الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الأول: بيان أساس المسألة والمدخل لتصورها:
ينبغي أن يعلم أن أساس هذه المسألة والمدخل لتصورها وفهمها على حقيقتها وإدراك أهمية الخلاف فيها هو: هل يقال بدوام فاعلية الرب وأنه لم يزل فاعلاً؛ ولم يأت يوم وهو معطل عن الفعل أم لا؟
فمن قال بذلك كان قائلاً بالقدم النوعي أو وجوب تسلسل الحوادث أي أفعال الرب ومن ثم بجواز تسلسل الحوادث أي المخلوقات أو الآثار (1) .
ومن نفى دوام فاعلية الرب قال بعدم التسلسل إلا أنهم اختلفوا فمنهم من قال ان الفعل كان ممتنعاً عليه كالجهمية، ومنهم من قال ان الفعل كان ممتنعاً منه كالكلابية والأشعرية كما سيأتي.
والدليل على أن هذا هو أساس المسألة واضح من كلام شيخ الإسلام وكلام المخالفين.
وأنقل كلام اثنين ممن صرح بذلك وان كانوا كثيرين:
1-
زاهد الكوثري رحمه الله في حاشيته على السيف الصقيل ص85 حيث قال: القول بدوام فعله في جانب الماضي قول بحوادث لا أول لها، وقد سبق تسخيف ذلك مرات ا 0 هـ
وقال في صلى الله عليه وسلم 81: ونسجل هنا على الناظم قيام الحوادث بذات الله سبحانه وتعالى، واعتقاده ان هذه الحوادث لا أول لها ا 0 هـ.
2-
د 0 محمد عبد الستار نصار في كتابه العقيدة (1/228) حيث قال:
(1)
…
سيأتي أن الحوادث يطلق على الأمرين.
((العالم عند النظام له بداية ونهاية، أي أنه مخلوق بعد العدم المحض، خلافاً لما ذهب إليه جمهور الفلاسفة، اعتقاداً منهم بأنه معلول لعلة قديمة، والعلة والمعلول - في نظرهم - متساوقان في الزمان والوجود، وهم لا يتصورون مدة يكون " الله " فيها معطلاً عن الفعل، من ثم يذهبون إلى " الفاعلية " المستمرة أزلاً وأبداً، وقد وافقهم على هذا الرأي بعض المفكرين الذين ينتسبون إلى المذهب السلفي، وقد طوعوا لمذهبهم هذا، بعض الآيات القرآنية، مثل قوله تعالى:{فعال لما يريد} وفهموا من هذه الآيات دوام الفعل أزلاً وأبداً، ولم يغفلوا عن اللازم الذي يترتب على هذا الفهم، وهو أن يكون مع الله قديم سواه، فقالوا بقدم جنس العالم وحدوث أعيانه.
ولا شك في أن هذه المسألة من أعقد المسائل التي تصادف الباحث في العقائد، وذلك لأن القول بالمقابل، وهو حدوث العالم، يؤدي إلى اشكالات كثيرة، أثارها الفلاسفة في وجه القائلين به، منها: تعطيل القدرة الإلهية في الأزل عن المباشرة في تعلقاتها، ومنها: أن يكون الحق سبحانه وتعالى قد تجددت له إرادة لم تكن موجودة قبل إيجاد العالم،
…
الخ.
وبالرغم من أن هذه الإشكالات مردود عليها من قبل القائلين بحدوث العالم إلا أن القضية ليست سهلة بحيث يسلم أحد الفريقين لصاحبه، وتنتهي إلى أحد طرفيها، والقائلون بالقدم لهم في تفسير كلمة " خلق " التي وردت في القرآن الكريم، فهمهم الخاص، فهو عندهم ليس إيجاداً من العدم المحض كما يرى القائلون بالحدوث، وإنما يعني عندهم: صدور العالم - المعلول - عن علته - الله - على سبيل الفيض الأزلي، بل ربما اعتمد بعضهم على ظاهر بعض
الآيات القرآنية التي تفيد أن الله سبحانه وتعالى هو الأول والآخر، وتعنى الأولية في نظرهم: ألا يكون مسبوقاً بالعدم، ولا تعنى ألا يقارنه في الوجود الأزلي شيء هو معلوله، كما أن الأخروية يعني ألا يلحقه عدم، ولا تعني: ألا يساوقه في الوجود الأبدي شيء، كما ذهب بعض فلاسفة الإسلام - وهو ابن رشد - إلى أن ظاهر قوله تعالى:{وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء} يدل على أنه كان هناك موجود قبل خلق السماوات والأرض هو العرش والماء، وزمان قبل هذا الزمان، هو المقارن لذاك الوجود)) ا0هـ
ويلاحظ في كلامه أمور:
(1)
أن أساس المشكلة هو القول بدوام فاعلية الرب كما ذكرنا.
(2)
أنه قد قرر أن دوام فاعلية الرب يلزم منه قدم شيء مع الله، والأمر ليس كذلك كما سيأتي.
(3)
انه جعل قول ابن تيمية وان لم يصرح باسمه موافقاً لرأي الفلاسفة، مع أن الفرق بينهما شاسع فالفلاسفة لا يقولون بان الشيء مسبوق بالعدم بخلاف ابن تيمية الذي يقول بذلك ويكفر من لا يقول به وسوف نعقد مبحثاً خاصاً في الفرق بين كلام ابن تيمية وكلام الفلاسفة إن شاء الله.
(4)
ان المتكلمين الذين لم يقولوا بقول الجهمية بل قالوا ان الفعل كان ممكناً وليس ممتنعاً إلا أن المقدور ممتنع!! وسيأتي بطلان ذلك ومنه ما ذكره الدكتور بقوله: ان ذلك يؤدي إلى تعطيل القدرة الإلهية في الأزل عن المباشرة في تعلقاتها.