المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثامن عشر في الاجارة - لسان الحكام

[ابن الشحنة، لسان الدين]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌الْفَصْل الأول فِي آدَاب الْقَضَاء وَمَا يتَعَلَّق بِهِ

- ‌الْفَصْل الثَّانِي فِي أَنْوَاع الدَّعَاوَى والبينات

- ‌الْفَصْل الثَّالِث فِي الشَّهَادَات

- ‌الْفَصْل الرَّابِع فِي الْوكَالَة وَالْكَفَالَة وَالْحوالَة

- ‌الْفَصْل الْخَامِس

- ‌الْفَصْل السَّادِس فِي الْإِقْرَار

- ‌الْفَصْل السَّابِع فِي الْوَدِيعَة

- ‌الْفَصْل الثَّامِن

- ‌الْفَصْل التَّاسِع فِي أَنْوَاع الضمانات الْوَاجِبَة وكيفيتها وَفِي تضمين الْأمين

- ‌الْفَصْل الْعَاشِر فِي الْوَقْف

- ‌الْفَصْل الْحَادِي عشر فِي الْغَصْب وَالشُّفْعَة وَالْقِسْمَة

- ‌الْفَصْل الثَّانِي عشر فِي الْإِكْرَاه

- ‌الْفَصْل الثَّالِث عشر فِي النِّكَاح

- ‌الْفَصْل الرَّابِع عشر

- ‌الْفَصْل الْخَامِس عشر فِي الْإِعْتَاق

- ‌الْفَصْل السَّادِس عشر فِي الْأَيْمَان

- ‌الْفَصْل السَّابِع عشر فِي الْبيُوع

- ‌الْفَصْل الثَّامِن عشر فِي الاجارة

- ‌الْفَصْل التَّاسِع عشر فِي الْهِبَة

- ‌الْفَصْل الْعشْرُونَ فِي الرَّهْن

- ‌الْفَصْل الْحَادِي وَالْعشْرُونَ فِي الْكَرَاهِيَة

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌الْفَصْل الثَّانِي وَالْعشْرُونَ من الْفُصُول الثَّلَاثِينَ فِي الصَّيْد والذبائح وَالْأُضْحِيَّة = كتاب الصَّيْد

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌الْفَصْل الثَّانِي فِي التَّسْمِيَة

- ‌الْفَصْل الثَّالِث وَالْعشْرُونَ فِي الْجِنَايَات والديات وَالْحُدُود

- ‌من الغنية

- ‌فصل فِي الْمَسْأَلَة الْمُتَعَلّقَة بالحدود

- ‌فصل فِيمَا يظْهر فِي الزِّنَى

- ‌فصل فِيمَا يصير شُبْهَة بالإحصان

- ‌فصل فِي جِنَايَة الْبَهِيمَة وَالْجِنَايَة عَلَيْهَا

- ‌الْفَصْل الرَّابِع وَالْعشْرُونَ فِي الشّرْب والمزارعة والمساقة = كتاب الشّرْب

- ‌فصل فِي مسَائِل المَاء

- ‌فصل فِي أَعمال الْمُزَارعَة مَا يكون على الْمزَارِع ومالا يكون

- ‌فصل فِيمَا يكون عذرا فِي فسخ الْمُزَارعَة

- ‌فصل فِي الْمزَارِع يدْفع الى آخر مُزَارعَة

- ‌الْفَصْل الْخَامِس وَالْعشْرُونَ فِي الحيطانوما يتَعَلَّق

- ‌الْفَصْل السَّادِس وَالْعشْرُونَ فِي السّير

- ‌فصل فِي مسَائِل البيع وَالْملك

- ‌فصل فِي الْحَظْر والاباحة

- ‌الْفَصْل السَّابِع وَالْعشْرُونَ

- ‌فصل فِيمَا يكون كفرا من الْمُسلم ومالا يكون

- ‌فصل فِي الضَّمَان

- ‌فصل فِي ذَوي الْأَرْحَام

- ‌فصل فِي الصِّنْف الأول

- ‌فصل فِي الصِّنْف الثَّانِي

- ‌فصل فِي الصِّنْف الثَّالِث

- ‌فصل فِي الصِّنْف الرَّابِع

- ‌فصل فِي الصِّنْف الْخَامِس

- ‌فصل فِي لواحق الْكتاب

- ‌الْفَصْل الثَّلَاثُونَ وَهُوَ تَمام الْفُصُول فِي مسَائِل شَتَّى

الفصل: ‌الفصل الثامن عشر في الاجارة

وَفِي الظَّهِيرِيَّة فِي كتاب الْحِيَل إِذا زَوجهَا المُشْتَرِي عبدا لَهُ قبل أَن يقبضهَا ثمَّ قبضهَا ثمَّ طَلقهَا العَبْد قبل أَن يدْخل بهَا وَقبل أَن تحيض فَلِلْمُشْتَرِي أَن يَطَأهَا من غير اسْتِبْرَاء قَالَ شمس الْأَئِمَّة وَهَذَا صَحِيح وتزويجه إِيَّاهَا قبل الْقَبْض صَحِيح كالإعتاق اه

وَفِي الْوَلْوَالجيّ رجل اشْترى جَارِيَة واحتال فِي إِسْقَاط الِاسْتِبْرَاء إِن كَانَ البَائِع وَطئهَا ثمَّ بَاعهَا قبل أَن تحيض لَا يحل للْمُشْتَرِي أَن يحتال للإسقاط لقَوْله صلى الله عليه وسلم لَا يحل لِرجلَيْنِ يؤمنان بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن يجتمعا على امْرَأَة وَاحِدَة فِي طهر وَاحِد وَإِن بَاعهَا البَائِع بعد أَن حَاضَت عِنْده وطهرت وَلم يقربهَا فِي ذَلِك الطُّهْر يحل لَهُ أَن يحتال للإسقاط لِانْعِدَامِ هَذَا النَّهْي ثمَّ الْحِيلَة أَن يَتَزَوَّجهَا المُشْتَرِي قبل الشِّرَاء إِن لم يكن عِنْده امْرَأَة حرَّة أَو يُزَوّجهَا البَائِع غَيره ثمَّ يَشْتَرِيهَا بعد ذَلِك وَإِن كَانَ عِنْده امْرَأَة أُخْرَى حرَّة زَوجهَا البَائِع غَيره ثمَّ يَشْتَرِيهَا هُوَ بعد ذَلِك ويقبضها ثمَّ يطلقهَا الزَّوْج أَو يَشْتَرِيهَا أَولا ثمَّ يُزَوّجهَا من رجل قبل أَن يقبضهَا ثمَّ يقبضهَا ثمَّ يطلقهَا الزَّوْج

وَإِن خَافَ البَائِع أَن يَتَزَوَّجهَا المُشْتَرِي وَلَا يَشْتَرِيهَا وَلَا يطلقهَا فَالْحِيلَةُ أَن يَقُول البَائِع زوجتها مِنْك على أَن أمرهَا بيَدي فِي التطليقتين أطلقها مَتى شِئْت أَو يَقُول زوجتها مِنْك على أَنَّك إِن لم تشترها مني الْيَوْم بِكَذَا فَهِيَ طَالِق ثِنْتَيْنِ فَقبل المُشْتَرِي النِّكَاح على ذَلِك

وَكَذَلِكَ الْحِيلَة إِذا خيف على الْمُحَلّل وَقد مر فِي فصل الطَّلَاق فَانْظُرْهُ ثمَّة

رجل بَاعَ أَقْوَامًا ثمَّ مَاتَ وَله عَلَيْهِم دُيُون وَلَا وَارِث لَهُ مَعْرُوف فَأخذ السُّلْطَان دُيُونه ثمَّ ظهر وَارثه لَا يبرأ الْغُرَمَاء وَعَلَيْهِم أَن يؤدوا إِلَيْهِ ثَانِيًا لِأَنَّهُ تبين أَنه لَيْسَ للسُّلْطَان ولَايَة الْأَخْذ

