المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

3225 - (البينة على المدعي) وهو من يخالف قوله الظاهر - فيض القدير - جـ ٣

[عبد الرؤوف المناوي]

الفصل: 3225 - (البينة على المدعي) وهو من يخالف قوله الظاهر

3225 -

(البينة على المدعي) وهو من يخالف قوله الظاهر أو من لو سكت لخلى (واليمين على المدعى عليه) وهو من يوافق قوله الظاهر أو من لو سكت لم يترك لأن جانب المدعي ضعيف فكلف حجة قوية وهي البينة وجانب المدعى عليه قوي فقنع منه بحجة ضعيفة وهي اليمين إلا في مسائل مفصلة في الفروع. قال ابن العربي: وهذا الحديث من قواعد الشريعة التي ليس فيها خلاف وإنما الخلاف في تفاصيل الوقائع والبينة في الأصل ما يظهر برهانه في الطبع والعلم والعقل بحيث لا مندوحة عن شهود وجوده ذكره الحرالي وقال القاضي: هي الدلالة الواضحة التي تفصل الحق من الباطل

(ت) في الأحكام (عن ابن عمرو) وهي رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال ابن حجر: وإسناده ضعيف وفي الباب ابن عباس وابن عمر وغيرهما

ص: 225

3226 -

(البينة على المدعي) وفي رواية على من ادعى (واليمين على من أنكر) ما ادعى عليه به (إلا في القسامة) فإن الأيمان فيها في جانب المدعي وبه أخذ الأئمة الثلاثة وخالف أبو حنيفة فأجراه على القاعدة وألحق الشافعية بالقسامة دعوى قيمة المتلفات وغير ذلك مما هو مبين في كتب الفقه وعلم مما تقرر أن هذا الحديث مخصص للحديث المتقدم وحكمته أن القتل إنما يكون غيلة وعلى ستر فبدئ فيه بأيمان المدعي لإيجاب الدية عند الشافعية والقتل عند المالكية الرادع للمتعدي والصائن للدماء الحاقن لها

(هق وابن عساكر) في التاريخ (عن ابن عمرو) بن العاص وفيه مسلم الزنجي قال في الميزان: عن البخاري منكر الحديث وضعفه أبو حاتم وقال أبو داود: لا يحتج به ثم أورد له أخبارا هذا منها ورواه الدارقطني باللفظ من طريقين وفيهما الزنجي المذكور وقال ابن حجر في تخريج المختصر خرجه أيضا البيهقي وعبد الرزاق وهو حديث غريب معلول

ص: 225

‌حرف التاء

ص: 225

3227 -

(تابعوا بين الحج والعمرة) أي إذا حججتم فاعتمروا وإذا اعتمرتم فحجوا ونظمها في سلك واحد ليفيد وجوب العمرة كالحج وقال المحب الطبري: يجوز أن يراد التتابع المشار إليه بقوله تعالى: {فصيام شهرين متتابعين} فيأتي بكل منهما عقب الآخر بلا فصل وهذا ظاهر لفظ المتابعة وأن يراد اتباع أحدهما الآخر ولو تخلل بينهما زمن بحيث يظهر مع ذلك الاهتمام بهما ويطلق عليه عرفا أنه اتبعه (فإنهما ينفيان الفقر والذنوب) إزالته للفقر كزيادة الصدقة للمال كذا قال الطيبي وقال في المطامح: يحتمل كون ذلك لخصوصية علمها المصطفى صلى الله عليه وسلم وكونه إشارة إلى أن الغنى الأعظم هو الغنى بطاعة الله ولا عطاء أعظم من مباهاة الله بالحاج الملائكة (كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة) مثل متابعتهما في إزالة الذنوب بإزالة النار الخبث لأن الإنسان مركوز في جبلته القوة الشهوية والغضبية محتاج لرياضة تزيلها والحج جامع لأنواع الرياضات من إنفاق المال والجوع والظمأ واقتحام المهالك مفارقة الوطن

⦗ص: 226⦘

والإخوان وغير ذلك (وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة) أي لا يقتصر لصاحبها من الجزاء على تكفير بعض ذنوبه بل لا بد أن يدخل الجنة والمبرور المقبول أو الذي لا يشوبه إثم أو ما لا رياء فيه أو غير ذلك

(حم ت ن) في الحج (عن ابن مسعود) قال الترمذي: حسن صحيح غريب

ص: 225

3228 -

(تابعوا بين الحج والعمرة فإن متابعة ما بينهما تزيد في العمر والرزق وتنفي الذنوب من بني آدم كما ينفي الكير خبث الحديد) لجمعه لأنواع الرياضات كما تقرر قال ابن العربي: لكن ما مر يفيد أن المكفر من الذنوب إنما هو الصغائر لا الكبائر وإذا كانت الصلاة لا تكفرها فكيف الحج والعمرة لكن هذه الطاعات ربما أثرت في القلب فأورثت توبة تكفر كل خطيئة كما قرره ابن العربي

(قط في الأفراد طب عن ابن عمر) بن الخطاب اقتصاره على هذين يؤذن بأنه لم يخرجه أحد من الستة وإلا لما عدل عنه وهو ذهول فقد خرجه ابن ماجه باللفظ المذكور لكنه قال وينفيان الذنوب وممن رواه أيضا أحمد وأبو يعلى وغيرهما

ص: 226

3229 -

(تأكل النار) أي نار جهنم (ابن آدم إلا أثر السجود) من الأعضاء السبعة المأمور بالسجود عليها (حرم الله عز وجل على النار أن تأكل أثر السجود) إكراما للمصلين وإظهارا لفضلهم

(هـ عن أبي هريرة)

ص: 226

3230 -

(تبا للذهب والفضة) أي هلاكا لهما والتب الخسران والهلاك ينصب على المصدر أو بإضمار فعل أي ألزمهما الله الهلاك والخسران وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته كما في مسند أحمد قالوا: يا رسول الله فأي المال نتخذ قال: قلبا شاكرا ولسانا ذاكرا وزوجة صالحة

(حم عن رجل) من الصحابة (هب عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه الطبراني وغيره عن ثوبان

ص: 226

3231 -

(تبسمك في وجه أخيك) أي في الإسلام (لك صدقة) يعني إظهارك له البشاشة والبشر إذا لقيته تؤجر عليه كما تؤجر على الصدقة قال بعض العارفين: التبسم والبشر من آثار أنوار القلب {وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة} قال ابن عيينة: والبشاشة مصيدة المودة والبر شيء هين وجه طليق وكلام لين وفيه رد على العالم الذي يصعر خده للناس كأنه معرض عنهم وعلى العابد الذي يعبس وجهه ويقطب جبينه كأنه منزه عن الناس مستقذر لهم أو غضبان عليهم قال الغزالي: ولا يعلم المسكين أن الورع ليس في الجبهة حتى يقطب ولا في الوجه حتى يعفر ولا في الخد حتى يصعر ولا في الظهر حتى ينحني ولا في الذيل حتى يضم إنما الورع في القلب (وأمرك بالمعروف) أي بما عرفه الشرع وحسنه (ونهيك عن المنكر) أي ما أنكره وقبحه (صدقة) بالمعنى المقرر (وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة) بالمعنى المذكور وهكذا اقتصر عليه المؤلف وقد سقط من قلمه خصلة ثابتة في الترمذي وغيره وهي قوله

⦗ص: 227⦘

وبصرك تبصيرك فأوقع الاسم موقع المصدر (وإماطتك) تنحيتك (الحجر والشوك والعظم عن الطريق) أي المسلوك أو المتوقع السلوك فيما يظهر (لك صدقة وإفراغك) أي صبك (من دلوك) بفتح فسكون واحد الدلاء التي يسقى منها (في دلو أخيك) أي في الإسلام (لك صدقة) يشير بذلك كله إلى أن العزلة وإن كانت فضيلة محبوبة لكن لا ينبغي قطع المسلمين بالكلية فإن لهم عليك حقا فاعتزلهم لتسلم من شرهم لكن لا تصير وحشيا نافرا بل قم بحق الحق والخلق من البشاشة للمسلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند القدرة وإكرام الضيف وبذل السلام وصلة الرحم وإغاثة الملهوف وإرشاد الضال وإزالة الأذى ونحو ذلك لكن لا تكثر من عشرتهم وراقب الله وأعط كل ذي حق حقه كذا قرره البعض وقال ابن العربي: ذكر خصالا سبعة الأولى القلب الثانية والثالثة أمر بالمعروف ونهي عن المنكر وذلك صدقة على المأمور والمنهي من الآمر الناهي الرابعة إرشاد الضال في أرض الضلال وهي عظمى إذ فيه خلاص من هلاك نفس كما أن في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلاص من تلف الدين الخامسة إرشادك الرجل إلخ وذلك بقود الأعمى إلى نحو ما يريد ومثله من هدى رفاقا يعني عرف طريقا في عمارة فهو أيضا صدقة وإن كان أقل من الأول السادسة إماطة الأذى عن الطريق وهو أقل درجات الأعمال ومع ذلك فأعظم بها من صدقة فقد غفر الله لمن جر غصن شوك عن الطريق السابعة إفراغك من دلوك في دلو أخيك سيما إذا لم يكن رشاء

(خد ت حب) وكذا البزار (عن أبي ذر) أورده في الميزان في ترجمة عكرمة عن عمار العجلي من حديثه وقال: قال أبو حاتم: ثقة ربما يهم وقال أحمد: ضعيف وقال البخاري: لم يكن له كتاب فاضطرب حديثه

ص: 226

3232 -

(تبلغ الحلية) بكسر الحاء أي التحلي بأساور الذهب والفضة المكلل بالدر والياقوت (من المؤمن) يوم القيامة قال الطيبي: ضمن تبلغ معنى تتمكن وعدى بمن أي تتمكن من المؤمن الحلية مبلغا يتمكن الوضوء منه قال الحسن: الحلي في الجنة على الرجال أحسن منه على النساء (حيث يبلغ الوضوء) بفتح الواو ماؤه وقال أبو عبيد: الحلية هنا التحجيل لأنه العلامة الفارقة بين هذه الأمة وغيرها اه. وجزم به الزمخشري فقال: أراد التحجيل يوم القيامة من أثر الوضوء وقد استدل بالخبر على ندب التحجيل وزعم ابن القيم أنه لا يدل لأن الحلية إنما تكون في الساعد والمعصم لا في العضد والكتف في حيز المنع لأن كل ما في الجنة مخالف لما في الدنيا من صنعة العباد كما في خبر ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء

(م) في الطهارة (عن أبي هريرة) قال أبو حازم: كنت خلف أبي هريرة وهو يتوضأ للصلاة وكان يمد يده حتى يبلغ إبطه فقلت له: ما هذا قال: لو علمت أنكم هنا ما توضأت هذا الوضوء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يبلغ إلخ وظاهر صنيع المصنف أن ذا مما تفرد به مسلم عن صاحبه والأمر بخلافه فقد عزاه جمع منهم الصدر المناوي لهما معا

ص: 227

3233 -

(تجافوا عن عقوبة ذي المروءة) على هفوة أو زلة صدرت منه فلا تعزروه عليها ندبا وقد سبق بيان ذي المروءة

(أبو بكر بن المرزبان) بفتح الميم وسكون الراء وضم الزاي وموحدة خفيفة وآخره نون واعلم أني قد وقفت على هذا الحديث بخط الكمال بن أبي شريف عازيا للطبراني في المكارم بلفظ تجافوا عن عقوبة ذي المروءة وهو ذو الصلاح فلعل قوله وهو إلخ سقط من كلام المصنف أو ظهر له أنه مدرج (في كتاب المروءة) تأليفه (طب في) كتاب

⦗ص: 228⦘

(مكارم الأخلاق) له (عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه محمد بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عوف قال فيه البخاري منكر الحديث وقال ابن أبي شيبة متروك

ص: 227

3234 -

(تجافوا عن عقوبة ذوي المروءة) أي لا تؤاخذوه بذنب ندر منه لمروءته (إلا في حد من حدود الله تعالى) فإنه إذا بلغ الحاكم وثبت عنده وجبت إقامته

(طس عن زيد بن ثابت) قال الهيثمي: فيه محمد بن كثير بن مروان الفهري وهو ضعيف

ص: 228

3235 -

(تجاوزوا) أي سامحوا من المجاوزة مفاعلة من الجواز وهو العبور من عدوة دنيا إلى عدوة قصوى ذكره الحرالي (عن ذنب السخي) أي الكريم وفي رواية تجاوز للسخي عن ذنبه (فإن الله تعالى آخذ بيده كلما عثر) أي سقط وفيه بيان محبة الله للسخي ومعونته له في مهماته وقد جاء في محبته أحاديث كثيرة فلما سخى بالأشياء اعتمادا على ربه وتوكلا عليه شمله بعين عنايته فكلما عثر في مهلكة أنقذه منها والمعاثر المهالك التي يعثر فيها ومعنى أخذ بيده خلصه من قولهم خذ بيدي أي خلصني مما وقعت فيه

(قط في الأفراد) عن محمد بن مخلد عن إبراهيم بن حماد الأزدي عن عبد الرحيم بن حماد البصري عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود ثم قال الدارقطني: تفرد به عبد الرحيم وقد قال العقيلي: إنه حدث عن الأعمش بما ليس من حديثه اه. ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه وتعقبه المؤلف بأن عبد الرحيم لم ينفرد به كما تشير إليه رواية الطبراني وهي ما ذكر ههنا بقوله (طب) عن أحمد بن عبيد الله بن جرير بن جبلة عن أبيه عن بشر بن عبيد الله الدارسي عن محمد بن حميد العتكي عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة (عن ابن مسعود حل هب) من هذا الطريق بعينه (عن ابن مسعود) ثم قال البيهقي: عقبه هذا إسناد ضعيف مجهول اه. وقال الهيثمي: فيه جماعة لم أعرفهم وقال مرة أخرى: بشر بن عبد الله الدارسي وهو ضعيف وظاهر صنيع المصنف أن البيهقي خرجه وأقره وهو تلبيس شنيع فإنه تعقبه بما نصه: هذا إسناد مجهول ضعيف وعبد الرحيم بن حماد أي أحد رجاله منفرد به واختلف عليه في إسناده اه وقال الذهبي في الضعفاء والمتروكين: عبد الرحيم له مناكير اه ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه وتعقبه المصنف فأبرق وأرعد ولم يأت بطائل كعاداته

ص: 228

3236 -

(تجاوزوا عن ذنب السخي) أي تساهلوا وخففوا فيه (وزلة العالم) العامل بقرينة ذكر العدل فيما بعده (وسطوة السلطان العادل) في أحكامه (فإن الله تعالى آخذ بيدهم كلما عثر عاثر منهم) لما أنهم مشمولون بعنايته كما مر

(خط عن ابن عباس)

ص: 228

3237 -

(تجاوزوا لذوي المروءة) بالهمزة وتركه الإنسانية والرجولية والتخلق بخلق أمثاله (عن عثراتهم والذي نفسي بيده) أي بقدرته وإرادته وتصريفه (إن أحدهم ليعثر وإن يده لفي يد الله) تعالى يعني ينعشه من عثرته ويسامحه في

⦗ص: 229⦘

زلته

(ابن المزربان) في معجمه (عن جعفر بن محمد) بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المعروف بالصادق ففيه إمام صدق ثبت (معضلا)

ص: 228

3238 -

(تجب الصلاة) أي الصلوات الخمس (على الغلام) أي الصبي ومثله الصبية (إذا عقل والصوم) أي ويجب صوم رمضان (إذا أطاق صومه والحدود) أي وتجب إقامة الحدود عليه إذا فعل موجبها (والشهادة) أي وتجب شهادته أي قبولها إذا شهد (إذا احتلم) أي إذا بلغ سن الاحتلام أو خرج منيه وما ذكر من وجوب الصلاة والصوم بالتمييز والإطاقة لم أر من أخذ به من الأئمة

(الموهبي) بفتح الميم وسكون الواو وكسر الهاء وباء موحدة نسبة إلى موهب بطن من المغافر وهو عمارة بن الحكم بن عباد المغافري الاسكندراني كان فاضلا صالحا صاحب تآليف (في) كتاب فضل (العلم عن ابن عباس) وفيه جويبر بن سعيد الأزدي قال ابن معين: لا شيء والنسائي متروك وساق له في الميزان هذا الخبر

ص: 229

3239 -

(تجب الجمعة على كل مسلم إلا امرأة أو صبيا أو مملوكا) بين ذلك أن وجوب الجمعة يختص بالذكور فخرج به المرأة ومثلها الخنثى فلا تلزمهما والبالغين فخرج بذلك الصبي الأحرار فخرج القن وكذا المبعض ويشترط مع ذلك الإقامة فلا تلزم المسافر لكن تستحب له وللعبد والصبي

(الشافعي) في المسند (هق عن رجل) من الصحابة (من بني وائل) بفتح الواو وسكون الألف وكسر المثناة التحتية قبيلة معروفة قال الذهبي في المهذب: فيه إبراهيم بن أبي يحيى واه

ص: 229

3240 -

(تجد المؤمن مجتهدا فيما يطيق) من صنوف العبادات وضروب الخيرات (متلهفا) أي مكروبا (على ما لا يطيق) فعله من ذلك كالصدقة كفقد المال والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعدم وجود شرطه والمراد أن المؤمن هذا خلقه وهذه طبيعته وعادته

(حم في الزهد) أي في كتاب الزهد له (عن عبيد بن عمير) بتصغيرهما هو الليثي قاضي مكة قال الديلمي: تابعي ثقة (مرسلا)

ص: 229

3241 -

(تجدون الناس معادن) أي أصولا مختلفة ما بين نفيس وخسيس كما أن المعدن كذلك (فخيارهم في الجاهلية) هم (خيارهم في الإسلام) قال الرافعي رحمه الله: وجه الشبه أن اختلاف الناس في الغرائز والطبائع كاختلاف المعادن في الجواهر وأن رسوخ الاختلاف في النفوس كرسوخ عروق المعادن فيها وأن المعادن كما أن منه ما لا تتغير صفته فكذا صفة الشرف لا تتغير في ذاتها بل من كان شريفا في الجاهلية فهو بالنسبة إلى أهل الجاهلية رأس فإن أسلم استمر شرفه فكان أشرف ممن أسلم من المشروفين في الجاهلية ثم لما أطلق الحكم خصه بقوله (إذا فقهوا) بضم القاف على الأجود ذكره أبو البقاء أي صاروا فقهاء ففيه إشارة إلى أن نوع الإنسان إنما يتميز عن بقية الحيوان بالعلم وأن الشرف الإسلامي لا يتم إلا بالفقه وأنه الفضيلة العظمى والنعمة الكبرى والمراد بالخيار في هذا ونحوه من كان متصفا بمحاسن الأخلاق كالكرم والفقه والحلم وغيرها متوقيا لمساوئها كالبخل والفجور والظلم وغيرها (وتجدون خير الناس في

⦗ص: 230⦘

هذا الشأن) أي الخلافة أو الإمارة (أشدهم له كراهية) يعني خيرهم دينا وعقلا يكره الدخول فيه خوفا منه لصعوبة لزوم العدل وحمل الناس على دفع الظلم (قبل أن) وفي رواية حتى (يقع فيه) فإذا وقع فيه قام بحقه ولا يكرهه أو معناه من لم يكن راغبا فيه إذا حصل له بلا سؤال تزول كراهته لما يرى من عون الله له فيأمن على دينه أو معناه أن العادة جرت بذلك وأن من حرص على شيء ورغب في طلبه قلما يحصل له ومن أعرض عنه وقلت رغبته فيه حصل له غالبا أو المراد بالشأن الإسلام أي تجدون خير الناس أكثرهم كراهية للإسلام كعمر وعكرمة وأضرابهما ممن كان يكره الإسلام أشد كراهة فلما دخله أخلص وقال الطيبي: من خير الناس ثاني مفعول تجد والأول قوله أشدهم ولما قدم المفعول الثاني أضمر في الأول الراجع إليه كقولك على التمرة مثلها زبدا ويجوز أن يكون المفعول الأول خير الناس على مذهب من يجوز زيادة من في الإثبات (وتجدون شر الناس) وفي رواية بزيادة من يوم القيامة (عند الله ذا الوجهين) وفسره بأنه (الذي) يشبه المنافق (يأتي هؤلاء) القوم (بوجه ويأتي هؤلاء) القوم (بوجه) فيكون عند ناس بكلام وعند أعدائهم بضده {مذبذبين بين ذلك} وذلك من السعي في الأرض بالفساد أي إذا لم يكن لإصلاح ونحوه وشمل من يظهر الخير والصلاح وإذا خلا خلا بالمعاصي القباح. قال القرطبي: إنما كان شر الناس لأن حاله حالة المنافق إذ هو يتملق بالباطل وبالكذب مدخل للفساد بين الناس وقال النووي: هو الذي يأتي كل طائفة بما يرضيها فيظهر لها أنه منها ويخلف لضدها وصنيعه نفاق محض وخداع بحت وتحيل على الاطلاع على أسرار الفريقين وهي مداهنة محرمة أما بقصد الإصلاح فمحمود وقوله ذا الوجهين ليس المراد به الحقيقة بل هو مجاز عن الجهتين كالمدحة والمذمة قال تعالى {وإذا لقوا الذين آمنوا} الآية

(حم ق) في الأدب والفضائل (عن أبي هريرة) رضي الله عنه

ص: 229

3242 -

(تجري الحسنات على صاحب الحمى ما اختلج عليه قدم أو ضرب عليه عرق) يعني يكتب له بكل اختلاج أو ضرب حسنة وتكثر له الحسنات بتكثر ذلك وفيه رد على من زعم أن المرض ونحوه من المصائب إنما يحصل به التكفير لا الأجر وإنما يحصل بالصبر والرضا قال ابن حجر: والأولى حمل الإثبات والنفي على حالين فمن له ذنوب أفاد المرض تمحيصا ومن لا ذنوب له يكتب له بقدره من الأجر ولما كان الأغلب من بني آدم وجود الخطايا فيهم أطلق من أطلق أن المرض كفارة ومن أثبت الأجرية يحمل على تحصيل ثواب يعادل الذنب فإن لم يكن توفر للمريض الثواب

(طب عن أبي) بن كعب قال الهيثمي: فيه محمد بن معاذ ابن أبي كعب عن أبيه وهما مجهولان كما قال ابن معين وغيره

ص: 230

3243 -

(تجعل النوائح) من النساء جمع نائحة (يوم القيامة) في الموقف (صفين صف عن يمينهم وصف عن يسارهم) يعني أهل النار كما يدل عليه قوله (فينبحن على أهل النار كما تنبح الكلاب) جزاء بما كانوا يعملون في الدنيا وهذا وعد شديد يفيد أن النوح كبيرة. قال البلخي: من أصيب فمزق ثوبا أو ضرب صدرا أو نتف شعرا فكأنما أخذ رمحا ليقاتل به الله ومات ابن لابن المبارك فعزاه مجوسي فقال: ينبغي للعاقل أن يفعل اليوم ما يفعله الجاهل بعد أسبوع فقال ابن المبارك: اكتبوا هذه

(ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي هريرة) ورواه الطبراني في الأوسط قال الهيثمي: وفيه سليمان بن داود اليماني ضعيف

ص: 230

⦗ص: 231⦘

3244 - (تجوزوا) أي خففوا (في الصلاة) أي صلاة الجماعة والخطاب للأئمة بقرينة قوله (فإن خلفكم الضعيف والكبير وذا الحاجة) والإطالة تشق عليهم فإن صلى الإنسان لنفسه فليطول ما شاء وكذا إمام محصورين راضين

(طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: رجاله ثقات اه. وقال الديلمي: حديث صحيح أورده الأئمة الكبار

ص: 231

3245 -

(تجيء ريح) أي طيبة كما في رواية (بين يدي الساعة) أي قدامها قريبا منها (فيقبض فيها روح كل مؤمن) حتى لا يقال في الأرض الله الله

(طب ك عن عياش) بفتح المهملة وشد التحتية وآخره معجمة (ابن أبي ربيعة) المغيرة بن عبد الله بن مخزوم القرشي المخزومي واسم أبيه عمرو ويلقب ذا الرمحين أسلم قديما وهاجر الهجرتين

ص: 231

3246 -

(تحرم الصلاة) التي لا سبب لها متقدم ولا مقارن (إذا انتصف النهار) أي عند الاستواء كل يوم (إلا يوم الجمعة) فإنها لا تحرم فيه ولو لمن لم يحضرها وهذا الحديث وإن كان فيه مقال لكنه اعتضد بخبر يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف أو صلى في هذا المسجد أية ساعة شاء من ليل أو نهار

(هق عن أبي هريرة) ظاهر كلام المصنف أن البيهقي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل قال إسناده ضعيف وتبعه الذهبي قالا: وفي الباب عمر وابنه وأبو سعيد

ص: 231

3247 -

(تحروا) بفتح أوله اطلبوا باجتهاد وهو بمعنى قوله في الحديث السابق التمسوا فكل منهما بمعنى الطلب والقصد لكن التحري أبلغ لاقتضائه الطلب بجد واجتهاد (ليلة القدر) بسكون الدال قال التوربشتي: إنما سكنت وإن كان الشائع في القدر الذي هو قرين القضاء فتحها إيذانا بأنه لم يرد به ذلك فإن القضاء سبق الزمان وإنما أريد به تفصيل ما جرى به القضاء وتبيينه وتحديده في المدة التي بعدها إلى مثلها من قابل ليحصل ما يلقى إليهم فيها مقدارا بمقدار (في الوتر من ليالي العشر الأواخر من رمضان) أي تعمدوا طلبها فيها والتحري القصد والاجتهاد في الطلب والعزم على تخصيص الشيء بالقول والفعل

(حم ق) في الصوم (ت عن عائشة) وفي الباب ابن عمر وابن عمرو وغيرهما

ص: 231

3248 -

(تحروا ليلة القدر في السبع الأواخر) قال التوربشتي: يحتمل أن يراد بها السبع التي تلي آخر الشهر وأن يراد السبع بعد العشرين وحمله على هذا مثل لتناوله إحدى وعشرين وثلاثا وعشرين وهذا لا ينافي حديث فالتمسوها في العشر الأواخر لأنه لم يحدث بميقاتها مجزوما قال ابن رجب: انتهاء بيان المصطفى صلى الله عليه وسلم لليلة القدر إلى أنها في السبع الآخر وهذا مما يستدل به من رجح ليلة ثلاث وعشرين على أحد وعشرين فإنها ليست من السبع الأواخر وأول السبع الأواخر ليلة ثلاث وعشرين على حساب نقص الشهر دون تمامه لأنه المتيقن وقيل يحسب تماما واختاره ابن عبد البر ويجري ذلك في رواية العشر الأواخر وقيل لا قطعا لأن المعبر عنها بالعشر الأواخر وقيامها هو العشر الأواخر

(مالك) في الموطأ (م د عن ابن عمر) بن الخطاب

ص: 231

3249 -

(تحروا ليلة القدر فمن كان متحريها) أي مجتهدا في طلبها منكم لينال فضلها (فليتحرها ليلة سبع وعشرين) أي فإن كونها ليلتها أقرب من كونها غيرها وبهذا أخذ أكثر أهل الصوفية قالوا: لا سيما إن وافقت ليلة جمعة

