المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أخي التاجر إياك والغش - فقه التاجر المسلم

[حسام الدين عفانة]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد في التفقه في أحكام التجارة

- ‌التجارةفيالكتاب والسنة

- ‌التجارة في الكتاب الكريم

- ‌التجارة في السنة النبوية

- ‌التجارة لا تلهي عن الواجبات عامة ولا تلهي عن الصلوات خاصة

- ‌التجار من الصحابة

- ‌فقه التجارة

- ‌البيع وشروطه

- ‌الكسب الحلال

- ‌ضوابط الكسب

- ‌توثيق المعاملات بالكتابة

- ‌الإشهاد على العقد

- ‌حكم البيع والشراء وقت النداء لصلاة الجمعة

- ‌كيفية حساب زكاة أموال التجارة

- ‌يقدر نصاب النقود في الزكاة بالذهب دون الفضة

- ‌زكاة مال الشركاء

- ‌زكاة الأسهم

- ‌زكاة البضاعة الكاسدة

- ‌التهرب من أداء الزكاة

- ‌تعجيل الزكاة

- ‌لا يجوز احتساب الدَّين من الزكاة

- ‌لا يصح تأخير صرف الزكاة لمستحقيها

- ‌مصارف الزكاة

- ‌صرف الزكاة للعمال العاطلين عن العمل

- ‌مصرف (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) في آية الصدقات

- ‌دفع الزكاة للأقارب

- ‌حكم أخذ غير المستحق من أموال الزكاة

- ‌تحديد ربح التجار

- ‌العربون في البيع جائز

- ‌تسمية الثمن في البيع شرط لصحته

- ‌معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تبع ما ليس عندك)

- ‌البيع بالتقسيط

- ‌بيع الجزاف

- ‌السمسرة وأجرة السمسار في البيع وغيره

- ‌الفرق بين البنوك الإسلامية والبنوك الربوية

- ‌الفرق بين الربح والربا

- ‌بيع المرابحة للآمر بالشراء

- ‌يحرم وضع المال في البنوك الربوية

- ‌الحساب الجاري في البنوك الربوية

- ‌التقسيط الميسر مع البنوك الربوية

- ‌حساب التوفير ربا

- ‌الاقتراض بالربا (الفائدة) للضرورة

- ‌بيع العينة وبيع التورق

- ‌كل قرض جرَّ نفعاً فهو ربا

- ‌تحريم الكفالة في قرض ربوي

- ‌حكم شراء أسهم الشركات التي تتعامل بالربا أحياناً

- ‌حكم السندات

- ‌التخلص من الفوائد الربوية

- ‌حكم التعامل ببطاقات الائتمان (بطاقات الفيزا) وغيرها

- ‌حكم التعامل في الأسواق المالية (البورصة)

