المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني:قول أهل الحديث وأدلتهم - قدم العالم وتسلسل الحوادث

[كاملة الكواري]

الفصل: ‌المطلب الثاني:قول أهل الحديث وأدلتهم

‌المطلب الثاني:

قول أهل الحديث وأدلتهم

ص: 146

قول أهل الحديث وأدلتهم:

ذهب أهل الحديث إلى ان التسلسل جائز في الماضي كما أنه جائز في المستقبل، واستدلوا على ذلك بالكتاب وأقوال السلف والمعقول.

أولاً: الكتاب:

استدلوا بقوله تعالى {فعال لما يريد} فالآية تدل على أمور:

أحدها: أنه تعالى يفعل بإرادته ومشيئته.

الثاني: أنه لم يزل كذلك، لأنه ساق ذلك في معرض المدح والثناء على نفسه، وأن ذلك من كماله سبحانه، ولا يجوز أن يكون عادماً لهذا الكمال في وقت من الأوقات، وقد قال تعالى:{أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون} [النحل: 17] ولما كان من أوصاف كماله ونعوت جلاله، لم يكن حادثاً بعد أن لم يكن.

الثالث: أنه إذا أراد شيئاً فعله، فإن " ما " موصولة عامة، أي: يفعل كل ما يريد أن يفعله، وهذا في إرادته المتعلقة بفعله، وأما إرادته المتعلقة بفعل العبد، فتلك لها شأن آخر؛ فإن أراد فعل العبد، ولم يرد من نفسه أن يعينه عليه ويجعله فاعلاً، لم يوجد الفعل، وإن أراده حتى يريد من نفسه أن يجعله فاعلاً وجد الفعل. وهذه هي النكتة التي خفيت على القدرية والجبرية، وخبطوا في مسألة القدر، لغفلتهم عنها، وفرق بين إرادته أن يفعل العبد، وإرادة أن يجعله فاعلاً.

ص: 147

الرابع: أن فعله وإرادته متلازمان، فما أراد أن يفعله فعله وما فعله، فقد أراده، بخلاف المخلوق، فإنه يريد ما لا يفعل، وقد يفعل ما لا يريد، فما ثم فعال لما يريد إلا الله وحده.

الخامس: إثبات إرادات متعددة بحسب الأفعال، وأن كل فعل له إرادة تخصه، هذا هو المعقول في الفطر، فشأنه سبحانه أنه يريد على الدوام، ويفعل ما يريد.

السادس: أن كل ما صح أن تتعلق به إرادته، جاز فعله، فإذا أراد أن ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا، وأن يجيء يوم القيامة لفصل القضاء وأن يرى عباده نفسه، وأن يتجلى لهم كيف شاء، ويخاطبهم، ويضحك إليهم، وغير ذلك مما يريد سبحانه - لم يمتنع عليه فعله، فإنه تعالى فعال لما يريد، وإنما تتوقف صحة ذلك على إخبار الصادق به، فإذا أخبر وجب التصديق، وكذلك محو ما يشاء، وإثبات ما يشاء، كل يوم هو في شأن، سبحانه وتعالى.

والقول بأن الحوادث لها أول: يلزم منه التعطيل قبل ذلك، وان الله سبحانه وتعالى لم يزل غير فاعل، ثم صار فاعلاً.

ص: 148

ثانياً:

ورد عن السلف ما يدل على دوام فاعلية الرب ومن ذلك (1) :

1-

قول ابن عباس رضي الله عنهما:

روى البخاري في صحيحه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (أنه سأله سائل عن قوله: {وكان الله غفوراً رحيماً} {عزيزاً حكيماً} {سميعاً بصيراً} فكأنه كان ثم مضى، فقال ابن عباس: {وكان الله غفوراً رحيماً} سمى نفسه ذلك، وذلك قوله، أي: لم يزل كذلك)(2) هذا لفظ البخاري وهو رواه مختصراً.

ولفظ البوشنجي محمد بن إبراهيم الإمام، عن شيخ البخاري الذي رواه من جهته البرقاني في صحيحه: 0 فإن الله سمى نفسه ذلك ولم ينحله غيره، فذلك قوله:(وكان الله) أي: لم يزل كذلك) هكذا رواه البيهقي عن البرقاني.