(حم عن ابن

⦗ص: 232⦘

عمر) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح

ص: 231

3250 -

(تحروا ليلة القدر ليلة ثلاث وعشرين) من رمضان حاول جمع الجمع بينه وبين ما قبله بأنها تنتقل لكن مذهب الشافعي لزومها ليلة معينة وأجمع من يعتد به على وجودها وبقائها ما بقيت الدنيا

(طب عن عبد الله بن أنيس) مصغر أنس الأنصاري قال الهيثمي: سنده جيد

ص: 232

3251 -

(تحروا الدعاء عند فيء الأفياء) أي عند الزوال كذا في نسخ الكتاب والذي وقفت عليه في نسخ الحلية تحروا الدعاء في الفيافي وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بكماله والأمر بخلافه بل تمامه عند أبي نعيم وثلاثة لا يرد دعاؤهم عند النداء للصلاة وعند الصف في سبيل الله وعند نزول القطر

(حل عن سهيل بن سعد) الساعدي

ص: 232

3252 -

(تحروا الصدق) أي قوله والعمل به (وإن رأيتم أن فيه الهلكة) في ظاهر الأمر (فإن فيه النجاة) في باطن الأمر باعتبار العاقبة والكذب بخلاف ذلك ومن ثم قال الحكماء: الصدق ينجيك وإن خفته والكذب يرديك وإن أمنته وقال الجاحظ: الصدق والوفاء توأمان والصبر والحلم توأمان فهن تمام كل دين وصلاح كل دنيا وأضدادهن سبب كل فرقة وأصل كل فساد قال الماوردي: وقد يظن بعض الناس أن في الكذب اجتلاب النفع واستدفاء الضر فيرى أن الكذب أسلم وأغنم فرخص لنفسه فيه اغترارا بالخدع واستشفاقا للطمع وربما كان الكذب أبعد لما يؤمن وأقرب لما يخاف لأن القبيح لا يكون حسنا والشر لا يكون خيرا وهل يجنى من الشوك العنب ومن الكرم الحنظل

(ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في الصمت) أي في كتاب فضل الصمت (عن منصور بن المعتمر) بن عبد الله السلمي أبو غياث بمثلثة ثقيلة ثم موحدة ثقة ثبت من طبقة الأعمش (مرسلا) قال المنذري: رواه هكذا معضلا ورواته ثقات انتهى ومنصور كان من أئمة الكوفة قال: ما كتبت حديثا قط ومناقبه جمة

ص: 232

3253 -

(تحروا الصدق وإن رأيتم فيه الهلكة) ظاهرا (فإن فيه النجاة) باطنا وآخرا (واجتنبوا الكذب وإن رأيتم فيه النجاة فإن فيه الهلكة) ولهذا قال بعض الحكماء: ليكن مرجعك إلى الحق ومفزعك إلى الصدق فالحق أقوى معين والصدق أفضل قرين ومحل هذا وما قبله ما إذا لم يترتب على الصدق وقوع محذور أو على الكذب مصلحة ظاهرة محققة وإلا ساغ الكذب بل قد يجب

(هناد عن مجمع) بضم أوله وفتح الجيم وشد الميم مكسورة (بن يحيى) بن يزيد (مرسلا) هو الأنصاري الكوفي قال الذهبي: ثقة وفي التقريب صدوق

ص: 232

3254 -

(تحريك الأصابع) وفي رواية الأصبع (في الصلاة) يعني في التشهد (مذعرة) أي مخوفة والذعر الخوف (للشيطان) أي أنه يفرق منه فيتباعد عن المصلي لذلك فعلى هذا فتحريك المصلي أصبعه فيه سنة وإليه ذهب جمع شافعية فسنوا تحريك السبابة لكن المصحح عندهم أنه لا يحركها بل يقتصر على رفعها عند قوله إلا الله

(هق هـ) وكذا الديلمي عن

⦗ص: 233⦘

(ابن عمر) بن الخطاب ثم قال: أعني البيهقي تفرد به الواقدي وليس بالقوي وقال الذهبي في المهذب: بل مجمع على تركه وقال في موضع آخر: هالك وفي الميزان عن ابن المديني يضع الحديث ثم أورد له أخبارا هذا منها

ص: 232

3255 -

(تحفة الصائم) بضم التاء وسكون الحاء وقد تفتح أصله وحفة أبدلت الواو تاء (الدهن والمجمر) يعني طرفته التي تذهب عنه مشقة الصوم وشدته وأصل التحفة طرفة الفاكهة ثم استعمل في غير الفاكهة من الألطاف ذكره ابن الأثير

(ت هب) من حديث سعد بن طريف عن عمير بن مأمون (عن الحسن بن علي) أمير المؤمنين قال الديلمي: وسعد وعمير ضعيفان وقال ابن الجوزي: لا يعرف إلا من حديث سعد وقد قال يحيى: لا تحل الرواية عنه وقال ابن حبان: يضع الحديث انتهى وقال الذهبي: تركه واتهمه ابن حبان

ص: 233

3256 -

(تحفة الصائم الزائر) أخاه المسلم حال صومه (أن تغلف (1) لحيته ويذرر (2) وتجمر ثيابه (3) وتحفة المرأة الصائمة الزائرة) لنحو أهلها أو بعلها أو أخوتها (أن تمشط) ببنائه للمفعول وكذا ما بعده (رأسها وتجمر ثيابها وتذرر) أي أن ذلك يذهب عنها مشقة الصوم وهل المراد أن ذلك يفعل بدل الضيافة أو أنه يضاف إلى الضيافة عند الغروب؟ فيه احتمالان

(هب) من رواية سعد بن طريف المذكور عن عمير المزبور (عنه) أي الحسن ثم قال أعني البيهقي عقبه وسعد غيره أوثق منه

(1)" تغلف لحيته ": تلطخها بكثرة وذلك بالطيب. دار الحديث

(2)

" يذرر ": يطيب بنوع طيب أو يكحل بنوع كحل ففي حديث عائشة " طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه بذريرة " وهو نوع من الطيب. وفي حديث آخر " تكتحل المحد بالذرور " وهو ما يذر في العين من الدواء اليابس. من " النهاية " لابن الأثير بتصرف يسير. وفي لسان العرب " ذر الشيء يذره ": أخذه بأطراف أصابعه ثم نثره على الشيء. دار الحديث

(3)

" تجمر ثيابه ": تطيب بالبخور. دار الحديث

ص: 233

3257 -

(تحفة المؤمن) زاد الديلمي في روايته في الدنيا والتحفة ما يتحف به المؤمن من العطية مبالغة في بره وألطافه (الموت) لأن الدنيا محنته وسجنه وبلاؤه إذ لا يزال فيه في عناء من مقاساة نفسه ورياضة شهواته ومدافعة شيطانه والموت إطلاق له من هذا العذاب وسبب لحياته الأبدية وسعادته السرمدية ونيله للدرجات العلية فهو تحفة في حقه وهو وإن كان فناءا واضمحلالا ظاهرا لكنه بالحقيقة ولادة ثانية ونقله من دار الفناء إلى دار البقاء (1) ولو لم يكن الموت لم تكن الجنة ولهذا من الله علينا بالموت فقال: {خلق الموت والحياة} قدم الموت على الحياة تنبيها منه على أنه يتوصل منه إلى الحياة الحقيقية وعده علينا من الآلآء في قوله {كل من عليها فان} ونبه بقوله {ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون} على أن هذه التغيرات لخلق أحسن فنقض هذه البينة لإعادتها على وجه أشرف قال أبو داود: ما من مؤمن إلا والموت خير له فمن لم يصدق فإن الله يقول: {وما عند الله خير للأبرار} وقال حبان بن الأسود: والموت جسر يوصل الحبيب إلى الحبيب والمؤمن كريم على ربه فإذا قدم عليه أتحفه ولقاه روحا وريحانا وأمر له في قبره بكسوة ورياحين وبرد مضجعه وآنسه بملائكة كرام إلى أن يلقاه وقال الإمام الرازي: الموت سبب لخلاص الروح عن رحمة البدن والاتصال بحضرة الله ورحمته فكيف يعد من المكاره؟ ومن ثم تمناه كثير وتمنى آخرون طول البقاء لإقامة الدين وإكثار العمل الصالح الرافع للدرجات المذهب للخطيئات وفرقة ثالثة لم تختر شيئا بل اختارت ما اختار الحق لها ومنهم الصديق قيل له في مرضه ألا ندعو لك طبيبا قال: قد رآني قال: فما قال؟ قال: قال أنا الفعال لما أريد. <تنبيه> قال العارف ابن عربي: العارف أخرس منقطع منقمع خائف متبرم

⦗ص: 234⦘

بالبقاء في هذا الهيكل وإن كان منورا لما عرفه الشارع أن الموت لقاء الله وأنه تحفة له فنغصت عليه الحياة الدنيا شوقا إلى ذلك اللقاء فهو صاف العيش رطيب الحياة في نفس الأمر لا في نفسه قد ذهب عنه كل مخوف وهابه كل ناظر إذا رؤي ذكر الله وأنس بالله بلا فصل ولا وصل. (تتمة) ذهب بعض الصوفية إلى أن المراد بالموت في هذا الخبر ونحوه فناء اختيار العبد في مراد الله قال فلا يعارض ذلك الأحاديث المصرحة بأن حياة المؤمن أحسن من موته ومما جمع به أيضا أن الموت في حق من لم يصبر على الزمان وسخط الأقدار والحياة في الصابر على الأقدار المسلم لها

(طب حل ك) في الرقاق (هب عن ابن عمرو) بن العاص قال أبو نعيم: غريب من حديثه لم يروه عنه غير أبي عبد الرحمن الجيلي قال المنذري: بعد عزوه للطبراني إسناده جيد ورواه عنه القضاعي في الشهاب وقال شارحه حسن غريب وقال الحاكم: صحيح ورواه الذهبي بأن فيه عبد الرحمن بن زياد الأفريقي ضعيف اه. لكن قال الهيثمي: رجال الطبراني ثقات وأفاد الحافظ العراقي أنه ورد من طريق جيد فقال: رواه محمد بن خفيف الشيرازي في شرف الفقراء والديلمي في مسند الفردوس من حديث معاذ بسند لا بأس به ورواه الديلمي من حديث ابن عمر بسند ضعيف جدا اه. وبه يعرف أن المصنف قصر حيث اقتصر على عزوه للطرق التي لا تخلو عن مقال وإهمال الطريق السالمة عن الإشكال

(1) ولله در من قال:

قد قلت إذ مدحوا الحياة فأسرفوا. . . في الموت ألف فضيلة لا تعرف

منها أمان عقابه بلقائه. . . وفراق كل معاشر لا ينصف

ص: 233

3258 -

(تحفة المؤمن في الدنيا الفقر) لأنه سبحانه لم يفعله إلا لعلمه بأنه لا يصلحه إلا هو وأن الغنى يطغيه وقد يختار للعبد ما لا مصلحة له فيه فيرده مولاه إلى ما يعلمه أنه الأصلح الأنفع له قال كعب الأحبار: قال الله تعالى: يا موسى إذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين

(فر عن معاذ) بن جبل وفيه يعقوب بن الوليد المدني قال الذهبي في الضعفاء: كذبه أحمد والناس وقال السخاوي: حرف اسمه على بعض رواته فسماه إبراهيم وللحديث طرق كلها واهية

ص: 234

3259 -

(تحفة الملائكة تجمير المساجد) أي تبخيرها بنحو عود والتجمير التبخير كما تقرر يقال جمرت المرأة ثوبها إذا بخرته فإنهم يأوون إليها ويعكفون عليها وليس لهم حظ فيما في أيدينا إلا في الريح الطيبة والتحفة وزان رطبة ما أتحفت به غيرك وحكى الصاغاني سكون الحاء قال الأزهري: والتاء أصلها واو

(أبو الشيخ [ابن حبان] [ابن حبان] ) في الثواب (عن سمرة) ابن جندب ورواه عنه الديلمي عنه أيضا وفيه ضعف

ص: 234

3260 -

(تحفظوا من الأرض فإنها أمكم) التي خلقتم منها (وإنه ليس من أحد) من الآدميين (عاملا عليها خيرا أو شرا إلا وهي مخبرة به) يحتمل بناء مخبرة للفاعل أي أنها تخبر به الملائكة أي ملائكة العذاب أو ملائكة الرحمة عند نزول الميت القبر أو أنها تشهد عليه بما عمله يوم القيامة ويحتمل على بعد بناؤه للمفعول وأن المراد أن الملائكة تخبرها به لتخفف أو تضيق عليه في الضم إذا أقبر فيها

(طب عن ربيعة) بن عمرو ويقال ابن الحارث الدمشقي (الجرشي) بضم الجيم وفتح الراء بعدها معجمة قال الذهبي: مختلف في صحبته قتل يوم مرج واهط وكان فقيها وثقه الدارقطني وغيره

ص: 234

3261 -

(تحول إلى الظل) يا من هو جالس في الشمس (فإنه) أي الظل والتحول إليه (مبارك) كثير البركة والخير والنفع لمن تجنب الجلوس في الشمس الذي يحرك الداء الدفين

(ك) في التوبة (عن أبي حازم) والد قيس اسمه حصين أو عوف

⦗ص: 235⦘

أو عبد عوف قال: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا قاعد في الشمس فذكره

ص: 234

3262 -

(تحولوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة) بالنوم عن صلاة الصبح قاله في قصة التعريس بالوادي فأمرهم بالتحول وقال: إنه مكان حضر فيه الشيطان فلما تحولوا أمر بلالا فأذن وأقام وصلى بهم الصبح واستفدنا ندب التحول لمن نام عن نحو ورده من مكانه

(د هق عن أبي هريرة) وأصله في مسلم بدون ذكر الأذان والإقامة

ص: 235

3263 -

(تختموا بالعقيق فإنه مبارك) أي كثير الخير والمراد المعدن المعروف قال الزركشي: وروى تخيموا بمثناة تحتية أي اسكنوا العقيق وأقيموا به وقال حمزة الأصبهاني في التنبيه على التصحيف: الرواة يروونه تختموا بالعقيق وإنما هو تخيموا وهو اسم واد بظاهر المدينة قال ابن الجوزي: بعيد وقائله أحق بأن ينسب إليه التصحيف اه. قال الحافظ ابن حجر في زهر الفردوس: لكن قول الأصبهاني لعله يعضده ما خرجه البخاري بلفظ أتاني جبريل فقال: صل في هذا الوادي المبارك يعني العقيق وقل عمرة في حجة اه. وفي الفتح روى أحمد عن عائشة تخيموا بالعقيق فإنه واد مبارك وقوله تخيموا بخاء معجمة وتحتية أمر بالتخيم والمراد به النزول هنالك اه. وقال في حديث له شأن من تختم بالعقيق (1) وفق لكل خير وأحبه الملكان ومن خواصه تسكين الروع عند الخصام ويقطع نزف الدم

(عق) من حديث محمد ابن زكريا البلخي عن الفضل بن الحسن الجحدري عن يعقوب بن الوليد المدني عن هشام عن أبيه عن عائشة ثم قال أعني العقيلي: ولا يثبت في هذا شيء وقال ابن الجوزي وتبعه المؤلف: يعقوب كذاب يضع (وابن لال في مكارم الأخلاق ك في تاريخه هب خط وابن عساكر) في التاريخ خرجه هو والخطيب من طريق أبي سعيد شعيب بن محمد الشعيبي عن محمد بن وصيف الغامي عن محمد بن سهل بن الفضل عن خلاد بن يحيى عن هشام عن عروة عن عائشة (فر) كلهم (عن عائشة) رضي الله عنها قال الزركشي: رواه الديلمي عن عائشة رضي الله عنها وأنس وعمر وعلي وغيرهم بأسانيد متعددة وفي اليواقيت للمطرزي عن إبراهيم الحربي أنه صحيح اه. وخالفه المصنف فقال في الدرر سنده ضعيف وذلك لأن فيه أحمد بن عمير وغيره من الضعفاء وحكم ابن الجوزي بوضعه قال المؤلف في مختصر الموضوعات وأمثل ما ورد في هذا الباب حديث البخاري في تاريخه من تختم بالعقيق لم يقض له إلا بالتي هي أحسن اه. فهذا أصل أصيل فيه

(1) في القاموس العقيق كأمير خرز أحمر يكون باليمن وسواحل بحر رومية منه جنس كدر كماء يجري من اللحم المملح وفيه خطوط بيض خفية من تختم به سكنت روعته عند الخصام وانقطع عنه الدم من أي موضع كان ونحاتة جميع أصنافه تذهب صفر الأسنان ومحروقه يثبت متحركها

ص: 235

3264 -

(تختموا بالعقيق فإنه ينفي الفقر) قيل أراد به اتخاذ خاتم فصه من عقيق وقال ابن الأثير: يريد أنه إذا ذهب ماله باع خاتمه فوجد به غنى اه. وأقول يرده زيادته في رواية الديلمي عقب ينفي الفقر واليمين أحق بالزينة وقوله في رواية أخرى تختموا بالخواتم العقيق فإنه لا يصيب أحدكم غم ما دام عليه اه. فدل السياق على أن المراد حقيقة التختم وهو جعله في الأصبع ولذا قال بعضهم: الأشبه إن صح الحديث أن تكون لخاصية فيه كما أن النار لا توثر فيه ولا تغيره وأن من تختم به أمن من الطاعون وتيسرت له أمور المعاش ويقوى قلبه ويهابه الناس ويسهل عليه قضاء الحوائج

<فائدة> روى الطبراني عن عائشة قالت: أتى بعض بني جعفر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أرسل معي

⦗ص: 236⦘

من يشتري لي نعلا وخاتما فدعى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلالا فقال: انطلق فاشتر له نعلا واستجدها ولا تكن سوداء واشتر له خاتما وليكن فصه عقيق

(عد) من حديث عيسى بن محمد البغدادي عن الحسين بن إبراهيم البابي عن حميد الطويل (عن أنس) بن مالك ثم قال ابن عدي: حديث باطل والحسين مجهول وفي الميزان حسين لا يدرى من هو فلعله من وضعه ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه وأقره عليه المؤلف في مختصر الموضوعات قال: وقد أخرجه ابن عساكر عن أنس أيضا بلفظ تختموا بالعقيق فإنه أنجح للأمر واليمين أحق بالزينة اه. قال في اللسان: وهو موضوع بلا ريب ولكن لا أدري من وضعه اه. وبما تقرر يعرف أن اقتصار المؤلف على عزو الحديث لمخرجه ابن عدي وحذفه ما عقبه به من بيان كونه باطلا من سوء التصرف وتلبيس فاحش ولا قوة إلا بالله وقال ابن رجب رحمه الله: وكل أحاديث التختم بالعقيق لا يثبت منها شيء وقال العقيلي: لا يصح في التختم به شيء وجزم في الميزان بأنه موضوع وروى ابن زنجويه بسند ضعيف عن علي كرم الله وجهه مرفوعا من تختم بالياقوت الأصفر منع من الطاعون

ص: 235

3265 -

(تخرج الدابة) من الأرض تكلم الناس وهي ذات زغب وريش (ومعها خاتم سليمان) نبي الله بن داود (وعصى موسى) الكليم (فتجلو وجه المؤمن بالعصا) بإلهام من الله تعالى فيصير بين عينيه نكتة يبيض بها وجهه (وتخطم) أي تسم من خطم البعير كواه خطاما من أنفه إلى أحد خديه (أنف الكافر بالخاتم) فيسود وجهه (حتى إن أهل الخوان ليجتمعون فيقول هذا لهذا يا مؤمن ويقول هذا لهذا يا كافر) قال الزمخشري: تخطم تؤثر على أنفه من خطمت البعير إذا وسمته بالكي بخطم من الأنف إلى أحد خديه وتسمى تلك السمة الخطام

(حم ت هـ ك عن أبي هريرة)

ص: 236

3266 -

(تخرج الدابة) من الأرض (فتسم) بسين مهملة (الناس) يعني الكفار منهم أي تؤثر في وجهه أثرا كالكي والوسم بالمهملة الأثر في الوجه وبالمعجمة في البدن (على خراطيمهم) جمع خرطوم وهو الأنف (ثم يعمرون فيكم حتى يشتري الرجل الدابة) مثلا (فيقال ممن اشتريت فيقول من الرجل المخطم) وفي رواية من أحد المخطمين

(حم عن أبي أمامة) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير عمرو بن عبد الرحمن بن عطية وهو ثقة

ص: 236

3267 -

(تخللوا) أي استعملوا الخلال لاستخراج ما بين الأسنان من نحو طعام (فإنه نظافة) للفم والأسنان (والنظافة تدعو إلى الإيمان والإيمان مع صاحبه في الجنة) وفي رواية بدل فإنه إلخ فإنه مصحة للناب والنواجذ والتخلل إخراج الخلة بالكسر وهي ما يبقى بين الأسنان من أثر الطعام والخلال بالكسر العود يتخلل به والخلالة بالضم ما يقع منها يقال فلان يأكل خلالته أي ما يخرجه من بين أسنانه إذا تخلل وهو مثل كما في الصحاح

(طس عن ابن مسعود) سكت عليه فأوهم أنه لا علة فيه وليس كذلك قال الهيثمي: فيه إبراهيم بن حبان قال ابن عدي: أحاديثه موضوعة وقال المنذري: رواه في الأوسط هكذا مرفوعا ووقفه في الكبير على ابن مسعود بإسناد حسن وهو الأشبه

ص: 236

⦗ص: 237⦘

3268 - (تخيروا لنطفكم) أي لا تضعوا نطفكم إلا في أصل طاهر أي تكلفوا طلب ما هو خير المناكح وأزكاها وأبعدها عن الخبث والفجور ذكره الزمخشري قال: والاختيار أخذ ما هو خبر يتعدى إلى أحد مفعوليه بواسطة من ثم يحذف ويوصل الفعل نحو {واختار موسى قومه} وأصل النطفة الماء القليل والمراد هنا نطفة المني سمي نطفة لأن أصل النطف القطر (فانكحوا الأكفاء) جمع كفء (وأنكحوا إليهم)(1) فيه دليل ظاهر على اشتراط الكفاءة ورد على من لم يعتبرها

(هـ ك) في النكاح من حديث الحارث بن عمران الجعفري عن عكرمة بن إبراهيم عن هشام عن عائشة وصححه الحاكم ورده الذهبي في التلخيص بأن الحارث متهم وعكرمة ضعفوه (هق) عن سعيد الأشج عن الحارث بن عمران عن هشام عن أبيه (عن عائشة) قال في المهذب: قلت الحارث وصاحباه ضعفاء وقال ابن حبان: الحارث كان يضع الحديث اه. وقال ابن حجر في التخريج مداره على أناس ضعفاء أمثلهم صالح بن موسى الطلحي والحارث الجعفري وقال في الفتح: رواه ابن ماجه والحاكم وصححه أبو نعيم من حديث عمر أيضا وفي إسناده مقال ويقوي أحد الإسنادين في الآخر

(1) يحتمل أن المراد تزوجوا الخيرات وانضموا إليهن فالهمزة همزة وصل وإلا اتبعت ولا يصح مخالفتها في الفعلين وأطلق ضمير المذكر على المؤنث هذا والذي يظهر أن الهمزة في الثاني مقطوعة أي فأنكحوا مولاتكن الأكفاء ففيه حذف المفعول للأول للعلم به وزيادة إلى في الثاني على رأي الفراء وإبقاء ضمير المذكرين على أصله فتأمل والتأسيس خير من التأكيد لأن نكح يتعدى للثاني بالهمز كما في المصباح وهذا إذا لم تعلم الرواية

ص: 237

3269 -

(تخيروا لنطفكم) أي لا تضعوا نطفكم إلا في أصل طاهر (فإن النساء يلدن أشباه إخوانهن وأخواتهن) أي غالبا <تنبيه> قال الحكماء: ينبغي للرجل أن يقصد بالتزوج حفظ النسل والتحصين ونظام المنزل وحفظ المال لا مجرد نحو شهوة والمطلوب في الزوجة العقل والعفة والحياء فهذه أصول الصفات المطلوبة إذ الفطانة ومعرفة مصالح المنزل من فروع العقل ورقة القلب وطيب الكلام وطاعة الزوج وخدمته من فروع العفة والستر والبر وإخفاء الفوت وعدم الميل للزوج لنحو تهنئة وتعزية أو حمام من فروع الحياء وبعد الدخول ينبغي أن يراعى إيقاع الهيبة في نفسها بإظهار الفضائل وستر العيوب والانبساط فإن اطلاعها عليها يوجب الاستخفاف وكثرة الانبساط توجب الجرأة والتهاون في الطاعة

(عد وابن عساكر) في التاريخ (عن عائشة) رضي الله عنها قال ابن الجوزي: حديث لا يصح فيه عيسى بن ميمون قال ابن حبان: منكر الحديث لا يحتج بروايته وقال الخطيب رحمه الله: حديث غريب وكل طرقه واهية اه وقال السخاوي: أنجب وهو ضعيف وروى ابن عدي عن ابن عمرو مرفوعا تخيروا لنطفكم وعليكم بذوات الإدراك فإنهن أنجب وهو ضعيف

ص: 237

3270 -

(تخيروا لنطفكم) فإن الولد ينزع إلى أصل أمه وطباعها قيل: ويدخل فيه اختيار المرضعة في أصلها وأهلها وخلقها (واجتنبوا هذا السواد) أي اللون الأسود كالزنج (فإنهن لون مشوه)(1) أي قبيح وهو من الأضداد يقال للمرأة الحسناء الرائعة شوهاء

(حل) عن أحمد بن إسحاق عن أحمد بن عمرو بن الضحاك عن عبد العظيم بن إبراهيم السلمي عن عبد الكريم بن يحيى عن ابن عيينة عن زياد بن سعد عن الزهري عن (أنس) بن مالك رضي الله عنه ثم قال مخرجه أبو نعيم من حديث زياد الزهري لم يكتبه إلا من هذا الوجه اه وقال ابن الجوزي في العلل: فيه مجاهيل ونقل ابن أبي حاتم في علله عن أبيه تضعيف الحديث من جميع طرقه

(1)[وفي ثبوت الحديث نظر لمخالفته الأصول. وورد في الحديث 4185: دخلت الجنة فإذا جارية أدماء لعساء. فقلت: ما هذه يا جبريل؟ فقال: إن الله تعالى عرف شهوة جعفر بن أبي طالب للأدم اللعس فخلق له هذه. وفي شرحه: " أدماء ": شديدة السمرة. و " لعساء ": في لونها أدنى سواد ومشربة بالحمرة. فلو كان السواد تشويه لما حصل مكافأة لجعفر رضي الله عنه في الجنة والله أعلم. دار الحديث]

