البين مرضها.
3 -
ولا تجوز الأضحية بالعرجاء البين عرجها.
4 -
ولا تجوز الأضحية بالعجفاء التى لا مخ لها.
5 -
وعن جابر رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا تذبحوا إلا مُسِنَّةً إلا أن يَعْسرَ عليكم فتذبحوا جَذَعَةً من الضأن" رواه مسلم.
[المفردات]
لا تذبحوا إلا مسنة: أى لا تضحوا إلا بما مضى من عمره سنة ودخل فى السنة الثانية من الضأن ويقال له: الثنى وقيل هى التى سقطت أسنانها للبدل.
إلا أن يعسر عليكم: أى إلا أن يشق عليكم أن تذبحوا الثَّنِىَّ.
فتذبحوا جَذَعَةً من الضأن: أى فيكفيكم ويخزئكما أن تُضَحُّوا بجذعة من الضأن وهى ما بلغت ستة أشهر إلى تمام السنة.
[البحث]
أخرج مسلم من حديث البراء رضى اللَّه عنه قال: ضَحَّى خالى أبو بردة قبل الصلاة فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "تلك شاة لحم" فقال يا رسول اللَّه إن
عندى جَذَعة من المَعْز فقال: "ضَحِّ بها ولا تصلح لغيرك" ثم قال: "من ضحى قبل الصلاة فإنما ذبح لنفسه ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين" وأخرجه البخارى من حديث البراء ابن عازب رضى اللَّه عنهما قال: ضحى خال لى يقال له أبو بردة قبل الصلاة فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "شاتك شاة لحم" فقال: يا رسول اللَّه إن عندى داجِنًا جَذَعة من المعز؟ قال: "اذبحها ولا تصلح لغيرك" هذا وقد انعقد الإِجماع على جواز التضحية بالجذعة من الضأن مع القدرة على المسنة، واللَّه أعلم.
[ما يفيده الحديث]
1 -
لا يجزى فى الأضحية إلا الثنى.
2 -
لا تجوز الأضحية بالجذعة من غير الضأن مطلقًا.
3 -
يستحب أن لا يضحى بالجذعة من الضأن عند القدرة على المسنة.
6 -
وعن على رضى اللَّه عنه قال: أمرنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن نَسْتَشْرِفَ العين والأذن، ولا نضحى بعوراء ولا مُقَابَلَة ولا مُدَابَرَة ولا خَرْقَاء ولا ثَرْمَاء" أخرجه أحمد والأربعة وصححه الترمذى وابن حبان والحاكم.
[المفردات]
أن نستشرف العين والأذن: أى أن نتأمل سلامتهما من آفة تكون بهما.
ولا مقابلة: بفتح الباء وهى ما قطع من طرف أذنها شئ وبقى مُعَلَّقًا.
ولا مدابرة: بفتح الباء وهى ما قطع من مؤخر أذنها شئ وبقى مُعَلَّقًا.
ولا خرقاء: بفتح الخاء وسكون الراء وهى التى فى أذنها ثقب مستدير.
ولا ثرماء: بالثاء المثلثة المفتوحة ثم راء ساكنة ثم ميم وألف ممدودة وهى التى سقطت ثنيتها. وفى بعض نسخ بلوغ المرام "ثَرمى" بألف مقصورة وهى من الثرم وهو سقوط الثنية. قال فى القاموس: الثَّرم محركة انكسار السن من أصلها أو سِنٍّ من الثنايا والرباعيات أو خاص بالثنية، ثَرِمَ كَفَرِحَ فهو أثرم وهى ثرماء اهـ.
[البحث]
قال فى تلخيص الحبير: حديث على: أمرنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن، وأن لا نضحى بمقابلة، ولا مدابرة، ولا شرقاء ولا خرقاء. أحمد وأصحاب السنن والبزار وابن حبان والحاكم والبيهقى واللفظ للنسائى، وأعله الدارقطنى اهـ.
7 -
وعن على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه قال: أمرنى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بُدْنِهِ، وأن أَقْسِمَ لُحُومَهَا وجُلُودَهَا وجِلَالَها على المساكين، ولا أُعْطِى فى جِزَارَتِهَا شيئًا منها" متفق عليه.