صَاحب الدّين إِذا ظفر بِالدَّنَانِيرِ وَحقه فِي الدَّرَاهِم كَانَ لَهُ أَن يمد يَده وَيَأْخُذ الدَّنَانِير لِأَن الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير جعلا كشيء وَاحِد فِي حق الْبياعَات وَلِهَذَا لَو استبدل الذَّهَب بِالْفِضَّةِ فِي خلال الْحول لَا يَنْقَطِع حكم الْحول كَمَا لَو استبدل الذَّهَب بِالذَّهَب أَو الْفضة بِالْفِضَّةِ اه وَالله أعلم

‌الْفَصْل الثَّامِن عشر فِي الاجارة

اعْلَم أَن الاجارة قد شهد لجوازها الْكتاب وَالسّنة والاجماع أما الْكتاب فَقَوله تَعَالَى {فَآتُوهُنَّ أُجُورهنَّ} وَقَوله تَعَالَى {لَو شِئْت لاتخذت عَلَيْهِ أجرا} وَقَوله تَعَالَى فِي قصَّة مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة السَّلَام {على أَن تَأْجُرنِي ثَمَانِي حجج} وَشَرِيعَة من قبلنَا لَازِمَة علينا إِذا قصّ الله وَرَسُوله صلى الله عليه وسلم من غير إِنْكَار مالم يقم دَلِيل على انتساخه وَأما السّنة فَقَوله عليه الصلاة والسلام أعْطوا الاجير أجرته قبل أَن يجِف عرقه وَمن اسْتَأْجر أَجِيرا فليعلمه أجره وَأما الاجماع فقد انْعَقَد كل عصر وكل مصر على صِحَّتهَا إِلَّا مَا حكى عَن عبد الرَّحْمَن الْأَصَم أَنه قَالَ لَا يجوز ذَلِك لِأَنَّهُ غرر يَعْنِي يعْقد على مَنَافِع لم تخلق وَهَذَا لِأَن الْقيَاس يَأْبَى جَوَازهَا لِأَن العقد يرد على الْمَعْدُوم وَهِي الْمَنْفَعَة الَّتِي تُوجد فِي مُدَّة الاجارة والمعدوم لَيْسَ بِمحل للْعقد لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَيْء وَهَذَا كُله وَجه الْقيَاس وَالْقِيَاس وَإِن كَانَ يَأْبَى جَوَازهَا لَكِن الْقيَاس فِي مُقَابلَة النَّص والاجماع لَا يعْتَبر فجوزناها عملا بِالْكتاب وَالسّنة والاجماع لحَاجَة النَّاس إِلَيْهَا

ص: 360

فالفقير مُحْتَاج إِلَى مَال الْغَنِيّ والغني مُحْتَاج إِلَى عمل الْفَقِير وحاجة النَّاس أصل فِي شرع الْعُقُود فشرعت لترتفع الْحَاجة

ثمَّ الاجارة لَهَا أَرْكَان وشرائط أما أَرْكَانهَا فالإيجاب وَالْقَبُول وَذَلِكَ بِأَلْفَاظ دَالَّة عَلَيْهِمَا وَهُوَ لفظ الاجارة والاستئجار والإكراء والاكتراء وتنعقد بِلَفْظ الْمَاضِي وَلَا تَنْعَقِد بلفظين يعبر بِأَحَدِهِمَا عَن الْمُسْتَقْبل نَحْو أَن يَقُول آجرني فَيَقُول الآخر آجرتك وَلَو قَالَ أعرتك هَذِه الدَّار شهرا بِكَذَا أَو قَالَ كل شهر بِكَذَا أَو هَذَا الشَّهْر بِكَذَا تَنْعَقِد وَفِي التَّتِمَّة تَنْعَقِد الاجارة بِلَفْظ الاعارة وَلَا تَنْعَقِد الاعارة بِلَفْظ الاجارة حَتَّى لَو قَالَ آجرتك هَذِه الدَّار بِغَيْر عوض لَا تكون اعارة

وَفِي الْقنية قَالَ لآخر هَذِه الدَّار بِدِينَار فِي كل سنة هَل رضيته فَقَالَ نعم وَدفع إِلَيْهِ الْمِفْتَاح فَهُوَ اجارة

وَفِي البزازي الاجارة الطَّوِيلَة لَا تَنْعَقِد بالتعاطي لِأَن الْأُجْرَة فِيهَا غير مَعْلُومَة لِأَنَّهَا تكون فِي كل سنة دانقا أَو أقل أَو أَكثر واستخرج الاجارة الطَّوِيلَة الامام مُحَمَّد بن الفضلى البُخَارِيّ فقبلها الْبَعْض لَا الْبَعْض وَهِي على وَجْهَيْن الأول أَن يُؤَاجر الأَرْض أَو الْكَرم وفيهَا زرع فيبيع الْأَشْجَار أَو الزَّرْع بأصولها مِمَّن أَرَادَ الاجارة بِثمن مَعْلُوم وَيسلم ثمَّ يُؤَاجر الأَرْض مِنْهُ مُدَّة مَعْلُومَة ثَلَاث سِنِين أَو أَكثر غير ثَلَاثَة ايام من كل سنة أَو نصفهَا بِمَال مَعْلُوم على أَن يكون أُجْرَة كل سنة من السنين سوى الايام المستثناة كَذَا وَبَقِيَّة مَال الاجارة يَجْعَل بِمُقَابلَة السّنة الْأَخِيرَة وَلكُل مِنْهُمَا ولَايَة الْفَسْخ فِي مُدَّة الْخِيَار وَالثَّانِي أَن يدْفع الْأَشْجَار والزروع الْقَائِمَة على الأَرْض مُعَاملَة إِلَى الَّذِي يُرِيد الاجارة على أَن يكون الْخَارِج على مائَة سهم للدافع وَالْبَاقِي لِلْعَامِلِ ثمَّ يُوكل الْعَامِل فِي صرف قسطه إِلَى مَا يُريدهُ ثمَّ يُؤَاجر مِنْهُ الأَرْض مُدَّة مَعْلُومَة على الْوَجْه الَّذِي ذَكرْنَاهُ من غير أَن يكون أحد الْعقْدَيْنِ شرطا فِي الآخر

وَبَعض أَئِمَّة بخارا أَنْكَرُوا الأول وَقَالُوا بيع الْأَشْجَار والزروع بيع تلجئة لَا بيع رَغْبَة حَتَّى لَا يملك الْمُسْتَأْجر قطع الْأَشْجَار وَعند فسخ الاجارة يَنْفَسِخ البيع بِلَا فسخ والتلجئة لَا تزيل ملك البَائِع وَإِن قبض الْمَبِيع وَلما بقيا على ملكه لم تصح اجارة الأَرْض وَبَعض جوزه وَقَالَ إِنَّه بيع رَغْبَة لِأَنَّهُمَا قصدا بِهِ صِحَة الاجارة وَلَا طَرِيق إِلَيْهِ الا بِهِ وَلَا يُنَافِي عدم جَوَاز الْقطع مَعَ كَونهَا ملكا كالمرهون لَا يملك الرَّاهِن قطع الْأَشْجَار وَقيل إِن بَاعَ الزَّرْع وَالشَّجر بِثمن الْمثل فَبيع رَغْبَة وَإِلَّا لَا وَهَذَا لَا يَصح فَإِن الْإِنْسَان قد يَبِيع مَاله عِنْد الْحَاجة بِثمن قَلِيل

