المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الوجه السابع والخمسون:إن اجتماع العلم بالشيء والرؤية له في محل واحد في وقت واحد ممتنع في حقنا - التسعينية - جـ ٣

[ابن تيمية]

الفصل: ‌الوجه السابع والخمسون:إن اجتماع العلم بالشيء والرؤية له في محل واحد في وقت واحد ممتنع في حقنا

وهو ما اعتقدتموه من وجوب حدوثها كما ذكرتم هنا، هذا الدليل يلزم أقوى منه في المعاني، فلو قلتم: نعقل حروفًا (1) مجتمعة أو أصواتًا (2) مجتمعة في محل واحد بالدليل الدال على ذلك، إذ كان ذلك الواحد ليس بذي أبعاض حتى يكون القائم بهذا البعض مغايرًا للقائم بالبعض الآخر، وإذا لم تجب المغايرة فيما قام به، لم يمتنع أن يقوم به الصوت الذي هو بالنسبة إلى غيره أصوات، إذ الاختلاف فرع للتغاير، فما لا تغاير فيه يمتنع الاختلاف فيه، فإذا كان ما يقوم به لا يغاير فأن (3) لا يختلف أولى وأحرى. ففرض (4) قيام صوتين مختلفين به والحال هذه يمتنع على ما أصلتموه.

‌الوجه السابع والخمسون:

إن اجتماع العلم بالشيء والرؤية له في محل واحد في وقت واحد ممتنع في حقنا

، وكذلك العلم به وسمعه، ومع هذا فقد أثبتم الباري يعلم الموجودات ويراها، والعلم والرؤية قائمان بمحل واحد عندكم، وأيضًا فعند الأشعري، والقاضي وسائر أئمتهم أن الوجه واليدين والصفات قائمة بذات الله التي لا تنقسم، كقيام العلم والسمع والبصر والقدرة.

ومن المعلوم أن قيام القدرة واليدين في محل واحد ممتنع عندنا، بل عندنا أن اليدين محل القدرة، فإذا أثبتم يدًا ووجهًا وصفتموهما بذلك، فما المانع من ثبوت حروف وأصوات؟ ويمكنكم أن تقولوا:

(1) في الأصل: حروف. وهو خطأ والمثبت من س، ط.

(2)

في ط: أصوات. وهو خطأ.

(3)

في الأصل، س: وأن. وأثبت ما يستقيم به الكلام من: ط.

(4)

في س: وفرض.

ص: 742

إنها ليست من جنس هذه الأعراض القائمة بالمخلوقين، فلا يجب أن يحكم فيها بحكمها.

الوجه الثامن والخمسون:

أن قوله (1): الرب واحد ومتصف بالواحدانية متقدس عن التجزيء والتبعيض والتعدد والتركيب والتأليف، يستحيل قيام أصوات متضادة بذات موصوفة بحقيقة الواحدانية.

يقال له: هذا يلزمك في سائر الصفات فإن الذات التي لا يتميز في العلم منها شيء من شيء يمتنع أن يقوم بها صفات كالعلم والقدرة والحياة والسمع والبصر، إذ ذلك يوجب من التعدد والتركيب والتأليف والتجزيء والتبعيض نظير ما نفاه، وهو من حجة نفاة الصفات عليه.

ولما قال له مخالفه: لا نعقل الحياة والعلم والقدرة يقوم إلا بجسم، ولا نعقل (2) اليد والوجه إلا بعضًا من جسم.

قال: لا يجب هذا، كما لا يجب إذا لم نعقل حيًّا عالمًا قادرًا، إلا جسمًا أن يكون الغائب كذلك، فألزم مخالفه إثباته لحي عالم قادر في متصف بهذه الوحدة التي وافق خصمه عليها.

ومعلوم أن هذا كله في مخالفة صريح العقل سواء، فكونه لا يتميز منه شيء من شيء يأبى أن يكون حيًّا عالمًا قادرًا، إذ هذه الأشياء مستلزمة لمعاني يتميز بعضها عن بعض، بل يأبى ثبوت موجود مطلقًا سواء كان قديمًا أو حادثًا، إذ لا بد للوجود من أمور متميزة فيه، وذلك مستلزم لثبوت ما نفاه، فهذا التوحيد الذي ابتدعوه هو التعطيل المحض وهو تشبيه الباري بالمعدومات.

(1) أورده الشيخ رحمه الله بتصرف يسير.

(2)

في س، ط: يعقل.

ص: 743

الوجه التاسع والخمسون:

قولك: لأنه مقدس عن التجزيء والتبعيض والتعدد والتركيب والتأليف:

يقال: هذه الألفاظ (1) مجملة.

فإن أردت المعنى المعروف في اللغة لهذه الألفاظ، مثل أن يريد (2) أنه لا ينفصل بعضه عن بعض، ولا يتجزأ فيفارق جزء منه جزءًا كما هو المعقول من التجزيء، ولا يتعدد فيكون إلهين أو ربين أو خالقين، ولم يركب فيؤلف فيجمع بين أبعاضه، كما في قوله:{فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} (3) أو ما يشبه هذه الأمور، فهذا كله ينافي صمدانيته ولكن لا ينافي قيام ما يثبته من الأصوات، كما لا ينافي قيام سائر الصفات.

وإن أردت بهذه الألفاظ أنه لا يتميز منه شيء، فهذا باطل بالضرورة وباطل باتفاق العقلاء وهو لازم لمن نفاه لزومًا لا محيد عنه وقد بسطنا هذا بسطًا مستوفى في كتاب بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعتهم الكلامية (4).

وأما قوله: فإن تعسف من المقلدين متعسف وأثبت الرب تعالى جسمًا مركبًا من أبعاض متألفًا من جوارح، نقلنا (5) الكلام معه إلى إبطال الجسم، وإيضاح تقدس الرب عن التبعيض والتأليف والتركيب.

(1) في س، ط: ألفاظ.

(2)

في ط: تريد.

(3)

سورة الانفطار، الآية:8.

(4)

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية 1/ 504، 511.

وانظر كلام الشيخ -أيضًا- عن الألفاظ المجملة المتشابهة، وما يجب اتباعه إذا وردت في كلام المعارض في درء تعارض العقل والنقل 1/ 222 فما بعدها.

(5)

في الأصل: فقلنا. وهو خطأ.

ص: 744

فيقال له: الكلام في وصف الله بالجسم نفيًا وإثباتًا بدعة لم يقل أحد من سلف الأمة وأئمتها أن الله ليس بجسم (1).

كما لم يقولوا: إن الله جسم (2)، بل من أطلق أحد اللفظين استفصل (3) عما أراد بذلك فإن في لفظ الجسم بين الناطقين به نزاعًا كثيرًا (4).

فإن أراد تنزيهه عن معنى يجب تنزيهه عنه، مثل أن ينزهه عن مماثلة المخلوقات فهذا حق، ولاريب أن من جعل الرب جسمًا من جنس المخلوقات فهو من أعظم المبتدعة ضلالًا، دع من يقول منهم: إنه لحم ودم ونحو ذلك من الضلالات المنقولة عنهم.