[المفردات]
أن أقوم على بدنه: أى أن أتولى شأن هداياه التى أهداها فى حجة الوداع وتقسيم لحومها وكانت مائة بدنة، والبَدَنَة من الإِبل والبقر كالأضحية من الغنم تهدى إلى مكة للذكر والأنثى. وقد يراد به الإِبل خاصة دون البقر كما جاء فى حديث فضل الرواح إلى الجمعة فى الحديث الثامن من أحاديث هذا الباب.
وأن أقسم لحومها وجلودها وجلالها على المساكين: أى أن أوزع وأفرق على المساكين لحومها وجلودها وما يوضع فوق ظهورها من الجِلال، والجلال بكسر الجيم جمع جُل بضم الجيم وهو ما يطرح على ظهر البعير.
ولا أعطى فى جزارتها شيئًا منها: أى ولا أعطى للجزار الذى تولى مخرها وذبحها أجرته من لحمها.
[البحث]
أورد البخارى رحمه الله هذا الحديث فى كتاب الحج فى "باب الجلال للبدنة" من طريق عبد الرحمن بن أبى ليلى عن على رضى اللَّه عنه قال: أمرنى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن أتصدق بجلال البُدْن التى نحرت وبجلودها. وأورده البخارى فى (باب يُتَصَدَّقُ بجلود الهدى) من طريق عبد الرحمن بن أبى ليلى أن عليا رضى اللَّه عنه أخبره أن النبى صلى الله عليه وسلم أمره أن يقسم بُدْنه وأن يقسم بُدنه كلها: لحومها وجلودها
وجلالها، ولا يعطى فى جزارتها شيئًا. ثم أورده فى (باب يتصدق بجلال البُدْن) من طريق عبد الرحمن بن أبى ليلى أن عليا رضى اللَّه عنه حدثه قال: أهدى النبى صلى الله عليه وسلم مائة بَدَنَة، فأمرنى بلحومها فَقَسَمْتُهَا ثم أمرنى بِجلالها فَقَسَمْتُهَا، ثم بجلودها فَقَسَمْتُهَا. وقوله "أن يقسم بدنه كلها" يعنى بعد أن يأخذ من كل بدنة ببضعة، فطبخت كما جاء فى حديث جابر الطويل فى صفة حج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. أما مسلم رحمه الله فقد ساقه من طريق عبد الرحمن بن أبى ليلى أيضًا عن على رضى اللَّه عنه قال: أمرنى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه وأن أتصدق بلحمها وجلودها وَأجِلَّتِهَا ولا أعطى الجزار منها، قال:"نحن نعطيه من عندنا" وفى لفظ من طريق عبد الرحمن بن أبى ليلى أن على ابن أبى طالب أخبره أن نبى اللَّه صلى الله عليه وسلم أمره أن يقوم على بدنه، وأمره أن يقسم بدنه كلها: لحومها وجلودها وجلالها فى المساكين ولا يعطى فى جزارتها منها شيئًا" اهـ وبهذا يتضح أن المصنف لم يسق لفظ الصحيحين هنا وإنما ساق الحديث بمعناه، على أن لفظ "المساكين" فى هذا الحديث لم يخرجه البخارى رحمه الله. وإنما أورد المصنف هذا الحديث هنا ليبين أنه يصنع بالأضحية ما يصنع بالهدى فى عدم إعطاء الجزار أجرة جزارته منها.
[ما يفيده الحديث]
1 -
استحباب التصدق بالكثير من لحوم الأضاحى.
2 -
استحباب التصدق بجلودها.
3 -
لا يجوز إعطاء الجزار أجرة جزارته من لحم الأضحية التى جزرها.
8 -
وعن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما قال: نحرنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عام الحديبية البَدَنة عن سبعة والبقرة عن سبعة" رواه مسلم.
[المفردات]
عام الحديبية: أى عام صلح الحديبية.
البدنة: أى الناقة أو الجمل.
عن سبعة: أى عن سبعة أشخاص.