ص: 237

⦗ص: 238⦘

3271 - (تداووا عباد الله) وصفهم بالعبودية إيذانا بأن التداوي لا يخرجهم عن التوكل الذي هو من شرطها يعني تداووا ولا تعتمدوا في الشفاء على التداوي بل كونوا عباد الله متوكلين عليه (فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء) وهو سبحانه لو شاء لم يخلق دواء وإذا خلقه لو شاء لم يأذن في استعماله لكنه أذن ومن تداوى فعليه أن يعتقد حقا ويؤمن يقينا بأن الدواء لا يحدث شفاء ولا يولده كما أن الداء لا يحدث سقما ولا يولده لكن الباري تعالى يخلق الموجودات واحدا عقب آخر على ترتيب هو أعلم بحكمته (غير داء واحد الهرم) أي الكبر جعل داء تشبيها به لأن الموت يعقبه كالداء ذكره البيضاوي كابن العربي رحمه الله وجعله أولى من القول بأنه استثناء منقطع وقال العكبري: لا يجوز في غير هنا إلا النصب على الاستثناء من دواء أما الهرم فيجوز رفعه بتقدير هو والجر على البدل من المجرور بغير والنصب على إضمار أعني قال ابن القيم: وقد تداوى وأمر بالتداوي لكن لم يكن هو وأصحابه يستعملون الأدوية المركبة بل المفردة وربما أضافوا إلى المفرد ما يعاونه أو يكسر سورته وهذا غالب طب الأمم على اختلاف أجناسها وإنما عنى بالمركبات الروم واليونان وجاء في بعض الروايات الإشارة إلى أن الشفاء متوقف على الإصابة بإذن الله وذلك أن الدواء قد يحصل معه مجاوزة الحد في الكيفية أو الكمية فلا ينجع بل قد يحدث داء آخر. <تنبيه> نقل أبو يعلى الحنبلي عن الإمام أحمد أنه يجوز الرجوع إلى قول طبيب ومن ثم خصه بما إذا لم يتعلق بالدين كإشارته بالفطر في رمضان أو الصلاة قاعدا لاتهامه فيه

(حم 4) كلهم (في الطب حب ك) في الطب من حديث زياد بن علاقة (عن أسامة بن شريك) الثعلبي بمثلثة ومهملة قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عنده كأن على رؤوسهم الطير فسئل فذكره قال الترمذي: حسن صحيح وقال الحاكم صحيح وأسامة ما روى عنه غير زياد

ص: 238

3272 -

(تداووا من ذات الجنب) وهي ورم حار يعرض في الغشاء المستبطن للأضلاع والمراد هنا ورم يعرض في نواحي الجنب عن ريح غليظ مؤذ (بالقسط البحري) وهو العود الهندي (والزيت) المسخن بأن يدق ناعما ويخلط ويدلك به محله أو يلعق فإن جمعها كان أولى فإنه نافع له محلل لمادته مقو للأعضاء الباطنة مفتح للسدد وغير ذلك. <تنبيه> قال الحرالي: على المريض والطبيب أن يعلما أن الله أنزل الداء والدواء وأن المرض ليس بالتخليط وإن كان معه وأن الشفاء ليس بالدواء وإن كان عنده وإنما المرض بتأديب الله والبرء برحمته حتى لا يكون كافرا بالله مؤمنا بالدواء كالمنجم إذا قال مطرنا بنوء كذا ومن شهد الحكمة في الأشياء ولم يشهد مجريها صار بما علم منها أجهل من جاهلها

(حم ك) في الطب (عن زيد بن أرقم) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي

ص: 238

3273 -

(تداووا بألبان البقر المعروفة فإني أرجو أن يجعل الله فيها شفاء فإنها تأكل من كل الشجر) أفاد كالذي قبله أن التداوي لا ينافي التوكل وفي الإسرائيليات أن موسى عليه السلام اعتل فعرف بعض بني إسرائيل علته فقالوا: تداوى بكذا تبرأ فقال: لا حتى يعافيني بلا دواء فطالت علته فأوحى الله إليه أردت أن تبطل حكمتي في خلقي بتوكلك علي لا أبرأتك حتى تتداوى بما ذكروه لك من أودع العقاقير المنافع غيري؟

(طب عن ابن مسعود) قال السخاوي: لهذا الحديث طرق بألفاظ مختلفة وفي الباب أبو هريرة وأسامة وجابر وغيرهم

ص: 238

⦗ص: 239⦘

3274 - (تداركوا الهموم) جمع هم بالفتح وهو الحزن (والغموم) جمع غم وأصله التغطية ومنه قيل للحزن الشديد غم لأنه يغطي السرور (بالصدقات) فإنكم إن داويتموها بذلك (يكشف الله تعالى ضركم وينصركم على عدوكم) ظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل تمامه عند مخرجه الديلمي ويثبت عند الشدائد أقدامكم اه بلفظه وهذا من الطب الروحاني

(فر) من حديث مكحول (عن أبي هريرة) وفيه ميسر بن عبد ربه قال الذهبي في الضعفاء: كذاب مشهور اه

ص: 239

3275 -

(تدرون ما يقول الأسد في زئيره) أي في صياحه قالوا: لا قال: (يقول اللهم لا تسلطني على أحد من أهل المعروف) قال في الفردوس: المعروف الخير يقال زأر يزأر زأرا اه. ثم إن ذلك القول يحتمل الحقيقة بأن يطلب ذلك من الله بهذا الصوت ويحتمل أن ذلك عبارة عن كونه قد ركز في طباعه محبة أهل المعروف وعدم أذيتهم

(طب في مكارم الأخلاق عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا أبو نعيم والديلمي

ص: 239

3276 -

(تذهب الأرض كلها يوم القيامة إلا المساجد فإنها ينضم بعضها إلى بعض) يحتمل أنه يريد وتصير بقعة في الجنة أو أنها تأتي شاهدة أو شافعة لزوارها وعمارها ثم تذهب

(طس عد) عن وصيف بن عبد الله الأنطاكي عن الحسن بن محبوب عن أصرم بن حوشب عن قرة بن خالد عن الضحاك (عن ابن عباس) قال الهيثمي وغيره: فيه أصرم بن حوشب كذاب وفي الميزان أن أصرم كذاب هالك وقال يحيى كذاب خبيث والدارقطني منكر الحديث ثم ساق له مما أنكر عليه هذا الخبر وأورده ابن الجوزي في الموضوعات من حديث عدي هذا وأقره عليه المؤلف فلم يتعقبه بشيء

ص: 239

3277 -

(تذهبون الخير فالخير) بالتشديد والنصب أي الأفضل فالأفضل (حتى لا يبقى منكم إلا مثل هذه) وأشار إلى حشف التمر أي لا يبقى إلا نخالة الناس وأشرارهم وأرذالهم ولا يزال الأمر في قهقرى حتى لا يقال في الأرض الله

(تخ طب ك عن رويفع) بالفاء مصغر بن (ثابت) الأنصاري البخاري سكن مصر وولي إمرة المغرب له صحبة

ص: 239

3278 -

(تربوا صحفكم) أي أمروا التراب عليها بعد كتابتها (فإنه أنجح لها) أي أكثر نجاحا ثم وجه ذلك بقوله (إن التراب مبارك) قال في مسند الفردوس: يعني يجفف المكتوب بالتراب بأن ينشر عليه وقيل أراه يضع المكتوب إذا فرغ منه على التراب سواء جف أم لا فإن فيه نجاح الحاجة والبركة وفي رواية لابن قانع تربوا الكتاب فإنه أنجح له وجميع ما في الباب ضعيف كما سبق روى الخطيب في الجامع من حديث عبد الوهاب الحجي: كنت بمجلس بعض

⦗ص: 240⦘

المحدثين وابن معين بجنبي فكتبت صحفا فذهبت لأتربها فقال: لا تفعل فإن الأرض تسرع إليه فسقت إليه هذا الحديث فقال: إسناد لا يساوي فلسا

(هـ) من حديث أبي أحمد الدمشقي عن أبي الزبير (عن جابر) قال البيهقي: وأبو أحمد من مشايخ بقية المجهولين وروايته منكرة وقال أبو طالب: سألت أحمد عنه فقال: حديث منكر وأورده ابن الجوزي عن جابر من أربعة طرق وزيفها كلها وفي الميزان كاللسان ما حاصله أنه موضوع

ص: 239

3279 -

(ترك الدنيا أمر من الصبر) أي أشد مرارة منه قال بعض الحكماء: الدنيا من نالها مات منها ومن لم ينلها مات عليها (وأشد من حطم السيوف في سبيل الله عز وجل في الجهاد وحطم الشيء كسره وظاهر كلام المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه وهو ذهول عجيب بل بقيته عند مخرجه الديلمي من حديث ابن مسعود هذا ولا يتركها أحد إلا أعطاه الله مثل ما يعطي الشهداء وتركها قلة الأكل والشبع وبغض الثناء من الناس فإنه من أحب الثناء من الناس أحب الدنيا ونعيمها ومن سره النعيم فليدع الدنيا والثناء من الناس اه. بلفظه فاقتصار المصنف على الجملة الأولى منه من سوء التصرف وإن كان جائزا <تنبيه> طريق ترك الدنيا بعد إلفها والأنس بها ورسوخ القدم فيها بمباشرة العادة أن يهرب من موضع أسبابها ويكلف نفسه في أعماله أفعالا يخالف ما يعتاده فيبدل التكلف بالتبذل وزي الحشمة بزي التواضع وكذا كل هيئة وحال في مسكن وملبس ومطعم وقيام وقعود كان يعتاده وما يقتضي جاهه فيبدلها بنقيضها حتى يترسخ باعتياد ذلك ضدها كما رسخ فيه من قبل باعتياده ضده فلا معنى للمعالجة إلا المضادة ويراعى في ذلك التلطف بالتدريج فلا ينتقل دفعة واحدة إلى الطرف الأقصى من التبدل فإن الطبع نفور ولا يمكن نقله عن أخلاقه إلا بالتدريج فيترك البعض ويسلي نفسه به وهكذا شيئا فشيئا إلى أن تنقمع لك الصفات التي رسخت فيه والى هذا التدريج الإشارة بخبر إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق الحديث. (تنبيه آخر) قال بعضهم: دواء الحرص على الدنيا إكثار التفكر في مدة قصرها وسرعة زوالها وما في أبوابها من الأخطار والهموم والتفكر في خساسة المطلب وملاحظة أن من أفضل المأكولات العسل وهو رضاب حيوان وأفضل المشروبات الماء وهو أهون شيء وأيسره وألذ الاستمتاعات المجامعة وهي تلاقي مبولين وأشرف الملابس الديباج وهو من دودة

(فر عن ابن مسعود) ورواه عنه البزار أيضا ومن طريقه عنه أورده الديلمي

ص: 240

3280 -

(ترك السلام على الضرير خيانة) لأن شرعية السلام أن يفيض كل من المتلاقين الخير والأمان على صاحبه فمن امتنع من إفاضة هذا الخير فقد خان صاحبه والضرير معذور بعدم الإبصار

(فر عن أبي هريرة) من طريق الطيالسي فلو عزاه المصنف إليه لكان أولى ثم إن فيه علي بن زيد بن جدعان أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال أحمد ويحيى ليس بشيء وأبو زرعة غير قوي

ص: 240

3281 -

(ترك الوصية عار) وهو كل شيء يلزم منه عيب أو شبه أو شين (في الدنيا ونار وشنار) بالفتح والتخفيف أقبح العيب كما في القاموس وغيره وفي الفردوس الشنار أقبح العيب والعار (في الآخرة) وفيه أن الوصية واجبة أي على من عليه حق لله أو لآدميين بلا شهود أما بالتطوع فمستحبة

(طس) وكذا في الصغير (عن ابن عباس) وضعفه المنذري وقال الهيثمي: فيه جماعة لم أعرفهم ورواه فيه الديلمي أيضا

ص: 240

3282 -

(تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله) القرآن (وسنتي) أي طريقتي وكتاب بدل مما قبله أو خبر

⦗ص: 241⦘

لمحذوف أي وهما إلخ (ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض) قد مر بيانه موضحا بما منه أنهما الأصلان اللذان لا عدول عنهما ولا هدى إلا منهما والعصمة والنجاة لمن تمسك بهما واعتصم بحبلهما وهما الفرقان الواضح والبرهان اللائح بين المحق إذا اقتفاهما والمبطل إذا خلاهما فوجوب الرجوع إلى الكتاب والسنة متعين معلوم من الدين بالضرورة لكن القرآن يحصل به العلم القطعي يقينا وفي السنة تفصيل معروف والمحصول مبسوط في الأصول

(ك عن أبي هريرة) قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فذكره

ص: 240

3283 -

(تزوجوا في الحجز) بضم الحاء المهملة وكسرها وسكون الجيم الأصل والمنبت (الصالح) كناية عن العفة وقيل هو فصل ما بين فخذ الرجل والفخذ الآخر من عشيرته سمي به لأنه يحتجز بهم أي يمتنع وبالكسر بمعنى الحجز كناية عن العفة وطيب الإزار ذكره الزمخشري (فإن العرق دساس) أي دخال بالتشديد لأنه ينزع في خفاء ولطف يقال دسست الشيء إذا أخفيته وأخملته ومنه {وقد خاب من دساها} أي أخمل نفسه وأبخس حظها وقيل معنى دساس خفي قليل وكل من أخفيته وقللته فقد دسسته والمعنى أن الرجل إذا تزوج في منبت صالح يجيء الولد يشبه أهل الزوجة في العمل والأخلاق ونحوهما وعكسه بعكسه

(عد) من حديث الموقدي عن الزهري (عن أنس) قال ابن الجوزي: قال يحيى الموقدي ليس بشيء وقال النسائي متروك وقال علي لا يكتب حديثه ورواه الديلمي في مسند الفردوس والمديني في كتاب تضييع العمر عن ابن عمر وزاد وانظر في أي نصاب تضع ولدك قال الحافظ العراقي وكلها ضعيف

ص: 241

3284 -

(تزوجوا النساء) ندبا عند الشافعية وقال الظاهرية: وجوبا عينا وبعض الحنفية هو فرض كفاية كالجهاد وأولى (فإنهن يأتين) وفي رواية يأتينكم (بالمال) وفي رواية ذكرها المصنف فإنهم يأتينكم بالأموال بمعنى أن إدرار الرزق يكون بقدر العيال والمعونة تنزل بحسب المؤونة فمن تزوج قاصدا بتزوجه المقاصد الأخروية لتكثير الأمة لا قضاء الوطر ونيل الشهوة رزقه الله من حيث لا يحتسب ولا ينافي الأمر بالتزوج بشرطه {ذلك أدنى أن لا تعولوا} لأن معناه أن لا تجوروا ولا تميلوا يقال عال إذا مال وجار وتفسيره بتكثير عيالكم اعترضوه وقد أخذ بظاهر هذا الخبر وما بعده من ذهب من الشافعية إلى ندب النكاح مع فقد الأهبة والأصح عند الشافعية أن تركه حينئذ أولى ولا دلالة لأولئك في الحديث ولا في آية {إن يكونوا فقراء} عند التأمل إذ لا يلزم من الفقر وإتيائهن بالمال عدم وجدان الأهبة

(البزار) في مسنده (خط) في التاريخ وكذا الدارقطني والحاكم وابن مردويه والديلمي كلهم من حديث مسلم بن جنادة عن أبي أسامة عن هشام عن أبيه (عن عائشة) قال الحاكم: تفرد بوصله مسلم وهو ثقة وأقره الذهبي وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح خلا مسلم بن جنادة وهو ثقة (د في مراسيله) وكذا ابن أبي شيبة (عن عروة) بضم العين ابن الزبير (مرسلا) قال المصنف: وله شواهد منها خبر الثعلبي عن ابن عجلان أن رجلا شكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم الفقر فقال: عليك بالباءة

ص: 241

3285 -

(تزوجوا الأبكار فإنهن أعذب أفواها وأنتق أرحاما) بنون ومثناة فوقية وقاف أي أكثر أولادا (وأرضى باليسير) في رواية من العمل أي الجماع ولولا هذه الرواية لكان الحمل على الأعم أتم فيشمل الرضا بالقليل من المعيشة

⦗ص: 242⦘

لأن من لم تمارس الرجال لا تقول كنت فصرت وتقنع غالبا

(طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي: فيه أبو بلال الأشعري ضعفه الدارقطني

ص: 241

3286 -

(تزوجوا الودود) المتحببة لزوجها بنحو تلطف في الخطاب وكثرة خدمة وأدب وبشاشة (الولود) ويعرف في البكر بأقاربها فلا تعارض بينه وبين ندب نكاح البكر قال أبو زرعة: والحق أنه ليس المراد بالولود كثرة الأولاد بل من هي في مظنة الولادة وهي الشابة دون العجوز الذي انقطع نسلها فالصفتان من واد واحد (فإني مكاثر بكم) أي أغلب بكم الأمم السابقة في الكثرة وهو تعليل للأمر بتزويج الولود الودود وإنما أتى بقيدين لأن الودود إذا لم تكن ولودا لا يرغب الرجل فيها والولود غير الودود لا تحصل المقصود

(د ن) كلاهما في النكاح (عن معقل) بفتح الميم وسكون المهملة وقاف (بن يسار) ضد اليمين قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أصبت امرأة ذات حسب ومنصب ومال إلا أنها لا تلد أفأتزوجها؟ فنهاه ثم ذكره ورواه الطبراني باللفظ المزبور عن أنس قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح إلا حفص بن عمر وقد روى عنه جمع

ص: 242

3287 -

(تزوجوا فإني مكاثر بكم) تعليل للأمر بالتزوج أي مفاخر (الأمم) السالفة أي أغالبهم بكم كثرة (ولا تكونوا كرهبانية النصارى) الذين يترهبون في الديورات ولا يتزوجون وهذا يؤذن بندب النكاح وفضل كثرة الأولاد إذ بها حصول ما قصده من المباهاة والمغالبة. <تنبيه> قال الحجة: لا ينتظم أمر المعاش حتى يبقى بدنه سالما ونسله دائما ولا يتم كلاهما إلا بأسباب الحفظ لوجودهما وذلك ببقاء النسل وقد خلق الغذاء سببا للحيوان وخلق الإناث محلا للحراثة لكن لا يختص المأكول والمنكوح ببعض الآكلين والناكحين بحكم الفطرة ولو ترك الأمر فيها سدى من غير تعريف قانون في الاختصاصات لتهاوشوا وتقاتلوا وشغلهم ذلك عن سلوك الطريق بل أفضى بهم إلى الهلاك فشرح القرآن قانون الاختصاص بالأموال في آيات نحو المبايعات والمداينات والمواريث ومواجب النفقات والمناكحات ونحو ذلك وبين الاختصاص بالإناث في آيات النكاح ونحوها انتهى والنكاح تجري فيه الأحكام الخمسة فيكون فرض كفاية لبقاء النسل وفرض عين لمن خاف العنت ومندوبا لمحتاج إليه واجد أهبته ومكروها لفاقد الحاجة والأهبة أو واجدهما وبه علة كهرم أو عنة أو مرض دائم ومباحا لواجد أهبة غير محتاج ولا علة وحراما لمن عنده أربع

(هق) قال: حدثنا الفلاس أنا محمد بن ثابت البصري عن أبي غالب (عن أبي أمامة) قال الذهبي في المهذب: محمد ضعيف وقال ابن حجر: فيه محمد بن ثابت ضعيف

ص: 242

3288 -

(تزوجوا) فإن النكاح ركن من أركان المصلحة في الدين جعله الله طريقا لنماء الخلق وشرعة من دينه ومنهاجا من سبله قال ابن العربي: وقد اختلف هل الأمر بالتزوج للوجوب أو للندب أو للإباحة على أقوال والإنصاف أن الأزمة تختلف وحال الناس يتباين فرب زمان العزوبة فيه أفضل وحالة الوحدة فيها أخلص فإن لم يستطع فليتكل على الله ويتزوج فإني ضامن أن لا يضيعه (ولا تطلقوا فإن الله لا يحب الذواقين ولا الذواقات) يعني السريعي النكاح السريعي الطلاق قال ابن الأثير: هذا من المجاز أن يستعمل الذوق وهو مما يتعلق بالأجسام في المعاني نحو {ذق إنك أنت العزيز الكريم} . <تنبيه> اعلم أن الطلاق تجري فيه الأحكام الخمسة يكون واجبا وهو طلاق الحكمين والمولى ومندوبا وهو من خاف أن لا يقيم حدود الله في الزوجية ومن وجد ريبة وحراما وهو البدعي وطلاق من لم يوفها حقها من

⦗ص: 243⦘

القسم ومكروها فيما عدا ذلك وعليه حمل الحديث ومباحا عند تعارض مقتضى الفراق وضده

(طب عن أبي موسى) الأشعري قال الديلمي: وفي الباب أبو هريرة

ص: 242

3289 -

(تزوجوا ولا تطلقوا فإن الطلاق) أي بلا عذر شرعي (يهتز منه العرش) يعني تضطرب الملائكة حوله غيظا من بغضه إليهم كما هو بغيض إلى الله لما فيه من قطع الوصلة وتشتت الشمل أما لعذر فليس منهيا عنه بل قد يجب كما سلف في الإتحاف هذا دليل على كراهة الطلاق وبه قال الجمهور

(عد) وكذا أبو نعيم والديلمي كلهم (عن علي) أمير المؤمنين كرم الله وجهه قال السخاوي: وسنده ضعيف قال ابن الجوزي: بل هو موضوع

ص: 243

3290 -

(تساقطوا الضغائن) بينكم جمع ضغينة وهي الحقد والعداوة والحسد فإن ذلك من الكبائر

(البزار) في مسنده (عن ابن عمر) بن الخطاب

ص: 243

3291 -

(تسحروا) وهو تفعل من السحر وهو الأكل قبيل الصبح والأمر للندب إجماعا قال في شرح الترمذي: أجمعوا على أن السحور مندوب لا واجب (فإن في السحور بركة) قال العراقي: روي بفتح السين وضمها فبالضم الفعل وبالفتح ما يتسحر به والمراد بالبركة الأجر فيناسب الضم أو التقوي على الصوم فيناسب الفتح وللبركة في السحور جهات كالتقوي والنشاط والانبساط ذكره بعضهم وقال الزين العراقي: البركة فيه محتملة لمعان منها أنه يبارك في القليل منه بحيث يحصل به الإعانة على الصوم ويدل له قوله في حديث ولو بلقمة وقوله في الحديث الآتي ولو بالماء ويكون بالخاصية كما بورك في الثريد والطعام الحار إذا برد ومنه أنه يراد نفي التبعة فيه بدليل حديث الديلمي ثلاثة لا يحاسب العبد عليها أكل السحور وما أفطر عليه وما أكل مع الإخوان ومنها أنه يراد بالبركة القوة على الصيام وغيره من أعمال النهار

(حم ق ت ن هـ عن أنس) بن مالك رضي الله عنه (ن عن أبي هريرة وعن ابن مسعود حم عن أبي سعيد الخدري) وفي الباب جابر وابن عباس وعرباض

ص: 243

3292 -

(تسحروا من آخر الليل) أي في آخره (هذا الغذاء (1)) في رواية فإنه الغذاء (المبارك) أي الكثير الخير لما يحصل بسببه من قوة وزيادة قدرة على الصوم قال الكلاباذي: فالبركة فيه بمعنى الإباحة بعد الحظر عنه من أول الليل فكأنها إباحة زائدة على الإفطار آخر النهار فهو رخصة والله يحب أن تؤتى رخصه فالترغيب في السحور ترغيب في قبول الرخصة ومعنى البركة فيه الزيادة ويمكن كونها زيادة في العمر لكون النوم موتا واليقظة حياة ففي مدة الحياة معنيان اكتساب الطاعة للمعاد والمرافق للمعاش وهو مما خصت به هذه الأمة واعلم أن القصد من الصوم كسر شهوتي البطن والفرج فينبغي تخفيف الأكل في السحور فإن زاد في قدره حتى فاتت حكمة الصوم لم يكن مندوبا بل فاعله ملام نبه عليه بعض الأفاضل

(طب عن عتبة) بضم المهملة وسكون المثناة الفوقية (ابن عبد) بغير إضافة السلمي أبو الوليد صحابي شهير أول مشاهده قريظة (وأبي الدرداء) قال الهيثمي: فيه جبارة بن مفلس ضعيف

(1) الغذاء بكسر الغين وذال معجمة وبالمد ما يغتذى به من طعام وشراب أما الغداء بفتحها ودال مهملة فضد العشاء

ص: 243

⦗ص: 244⦘

3293 - (تسحروا ولو بجرعة من ماء) لأنه طهور مزيل للمانع من أداء العبادة ولهذا من الله على عباده بقوله {وأنزلنا من السماء ماء طهورا} ويحتمل أنه تحصل به الإعانة على الصوم بالخاصية ولأن به يحصل نشاط ومدافعة سوء الخلق الذي يثيره العطش وفيه رد على من ذهب من أئمتنا إلى أن التسحر إنما يسن لمن يرجو نفعه إذ من البين أنه لم يذكر هذه الغاية للنفع بل لبيان أقله نفع أم لا

(ع عن أنس) قال الهيثمي: فيه عبد الواحد بن ثابت الباهلي وهو ضعيف اه. وسبقه الذهبي بأوضح منه فقال في الميزان: انفرد به عبد الواحد بن ثابت الباهلي قال العقيلي: لا يتابع عليه ورواه عنه إبراهيم بن الحجاج وقال البخاري: منكر الحديث

ص: 244

3294 -

(تسحروا ولو بالماء) فإن البركة في الفعل باستعماله السنة لا في نفس الطعام وفي رواية للديلمي: تسحروا ولو بحبة وفي رواية ولو بتمرة ولو بحبات زبيب ويكون ذلك بالخاصية كما بورك في الثريد والاجتماع على الطعام وفيه كالذي قبله وبعده ندب التسحر وحصول أصل سنته ولو بجرعة ماء ويدخل وقته بنصف الليل وهل حكمته التقوي على الصوم أو مخالفة أهل الكتاب وجهان للشافعية <تنبيه> عدوا من خصائص هذه الأمة التسحر وتعجيل الفطر وإباحة الأكل والشرب والجماع ليلا إلى الفجر وكان محرما على من قبلهم بعد النوم وإباحة الكلام في الصوم وكان محرما على من قبلهم فيه عكس الصلاة ذكره في الأحوذي

(ابن عساكر) في التاريخ (عن عبد الله بن سراقة) بضم المهملة وفتح الراء وبالقاف وهو ابن المعتمر العدوي قال في الكاشف: قيل له صحبة وهو حديث ضعيف لكن يقويه وروده من طريق آخر عند ابن النجار في تاريخه بلفظ تسحروا ولو بجرعة ماء صلوات الله على المتسحرين

ص: 244

3295 -

(تسحروا ولو بشربة من ماء وأفطروا) إذا تحققتم الغروب (ولو على شربة من ماء) ولا تواصلوا فإن الوصال عليكم حرام قال الغزالي: شذ جمع ممن يدعي التصوف فصرف ألفاظ الشارع عن ظاهر المفهوم منها إلى أمور باطنة لا تسبق الأفهام إليها فقالوا أراد بالسحور الاستفسار كما قالوا في {اذهب إلى فرعون إنه طغى} أنه أشار إلى قلبه فهو الطاغي وفي {ألق عصاك} أي كل ما يتوكأ عليها مما سوى الله يلقيه وهذه خرافات يحرفون بها الكتاب والسنة وبطلانه قطعي وكيف يحمل التسحر على الاستغفار مع كون المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يتسحر بتناول الطعام في السحر ويقول تسحروا