وإن أراد نفي ما ثبت بالنصوص وحقيقة العقل -أيضًا- مما وصف الله ورسوله منه وله، فهذا حق، وإن سمى ذلك تجسميًا (5)، أو قيل: إن

(1) ورد في س: بعد كلمة "بجسم" زيادة: "كما لم يقولوا أن الله ليس بجسم".

(2)

في الأصل: جسمًا. وهو خطأ.

(3)

في س: استقسل. وهو تصحيف.

(4)

في س: كبيرًا.

والشيخ رحمه الله في كتابه بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية 1/ 478، 495، 496 بين أن مورد النزاع بين أئمة أهل الكلام وغيرهم في المعنى الخاص الذي يعنيه النفاة والمثبتة الذين يقولون: هو جسم لا كالأجسام وهو الذي يتناقض سائر الطوائف من نفاته لإثبات ما يستلزمه، كما يتناقض مثبتوه مع نفي لوازمه.

ولهذا كان أئمة الإِسلام لا يطلقون الألفاظ المبتدعة المتنازع فيها لا نفيا ولا إثباتًا إلا بعد الاستفسار والتفصيل.

وانظر نزاع الناس في الجسم في:

مقالات الإِسلاميين -للأشعري- 1/ 281 - 283، 2/ 4 - 8. والمواقف -للآيجي- ص: 183 - 200.

(5)

في س: تجسمًا.

ص: 745

هذه الصفات لا تكون إلّا لجسم (1)، فما ثبت بالكتاب والسنة أو أجمع عليه سلف الأمة هو (2) حق، وإذا لزم من ذلك أن يكون هو الذي يعنيه (3) بعض المتكلمين بلفظ الجسم فلازم الحق حق كيف والمثبتة يقولون (4) إن ثبوت هذا معلوم بضرورة العقل ونظره وهكذا مثبت لفظ الجسم إن أراد بإثباته ما جاءت به النصوص صوبنا معناه ومنعناه من (5) الألفاظ [المبتدعة](6) المجملة، وإن أراد بلفظ الجسم ما يجب تنزيه الرب عنه من مماثلة المخلوقات رددنا ذلك عليه وبينا ضلاله وإفكه.

وأما قوله: نقلنا الكلام معه إلى إبطال التجسيم، فقد ذكرنا أدلة النافين (7) والمثبتين مستوفاة في بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية وتبين لكل من له أدنى فهم أن ما ذكره هؤلاء من أدلة النفي كلها حجج داحضة وأن جانب المثبتة أقوى، وقد (8) بسطنا الكلام في ذلك (9) في غير هذا الموضع (10).

قال أبو عمر (11) بن عبد البر: "الذي أقول: إنه إذا نظر (12) إلى

(1) في الأصل: المجسم والمثبت من: س، ط.

(2)

في الأصل: وهو. والمثبت من: س، ط.

(3)

في الأصل: بعينه. والمثبت من: س، ط.

(4)

في س، ط: تقول.

(5)

في س، ط: عن.

(6)

ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.

(7)

في الأصل: النفافين. ولا معنى لها والمثبت من: س، ط.

(8)

قد: ساقطة من: س.

(9)

في الأصل: في غير ذلك. وهو خطأ والمثبت من: س، ط.

(10)

راجع بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية -لابن تيمية 1/ 378 - 592.

(11)

في الأصل: عمرو. وهو خطأ. وتقدم التعريف به. وانظر النقل عنه في كتابه التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد 7/ 152.

(12)

في التمهيد: أنه من نظر. .

ص: 746

إسلام أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف، وسائر (1) المهاجرين والأنصار، وجميع الوفود الذين دخلوا في دين الله أفواجًا، علم أن الله عز وجل لم يعرفه واحد منهم إلا بتصديق النبيين وأعلام (2) النبوة ودلائل الرسالة، لا من قبل حركة ولا سكون (3)، ولا من باب الكل والبعض، ولا من باب كان ويكون، ولو كان النظر في الحركة والسكون عليهم واجبًا، وفي الجسم ونفيه [والتشبيه ونفيه](4) لازمًا ما أضاعوه، ولو أضاعوا الواجب ما (5) نطق القرآن بتزكيتهم وتقديمهم، ولا أطنب في مدحهم وتعظيمهم، ولو كان [ذلك](6) من علمهبم (7) مشهورًا، ومن (8) أخلاقهم معروفًا، لاستفاض عنهم وشهروا (9) به كما شهروا بالقرآن والروايات (10) ".

الوجه الستون:

أن (11) قوله: والرب واحد ومتصف بالوحدانية ومتقدس عن التجزيء والتبعيض، وقول ابن فورك: لأن الرب متكلم واحد ونحو ذلك من أقوالهم التي يصفون فيها الرب بأنه واحد ويشعرون الناس أنهم

(1) في التمهيد: وعلى طلحة وسعد وعبد الرحمن وسائر. .

(2)

في التمهيد: النبيين بأعلام. .

(3)

ولا سكون: ساقطة من: التمهيد.

(4)

ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والتمهيد.

(5)

في س، ط: لما.

(6)

ما بين المعقوفتين زيادة من جميع النسخ في غير هذا الموضع، راجع ص: 400 حيث تقدم هذا النقل عن أبي عمر بن عبد البر رحمه الله من التمهيد.

(7)

في التمهيد: عملهم.

(8)

في التمهيد: أو من.

(9)

في التمهيد: ولشهروا.

(10)

في ط: الرويات. وهو تصحيف.

(11)

في س: إلا. وهو تصحيف والضمير في قوله يرجع إلى أبي بكر الباقلاني.

ص: 747

بذلك موحدون، وأن من خالفهم في ذلك فقد خالفهم في التوحيد، هي من (1) أعظم أصول أهل الشرك والإلحاد والتي أفسدوا بها التوحيد الذي (2) بعث الله به رسله وأنزل به كتبه، وإن كان هذا الأصل المحدث (3) قد زين لهؤلاء ولغيرهم من أهل القبلة المسلمين وظنوا أنهم بذلك موحدون (4) ومحسنون حتى سموا أنفسهم بذلك موحدين دون غيرهم ممن هو أحق بتوحيد الله منهم، وحتى كفروا وعادوا المسلمين أهل التوحيد حقًّا، وكانوا على الأمة أضر من الخوارج المارقين الذين يقتلون أهل الإِسلام ويدعون أهل الأوثان، وهؤلاء الكلابية والأشعرية إنما أخذوه عن المعتزلة والجهمية ولم يوافقوهم عليه كله، بل وافقوهم في بعض دون بعض، وهذا هو أصل جهم الذي أسس عليه ضلالته (5).

وهؤلاء يفسرون التوحيد واسم الله الواحد في أصول دينهم بثلاثة معان (6)، وليس في شيء (7) منها التوحيد الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه ثم يختلفون في تحقيق تلك المعاني اختلافًا عظيمًا، فيقولون (8) في اسم الله الواحد، الواحد له ثلاثة (9) معان:

(1) في ط: وهي عن. وهو خطأ.

