الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مصارف الزكاة
بين الله سبحانه وتعالى مصارف الزكاة وحصرها في ثمانية مصارف، فقال تعالى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} سورة التوبة الآية 60.
فهذه الآية الكريمة حصرت مصارف الزكاة في المصارف الثمانية ويدل على ذلك قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} ولفظة {إِنَّمَا} تقتضي حصر الزكاة في المصارف الثمانية ثم إن الله سبحانه وتعالى أضاف الصدقات للفقراء باللام التي تدل على التمليك ثم عطف بقية الأصناف على الفقراء، قال أبو إسحق الشيرازي بعد أن ذكر آية مصارف الزكاة:[فأضاف جميع الصدقات إليهم بلام التمليك وأشرك بينهم بواو التشريك فدل على أنه مملوك لهم مشترك بينهم] المهذب مع شرحه المجموع 6/ 185.
وقد اختلف أهل العلم في اشتراط تمليك الزكاة للأصناف الثمانية، فمن العلماء من قال إن التمليك شرط في الأصناف الثمانية. وجمهور العلماء على أن التمليك شرط في الأصناف الأربعة الأولى وهم الفقراء والمساكين والعاملون عليها والمؤلفة قلوبهم.
قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وأربعة أصناف يأخذون أخذاً مستقراً ولا يراعى حالهم بعد الدفع وهم الفقراء والمساكين والعاملون والمؤلفة. فمتى أخذوها ملكوها ملكاً دائماً مستقراً لا يجب عليهم ردها بحال وأربعة منهم وهم: الغارمون وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل. فإنهم يأخذون أخذاً مراعىً. فإن صرفوه في الجهة التي استحقوا الأخذ لأجلها وإلا استرجع منهم. والفرق بين هذه الأصناف والتي قبلها: أن هؤلاء أخذوا لمعنى لم يحصل بأخذهم للزكاة والأولون حصل المقصود بأخذهم وهو غنى الفقراء والمساكين وتأليف المؤلفين وأداء أجر العاملين] المغني 2/ 500.
وجاء في توصيات الندوة الثالثة لقضايا الزكاة المعاصرة المنعقدة في الكويت سنة 1413هـ ما يلي: [التمليك في الأصناف الأربعة الأولى المذكورة في آية مصارف الزكاة {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ
…
} شرط في إجزاء الزكاة والتمليك يعني دفع مبلغ من النقود أو شراء وسيلة النتاج كآلات الحرفة وأدوات الصنعة وتمليكها للمستحق القادر على العمل] أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة 2/ 886.
وقد اتفق أهل العلم على أنه لا يجوز صرف الزكاة إلا لهذه الأصناف التي ذكرت في الآية الكريمة ولكنهم اختلفوا بعد ذلك هل يجب استيعاب هذه المصارف؟ أم أنه يجوز الصرف لبعض هذه المصارف دون بعض. والذي عليه أكثر أهل العلم أنه لا يجب صرف الزكاة لجميع الأصناف المذكورين في الآية ويجوز صرفها إلى صنف واحد وهذا قول الحنفية والمالكية والحنابلة ومنقول عن جماعة كثيرة من الصحابة والتابعين.
قال الشيخ ابن قدامة المقدسي شارحاً قول الخرقي: [وإن أعطاها كلها في صنف واحد أجزأه] وجملته أنه يجوز أن يقتصر على صنف واحد من الأصناف الثمانية ويجوز أن يعطيها شخصاً واحداً وهو قول عمر وحذيفة وابن عباس وبه قال سعيد بن جبير والحسن والنخعي وعطاء وإليه ذهب الثوري وأبو عبيد وأصحاب الرأي] المغني 2/ 498 - 499.
وقال الإمام النووي: [وقال الحسن البصري وعطاء وسعيد بن جبير والضحاك والشعبي والثوري ومالك وأبو حنيفة وأحمد وأبو عبيد له صرفها إلى صنف واحد قال ابن المنذر وغيره وروي هذا عن حذيفة وابن عباس قال أبو حنيفة وله صرفها إلى شخص واحد من أحد الأصناف قال مالك ويصرفها إلى أمسهم حاجة وقال إبراهيم النخعي إن كانت قليلة جاز صرفها إلى صنف وإلا وجب استيعاب الأصناف] المجموع 6/ 186.
ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية قول الإمام أبي جعفر الطبري: [عامة أهل العلم يقولون: للمتولي قسمتها ووضعها في أي الأصناف الثمانية شاء وإنما سمى الله الأصناف الثمانية إعلاماً منه أن الصدقة لا تخرج من هذه الأصناف إلى غيرها لا إيجاباً لقسمتها بين الأصناف الثمانية وروى بإسناده عن حذيفة وعن ابن عباس أنهما قالا: إن شئت جعلته في صنف أو صنفين أو ثلاثة. قال وروى عن عمر أنه قال: أيما صنف أعطيته أجزأك وروى عنه أنه كان عمر يأخذ الفرض في الصدقة فيجعله في الصنف الواحد وهو قول أبي العالية وميمون بن مهران وإبراهيم النخعي] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 25/ 40.