(عد عن علي) أمير المؤمنين كرم الله وجهه هكذا رواه في الكامل من حديث حسين بن عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن جده عن علي مرفوعا قال الحافظ العراقي في شرح الترمذي وحسن هذا متروك قاله أحمد وغيره

ص: 244

3296 -

(تسعة أعشار الرزق في التجارة) قال ابن الأثير: جمع عشير وهي العشر كنصيب وأنصباء اه (والعشر في المواشي) في رواية بدل المواشي السائمات قال الزمخشري: وهي الناج فمرجعها واحد قال الماوردي: وإنما كان كذلك لأن التجارة فرع لمادتي الناج والزرع وهي نوعان تقليب في الحضر من غير نقلة ولا سفر والثاني تقليب في المال بالأسفار ونقله إلى الأمصار مما يحتاجه الخاص والعام إذ هي مادة أصل الحضر وسكان الأمصار والمدن والاستمداد بها أعم نفعا وأكثر ربحا ولا يستغني عنه أحد من الأنام وأما المواشي فإنما هي مادة أهل الفلوات وسكان الخيام أنهم لما لم يستقر بهم دار ولم يضمهم أمصار افتقروا إلى الأموال المتنقلة فاتخذوا الحيوان ليستقل في النقلة بنفسه ويستغنى

⦗ص: 245⦘

في العلوفة برأيه فمعظم نفعه إنما هو لأولئك اه. وهذا لا يقتضي أفضلية التجارة على الصناعة والزراعة لأنه إنما يدل على أن الرزق في التجارة أكثر ولا تعارض بين الأكثرية والأفضلية

(ص عن نعيم بن عبد الرحمن الأزدي) مقبول من الطبقة الثانية (ويحيى بن جابر الطائي مرسلا) هو قاضي حمص قال في الكشاف: صدوق وفي التقريب: ثقة يرسل كثيرا ورواه أيضا إبراهيم الحربي في غريب الحديث عن نعيم المذكور قال الحافظ العراقي: ورجاله ثقات ونعيم هذا قال فيه ابن منده ذكر في الصحابة ولا يصح وقال أبو حاتم الرازي وابن حبان تابعي فعلى هذا الحديث من طريقه مرسل

ص: 244

3297 -

(تسليم الرجل بأصبع واحدة يشير بها فعل اليهود) قال البيهقي في الشعب: يحتمل أن المراد كراهته الاقتصار على الإشارة في التسليم دون التلفظ بكلمة التسليم إذا لم يكن في حالة تمنعه من التكلم وقال السمهودي: هذا الحديث ربما دل على أن السلام شرع لهذه الأمة دون غيرهم وسيجيء في خبر ما ظاهره ينافيه

(ع طس هب عن جابر) قال الهيثمي: رجال أبي يعلى رجال الصحيح وقال المنذري: رواته رواة الصحيح

ص: 245

3298 -

(تسمعون) بفتح فسكون (ويسمع) مبني للمجهول (منكم) خبر بمعنى الأمر أي لتسمعوا مني الحديث وتبلغوه عني وليسمعه من بعدي منكم قال الزمخشري: وإنما يخرج الأمر في صورة الخبر للمبالغة في إيجاب إيجاد المأمور به فيجعل كأنه يوجد فهو مخبر عنه (ويسمع) بالبناء للمجهول (ممن يسمع) بفتح فسكون أي ويسمع الغير من الذي يسمع (منكم) حديثي كذا من بعدهم وهلم جرا وبذلك يظهر العلم وينشر ويحصل التبليغ وهو الميثاق المأخوذ عن العلماء قال العلائي: هذا من معجزاته التي وعد بوقوعها أمته وأوصى أصحابه أن يكرموا نقلة العلم وقد امتثلت الصحابة أمره ولم يزل ينقل عنه أفعاله وأقواله وتلقى ذلك عنهم التابعون ونقلوه إلى أتباعهم واستمر العمل على ذلك في كل عصر إلى الآن

(حم د ك عن ابن عباس) قال الحاكم: صحيح ولا علة له وأقره الذهبي وقال العلائي: حسن وظاهر صنيع المصنف أن ذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته ثم يأتي من بعد ذلك قوم سمان يحبون السمن ويشهدون قبل أن يسألوا

ص: 245

3299 -

(تسموا باسمي) محمد وأحمد وحقيقة التسمية تعريف الشيء بالشيء لأنه إذا وجد وهو مجهول الاسم لم يكن له ما يقع تعريفه به فجاز تعريفه يوم وجوده أو إلى ثلاثة أيام أو سبعة أو فوقها والأمر واسع وهذا نص صريح في الرد على من منع التسمي باسمه كالتكني قال المؤلف في مختصر الأذكار وأفضل الأسماء محمد (ولا تكنوا) بفتح التاء والكاف وشد النون وحذف إحدى التاءين أو بسكون الكاف وضم النون (بكنيتي) أي القاسم إعظاما لحرمتي فيحرم التكني به لمن اسمه محمد وغيره في زمنه وغيره على الأصح عند الشافعية وجوز مالك التكني بعده به حتى لمن اسمه محمد وقوله تسموا جملة من فعل وفاعل وباسمي صلة وكذا ولا تكنوا بكنيتي وهو من عطف منفي على مثبت وهذا قاله حين نادى رجل يا أبا القاسم فالتفت فقال لم أعنك إنما دعوت فلانا قال الحرالي: والتسمية إبداء الشيء باسمه للسمع في معنى المصور وهو إبداء الشيء بصورته في العين. <تنبيه> من الغريب ما قيل إنه يحرم التسمي باسمه محمد والتسمي بالقاسم لئلا يكنى أبوه أبا القاسم حكاهما النووي رضي الله عنه في شرح مسلم فأما الثاني فمحتمل وأما الأول فيكاد يكون باطلا لقيام الإجماع وظاهر كلامهم أنه إنما كنى بأبي القاسم فقط دون غيره وليس كذلك فقد أخرج البيهقي وابن الجوزي وغيرهما عن أنس قال: لما ولد إبراهيم ابن المصطفى صلى الله عليه وسلم من مارية كاد يقع في نفس النبي صلى الله عليه وسلم منه حتى أتاه جبريل عليه السلام فقال: السلام عليك يا أبا إبراهيم قال ابن الجوزي عقبه وقد نهى أن يكنى بكنيته هذا لفظه وقضيته الحرمة كأبي القاسم لكن قد يقال إنما

⦗ص: 246⦘

حرم بأبي القاسم لأنه كان ينادى به لكونه أول ولد ولد له فاشتهر به ولم يكن يدعى بأبي إبراهيم

(حم ق ن هـ عن أنس) بن مالك قال: نادى رجل رجلا بالبقيع يا أبا القاسم فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني لم أعنك إنما دعوت فلانا فذكره (حم ق هـ عن جابر) قال: ولد لرجل منا غلام فسماه محمدا فقال له قومه: لا تدعه يسمى باسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق بابنه حامله على ظهره فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ولد لي ولد فسميته محمدا فمنعني قومي فذكره قال ابن حجر: في الباب ابن عباس وغيره

ص: 245

3300 -

(تسموا بأسماء الأنبياء) لفظه أمر ومعناه الإباحة لأنه خرج على سبب وهو تسموا باسمي وإنما طلب التسمي بالأنبياء لأنهم سادة بني آدم وأخلاقهم أشرف الأخلاق وأعمالهم أصلح الأعمال فأسماؤهم أشرف الأسماء فالتسمي بها شرف للمسمى ولو لم يكن فيها من المصالح إلا أن الاسم يذكر بمسماه ويقتضي التعلق بمعناه لكفى به مصلحة مع ما فيه من حفظ أسماء الأنبياء عليهم السلام وذكرها وأن لا تنسى فلا يكره التسمي بأسماء الأنبياء بل يستحب مع المحافظة على الأدب قال ابن القيم: وهو الصواب وكان مذهب عمر كراهته ثم رجع كما يأتي وكان لطلحة عشرة أولاد كل منهم اسمه اسم نبي والزبير عشرة كل منهم مسمى باسم شهيد فقال له طلحة: أنا أسميهم بأسماء الأنبياء وأنت بأسماء الشهداء فقال: أنا أطمع في كونهم شهداء وأنت لا تطمع في كونهم أنبياء (وأحب الأسماء إلى الله) تعالى (عبد الله وعبد الرحمن) لأن التعلق الذي بين العبد وبين الله إنما هو العبودية المحضة والتعلق الذي بين الله وعبده بالرحمة المحضة فبرحمته كان وجوده وكمال وجوده والغاية التي أوجده لأجلها أن يتألهه وحده محبة وخوفا ورجاء وإجلالا وتعظيما ولما غلبت رحمته غضبه وكانت الرحمة أحب إليه من الغضب كان عبد الرحمن أحب إليه من عبد القاهر (وأصدقها حارث وهمام) إذ لا ينفك مسماهما عن حقيقة معناهما (وأقبحهما حرب ومرة) لما في حرب من البشاعة وفي مرة من المرارة وقيس به ما أشبهه كحنظلة وحزن ونحو ذلك (1)

(خد د ن عن أبي وهب الجشمي) بضم الجيم وفتح المعجمة وآخره ميم نسبة إلى قبيلة جشم بن الخزرج من الأنصار صحابي نزل الشام قال ابن القطان: فيه عقيل بن شبيب قالوا: فيه غفلة

(1) كان صلى الله عليه وسلم يحب الفأل الحسن والاسم الحسن

ص: 246

3301 -

(تسمون أولادكم محمدا ثم تلعنونهم؟) وفي رواية لعبد بن حميد تسبونهم بدل تلعنونهم وهذا استفهام إنكاري محذوف الهمزة. قال القاضي: أنكر اللعن إجلالا لاسمه كما منع ضرب الوجه تعظيما لصورة آدم وشذت طائفة فأخذوا من هذا الحديث منع التسمي بمحمد وأيدوه بأن عمر كتب إلى الكوفة لا تسموا أحدا باسم نبي وبأمره جماعة من المدينة بتغيير أسماء أبنائهم ورد بمنع دلالة الحديث على ذلك إذ مقتضاه النهي عن لعن من اسمه محمد لا عن التسمية به وقد مرت النصوص الدالة على الإذن فيه بل يأتي أخبار تدل على الترغيب فيه كقوله ما ضر أحدكم أن يكون في بيته محمدا وأحمد وقوله ما اجتمع قوم في مشورة فيهم من اسمه محمد الحديث وبأن كتابة عمر رضي الله عنه كانت لكونه سمع رجلا يقول لابن أخيه محمد بن زيد: فعل الله بك يا محمد وصنع فقال: لا أرى رسول الله يسب بك والله لا يدعى محمدا أبدا وكتب بذلك وأمر به فذكر له جماعة سماهم المصطفى صلى الله عليه وسلم بذلك فترك قال الطيبي: أمر أولا بالتسمي بأسماء الأنبياء فرأى فيه نوع تزكية للنفس وتنويها بشأنها فنزل إلى قوله: أحب الأسماء إلخ لأن فيه خضوعا واستكانة ثم نظر إلى أن العبد قد يقصر في العبودية ولم يتمكن من أدائها فلا يصدق عليه هذا الاسم فنزل إلى قوله حارث وهمام

(البزار) في مسنده (ع ك) في الأدب من حديث الحكم بن عطية عن ثابت (عن أنس) قال الذهبي:

⦗ص: 247⦘

والحكم وثقه بعضهم وهو لين اه. وقال ابن القطان: رواه من حديث الحكم بن عطية وهو واه قال أحمد: لا بأس به لكن أبو داود روى عنه أحاديث منكرة وهذا من روايته عنه وقال الهيثمي: رواه أبو يعلى والبزار وفيه الحكم بن عطية وثقه أحمد وضعفه غيره وبقية رجاله رجال الصحيح وقال ابن حجر في الفتح: خرجه البزار وأبو يعلى وسنده لين

ص: 246

3302 -

(تصافحوا) من الصفحة والمراد الإفضاء من اليد إلى صفحة اليد (يذهب الغل) أي الحقد والضغن (عن قلوبكم)

(عد عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا الأصبهاني في الترغيب وخرجه مالك في الموطأ عن عطاء مرسلا قال المنذري: رواه مالك هكذا معضلا قال: وقد أسند من طريق فيها مقال يشير إلى حديث ابن عدي المذكور وقال ابن البارد: حديث مالك جيد

ص: 247

3303 -

(تصدقوا فسيأتي عليكم زمان) يستغني الناس فيه عن المال لظهور الكنوز وكثرة العدل وقلة الناس وقصر آمالهم أول ظهور الأشراط وكثرة الفتن بحيث (يمشي الرجل) الإنسان فيه (بصدقته) يلتمس من يقبلها منه (فيقول) الإنسان (الذي يأتيه بها) يعني الذي يريد المتصدق أن يعطيه الصدقة (لو جئت بها) إلي (بالأمس) حيث كنت محتاجا إليها (لقبلتها) منك (فأما الآن) وقد كثرت الأموال اشتغلنا بأنفسنا وإنما نقصد نجاة مهجنا (فلا حاجة لي فيها) أي في قبولها فيرجع بها (فلا يجد من يقبلها) منه فكيفما كان هو من أشراط الساعة وزعم أن ذلك وقع في زمن عمر بن عبد العزيز فليس من الأشراط بعيد جدا وفيه حث على الإسراع بالصدقة وتهديد لمن أخرها عن مستحقها ومطلوبها حتى استغنى يعني المستحق الفقير لا يخلص ذمة الغني المماطل (1)

(حم ق ت) في الزكاة (عن حارثة) بحاء مهملة ومثلثة (ابن وهب) الخزاعي صحابي نزل الكوفة وهو ربيب عمر بن الخطاب

(1) قال القسطلاني: وهذا إنما يكون في الوقت الذي يستغني فيه الناس عن المال لاشتغالهم بأنفسهم عند الفتنة وهذا في زمن الدجال أو يكون ذلك لفرط الأمن والعدل البالغ بحيث يستغني كل أحد بما عنده عما عند غيره وهذا يكون في زمن المهدي وعيسى أما عند خروج النار التي تسوقهم إلى المحشر فلا يلتفت أحد إلى شيء بل يقصد نجاة نفسه ومن استطاع من أهله وولده ويحتمل أن يكون يمشي بصدقته إلى آخر ما وقع في خلافة عمر بن عبد العزيز فلا يكون من أشراط الساعة وفي تاريخ يعقوب بن سفيان من طريق يحيى بن أسيد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب بسند جيد قال: لا والله ما مات عمر بن عبد العزيز حتى قعد الرجل يأتينا بالمال العظيم فيقول اجعلوا هذا حيث ترون في الفقراء فما يبرح حتى يرجع بماله فيتذكر من بضعه فيهم فلا يجده فيرجع قد أغنى عمر بن عبد العزيز الناس وسبب ذلك بسط عمر بن عبد العزيز العدل وإيصال الحقوق إلى أهلها حتى استغنوا

ص: 247

3304 -

(تصدقوا فإن الصدقة فكاكم من النار) أي هي خلاصكم من نار جهنم لأن من ثمراتها إزالة سوء الظن بالله عن العبد المردي في النار وتكذيب الشيطان فيما يعده من الفقر في الإنفاق فيها (1)

(طس حل) وكذا أبو الشيخ [ابن حبان][ابن حبان] والديلمي (عن أنس) قال الهيثمي: رجاله ثقات اه. وكأنه لم يصدر عن تحرير فقد قال الدارقطني: تفرد به الحارث بن عمير عن حميد قال ابن الجوزي: قال ابن حبان: الحارث يروي عن الأثبات الموضوعات

(1) قال العبادي: الصدقة أفضل من حج التطوع عند أبي حنيفة

ص: 247

⦗ص: 248⦘

3305 - (تصدقوا ولو بتمرة) وفي رواية ولو بشق تمرة (فإنها تسد من الجائع) قال الزمخشري: يريد أن نصف التمرة يسد رمق الجائع كما يورث الشبعان كظة على وقاحته فلا تستقلوا من الصدقة شيئا وقيل المراد المبالغة لا حقيقة التمرة لعدم غنائها وقف أعرابي على الدولي وهو يأكل تمرا فقال شيخ: هم غابر ماضيين ووفد محتاجين أكلني الفقر وردني الدهر ضعيفا مسيفا فناوله تمرة فضرب بها وجهه وقال له: جعلها الله حظك من حظك عنده (وتطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار) قال الطيبي: أصله تذهب الخطيئة لقوله {إن الحسنات يذهبن السيئات} ثم في الدرجة الثانية تمحو الخطيئة لخبر أتبع السيئة الحسنة تمحها ثم في الثالثة تطفئ الخطيئة لمقام الحكاية عن المباعدة عن النار فلما وضع الخطيئة موضع النار على الاستعارة المكنية أثبت لها على الاستعارة التخييلية ما يلازم النار من الإطفاء لتكون قرينة مانعة لها عن إرادة الحقيقة أو ما {إنما ياكلون في بطونهم نارا} فمن إطلاق اسم المسبب على السبب

(ابن المبارك) في الزهد (عن عكرمة) البربري أحد الأعلام مولى ابن عباس متكلم في عقيدته وقيل يكذب على سيده (مرسلا) قال الحافظ العراقي: ولأحمد من حديث عائشة بسند حسن استتري من النار ولو بشق تمرة فإنها تسد من الجائع مسدها من الشبعان

ص: 248

3306 -

(تطوع الرجل في بيته) أي في محل سكنه بيتا كان أو غيره (يزيد على تطوعه) أي صلاته التطوع (عند الناس) أي بحضرتهم أو بمجامعهم أو بالمسجد ونحوه (كفضل) أي كما يزيد فضل (صلاة الرجل في جماعة على صلاته وحده) وهو خمس وعشرون درجة أو سبع وعشرون أو غير ذلك مما سيجيء وذلك لأنه أبعد عن الرياء

(ش عن رجل) من الصحابة وإبهامه لا يضر لأن الصحب كلهم عدول

ص: 248

3307 -

(تعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم) يعني يجب على من صلى ثم تبين له أنه كان بملبوسه أو بدنه قدر درهم من الدم أن يعيد صلاته وأخذ بمفهومه أبو حنيفة وابن جرير فقال: لا تعاد الصلاة من نجاسة دون الدرهم ومذهب الشافعي العفو عن قليل دم الأجنبي عرفا ولا يعفى عن نجاسة غير الدم وإن قل

(عد هق) عن روح بن الفرج عن يوسف بن عدي عن القاسم بن مالك عن روح بن غطيف عن الزهري بن أبي سلمة (عن أبي هريرة) ثم تعقبه العقيلي بقوله: حدثني آدم قال: سمعت البخاري يقول هذا الحديث باطل وروح هذا منكر الحديث وذكره ابن عدي في ترجمة روح بن غطيف وقال ابن معين وهاه وقال النسائي: متروك ثم ساق له هذا الخبر اه. وقال الذهبي: واه جدا ورواه الدارقطني من هذا الوجه ثم قال: روح بن غطيف متروك الحديث وقال الحافظ ابن حجر: روح بن غطيف تفرد به عن الزهري وهو متروك وقال الذهبي: أخاف أن يكون موضوعا وقال البخاري حديث باطل وقال ابن حبان موضوع وحكم ابن الجوزي بوضعه وتبعه على ذلك المؤلف في مختصر الموضوعات ساكتا عليه وقال البزار: أجمع أهل العلم على نكرته قال أعني ابن حجر وأخرجه ابن عدي في الكامل من طريق أخرى عن الزهري لكن فيها أيضا أبو عصمة متهم بالكذب اه. وبذلك استبان أن عزو المصنف لابن عدي وسكوته عما عقبته به من بيان القادح غير صواب بل وإن لم يتعقبه مخرجه فسكوت المصنف عليه غير مرضي لأنه من أحاديث الأحكام وهو شديد الضعف فعدم بيان حاله لا يليق بكماله

ص: 248

⦗ص: 249⦘

3308 - (تعافوا الحدود) بفتح التاء وضم الواو بغير همز (فيما بينكم) أي تجاوزوا عنها ولا ترفعوها إلي (فما بلغني من حد) أي ثبت عندي (فقد وجب) علي إقامته والخطاب لغير الأئمة يعني أن الحدود الذي بينكم ينبغي أن يعفوها بعضكم لبعض قبل أن تبلغني فإن بلغتني وجب علي أن أقيمها لأن الحد بعد بلوغ الإمام والثبوت لا يسقط بعفو الآدمي كالمسروق منه وإليه ذهب الشافعي وأبو حنيفة إلى سقوطه

(د ن) في القطع (ك) في الحدود من حديث عمرو بن شعيب (عن) أبيه عن جده عبد الله (بن عمرو) بن العاص قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال ابن حجر: سنده إلى عمرو ابن شعيب صحيح اه. مع أن فيه إسماعيل بن عياش وفيه كلام كثير وخلاف طويل وسببه كما في مسند أبي يعلى أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل سرق فأمر بقطعه ثم بكا فسئل فقال: كيف لا أبكي وأمتي تقطع بين أظهركم قالوا: أفلا عفوت قال: ذلك سلطان سوء الذي يعفو عن الحدود ولكن تعافوا إلخ

ص: 249

3309 -

(تعافوا تسقط الضغائن بينكم) هذا كالتعليل للعفو في هذا وما قبله كأنه قيل: لم التعافي قال: لأجل أن يسقط ما بينكم من الضغائن فإن الحدود إذا أقيمت أورثت شبهة للنفوس وحقدا ومنه التغرير

(البزار) في مسنده (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: رواه من طريق محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني وهو ضعيف

ص: 249

3310 -

(تعاهدوا القرآن) أي داوموا على تكراره ودرسه لئلا تنسوه قال القاضي: تعاهد الشيء وتعهده محافظته وتجديد العهد به والمراد منه الأمر بالمواظبة على تلاوته والمداومة على تكراره ودرسه (فوالذي نفسي بيده) أي بقدرته وتصرفه (لهو أشد تفصيا) بمثناة فوقية وفاء وصاد مهملة أي أسرع تفصيا وتخلصا وذهابا وانقلابا وخروجا (من قلوب الرجال) يعني حفظته (1)(من الإبل من عقلها) جمع عقال أي لهو أشد ذهابا من الإبل إذا تخلصت من العقال فإنها تفلت حتى لا تكاد تلحق شبه القرآن وكونه محفوظا على ظهر قلب بالإبل الآبدة النافرة وقد عقل عقلها وشد بذراعيها بالحبل المتين وذلك أن القرآن ليس من كلام البشر بل كلام خالق القوى والقدر وليس بينه وبين البشر مناسبة قريبة لأنه حادث وهو قديم والله سبحانه بلطفه العميم من عليهم ومنحهم هذه النعم العظيمة فينبغي تعاهده بالحفظ والمواظبة ما أمكن

(حم ق عن أبي موسى) الأشعري

(1) وخصهم لأنهم الذين يحفظونه غالبا فالأنثى كذلك

ص: 249

3311 -

(تعاهدوا نعالكم) أي تفقدوها (عند أبواب المساجد) بأن تنظروا ما فيها فإن رأيتم بها خبثا فامسحوه بالأرض قبل أن تدخلوا قال الحافظ العراقي: وفي معنى النعل المداس اه. وأقول وفي معناهما القبقاب المعروف والمراد كل ما يداس فيه بلا حائل بينه وبين الأرض

(قط في) كتاب (الأفراد) بفتح الهمزة (خط) في ترجمة محمد العكبري وكذا أبو نعيم (عن عمر) بن الخطاب وقال أعني الخطيب: هو غريب من حديث يزيد الفقيه ومن حديث مسعر بن كدام تفرد به يحيى بن هاشم السمسار اه وقال ابن الجوزي: حديث باطل لا يصح وقال: قال ابن عدي: يحيى بن هاشم كان يضع اه وقال الذهبي في الضعفاء: قالوا كان يضع الحديث

ص: 249

⦗ص: 250⦘

3312 - (تعتري الحدة) أي النشاط والخفة (خيار أمتي) والمراد هنا الصلابة والشدة والسرعة في إمضاء الخير وعدم الالتفات في ذلك إلى الغير

(طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه سلام بن سلم الطويل وهو متروك

ص: 250

3313 -

(تعجلوا إلى الحج) أي بادروا به (فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له) زاد الديلمي في روايته من مرض أو حاجة فالحج وإن كان وجوبه على التراخي فالسنة تعجيله خوفا من هجوم الآفات القاطعة والعوارض المعوقة وذهب أبو حنيفة إلى وجوب فوريته تمسكا بظاهر هذا الخبر ولأنه لو مات قبله مات عاصيا ولولا فوريته لم يعص ورد الأول بأنه محمول على الندب والاحتياط والثاني بأنه إذا مات ولا نزاع فيه والثالث بالمنع لأنه إنما يحل تأخيره بشرط سلامة العاقبة فلما مات تبين عصيانه

(حم عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا ابن لال وغيره

ص: 250

3314 -

(تعرض أعمال الناس) الظاهر أنه أراد المكلفين منهم بقرينة ترتيبه المغفرة على العرض وغير المكلف لا ذنب له يغفر له كل جمعة مرتين قال القاضي: أراد بالجمعة الأسبوع فعبر عن الشيء بآخره وما يتم به ويوجد عنده والمعروض عليه هو الله تعالى أو ملك يوكله على جميع صحف الأعمال وضبطها (في كل جمعة مرتين يوم الاثنين ويوم الخميس (1) وسبق الجمع بينه وبين رفع الأعمال بالليل مرة وبالنهار مرة (فيغفر لكل عبد مؤمن إلا عبدا) بالنصب لأنه استثناء من كلام موجب وفي رواية عبد بالرفع وتقديره فلا يحرم أحد من الغفران إلا عبد ومنه {فشربوا منه إلا قليل} بالرفع ذكره الطيبي (بينه وبين أخيه في الإسلام شحناء) بفتح فسكون ونون ممدودة أي غل فيقال اتركوا هذين (حتى يفيئا) أي يرجعا عما هما عليه من التقاطع والتباغض والفيئة كبيعة الحالة من الرجوع قال الطيبي: أتى باسم الإشارة بدل الضمير لمزيد التعبير والتنفير

(م) في البر (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري

(1) أي تعرض على الله وأما رفع الملائكة فإنه في الليل مرة وفي النهار مرة

ص: 250

3315 -

(تعرض الأعمال على الله تعالى يوم الاثنين والخميس فيغفر الله) أي للمذنبين ذنوبهم المعروضة عليه (إلا ما كان من متشاحنين) أي متعاديين (أو قاطع رحم) فيؤخر كل منهم حتى يرجع ويقلع. قال الحليمي: في عرض الأعمال يحتمل أن الملائكة الموكلين بأعمال بني آدم يتناوبون فيقيم معهم فريق من الاثنين إلى الخميس ثم يعرضون وفريق من الخميس إلى الاثنين وهكذا كلما عرج فريق قرأ ما كتب في موقفه من السماء فيكون ذلك عرضا في الصورة وهو غني عن عرضهم ونسخهم وهو أعلم بعباده منهم قال البيهقي: وهذا أصح ما قيل قال: والأشبه أن توكيل ملائكة الليل والنهار بأعمال بني آدم عبادة تعبدوا بها وسر عرضهم خروجهم عن عهدة التكليف ثم قد يظهر الله لهم ما يريد فعله بمن عرض عمله