وذكر الحميدي لفظه: (فإن الله جعل نفسه وسمى نفسه، وجعل نفسه ذلك ولم ينحله أحد غيره (وكان الله) أي: لم يزل كذلك) .

ولفظ يعقوب بن سفيان عن يوسف بن عدي شيخ البخاري:

(فإن الله سمى نفسه ذلك، ولم يجعله غيره (وكان الله) أي: لم يزل كذلك)

فقد أخبر ابن عباس أن معنى القرآن: أن الله سمى نفسه بهذه الأسماء لم ينحله ذلك غيره، وقوله:{وكان الله} يقول: إني لم أزل كذلك.

(1) رد الكوثري في حاشية السيف الصقيل ص80 ذلك كله بإنكار بعضه، وتأويل الآخر.

(2)

وكذلك لم يزل الله جواداً، وقد أنكر القاضي عبد الجبار ذلك في المحيط ص74.

ص: 149

ومن المعلوم أن الذي قاله ابن عباس هو مدلول الآيات، ففي هذا دلالة على فساد قول الجهمية من وجوه:

أحدها: أنه إذا كان عزيزاً حكيماً، ولم يزل عزيزاً حكيماً، والحكمة تتضمن كلامه ومشيئته، كما أن الرحمة تتضمن مشيئته، دل على أنه لم يزل متكلماً مريداً، وقوله:{غفوراً} أبلغ، فإنه إذا كان لم يزل غفوراً فأولى أنه لم يزل متكلماً، وعند الجهمية بل لم يكن متكلماً ولا رحيماً ولا غفوراً، إذ هذا لا يكون إلا بخلق أمور منفصلة عنه، فحينئذ كان كذلك.

والثاني: قول ابن عباس: فإن الله سمى نفسه ذلك، يقتضي أنه هو الذي سمى نفسه بهذه الأسماء، لا أن المخلوق هو الذي سماه بها، ومن قال: إنها مخلوقة في جسم، لزمه أن يكون ذلك الجسم هو الذي سماه بها.

الثالث: قوله: ولم ينحله ذلك غيره، وفي اللفظ الآخر: ولم يجعله ذلك غيره، وهذا يتبين بجعله ذلك في الرواية أي: هو الذي حكم لنفسه بذلك لا غيره، ومن جعله مخلوقاً لزمه أن يكون الغير هو الذي جعله كذلك ونحله ذلك.

الرابع: أن ابن عباس ذكر ذلك في بيان معنى قوله: {وكان الله غفوراً رحيما} ، {عزيزاً حكيماً} ، {سميعاً بصيراً} ، ليبين حكمة الإتيان بلفظ كان في مثل هذا، فأخبر في ذلك أنه هو الذي سمى نفسه ذلك ولم ينحله ذلك غيره.

ووجه مناسبة هذا الجواب، أنه إذا نحل ذلك غيره كان ذلك مخلوقاً بخلق ذلك الغير، فلا يخبر عنه بأنه كان كذلك، وأما إذا كان هو الذي سمى به نفسه ناسب أن يقال: إنه كان كذلك وما زال كذلك، لأنه هو لم يزل - سبحانه

ص: 150

وتعالى - وهذا التفريق إنما يصح إذا كان غير مخلوق، ليصح أن يقال: لما كان هو المسمي لنفسه بذلك، كان لم يزل كذلك ا 0 هـ من التسعينية لشيخ الإسلام (2/578) .

2-

الإمام جعفر الصادق:

روى الثعلبي في " تفسيره " بإسناده عن جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه: أنه سئل عن قوله تعالى: {أفحسبتم إنما خلقنا كم عبثاً} لم خلق الله الخلق؟ فقال: لأن الله كان محسناً بما لم يزل فيما لم يزل إلى ما لم يزل، فأراد الله أن يفيض إحسانه إلى خلقه، وكان غنياً عنهم، لم يخلقهم لجر منفعة ولا لدفع مضرة، ولكن خلقهم وأحسن إليهم وأرسل إليهم الرسل حتى يفصلوا بين الحق والباطل، فمن أحسن كافأه بالجنة، ومن عصى كافأه بالنار ا 0 هـ من فتاوى شيخ الإسلام.