رجل قَالَ لآخر بِعْت مِنْك عَبدِي بمنافع دَارك هَذِه سنة وَقبل فَهُوَ اجارة وَالْأُجْرَة تجب بالتمكن من اسْتِيفَاء الْمَنْفَعَة حَتَّى أَن من اسْتَأْجر دَارا مُدَّة مَعْلُومَة وعطلها مَعَ التَّمَكُّن من الِانْتِفَاع يجب الْأجر وَإِن لم يتَمَكَّن بِأَن مَنعه الْمَالِك أَو الْأَجْنَبِيّ لَا يجب

وَفِي المنبع إِذا غصب الدَّار غَاصِب من يَد الْمُسْتَأْجر سقط الْأجر لفَوَات التَّمَكُّن إِذْ هُوَ الْفِعْل المستلزم للمكنة وَلَا مكنة مَعَ الْغَصْب

قَالَ صَاحب الْكَافِي وَهل يَنْفَسِخ العقد ذكر الفضلى وَالْقَاضِي فَخر الدّين فِي الْفَتَاوَى أَنه لَا تنْتَقض الاجارة وَلَكِن يسْقط الْأجر مَا دَامَت فِي يَد الْغَاصِب وَفِي الْهِدَايَة إِن العقد يَنْفَسِخ وَإِن وجد الْغَصْب فِي بعض الْمدَّة سقط من الْأجر بِقَدرِهِ لِأَن السُّقُوط بِقدر الْمسْقط انْتهى

ص: 361

ثمَّ إِعْلَام الْمَنْفَعَة بطرق ثَلَاثَة إِمَّا بَيَان الْمدَّة كاستئجار الدَّار للسُّكْنَى وَالْأَرْض للزِّرَاعَة فَيصح العقد على مُدَّة مَعْلُومَة أَي مُدَّة كَانَت طَوِيلَة أَو قَصِيرَة لِأَن الْمَنَافِع تحدث شَيْئا فَشَيْئًا فبمقدارها يصير مَعْلُوما بِبَيَان الْمدَّة إِذا كَانَت الْمَنْفَعَة لَا تَتَفَاوَت إِلَّا فِي الْأَوْقَات فَإِن الْمدَّة لَا تزيد على ثَلَاث سِنِين فِي الصَّحِيح كَمَا تقدم فِي فصل الْوَقْف

وَأما الإقطاع فَهَل قَالَ أحد من الْعلمَاء بِجَوَاز إِجَارَته أم لَا قلت وَقد وقفت على عدَّة مصنفات فِي ذَلِك لبَعض عُلَمَائِنَا الْمُتَأَخِّرين رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ مِنْهُم شيخ الاسلام برهَان الدّين ابراهيم بن عبد الْحق وَسَيِّدنَا الشَّيْخ الامام الْعَلامَة شمس الدّين القونوي وَشَيخنَا شيخ الاسلام وَالْمُسْلِمين سعد الدّين الديري وَالشَّيْخ الْعَلامَة الْحَافِظ زين الدّين قَاسم بن قطلو بغا الجمالي متع الله بحياته فاستفدنا مِنْهَا فَوَائِد جمة مِنْهَا القَوْل بِجَوَاز إِجَارَة الاقطاع وَقد أطنبوا الْكَلَام فِي ذَلِك وسلكوا فِيهِ أحسن المسالك وَقد سُئِلَ شَيخنَا شيخ الاسلام سعد الدّين الديري الْمشَار إِلَيْهِ فِيمَن آجر إقطاعه سِنِين ثمَّ أخرج الامام الْأَعْظَم الإقطاع عَنهُ لغيره قبل مُضِيّ الْمدَّة فَقَالَ نعم يجوز للجندي أَن يُؤجر إقطاعه حَيْثُ كَانَ يتَضَمَّن إقطاعه لَهُ ملك الْمَنْفَعَة وَالتَّصَرُّف فِيهِ فِي الْعرف الْعَام بِمَا يرَاهُ وَلَيْسَ هَذَا نَظِير الْمُسْتَعِير وَتَكون الاجارة من المقطع صَحِيحَة لَازِمَة حَيْثُ كَانَت مُشْتَمِلَة على شُرُوطهَا شرعا وَلَا تَنْفَسِخ بِالْمَوْتِ وَلَا بإقطاعه غَيره فَإِن الامام جعله كَالْوَكِيلِ عَنهُ فِي ذَلِك وَتبقى بِالْمُسَمّى الَّذِي وجد فِيهِ شَرط اللُّزُوم وَيشْهد لذَلِك قَوَاعِد عُلَمَائِنَا رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَالْحَالة هَذِه وَالله أعلم

وَصُورَة السُّؤَال الَّذِي سُئِلَ عَنهُ شيخ الاسلام برهَان الدّين بن عبد الْحق سَأَلَهُ قوم عَن إِجَارَة الجندي مَا أقطعه الامام لَهُ من الْمزَارِع والقرى والعقارات هَل يَصح إيجاره ذَلِك وَيكون عقد الاجارة فِيهِ صَحِيحا لَازِما إِذا سمى فِيهِ مَا يتَوَقَّف فِيهِ صِحَة الاجارة على التَّسْمِيَة أَو غير صَحِيح وَلَا لَازم وَكَذَلِكَ عقد الْمُسَاقَاة الصَّادِر فِيهِ وطلبوا بَيَان الحكم فِي ذَلِك على قَول أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى وَهل الحكم فِي هَذِه الْمَسْأَلَة مَنْصُوص عَلَيْهِ عِنْدهم أَو لَا وَذكروا أَن الضَّرُورَة دَاعِيَة إِلَى معرفَة الْجَواب فِي ذَلِك تنصيصا أَو قِيَاسا على نظيرها من أصُول الْمسَائِل فَقَالَ أما تنصيص الاصحاب على الحكم فِي ذَلِك فَلم أَقف عَلَيْهِ بعد مَا تطلبته مُدَّة وَلم أعلم لَهُ فِي عينهَا نِصَابا بِالْجَوَازِ وَلَا بضده وَلَكِن قِيَاس قَوْلهم فِي نظيرها يَقْتَضِي القَوْل بجوازها ولزومها

أما النظير الأول فقد نَص أَصْحَابنَا على أَن من صولح على خدمَة عبد سنة كَانَ للْمصَالح أَن يؤاجره وَمَعْلُوم أَن الْمُصَالحَة إِنَّمَا ملك الْمَنْفَعَة دون الرَّقَبَة فِي مُقَابلَة مَا صولح عَلَيْهِ من حَقه الَّذِي يَدعِيهِ وَإِن كَانَ الْمصَالح يُنكر ذَلِك وَيَزْعُم أَنه لَاحق لَهُ فالمنفعة الْمَمْلُوكَة بِالصُّلْحِ ملكت بِمُقَابلَة عوض فِي زعم الْمُدَّعِي وَبِغير مُقَابلَة عوض فِي زعم الْمُدَّعِي عَلَيْهِ فَكَانَ فِيهِ شَائِبَة العوضية فَصَارَت الْمَنْفَعَة الْمصَالح عَلَيْهَا مَالا نظرا إِلَى زعم أَحدهمَا وَهُوَ الْمُدَّعِي وَغير مَال نظرا إِلَى زعم الْمُدَّعِي عَلَيْهِ بِعقد الاجارة فَوَجَبَ جَوَاز مثله فِي الاقطاع وَذَلِكَ لِأَن مَنَافِع الاقطاع ملكهَا الْجند لاحتباسهم أنفسهم واستعدادهم لما يعرض للْمُسلمين من الْمصَالح يندبهم الامام للْقِيَام بهَا من قتال أَعدَاء الاسلام وردع المفسدين وقمع الخارجين وصون الْأَمْوَال والأنفس عَن التَّعَرُّض إِلَيْهَا بِغَيْر حق فرقبة الاقطاع بَاقِيَة على ملك بَيت المَال ومنافعه مَمْلُوكه لَهُم عوضا عَمَّا حبسوا أنفسهم لَهُ فملكوا تمليكها بِعقد الاجارة بل أولى فَإِن المجوز لتمليك الْمَنَافِع الْمَمْلُوكَة بِعقد الاجارة من حَيْثُ هِيَ كَونهَا ملكت بعوض وَملك الْمَنْفَعَة فِي مَسْأَلَة الصُّلْح بعوض إِنَّمَا هُوَ فِي زعم المتملك لَا فِي زعم