- ‌استلام الشيك الحالّ بمثابة قبض النقود

- ‌التعامل بالشيكات الآجلة

- ‌بيع الشيكات المؤجلة بعملة أخرى

- ‌صرف العملة مع تأجيل القبض

- ‌حكم شراء الذهب بالشيكات وحكم بيع الذهب إلى أجل

- ‌حكم بيع الحلي الذهبية القديمة بجديدة

- ‌صرف دولارات من الفئة الكبيرة بدولارات من الفئة الصغيرة

- ‌الاختلاف بين البائع والمشتري بسبب هبوط قيمة العملة

- ‌سداد الدَّين بعملة أخرى

- ‌الخصم من الدَّين إذا عجل المدين السداد

- ‌لا يصح اشتراط عقدٍ آخر مع القرض

- ‌المماطلة في سداد الدَّين

- ‌عقد المضاربة

- ‌لا تجوز المشاركة بالمال مقابل مبلغ ثابت من الربح

- ‌يجوز تقاضي الشريك راتباً شهرياً زيادة على نسبته في الربح

- ‌بيع المزايدة

- ‌الغبن في التجارة

- ‌لا يجوز شراء المال المسروق

- ‌خلو الرِّجْل

- ‌لا يجوز بيع الطعام قبل قبضه

- ‌البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل

- ‌الإعلانات التجارية

- ‌جوائز التجار

- ‌بيع المحرماتالمتاجرة بأفلام الفيديو والمجلات الإباحية

- ‌بيع التماثيل والصلبان في محلات السنتواري وغيرها

- ‌استعمال الدمى لعرض الملابس

- ‌حكم بيع الأغذية المصنعة المنتهية الصلاحية

- ‌بيع العنب لمن يعصره خمراً

- ‌بيع السجائر

- ‌بيع الكلاب

- ‌آداب التاجر

- ‌أخلاق التاجر المسلم

- ‌من آداب التاجر النية الصالحة

- ‌من آداب التاجر التبكير في طلب الرزق

- ‌من آداب التاجر أن يذكر الله تعالى إذا دخل السوق

- ‌من آداب التاجر طرح السلام ورده

- ‌من آداب التاجر السماحة في البيع والشراء وإنظار المعسر

- ‌من آداب التاجر الصدق والأمانة

- ‌من آداب التاجر الخلق الحسن

- ‌من آداب التاجر وفاء الكيل والميزان

- ‌من آداب البيع والشراء خلطهما بالصدقة

- ‌من آداب التاجر الوفاء بالوعد

- ‌من آداب التاجر الإقالة

- ‌من آداب التاجر وضع الجوائح

- ‌أخي التاجر إياك وحلف الأيمان

- ‌أخي التاجر إياك والغش

- ‌أخي التاجر إياك أن تبيع سلعة معيبة دون أن تبين للمشتري العيب

- ‌أخي التاجر عليك ردُّ المفقودات إلى أصحابها

- ‌أخي التاجر إياك والنجش

- ‌أخي التاجر احذر الرشوة والهدية للمسوؤل

- ‌أخي التاجر احذر أكل السحت

- ‌أخي التاجر احذر من استعمال الورق المكتوب عليه الآيات القرآنية لتغليف السلع

- ‌أخي التاجر احذر الأمور التالية:

- ‌الأعمال العلمية للمؤلف الأستاذ الدكتور حسام الدين عفانه

الفصل: ‌أخي التاجر إياك والغش

‌أخي التاجر إياك والغش

!

إن من قواعد البيع والشراء في الشريعة الإسلامية تحريم الغش بكل صوره وأشكاله وقد وردت أدلة كثيرة تدل على تحريم الغش منها ما ثبت في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم: (مرََّ على صُبرة طعام -كومة- فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته السماء يا رسول الله، أي المطر. قال: أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غشنا فليس مني) رواه البخاري ومسلم.

وفي رواية أخرى عند مسلم: (من غشنا فليس منا).

وفي رواية أخرى للحديث السابق عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السوق فرأى طعاماً مصبراً فأدخل يده فأخرج طعاماً رطباً قد أصابته السماء فقال لصاحبه: ما حملك على هذا؟ قال: والذي بعثك بالحق إنه لطعام واحد قال: أفلا عزلت الرطب على حدته واليابس على حدته فيبتاعون ما يعرفون، من غشنا فليس منا) رواه الطبراني في الأوسط بإسناد جيد، وقال العلامة الألباني حسن لغيره. صحيح الترغيب والترهيب 2/ 334 - 335.

وجاء في حديث آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من حمل السلاح علينا فليس منا ومن غشنا فليس منا) رواه مسلم.

وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق (ليس منا) زجرٌ شديد عن الغش، ورادعٌ من الوقوع في مستنقعه الآسن.

قال صاحب عون المعبود: [قال الخطابي: معناه ليس على سيرتنا ومذهبنا، يريد أن من غش أخاه وترك مناصحته فإنه قد ترك اتباعي والتمسك بسنتي

وهذا كما يقول الرجل لصاحبه أنا منك وإليك، يريد بذلك المتابعة والموافقة، ويشهد لذلك قوله تعالى:{فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ] سورة إبراهيم الآية 36. عون المعبود شرح سنن أبي داود 9/ 231.

وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (المسلم أخو المسلم لا يحل لمسلمٍ باع من أخيه بيعاً فيه عيبٌ إلا بيَّنه له) رواه أحمد وابن ماجة وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 2/ 22.

ص: 240

وهذه الأدلة ظاهرة الدلالة على تحريم الغش باعتباره وسيلة لأكل أموال الناس بالباطل إذ أن حقيقة الغش هي إخفاء وكتمان ما في السلعة من نقص أو عيب. يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} سورة النساء الآية 29.

والغش ينافي عصمة أموال المسلمين التي جاءت بها الشريعة الإسلامية كما جاء في الحديث الشريف من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس) رواه أحمد والبيهقي وابن حبان وغيرهم وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في إرواء الغليل 5/ 279.

والغش بمقتضى الأحاديث السابقة يعتبر من كبائر الذنوب.