(2)

في س: التي.

(3)

في الأصل، س: المبحث. وأثبت المناسب من ط. وقد ورد في هامش س: لعلمه المحدث.

(4)

موحدون: ساقطة من: س، ط.

(5)

في س، ط: ضلالاته.

(6)

في س: معاني.

(7)

شيء: ساقطة من: س.

(8)

في الأصل، س: فيقول. وأثبت المناسب للسياق من: ط.

(9)

في س: ثلاث.

أقول: وهذه المعاني الثلاثة أوردها شيخ الإِسلام رحمه الله في كتابه "درء تعارض العقل والنقل" 1/ 224 - 228، وبين أن في هذه المعاني ما هو حق =

ص: 748

أحدها (1) الذي لا ينقسم ولا يتجزأ ولا يتبعض ولا يتعدد ولا يتركب، وربما قال بعضهم: هذا تفسير الاسم الأحد، وهذه الوحدانية هي (2)[التي](3) ذكروها هنا.

قال أبو المعالي في إرشاده (4): القول في وحدانية الباري:

فصل: في حقيقة الواحد

قال أصحابنا: الواحد هو الشيء الذي لا ينقسم، أو لا يصح انقسامه.

قال القاضي أبو بكر: ولو قلت الواحد هو الشيء [كان كافيًا،

= وما هو باطل، وليس الحق الذي فيها هو الغاية التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم بل التوحيد الذي أمر به أمر يتضمن الحق الذي في هذه المعاني وزيادة أخرى، فهذا التقسيم من الكلام الذي لبس فيه الحق بالباطل وكتم الحق.

انظر: هذه المعاني في "الشامل" للجويني- ص: 347.

(1)

في جميع النسخ: إحداها. وأثبت الصواب.

(2)

هي: ساقطة من: ط.

(3)

ما بين المعقوفتين زيادة من: ط.

(4)

لم أقف على هذا النقل في الإرشاد لأبي المعالي، وما وقفت عليه في باب العلم بالوحدانية ص: 52 قوله:

"الباري سبحانه وتعالى واحد، والواحد في اصطلاح الأصوليين -وفي نسخة: "الموحدين"- الشيء الذي لا ينقسم، ولو قيل الواحد هو الشيء لوقع الاكتفاء بذلك، والرب سبحانه وتعالى موجود فرد متقدس عن قبول التبعيض والانقسام، وقد يراد بتسميته واحدًا أنه لا مثل له ولا نظير، ويترتب على اعتقاد الوحدانية إيضاح الدليل على أن الإله ليس بمؤلف، إذ لو كان كذلك -تعالى الله عنه وتقدس- لكان كل بعض قائمًا بنفسه عالمًا حيًّا قادرًا، وذلك صريح بإثبات إلهين".

وانظر: قريب مما نقله الشيخ هنا عن أبي المعالي، مع اختلاف في الألفاظ في:"الشامل" لأبي المعالي الجويني - ص: 345 - 347.

وانظره في "بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية" -لابن تيمية- 1/ 469، 470.

ص: 749

ولم يكن فيه تركيب، وفي قول القائل: الشيء، (1) الذي لا ينقسم نوع تركيب.

قال أبو المعالي: يقال للقاضي: التركيب المحدود هو أن يأتي الحادُّ بوصف زائد يستغنى عنه، وقد لا يفهم من الشيء المطلق ما يفهم من المقيد، فليس يفهم من الشيء ما يفهم من الواحد الذي لا ينقسم، فإن الوحدة تشعر بانتفاء القسمة عن الشيء [و](2) المقصود من التحديد الإيضاح.

أجاب القاضي بأن قال: كلامنا في الحقائق، والشيء المطلق هو الواحد الذي لا ينقسم.

يقال: قد ذكرنا أن الوحدة تشعر بانتفاء القسمة عن الشيء، فهما أمر أن متلازمان لا بد من التعرض لهما، كما قلنا في الغيرين كل موجودين يجوز مفارقة أحدهما الآخر بوجه (3).

ثم قال أصحابنا (4): إذا سئلنا عن الواحد، فنقول: هذه اللفظة تردد بين معان، فقد يراد بها الشيء [الذي](5) لا يقبل وجوده القسمة وقد يطلق والمراد به نفي الإشكال والنظائر عنه، وقد يطلب والمراد به أنه لا ملجأ ولا ملاذ سواه، وهذه المعاني متحققة في وصف القديم سبحانه.

(1) ما بين المعقوفتين ساقط من: س.

(2)

ما بين المعقوفتين زيادة من: ط.

(3)

أي: بزمان أو مكان أو وجود أو عدم.

وقد أوضح إمام الحرمين في "الإرشاد" ص: 138، أن هذا هو الذي ارتضاه المتأخرون من أئمته في حقيقة الغيرين، وأنه أمثل من قول من قال: الغيران كل شيئين يجوز وجود أحدهما مع عدم الثاني.

(4)

ذكر الجويني في "الشامل" ص: 346، 347: أن الذي قال بهذا القاضي ووافقه عليه الأستاذ أبو بكر بن فورك.

(5)

ما بين المعقوفتين زيادة من: ط.

ص: 750

وقال أبو بكر بن فورك: إنه -سبحانه- واحد في ذاته لا قسيم (1) له، وواحد في صفاته لا شبيه له، وواحد في أفعاله لا شريك له.

قال شارح الإرشاد أبو القاسم الأنصاري شيخ الشهرستاني: "وحكي عن الأستاذ أبي إسحاق أنه قال: الواحد هو الذي لا يقبل الرفع والوضع: يعني الفصل والوصل. أشار (2) إلى وحدة الإله فإن الجوهر واحد لا ينقسم ولكن يقبل النهاية، والإله -سبحانه- واحد على الحقيقة فلا يقبل فصلًا ولا وصلًا، ونحن قد أقمنا الدلالة في مسألة نفي التجسم على نفي الأقسام، وأقمنا الدلالة على نفي المثل، وبقي علينا الدلالة على نفي الشريك.

قلت: أما نفي المثل عن الله ونفي الشريك فثابت بالكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، لكن قد يدخل طوائف من المتكلمين في ذلك ما لم يدل عليه الكتاب والسنة، بل ينفيانه (3)، وأما المعنى الذي ذكروه بنفي الانقسام، فيلزم على قولهم أن لا يكون شيء قط من المخلوقات يقال: إنه واحد إلا الجوهر الفرد، وعند بعضهم: لا (4) يقال ذلك للجوهر الفرد، مع أن أبا المعالي هو من الشاكين في ثبوت الجوهر الفرد، فإذًا (5) لا يصح أن يقال لشيء من الموجودات إنه واحد، وهذا خلاف الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها، وإجماع أهل اللغة والعقل، وإذا

(1) في الأصل: قسم. وقد أثبت المناسب للكلام من: س، ط، وبيان تلبيس الجهمية.