ص: 362

المملك أما فِي مَسْأَلَة الاقطاع فالمنافع ملكت بعوض فِي زعم المملك وَهُوَ الامام وَفِي زعم المتملك وهم الأجناد فَيكون معنى الْعِوَض فِي تمليكها آكِد فَكَانَ تمليكها بِعقد الاجارة أقوى فِي الْجَوَاز

وَأما النظير الثَّانِي وَهُوَ أَن الْمُسْتَأْجر يملك إِجَارَة مَا اسْتَأْجرهُ وَإِن كَانَ لَا يملك مِنْهُ الا الْمَنْفَعَة فَقَط دون الرَّقَبَة لَكِن لما ملكهَا بعوض ملك أَن يملكهَا بعوض أَيْضا وَهُوَ الْأُجْرَة فَكَذَلِك مَا أقطعه الجندي لما ملك مَنْفَعَة الاقطاع بِمُقَابلَة استعداده لما أعد لَهُ كَانَ مَالِكًا للمنفعة بعوض فَملك تمليكها بعوض وَهُوَ عقد الاجارة أَيْضا

وَأما النظير الثَّالِث فَهُوَ مَا ذكره صَاحب الْمُحِيط فِيمَا إِذا وقف وَقفا على أَن غَلَّته لفُلَان كَانَ على الصَّحِيح لفُلَان أَو يؤاجره وَذَلِكَ لِأَن الْمُسْتَحق لَهُ غلَّة الْوَقْف وَالْغلَّة مَال فَيصح اجارة الاقطاع قِيَاسا عَلَيْهِ

وَأما النظير الرَّابِع فَالْعَبْد الماذون لَهُ فِي التِّجَارَة يملك أَن يُؤَاجر من مَال التِّجَارَة مَا يجوز لَهُ فِيهِ عقد الاجارة فَوَجَبَ أَن يجوز مثل ذَلِك فِي الاقطاع من الجندي

وَأما النظير الْخَامِس فَأم الْوَلَد يجوز للسَّيِّد أَن يؤاجرها مَعَ أَنه لَا يملك مِنْهَا سوى مَنْفَعَتهَا عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ الْقَدُورِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي بَاب مَا يحرم بَيْعه فِي غصب أم الْوَلَد وَأما أم الْوَلَد فَلَا تضمن عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى بِالْغَصْبِ لِأَن الْمولى لَا يملك مِنْهَا الا الْمَنْفَعَة أَلا ترى أَنَّهَا لَا تسْعَى بعد الْمَوْت للْوَرَثَة وَلَا للْغُرَمَاء وغصب الْمَنْفَعَة لَا يتَعَلَّق بِهِ ضَمَان فَإِذا كَانَ الْمولى يملك إيجارها وَهُوَ لَا يملك رقبَتهَا وَإِنَّمَا ملك مَنْفَعَتهَا وَجب أَن يكون كَذَلِك المقطع لِأَنَّهُ لَا يملك الرَّقَبَة وَإِنَّمَا يملك الْمَنْفَعَة فَقَط

وَأما النظير السَّادِس فَهُوَ إِنَّمَا أقطع الجندي من الْقرى والمزارع فِي الممالك الاسلامية لينْتَفع بهَا وَلَا يُمكن ذَلِك إِلَّا بالكراب والزراعة وَغير ذَلِك من الكلف ومباشرة أَعمال الفلاحة من سقِِي مَا يسْقِي وحصاده ودياسه وَمَا أشبه ذَلِك من الْأُمُور الَّتِي يتَوَقَّف استغلال تِلْكَ الْأَرَاضِي عَلَيْهَا وَذَلِكَ لَا يحصل إِلَّا بالمزارعة أَو بالاجارة لمن يقوم بِهَذِهِ الْأَعْمَال فَإِن جند لَو أمروا بذلك لصاروا فلاحين وتعطل الْمَعْنى الْمَطْلُوب مِنْهُم من الاستعداد وَالْقِيَام بِمَا أعدُّوا لَهُ من مصَالح الْمُسلمين ومنعهم من الاستعداد للْقِيَام لردع الْأَعْدَاء عَنْهُم

وَالْأَصْل فِي الاقطاع من الامام أَنه ثَبت عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه أقطع وَعَن الصَّحَابَة رضي الله عنهم أَنهم أقطعوا قَالَ أنس ابْن مَالك رضي الله عنه دَعَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْأَنْصَار ليقطع لَهُم بِالْبَحْرَيْنِ الحَدِيث وَعَن عَلْقَمَة بن وَائِل الْحَضْرَمِيّ يحدث عَن أَبِيه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أقطعه أَرضًا لَا أعلم أَنه قَالَ إِلَّا بحضرموت وَعَن ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أقطع الزبير فَأجرى فرسه حَتَّى قَامَ ثمَّ رمى سَوْطه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَعْطوهُ حَيْثُ بلغ السَّوْط وَغير ذَلِك من الْأَحَادِيث والْآثَار الَّتِي يطول ذكرهَا هَذَا مَا دلّت عَلَيْهِ مسَائِل أَصْحَابنَا

وَأما غير عُلَمَائِنَا فَذكر ابْن أبي مُوسَى الْهَاشِمِي فِي رُؤُوس الْمسَائِل مَا يدل على أَن قَول الْحَنَابِلَة كَقَوْلِنَا فَقَالَ يجوز اجارة الْمَنَافِع الْمُسْتَحقَّة بِالْوَصِيَّةِ فَنَقُول مَتى جَازَ ذَلِك جَازَ اجارة الاقطاع قِيَاسا عَلَيْهِ اه وَأما التَّصْرِيح عَن الشَّافِعِيَّة فَفِي فتاوي الشَّيْخ محيي الدّين النَّوَوِيّ رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ مَسْأَلَة إِذا أقطع السُّلْطَان جنديا أَرضًا فَهَل يجوز لَهُ اجارتها الْجَواب نعم يجوز لَهُ لِأَنَّهُ مُسْتَحقّ لمنفعتها وَلَا يمْنَع من ذَلِك كَونهَا معرضة لِأَن يستردها مِنْهُ بِمَوْتِهِ أَو غَيره كَمَا يجوز للزَّوْجَة أَن تؤاجر الأَرْض الَّتِي فِي صَدَاقهَا قبل

ص: 363

الدُّخُول وَإِن كَانَت معرضة لِأَن تسترد مِنْهَا بانفساخ النِّكَاح وَقد اقتصرت على هَذَا الْقدر فِي هَذَا الْبَاب إِذْ لَو كتبت جَمِيع مَا فِي مصنفات الْمشَار إِلَيْهِم لضاق عَنهُ الْكتاب