3-

الإمام الدارمي:

فقد قال ان الفعل لازم للحياة، فكل حي لابد أن يكون فعالاً، وما ليس بفعال فهو ليس بحي، فالحياة والفعل متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر في الوجود.

انظر شرح هراس على النونية (1/170)

4-

الإمام أحمد بن حنبل:

قال في رده على الجهمية ص34:

وقلنا للجهمية من القائل يوم القيامة: يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله، أليس الله هو القائل؟ قالوا: فيكون الله شيئاً

ص: 151

فيعبر عن الله، كما يكون شيئاً فعبر لموسى. قلنا: فمن القائل {فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين. فلنقصن عليهم بعلم} أليس الله هو الذي يسأل؟ قالوا هذا كله إنما يكون شيئاً فيعبر عن الله. فقلنا قد أعظمتم على الله الفرية حين زعمتم أنه لا يتكلم. فشبهتموه بالأصنام التي تعبد من دون الله، لأن الأصنام لا تتكلم ولا تتحرك ولا تزول من مكان إلى مكان فلما ظهرت عليه الحجة قال: إن الله يتكلم ولكن كلامه مخلوق. قلنا: وكذلك بنو آدم كلامهم مخلوق، فقد شبهتم الله بخلقه حين زعمتم أن كلامه مخلوق. ففي مذهبكم قد كان في وقت من الأوقات لا يتكلم حتى خلق التكلم، وكذلك بنو آدم كانوا ولا يتكلمون حتى خلق الله لهم كلاماً. فقد جمعتم بين كفر وتشبيه، فتعالى الله عن هذه الصفة، بل نقول: إن الله لم يزل متكلماً إذا شاء، ولا تقول إنه كان ولا يتكلم حتى خلق الكلام. ولا نقول أنه قد كان ولا قدرة له حتى خلق لنفسه قدرة ولا نقول أنه قد كان ولا عظمة له حتى خلق لنفسه، عظمة، فقالت الجهمية لنا لما وصفنا الله بهذه الصفات: إن زعمتم أن الله ونوره والله وقدرته والله وعظمته فقد قلتم بقول النصارى حين زعمتم أن الله لم يزل ونوره ولم يزل وقدرته. قلنا لا نقول: عن الله لم يزل وقدرته ولم يزل ونوره ولكن نقول لم يزل بقدرته ونوره، لا متى قدر، ولا كيف قدر فقالوا: لا تكونن موحدين أبداً حتى تقولوا: قد كان الله ولا شيء. قلنا: نحن نقول قد كان الله ولا شيء. ولكن إذا قلنا: إن الله لم يزل بصفاته كلها. أليس إنما يصف إلهاً واحداً بجميع صفاته وضربنا لهم في ذلك مثلاً.

فقلنا: أخبرنا عن هذه النخلة، أليس لها جذع وكرب وليف

ص: 152

وسعف وخوص وجمار، واسمها اسم شيء واحد وسميت نخلة. بجميع صفاتها؟ فكذلك الله وله المثل الأعلى بجميع صفاته إلاه واحد لا نقول أنه قد كان في وقت من الأوقات ولا بقدرة حتى خلق قدرة والذي ليس له قدرة هو عاجز ولا نقول قد كان في وقت من الأوقات، ولا يعلم حتى خلق له علماً فعلم، والذي لا يعلم هو جاهل، ولكن نقول لم يزل الله عالماً قادراً. لا متى ولا كيف.

5-

الإمام ابن المبارك:

قال: لم يزل لله متكلماً إذا شاء، نقله شيخ الإسلام في منهاج السنة (2/383) .

6-

الإمام البخاري:

قال في كتابه خلق أفعال العباد ص107:

قال أبو عبد الله: ولقد بين نعيم بن حماد أن كلام الرب ليس بخلق وأن العرب لا تعرف الحى من الميت إلا بالفعل، فمن كان له فعل فهو حى ومن لم يكن له فعل فهو ميت، وأن أفعال العباد مخلوقة، فضيق عليه حتى مضى لسبيله، وتوجع أهل العلم لما نزل به.