(2)

في بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية، قال الأنصاري: أشار إلى وحدة. . .

(3)

في الأصل، س: ينفيه. وأثبت ما يناسب سياق الكلام من: ط.

(4)

في الأصل، س: ولا. والمعنى يستقيم بدون الواو.

(5)

في س: فإذ.

ص: 751

قيل: الواحد هو الشيء، كما قاله القاضي أبو بكر فلا يكون قد خلق شيئًا، لأنه لم يخلق واحدًا على التفسير الذي فسروه، ولا يستحق على قوله أن يسمى أحد من الملائكة والإنس والجن شيئًا، ثم إنهم يسمون أهل الكلام الموحدين، ويسمون ما كان السلف يسمونه الكلام علم التوحيد، حتى قال أبو المعالي في أول إرشاده (1) بعد أن زعم أن أول ما يجب على العاقل البالغ باستكمال سن (2) البلوغ أو الحلم شرعًا، القصد إلى النظر الصحيح المفضي إلى العلم بمحدث (3) العالم.

قال (4): والنظر في اصطلاح الموحدين هو الفكر الذي يطلب (5)[به](6) من قام به علمًا وغلبة ظن.

وأيضًا فإن اسم الواحد أو الأحد قد جعلوا لله فيه شريكًا أحقر (7) الموجودات، وهو الجوهر الفرد، وجعلت المتفلسفة له في ذلك شركاء، العقول والنفوس كالنفس الإنسانية، وهذا الذي ذكرنا من أن عمدة أصحابه في مسألة القرآن ونحوها من المسائل، أنه لا يجوز أن يكون محلًا للحوادث، هو مما لا ريب فيه عند من يعرف أصول الكلام، واعتبر ذلك بما ذكره أفضل متأخريهم أبو المعالي الجويني في إرشاده الذي التزم أن يذكر فيه قواطع الأدلة، فإنه قال (8):

(1) الإرشاد -للجويني- ص: 3.

(2)

في جميع النسخ: من. وهو تصحيف. والمثبت من الإرشاد. ليستقيم الكلام.

(3)

في ط: بحدوث.

(4)

قال: إضافة من الشيخ رحمه الله والكلام متصل بما قبله في: الإرشاد.

(5)

في س: تطلب.

(6)

ما بين المعقوفتين زيادة يستقيم بها الكلام من: الإرشاد.

(7)

في س، ط: آخر.

(8)

الإرشاد -للجويني- ص: 99 - 101.

ص: 752

فصل: الباري متكلم آمر ناهٍ مخبر واعد متوعد (1)، وقد قدمنا في خلال (2) إثبات أحكام الصفات المعنوية، الطريق (3) إلى إثبات العلم بكون الرب تعالى متكلمًا (4) عند إسنادنا (5) نفي النقائض إلى السمع، وتوجيهنا (6) على أنفسنا السؤال عما ثبت بالسمع (7).

قال (8): فإذا صح (9) كون الباري متكلمًا، فقد آن أن نتكلم في صفة كلامه:

فاعلموا -وقيتم (10) البدع- أن (11) من (12) مذهب أهل الحق: أن الباري تعالى متكلم بكلام أزلي، لا مفتتح لوجوده.

وأطبق المنتمون إلى الإسلام على إثبات الكلام، ولم يَصِر منهم صائر إلى نفيه، ولم ينتحل أحد منهم (13) في كونه متكلمًا نحلة نفاة الصفات في كونه عالمًا قادرًا حيًّا.

ثم ذهبت المعتزلة، والخوارج، والزيدية، والإمامية، ومن

(1) في الإرشاد: متواعد.

(2)

في جميع النسخ: خلل. وأثبت ما رأيته مناسبًا من: الإرشاد.

(3)

في ط: أن الطريق.

(4)

في الإرشاد: متكلم.

(5)

في س، ط: أستاذنا. وهو خطأ.

(6)

في الأصل: توجهنا. وأثبت المناسب من: س، ط، والإرشاد.

(7)

في الإرشاد: يثبت للسمع.

(8)

قال: إضافة من الشيخ رحمه الله والكلام متصل بما قبله في "الإرشاد".

(9)

في الإرشاد: وضح.

(10)

في جميع النسخ: أوقيتم. ولعل الصواب ما أثبت من: الإرشاد.

(11)

أن: ساقطة من: س.

(12)

من: ساقطة من: ط.

(13)

منهم: ساقطة من: الإرشاد.

ص: 753

عداهم من أهل الأهواء إلى أن كلام الباري -تعالى- عن قول الزائغين- حادث مستفتح الوجود.

وصار صائرون من هؤلاء إلى الامتناع من تسميته مخلوقًا مع القطع بحدثه (1)، لما في لفظ المخلوق من إيهام (2) الخلق، إذ الكلام المختلق (3) هو الذي يبديه المتكلم تخرصًا من غير أصل.

وأطلق معظم المعتزلة لفظ المخلوق على كلام الله.

وذهبت الكرامية إلى أن الكلام قديم، والقول حادث غير محدث والقرآن قول الله، وليس بكلام الله، وكلام الله -تعالى- القدرة (4) على التكلم، وقوله حادث قائم بذاته -تعالى عن قول المبطلين- وهو غير قائل بالقول الذي قام به (5)، بل هو (6) قائل بالقائلية (7)، وكل مفتتح وجوده قائم بالرب (8)، فهو حادث بالقدرة غير محدث، وكل محدث (9) مباين للذات فهو محدث بقوله "كن" لا بالقدرة، من هذيان طويل لا يسع هذا المعتقد استقصاؤه.

(1) في س: بحدته. وفي ط: بحدوثه.

(2)

في الأصل، س: إبهام. والمثبت من: ط، والإرشاد.

(3)

في س: المختلف. وفي الإرشاد: المخلوق.

(4)

في الإرشاد: وكلام الله عندهم القدرة.

(5)

في الإرشاد: بالقول القائم به.

(6)

هو: ساقطة من: الإرشاد.

(7)

في الأصل، ط: بالقابلية. وفي س: بالقابلة. والمثبت من: الإرشاد.

والقائلية عندهم: القدرة على التكلم.

وانظر: درء تعارض العقل والنقل -لابن تيمية- 2/ 194. والقابلية: الاستعداد للقبول.

انظر: المعجم الوسيط -لمجموعة من المؤلفين- 2/ 712.

(8)

في الإرشاد: بالذات.

(9)

في الإرشاد: مفتتح.

ص: 754

وغرضنا من إيضاح الحق والرد على منكريه (1) لا يتبين إلا بعد عقد فصول في ماهية (2) الكلام وحقيقته شاهدًا، حتى إذا وضحت الأغراض منها انعطفنا بعدها إلى مقصدنا، وقد التزمنا التمسك بالقواطع في هذا المعتقد على صغر حجمه، وآثرنا إجراءه (3) على خلاف ما صادفنا (4) من معتقدات الأئمة (5)، و [هذا الشرط](6) يلزمنا طرفًا (7) من البسط في مسألة الكلام، وها نحن خائضون فيه.