ثمَّ جِئْنَا إِلَى مَا كُنَّا فِيهِ من إِعْلَام الْمَنْفَعَة بطرق ثَلَاثَة وَقد ذكرنَا الطَّرِيق الأول وَهُوَ بَيَان الْمدَّة على مَا فصلناه قبيله فَلَا فَائِدَة فِي تكراره وَأما بَيَان الْعَمَل بِأَن يبين مَحل الْعَمَل كمن اسْتَأْجر رجلا على صبغ ثَوْبه أَو خياطته أَو اسْتَأْجر دَابَّة ليحمل عَلَيْهَا مِقْدَارًا مَعْلُوما أَو يركبهَا مَسَافَة سَمَّاهَا لِأَنَّهُ إِذا بَين الثَّوْب ولون الصَّبْغ وَقدر مَا يصْبغ بِهِ إِذا كَانَ مِمَّن يخْتَلف وجنس الْخياطَة وَقدر الْمَحْمُول وجنسه والمسافة صَارَت الْمَنْفَعَة مَعْلُومَة بِتَسْمِيَة ذَلِك فَيصح العقد وَأما بالاشادة كمن اسْتَأْجر رجلا لينقل لَهُ هَذَا الطَّعَام إِلَى مَوضِع مَعْلُوم لِأَنَّهُ إِذا أرَاهُ مَا يَنْقُلهُ والموضع الَّذِي يحمل إِلَيْهِ تصير الْمَنْفَعَة مَعْلُومَة فَتَصِح ثمَّ مَا صلح أَن يكون ثمنا فِي البيع كالنقود والمكيل وَالْمَوْزُون صلح أَن يكون أُجْرَة فِي الاجارة لِأَن الاجارة بيع الْمَنْفَعَة وَالْأَجْر ثمن الْمَنْفَعَة بِثمن الْمَبِيع ومالا يصلح ثمنا لَا يصلح أُجْرَة أَيْضا كالأعيان مثل العبيد وَالثيَاب لِأَن الْأُجْرَة عوض مَالِي فَكل مَا صلح عوضا صلح أُجْرَة كَذَا فِي الْمَنْع

وَفِيه أَيْضا إِذا اسْتَأْجر ارضا للزِّرَاعَة يشْتَرط أحد شَيْئَيْنِ إِمَّا تعْيين المزروع أَو تَعْمِيم المزروع بِأَن يَقُول يزرع مَا شَاءَ لِأَن الأَرْض تَارَة تستأجر للزِّرَاعَة وَتارَة للْبِنَاء وَالْغَرْس وَغَيرهمَا وَمَا يزرع فِيهَا متفاوت فقد تستأجر لزراعة الْبر أَو الشّعير أَو الذّرة أَو الْأرز وَغَيرهَا وَبَعضهَا يضر بِالْأَرْضِ فَمَا لم يبين شَيْئا من ذَلِك لَا يصير الْمَعْقُود عَلَيْهِ مَعْلُوما وإعلام الْمَعْقُود عَلَيْهِ شَرط جَوَاز العقد إِلَّا أَن يَقُول على أَن يزرع فِيهَا مَا شَاءَ لِأَن الْجَهَالَة ارْتَفَعت بتفويض الْخيرَة إِلَيْهِ وَيدخل الشّرْب وَالطَّرِيق فِي الاجارة تبعا للْأَرْض وَإِن لم يشترطهما بِخِلَاف مَا إِذا اشْترى الأَرْض فَإِن الشّرْب وَالطَّرِيق لم يدخلا بِلَا ذكر لِأَن الْمَقْصُود من الاجارة الِانْتِفَاع حَتَّى لَا يَصح اجارة مَالا يُمكن الِانْتِفَاع بِهِ فِي الْحَال كاجارة الْمهْر للرُّكُوب وَغير ذَلِك

وَفِي الذَّخِيرَة اسْتَأْجر أَرضًا وَلم يذكر أَنه يَزْرَعهَا فَالْإِجَارَة فَاسِدَة لجَهَالَة الْمَعْقُود عَلَيْهِ لِأَن الأَرْض تصلح للزِّرَاعَة وَالْغَرْس وَالْبناء وَلَا رُجْحَان للْبَعْض على الْبَعْض فَمَا لم يبين لَا يصير الْمَعْقُود عَلَيْهِ مَعْلُوما وَكَذَلِكَ إِذا ذكر أَنه يَزْرَعهَا إِلَّا أَنه لم يذكر أَي شَيْء يَزْرَعهَا فالاجارة فَاسِدَة لجَهَالَة الْمَعْقُود عَلَيْهِ

وَفِي البزازي رجل اسْتَأْجر دَوَاب إِلَى سَمَرْقَنْد من خوارزم يَكْفِي لوُجُوب الْأُجْرَة تَسْلِيم الدَّوَابّ وَلَا يُؤمر رب الدَّوَابّ بإرسال الْغُلَام مَعهَا وَذكر مُحَمَّد أَنه يُؤمر بإرسال الْغُلَام مَعهَا وَذكر مَوْلَانَا شيخ الاسلام أَنه يُخَيّر وَلَا يجْبر

اسْتَأْجر رجلا ليحمل لَهُ غلَّة من مطمورة عينهَا فَذهب فَلم يجده وَرجع قسم الْأجر الْمُسَمّى على ذَهَابه وَحمله ورجوعه وَلَزِمَه أجر الذّهاب لِأَن الذّهاب كَانَ لَهُ وَإِن كَانَ لم يسم المطمورة لَا يتَجَاوَز عَن قسط الْمُسَمّى للذهاب وَله أجر الْمثل قَالَ للخياط استأجرتك لتخيط هَذَا الثَّوْب فخاطه غُلَامه اسْتحق الْأجر وَإِن قَالَ بيد نَفسك لَا يسْتَحق

اسْتَأْجر رجلا ليحفر عشرَة فِي عشرَة فحفر خمْسا فِي خمس لَهُ ربع الْأجر لِأَن الأولى مائَة ذِرَاع والمحظور خمس وَعِشْرُونَ ذِرَاعا رب الدَّار امْتنع عَن تَفْرِيغ بَيت الْخَلَاء لَا يجْبر لَكِن للساكن أَن يفْسخ للخلل فِي الِانْتِفَاع وَكَذَا لَا يجْبر على إصْلَاح الْمِيزَاب وتطيين السَّطْح

ص: 364

اسْتَأْجر دَارا فِيهَا بِئْر مَاء أَن يسْقِي مِنْهَا لِأَن لَهُ الاستقاء قبلهَا فَكَذَا بعْدهَا وَإِن اخْتَلَّ مَاء الْبِئْر لَيْسَ على احدهما إصلاحها

وَعَن مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى أَنه لَو اسْتَأْجر دَابَّة ليرْكبَهَا مُدَّة وَانْقَضَت الْمدَّة وأمسكها فِي منزله وَلم يَجِيء مَالِكهَا ليأخذها حَتَّى تلفت الدَّابَّة عِنْده لَا ضَمَان على الْمُسْتَأْجر لِأَنَّهُ لَا يجب على الْمُسْتَأْجر الرَّد وَمَعَ ذَلِك لَو سَاقهَا للرَّدّ الى مَالِكهَا فَضَاعَت لَا يضمن وَإِن اسْتَأْجرهَا ليرْكبَهَا فِي الْمصر فَذهب الْمَالِك الى مصر آخر فأخرجها الْمُسْتَأْجر اليه وَهَلَكت فِي الطَّرِيق ضمن لصيرورته غَاصبا بِالْإِخْرَاجِ

وَفِي الْمُنْتَقى رجل اكترى دَارا سنة بِأَلف فَلَمَّا مَضَت قَالَ رَبهَا إِن فرغتها الْيَوْم وَإِلَّا عَلَيْك ألف كل يَوْم وَالْمُسْتَأْجر مقرّ أَن الدَّار لَهُ وَلم يفرغ لزمَه قَالَ هِشَام قلت لمُحَمد هلا يَجْعَل لَهُ أجر مثلهَا الى أَن يتَمَكَّن من التفريغ وَبعد التَّمْكِين عَلَيْهِ مَا قَالَه الْمُؤَجّر قَالَ هَذَا حسن