وفي اتفاق المسلمين دليل على أن نعيماً ومن نحا نحوه ليس بمفارق ولا مبتدع، بل البدع والرئيس بالجهل بغيرهم أولى، إذ يفتون بالآراء المختلفة، مما لم يأذن به الله.

ص: 153

ثالثاً: المعقول:

ذكرنا فيما سبق أن التسلسل قد يكون واجباً وهو في الأفعال، وقد يكون جائزاً وهو في المفعولات.

أما أدلة التسلسل الواجب من المعقول فهو: (1)

1-

أن المتصف بالفعل أكمل ممن لا يتصف ولو خلا الرب تعالى منه لكان خالياً من كمال يجب له وهذا ممتنع.

2-

أن الفعل لازم من لوازم الحياة فكل حي فهو فعال والله حي فهو فعال وحياته لا تنفك عنه أبداً وأزلاً فيمتنع حدوث الفعل له بعد أن لم يكن فيجب دوامه أبداً وأزلاً.

3-

أن الفرق بين الحي والميت الفعل والله حي فلابد وأن يكون فاعلاً وخلوه من الفعل في أحد الزمانين ممتنع لأنه حي فيهما فوجب دوام فعله أزلاً وأبداً.

4-

قوله تعالى: {فعال لما يريد} والفعال هو من يفعل على الدوام ولو خلا من الفعل في أحد الزمانين لم يكن فعالاً فوجب دوام الفعل أزلاً وأبداً.

5-

قدم الفعل يمنع حدوثه فيكون دائماً في الأزل والأبد.

6-

ويقال لهم كذلك ان الله لم يزل قاراً مريدا عالما حيا، وهذه الأربعة صفات ذاتية له، وليس يحتاج الفاعل في كونه فاعلاً إلى غير هذه الأربع

(1)

القواعد الكلية للبريكان.

ص: 154

فهي التي بها تمام الفعل لأنها أركانه التي لا يتحقق بدونها الفعل، وإذا كان ذلك فلماذا تأخر فعله سبحانه عن وجود الموجب التام لجميع أركانه، فإن قلتم: تأخر الفعل لأنه كان ممتنعاً في الأزل، قلنا: كذبتم بل لم يزل الفعل ممكناً، إذ لو كان ممتنعاً في الأزل لم يقبل الوجود فيما لا يزال لأن الممتنع لا ينقلب ممكناً.

وأما أدلة التسلسل الجائز من المعقول فهو:

1-

لعدم امتناع ذلك في العقل فإن العقل لا يمنع أن يخلق الله خلقاً بعد خلق ويرتب وجود الثاني على الأول وهكذا.

2-

أن هذا واقع فما زال الإنسان والحيوان منذ خلقه يترتب خلقه على خلق أبيه وأمه.

3-

أنه تابع لدوام فعل الخلق فإن وجب دوامه في الأزل والأبد جاز دوام مفعوله لأنه حادث بعد أن لم يكن.

4-

دلالة قوله تعالى: {أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد} فبين أن عدم عجزه في الأزل على الخلق دليل على عدم عجزه في الأبد.

فالتسلسل المثبت عند السلف قسمان:

أواجب وهو التسلسل في الأفعال.

ب جائز وهو التسلسل في المفعولات والشروط.

ويعبرون عنه بدوام أفعال الله ومفعولاته.

ص: 155

وبهذا العرض تتبين لنا الأمور التالية:

1-

أن الدوام في أفعال الله يمثل الجزء الثاني من عقيدة السلف في أفعال الله والتي تقوم على عنصرين: -

أإثبات الأفعال في ذاتها.

ب إثبات دوام فاعليته تعالى.

2-

أن لله كمالاً من أفعاله وكمالاً من صفاته.

3-

إثبات دوام أفعال الله ومفعولاته.

4-

بطلان قول من منع التسلسل مطلقاً.

5-

أن الدوام في الماضي كالدوام في المستقبل في وجوبه وإثباته في أفعال الله.