ثم تكلم في حد الكلام (8)، ثم تكلم في أن المتكلم من قام به الكلام لا من فعله (9)، ثم بنى على ذلك أنه لا بد أن يكون الكلام قائمًا به، ثم قال (10):

وإذا تقرر ذلك ترتب عليه استحالة كونه حادثًا لقيام (11) الدليل على استحالة قبوله للحوادث، ولا يبقى بعد هذه (12) الأقسام إلا مذهب أهل الحق في وصف الباري تعالى بكونه متكلمًا بكلام قديم أزلي:

فقد بين أن ذلك مبني على أنه يستحيل قيام الحوادث به، وكان قد

(1) في الإرشاد: متنكبية.

(2)

في جميع النسخ: مائية. وهو تصحيف. والمثبت من: الإرشاد.

(3)

في س: أجداه. وهو تصحيف.

(4)

في الأصل: صدفنا. وأثبت المناسب من: س، ط، والإرشاد.

(5)

في الأصل: الأمة. والمثبت من: س، ط، والإرشاد.

(6)

ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والإرشاد.

(7)

في الإرشاد: طرقًا.

(8)

انظر: الإرشاد -للجويني- ص: 102.

(9)

انظر: الإرشاد -للجويني- ص: 109.

(10)

في الإرشاد: ص: 118.

(11)

في الإرشاد: بقيام.

(12)

في الإرشاد: بعد بطلان هذه. .

ص: 755

ذكر هذه المسألة قبل ذلك فقال (1):

فصل: مما يخالف الجوهر فيه (2) حكم الإله: قبول الأعراض، وصحة الاتصاف بالحوادث، والرب سبحانه وتعالى متقدس (3) عن قبول الحوادث:

قال (4): وذهبت الكراميّة إلى أن الحوادث تقوم بذات الإله (5) -تعالى عن قولهم- ثم زعموا أنه لا يتصف بما يقوم به من الحوادث.

قال (6): وصاروا إلى جهالة لم يسبقوا إليها، فقالوا: القول الحادث يقوم بذات الرب سبحانه وتعالى وهو غير قائل به، وإنما هو قائل بالقائلية (7).

وحقيقة أصولهم (8) أن أسماء الرب لا يجوز أن تتجدد (9)، وكذلك (10) وصفوه بكونه تعالى خالقًا في الأزل، فلم (11) يتحاشوا من قيام الحوادث به، وتنكبوا إثبات وصف جديد له ذكرًا وقولًا.

(1) الإرشاد -للجويني- ص: 44 - 46.

(2)

في جميع النسخ: في. ولعل ما أثبت من: "الإرشاد"، و "درء تعارض العقل والنقل -لابن تيمية- 2/ 194 "يكون مناسبًا".

(3)

في الإرشاد: بتقديس.

(4)

قال: إضافة من الشيخ رحمه الله والكلام متصل بما قبله في: الإرشاد.

(5)

في الإرشاد: الرب.

(6)

قال: إضافة من الشيخ. والكلام متصل بما قبله.

(7)

في جميع النسخ: بالقابلية. وكذا في النسخ (م)(ق)(ص:)(ط) من درء تعارض العقل والنقل -لابن تيمية- والمثبت من: الإرشاد- وما اعتمده محقق الدرء 2/ 194.

(8)

في الإرشاد: أصلهم.

(9)

في الأصل: تتحد. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط، والإرشاد.

(10)

في الإرشاد: ولذلك.

(11)

في الإرشاد: ولم.

ص: 756

قال (1): والدليل على بطلان ما قالوه، أنه لو قبل الحوادث لم يخل منها لما سبق تقريره في الجواهر، حيث قضينا باستحالة تعريها عن الأعراض، وما لم يخل من الحوادث لم يسبقها (2)، وينساق ذلك إلى الحكم بحدث (3) الصانع.

قال (4): ولا يستقيم هذا الدليل على أصول المعتزلة مع مصيرهم إلى تجويز خلو الجواهر عن الأعراض، على تفصيل لهم أشرنا إليه، وإثباتهم أحكامًا متجددة لذات الرب -تعالى- من الإرادات الحادثة القائمة، لا بمحال (5) -على زعمهم-، ويصدهم (6) -أيضًا- عن طرد الدليل في هذه المسألة أنه إذا لم يمتنع تجدد أحكام الذات (7) من غير أن يدل (8) على الحدث (9)، لم يبعد مثل ذلك في اعتوار أنفس الأعراض على الذات.

قال (10): وتقول الكرامية: مصيركم إلى إثبات قول حادث مع نفيكم اتصاف الرب (11) به تناقض، إذ لو جاز قيام معنى بمحل غائب (12)

(1) قال: إضافة من الشيخ. والكلام متصل بما قبله.

(2)

في س: يسقبها. وهو تصحيف.

(3)

في ط: بحدوث.

(4)

قال: إضافة من الشيخ. والكلام متصل بما قبله في: الإرشاد.

(5)

في س: بمجال.

(6)

في الأصل، س: وبصدهم. وأثبت المناسب للسياق من: ط، والإرشاد.

(7)

في الإرشاد: للذات.

(8)

في الإرشاد: تدل.

(9)

في ط: الحدوث.

(10)

قال: إضافة من الشيخ، والكلام متصل بما قبله.

(11)

في الإرشاد: الباري.

(12)

في الإرشاد: غائبًا.

ص: 757

من غير أن يتصف المحل (1) بحكمة، لجاز شاهدًا قيام أقوال وعلوم وإرادات بمحال من غير أن تتصف (2) المحال بأحكام مركبة على (3) المعاني، وذلك يخلط الحقائق ويجر إلى الجهالات.

ثم نقول لهم: إذا جوزتم [قيام ضروب من الحوادث بذاته فما المانع من تجويز](4) قيام أكوان (5) حادثة بذاته على التعاقب؟ وكذلك سبيل الإلزام فيما يوافقوننا على استحالة قيامه به من الحوادث، ومما يلزمهم [تجويز](6) قيام قدرة حادثة وعلم حادث [بذاته على حسب أصلهم في القول والإرادة الحادثتين، ولا يجدون بين ما](7) جوزوه (8) وامتنعوا منه فصلًا.

(1) المحل: ساقطة من: الإرشاد.

(2)

في الأصل: يتصف. والمثبت من: س، ط، والإرشاد.

(3)

في الإرشاد: بأحكام موجبة عن. . .

(4)

ما بين القوسين ساقط من: الإرشاد.

(5)

في الإرشاد: ألوان.

وسوف ترد لفظة "الألوان" و"الأكوان" كثيرًا في الصفحات القادمة لذا رأيت أن أثبت النقل التالي من الإرشاد لأبي المعالي -الجويني- ص: 17 - ليتضح المراد باللفظتين وغيرهما من الألفاظ عندهم، يقول: "فمما يستعملونه، وهو منطوق به لغة وشرعًا: العالم وهو كل موجود سوى الله تعالى، وصفة ذاته، ثم العالم جواهر وأعراض فالجوهر هو المتحيز، وكل ذي حجم متحيز.