وَفِي الولولجي وَلَو آجر دَاره إِجَارَة مُضَافَة بِأَن يَقُول آجرتك دَاري هَذِه شهر شَوَّال وهما فِي رَمَضَان ثمَّ بَاعه من آخر فَالْبيع مَوْقُوف على إجَازَة الْمُسْتَأْجر وَلَو دخل شَوَّال فَلهُ أَن يسكن الدَّار لِأَن العقد مُنْعَقد وَإِن كَانَ لَا يجب عَلَيْهِ تَسْلِيم الدَّار مالم يَجِيء ذَلِك الْوَقْت

وَذكر فِي بعض الْمَوَاضِع أَنه إِذا آجر دَاره إِجَارَة مُضَافَة مثلا فِي صفر وَهُوَ بعد محرم فَبَاعَ قبل مَجِيء ذَلِك الْوَقْت فَعَن مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى رِوَايَتَانِ وَالْفَتْوَى على أَنه ينْعَقد وَتبطل الْإِجَارَة المضافة هَذَا هُوَ الظَّاهِر لِأَن لَهُ ولَايَة الْفَسْخ وَالْبيع دلَالَة الْفَسْخ

وَفِي البزاري آجره دَاره إِجَارَة مُضَافَة بِأَن قَالَ فِي شهر ربيع الأول آجرتكها رَجَب فَبَاعَهَا فِي جُمَادَى الأولى ذكر شمس الْأَئِمَّة الْحلْوانِي أَن البيع لَا ينفذ فِي رِوَايَة عَن مُحَمَّد لِأَن حق الْمُسْتَأْجر إِن لم يثبت فَحق أَن يثبت وَبِه يلوح كَلَام السَّرخسِيّ حَيْثُ قَالَ الْأَصَح أَن الْإِجَارَة المضافة لَازِمَة وَفِي رِوَايَة ينفذ لِأَنَّهُ لَاحق للْمُسْتَأْجر حَالا وَتبطل الْإِجَارَة قلت وَبِه يُفْتى وَالله أعلم

فَائِدَة اعْلَم أَن جملَة مَا يَصح مُضَافا أَرْبَعَة عشر الْإِجَارَة وفسخها والمزارعة والمعاملة وَالْمُضَاربَة وَالْوكَالَة وَالْكَفَالَة والإيصاء وَالْوَصِيَّة وَالْقَضَاء والإمارة وَالطَّلَاق وَالْعتاق وَالْوَقْف ومالا يَصح مُضَافا عشرَة البيع وَإِجَارَة الْمَبِيع وفسخه وَالْقِسْمَة وَالشَّرِكَة وَالْهِبَة وَالنِّكَاح وَالرَّجْعَة وَالصُّلْح عَن مَال وَالْإِبْرَاء عَن الدّين

وَفِي العمادى وَلَو أقرّ بِالدَّار الْمُسْتَأْجرَة لغيره فَإِن إِقْرَاره يَصح فِي حق نَفسه وَلَا يَصح فِي حق الْمُسْتَأْجر فَإِذا مَضَت الْمدَّة يقْضِي بهَا للْمقر لَهُ

وَفِي الْقنية أُجْرَة الْمُؤَدب والختان فِي مَال الصَّبِي إِذا كَانَ لَهُ مَال وَإِلَّا فعلى أَبِيه وَأُجْرَة الْقَابِلَة على من دَعَاهَا من أحد الزَّوْجَيْنِ وَلَا يجْبر الزَّوْج على اسْتِئْجَار الْقَابِلَة لِأَنَّهَا كالطبيب وَلَا يجب أجر الطَّبِيب عَلَيْهِ

وَأُجْرَة سجان سجن القَاضِي لَا يجب على الْمَحْبُوس وَقيل فِي زَمَاننَا أُجْرَة السجان تجب على رب الدّين لِأَنَّهُ يعْمل لَهُ وَقَالَ برهَان الدّين صَاحب الْمُحِيط رَحمَه الله تَعَالَى على الْمُدَّعِي عَلَيْهِ لِأَن الْحَبْس عُقُوبَة اسْتحقَّهَا لمَنعه حق غَيره من دَفعه والعقوبة لَا يَسْتَحِقهَا الا الْجَانِي المتمرد

وَذكر القَاضِي بديع الدّين أَن أُجْرَة المسجل على الْمُدَّعِي وَقَالَ برهَان الدّين صَاحب الْمُحِيط على

ص: 365

الْمُدَّعِي عَلَيْهِ وَقَالَ قاضيخان على من اسْتَأْجرهُ وَإِلَّا فعلى من أَخذ السّجل وَيجوز للمفتي أَخذ الْأُجْرَة على كِتَابَة الْجَواب بِقَدرِهِ وَقد تقدم الْكَلَام على ذَلِك فِي الْفَصْل الأول من هَذَا الْكتاب فَانْظُرْهُ ثمَّة

وَفِي الْوِقَايَة وَلَا تصح الْإِجَارَة على الْأَذَان والإمامة وَالْحج وَتَعْلِيم الْقُرْآن وَالْفِقْه والغناء وَالنوح والملاهي وعسب التيس ويفتي الْيَوْم بِصِحَّتِهَا لتعليم الْقُرْآن وَالْفِقْه وَيجْبر الْمُسْتَأْجر على دفع مَا قيل لَهُ وَيحبس بِهِ وعَلى الحلوة المرسومة قلت وَهِي بِفَتْح الْحَاء غير الْمُعْجَمَة هَدِيَّة تهدي الى المعلمين على رُؤُوس بعض سور الْقُرْآن سميت بهَا لِأَن الْعَادة إهداء الْحَلْوَى وَهِي لُغَة يستعملها أهل مَا وَرَاء النَّهر

وَفِي البزازي رجل آجر نصف دَاره وَالدَّار تحْتَمل الْقِسْمَة أَولا أَو قَالَ آجرتك نَصِيبي مِنْهَا وَلم يعلم نصِيبه لَا يَصح وَلَو سكن يجب أجر الْمثل وَقَالا لَا يجوز وَلَو كَانَ من شَرِيكه جَازَت إِجْمَاعًا

وَإِجَارَة الْبناء بِدُونِ الأَرْض لَا تجوز لِأَنَّهُ فِي معنى إِجَارَة الْمشَاع وَبِه قَالَ أَبُو نصر رحمه الله فأورد عَلَيْهِ جَوَاز إِجَارَة الْفسْطَاط فَلم يكن لَهُ الْفرق

وَاخْتَارَ الامام البُخَارِيّ الْخَوَارِزْمِيّ رحمه الله أَنه إِذا كَانَ الْبناء مرتفعا كالجدران مَعَ السّقف يُفْتِي بِجَوَاز إِجَارَة الْبناء وَإِلَّا لَا وَعَن مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى جَوَازه فَإِنَّهُ قَالَ من اسْتَأْجر أَرضًا فَبنى فِيهَا بِنَاء ثمَّ آجرها مِنْهُ صَاحبهَا اسْتوْجبَ من الْأجر حِصَّة الْبناء فلولا جَوَاز إِجَارَة الْبناء لما اسْتحق الْأجر وقاسه على الْفسْطَاط قَالَ الامام أَبُو عَليّ رحمه الله وَبِه كَانَ يُفْتِي مَشَايِخنَا

وَلَو كَانَ الْبناء ملكا والعرصة وقف وآجر الْمُتَوَلِي باذن مَالك الْبناء فالأجر يَنْقَسِم على الْبناء والعرصة

لَهُ بِنَاء فِي أَرض الْغَيْر فآجر الْبناء لَا من صَاحب الأَرْض الْفَتْوَى على أَنه لَا يجوز ذكره الْحلْوانِي وَلَو آجر الْبناء من مَالك الأَرْض جَازَ وقوفا وَلَو آجر الْعَرَصَة لَا الْبناء جَازَت