(طب عن أسامة بن زيد) قال الهيثمي: فيه موسى بن عبيدة وهو متروك

ص: 250

⦗ص: 251⦘

3316 - (تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس على الله وتعرض على الأنبياء) أي الرسل أي يعرض عمل كل أمة على نبيها (وعلى الآباء والأمهات) أي يعرض عمل كل فرع على أصله والكلام في أصل مسلم (يوم الجمعة) أي يوم كل جمعة (فيفرحون) يعني الآباء والأمهات ويمكن رجوعه إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أيضا (بحسناتهم وتزداد وجوههم بياضا وإشراقا) والمراد وجود أرواحهم أي ذواتها أي ويحزنون بسيئاتهم كما يدل عليه قوله (فاتقوا الله) خافوه (ولا تؤذوا موتاكم) الذين يقع العرض عليهم بارتكاب المعاصي وفائدة العرض عليهم إظهار الله للأموات عذره فيما يعامل به أحياءهم من عاجل العقوبات وأنواع البليات في الدنيا فلو بلغهم ذلك من غير عرض أعمالهم عليهم لكان وجدهم أشد قال القرطبي: يجوز أن يكون الميت يبلغ من أفعال الأحياء وأقوالهم ما يؤذيه أو يسره بلطيفة يحدثها الله لهم من ملك يبلغ أو علامة أو دليل أو ما شاء الله {وهو القاهر فوق عباده} وعلى ما يشاء وفيه زجر عن سوء القول في الأموات وفعل ما كان يسرهم في حياتهم وزجر عن عقوق الأصول والفروع بعد موتهم بما يسوءهم من فعل أو قول قال: وإذا كان الفعل صلة وبرا كان ضده قطيعة وعقوقا

(الحكيم) الترمذي (عن والد عبد العزيز)

ص: 251

3317 -

(تعرف) بشد الراء (إلى الله) أي تحبب وتقرب إليه بطاعته والشكر على سابغ نعمته والصبر تحت مر أقضيته وصدق الالتجاء الخالص قبل نزول بليته (في الرخاء) أي في الدعة والأمن والنعمة وسعة العمر وصحة البدن فالزم الطاعات والإنفاق في القربات حتى تكون متصفا عنده بذلك معروفا به (يعرفك في الشدة) بتفريجها عنك وجعله لك من كل ضيق مخرجا ومن كل هم فرجا بما سلف من ذلك التعرف كما وقع للثلاثة الذين آووا إلى الغار فإذا تعرفت إليه في الرخاء والاختيار جازاك عليه عند الشدائد والاضطرار بمدد توفيقه وخفي لطفه كما أخبر تعالى عن يونس عليه الصلاة والسلام بقوله {فلولا أنه كان من المسبحين} يعني قبل البلاء بخلاف فرعون لما تنكر إلى ربه في حال رخائه لم ينجه اللجأ عند بلائه قال: {آلآن وقد عصيت قبل} وقيل المراد تعرف إلى ملائكته في الرخاء بالتزامك الطاعة والعمل فيما أولاك من نعمه فإنه يجازيك في الشدة يعرفك في الشدة بواسطة شفاعتهم بتفريج كربك والأول أولى لاستغنائه عن التقدير قال الصوفية: ينبغي أن يكون بينه وبين ربه معرفة خاصة بقلبه بحيث يجده قريبا للاستغناء له من فيأنس به في خلوته ويجد حلاوة ذكره ودعائه ومناجاته وخدمته ولا يزال العبد يقع في شدائد وكرب في الدنيا والبرزخ والموقف فإذا كان بينه وبين ربه معرفة خاصة كفاه ذلك كله

(أبو القاسم بن بشران في أماليه عن أبي هريرة) ورواه عنه القضاعي وغيره وقال بعض الشراح: حسن غريب

ص: 251

3318 -

(تعشوا ولو بكف من حشف) تمر يابس فاسد أو ضعيف لا نوى له كالشيص (فإن ترك العشاء مهرمة) أي مظنة للضعف والهرم كما ذكره الزمخشري لأن النوم والمعدة خالية من الطعام يورث تحليلا للرطوبات الأصلية لقوة الهاضمة وفي رواية بدل مهرمة مسقمة وذلك لما فيه من هجوم المرة وهيجان الصفراء سيما في الصيف وشدة الحر وقال الزين العراقي: دل الحديث لو كان محلا للحجة على ندب العشاء لكون تركه مهرمة وفيه أنه لا ينبغي تعاطي الأمور المؤدية للهرم لأنه يضعفه عن العبادة وفي قوله ولو بكف من حشف إرشاد إلى سد الجائع جوعته بما تيسر من غير

⦗ص: 252⦘

تكلف وقال العسكري: ربما توهم متوهم أن المصطفى صلى الله عليه وسلم حث على الإكثار من الطعام وهذا غلط شديد فإن من أكل فوق شبعه أكل ما لا يحل له فكيف يأمر بأكله وإنما معناه أن القوم كانوا يخففون في المطعم ويدع المتغذي منهم الغذاء ولم يبلغ الشبع ويتواصون بذلك

(ت) من حديث محمد بن يعلى الكوفي عن عنبسة بن عبد الرحمن القرشي بن عبد الملك بن علاق (عن أنس) بن مالك ثم قال الترمذي: هذا حديث منكر لا نعرفه إلا من هذا الوجه وعنبسة ضعيف وعبد الملك بن علاق مجهول اه. وبه يعرف أن اقتصار المؤلف على عزو الحديث لمخرجه وحذفه ما عقبه به من بيان حاله وعلله غير صواب وقال الذهبي في الضعفاء والمتروكين: عنبسة هذا متروك متهم وقال الزين العراقي: متفق على ضعفه وقال النسائي: متروك وقال أبو حاتم: وضاع قال الزين: ومدار الحديث على عنبسة هذا ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه وكذا الصغاني وتعقبه المؤلف فلم يأت إلا بما حاصله أن له شاهدا

ص: 251

3319 -

(تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم) أي مقدارا تعرفون به أقاربكم لتصلوها فتعليم النسب مندوب لمثل هذا وقد يجب إن توقف عليه واجب (فإن صلة الرحم محبة) مفعلة من الحب كمظنة من الظن (في الأهل مثراة) بفتح فسكون مفعلة من الثرى أي الكثرة (في المال) أي سبب لكثرته (منسأة في الأثر) مفعلة من النسء في العمر أي مظنة لتأخيره وقيل دوام استمرار في النسل والمعنى أن يمن الصلة يفضي إلى ذلك ذكره البيضاوي وسمى الأجل أثرا لأنه يتبع العمر قال في العارضة: أما المحبة فالإحسان إليهم وأما النسأ في الأثر فيتمادى الثناء عليه وطيب الذكر الباقي له وهذا لا يناقضه ما في الخبر الآتي علم النسب علم لا ينفع وجهالة لا تضر لأن محل النهي إنما هو التوغل فيه والاسترسال بحيث ينتقل به عما هو أهم منه كما يفيده قوله وجهالة لا تضر أما علم ما يعرف به النسب بقدر ما يوصل به الرحم فمحبوب مطلوب للشارع كما يوضحه بل يصرح به خبر ابن زنجويه عن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ثم انتهوا وتعلموا من العريبة ما تعرفون به كتاب الله ثم انتهوا فتأمل قوله ثم انتهوا تجده صريحا فيما قررته قال ابن حزم في كتاب النسب: من علم النسب ما هو فرض عين ومنه ما هو فرض كفاية ومنه مستحب فمن ذلك يعلم أن محمدا رسول الله هو ابن عبد الله الهاشمي فمن ادعى أنه غير هاشمي كفر وأن يعلم أن الخليفة من قريش وأن يعرف من يلقاه بنسب في رحم محرمه ليجتنب تزويج ما يحرم عليه منهم وأن يعرف من يتصل به ممن يرثه أو يجب بره من صلة أو نفقة أو معاونة وأن يعرف أمهات المؤمنين وأن نكاحهن حرام وأن يعرف الصحابة وأن حبهم مطلوب ويعرف الأنصار ليحسن إليهم لثبوت الوصية بذلك ولأن حبهم إيمان وبغضهم نفاق ومن الفقهاء من يفرق في الحرية والاسترقاق بين العرب والعجم فحاجته إلى علم النسب آكد ومن يفرق بين نصارى بني تغلب وغيرهم في الجزية وتضعيف الصدقة وما فرض عليهم عمر الديوان إلا على القبائل ولولا علم النسب ما تخلص له ذلك وتبعه علي وعثمان وغيرهما اه. وقال ابن عبد البر: لعمري لم ينصف من زعم أن علم النسب علم لا ينفع وجهل لا يضر اه وكأنه لم يطلع على كونه حديثا أو رأى فيه قادحا يقتضي الرد

(حم ت) في البر والصلة (ك) في البر (عن أبي هريرة) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي: رجال أحمد قد وثقوا قال ابن حجر: لهذا الحديث طرق أقواها ما خرجه الطبراني من حديث العلاء بن خارجة وجاء هذا عن عمر أيضا ساقه ابن حزم بإسناد رجاله موثقون إلا أن فيه انقطاعا

ص: 252

⦗ص: 253⦘

3320 - (تعلموا مناسككم فإنها من دينكم) أي فإنها جزء من دينكم أو من جنسس دينكم أو من جملة ما فرض عليكم في الدين فالحج من الفروض العينية وكذا العمرة عند الشافعية فتعلم كيفيتهما من الفروض العينية كتوقف أدائهما عليه قالوا: والتعلم فعل يترتب عليه العلم غالبا

(ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي سعيد) الخدري ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأشهر من ابن عساكر ممن يوضع لهم الرموز مع أنه قد خرجه أبو نعيم والطبراني والديلمي وغيرهم

ص: 253

3321 -

(تعلموا العلم وتعلموا للعلم الوقار) الحلم والرزانة قال ابن المبارك: كنت عند مالك فلدغته عقرب ست عشرة لدغة فتغير لونه وتصبر ولم يقطع الحديث فلما فرغ سألته فقال: صبرت إجلالا لحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم وكتب مالك إلى الرشيد إذا علمت علما فلير عليك أثره وسكينته وسمته ووقاره لخبر العلماء ورثة الأنبياء

(حل) من حديث حبوش بن رزق الله عن عبد المنعم بن بشير عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه (عن عمر) ثم قال: غريب من حديث مالك عن زيد لم نكتبه إلا من حديث حبوش بن رزق الله عن عبد المنعم

ص: 253

3322 -

(تعلموا العلم) أي الشرعي زاد في رواية فإن أحدكم لا يدري متى يفتقر إلى ما عنده (وتعلموا للعلم السكينة) بتخفيف الكاف وشذ من شدد أي السكون والطمأنينة أو الرحمة (والوقار) لما ينبغي للعالم مراقبة الله في السر والعلن ولزوم السكينة والوقار والخضوع والخشوع والمحافظة على خوفه في جميع حركاته وسكناته وأقواله وأفعاله فإنه أمين على ما استودع من العلوم ومنح من الحواس الفهوم (وتواضعوا لمن تعلمون) بحذف إحدى التاءين (منه) فإن العلم لا ينال إلا بالتواضع وإلقاء السمع وتواضع الطالب لشيخه رفعة وذلة عز وخضوعه فخر وأخذ الحبر مع جلالته وقرابته للمصطفى صلى الله عليه وسلم بركاب زيد بن ثابت وقال: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا فقبل زيد يده وقال: هكذا أمرنا أن نفعل بآل بيت نبينا قال السليمي: ما كان إنسان يجترئ على ابن المسيب ليسأله حتى يستأذنه كما يستأذن الأمير وقال الشافعي: كنت أصفح الورق بين يدي مالك برفق لئلا يسمع وقعها وقال الربيع: والله ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر

(طس عد عن أبي هريرة) قال الهيثمي: وفيه عباد بن كثير وهو متروك الحديث

ص: 253

3323 -

(تعلموا ما شئتم أن تعلموا فلن ينفعكم الله) بما تعلمتوه (حتى تعملوا بما تعلمون){كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} قال العلائي: مقصود الحديث أن العمل بالعلم هو المطلوب من العباد النافع عند قيام الأشهاد ومتى تخلف العمل عن العلم كان حجة على صاحبه وخزيا وندامة يوم القيامة

(عد خط) في كتاب اقتضاء العلم للعمل (عن معاذ) ابن جبل و (ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي الدرداء) قال الحافظ العراقي: سنده ضعيف قال ورواه الدارمي موقوفا على معاذ بسند صحيح

ص: 253

⦗ص: 254⦘

3324 - (تعلموا من أهل العلم ما شئتم فوالله لا تؤجروا بجمع العلم حتى تعملوا) بمقتضاه لأن العلم كالشجرة والتعبد كالثمرة فإذا كانت الشجرة لا ثمر لها فلا فائدة لها وإن كانت حسنة المنظر فينبغي مزج العلم بالتعبد لأنه ليس ثم عمر طويل غالبا حتى يترك له برهة من العلم قبل العمل فيخشى عليه أن يموت وهو في السبب قبل وصوله للمقصود وقد جعل المصطفى صلى الله عليه وسلم العمل بالعلم من الأمور التي يغبط صاحبها عليها والمراتب التي يتمنى المرء الوصول إليها. " أوحى الله إلى بعض الأنبياء قل للذين يتفقهون لغير الدين ويتعلمون لغير العمل ويطلبون الدنيا بعمل الآخرة ويلبسون مسوك الكباش وقلوبهم كقلوب الذئاب ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من الصبر: إياي تخادعون وبي تستهزؤون لأتيحن لكم فتنة تذر الحليم حيرانا "

(أبو الحسن بن الأحزم) بخاء معجمة وراء مهملة بضبط المصنف (المديني في أماليه عن أنس) بن مالك

ص: 254

3325 -

(تعلموا الفرائض وعلموا الناس فإنه نصف العلم) إذ في الفرائض معظم الأحكام المتعلقة بالموت أي قسم واحد منه سماه نصفا توسعا في الكلام أو اعتبارا بحالتي الحياة والموت أو المراد أنه نصف العلم لما فيه من كثرة الغرض والتقدير والتعلقات ولا يعارضه ما في بعض الروايات من قوله فإنه من دينكم لأن من للتبعيض والجزء أعم من النصف وصدقهما ممكن ولا ينافيه الخبر الآتي العلم ثلاث: آية محكمة وسنة قائمة وفريضة عادلة لأنه لم يجعله أثلاثا بل أقساما ثلاثة فيجوز أن تكون الفريضة العادلة نصف العلم والباقيات النصف الآخر (وهو ينسى) فيه كما في الكافي دلالة على أن المراد بالتعلم هنا التكرار ولا يكفي تعلمه مرة واحدة وقد سقط الوجوب عن الأمة بل المراد تعلمه بحيث لا ينسى فإنه أخبر بأنه مما ينسى وليس المراد الخبر عنه بذلك بل إنه يسرع إليه النسيان دون غيره لكثرة تشابهه فيكون قد حث على تكرار تعلمه ومداومة مدارسته فكأنه يقول تعلموا الفرائض وكرروها فإنها تنسى ومصداقه موجود فإنها أسرع العلوم نسيانا وأحوجها إلى المذاكرة والرياضة فيه بعمل المسائل وقال الماوردي: إنما حث على علم الفرائض لأنهم كانوا قريبين العهد بغير هذا التوارث ولئلا يعطل بتشاغلهم بعلم أعم منه في عباداتهم ومعاملاتهم فيؤدي إلى انقراضه (وهو أول شيء ينزع من أمتي) أي ينزع علمه منهم بموت من يعلمه وإهمال من بعدهم له. <تنبيه> قال بعضهم: قد أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم عن هذا العلم أنه ينسى وأنه أول ما ينسى وخبر الصادق واجب الوقوع وواجب الوقوع لا يرفعه تعلمه ولا غيره فكيف أوقعه موقع العلة للحث على تعلمه؟ وأجيب بأن تعلم العلم من حيث هو فخار في الدارين وزمن الانتزاع غيب عنا فكأنه حث على تعلمه واغتنام زمن وجوده وانتهاز الفرصة في تحصيله قبل انتزاعه فيفوت تحصيل أجره وذلك يدل على عظم شأنه فهو كخبر حجوا قبل أن لا تحجوا أي اغتنموا فرصة الإمكان والفوز بهذا الثواب العظيم قبل أن يفوت لأنه فائت

(هـ ك) في الفرائض (عن أي هريرة) قال الحافظ الذهبي: فيه حفص بن عمر بن العطاف واه بمرة وقال ابن حجر: مداره على حفص هذا وهو متروك قال البيهقي: تفرد به حفص وليس بقوي

ص: 254

3326 -

(تعلموا الفرائض والقرآن وعلموا الناس فإني مقبوض) قال الطيبي: هذا كقوله تعالى: {إنما أنا بشر مثلكم} أي كوني

⦗ص: 255⦘

امرءا مثلكم علة لكوني مقبوضا لا أعيش أبدا وتمامه وأن العلم سيقبض أي بموت أهله كما تقرر وتظهر الفتن حتى يختلف الاثنان في فريضة فلا يجدان من يفصل بينهما قال التوربشتي: ذهب بعضهم إلى أن الفرائض هنا علم المواريث ولا دليل معه والظاهر أن المراد ما افترضه الله على عباده وقيل أراد السنن الصادرة منه المشتملة على الأمر والنهي الدالة على ذلك كأنه قال تعلموا الكتاب والسنة فإني مقبوض أي سأقبض أراد به موته وخص هذين القسمين لانقطاعهما بقبضه إذ أحدهما أوحي إليه والثاني إعلام منه للأمة به

(ت) في الفرائض من حديث شهر بن حوشب (عن أبي هريرة) وقال فيه اضطراب انتهى فاقتصار المصنف على عزوه له وحذفه ما عقبه له من بيان علته غير مرضي وقضية صنيع المؤلف أيضا أن الترمذي تفرد بإخراجه من بين الستة والأمر بخلافه فقد قال الحافظ في الفتح: خرجه أحمد والترمذي والنسائي وصححه الحاكم بلفظ تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإني امرؤ مقبوض وإن العلم سيقبض حتى يختلف اثنان في الفريضة فلا يجدان من يفصل بينهما انتهى قال الحافظ: رواته موثقون إلا أنه اختلف فيه على عوف الأعرابي

ص: 254

3327 -

(تعلموا القرآن واقرأوه وارقدوا) أي اجعلوا آخر عملكم بالليل قراءة شيء منه كآية الكرسي وسورة الكافرون (فإن مثل القرآن لمن تعلمه فقرأه وقام به) يحتمل أنه أراد في الصلاة (كمثل جراب) بكسر الجيم معروف وقال الصدر المناوي: العامة تفتحها (محشو مسكا يفوح ريحه في كل مكان ومثل من تعلمه فيرقد وهو في جوفه كمثل جراب أوكئ على مسك) فهو لا يفوح منه شيء وإن فاح فقليل وهذا يشير إلى أن المراد بالقيام فيه قراءته في التهجد وأما حمل القيام به على العمل بما فيه فلا يلاءم السوق كما لا يخفى على أهل الذوق

(ت) في فضائل القرآن (ن) في السير (هـ) في السنة (حب) كلهم (عن أبي هريرة) قال الترمذي: حسن غريب انتهى واعلم أني وقفت على أصول صحيحة فلم أر فيها لفظ وارقدوا - فليحرر

ص: 255

3328 -

(تعلموا كتاب الله) القرآن أي احفظوه وتفهموه (وتعاهدوه) زاد في رواية واقتنوه أي الزموه (وتغنوا به) أي اقرأوه بتحزين وترقيق وليس المراد قراءته بالألحان والنغمات (فوالذي نفسي بيده) بقدرته وتصرفه (لهو أشد تفلتا) أي ذهابا (من المخاض) أي النوق الحوامل (في العقل) حمع عقال وعقلت البعير حبسته وخص ضرب المثل بها لأنها إذا انفلتت لا تكاد تلحق

(حم عن عقبة بن عامر) الجهني قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح

ص: 255

3329 -

(تعلموا من قريش) القبيلة المعروفة (1)(ولا تعلموها) الشجاعة أو الرأي الصائب والحزم الثاقب والقيام بمعاظم الأمور ومهمات العلوم فإنها بها عالمة (وقدموا قريشا) في المطالب العالية والمصادر السامية (ولا تؤخروها) زاده

⦗ص: 256⦘

تأكيدا في طلب التقديم وإلا فهو معلوم منه وعلل ذلك بقوله (فإن للقرشي) أي للرجل القرشي (قوة رجلين) أي مثل قوة اثنين (من غير قريش) فعلم أن المراد القوة العلمية والقوة في الشجاعة والرأي كما تقرر وهو يدل على أن المراد بالتقديم التقديم للإمامة العظمى والإمارة

(ش عن سهل بن أبي حثمة) بفتح المهملة وسكون المثلثة عبد الله وقيل عامر بن ساعدة بن عامر الأنصاري الخزرجي المدني صحابي صغير مات المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان سنين وقد حفظ عنه فإنه ولد سنة ثلاث من الهجرة وله أحاديث غير هذا واختلف في اسم أبي خثمة فقيل عبد الله وقيل عامر مات سهل في خلافة معاوية

(1) وحذف المعمول يفيد العموم أي تعلموا منها كل شيء يطلب تعلمه

ص: 255

3330 -

(تعلموا من النجوم) أي من علم أحكامها (ما تهتدون به في ظلمات البر والبحر) فإن ذلك ضروري لا بد منه سيما للمسافر (ثم انتهوا) فإن النجامة تدعو إلى الكهانة والمنجم كاهن والكاهن ساحر والساحر كافر في النار كذا علله علي كرم الله وجهه قال ابن رجب: والمأذون في تعلمه علم التسيير لا علم التأثير فإنه باطل محرم قليله وكثيره وفيه ورد الخبر الآتي من اقتبس شعبة من النجوم إلخ وأما علم التسيير فتعلم ما يحتاج إليه من الاهتداء ومعرفة القبلة والطرق جائز عند الجمهور بهذا الخبر قال ابن رجب: وما زاد عليه لا حاجة إليه لشغله عما هو أهم منه وربما أدى تدقيق النظر فيه إلى إساءة الظن بمحاريب المسلمين كما وقع من أهل هذا العلم قديما وحديثا وذلك يفضي إلى اعتقاد خطأ السلف في صلاتهم وهو باطل. <فائدة> قال الزمخشري: كان علماء بني إسرائيل يكتمون علمان عن أولادهم: النجوم والطب لئلا يكونا سببا لصحبة الملوك فيضمحل دينهم

(ابن مردويه) في التفسير (خط في كتاب النجوم عن عمر) ابن الخطاب رضي الله عنه قال عبد الحق: وليس إسناده مما يحتج به وقال ابن القطان: فيه من لا أعرف اه لكن رواه ابن زنجويه من طريق آخر وزاد: وتعلموا ما يحل لكم من النساء ويحرم عليكم ثم انتهوا

ص: 256

3331 -

(تعمل هذه الأمة برهة) بضم الباء وقد تفتح أي مدة من الزمان (بكتاب الله) أي القرآن يعني بما فيه (ثم تعمل برهة بسنة رسول الله) صلى الله عليه وسلم أي بهديه وطريقته وما سنه من الأحكام (ثم تعمل) بعد ذلك (بالرأي)(1) في النهاية: المحدثون يسمون أصحاب القياس أصحاب الرأي يعنون أنهم يأخذون بآرائهم فيما يشكل من الحديث وما لم يأت به خبر ولا أثر (فإذا عملوا بالرأي) كما ذكر (فقد ضلوا وأضلوا) أي استحسنوا رأي أنفسهم وعملوا به فقد ضل العاملون في أنفسهم وأضلوا من تبعهم

(ع عن أبي هريرة) قال المحقق أبو زرعة: لا ينبغي الجزم بهذا الحديث فإنه ضعيف اه ولم يبين وجه ضعفه وبينه الهيثمي فقال: فيه عثمان بن عبد الرحمن الزهري متفق على ضعفه اه وبه يعرف أن سكوت المصنف عليه غير مرضي وقال في الميزان: عثمان هذا قال البخاري تركوه ثم ساق له أخبارا هذا منها

(1)[والرأي المذموم هو في حال وجود النص الواضح. أما إذا أشكل الحديث أو لم يأت في الموضوع آية أو خبر أو أثر فقد لجأ معظم المجتهدين وأصحاب المذاهب إلى الاستنباط والقياس وهما ثابتان مقبولان بنص القرآن والسنة. قيل لأبي حنيفة؟ ؟ : إنك تقيس وأول من قاس إبليس. فأجاب ما حاصله أن إبليس قاس ليعصي (رغم وجود الأمر) وإني أقيس لأطيع (لعدم وجود النص) . . . فرحم الله امرأ عرف الحق فوقف عنده ولم يتعسف. دار الحديث]

ص: 256

3332 -

(تعوذوا بالله من جهد البلاء) بفتح الجيم أفصح من ضمها الحالة التي يمتحن بها الإنسان أو بحيث يتمنى الموت

⦗ص: 257⦘

ويختاره عليها أو قلة المال وكثرة العيال أو غير ذلك (ودرك الشقاء) بتحريك الراء وسكونها اسم من الإدراك لما يلحق الإنسان من تبعة والشقاء بمعنى الشقاوة وقال ابن حجر رحمه الله تعالى: هو الهلاك وقيل هو واحد درجات جهنم ومعناه من موضع أهل الشقاوة وهي جهنم أو من موضع يحصل لنا فيه شقاوة أو هو مصدر إما مضاف إلى المفعول أو إلى الفاعل أي من درك الشقاء إيانا أو من دركنا الشقاء (وسوء القضاء) أي المقضي لأن قضاء الله كله حسن لا سوء فيه وهذا عام في أمر الدارين (وشماتة الأعداء) أي فرحهم ببلية تنزل بعدوهم وسرورهم بما حل بهم من البلايا والرزايا والخصلة الأخيرة تدخل في عموم كل واحدة من الثلاثة مستقلة فإن كل أمر يكره يلاحظ فيه جهة المبدأ وهو سوء القضاء وجهة المعاد وهو درك الشقاء لأن شقاء الآخرة هو الشقاء الحقيقي وجهة المعاش وهو جهد البلاء وشماتة الأعداء تقع لكل منهما

(خ) في القدر وغيره (عن أبي هريرة) قضية كلام المصنف أن ذا مما تفرد به البخاري عن صاحبه والأمر بخلافه فقد عزاه جمع منهم الديلمي في مسند الفردوس والصدر المناوي إلى مسلم أيضا في الدعوات ورواه عنه أيضا النسائي وغيره

ص: 256

3333 -

(تعوذوا بالله من جار السوء في دار المقام فإن الجار البادي يتحول عنك) قال الديلمي: البادي الذي يسكن البادية قال لقمان عليه السلام لابنه فيما رواه البيهقي عنه بسند عن الحسن: يا بني حملت الجندل والحديد وكل ثقيل فلم أحمل شيئا أكثر من جار السوء وذقت المرار فلم أذق شيئا أمر من الصبر