والعرض: هو المعنى القائم بالجوهر، كالألوان والطعوم والروائح والحياة والموت، والعلوم والإرادات، والقدر، القائمة بالجواهر.

ومما يطلقونه: الأكوان وهي الحركة والسكون والاجتماع والافتراق، ويجمعها ما يخصص الجوهر بمكان أو تقدير مكان".

(6)

ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والإرشاد.

(7)

ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والإرشاد.

(8)

في الأصل: وجوزوه. والكلام يستقيم بدون الواو.

ص: 758

ونقول أيضًا: إذا وصفتم الباري (1) -تعالى- بكونه متحيزًا، وكل متحيز جسم وجرم (2)، فلا يتقرر في المعقول خلو الأجرام عن الأكوان فما (3) المانع من تجويز قيام الأكوان بذات الرب ولا محيص لهم عن شيء مما ألزموه؟

قلت: هذه جملة كلامه في هذه المسألة بألفاظه، ومداره على ثلاثة أشياء:

أحدها: أنه لو قبلها لم يخل منها، وما لم يخل من الحوادث فهو حادث.

والثاني: أنه لو قبلها لاتصف بها.

والثالث: أنه إذا قبل بعضها فيجب أن يقبل بعضه (4) غيره، وهم لا يقولون به، وهاتان الحجتان الثانيتان جدليتان، فإن كونه متصفًا بالأفعال التي تقوم به أو غير متصف إلا بالصفات اللازمة له نزاع لفظي، وكذلك كون المنازع جوز قيام البعض دون البعض، فإنه إما أن يبين فرقًا بين الممنوع (5) والمجوز أو لا يبين فرقًا، فإن بين فرقًا ثبت الفرق، وإن لم يبين فرقًا فقد يكون عجزًا منه، وإن قدر على (6) أنه لا فرق في نفس الأمر فيلزم أحد الأمرين لا (7) بعينه، إما جواز الجميع، وإما المنع من

(1) في الإرشاد: الرب.

(2)

في جميع النسخ: متحيز وحجم جرم.

وفي الإرشاد، ونسخة س من الدرء: متحيز حجم وجرم.

ولعل ما أثبته من "درء تعارض العقل والنقل" لابن تيمية 2/ 198، يناسب السياق، وهو ما اعتمده محقق الدرء.

(3)

في الأصل: في. وهو خطأ. والمثبت من: س، ط، والإرشاد.

(4)

في الأصل بعضه غيره والكلام يستقيم بدون هذه الزيادة.

(5)

في الأصل: المنوع: وهو تصحيف، والمثبت من: س، ط.

(6)

على: ساقطة من: س، ط.

(7)

في س: إلا.

ص: 759

الجميع وذلك لا يقتضي ثبوت أحدهما وهو الامتناع إلا بدليل، وهو لم يذكر دليلًا على ذلك، فلم يذكر في المسألة حجة إلا ما ذكره من قوله: لو قبلها لم يخل منها، وهذه الحجة (1) أحال فيها على ما ذكره قبل ذلك، فإنه لو قبل الحوادث لم يخل منها لما [سبق](2) تقريره في الجواهر (3)، حيث قضينا باستحالة تعريها عن الأعراض، وهذا الذي أحال عليه هو ما ذكره في مسألة حدوث الأجسام، فإنه ذكر الطريقة المشهورة الكلامية المبنية على أربعة أصول (4) قال (5):

"فأما (6) الأصل الثالث، فهو يبين استحالة تعري الجواهر عن الأعراض، فالذي صار إليه أهل الحق أن الجوهر (7) لا يخلو عن كل

(1) في ط: حجة.

(2)

ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.

(3)

شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- بين في "درء تعارض العقل والنقل- 2/ 196 " أن لقائل أن يقول: ". . هو لم يذكر دليلًا هناك إلا قياس ما قبل الاتصاف على ما بعده، وهو ليس حجة علمية عقلية، بل غايته: احتجاج بموافقة منازعة في مسألة عظيمة عقلية تُرَدُّ لأجلها نصوص الكتاب والسنة، وينبني عليها من مسائل الصفات والأفعال أمور عظيمة اضطرب فيها الناس، ممن يجعل أصول الدين مجرد قول قالته طائفة من أهل الكلام وافق بعضهم بعضًا عليه من غير حجة عقلية ولا سمعية".

(4)

الجويني ذكر أن حدث الجواهر ينبني على أربعة أصول:

الاْول: إثبات الأعراض.

والثاني: إثبات حدثها.

والثالث: استحالة تعري الجواهر عن الأعراض، وهو ما ذكره الشيخ رحمه الله هنا وناقشه.

والرابع: استحالة حوادث لا أول لها.

انظرها مجملة في "الإرشاد" ص: 17، 18. ومفصلة في ص: 18 - 27.

(5)

الإرشاد -للجويني- ص: 22 - 25.

(6)

في س، ط: وأما.

(7)

في الأصل: الجواهر. والمثبت من: س، ط، والإرشاد.

ص: 760

جنس من الأعراض وعن (1) جميع أضداده إن كانت له أضداد، فإن (2) كان له ضد واحد لم يخل الجوهر عن أحد الضدين، فإن قدر عرض لا ضد له لم يخل الجوهر عن قبول واحد من جنسه.

قال (3): وجوزت الملحدة خلو الجواهر عن جميع الأعراض، والجواهر في اصطلاحهم تسمى الهيولى (4) والمادة، والأعراض تسمى الصور، وجوز الصالحي (5) -الخلو عن جملة الأعراض ابتداء،

(1) عن: ساقطة من: س.

(2)

في الإرشاد: وإن.

(3)

قال: إضافة من الشيخ، والكلام متصل بما قبله في الإرشاد.

(4)

الهيولى: لفظ يوناني بمعنى: الأصل والمادة.

وفي الاصطلاح هي: جوهر في الجسم قابل لما يعرض لذلك الجسم من الاتصال والانفصال، محل للصورتين الجسمية والنوعية.

انظر: التعريفات -للجرجاني- ص: 257. والمعجم الفلسفي -لجميل صليب - 2/ 536.

ومادة الشيء: أصوله وعناصره التي يتركب منها حسية كانت أو معنوية.

وللمادة في اصطلاح الفلاسفة عدة معان يمكن الاطلاع عليها في المعجم الفلسفي -لجميل صليبا- 2/ 306 - 308.

والصورة: ما تنتفش به الأعيان وتميزها عن غيرها (الشكل الذي يحدد الشيء) ولها عدة إطلاقات، ذكرها أبو البقاء الكوفي في "الكليات" 3/ 114، 115.

(5)

هو: أبو الحسين صالح بن عمرو الصالحي، إليه تنسب "الصالحية" إحدى فرق المرجئة.