وَذكر ابْن وهبان فِي شرح الْمَنْظُومَة لَو آجر بِنَاء مَكَّة زَادهَا الله تَعَالَى شرفا يَنْبَغِي أَن يجوز وَيدل على ذَلِك مَا ذكره صَاحب الذَّخِيرَة عَن الْمَبْسُوط قَالَ روى أَبُو يُوسُف عَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ أكره إِجَارَة الْبيُوت مَكَّة فِي أَيَّام الْمَوْسِم قَالَ وَهَكَذَا روى هِشَام عَن مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة رَحِمهم الله تَعَالَى وَكَانَ يَقُول ينزل عَلَيْهِم فِي دُورهمْ لقَوْله تَعَالَى {سَوَاء العاكف فِيهِ والباد}

قَالَ فِي الذَّخِيرَة ثمَّ هَذِه الْمَسْأَلَة دَلِيل على جَوَاز إِجَارَة الْبناء دون الأَرْض لِأَن الْإِجَارَة هُنَا لَا ترد على الأَرْض عِنْد أبي حنيفَة كَالْبيع وَإِنَّمَا ترد على الْبناء وَإِنَّمَا رخص فِيهَا فِي أَيَّام الْمَوْسِم وَمِمَّا يدل على ذَلِك أَيْضا قَول صَاحب الْهِدَايَة فِي الِاسْتِدْلَال على مَذْهَب الامام فِي عدم جَوَاز بيع ارْض مَكَّة قَالَ مَا نَصه اسْتدلَّ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى بقوله صلى الله عليه السلام مَكَّة حرَام لَا يُبَاع رباعها وَلَا يُورث وَلِأَنَّهَا حرَّة مُحْتَرمَة لِأَنَّهَا فنَاء الْكَعْبَة وَقد ظهر التَّعْظِيم فِيهَا حَتَّى لَا ينفر صيدها وَلَا يختلي خَلاهَا وَلَا يعضد شَوْكهَا فَكَذَلِك فِي حق البيع بِخِلَاف الْبناء لِأَنَّهُ خَالص ملك الْبَانِي وَاسْتدلَّ لَهما بِأَنَّهَا مَمْلُوكَة لَهُم لظُهُور الِاخْتِصَاص الشَّرْعِيّ بهَا فَصَارَ كالبناء وَفِي خزانَة الْأَكْمَل لَو آجر أَرض مَكَّة لَا يجوز لِأَن رَقَبَة الأَرْض غير مَمْلُوكَة اه وَمَفْهُومه مَا يدل على جَوَاز إِجَارَة الْبناء وَالله سُبْحَانَهُ أعلم وَطَرِيق جَوَاز إِجَارَة الْمشَاع أَن يلْحق الْقَضَاء أَو يُؤَاجر الْكل ثمَّ يفْسخ فِي الْبَعْض

ومسائل الشُّيُوع سبع البيع وَالْإِجَارَة والإعارة وَأَنَّهَا جَائِزَة وَالْوَقْف وهبته فِيمَا لَا يحْتَمل الْقِسْمَة جَائِزَة وَفِيمَا يحْتَمل لَا يجوز وَلَو كَانَ من شَرِيكه أَو من أَجْنَبِي وَالصَّدَََقَة كَالْهِبَةِ فِي رِوَايَة الأَصْل

ص: 366

وَفِي الْجَامِع الصَّغِير جَوَاز الصَّدَقَة وَفِي الشَّائِع لَا يجوز عِنْد مُحَمَّد وَرهن الْمشَاع لَا يجوز مُطلقًا وَفِي الطَّارِئ رِوَايَتَانِ

وَفِي الْوَلْوَالجيّ رجل اسْتَأْجر ليزرعها فزرعها فَأصَاب الزَّرْع آفَة فَهَلَك أَو غرق فَلم ينْبت فَعَلَيهِ الاجر تَاما لانه قد زرع وَلَو غرقت قبل أَن يزرع فَلَا اجْرِ عَلَيْهِ لانه لم يتَمَكَّن من الِانْتِفَاع بهَا قَالَ صَاحب الْمُحِيط وَالْفَتْوَى على أَنه إِذا بَقِي بعد هَلَاك الزَّرْع مُدَّة لَا يتَمَكَّن من إِعَادَة الزِّرَاعَة لَا يجب الْأجر على الْمُسْتَأْجر وَإِلَّا يجب إِذا تمكن من زراعته مثل الأول أَو دونه فِي الضَّرَر وَكَذَا لَو مَنعه غَاصِب كَمَا مر

اسْتَأْجر أَرضًا للزِّرَاعَة فزرعها وَكَانَت تسقى بالمطر فَلم تمطر إِن لم يجد المَاء للسقي فيبس الزَّرْع سقط الْأجر اسْتَأْجرهَا بشربها أَو لَا كَمَا لَو اسْتَأْجر الرَّحَى فَانْقَطع المَاء وَكَذَا لَو خرب النَّهر الْأَعْظَم وَلم يقدر على سقيها كَذَا اخْتَارَهُ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث

وَفِي المنبع وَلَو انْقَطع مَاء الرَّحَى وَالْبَيْت مِمَّا ينْتَفع بِهِ لغير الطَّحْن فَعَلَيهِ من الْأجر بِحِصَّتِهِ وَلَو نقص المَاء عَن الرَّحَى فَإِن كَانَ النُّقْصَان فَاحِشا فللمستأجر حق الْفَسْخ وَإِن كَانَ غير فَاحش فَلَيْسَ لَهُ الْفَسْخ

قَالَ الْقَدُورِيّ فِي شَرحه إِذا صَار يطحن أقل من نصف مَا طحنه فَهُوَ فَاحش

اسْتَأْجرهَا للزِّرَاعَة فَقل مَاؤُهَا أَو انْقَطع لَهُ أَن يُخَاصم حَتَّى يفْسخ القَاضِي العقد وَبعد مَا يفْسخ يتْرك القَاضِي الأَرْض فِي يَده بِأَجْر الْمثل الى أَن يدْرك الزَّرْع فَإِن سقِِي زرعه كَانَ ذَلِك رِضَاء وَلم تنْتَقض الْإِجَارَة قلت وَكَانَت وَاقعَة الْفَتْوَى بِالْقَاهِرَةِ وَصورتهَا رجل اسْتَأْجر حَماما يجْرِي اليها المَاء من عين فَانْقَطع المَاء عَن الْحمام لتعطيل الْعين فَهَل يسْتَحق الْمُسْتَأْجر أُجْرَة مُدَّة انْقِطَاع المَاء وتعطيل الْعين أم لَا فَأجَاب جدي شيخ مَشَايِخ الْإِسْلَام محب الدّين متع الله تَعَالَى بحياته الْكَرِيمَة انْقِطَاع مَاء الْحمام عيب تَنْفَسِخ بِهِ الْإِجَارَة وَقيل لَا تَنْفَسِخ فَإِن أزالة المؤاجر سقط خِيَار الْمُسْتَأْجر وَإِلَّا فَلَا وَلَا تلْزمهُ الْأُجْرَة فِي مدَّته إِلَّا أَن يَسْتَوْفِي الْمَنْفَعَة مَعَ الْعين وَالله سبحانه وتعالى أعلم

مِنْهَا وَاقعَة الْفَتْوَى أَيْضا رجل اسْتَأْجر جِهَات وقف من نَاظر شَرْعِي وَعمر فِيهَا وَلم يكن النَّاظر أذن لَهُ فِي شَيْء من ذَلِك فَهَل تلْزم الْعِمَارَة جِهَة الْوَقْف حَيْثُ لم يَأْذَن النَّاظر لَهُ فِي ذَلِك أم لَا وَهل للنَّاظِر الرُّجُوع بذلك على الْمُسْتَأْجر الْمَذْكُور وَمَا الحكم فِي ذَلِك فَأفْتى سَيِّدي الْجد شيخ مَشَايِخ الْإِسْلَام الْمشَار اليه بِأَن الْعِمَارَة الْمَذْكُورَة لَا تلْزم جِهَة الْوَقْف والناظر مُخَيّر بَين أَن يتملكها لجِهَة الْوَقْف بِقِيمَتِهَا مقلوعة أَو يُكَلف الْمُسْتَأْجر قلعهَا وتسوية الْوَقْف فيفعل الأنفع للْوَقْف وَالله أعلم