قال الشيخ ابن حجر الهيتمي المكي: [تنبيه: عدُّ هذا -الغش- كبيرة هو ظاهر بعض ما في هذه الأحاديث من نفي الإسلام عنه مع كونه لم يزل في مقت الله أو كون الملائكة تلعنه

وضابط الغش المحرم أن يعلم ذو السلعة من نحو بائع أو مشتر فيها شيئاً لو اطلع عليه مريد أخذها ما أخذها بذلك المقابل فيجب عليه أن يعلمه به ليدخل في أخذه على بصيرة، ويؤخذ من حديث واثلة وغيره ما صرح به أصحابنا أنه يجب أيضاً على أجنبي علم بالسلعة عيباً أن يخبر به مريد أخذها وإن لم يسأله عنها كما يجب عليه إذا رأى إنساناً يخطب امرأة ويعلم بها أو به عيباً أو رأى إنساناً يريد أن يخالط آخر لمعاملة أو صداقة أو قراءة

وعلم بأحدهما عيباً أن يخبر به وإن لم يستشر به كل ذلك أداء للنصيحة المتأكد وجوبها لخاصة المسلمين وعامتهم] الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/ 543. وقال الشيخ ابن حجر الهيتمي المكي أيضاً: [ونحن لا نحرم التجارة ولا البيع والشراء فقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتبايعون ويتجرون في البزر وغيره من المتاجر، وكذلك العلماء والصلحاء بعدهم ما زالوا يتجرون ولكن على القانون الشرعي والحال المرضي الذي أشار الله تعالى إليه بقوله عز قائلاً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} سورة النساء الآية 29. فبين الله أن التجارة لا تحمد ولا تحل إلا إن صدرت عن التراضي من الجانبين والتراضي إنما يحصل حيث لم يكن هناك غش ولا تدليس، وأما حيث كان هناك غش وتدليس بحيث أخذ أكثر مال الشخص وهو لا يشعر بفعل تلك الحيلة الباطلة معه المبنية على الغش ومخادعة الله ورسوله فذلك حرام شديد التحريم موجب لمقت الله ومقت رسوله

ص: 241

وفاعله داخل تحت الأحاديث السابقة والآتية، فعلى من أراد رضا الله ورسوله وسلامة دينه ودنياه ومروءته وعرضه وأخراه أن يتحرى لدينه وأن لا يبيع شيئاً من تلك البيوع المبنية على الغش والخديعة] الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/ 546.

وقال الشيخ ابن حجر الهيتمي المكي أيضاً: [كله حرام شديد التحريم موجب لصاحبه أنه فاسق غشاش خائن يأكل أموال الناس بالباطل ويخادع الله ورسوله وما يخادع إلا نفسه لأن عقاب ذلك ليس إلا عليه، وكثرة ذلك تدل على فساد الزمان وقرب الساعة، وفساد الأموال والمعاملات ونزع البركات من المتاجر والبياعات والزرعات بل ومن الأراضي المزروعات، وتأمل قوله صلى الله عليه وسلم:(ليس القحط أن لا تمطروا، وإنما القحط أن تمطروا، ولا يبارك لكم فيه) أي بواسطة تلك القبائح والعظيمات التي أنتم عليها في تجاراتكم ومعاملاتكم، ولهذه القبائح التي ارتكبها التجار والمتسببون وأرباب الحرف والصنائع سلط الله عليهم الظلمة فأخذوا أموالهم وهتكوا حريمهم بل وسلط عليهم الكفار فأسروهم واستعبدوهم وأذاقوهم العذاب والهوان ألواناً، وكثرة تسلط الكفار على المسلمين بالأسر والنهب وأخذ الأموال والحريم، إنما حدث في هذه الأزمنة المتأخرة لما أن أحدث التجار وغيرهم قبائح ذلك الغش الكثيرة المتنوعة وعظائم تلك الجنايات والمخادعات والتخيلات الباطلة على أخذ أموال الناس بأي طريق قدروا عليها لا يراقبون الله المطلع عليهم، ولا يخشون سطوة عقابه ومقته مع أنه تعالى عليهم بالمرصاد {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} سورة غافر الآية 19. {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} سورة طه الآية 7. {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} سورة الملك الآية 14.

ولو تأمل الغشاش الخائن الآكل أموال الناس بالباطل ما جاء في إثم ذلك في القرآن والسنة لربما انزجر عن ذلك أو عن بعضه، ولو لم يكن من عقابه إلا قوله صلى الله عليه وسلم:(إن العبد ليقذف اللقمة من حرام في جوفه ما يتقبل منه عمل أربعين يوماً، وأيما عبد نبت لحمه من حرام فالنار أولى به). وقوله صلى الله عليه وسلم: (إنه لا دين لمن لا أمانة له)] الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/ 547.

وقد ذكر بعض أهل العلم مضار الغش وهي:

1.

الغش طريق موصل إلى النار.

2.

الغش دليل على دناءة النفس وخبثها، فلا يفعله إلا كل دنيء نفسٍ هانت عليه نفسه فأوردها مورد الهلاك والعطب.

ص: 242