(ن) وكذا البيهقي في الشعب (عن أبي هريرة) وأبي سعيد معا قال الحافظ العراقي: وسنده صحيح

ص: 257

3334 -

(تعوذوا بالله من ثلاث فواقر) أي دواهي واحدتها فاقرة كأنها تحطم فقار الظهر (جار سوء) بالإضافة (إن رأى خيرا) عطف بيان أو خبر مبتدأ محذوف أي هو الذي إن اطلع منك على خير (كتمه) عن الناس حسدا وشرة وسوء طبيعة (وإن رأى) عليك (شرا أذاعه) أي أفشاه بين الناس ونشره (وزوجة سوء) بالإضافة (إن دخلت) أنت (عليها) في بيتك (لسنتك) أي رمتك بلسانها وآذتك به (وإن غبت عنها خانتك) في نفسها أو مالك أو عرضك (وإمام سوء) بالإضافة (إن أحسنت) إليه بقول أو فعل (لم يقبل) ذلك منك (وإن أسأت لم يغفر) لك ما فرط منك من زلة أو سهوة أو هفوة أو جفوة

(هب عن أبي هريرة) وفيه أشعث بن هجام الهجيمي قال الذهبي في الضعفاء: ضعفوه وفي الميزان عن النسائي متروك الحديث وعن البخاري منكر الحديث ثم ساق له مما أنكر عليه هذا الخبر

ص: 257

3335 -

(تعوذوا بالله من الرغب) بالتحريك العشار المكاس أي تعوذوا من مثل حاله أو من قربه أو من أذيته وسعايته هذا ما قرره بعض الشارحين ثم وقفت على نسخة المصنف التي بخطه فرأيته كتب على الحاشية بإزاء الرغب هو كثرة الأكل هكذا كتب بخطه وهو حسن غريب ثم رأيت مخرج الحديث الحكيم الترمذي فسره بكثرة الأكل والجماع فقال: الرغب كثرة الأكل والشبع مفقود حتى يحتاج صاحبه أن يأكل في اليوم مرات وصاحب هذا ممن الحرص عليه غالب فالتهاب نار الحرص يهضم طعامه وينشف رطوبته حتى يسرع في يبسه فيصير تفلا يحتاج إلى أن ينقصه قال: وكانت لأبي سعيد الخدري ابنة رغيبة فدعا الله عليها فماتت

⦗ص: 258⦘

قال: والحرص على الطعام جعامة النفس وإذا كانت النفس جعمة فصاحبها مفتون وابتلى الله الآدمي بهذه الشهوات فرب نفس مالت جعامتها إلى البطن ورب نفس مالت إلى الفرج فلذلك تجد الناس على ذلك فإذا عجز عنه فعلا لنحو كبر أو ضعف فقلبه منهوم ولسانه رافث وعينه طماحة خائنة

(الحكيم) الترمذي (عن أبي سعيد) الخدري

ص: 257

3336 -

(تغطية الرأس بالنهار فقه) أي من نتائج الفهم لكلام العلماء الحكماء فإن عندهم أن التقنع نهارا محبوب مطلوب (وبالليل ريبة) أي تهمة يستراب منها فإن من وجد إنسانا متقنعا ليلا إنما يظن به أنه لص أو يريد الفجور بامرأة أو نحو ذلك وإلا لما غطى وجهه وستر أمره ومحصول ذلك أنه نهارا حسن وليلا مذموم

(عد عن واثلة) بن الأسقع وفيه نعيم بن حماد قال الذهبي: لين الحديث عن بقية وحاله معروف

ص: 258

3337 -

(تفتح أبواب السماء ويستجاب الدعاء) ممن دعا بدعاء متوفر الشروط والأركان (في أربعة مواطن عند التقاء الصفوف في سبيل الله) أي في جهاد الكفار (وعند نزول الغيث) أي المطر (وعند إقامة الصلاة) يحتمل أنه يريد الصلوات الخمس ويحتمل العموم (وعند رؤية الكعبة) يحتمل أن المراد أول ما يقع بصر القادم إليها عليها ويحتمل أن المراد ما يشمل دوام مشاهدتها فما دام إنسان ينظر إليها فباب السماء مفتوح والدعاء مستجاب والأول أقرب قال الغزالي: شرف الأوقات يرجع بالحقيقة إلى شرف الحالات فحالة القتال في سبيل الله يقطع عندها الطمع عن مهمات الدنيا ويهون على القلب حياته في حب الله وطلب رضاه وكذا يقال بنحوه في الباقي

(طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي: فيه عفير بن معدان وهو مجمع على ضعفه جدا وقال ابن حجر: حديث غريب وقد تساهل الحاكم في المستدرك فصححه فرده الذهبي بأن فيه عفير بمهملة وفاء مصغرا واه جدا وقد تفرد به وهذا الحديث لم أره في نسخة المصنف التي بخطه

ص: 258

3338 -

(تفتح أبواب السماء لخمس: لقراءة القرآن وللقاء يوم الزحف) في قتال الكفار (ولنزول القطر ولدعوة المظلوم وللأذان) أي أذان الصلاة والمراد أن الدعاء في هذه الأوقات مستجاب كما أفصح به فيما قبله وقال العامري: كأنها تفتح لنزول النصر عند القتال ونزول البر للمصلين فإذا صادف الدعاء فتحها لم يرد كما إذا صادف السائل باب السلطان الكريم مفتوحا لا يكاد يخيب أمله وفيه حث على حضور المسجد في الوقت لانتظار الفريضة وإجابة الدعاء

(طس) من حديث حفص بن سليمان (عن ابن عمر) بن الخطاب قال ابن حجر: غريب وحفص هو القارئ إمام في القراءة ضعيف في الحديث وقال الهيثمي: فيه حفص بن سليمان ضعفه الشيخان وغيرهما

ص: 258

3339 -

(تفتح أبواب السماء نصف الليل) الظاهر أن المراد ولا يزال مفتوحا إلى الفجر (فينادي مناد) أي من السماء من الملائكة بأمر الله تعالى (هل من داع) أي طالب من الله (فيستجاب له هل من سائل فيعطى) مسؤوله والجمع بينه

⦗ص: 259⦘

وبين ما قبله للتأكيد (هل من مكروب فيفرج عنه فلا يبقى مسلم يدعو بدعوة إلا استجاب الله له إلا زانية تسعى بفرجها) أي تكتسب (أو عشار) أي مكاس فإنه لا يستجاب لهما لجرم ذنبهما قالوا: إنما كان الفتح نصف الليل لأنه وقت صفاء القلب وإخلاصه وفراغه من المشوشات وهو وقت اجتماع الهمم وتعاون القلوب واستدرار الرحمة وفيوض الخيور

(طب عن عثمان بن أبي العاص) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح إلا أن فيه علي بن زيد وفيه كلام

ص: 258

3340 -

(تفتح لكم أرض الأعاجم) يعني العراقين بلاد كسرى ويحتمل أن المراد ما عدا أرض العرب وهو أقرب (وستجدون فيها بيوتا يقال لها الحمامات) من الحميم وهو الماء الحار وأول من اتخذه سليمان عليه السلام كما سبق (فلا يدخلها الرجال إلا بإزار) لأن دخولهم بدونه إن كان فيها أحد رأى عورته أو لا أحد فقد يفجأه أحد ذكره ابن جرير (وامنعوا النساء أن يدخلنها) مطلقا ولو بإزار كما يفيده السياق (إلا مريضة أو نفساء) وقد خافت محذورا من الاغتسال في البيت أو احتاجت إلى دخوله في شد الأعضاء ونحو ذلك فلا تمنعونهن حينئذ للضرورة فدخول النساء الحمام مكروه إلا لضرورة وهذا من معجزات المصطفى صلى الله عليه وسلم لأنه إخبار عن غيب وقد وقع

(هـ عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه

ص: 259

3341 -

(تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس) حقيقة لأن الجنة مخلوقة وفتح أبوابها ممكن أو هو بمعنى كثرة الغفران ورفع المنازل وإعطاء جزيل الثواب (فيغفر فيهما لكل عبد لا يشرك بالله شيئا) أي ذنوبه الصغائر (1) بغير وسيلة طاعة (إلا رجل) قال التوربشتي: الوجه نصبه لأنه استثناء من كلام موجب وبه وردت الرواية الصحيحة وروى بالرفع قال الطيبي: وعليه فيقال الكلام محمول على المعنى أي لا يبقى ذنب أحد إلا ذنب رجل وذكر الرجل وصف طردي والمراد إنسان (كان بينه وبين أخيه) أي في الإسلام (شحناء) بفتح الشين المعجمة والمد أي عداوة (فيقال انظروا) بقطع الهمزة يعني يقول الله للملائكة النازلة بهدايا المغفرة أخروا وأمهلوا ذكره البيضاوي وقال الطيبي: ولا بد هنا من تقدير من يخاطب بقوله أنظروا كأنه تعالى لما غفر للناس سواهما قيل اللهم اغفر لهما أيضا فأجاب أنظروا (هذين) أتى باسم الإشارة بدل الضمير لمزيد التغيير والتنفير ذكره القاضي يعني لا تعطوا منها أنصباء رجلين بينهما عداوة (حتى) ترتفع و (يصطلحا) ولو بمراسلة عند البعد قال المنذري: قال أبو داود: إذا كان الهجر لله فليس من هذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم هجر بعض نسائه أربعين يوما وابن عمر هجر ابنا له حتى مات قال ابن رسلان: ويظهر أنه لو صالح أحدهما الآخر فلم يقبل غفر للمصالح وفي رواية اتركوا هذين حتى يفيئا. <تنبيه> عد المصنف من خصائص هذه الأمة فتح السماء لأعمالهم وأرواحهم

(خد م) في البر (د) في الأدب (ن عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا الترمذي وابن حبان ولم يخرجه البخاري ووهم المحب الطبري في عزوه له

(1) فإن لم يوجد صغائر أو كفرت بخصال أخرى فنرجو من فضل الله أن يكفر من الكبائر بهذا وفي فتح الباري أن كل نوع من الطاعات مكفر لنوع مخصوص من المعاصي كالأدوية بالنسبة للداءات

ص: 259

⦗ص: 260⦘

3342 - (تفتح) بضم الفوقية مبنيا للمفعول (اليمن) أي بلادها سمي يمنا لأنه يمين الكعبة أو الشمس أو باسم يمن بن قحطان (فيأتي قوم يبسون) بفتح المثناة التحتية أو ضمها مع كسر الموحدة أو ضمها وشد السين من البس وهو سوق بلين أي يسوقون دوابهم إلى المدينة أو معناه يزينون لأهلهم البلاد التي تفتح ويدعونهم إلى سكناها (فيتحملون) من المدينة إلى اليمن (بأهليهم) أي زوجاتهم وأبنائهم (ومن أطاعهم) من الناس راحلين إلى اليمن وهو عطف على أهليهم والمراد أن قوما ممن يشهد فتحها إذا رأوا سعة عيشها هاجروا إليها ودعوا إلى ذلك غيرهم (والمدينة) أي والحال أن الإقامة بالمدينة (خير لهم) من اليمن لكونها حرم الرسول وجواره ومهبط الوحي ومنزل البركات (لو كانوا يعلمون) بفضلها وما في الإقامة بها من الفوائد الدينية والعوائد الأخروية حتى يحتقر دونها ما يجدونه من الحظوظ الفانية العاجلة بسبب الإقامة في غيرها ذكره البيضاوي وأيده الطيبي بتنكير قوم ووصفهم بكونهم يبسون ثم توكيده بقوله لو كانوا يعلمون لإشعاره بأنهم ممن ركن إلى الحظوظ البهيمية والحطام الفاني وأعرض عن الإقامة في جوار المصطفى صلى الله عليه وسلم ولذلك كرر قوما ووصفه في كل مرتبة بقوله يبسون استهجانا لذلك الفعل القبيح وجواب لو محذوف أي لو كانوا من العلماء لعلموا أن إقامتهم بالمدينة أولى وقد تجعل للتمني فلا جواب لها (وتفتح الشام) سمي به لكونه عن شمال الكعبة وفتح اليمن قبل الشام كما يلوح به ابتداء الخبر وللإتفاق على أنه لم يفتح شيء من الشام في عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم فقول مسلم تفتح الشام ثم اليمن ثم العراق مؤول بأن الثانية للترتيب الإخباري (فيأتي قوم يبسون) بفتح أوله وضمه وكسر الموحدة وضمها (فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم) من الناس راحلين إلى الشام (والمدينة خير لهم) منها لما ذكر (لو كانوا يعلمون) بفضلها فالجواب محذوف كما في السابق واللاحق دل عليه ما قبله وإن كانت لو بمعنى ليت فلا جواب لها وكيفما كان ففيه تجهيل لمن فارقها لتفويته على نفسه خيرا جسيما (وتفتح العراق فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم) راحلين إلى العراق (والمدينة خير لهم) من العراق (لو كانوا يعلمون) وهذه معجزة ظاهرة للمصطفى صلى الله عليه وسلم لإخباره بفتح هذه الأقاليم وأن الناس يتحولون إليها بأهليهم ويفارقون المدينة ولو لازموها لكان خيرا وقد كان ذلك كله على الترتيب المذكور وأما رواية تقديم فتح الشام على اليمن فمعناها أن استيفاء فتح اليمن إنما كان بعد الشام وأفاد فضل المدينة على البلاد المذكورة وهو إجماع وأن بعض البقاع أفضل من بعض

(مالك) في آخر الموطأ (ق) في الحج (عن سفيان) بتثليث السين (بن أبي زهير) قال ابن حجر: واسم أبي زهير القرد بكسر القاف الشنؤي بفتح المعجمة وضم النون وبعد النون همزة ويقال الشنأى النمري بفتح النون صحابي حديثه في البخاري

ص: 260

3343 -

(تفرغوا من هموم الدنيا ما استطعتم) لأن تفريغ المحل شرط لتنزلات غيث الرحمة وما لم يتفرغ المحل لم يصادف الغيث محلا ينزل فيه ولو فرغ العبد المحل وهيأه وأصلحه لرأى العجائب وفضل الله لا يرده عن العبد إلا المانع الذي في قلبه من دنس الدنيا ودغلها وإذا تفرغ منها العبد وأقبل على ربه صنع له جميلا وهيأ له تدبيرا ينال به فوز العاجل والآجل وسعادة الدارين ولهذا

⦗ص: 261⦘

قال بعضهم: هذا أصل عظيم في تمهيد الطريق إلى الحق تقدير بصرف هموم الدنيا المستولية على قلوب الورى الشاغلة لهم عن الإقبال على مولاهم وهمومها كل هم ينشأ عن الهوى في لذة من لذاتها كملبس ومأكل ومنكح ومال وحشم وجاه فكل هم منها يحجب عن الله وعن الآخرة بحسب قوته وضعفه ولا طهارة للقلب إلا بالفراغ منها هما هما ولهذا قال (ما استطعتم) أي لا تتكلفوا بالتفريغ منها كلها جملة واحدة فإنه غير ممكن بل بالتدريج حسبما يعرفه خواص المسلكين وإنما يزال الشيء بضده فيستحضر بدوام الذكر وصفاء القلب هما من هموم الآخرة فيدفع هما من هموم الدنيا وينزله مكانه وهكذا لو غلب عليه الحرص يستحضر التوكل أو الأمل يستحضر قرب الأجل أو العاجل استحضر الآجل أو الحرام استحضر غضب الملك العلام وهكذا حتى يدفع بجميع همومها فيسير إلى الحق بكليته ويقبل عليه بحقيقته (فإن من كانت الدنيا أكبر همه) أي أعظم شيء يهتم به ويصرف كليته إليه (أفشى الله تعالى ضيعته) أي كثر عليه معاشه ليشغله عن الآخرة (وجعل فقره بين عينيه) لأنه إذا رأى منه إقبالا على هذه الدنيا الدنيئة والشهوة الرديئة أعرض عنه حتى يتمكن حب هذه القاذورات منه ويتعالى في الغلو فيها فيضاد أقضية الله وتدبيره فيبوء بتدبيره ومن ثم قيل: من كانت الدنيا همه كثر في الدنيا والأخرى غمه (ومن كانت الآخرة أكبر همه جمع الله له أمره وجعل غناه في قلبه وما أقبل عبد بقلبه إلى الله تعالى إلا جعل قلوب المؤمنين تفد) أي تسرع (إليه بالود والرحمة) أي من تفرغ من هموم الدنيا أقبل قلبه على الله بكليته أي حبا ومعرفة وخوفا فدل على أن هذا الإقبال ممكن وثمرته عاجلة أن يجعل الله تعالى له محبة ورحمة في قلوب خواص عباده ثم بين أثر ذلك بقوله تفد إليه بالود أي تقبل على مهماته وخدمته محبة له ثم أكد ذلك بغاية المنى فقال: (وكان الله تعالى بكل خير إليه أسرع) أي إلى حبه وكفايته ومعونته من جميع عباده ليعرف بركة فراغ قلبه ومن الخير الذي يسرع الله به إليه ما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم من جعل الهموم هما واحدا كفاه الله هموم الدنيا والآخرة ومن كانت الدنيا أكبر همه تخوف بأحوالها وتقلبها ورغب في الجمع والمنع وذلك سم قاتل فمن رفض ذلك انكشف له الغطاء فوجد الله كافيا له في كل أمر فرفع باله عن التدبير لنفسه وأقبل على ملاحظة تدبير الله واستراح وسخر إليه الناس وأفاض عليه الخير بغير حساب ولا قياس

فإن امرءا دنياه أكبر همه. . . لمستمسك منها بحبل غرور

قال الغزالي: ومن الأدوية النافعة في ذلك أن يتحقق أن فوات لذات الآخرة أشد وأعظم من فوات لذات الدنيا فإنها لا آخر لها ولا كدر فيها فلذات الدنيا سريعة الدثور وهي مشوبة بالمكدرات فما فيها لذة صافية عن كدر وفي الإقبال على الأعمال الأخروية والطاعات الربانية تلذذ بمناجاته تعالى واستراحة بمعرفته وطاعته وطول الأنس به ولو لم يكن للمطيع جزاء على عمله إلا ما يجده من حلاوة الطاعة وروح الأنس بمناجاته لكفى فكيف بما يضاف إليه من النعيم الأخروي لكن هذه اللذة لا تكون في الإبتداء بل بعد مدة حتى يصير له الخير ديدنا كما كان السوء له ديدنا

(طب) وكذا في الأوسط (عن أبي الدرداء) وضعفه المنذري وقال الهيثمي: فيه محمد بن سعيد بن حسان المصلوب وهو كذاب اه. وكذا ذكره غيره

ص: 260

3344 -

(تفقدوا نعالكم عند أبواب المساجد) إذا أردتم دخولها وإدخال النعال معكم فإن كان علق بها قذر فأميطوه لئلا يصيب شيئا من أجزاء المسجد فينجسه أو يقذره وتقذيره ولو بالطاهرات حرام

(حل عن ابن عمر) بن الخطاب ثم

⦗ص: 262⦘

قال: لم نكتبه إلا من حديث أحمد بن صالح الشمومي انتهى. وأحمد هذا قال في الميزان عن ابن حبان يضع الحديث وساق هذا الحديث من مناكيره

ص: 261

3345 -

(تفكروا في كل شيء) استدلالا واعتبارا من التفكر وهو يد النفس التي تنال بها المعلومات كما تنال بيد الجسم المحسوسات قاله الحرالي وقال الراغب: الفكرة قوة مطرقة للعلم إلى المعلوم وهو تخيل عقلي موجود في الإنسان والتفكر جولان تلك القوة بين الخواطر بحسب نظر العقل وقد يقال للتفكر الفكر وربما ضل الفكر وأخطأ ضلال الرائد وخطاه والتفكر لا يكون إلا فيما له ماهيته مما يصح أن يجعل له صورة في القلب مفهوما فلهذا قال (ولا تفكروا في ذات الله فإن بين السماء السابعة إلى كرسيه سبعة آلاف نور وهو فوق (1) ذلك كله) قال الديلمي: وفي رواية لابن عباس زيادة وإن ملكا من حملة العرش يقال له إسرافيل زاوية من زوايا العرش على كاهله قد مرقت قدماه في الأرض السفلى ومرق رأسه من السماء السابعة العليا والخالق أعظم من المخلوق. قال الفخر الرازي: أشار بهذا الحديث إلى أن من أراد الوصول إلى كنه العظمة وهوية الجلال تحير وتردد بل عمي فإن نور جلال الإلهية يعمي أحداق العقول البشرية وذلك النظر بالكلية في المعرفة يوقع في الضلال والطرفان مذمومان والطريق القويم أن يخوض الإنسان البحث المعتدل ويترك التعمق ومن ثم سميت كلمة الشهادة كلمة العدل فإن قيل كيف أمر الله بالعدل في بحر التوحيد وقد قال {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء} فمن عجز عن العدل فيهن كيف يقدر على العدل في معرفته قلنا أظهر عجزك في الضعيف وأقدرك على الشريف لتعرف أن الكل منه

(أبو الشيخ [ابن حبان] [ابن حبان] ) الأصبهاني (في العظمة) أي في كتاب العظمة (عن ابن عباس)

(1)[" وهو فوق ذلك ": " فوقية " منزهة عن صفات الأجسام فهي لا تزيده من الأرض بعدا ولا من السماء قربا كما في قواعد العقائد لحجة الإسلام الإمام الغزالي. دار الحديث]

ص: 262

3346 -

(تفكروا في الخلق) أي تأملوا في المخلوقات ودوران الفلك وارتفاع هذا السقف المرفوع بغير عمد ومجاري هذه البحار والأنهار فمن تحقق ذلك علم أن له صانعا ومدبرا لا يعزب عنه مثقال ذرة وفي النصائح املأ عينيك من زينة هذه الكواكب وأجلهما في جملة هذه العجائب متفكرا في قدرة مقدرها متدبرا حكمة مدبرها قبل أن يسافر بك القدر ويحال بينك وبين النظر (ولا تفكروا في الخالق) فإن كل ما يخطر بالبال فهو بخلافه (فإنكم لا تقدرون قدره) أي لا تعرفونه حق معرفته لما له من الإحاطة بصفات الكمال ولما جبلتم عليه من النقص قال العارف ابن عطاء الله: الفكرة سير القلب في ميدان الأغيار الفكرة سراج القلب فإذا ذهبت فلا إضاءة له الفكرة فكرتان فكرة تصديق وإذعان وهي لأرباب الاعتبار المستدلين بالصفة على الصانع وبالمخلوق على الخالق أخذا من قوله سبحانه وتعالى {قل انظروا ماذا في السماوات} {سنريهم آياتنا في الآفاق} وفكرة أهل شهود وعيان وهم الذين عرفوا الصنعة بالصانع وشهدوا الخلق بالخالق استمدادا من قوله تعالى {أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد}

(أبو الشيخ [ابن حبان] [ابن حبان] ) في كتاب العظمة (عن ابن عباس) قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم على قوم ذات يوم وهم يتفكرون فقال: ما لكم لا تتكلمون فقالوا: نتفكر في الله فذكره

ص: 262

3347 -

(تفكروا في خلق الله) أي مخلوقاته التي يعرف العباد أصلها جملة لا تفصيلا كالسماوات بكواكبها وحركتها ودورانها في طلوعها وغروبها والأرض بما فيها من جبالها ومعادنها وأنهارها وبحارها وحيوانها ونباتها وما بينهما وهو الجو بغيومه وأمطاره ورعده وبرقه وصواعقه وما أشبه ذلك فلا تتحرك ذرة منه إلا ولله سبحانه ألوف من الحكمة فيه

⦗ص: 263⦘

شاهدة له بالوحدانية دل على عظمته وكبريائه والتفصيل يطول والتفكر هو المخصوص بالقلب والمقصود من الخلق قال القاضي: وهذا دليل واضح على شرف علم الأصول وفضل أهله:

وفي كل شيء له آية. . . تدل على أنه واحد

ألا ترى إلى نصبه السماء ذات الطرائق ورفعه الفلك فوق رؤوس الخلائق وإجرائه الماء بلا سائق وإرساله الريح بلا عائق؟ فالسماوات تدل على نعته والفلك يدل على حسن صنعته والرياح نشر من نسيم رحمته والأرض تدل على تمام حكمته والأنهار تفجرت بعذوبة كلمته والأشجار تخبر بجميل صنعته (ولاتفكروا في الله فتهلكوا) لأن للعقول كما قال ابن عربي: حد اتفق عنده من حيث هي مفكر وآية مناسبة بين الحق الواجب الوجود لذاته وبين الممكن وإن كان واجبا به عند من يقول به وما أخذه الفكر به إنما يقوم صحيحه من البراهين الوجودية ولا بد بين الدليل والمدلول والبرهان والمبرهن عليه من وجه به يكون التعلق له نسبة إلى الدليل ونسبة إلى المدلول فلا يصح أن يجتمع الخلق والحق في وجه أبدا من حيث الذات بل من حيث إن هذه الذات منعوتة بالألوهية فهذا حكم آخر يستقل العقول بإدراكه وكم من عاقل يدعي العقل الرصين من العلماء النظار يقول: إنه حصل على مفرقة الذات من حيث النظر الفكري وهو غالط لتردده بفكره بين السلب والإثبات راجع إلى الوجود والسلب إلى العدم والنفي لا يكون صفة ذاتية لأن الصفات الذاتية للموجودات إنما هي ثبوتية فما حصل هذا المفكر المتردد بينهما من العلم بالله على شيء

(أبو الشيخ [ابن حبان] [ابن حبان] ) في العظمة (عن أبي ذر) الغفاري

ص: 262

3348 -

(تفكروا في آلاء الله) أي أنعمه التي أنعم بها عليكم قال القاضي: والتفكر فيها أفضل العبادات (ولا تفكروا في الله) فإن العقول تحير فيه فلا يطيق مد البصر إليه إلا الصديقون ثم لا يطيقون دوام النظر بل سائر الخلق أحوال أبصارهم بالإضافة إلى جلاله كبصر الخفاش بالإضافة إلى الشمس فلا يطيقه البتة نهارا ويتردد ليلا لينظر في بقية نور الشمس فحال الصديقين كحال الإنسان في النظر إلى الشمس فإنه يقدر على نظرها ولا يطيق دوامه فإنه يفرق البصر ويورث الدهش فكذا النظر إلى ذات الله يورث الحيرة والدهش واضطراب العقل فالصواب أن لا يتعرض لمجاري الفكر في ذاته وصفاته لأن أكثر العقول لا تحتمله. (تنبيه} قال الراغب: نبه بهذا الخبر على أن غاية معرفة الإنسان ربه أن يعرف أجناس الموجودات جواهرها وأعراضها المحسوسة والمعقولة ويعرف أثر الصنعة فيها وأنها محدثة وأن محدثها ليس إياها ولا مثلا لها بل هو الذي يصح ارتفاع كلها بعد بقائه ولا يصح بقاؤها وارتفاعه ولما كان معرفة العالم كله يصعب على المكلف لقصور الأفهام عن بعضها واشتغال البعض بالضروريات جعل تعالى لكل إنسان من نفسه وبدنه عالما صغيرا أوجد فيه مثال كل ما هو موجود في العالم الكبير ليجري ذلك من العالم مجرى مختصر عن كتاب بسيط يكون مع كل أحد نسخة يتأملها حضرا وسفرا وليلا ونهارا فإن نشط وتفرغ للتوسع في العلم نظر في الكتاب الكبير الذي هو العالم فيطلع منه على الملكوت ليقرر علمه وإلا فله مقنع بالمختصر {وفي أنفسكم أفلا تبصرون}