وقد ذكر الشهرستاني في "الملل والنحل" 1/ 145: أن الصالحي جمع القدر والإرجاء، وأنه انفرد عن المرجئة بأشياء، وكان يقول: الإيمان المعرفة بالله تعالى على الإطلاق، والكفر الجهل بالله على الإطلاق، وقول القائل إن الله ثالث ثلاثة ليس بكفر ولكنه لا يظهر إلا من كافر، والصلاة عنده ليست بعبادة الله، وأنه لا عبادة له إلا الإيمان به، وهو معرفته وهو خصلة واحدة لا تزيد ولا تنقص.

انظر: ما قاله في الجوهر وجواز تعريه عن الأعراض في مقالات الإسلاميين =

ص: 761

ومنع (1) البصريون من المعتزلة (2) العُرُوّ عن الأكوان، وجوزوا العرو (3) عما عداها، وقال الكعبي ومتبعوه (4): يجوز الخلو عن

= للأشعري 2/ 8، 11.

(1)

في س: وضع.

(2)

تقدم التعريف بالمعتزلة، وأنهم فرعان:

معتزلة البصرة. ومعتزلة بغداد.

وأول ظهور الاعتزال كان بالبصرة -كما يقول أبو الحسن الملطي- ثم أخذ معتزلة بغداد الاعتزال من معتزلة البصرة، ويذكر الملطي أن بشر بن المعتمر -مؤسس فرع بغداد- المتوفى سنة 210 هـ خرج إلى البصرة، فلقي بشر بن سعيد، وأبا عثمان الزعفراني -وهما صاحبا واصل بن عطاء- فأخذ عنهما الاعتزال وحمله إلى بغداد ودعا إليه، ففشى قوله.

ومعتزلة بغداد أغلظ بدعة من معتزلة البصرة -كما سيبينه الشيخ رحمه الله بعد صفحات قليلة.

ومن أعلام معتزلة البصرة: أبو الهذيل العلاف -المتوفى سنة 235 هـ.

وإبراهيم النظام - المتوفى سنة 231 هـ. وأبو علي الجبائي- المتوفى سنة 303 هـ وغيرهم.

ومن معتزلة بغداد: بشر بن المعتمر - المؤسس- كما تقدم. وثمامة بن الأشرس- المتوفى سنة 213 هـ. وأبو الحسين الخياط- المتوفى سنة 290 هـ.

وأبو القاسم البلخي الكعبي- المتوفى سنة 219 هـ.

انظر: التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع -للملطي- ص: 38 - 41.

وفلسفة المعتزلة -لألبير نصري نادر- ص: 7 - 34. وضحى الإسلام -لأحمد أمين- 3/ 96 - 161: وقد ذكر أن من أظهر مسائل الخلاف بين البصريين والبغداديين الكلام في الجوهر والعرض.

(3)

في س: وجوز العرو. . . وفي الإرشاد: وجوزوا الخلو. .

(4)

في ط: متبوعه.

وهم: أتباع أبي القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود البلخي الكعبي، من متكلمي المعتزلة البغداديين وإليه تنسب "الكعبية" أخذ الكلام عن أبي الحسين الخياط، وخالف البصريين من المعتزلة في أحوال كثيرة ذكرها البغدادي في "الفرق بين الفرق" ص: 181، 182. توفي سنة 319 هـ. . . . . . . . . . . . =

ص: 762

الأكوان، ويمتنع الخلو عن الألوان (1).

قال (2): وكل مخالف لنا وافقنا (3) على امتناع العرو عن (4) الأعراض بعد قبول الجواهر فيفرض الكلام على الملحدة في الأكوان، فإن القول فيها يستند إلى الضرورة، فإنا ببديهة العقول (5) نعلم أن الجواهر القابلة للاجتماع (6) والافتراق لا تعقل (7) غير متماسة (8) ولا متباينة.

ومما يوضح ذلك، أنها إذا اجتمعت فيما لا يزال فلا يتقرر في العقل اجتماعها (9) إلا عن افتراق سابق، إذا قدر لها الوجود قبل الاجتماع وكذلك إذا طرأ الافتراق عليها، اضطررنا إلى العلم بأن الافتراق مسبوق باجتماع.

= وعن الكعبي وأتباعه يراجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 9/ 384. ولسان الميزان -لابن حجر- 3/ 255، 256. وطبقات المعتزلة -للقاضي عبد الجبار- ص: 283. والتبصير في الدين -للإسفراييني- ص: 84، 85.

(1)

في جميع النسخ: الخلو عن الأكوان.

وفي النسخ ط، ص:، ر، هـ من درء تعارض العقل والنقل: العرو عن الأكوان. وفي م، ق: من الدرء: العرو عن الأعراض.

وما أثبته من: الإرشاد، وما اعتمده محقق الدرء 2/ 190.

(2)

قال: إضافة من الشيخ، والكلام متصل بما قبله.

(3)

في الإرشاد: يوافقنا.

(4)

في الأصل: عند. والمثبت من: س، ط، والإرشاد.

(5)

في جميع النسخ: المعقول. ولعل ما أثبته من حاشية الإرشادات: (3) يكون مناسبًا.

(6)

في الأصل: للإجماع. والمثبت من: س، ط، والإرشاد.

(7)

في س، نعقل.

(8)

في جميع النسخ: مماسة.

والمثبت من: الإرشاد، ودرء تعارض العقل والنقل- 2/ 190.

(9)

في الأصل: اجتماعهما. والمثبت من: س، ط، والإرشاد.

ص: 763

وغرضنا في رَوْم (1) إثبات حدوث (2) العالم يتضح بالأكوان (3).

وإن حاولنا ردًّا على المعتزلة فيما خالفونا فيه تمسكنا بنكتتين:

إحداهما: الاستشهاد بالإجماع (4) على امتناع العرو عن الأعراض بعد الاتصاف بها، فنقول: كل عرض باق فإنه ينتفي (5) عن محله بطريان ضده، والضد إنما يطرأ (6) في حال عدم المنتفي به -على زعمهم- فإذا انتفى البياض فهلا جاز ألا يحدث (7) بعد انتفائه لون، إن كان يجوز (8) تقدير الخلو عن الألوان ابتداء؟ وتَطّرد (9) هذه الطريقة (10) في أجناس الأعراض.

ونقول -أيضًا (11): الدال على استحالة قيام الحوادث بذات الرب سبحانه وتعالى أنها (12) لو قامت به لم يخل عنها، وذلك يقضي

(1) رام الشيء، يرومه، رومًا، ومرامًا: طلبه. راجع: لسان العرب -لابن منظور- 12/ 258 (روم).

(2)

في الإرشاد: حدث.

(3)

أي: بثبوت الأكوان.

(4)

في س: والاجتماع.

(5)

في جميع النسخ: ينتهي، والمثبت من: الإرشاد، ودرء تعارض العقل والنقل -لابن تيمية- 2/ 191.

(6)

في الإرشاد: ضد فيه، ثم الضد إنما يطرأ. .

(7)

في الإرشاد: أن لا يحدث.

(8)

في الأصل، س: تجوز. والمثبت من: ط، والإرشاد.

(9)

في الإرشاد: ونطرد.

(10)

في الأصل: المسألة. والمثبت من: س، ط، والإرشاد، ودرء تعارض العقل والنقل- 2/ 192.

