الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد
…
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد..
فإنه بلغنا عن بعض الإخوان الساكنين بالساحل من أرض عُمان أن في جهتهم جهميةً وإباضيةً1 وعباد قبور متظاهرين بمذاهبهم وعقائدهم، مظهرين العداوة للإسلام وأهله. وذكروا أنه كان لديهم أناس ممن ينتسب إلى العلم والطلب يجادلون عنهم، ويوالونهم، ويفرون إليهم، ويأخذون جوائزهم وصلاتهم، ويأكلون ذبائحهم.
وهؤلاء الجهمية الذين كانوا بالساحل من أرض عمان قد شاع ذكرهم وانتشر خبرهم، وظهر أمرهم من قديم الزمان.
1 في الأصل "أباضة".
وكذلك الإباضية1 كانوا بهذا الساحل معروفين مشتهر أمرهم لا يخفى على أحد.
وقد راسلنا بعض الإخوان في هؤلاء الذين يوالونهم، ويجادلون عنهم، فظننا أن الأمر ليس كما زعموا وأحسنا الظن بمن هناك من طلبة العلم فلم نُنعِم الإخوانَ بجواب، ولم نسمح لهم بخطاب، إلا نحضهم على الصبر على الأذى، وتحمل المشقة والبلوى، وبذل النصيحة لهم، والتلطف في الدعوة لهم، والدعاء لهم بالهداية، حتى رأينا لهم رسالة2 طبعها لهم بعض الغزاونة أولاد عبد الله الغزنوي رحمه الله، ونسبوها إلى رجل يقال له: يوسف بن شبيب3 الكويتي.
وهذا الرجل لم يكن معروفاً بالعلم والدارية، ولا بالمعرفة والرواية، بل كلامه وتركيبه يدل على جهله، وعدم معرفته. وقد قيل إن الذي ألفها غيره ممن يترشح للعلم والمعرفة.
وقد نقل هذا المؤلف عن شيخ الإسلام ابن تيميه قدّس الله روحه نقولاً يلبس بها على العوام الذين لا معرفة لهم بمدارك الأحكام، ولا4 دراية لهم بموارد الأفهام. ويوهمهم أن هذه النقول التي نقلها عن شيخ الإسلام ابن تيميه تدل على
1 في الأصل "الأباضة".
2 في هامش الأصل: "اسمها: نصيحة المؤمنين" سنة 1325 هـ.
3 في الأصل "شيب".
4 سقطت اللام من الأصل.
ما ذهب إليه من عدم تكفير الجهمية الخارجين عن شريعة الإسلام، ويظن أن هذه النقول له وهي عليه لا له، كما سنبينه إن شاء1 الله تعالى، وننقض استدلاله، وما ذاك إلا أنه ليس له إلمام بهذه الصناعة، ولا متجر له في هذه البضاعة.
وقبل الجواب على كلامه وسوء مرامه نذكر من كلام غلطهم وسوء فهمهم، وعدم معرفتهم بكلام أهل العلم فنقول:
اعلم وفقك الله لطاعته أن أصل مقالة التعطيل للصفات إنما هو مأخوذ عن تلامذة اليهود والمشركين وضلال الصائبين، فإن أول من حفظ عنه أنه قال هذه المقالة في الإسلام، أعني أن الله سبحانه ليس على العرش حقيقة، وإنما استوى بمعنى استولى، ونحو ذلك. أول ما ظهرت هذه المقالة من جعد بن درهم، وأخذها عنه الجهم بن صفوان، وأظهرها فنسبت مقالة الجهمية إليه.
وقد قيل: إن الجعد أخذ مقالته عن أبان بن سمعان، وأخذها من طالوت بن أخت لبيد بن الأعصم، وأخذها طالوت من لبيد بن الأعصم اليهودي الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان الجعد بن درهم هذا فيما قيل من أرض حران،
1 في الأصل: إنشاء الله.
وكان فيهم خلق كثير من الصابئة1 والفلاسفة بقايا أهل دين النمرود والكنعانيين الذين صنف بعض المتأخرين في سحرهم. والنمرود هو ملك الصابئة الكلدانيين المشركين، كما أن كسرى ملك الفرس والمجوس، وفرعون ملك مصر والنجاشي ملك الحبشة النصارى2، فهذا اسم جنس، لا اسم علم فكانت الصابئة إلا قليلاً منهم إذ ذاك على الشرك، وعلماؤهم الفلاسفة، وإن كان الصابئي قد لا يكون مشركاً بل مؤمناً بالله واليوم الآخر، فأولئك الصابئون الذين كانوا إذ ذاك كفاراً أو مشركين، وكانوا يعبدون الكواكب، ويبنون لها الهياكل.
ومذهب النفاة من هؤلاء في الرب أنه ليس إلا صفات سلبية أو إضافية أو مركبة منها3. وهم الذين بعث إبراهيم
1 في الأصل: الصابئية.