6-

أن ما كان من التسلسل يستلزم تأثير الذوات في الذوات هو الممتنع سواء كان في الفاعلين أو الأفعال أو المفعولات وأما ما كان من الأفعال والمفعولات بتأثير الفاعل فهو غير ممتنع فإن كان في أفعال الله وجب وإن كان في مفعولاته جاز.

7-

اتفاق جميع الطوائف على امتناع التسلسل في المؤثرين والفاعلين وذوات المفعولات في بعضها مما يدل على بطلان أقوال الدهريين والطبائعيين في القديم والشيوعيين في الحديث.

8-

أن اثبات خالق قديم ومخلوق محدث أمر من ضرورات العقول.

9-

امتناع فرض محدث بلا محدث ومخلوق بلا خالق.

10-

تناقض الدهريين والطبائعيين والشيوعيين إذ منتهى أقوالهم كون المخلوق هو الخالق

ص: 156

11-

بطلان قول الفلاسفة والمعتزلة والأشعرية بكون الفعل هو المفعول فإن تسلسل فعل الله واجب والمفعول تسلسه جائز والواجب لا يكون جائزاً.

12-

بيان الفرق بين فعل الله ومفعوله من وجوه:

أالفعل قديم والمفعول محدث.

ب دوام الفعل واجب ودوام المفعول جائز.

جـ-

الفعل صفة الفاعل والمفعول أثره.

د الفعل يؤثر في المفعول عند تعلقه به والمفعول متعلق الفعل.

هـ -

أن نسبة الفعل للفاعل تقتضي اتصافه به ونسبة المفعول للفاعل تقتضي تأثير فعله فيه وأنه مخلوق للفاعل فنسبة الأول نسبة الصفات والثاني نسبة المخلوقات.

وأخيراً يقال للمتكلمين الذين منعوا تسلسل الحوادث خوفاً من مقارنتها الله:

أننا نقول بتسلسل الحوادث وهذا القول لا يؤدي إلى مقارنة المخلوقات للخالق قطعاً والذي يقول بأن المخلوقات أزلية مقارنة لله فإنه كافر ومشرك.

لكن ابن تيمية يقول بأن الله لا يزال فعالاً فعندنا هنا ثلاثة أشياء:

فاعل وهو الرب.

وفعل الله يكون بعده.

والمفعول يكون بعد الفعل.

إذاً الفاعل متقدم والمفعول يكون بعده قطعاً وعلى هذا لا يلزم من القول بأزلية الحوادث أو أنها لا أول لها أن تكون مع الله أو مقارنة له فلا محذور إذا من قولنا وإنما المحذور أن نقول بدوام عين المخلوق في الماضي أي أن الكون لم يزل

ص: 157

موجوداً فهذا كفر لأنه يقتضي ألا خالق له مع أنه محدث من عدم

ثم يقال للمتكلمين أيضاً:

هل كان الله في الأزل قادراً على الخلق أم لا؟

فإن قالوا أنه غير قادر على الخلق ثم خلق كان ذلك تعطيلاً للرب سبحانه من الفعل.

وإن قالوا إن الفعل كان ممكناً ولكن تأخر قلنا هل التأخر واجب أم جائز؟ فإن كان واجباً فمن الذي أوجبه؟! وإن كان جائزاً فهذا قول بحوادث لا أول لها لأن الرب أزلي ومذ كان خالقاً أمكن أن يخلق فهذا هو القول بحوادث لا أول لها وهو ما نقول به.

رابعاً: الفطرة:

وأما الفطرة فأننا نسمع الناس في دعائهم واستغاثتهم، وطلبهم الحاجات من الله عز وجل يلهجون بهذه العبارات من قولهم: يا قديم الإحسان، يا قديم المعروف والسلطان، يا دائم الجود والامتنان إلى غير ذلك مما يفهم أنهم فطروا على اعتقاد ذلك فطرة دون أن يوصي بعضهم بعضاً بذلك، أو يعلمه إياه ودون أن ينكر بعضهم على بعض ا 0 هـ من شرح هراس على النونية (1/170) .

ص: 158