(أبو الشيخ [ابن حبان] [ابن حبان] ) في العظمة (طس عد هب عن ابن عمر) بن الخطاب قال البيهقي: هذا إسناد فيه نظر قال الحافظ العراقي: قلت فيه الوزاع بن نافع متروك

ص: 263

3349 -

(تفكروا في خلق الله) قال الجنيد: أشرف المجالس وأعلاها الجلوس مع الفكرة في ميدان التوحيد (ولا تفكروا في الله) فإنه لا تحيط به الأفكار قالوا: كان الرجل من بني إسرائيل إذا تعبد ثلاثين سنة أظلته سحابة ففعله رجل فلم تظله فشكى لأمه فقالت: لعلك أذنبت قال: لا قالت: فهل نظرت إلى السماء فرددت طرفك غير مفكر فيها قال: نعم قالت: من ههنا أتيت فعلى العاقل أن لا يهمل التفكر ومن الجوائز أن تروح غدا مع الجائز فالحازم لا يترك مسارح

⦗ص: 264⦘

النظر ترقد ولا تكرى إلا وهو يقظان الفكر نهار يحول وليل يزول وشمس تجري وقمر يسري وسحاب مكفهر وبحر مستطر وخلق تمور ووالد يتلف وولد يخلف ما خلق الله هذا باطلا وأن بعد ذلك أثوابا وأحقابا وحشرا ونشرا وثوابا وعقابا قال الروذباذي: التفكر على أربعة أنحاء فكرة في آيات الله وفكرة في خلقه وعلامتها تولد المحبة وفكرة في وعد الله بثواب وعلامتها تولد الرغبة وفكرة في وعيده بالعذاب وعلامته تولد الرهبة وفكرة في جفاء النفس مع إحسان الله وعلامتها تولد الحياء من الله

(حل عن ابن عباس) قال: خرج علينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ما تفكرون قالوا: نتفكر في الله فذكره قال الهيثمي: فيه الوزاع متروك شيخه العراقي سنده ضعيف جدا قال: ورواه الأصبهاني في الترغيب والترهيب من وجه أصح من هذا وقال السخاوي: هذه الأحاديث أسانيدها كلها ضعيفة لكن اجتماعها يكسب قوة

ص: 263

3350 -

(تقبلوا) ويروى تكفلوا (لي بست) من الخصال (أتقبل لكم الجنة) أي تكفلوا لي بفعل هذه الستة أتكفل لكم بدخول الجنة والقبيل الكفيل (إذا حدث أحدكم فلا يكذب) أي إلا لضرورة أو مصلحة محققة كما سبق (وإذا وعد فلا يخلف) وإن كان وعد صبية كما سبق ويجيء في خبر (وإذا ائتمن فلا يخن) فيما جعل أمينا عليه (غضوا أبصاركم) عن النظر فيما لا يجوز (وكفوا أيديكم) فلا تبسطوها لما لا يحل (واحفظوا فروجكم) عن الزنا واللواط ومقدماتهما والسحاق ونحوه ومن تكفل بالتزام هذه المذكورات فقد توقى أكثر المحرمات فهو جدير بأن يتكفل له بالجنة

(ك هب) وكذا ابن أبي شيبة وأبو يعلى والبيهقي (عن أنس) وفيه سعد بن سنان أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعفوه وفي الميزان: أحاديثه واهية وقال النسائي: منكر الحديث ثم ساق له مما أنكر عليه هذا الخبر وقال المنذري: رواته ثقات إلا سعد بن سنان قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير أن ابن سنان لم يسمع من أنس

ص: 264

3351 -

(تقربوا إلى الله) أي اطلبوا رضاه فالمراد بقرب العبد من ربه قربه بالعمل الصالح لا قرب المكان لأنه من صفات الأجسام المستحيلة عليه (ببغض أهل المعاصي) من حيث كونهم أهل المعاصي لا لذواتهم فالمأمور ببغضه في نفس الأمر إنما هو تلك الأفعال التي نهى الشارع عنها (والقوهم بوجوه مكفهرة) أي عابسة قاطبة فعسى أن ينجع ذلك فيهم فينزجروا (والتمسوا) ببذل الجهد واستفراغ الوسع والطاقة (رضا الله) عنكم (بسخطهم) عليكم فإنهم أعداء الكمال والفلاح والنجاح والصلاح (وتقربوا إلى الله بالتباعد عنهم) فإن مخالطتهم والقرب منهم دخان وصدأ للقلوب في وجه مرآة القلب وما استعين على التخلص من الشر بمثل البعد عن أسبابه ومظانه وشاهد ذلك من التنزيل {ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله} قال البسطامي: إذا نظرت إلى رجل أعطي من الكرامات حتى ارتفع في الهواء فلا تغتر به حتى تنظر حاله عند الأمر والنهي وحفظ الحدود وآداب الشريعة وفي الحديث شمول للعالم العاصي قال بشر: من طلب الرياسة بالعلم فتقرب إلى الله ببغضه فإنه مقيت في السماء والأرض كما يطلب التقرب بمحبة أهل الطاعات قال ابن عمر: والله لو صمت النهار لا أفطره وقمت الليل لا أنامه وأنفقت مالي في سبيل الله ثم أموت وليس في قلبي حب لأهل الطاعة وبغض لأهل المعصية ما نفعني ذلك شيئا وقال العارف ابن السماك عند موته: اللهم إنك تعلم أني إذ كنت أعصيك أحب من يطيعك فاجعله قربة مني إليك وقال الشافعي:

⦗ص: 265⦘

أحب الصالحين ولست منهم. . . لعلي أن أنال بهم شفاعه

وأكره من بضاعته المعاصي. . . وإن كنا جميعا في البضاعه

(ابن شاهين في الأفراد عن ابن مسعود)

ص: 264

3352 -

(تقعد الملائكة) أي الذين في الأرض منهم (على أبواب المساجد) أي الأماكن التي تقام فيها الجمعة وخص المساجد لما أن الغالب إقامتها فيها (يوم الجمعة) من أول النهار بقصد كتابة المبكرين إليها (فيكتبون) في صحفهم (الأول والثاني والثالث) وهكذا (حتى إذا خرج الإمام) ليصعد المنبر للخطبة (رفعت الصحف) أي طووا تلك الصحف ورفعوها للعرض (1) والمقصود بيان فضل التبكير وهو نص صريح في الرد على مالك حيث لم يذهب لندبه

(حم عن أبي أمامة) الباهلي

(1) فمن جاء بعد ذلك فلا نصيب له في ثواب التبكير

ص: 265

3353 -

(تقوم الساعة) أي القيامة (والروم أكثر الناس) ومن عداهم بالنسبة إليهم قليل وثبت في الصحيح أنه لا يبقى مسلم وقت قيام الساعة لكن يكون الروم وهو قوم معروفون وهم أكثر الكفرة ذلك الوقت

(حم م عن المستورد) ابن شداد فقال عمرو بن العاص للمستورد عند روايته ذلك: انظر ما تقول قال: أقول سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لئن قلت ذلك إن فيهم لخصالا أربعة إنهم لأحلم الناس عند فتنة وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة وأوشكهم كرة بعد فرة وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف وأمنعهم ممن ظلم الملوك

ص: 265

3354 -

(تقول النار للمؤمن يوم القيامة) بلسان القال أو الحال (جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهيبي)(1) لأن من أفاض الله الإيمان على قلبه وشرح به صدره فالنار أذل وأقل من أن تجترئ عليه بل إذا لمعت بوارق نور اليقين عليها أخمدها وأطفأها ولخواص أهل الله السطوة التي لا تضاها وبه عرف أن المراد المؤمن الكامل ومن خاف الله حق خيفته خافته المخاوف ذكره الكلاباذي وقال العارف المرسي رضي الله عنه: الدنيا كالنار تقول للمؤمن جز يا مؤمن فقد أطفأ نور قناعتك لهبي وقال بعضهم: أطفىء البلوى بماء الصبر وبرده فليست نار البلية أعظم من نار جهنم لهذا الخبر وذلك لأن نور المؤمن الذي يطفؤ به نار جهنم في القيامة هو نوره الذي كان معه في الدنيا فليطفئ به لهب البلوى ما دام في الدنيا وهذا الحديث وما أشبهه لا ينبغي أن يقص على العوام ولا يذكر على المنابر وفي المحافل وقد اشتد النكير على من قال: وددت أن قد قامت القيامة حتى نصب خيمتي على متن جهنم إذا رأتني تخمد فأكون رحمة للخلق وحمله على ذلك الانبساط بالدعاوى ولو اتبع السلف الصالح لأمسك عن هذا الشطح ولم ينطق بما يوهم تحقير ما عظم الله شأنه من أمر النار حيث بالغ في وصفها فقال: {اتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة}

(طب حل) وكذا ابن عدي (عن يعلى) بفتح التحتية وسكون المهملة وفتح اللام (بن منية) بضم الميم وسكون النون وهو ابن أمية كما مر ومنية أمه وقيل جدته

⦗ص: 266⦘

من مسلمة الفتح شهد حنينا والطائف وتبوك وهو أول من أرخ الكتب وكان جوادا معروفا بالخير والكرم قال الهيثمي: فيه سليم بن منصور وهذا منكر الحديث وعن العقيلي فيه تجهم وعن الدارقطني يروي عن ضعفاء أحاديث لا يتابع عليها ثم له هذا الخبر قال السخاوي: وهو مع ذلك منقطع بين خالد ويعلى

(1) يحتمل أن المراد عند المرور على الصراط

ص: 265

3355 -

(تكفير كل لحاء) بكسر اللام وحاء مهملة والمد أي مخاصمة ومسابة (ركعتان) يركعهما بعد الوضوء لهما فإنه يذهب الغضب كما ورد به خبر يجيء

(طب عن أبي أمامة) قال الحافظ العراقي: سنده ضعيف (1) وبين ذلك تلميذه الهيثمي فقال: فيه مسلمة بن علي وهو متروك وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم وفيه كلام كثير

(1) قال الجوهري: لاحيته ملاحاة ولحاء إذا نازعته وفي المثل من لاحاك فقد عاداك وتلاحوا إذا تنازعوا

ص: 266

3356 -

(تكون لأصحابي) من بعدي (زلة يغفرها الله لهم لسابقتهم معي) زاد الطبراني في روايته ثم يأتي بعدهم قوم يكبهم الله على مناخرهم في النار انتهى والحديث إشارة إلى ما وقع بين عظماء أصحابه من الحروب والمشاجرات التي مبدؤها قتل عثمان وكان بعده ما كان

(ابن عساكر) في التاريخ (عن علي) أمير المؤمنين ورواه الطبراني عن حذيفة قال الهيثمي: وفيه إبراهيم بن أبي الفياض يروي عن أشهب مناكير

ص: 266

3357 -

(تكون) بعدي (أمراء) بضم الهمزة جمع أمير (يقولون) أي ما يخالف الشرع والظاهر أنه أراد بالقول ما يشمل الفعل (ولا يرد عليهم) أي لا يستطيع أحد أن يأمرهم بمعروف ولا ينهاهم عن منكر لما يعلمون من حالهم أنه لا جواب لذلك إلا السيف (يتهافتون) أي يتساقطون من الهتف السقوط وأكثر ما يستعمل في الشر (في النار) نار جهنم (يتبع بعضهم بعضا) أي كلما مات واحد فأدخل فيها يتولى آخر فيعمل عمله فيموت فيقفو أثره وهذا من معجزاته إذ هو إخبار عن غيب وقع

(طب عن معاوية) بن أبي سفيان

ص: 266

3358 -

(تكون فتن) أي محن وبلايا (لا يستطيع أن يغير فيها) ببناء بغير للمجهول أي لا يستطيع أحد أن يغير فيها ما يقع من المنكرات المخالفة للشرع (بيد ولا لسان) لعدم امتثال أمره وخوف القتل فيكفي فيها إنكار ذلك بالقلب بحيث يعلم الله منه أنه ليس براض بذلك وأنه لو استطاع لغيره وكل ذلك قد وقع

(رسته في الإيمان عن علي) أمير المؤمنين

ص: 266

3359 -

(تكون النسم) بعد الموت (طيرا) أي على هيئة الطير أو في حواصل الطير على ما سبق تفصيله (تعلق (1) بالشجر) أي تأكل منه والمراد شجر الجنة (حتى إذا كان يوم القيامة) يعني إذا نفخ في الصور النفخة الثانية (دخلت كل نفس في جسدها) الذي كانت فيه في الدنيا بأن يعيد الله الأجساد كما كانت عند الموت وتسكن أرواحها إليها قال الحكيم الترمذي: لعل هذا أي كونها في جوف الطيور في أرواح كمل المؤمنين اه

(طب عن أم هانئ) بنت أبي طالب أو امرأة أنصارية ذكر كل منهما الطبراني من طريق قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتزاور إذا متنا ويرى بعضنا بعضا فذكره وقضية كلام المصنف أنه لم يره مخرجا لأعلى من الطبراني وهو عجب فقد خرجه أحمد باللفظ المذكور عن

⦗ص: 267⦘

أبي هريرة المزبور وقد سبق عن الحافظ ابن حجر وغيره أن الحديث إذا كان في غير الكتب الستة ورواه أحمد لا يعزى لغيره قال الهيثمي: وفيه ابن لهيعة

(1) وهو في الأصل للإبل إذا أكلت العصاة ويقال علقت تعلق علوقا فنقل إلى الطير

ص: 266

3360 -

(تمام البر) بالكسر (أن تعمل في السر عمل العلانية) فإن أبطن خلاف ما أظهر فهو منافق وإن اقتصر على العلانية فهو مرائي قال الماوردي: قال بعض الحكماء: من عمل في السر عملا يستحي منه في العلانية فليس لنفسه عنده قدر قال:

فسري كإعلاني وتلك خليقتي. . . وظلمة ليلي مثل ضوء نهاريا

ومن استوى سره وعلنه فقد كمل فيه أسباب الخير وانتفت عنه أسباب الشر وصار بالفضل مشهورا وبالجميل مذكورا

(طب عن أبي عامر السكوني) بفتح المهملة وضم الكاف وأخره نون الشامي قال: قلت: يا رسول الله ما تمام البر فذكره قال الهيثمي: فيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ضعيف لم يتعمد الكذب وبقية رجاله وثقوا على ضعف فيهم ورواه الطبراني باللفظ المزبور من طريق آخر عن أبي مالك الأشعري ولو ضمه المصنف له لأحسن

ص: 267

3361 -

(تمام الرباط) أي المرابطة يعني مرابطة النفس بالإقامة على مجاهدتها لتستبدل أخلاقها الردية بالحميدة قال الراغب: المرابطة كالمحافظة وهي ضربان مرابطة في ثغور المسلمين ومرابطة النفس فإنها كمن أقيم في ثغر وفوض إليه مراعاته فيحتاج أن يراعيه غير مخل به كالمجاهدة بل هو الجهاد الأكبر كما في الحديث الآتي (أربعين يوما) لأنها مدة يصير المداومة فيها على الشيء خلقا كالخلق الأصلي الغريزي (ومن رابط أربعين يوما لم يبع ولم يشتر ولم يحدث حدثا) أي لم يفعل شيئا من الأمور الدنيوية الغير الضرورية والحاجية أو غلق الباب وهجر الأصحاب وتجنب الأحباب (خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) أي بغير ذنب قال البوني: أجمع السلف على أن حد الفتح الرباني والكشف الوهباني لا يصح لمن في معدته مثقال ذرة من طعام وهو حد الصمدانية الجسمانية والأشهر عندهم أنه لا يصح ولا يكون إلا بتمام الأربعين كما اشترط الله على كليمه عليه السلام وأشار بهذا الحديث وذلك لتطهر معدته من كثائف الأغذية فتقوى روحانية روحه ويصفو عقله وقلبه وليس في مراتب السالكين إلى الله تعالى في أطوار سلوك الاسم أقل من أربعة عشر يوما ولا أقل لسالك مبادئ أسرار الصمدية من رياضة أربعة عشر وأما من تحركت عليه آثار العادة في أسبوع فقد ألزموه السبب وأخرجوه من الخلوات لعلمهم بخراب باطنه عن المرادات الربانية إلى هنا كلامه

(طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي: فيه أيوب بن مدركة وهو متروك

ص: 267

3362 -

(تمام النعمة دخول الجنة والفوز من النار) أي النجاة من دخولها فذلك هو الغاية المطلوبة لذاتها فإن النعم تنقسم إلى ما هو غاية مطلوبة لذاتها والى ما هو وسيلة له أما الغاية فهي سعادة الآخرة ويرجع حاصلها إلى أمور أربعة بقاء لا فناء له وسرور لا غم فيه وعلم لا جهل معه وغنى لا فقر بعده وهي النعمة الحقيقية التي أشار إليها هنا وسئل بعض العارفين ما تمام النعمة قال: أن تضع رجلا على الصراط ورجلا في الجنة

(حم خد ت) وكذا ابن منيع (عن معاذ) ابن جبل قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم برجل يقول اللهم إني أسألك تمام نعمتك قال: ما تدري تمام النعمة فذكره

ص: 267

3363 -

(تمسحوا بالأرض) ندبا بأن تباشروها بالصلاة بلا حائل بينكم وبينها (فإنها بكم برة) أي مشفقة كالوالدة

⦗ص: 268⦘

البرة بأولادها يعني أن منها خلقتم وفيها معاشكم وإليها بعد الموت معادكم فهي أصلكم الذي منه تفرعتم وأمكم التي منها خلقتم ثم هي كفاتكم إذا متم ذكره كله الزمخشري وبقوله أن تباشروها بالصلاة يعلم أن من قصر الأمر بالمباشرة على الجبهة حال السجود فقد قصر وقيل أراد التيمم وقيل التواضع بمباشرتها قاعدا أو نائما بلا حائل تشبها بالفقر أو إيثارا للتقشف والزهد

(طص) وكذا القضاعي في مسند الشهاب (عن سلمان) الفارسي قال الهيثمي: رواه عن شيخه جبلة بن محمد ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن محمد بن عمرو الغنوي وهو ثقة

ص: 267

3364 -

(تمعددوا) أي تشبهوا بمعد بن عدنان في تقشفهم وخشونة عيشهم وكانوا أهل تقشف وفي رواية ذكرها ابن الأثير تمعززوا أي تشددوا في الدين وتصلبوا من العز والقوة والشدة والميم زائدة كتمسكنوا من السكون (واخشوشنوا) أمر من الخشونة أي البسوا الخشن لا الحسن واطرحوا ذي العجمة وتنعمهم وإيثارهم لين العيش وفي رواية ذكرها ابن الأثير واخشوشبوا بالباء الموحدة (وانتضلوا (1) وامشوا حفاة) قال الرامهرمزي: يعني اقتدوا بمعد بن عدنان في لبس الخشن والمشي حفاة فهو حث على التواضع ونهي عن إفراط الترفه قال بعضهم: وقد أجمع العلماء والحكماء على أن النعيم لا يدرك إلا بترك التنعم قال الغزالي رحمه الله: التزين بالمباح غير حرام لكن الخوض فيه يوجب الأنس به حتى يشق تركه واستدامة الزينة لا تمكن إلا بمباشرة أسباب في الغالب يلزم من مراعاتها إرتكاب المعاصي من المداهنة ومراعاة الخلق فالحزم اجتناب ذلك نعم يحرم على غني لبس ثوب خشن ليعطى لأن كل من أعطي شيئا لصفة ظنت فيه وخلى عنها باطنا حرم عليه قبوله ولم يملكه وروى الطبراني في الأوسط عن ابن عباس عن أبي بكر مرفوعا من مشى حافيا في طاعة الله لا يسأله الله عز وجل يوم القيامة عما افترض عليه قال الطبراني: تفرد به محمد وشيخه لم أرض ذكرهما قال بعضهم: ورد الحفاء من قول المصطفى صلى الله عليه وسلم وفعله وأخذ منه ندب الحفاء في بعض الأحوال بقصد التواضع حيث أمن مؤذيا وتنجيسا ويؤيده ندبه لدخول مكة بهذه الشروط قالوا: ومتى قصد بلباس أو نحوه نحو تكبر كان فاسقا

(طب) عن أبي حدرد وكذا أبو الشيخ [ابن حبان][ابن حبان] وابن شاهين وأبو نعيم كلهم من حديث يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن أبي سعيد المقبري وهو ضعيف وقال الحافظ العراقي ورواه أيضا البغوي وفيه اختلاف ورواه ابن عدي من حديث أبي هريرة والكل ضعيف

(1) يحتمل أن المراد تعلموا الرمي بالسهام في الصحاح انتضل القوم وتناضلوا رموا السبق

ص: 268

3365 -

(تناصحوا في العلم) أي في تعلمه وتعليمه يعني علموه وتعلموه بإخلاص وصدق نية وعدم غش (ولا يكتم بعضكم بعضا) شيئا من العلم عن أهله (فإن خيانة في العلم أشد من خيانة في المال) والمراد بالعلم الشرعي وما كان آلة له وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه أبو نعيم والله سائلكم عنه

(حل) عن الحسن بن أحمد السبيعي عن علي بن الحميد الفضائري عن محمد بن عبد الأعلى الصنعاني عن عبد الرحمن بن مهدي عن الحسين بن زياد عن يحيى بن سعيد الحمصي عن إبراهيم بن المختار عن الضحاك (عن ابن عباس) والحسين بن زياد قال الأزدي متروك ويحيى بن سعيد الحمصي أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال: قال ابن عدي بين الضعف وإبراهيم بن المختار فيه خلاف وأورده ابن الجوزي في الموضوعات ونازعه المؤلف ورواه تمام في فوائده من حديث عبد القدوس بن حبيب الشامي عن عكرمة عن ابن عباس قال السخاوي: وعبد القدوس متروك الحديث ورواه الطبراني في الكبير عن ابن عباس قال المنذري: ورواته ثقات إلا أن أبا سعد البقال واسمه سعيد بن المرزبان فيه خلاف

ص: 268

⦗ص: 269⦘

3366 - (تناكحوا) لكي (تكثروا) ندبا وقيل وجوبا (فإني) تعليل للأمر بالتناكح لكثرة النسل (أباهي بكم) أي أفاخر بسبب كثرتكم (الأمم) السالفة (يوم القيامة) بين به طلب تكثير الناس من أمته وهو لا يكون إلا بكثرة التناسل وهو بالتناكح فهو مأمور به قال بعض الشراح: وفيه أي بإطلاقه بحث لأن الشروع فيه بالفعل والاشتغال به تضييع ما هو أهم من العبادة ولذا علقوا الحكم بالمستطيع وقد اختلف فيه هل هو عبادة فقيل نعم وقيل لا ينعقد نذره قال ابن حجر: والتحقيق أن الصورة التي يستحب فيها يستلزم كونه حينئذ عبادة فمن نفى نظر إليه في حد ذاته ومن أثبت نظر إلى صورة مخصوصة اه. واعلم أن النكاح من أثقل السنن محملا وأصعب الحقوق قضاء وأعم الأمور نفعا وأجزل القضايا أجرا فإنه بموضوعه للدين تحصين وللخلق تحسين وفيه ستر العورة المعرضة للآفات وجلب للغنى والرزق وتكثير سواد أهل التوحيد. <فائدة> في فتاوى بعض أكابر الحنفية من له أربع نسوة وألف أمة وأراد شراء أخرى فلامه رجل يخاف عليه الكفر ولو لامه أحد لو أراد تزوج ما فوق امرأة فكذلك قال تعالى: {إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين}

(عد عن سعيد بن أبي هلال) الليثي مولاهم أبي العلاء المصري المدني (مرسلا) ظاهر كلام المصنف أنه لا يوجد متصلا وهو قصور فقد أسنده ابن مردويه في تفسيره عن ابن عمر قال الحافظ العراقي: وسنده ضعيف ورواه البيهقي في المعرفة وزاد في آخره عن الشافعي بلاغا حتى السقط وسند المرسل والمسند مضعف

ص: 269

3367 -

(تنام عيناي ولا ينام قلبي) لأن النفوس الكاملة القدسية لا يضعف إدراكها بنوم العين واستراحة البدن ومن ثم كان سائر الأنبياء مثله لتعلق أرواحهم بالملأ الأعلى ومن ثم كان إذا نام لم يوقظ لأنه لا يدري ما هو فيه ولا ينافيه نومه بالوادي عن الصبح لأن رؤيتها وظيفة بصرية

(ابن سعد) في الطبقات (عن الحسن مرسلا)

ص: 269

3368 -

(تنزهوا من البول) أي تباعدوا عنه واستبرأوا منه والنزاهة البعد عن السوء فمن بمعنى عن وفي الزاهد أصل التنزه في كلامهم البعد مما فيه الأدناس والقرب مما فيه الطهارة (فإن عامة عذاب القبر منه) أي من ترك التنزه عنه يعني أنكم وإن خفف عنكم في شرعنا ورفعت عنكم الآصار والأغلال التي كانت على الأولين من قطع ما أصابه البول من بدن أو أثر فلا تتهاونوا بترك التحرز منه جملة فإن من أهمل ذلك عذب في أول منازل الآخرة وهذه المنزلة إن كانت سهلة فما بعدها أسهل منه أو صعبة فما بعدها أصعب وفيه أن عدم التنزه من البول كبيرة ووجهه النووي بأنه يستلزم بطلان الصلاة وتركها كبيرة وتعقبه العراقي بأن قضيته أنه ليس كبيرة لذاته وظاهر الحديث يخالفه فإنه رتب العذاب على ترك التنزه منه ولو كان لما يترتب عليه من بطلان الصلاة كان العذاب على تركها أو على الصلاة بنجس لا على ترك التنزه منه قال: فإن كان النووي لا يقول بأن ترك التنزه منه بانفراده كبيرة فلعله إنما صار كبيرة بالإصرار عليه ثم ترك التنزه منه إما بترك ملابسته وإما بغسله بتقدير حصول ملابسته فيستدل به على حرمة التضمخ بالبول بلا حاجة لمنافاته للتنزه عنه وعليه الشافعية وإطلاق الحديث الآمر بالتنزه عنه يتناول بوله وبول غيره وفيه أيضا وجوب الاستنجاء وهو مذهب الشافعي وأحمد والمشهور عن أبي حنيفة ومالك أنه سنة قال الحكيم: إنما كان عامة عذاب القبر من البول لأن البول من معدن إبليس من جوف الآدمي فإنه مقره ومقعده فإذا لم يتنزه منه دخل القبر بنجاسة العدو فعذب فيه وصرح الحكيم أيضا بأن عذاب القبر إنما هو للمؤمنين لا للكافرين أما هم فعذابهم في القيامة لأن المؤمن حسابه في القبر أهون عليه من كونه بين يدي الله فيحاسبه الله في القبر على ألسنة الملائكة كأنه يستحي من عبده المؤمن فيعذب