2 قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية 11/215 في ترجمة: الأخشيد محمد بن عبد الله ملك فرغانة: "وكل من ملكها كان يسمى الأخشيد كما أن من ملك اشروسية يسمى الآفشين ومن ملك خوارزم يسمى خوارزم شاه ومن ملك جرجان يسمى صوك ومن ملك أذربيجان يسمى أصبهند ومن ملك طبرستان يسمى أرسلان قاله ابن الجوزى في منتظمه قال السهيلى وكانت العرب تسمى من ملك الشام مع الجزيرة كافرا قيصر ومن ملك فارس كسرى ومن ملك اليمن تبع ومن ملك الحبشة النجاشي ومن ملك الهند بطليموس ومن ملك مصر فرعون ومن ملك الاسكندرية المقوقس وذكر غير ذلك" اهـ.
3 الصفات السلبية التي يثبتها هؤلاء هي: ما كان مدلولها عدم أمر لا يليق بالله =
الخليل صلى الله عليه وسلم إليهم، فيكون الجعد قد أخذها من الصائبة والفلاسفة.
وكذلك أبو نصر الفارابي دخل حران وأخذ عن فلاسفة الصابئة تمام فلسفته، وأخذها الجهم أيضاً فيما ذكره الإمام أحمد وغيره لما ناظر السمنية بعض فلاسفة الهند وهم الذين يجحدون من العلوم ما سوى الحسيات. فهذه أسانيد جهم ترجع إلى اليهود والصابئين والمشركين.
ثم لما عربت الكتُب الرومية واليونانية في حدود المائة الثانية زاد البلاء، مع ما ألقى الشيطانُ في قلوب الضلال ابتداء، من جنس ما ألقاها في قلوب أشباههم، ولما كان في حدود المائة الثالثة انتشرت هذه المقالة التي كان السلف يسمونها مقالة الجهمية، بسبب بشر بن غياث المريسي وطبقته.
= عز وجل مثل قولهم: إن الله واحد بمعنى أنه مسلوب عنه القسمة بالكم أو القول ومسلوب عنه الشريك.
والإضافية هي: التي لا يوصف الله بها على أنها صفة ثابتة له ولكن يوصف بها باعتبار إضافتها إلى الغير كقولهم عن الله: إنه مبدأ وعلة. فهو مبدأ وعلة باعتبار أن الأشياء صدرت منه لا باعتبار صفة ثابتة له هي البداء والعلية.
والمركبة منها هي: التي تكون سلبية باعتبار أنه مسلوب عنه الحدوث إضافية باعتبار أن الأشياء بعده.
وكلام1 الأئمة مثل مالك وسفيان بن عيينة وابن المبارك وأبي يوسف والشافعي وأحمد وإسحاق والفضيل بن عياض وبشر الحافي وغيرهم كثير في ذمهم وتضليلهم انتهى من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية2.
فإذا كان أصل هذه المقالة مقالة التعطيل والتأويل مأخوذ عن تلامذة المشركين والصابئين واليهود فكيف تطيب نفس مؤمن أو عاقل أن يأخذ سبيل هؤلاء المغضوب عليهم والضالين، ويدع سبيل الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، أو ينصب نفسه هدفاً دونهم بالمجادلة عنهم، والاعتذار لهم بأنواع من التمويه والسفسطة، والقيام في نحر من أظهر عداوتهم وبغضهم، والتنفير عنهم وعن مجالستهم، أفلا يستحي من يدعي الإسلام، ويتظاهر به بين الأنام أن يكون في جملة أعداء الله ورسوله بالذب عنهم، وتجهيل من ضللهم وأمر بهجرهم والبعد عنهم.
فإذا تبين لك ما ذكره أهل العلم في أصل مقالة هؤلاء الجهمية. فاعلم أن مذهبهم أنه ليس فوق السماوات إله يعبد، ويصلى له ويسجد، ولا لله في الأرض من كلام، ولا يشار إليه بالأصابع إلى فوق، ولا ينزل منه شيء، ولا يصعد إليه
1 سقطت "و" من الأصل. وأضفتها من الحموية لشيخ الإسلام.
2 من الحموية 1/436 من الرسائل لشيخ الإسلام.
شيء، ولا تعرج الملائكة والروح إليه، ولا رفع المسيح إليه، ولا عرج برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يتكلم بقدرته ومشيئته، ولا ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: هل من سائل فأعطيه، هل من داع فأجيبه، هل من مستغفر فأغفر له، وأنه لا يرى في الآخرة، ولا يقوم به فعل البتة، وأنه لا خارجَ العالم ولا داخله ولا متصلاً ولا منفصلاً ولا محايث له إلى غير ذلك من أقوالهم المتضمنة لتعطيله عن عرشه وعلوه على خلقه، وجحد أسمائه وصفاته ونعوت جلاله، وهذا هو الكفر والإلحاد الصريح نعوذ بالله من موجبات غضبه وأليم عقابه.