ويدل لما ذهب إليه جمهور أهل العلم من جواز إعطاء صنف واحد من أصناف الزكاة وأنه لا يجب تعميمها على الأصناف الثمانية ما قاله القرطبي: [وتمسك علماؤنا بقوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} سورة البقرة الآية 271. والصدقة متى أطلقت
في القرآن فهي صدقة الفرض] تفسير القرطبي 8/ 168. ومراد القرطبي أن الآية لم تذكر إلا صنفاً واحداً - الفقراء - من الأصناف الثمانية.
واحتج الشيخ ابن قدامة المقدسي لقول الجمهور بحديث معاذ رضي الله عنه لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقال: [(أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم) فأخبر أنه مأمور برد جملتها في الفقراء وهم صنف واحد ولم يذكر سواهم ثم أتاه بعد ذلك مال فجعله في صنف ثان سوى الفقراء وهم المؤلفة: الأقرع بن حابس وعينية بن حصن وعلقمة بن علاثة وزيد الخيل قسّم فيهم الذهبية التي بعث بها إليه علي من اليمن وإنما يؤخذ من أهل اليمن الصدقة ثم أتاه مال آخر: فجعله في صنف آخر لقوله لقبيصة بن المخارق حين تحمل حمالة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله فقال: (أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها) وفي حديث سلمة بن صخر البياضي: أنه أمر له بصدقة قومه ولو وجب صرفها إلى جميع الأصناف لم يجز دفعها إلى واحد] المغني 2/ 499.
وحديث معاذ الذي ذكره الشيخ ابن قدامة المقدسي رواه البخاري ومسلم، وأما حديث الذهبية فهو ما رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (بعث علي رضي الله عنه وهو باليمن بذهبة في تربتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أربعة نفر الأقرع بن حابس الحنظلي وعينية بن بدر الفزاري وعلقمة بن علاثة العامري ثم أحد بني كلاب وزيد الخير الطائي ثم أحد بني نبهان فغضبت قريش فقالوا: أيعطي صناديد نجد ويدعنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني إنما فعلت ذلك لأتألفهم
…
) الحديث، فالنبي صلى الله عليه وسلم أعطى هؤلاء المؤلفة قلوبهم فقط ولو كان استيعاب الأصناف واجباً لاستوعبها.
وأما حديث قبيصة فهو ما رواه مسلم بإسناده عن قبيصة بن مخارق الهلالي قال: (تحملت حمالة فأتيت رسول الله أسأله فيها فقال: أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها) قال: ثم قال: يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلَّت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو قال سداداً من عيش ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه لقد أصابت فلاناً فاقة فحلَّت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو قال سداداً من عيش فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحتاً يأكلها صاحبها سحتاً) صحيح مسلم مع شرح النووي 3/ 110.
والشاهد في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع الزكاة إلى صنف واحد بل إلى شخص واحد من مصرف واحد وهو مصرف الغارمين وأما حديث سلمة بن صخر البياضي فقد جاء فيه أنه قد ظاهر من زوجته ثم واقعها ثم ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب عونه في الكفارة فقال له رسول الله: (انطلق إلى صاحب صدقة بني زريق فليدفعها إليك) رواه أبو داود والترمذي وقال الترمذي حديث حسن. والشاهد في هذا الحديث كسابقه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بدفع الزكاة لصنف واحد بل لشخص واحد.
وخلاصة الأمر في هذه المسألة أنه يجب أخذ الأمور الآتية بالاعتبار عند توزيع الزكاة من قبل لجان الزكاة أو من الأفراد:
أولاً: إذا كان مال الزكاة كثيراً فينبغي تعميم المال على المصارف الثمانية إذا وجدت. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [فإن المستحب صرفها إلى جميع الأصناف أو إلى من أمكن منهم لأنه يخرج بذلك عن الخلاف ويحصل الإجزاء يقيناً] المغني 2/ 499. وهذا ما رجحه د. يوسف القرضاوي إذا كانت الزكاة توزع من قبل إمام المسلمين.
ثانياً: إذا كان المال قليلاً فيعجبني ما ذهب إليه إبراهيم النخعي حيث قال: [إذا كان المال ذا مز -أي ذا فضل وكثرة- ففرقه في الأصناف وإذا كان قليلاً فأعطه صنفاً واحداً] الأموال ص 689.
فإذا كان لدى شخص ألف دينار فزكاتها خمسة وعشرون ديناراً فأرى له أن يعطيها فقيراً واحداً أو مسكيناً واحداً ولا أرى له أن يفرقها لقلة النفع بها حينئذ.
ثالثاً: إذا كان في أحد الأصناف الثمانية حاجة ماسة وظاهرة فينبغي العناية بالصرف إليه وهذا ما ذهب إليه الإمام مالك حيث إنه يرى أنه إن وجدت الأصناف كلها فينبغي إيثار أهل الحاجة. الذخيرة 3/ 149.
رابعاً: قال د. يوسف القرضاوي: [ينبغي أن يكون الفقراء والمساكين هم أول الأصناف الذين تصرف لهم الزكاة، فإن كفايتهم وإغنائهم هو الهدف الأول للزكاة حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يذكر في حديث معاذ وغيره إلا هذا المصرف: (تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) وذلك لما لهذا المصرف من أهمية خاصة] فقه الزكاة 2/ 693.
- - -