[البحث]
قال الصنعانى فى سبل السلام: وادعى ابن رشد الإِجماع على أنه لا يجوز أن يشترك فى النسك أكثر من سبعة، قال: وإن كان روى من حديث رافع بن خديج أن النبى صلى الله عليه وسلم عدل البعير بعشر شياه. أخرجه فى الصحيحين، ومن طريق ابن عباس وغيره: البدنة عن عشرة. قال الطحاوى: إجماعهم دليل على أن الأثار فى ذلك غير صحيحة اهـ وقد سبق قلم الصنعانى هنا فوقع تغيير فى عبارة ابن رشد فليس فى بداية المجتهد قوله "أخرجه فى الصحيحين" بل الذى فى بداية المجتهد هو: وأجمعوا على أنه لا يجوز أن يشترك فى النسك أكثر من سبعة، وإن كان قد روى من حديث رافع بن خديج ومن طريق ابن عباس وغيره "البدنة عن عشرة" وقال الطحاوى: وإجماعهم على أنه لا يجوز أن يشترك فى النسك أكثر من سبعة دليل على أن الآثار فى ذلك
غير صحيحة اهـ قال فى الدراية: حديث جابر نحرنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم البقرة عن سبعة والبدنة عن سبعة" مسلم والأربعة من حديثه. وفى لفظ لمسلم: أمرنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن نشترك فى الإِبل والبقر كل سبعة منا فى بدنة. وفى رواية لأبى داود: قال النبى صلى الله عليه وسلم "البقرة عن سبعة والجزور عن سبعة" وأخرجه الدارقطنى نحوه، وللطبرانى من حديث ابن مسعود نحوه وفى الباب عن ابن عباس قال: كنا مع النبى صلى الله عليه وسلم فى سفر فحضر الأضحى فاشتركنا فى البقر سبعة وفى الجزور عشرة أخرجه أحمد والنسائى والترمذى وصححه ابن حبان وعن مروان والمسور فى قصة الحديبية قال: وساق معه الهدى سبعين بدنة عن سبعمائة رجل كل بدنة عن عشرة. أخرجه البيهقى من طريق ابن إسحاق عن الزهرى عن عروة عنهما لكن فى الصحيح من وجه آخر عن الزهرى بدون هذه الزيادة. قال البيهقى: حديث جابر فى اشتراكهم وهم مع النبى صلى الله عليه وسلم فى الجزور عن سبعة أصح اهـ هذا وقد ساق مسلم حديث الباب بعدة ألفاظ فساقه من طريق مالك عن أبى الزبير عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما باللفظ الذى ذكره المصنف ثم ساقه من طريق أبى خيثمة عن أبى الزبير عن جابر قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مهلين بالحج فأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن نشترك فى الإِبل والبقر كل سبعة منا فى بدنة، ثم ساقه من طريق عزرة بن ثابت عن أبى الزبير عن جابر بن عبد اللَّه قال: حججنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فنحرنا البعير عن سبعة والبقرة عن سبعة. ثم ساقه من طريق ابن جريج عن أبى الزبير عن جابر قال: اشتركنا مع النبى صلى اللَّه عليه وسلم
الحج والعمرة كل سبعة فى بدنة، فقال رجل لجابر: أيُشْتَرَكُ فى البدنة ما يُشْتَرَكُ فى الجزور؟ قال: ما هى إلا من البُدْن، وحضر جابر الحديبية قال: نحرنا يومئذ سبعين بدنة اشتركنا كل سبعة فى بدنة اهـ. أما حديث رافع بن خديج فى الصحيحين فلفظه: أن النبى صلى الله عليه وسلم قسم فعدل عشرة من الغنم ببعير" وهذا إنما هو فى القسمة وليس فى الأضحية واللَّه أعلم.
[ما يفيده الحديث]
1 -
جواز اشتراك سبعة أشخاص فى بقرة أو بعير فى الهدى وكذلك الأضحية.
2 -
لا يجوز أن يشترك فى البعير أو البقرة أكثر من سبعة.
وقد تم بحمد اللَّه تعالى وتوفيقه الجزء التاسع من فقه الإسلام، وكان الفراغ من تحريره بالمدينة المنورة فى ضحى يوم الأحد السابع والعشرين من شهر جمادي الثانية سنة 1403 هـ ويليه الجزء العاشر إن شاء اللَّه تعالى وأوله "باب العقيقة". وما توفيقى إلا باللَّه عليه توكلت وإليه أنيب، وصلى اللَّه وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
عبد القادر بن شيبة الحمد
عضو هيئة التدريس بقسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية - بالمدينة المنورة
والمدرس بالمسجد النبوي الشريف