⦗ص: 270⦘

فيه ليخرج يوم القيامة طاهرا كما قال حذيفة في القبر حساب وفي الآخرة حساب فمن حوسب في القبر نجا ومن حوسب في الآخرة عذب إلى هنا كلامه وقال ابن عبد البر: الفتنة في القبر لا تكون إلا لمؤمن أو منافق من أهل القبلة ممن حقن الإسلام دمه وخالفهما عبد الحق وقال: بل تعم الكافر قال ابن سيد الناس: وفي إضافة عذاب القبر إلى البول خصوصية محضة دون جميع المعاصي مع العذاب بسبب غيره إن أراد الله في حق بعض عباده انتهى

(قط) من حديث قتادة (عن أنس) ثم عقبه مخرجه الدارقطني بقوله مرسل انتهى وقال الذهبي: سنده وسط

ص: 269

3369 -

(تنظفوا بكل ما استطعتم) من نحو سواك وحلق وإزالة وسخ وصنان وغير ذلك في بدن وملبوس (فإن الله تعالى بنى الإسلام على النظافة) شبهه ببيت قام على عمود أو أعمدة والمراد النظافة صورة ومعنى والشرائع كلها منظفات أو صورة عن الحدثين والخبث والمكروه والثناء عليها مبالغة لبناء الأصول من نحو صلاة وقراءة وزكاة وصوم وحج ومخالطة وفروعها عليها فالتشبيه من وجهين أو بمعنى أنها مما بنى عليه كخبر بني الإسلام على خمس فلا حصر ولا منافاة وبه انزاح الإشكال (ولن يدخل الجنة) مع السابقين الأولين أو بغير عذاب (إلا كل نظيف) أي نقي من الأدناس الحسية والمعنوية الظاهرة والباطنة كما تقرر وفيه أن النظافة مطلوبة في نظر الشرع وقد دل على هذا فيما ذكره بعضهم قوله تعالى {ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون}

(أبو الصعاليك الطرسوسي) بفتح الطاء والراء وضم المهملة مدينة مشهورة على ساحل البحر الشامي ينسب إليها كثير من العلماء (في جزئه عن أبي هريرة) ورواه ابن حبان في الضعفاء عن عائشة بلفظ تنظفوا فإن الإسلام نظيف والطبراني في الأوسط بسند ضعيف فيه جدا كما قال الحافظ العراقي: النظافة تدعو إلى الإيمان

ص: 270

3370 -

(تنق (1)) بالنون (وتوق) أي تخير الصديق ثم احذره أو اتق الذنب واحذر عقوبته أو تبق بالباء أي ابق المال ولا تسرف في الإنفاق

(البارودي في المعرفة عن سنان) بن سلمة بن المحبر البصري الهذلي ولد يوم حنين وله رؤية وقد أرسل أحاديث

(1) بفتح المثناة الفوقية والنون وشد القاف وتوق بفتح المثناة الفوقية والواو وشد القاف

ص: 270

3371 -

(تنقه وتوقه) الهاء للسكت أي استنق النفس ولا تعرضها للهلاك وتحرز من الآفات

(طب حل عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: فيه عبد الله بن مسعر بن كدام وهو متروك وفي الميزان عن العقيلي لا يتابع على حديثه والحديث لا يعرف إلا به ثم ساقه ذكر عقبه أنه تالف

ص: 270

3372 -

(تنكح المرأة لأربع) أي لأجل أربع أي أنهم يقصدون عادة نكاحها لذلك (لمالها (1)) بدل من أربع بإعادة العامل ذكره الطيبي (ولحسبها) بفتح المهملتين فموحدة تحتية شرفها بالآباء والأقارب مأخوذ من الحساب لأنهم كانوا إذا تفاخروا عدوا مناقبهم ومآثر آبائهم وحسبوها فيحكم لمن زاد عدده على غيره وقيل أراد بالحسب هنا أفعالها الحسنة الجميلة (ولجمالها (2)) أي حسنها ويقع على الصور والمعاني قال الماوردي: فإن كان عقد النكاح لأجل

⦗ص: 271⦘

المال وكان أقوى الدواعي إليه فالمال إذن هو المنكوح فإن اقترن بذلك أحد الأسباب الباعثة على الائتلاف جاز أن يثبت العقد وتدوم الألفة وإن تجرد عن غيره فأخلق بالعقد أن ينحل وبالألفة أن تزول سيما إذا غلب الطمع وقل الوفاء وإن كان العقد رغبة في الجمال فذلك أدوم ألفة من المال لأن الجمال صفة لازمة والمال صفة زائلة فإن سلم الحال من الإدلال المفضي للملل دامت الألفة واستحكمت الوصلة وقد كرهوا شدة الجمال البارع لما يحدث عنه من شدة الإدلال المؤدي إلى قبضة الإذلال (ولدينها) ختم به إشارة إلى أنها وإن كانت تنكح لتلك الأغراض لكن اللائق الضرب عنها صفحا وجعلها تبعا وجعل الدين هو المقصود بالذات فمن ثم قال (فاظفر بذات الدين) أي اخترها وقربها من بين سائر النساء ولا تنظر إلى غير ذلك (تربت يداك) افتقرتا أو لصقتا بالتراب من شدة الفقر إن لم تفعل قال القاضي: عادة الناس أن يرغبوا في النساء ويختاروها لإحدى أربع خصال عدها واللآئق بذوي المروءات وأرباب الديانات أن يكون الدين مطمح نظرهم فيما يأتون ويذرون سيما فيما يدوم أمره ويعظم خطره فلذلك حث المصطفى صلى الله عليه وسلم بآكد وجه وأبلغه فأمر بالظفر بذات الدين الذي هو غاية البغية ومنتهى الاختيار والطلب الدال على تضمن المطلوب لنعمة عظيمة وفائدة جليلة وقوله تربت وغير مرة أن أصله دعاء لكن يستعمل لمعان أخر كالمعاتبة والإنكار والتعجب وتعظيم الأمر والحث على الشيء وهو المراد أيضا هنا وقد استدل بهذا الخبر من اعتبر المال في الكفاءة وأجيب من لم يعتبره كالشافعية بأن معنى كونها تنكح لذلك أن الغالب في الأغراض ذلك

(ق د ن هـ) في النكاح (عن أبي هريرة) وعد جمع هذا الحديث من جوامع الكلم

(1) لأنه أوقع الأمر بذلك بل ظاهره إباحة النكاح لقصد الدين أولى

(2)

وفي الحديث خير النساء من تسر إذا نظرت وتطيع إذا أمرت ولا تخالف في نفسها ومالها ويؤخذ منه استحباب تزوج الجميلة لكنهم كرهوا ذات الجمال البارع فإنها تزهو بجمالها

ص: 270

3373 -

(تهادوا تحابوا) قال ابن حجر تبعا للحاكم إن كان بالتشديد فمن المحبة وإن كان بالتخفيف فمن المحاباة ويشهد للأول خبر البيهقي تهادوا يزيد في القلب حبا وذلك لأن الهدية خلق من أخلاق الإسلام دلت عليه الأنبياء وحث عليه خلق وهم الأولياء تؤلف القلوب وتنفي سخائم الصدور قال الغزالي: وقبول الهدية سنة لكن الأولى ترك ما فيه منة فإن كان البعض تعظم منته دون البعض رد ما تعظم

(ع عن أبي هريرة) ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من الستة وإلا لما عدل عنه وليس كذلك فقد رواه النسائي في الكنى وسلطان المحدثين في الأدب المفرد قال الزين العراقي: والسند جيد وقال ابن حجر: سنده حسن

ص: 271

3374 -

(تهادوا تحابوا وتصافحوا يذهب الغل) بكسر الغين المعجمة (عنكم) أي الحقد والشحناء لأن ابن آدم مقسوم عن ثلاثة أجزاء قلب بما فيه من الإيمان وروح بما فيه من طاعة الرحمن ونفس بما فيها من شهوة العصيان فالإيمان يدعو إلى الله والروح إلى الطاعة والنفس إلى البر والنوال فالقلوب تتآلف بالإيمان والروح بالطاعات وحظ النفس باق فإذا تهادوا تمت الألفة ولم يبق ثم حزازة

(ابن عساكر) في تاريخه (عن أبي هريرة)

ص: 271

3375 -

(تهادوا تزدادوا حبا) ندب إلى دوام المهاداة لتزايد المحبة بين المؤمنين فإن الشيء متى لم يزد دخله النقصان على مر الزمان ويحتمل تزدادوا حبا عند الله لمحبة بعضكم لبعض بقرينة خبر إن المتحابين في الله يظلهم الله تحت ظل عرشه (وهاجروا تورثوا أبناءكم مجدا) كانت الهجرة في الإسلام تجب من مكة إلى المدينة وبقي شرف الهجرة لأولاد المهاجرين بعد نسخها (وأقيلوا الكرام عثراتهم) أي زلاتهم في غير الحدود إذا بلغت الإمام على ما سبق تفصيله وفي

⦗ص: 272⦘

حديث شر الناس من لا يقيل عثرة ولا يقبل معذرة

(ابن عساكر) في التاريخ والقضاعي (عن عائشة) قال ابن حجر: في إسناده نظر وفي آخر الموطأ عن عطاء الخراساني برفعه تصافحوا يذهب الغل وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء وقضية صنيع المصنف أن هذا لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز مع أن الطبراني خرجه أيضا عن عائشة بلفظ تهادوا تحابوا وهاجروا تورثوا أولادكم مجدا وأقيلوا الكرام عثراتهم. قال الهيثمي: فيه المثنى أبو حاتم لم أجد من ترجمه وبقية رجاله ثقات

ص: 271

3376 -

(تهادوا الطعام بينكم فإن ذلك توسعة في أرزاقكم) ومن كان واسع الإطعام أعطاه عطاءا واسعا ومن قتر قتر عليه (تنبيه} قال شيخنا العارف الشعراوي: كان التابعون يرسلون الهدية لأخيهم ويقولون نعلم غناك عن مثل هذا وإنما أرسلنا ذلك لتعلم أنك منا على بال

(عد عن ابن عباس) ورواه عنه الديلمي في الفردوس وزاد بعد قوله لأرزاقكم في عاجل الخلق من جسيم الثواب يوم القيامة

ص: 272

3377 -

(تهادوا إن) في رواية الترمذي فإن (الهدية تذهب وحر الصدر) بواو وحاء مهملة مفتوحتين وراء غله وغشه وحقده وذلك لأن القلب مشحون بمحبة المال والمنافع فإذا وصله شيء منها فرح به وذهب من غمه بقدر ما دخل عليه من فرحه (ولا تحقرن جارة لجارتها) أي إهداء شيء لجارتها (ولو) أن تبعث إليها وتتفقدها (بشق فرسن شاة) وهو قطعة لحم بين ظلفي الشاة وحرف الجر زائد. قال الطيبي: وهو تتميم للكلام السابق أرشد إلى أن التهادي يزيل الضغائن ثم بالغ حتى ذكر أحقر الأشياء من أبغض البغيضين إذا حملت الجارة على الضرة وهو الظاهر كما يدل له خبر أم زرع للمجاورة بينهما اه. وسبقه الزمخشري فقال: كنوا عن الضرة بالجارة تطيرا من الضرر

(حم ت) من طريق أبي معشر (عن أبي هريرة) وقال أعني الترمذي غريب وأبو معشر مضعف وقال الطوفي إنه أخطأ فيه قال البخاري: وغيره منكر الحديث ثم أورد له هذا الخبر وقال ابن حجر: في سنده أبو معشر المدني تفرد به وهو ضعيف جدا

ص: 272

3378 -

(تهادوا فإن الهدية تذهب بالسخيمة) بمهملة فمعجمة الحقد في النفس والعداوة والبغضاء التي تسود القلب من السخام وهو الفحم جمعه سخائم لأن السخط جالب للحقد والبغضاء والهدية جالبة للرضى فإذا جاء بسبب الرضى ذهب بسبب السخط قال في الكشاف: والهدية اسم المهدي كما أن العطية اسم المعطى فتضاف إلى المهدي والمهدى إليه (ولو دعيت إلى كراع) يد شاة (لأجبت ولو أهدي إلي كراع لقبلت) قال ابن حجر: هذا يرد قول من قال في حديث لو دعيت إلى كراع لأجبت أن الكراع فيه اسم مكان لا يثبت وفي المثل أعط العبد كراعا يطلب ذراعا قال ابن بطال: أشار عليه الصلاة والسلام بالكراع إلى الحث على قبول الهدية وإن قلت لئلا يمتنع الباعث من الهدية لاحتقار الشيء فحث على ذلك لما فيه من التآلف

(هب) من حديث محمد بن منده عن بكر بن بكار عن عائذ بن شريح (عن أنس) بن مالك ومحمد بن منده أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال أبو حاتم لم يكن بصدوق وبكر بن بكار هو القيسي قال النسائي: غير ثقة وعائذ لم يروه عن أنس غيره وقد ضعف وفي اللسان عن مهران أنه كذاب وفي الميزان عن أبي ظاهر عائذ

⦗ص: 273⦘

ليس بشيء وهذا الحديث رواه الطبراني عن أنس بلفظ تهادوا فإن الهدية تسل السخيمة وتورث المودة فوالله لو أهدي إلي كراع لقبلته ولو دعيت إلى ذراع لأجبت. قال الهيثمي: وفيه عائذ بن شريح ضعيف

ص: 272

3379 -

(تهادوا فإن الهدية تضعف الحب) أي تزيده (وتذهب بغوائل الصدر) جمع غل وهو الحقد والتهادي تفاعل فيكون من الجانبين والطلب في جانب المهدى إليه آكد فإن للبر أثقالا والكريم لا يكاد يتخلص من تلك الأثقال إلا بأضعاف ذلك البر وإلا فهو في حياء وشغل نفس من الذي بره فإذا ضاعف عنه في المكافأة انحطت عنه أثقال بره وذهب خجل نفسه

(طب عن أم حكيم) بفتح المهملة وكسر الكاف (بنت وداع) الخزاعية قال الهيثمي: وفيه من لا يعرف قال الحافظ ابن طاهر إسناده غريب وأقره ابن حجر

ص: 273

3380 -

(تواضعوا) للناس بلين الجانب وخفض الجناح (وجالسوا المساكين) والفقراء جبرا وإيناسا فإنكم إن فعلتم ذلك (تكونوا من كبراء الله) أي الكبراء عنده الذين يفيض عليهم رحمته (وتخرجوا من الكبر) فإنه من تواضع لله رفعه الله قال في الحكم: من أثبت لنفسه تواضعا فهو المتكبر حقا إذ ليس المتواضع الذي إذا تواضع رأى أنه فوق ما صنع بل المتواضع الذي إذا تواضع رأى أنه دون ما صنع وقال ابن عربي: التواضع سر من أسرار الله منحه الله النبيين والصديقين وليس كل من تواضع تواضع ولا تنظر أن هذا التواضع الظاهر على أكثر الناس وبعض الصالحين هو التواضع بل هو تملق لسبب غاب عنك وكل يتملق على قدر مطلوبه وقال العارف الفضيل: من رأى لنفسه قيمة فليس له في التواضع نصيب وقال زروق: الكبر اعتقاد المزيد وإن كان في أدنى درجات الضعة والتواضع عكسه هذا هو الحقيقة وهو عند أهل الرسوم والعموم ما يقدر عليه أرباب الفطنة والكياسة من شبه التملق

(حل عن ابن عمر) بن الخطاب

ص: 273

3381 -

(تواضعوا لمن تعلمون منه) العلم أو غيره قال الماوردي: اعلم أن للمتعلم في زمن تعلمه ملقا وتذللا إن استعملهما غنم وإن تركهما حرم لأن التملق للعالم يظهر مكنون علمه والتذلل له سبب لإدامة صبره وبإظهار مكنونه تكون الفائدة وباستدامة صبره يكون الإكثار قال الحكماء: من لم يحتمل ذل العلم ساعة بقي في ذل الجهل أبدا وقالوا: إذا قعدت وأنت صغير حيث تحب قعدت وأنت كبير حيث لا تحب قال:

إن المعلم والطبيب كلاهما. . . لا ينصحان إذا هما لم يكرما

فاصبر لدائك إن جفوت طبيبه. . . واصبر لجهلك إن جفوت معلما

ولا يمنعه من ذلك علو منزلته وإن كان العالم خاملا فإن العلماء بعلمهم استحقوا التعظيم لا بالشهرة والمال وربما وجد الطالب قوة في نفسه لجودة ذكائه وحدة خاطره فترفع على معلمه ورماه بالإعنات والاعتراض فيكون كمن جاء فيه المثل السائر

أعلمه الرماية كل يوم. . . فلما اشتد ساعده رماني

وكم علمته نظم القوافي. . . فلما قال قافية هجاني

وهذا من مصائب العلماء وانعكاس حظوظهم أن يصيروا عند من علموه مستجهلين ولدى من قدموه مرذولين وقد رجح كثير حق الشيخ على حق الوالد (1) . (تنبيه} قال العارف ابن عربي: حرمة الحق في حرمة الشيخ وعقوقه في

⦗ص: 274⦘

عقوقه والمشايخ حجاب الحق الحافظون أحوال القلوب فمن صحب شيخا ممن يقتدى به ولم يحترمه فعقوبته فقدان وجود الحق في قلبه والغفلة عن الله وسوء الأدب عليه بأن يدخل عليه في كلامه ويزاحمه في رتبته فإن وجود الحق إنما هو للأدباء ولا حرمان أعظم على المريد من عدم احترام الشيخ ومن قعد معهم في مجالسهم وخالفهم فيما يتحققون به من أحوالهم نزع الله نور الإيمان من قلبه فالجلوس معهم خطر وجليسهم على خطر (تنبيه آخر) قال الغزالي: إن قيل هل يحصل العلم الذي تعلمه فرض ينظر الإنسان من غير معلم فاعلم أن الأستاذ فاتح وسهل والتحصيل معه أسهل وأروح والله تعالى بفضله يمن على من يشاء من عباده فيكون هو معلمهم (وتواضعوا لمن تعلمون)(2) بخفض الجناح والملاطفة (ولا تكونوا جبابرة العلماء) تمامه كما في مسند الفردوس فيغلب جهلكم علمكم انتهى قال تعالى: {واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين} وإذا شرع التواضع لمطلق الناس فكيف بمن له حق الصحبة وحرمة التودد وصدق المحبة وشرف الطلب وهم أولاده وينبغي أن يخاطب كلا منهم سيما الفاضل بكنية ونحوها من أحب الأسماء إليه وما فيه تعظيمه وتوقيره وتبجيله <تنبيه> لما أراد الخليفة الرشيد أن يقرأ على مالك الموطأ قعد بجانبه وأمر وزيره أن يقرأ فقال له مالك: يا أمير المؤمنين هذا العلم لا يؤخذ إلا بالتواضع وقد جاء في الخبر تواضعوا لمن تعلمون منه فقام الخليفة وجلس بين يديه مع أن الخليفة في الفضل بحيث يعلم موضعه ولأجل ما عنده من فضيلة العلم انقاد إلى الأدب والتواضع ولم يزده ذلك إلا رفعة وهيبة بل ارتفع قدره بذلك حتى أثنى به عليه على مر الزمان. (غريبة) روي أن شيخ الشيخ خليل المالكي صاحب المختصر المشهور احتاج إلى إزاحة كنيف فراح يطلب السراباتي فجاء شيخ خليل في غيبته فتجرد ونزل الكنيف يعمل فيه فجاء الشيخ فوجده يعمل فرفع يده وابتهل في صلاح باطنه وشيوع علمه جزاء لما صنعه فأنجب حالا فسارت به الركبان إلى الآن وفي نشر الروض لليافعي رحمه الله تعالى أن أبا الغيث بن جميل أمره شيخه ابن مفلح رضي الله عنه بخدمة نسائه وعادتهم لا يخدمهن إلا من انتهى في السلوك لأن رضاهن لا يحمله إلا من له سعة باطن فكان إذا فرغ من خدمتهن يجد فقيرا يعطيه رغيفا وحلوى فسأله ابن مفلح رضي الله تعالى عنه يوما: ما هذا فأخبره فقال: إنه الخضر عليه السلام فإن كان شيخك رح إليه وإن كنت شيخك فلا تأخذ منه فجاءه فأعطاه فرده فقال له الخضر عليه السلام: تفلح يا أبا الغيث بامتثال أمر شيخك وقال أبو يوسف صاحب أبي حنيفة رضي الله عنهما: ما جلست مجلسا قط أنوي فيه أن أتواضع إلا لم أقم حتى أعلوهم وما جلست قط مجلسا أنوي فيه أن أعلوهم إلا لم أقم حتى أفتضح

(خط في الجامع عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه قال الذهبي: رفعه لا يصح وروى من قول عمر هو الصحيح انتهى

(1) قيل للإسكندر إنك لتعظم معلمك أكثر من تعظيمك لأبيك قال: لأن أبي سبب لحياتي الفانية وهو سبب حياتي الباقية وقيل لأبي منصور المغربي: كيف صحبت أبا عثمان قال: خدعته لا صحبته وقال بعضهم: من لم يعلم حرمة من تأدب به حرم بركته ومن قال لشيخه لا: لا يفلح أبدا

(2)

ومن التواضع المتعين على العالم أن لا يدعى وقد قيل لسان الدعوى إذا نطق أخرسه الإمتحان وقال شاعر:

ومن البلوى التي. . . ليس لها في العلم كنه

أن من يحسن شيئا. . . يدعي أكثر منه

ص: 273

3382 -

(توبوا إلى الله) أيها المؤمنون وإن كنتم من الكاملين قياما بحق العبودية إعظاما لمنصب الربوبية لا رغبة في الثواب ولا رهبة من العقاب قال العلائي: بالتوبة الاستغفار الذي كان يكثر منه (فإني أتوب إليه كل يوم) امتثالا لقوله تعالى {وتوبوا إلى الله جميعا} أمرهم مع طاعتهم بالتوبة لئلا يعجبوا بطاعتهم فيصير عجبهم حجبهم فساوى فيه الطائع العاصي ووصفهم بالإيمان لئلا تتمزق قلوبهم من خوف الهجران فتوبة العوام من الذنوب وتوبة الخواص من غفلة القلوب وتوبة خواص الخواص مما سوى المحبوب فذنب كل عبد بحسبه لأن أصل معنى الذنب أدنى مقام العبد وكل ذي مقام أعلاه أحسنه وأدناه ذنبه ولذلك في كل مقام توبة حتى ترتفع التوبة عن التوبة ويكمل الوجود والشهود ذكره الحرالي (مئة مرة) ذكر المئة هنا والسبعين في رواية أخرى عبارة عن الكثرة لا للتحديد ولا للغاية كما يدل عليه {إن تستغفر لهم سبعين

⦗ص: 275⦘

مرة} إذ لو استغفر لهم مدة حياته لم يغفر لهم لأنهم كفار به فالمراد هنا أتوب إليه دائما أبدا وتوبته ليست عن ذنب كما تقرر بل لكونه دائما في الترقي فكل مرتبة ارتقى إليها فما دونها ذنب يستغفر منه

(خد عن ابن عمر) بن الخطاب ظاهر صنيع المصنف أن ذا لا يوجد في أحد الصحيحين وإلا لما عدل عنه على القانون المعروف وهو ذهول فقد خرجه مسلم في الدعوات من حديث الأغر المزني الصحابي

ص: 274

3383 -

(توضأوا مما مست) وفي رواية لأبي نعيم غيرت (النار) أي من أكل كل ما أثرت فيه بنحو طبخ أو شي أو قلي وأخذ بظاهره جماعة من الصحب والتابعين وقال الجمهور: منسوخ بخبر أبي داود عن جابر كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء منه لكن عورض بخبر ابن عبد البر وغيره عن عائشة رضي الله عنها كان آخر الأمرين الوضوء منه ويجاب بأن حديث أبي داود أصح وبفرض عدم النسخ فالمراد الوضوء اللغوي جمعا بين الأدلة وهو غسل اليد والفم من الزهومة قال البيضاوي: الوضوء في أصل اللغة غسل بعض الأعضاء وتنظيفه من الوضاءة بمعنى النظافة والشرع نقله إلى الفعل المخصوص وقد جاء هنا على أصله والمراد فيه وفي نظائره غسل اليدين لإزالة الزهومة جمعا بين الأخبار وحمله بعضهم على المعنى الشرعي وزعم أنه منسوخ بحديث ابن عباس أنه لا وضوء من ذلك وهو إنما يتجه لو علم تاريخهما وتقدم الأول لا يقال ابن عباس متأخر الصحبة فيكون حديثه ناسخا لأنا نقول تأخر الصحبة وحده لا يقتضي تأخر الحديث نعم لو كانت صحبته بعد موت الآخر أو غيبته دل ذلك على تأخره أما لو اجتمعا عند الرسول فلا لجواز أن يسمع الأقدم صحبة من بعد سماعه اه قال النووي: والخلاف كان في الصدر الأول ثم وقع الإجماع على عدمه قال الرافعي: وفي الحديث دلالة على أن لفظ المس يصح على إطلاقه وإن كان هناك حائل

(حم م ن) في أبواب الطهارة في الدعوات (ن عن أبي هريرة) الدوسي زاد أبو نعيم في روايته فقال ابن عباس: كيف يصنع بالماء السخن فقال أبو هريرة: إذا حدثت عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا تضرب له الأمثال (حم م ن عن عائشة) أشار بإيراده عن مسلم من طريقيه والنسائي وابن ماجه للرد على ما قاله الصدر المناوي أنه من أفراد مسلم على الستة وعده المصنف من الأحاديث المتواترة

ص: 275

3384 -

(توضأوا من لحوم الإبل) أي من أكلها فإنها لحوم غليظة زهمة فكانت أولى بالغسل من غيرها كلحوم الغنم وبهذا أخذ أحمد وابن راهويه وابن خزيمة وابن المنذر والبيهقي فنقضوا الوضوء بالأكل منها واختاره النووي من الشافعية والجمهور على عدمه وأجيب بأنه منسوخ أو محمول على الندب أو غسل اليد والفم وبأنه أكل لحم كتف شاة ولم يتوضأ والأصل عدم الاختصاص (ولا توضأوا من لحم الغنم) أي من أكلها والفرق ما تقرر (وتوضأوا من ألبان الإبل) أي شربها (ولا توضأوا من ألبان الغنم) لما ذكر في لحمها (وصلوا في أمراح الغنم ولا تصلوا في معاطن الإبل) فإنها من الشياطين كذا علله في خبر أبي داود قال الخطابي: ذهب جمع إلى إيجاب الوضوء من تلك وأما عامة الفقهاء فمعنى الوضوء عندهم النظافة ونفي الزهومة وفي لحم الإبل ولبنها من الزهومة ما ليس في غيرها قال ابن سيد الناس: وفيه جواز الصلاة في مرابض الغنم والنهي عنها في مبارك الإبل

(هـ عن ابن عمر) بن الخطاب قال مغلطاي: قال أبو حاتم: كنت أنكر هذا الحديث فوجدت له أصلا لكنه موقوف أصح

ص: 275