اسْتَأْجر حَماما فِي قَرْيَة فَوَقع الْجلاء وَنَفر النَّاس سقط الْأجر وَإِن نفر بعض النَّاس لَا يسْقط

آجر دَاره إِجَارَة طَوِيلَة وَهُوَ مديون وَطلب الدَّائِن من القَاضِي أَن يجْبرهُ على بيع الدَّار وَقِيمَة الدَّار مستغرقة لمَال الْإِجَارَة لَيْسَ للْقَاضِي أَن يجْبرهُ على ذَلِك وَبِه أفتى القَاضِي بديع الدّين وَصَاحب الْمُحِيط وَالدِّرْهَم دين فادح يفْسخ لَهُ الْإِجَارَة وَقيل مِنْهُ لَا

وَفِي الْوَلْوَالجيّ آجره دَاره من رجل ثمَّ أَرَادَ أَن ينْقض الْإِجَارَة وَيبِيع الدَّار لنفقته وَنَفَقَة أَهله وَعِيَاله لكَونه مُعسرا لَهُ ذَلِك كَمَا إِذا كَانَ عَلَيْهِ دين فادح لَهُ أَن ينْقض الْإِجَارَة قَالَ البزازي وَإِن كذبه الْمُسْتَأْجر فِي إِقْرَاره بِالدّينِ يجوز إِقْرَاره عِنْد الامام خلافًا لَهما

ص: 367

وَعَن صَاحب الْمُحِيط الطَّرِيق فِي فسخ الْإِجَارَة لأجل الدّين أَن يَبِيع الدَّار الْمُسْتَأْجرَة أَولا لرب الدّين ثمَّ المُشْتَرِي يطْلب تَسْلِيم الدَّار فَيَقُول المؤاجر التَّسْلِيم غير وَاجِب عَليّ لِأَنَّهَا فِي إِجَارَة فلَان بن فلَان فَيحكم القَاضِي بِصِحَّة البيع وتنفسخ الْإِجَارَة ضمنا

وَفِي الْقنية ماطل الْمُسْتَأْجر فِي أَدَاء الْغلَّة فَأخذ المؤاجر مِنْهُ الْمِفْتَاح فَبَقيت الدَّار مغلقة شهرا لَا يسْقط الْأجر لِأَنَّهُ كَانَ مُتَمَكنًا من الِانْتِفَاع بِوَاسِطَة أَدَاء الْغلَّة

اسْتَأْجر حانوتا ليتجر فِيهِ فِي السُّوق ثمَّ كسد السُّوق حَتَّى لَا يُمكنهُ التِّجَارَة فَلهُ فسخ الْإِجَارَة لِأَنَّهُ عذر وَقيل لَا

وَفِي المنبع رجل اسْتَأْجر حانوتا ليتجر فِيهِ فافتقر فَهَذَا عذر وَله أَن ينْقض بِهِ الْإِجَارَة وَكَذَا لَو اسْتَأْجر دَابَّة ليسافر عَلَيْهَا ثمَّ بدا للْمُسْتَأْجر أَن لَا يُسَافر فَإِنَّهُ عذر وَأما إِذا بدا للمكاري فَلَيْسَ بِعُذْر لِأَنَّهُ يُمكنهُ أَن يبْعَث دوابه على يَد غَيره أَو أجيره

وَإِن مرض المؤاجر فَقعدَ فَلَيْسَ بِعُذْر أَيْضا على رِوَايَة الأَصْل لِأَنَّهُ يُمكنهُ أَن يبْعَث رَسُولا يتبع الدَّابَّة وروى الْكَرْخِي أَنه عذر

وَفِي البزازي قَالَ الْمُسْتَأْجر أُرِيد السّفر وَكذبه المؤاجر حلف الْمُسْتَأْجر على أَنه عزم على السّفر ذكره الْكَرْخِي والقدوري

والانتقال من الْبَلدة عذر إِلَّا أَن الْخُرُوج يحْتَمل أَن يكون حِيلَة للتوصل الى الْفَسْخ فَيحلف

وَإِن وجد منزلا أرخص مِنْهُ أجرا أَو اشْترى منزلا فَأَرَادَ التَّحَوُّل اليه لَا يكون عذرا بِخِلَاف مَا إِذا تكارى إبِلا الى مَكَّة ثمَّ اشْترى إبِلا لَهُ الْفَسْخ وَالْفرق أَن إكراء الدَّار يُمكن لَا إكراء الدَّابَّة لِأَنَّهَا تخْتَلف باخْتلَاف السَّاكِن وَالرُّكُوب يخْتَلف باخْتلَاف الرَّاكِب بِخِلَاف مَا إِذا تكارى إبِلا إِلَى مَكَّة ثمَّ بدا لَهُ أَن يُسَافر على الْبَغْل لَا يكون عذرا

وَفِي الذَّخِيرَة لَو أظهر الْمُسْتَأْجر فِي الدَّار الشَّرّ والفتنة كشرب الْخمر وَأكل الرِّبَا والزنى واللواطة وإيذاء الْجِيرَان يُؤمر بِالْمَعْرُوفِ وَلَيْسَ للمؤاجر وَلَا لجيرانه أَن يخرجوه من الدَّار بذلك وَلَا يصير عذرا فِي فسخ الْإِجَارَة وَلَا خلاف فِيهِ للأئمة الْأَرْبَعَة وَفِي الْجَوَاهِر إِن رأى السُّلْطَان بِأَن يُخرجهُ فعل وَقَالَ ابْن حبيب الْمَالِكِي لَو أظهر الْفسق فِي دَار نَفسه وَلم يمْتَنع بِالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَيَقُول دَاري أَنا آتِي فِيهَا مَا شِئْت تبَاع عَلَيْهِ دَاره

وَفِي الْوَلْوَالجيّ رجل اسْتَأْجر حَانُوت وقف من الْمُتَوَلِي بِأُجْرَة مَعْلُومَة ثمَّ مَاتَ الْمُتَوَلِي قبل انْقِضَاء الْمدَّة لَا تَنْفَسِخ الْإِجَارَة لِأَن الْمُتَوَلِي نَائِب عَن الْمُسْتَحقّين وبموت الْمُتَوَلِي لَا يفْسد العقد كَالْقَاضِي لَا يَنْعَزِل بِمَوْت السُّلْطَان لِأَنَّهُ نَائِب عَن الْعَامَّة وَقد مر فِي فصل الْقَضَاء وبموت الْمُوكل تَنْفَسِخ الْإِجَارَة لِأَن الْإِجَارَة تَنْعَقِد سَاعَة فساعة قَالَ البزازي وبموت الْوَكِيل لَا تَنْفَسِخ الْإِجَارَة وَقَالَ الْعِمَادِيّ يَنْبَغِي أَن تَنْفَسِخ لِأَن من عقد لَهُ الْإِجَارَة بَاقٍ وَهُوَ الْمُوكل

مُتَوَلِّي الْأَوْقَاف إِذا آجر الْوَقْف بِدُونِ أجر الْمثل يلْزمه تَمام ذَلِك عِنْد بعض عُلَمَائِنَا وَكَذَا الْأَب ذَا آجر منزل ابْنه الصَّغِير لدوّنَ أجر الْمثل يلْزم الْمُسْتَأْجر تَمام أجر الْمثل

ص: 368