الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإشهاد على العقد
الإشهاد على العقود من السنن وليس من الواجبات. ولا شك أن الإشهاد على العقود أفضل وأولى وخاصة إذا كان العقد يتعلق بأمر ذو أهمية كبيع أرض أو إجارة عمارة أو نحو ذلك والإشهاد على العقود أقطع للنزاع وأبعد عن التجاحد وإنكار الحقوق بل فيه حفظ للحقوق وهذا الأمر ينطبق تماماً على كتابة العقود وتوثيقها فينبغي لمن وقع عقد بيع أرض مثلاً مع غيره أن يبين فيه كل التفاصيل المتعلقة بالبيع مثل موقع الأرض وحدودها ومساحتها وثمن البيع ووقت تأدية الثمن إن كان مؤجلاً أو على أقساط وينبغي له أن يستشهد شهيدين على ذلك بأن يذكر اسميهما على أن يوقعا على وثيقة البيع وينبغي عدم إغفال تاريخ البيع بالتفصيل بالإضافة لذكر كل ما يزيد العقد توثيقاً
…
إلخ.
وفي هاتين الآيتين الكريمتين أمر الله جل وعلا بالإشهاد في موضعين الأول {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} والموضع الثاني {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} وهذا الأمر مصروف عن ظاهره والمراد به الندب لا الإيجاب كما قرر ذلك جمهور أهل العلم.
قال الإمام أبو بكر الجصّاص الحنفي: [ولا خلاف بين فقهاء الأمصار أن الأمر بالكتابة والإشهاد والرهن المذكور جميعه في هذه الآية ندب وإرشاد إلى ما لنا فيه الحظ والصلاح والاحتياط للدين والدنيا، وأن شيئاً منه غير واجب. وقد نقلت الأمة خلف عن سلف عقود المداينات والأشربة والبياعات في أمصارهم من غير إشهاد، مع علم فقهائهم بذلك من غير نكير منهم عليهم، ولو كان الإشهاد واجباً لما تركوا النكير على تاركه مع علمهم به. وفي ذلك دليل على أنهم رأوه ندباً، وذلك منقول من عصر النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا. ولو كانت الصحابة والتابعون تشهد على بياعاتها وأشريتها لورد النقل به متواتراً مستفيضاً ولأنكرت على فاعله ترك الإشهاد، فلما لم ينقل عنهم الإشهاد بالنقل المستفيض ولا إظهار النكير على تاركه من العامة ثبت بذلك أن الكتاب والإشهاد في الديون والبياعات غير واجبين] أحكام القرآن للجصاص 2/ 206.
وقال الإمام ابن العربي المالكي: [اختلف النَّاس في لفظ (أَفْعِلْ) في قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ} على قولين: أحدهما: أنَّه فرض; قاله الضَّحَّاكُ. الثاني: أنَّه ندب; قالهُ الكافَّة; وهو الصّحيح; فقد باع النّبي صلى الله عليه وسلم وَكتب ونسخة كتابِه: (بِسم اللَّه الرحمن الرَّحيم هذا ما اشترى العدَّاء بن خالد بن هَوْذَة من محمدٍ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اشترى منه عبدًا أو أمةً لا داء ولا غائلة ولا خِبثة، بيع المسلم للمسلم). وقد باع ولم يشهد، واشترى ورهن درعه عند يهوديّ ولم يشهد، ولو كان الإشهاد أمرًا واجباً لوجب مع الرهن لخوف المنازعة] أحكام القرآن لابن العربي 1/ 259.
وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ويستحب الإشهاد في البيع; لقول الله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ} وأقل أحوال الأمر الاستحباب. ولأنه أقطع للنزاع، وأبعد من التجاحد، فكان أولى، ويختص ذلك بما له خطر، فأما الأشياء القليلة الخطر، كحوائج البقَّالِ، والعطَّارِ، وشبههما، فلا يستحب ذلك فيها; لأن العقود فيها تكثر، فيشق الإشهاد عليها، وتقبح إقامة البينة عليها، والترافع إلى الحاكم من أجلها، بخلاف الكثير. وليس الإشهاد بواجب في أحد منهما، ولا شرطاً
له. روي ذلك عن أبي سعيد الخدري وهو قول الشافعي، وأصحاب الرأي، وإسحاق وأبي أيوب وقالت طائفة: ذلك فرض لا يجوز تركه .... ولنا قول الله تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} . وقال أبو سعيد: صار الأمر إلى الأمانة. وتلا هذه الآية، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاماً، ورهنه درعه، واشترى من رجل سراويل، ومن أعرابي فرساً، فجحده الأعرابي حتى شهد له خزيمة بن ثابت، ولم يُنقل أنه أشهد في شيء من ذلك. وكان الصحابة يتبايعون في عصره في الأسواق، فم يأمرهم بالإشهاد، ولا نقل عنهم فعله، ولم ينكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ولو كانوا يشهدون في كل بياعاتهم لما اخل بنقله. وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم عروة بن الجعد أن يشتري له أضحية. ولم يأمره بالإشهاد. واخبره عروة أنه اشترى شاتين فباع إحداهما، ولم ينكر عليه ترك الإشهاد. ولأن المبايعة تكثر بين الناس في أسواقهم وغيرها، فلو وجب الإشهاد في كل ما يتبايعونه، أفضى إلى الحرج المحطوط عنا بقوله تعالى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} . والآية المراد بها الإرشاد إلى حفظ الأموال والتعليم، كما أمر بالرهن والكاتب، وليس بواجب، وهذا ظاهر]. المغني 4/ 205 - 206.
وخلاصة الأمر أنه يستحب الإشهاد على عقود البيع والشراء والإجارة ونحوها إذا كان محل العقد شيئاً مهماً كبيراً ولا ينبغي الإشهاد على كل صغير لما في ذلك من الحرج.
- - -