(11)

الكلام عن النكتة الثانية.

(12)

في الإرشاد: أنه.

ص: 764

بحدثه (1) فإذا جوز الخصم عرو الجوهر عن حوادث (2)، مع قبوله لها صحة وجوازًا، فلا يستقيم مع ذلك دليل على استحالة قبول الباري تعالى للحوادث.

قلت: فهذا جملة كلامه في هذا الأصل، ولم يذكر فيه حجة أصلًا على المطلوب، بل فيه إحالة، فإنه ذكر خمسة أقوال:

أحدها: القول الذي عليه أصحابه أن الجوهر لا يجوز أن يخلو عن كل جنس من الأعراض وعن أضدادها، بل لا بد أن يقوم به من كل جنس عرض (3) واحد، سواء كان له ضد أولم يكن له، وإن كان كثير من الناس يقول إن هذا مخالف للحس، كدعوى الطعم والريح للهواء والماء والنار.

والقول الثاني: في مقابلة هذا، وهو جواز خلوه عن كل عرض.

والثالث: الخلو عن جميعها في الابتداء دون الدوام.

الرابع (4): أنه يمتنع خلوه عن الأكوان، ويجوز خلوه عما سواها، وهو قول بصري (5) المعتزلة.

والخامس: امتناع خلوها عن الأكوان دون ما سواها، وهو قول البغداديين (6) الكعبي وأتباعه، وهم أغلظ بدعة من البصريين.

ثم إنه لم يقم دليلًا إلا على الأكوان، فإنه ذكر أنه يعلم بالضرورة أن ما قبل الاجتماع والافتراق لم يعقل إلّا مجتمعًا أو متفرقًا، وذكر أن

(1) في س، ط: بحدوثه. وفي الإرشاد: ينفي لحدثه.

(2)

في الإرشاد: الحوادث.

(3)

في الأصل: غرض. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط.

(4)

في ط: والرابع.

(5)

في جميع النسخ: بصرى. ولعل الصواب ما أثبته.

(6)

في س، ط: البغدادي.

ص: 765

مقصوده في حدوث العالم يتم بالأكوان (1)، وهذا إنما هو رد على من يجوز خلوها عن الأكوان، وقد ذكر عن البصريين أنهم لا يخالفونه في ذلك، فاحتج عليهم بحجتين إلزاميتين ليس فيهما حجة علمية: إحداهما (2): ما سلموه من امتناع الخلو بعد قيام العرض، وسوى بين الحالين، وقال:

إذا جاز أن يخلو قبل قيام العرض عن الضدين جاز بعد ذلك.

فيقال له: إن كانت هذه التسوية باطلة ثبت الفرق وبطل قولك، وإن كانت التسوية صحيحة لزم أحد الأمرين: إما جواز الخلو قبل وبعد أو امتناع الخلو قبل وبعد، لا يلزم أحدهما بعينه، وموافقة المنازع لك على امتناع الخلو [بعد](3) لا يفيدك أنت علمًا إذا لم يكن لك ولا له

(1) أقول: وشيخ الإسلام رحمه الله أوضح في كتابه "درء تعارض العقل والنقل" أن إثبات الأكوان بقبول الحركة والسكون هو الذي لا يمكن دفعه، لأن الجسم الباقي لا بد له من الحركة أو السكون.

وأما الاجتماع أو الافتراق فهو مبني على إثبات الجوهر الفرد، ثم أوضح أن النزاع فيه كثير مشهور. فمن رام الوقوف عليه فليراجع 2/ 191.

(2)

وهي إحدى النكتتين اللتين تمسك بهما الجويني في الرد على المعتزلة حيث استشهد بالإجماع على امتناع العرو عن الأعراض بعد الاتصاف بها.

وقد بين شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه "درء تعارض العقل والنقل" 2/ 192: "أن مضمون هذا أنه قاس ما بعد الاتصاف على ما قبله، وقد أجابه المنازعون عن هذا بأن الفرق بينهما: أن الضد لا يزول إلا بطريان ضده، فلهذا لم يخل منهما، فإن كان الفرق صحيحًا بطل القياس، وإلا منع الحكم في الأصل وقيل: بل يجوز خلوه بعد الاتصاف إذا أمكن زوال الضد بدون طريان آخر، وما ذكره في السواد والبياض قضية جزئية، فلا تثبت بها دعوى كلية، ومن أين يعلم أن كل طعم في الأجسام إذا زال فلا بد أن يخلفه طعم آخر؟ وكل ريح إذا زالت فلا بد أن يخلفها ريح آخر، وكذلك في الإرادة والكراهة ونحو ذلك. . ".

(3)

ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.

ص: 766

حجة على ذلك، فلا بد من حجة يعلم بها امتناع الخلو فيما بعد حتى يلحق به ما قبل، وليس معك في ذلك إجماع معصوم من الخطأ إذ ذاك إجماع المؤمنين، وطائفة من المتكلمين لا يمتنع أن يتفقوا على خطأ إذ أكثر الأمة يخطئهم كلهم في كثير [من](1) كلامهم، على أن الخلاف في هذه المسألة لا يمكن دعوى عدمه، على أنه ليس غرضنا الكلام معه في ذلك.

وإنما الغرض قوله في النكتة الثانية (2): "الدال على استحالة قيام الحوادث بذات الرب سبحانه وتعالى أنها لو قامت به لم يخل عنها وذلك يقضي بحدثه (3)، فإذا جوز الخصم عرو الجوهر عن الحوادث، مع قبوله لها صحة وجوازًا، فلا يستقيم مع ذلك دليل على استحالة قبول الباري للحوادث".

فيقال لك: أنت قد ذكرت -أيضًا- فيما تقدم - (4) أن المعتزلة لا يستقيم على أصولهم الاجتماع على أن الحوادث لا تقوم بذات الباري، مع تجويزهم خلو الجواهر عن الأعراض، ومع قضائهم بتجدد أحكام الرب تبارك وتعالى وأما أنت وأصحابك فلم تذكروا حجة على أنه يمتنع خلو الجواهر عن كل جنس من أجناس الأعراض، ولا أقمتم حجة على [أن](5) القابل (6) للشيء لا يخلو منه ومن ضده، ولا أقمتم حجة على استحالة قيام الحوادث به، بل أنت في مسألة الحوادث جعلت

(1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.

(2)

تقدم قول الجويني في النكتة الثانية ص: 611، وفي "الإرشاد" ص:25. وقد ناقش شيخ الإسلام رحمه الله هذه النكتة في "درء تعارض العقل والنقل" 2/ 193.

(3)

في ط: بحدوثه. وفي الإرشاد: ينفي لحدثه.

(4)

تقدم قول الجويني هذا في ص: 757. وفي الإرشاد ص: 45.

(5)

ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.

(6)

في س: القايل.

ص: 767

الدليل القاطع الذي تحتج به (1) في أصول الدين الذي ذكرت أنه ليس في بابه مثله هو قولك (2): "إنه لو قبل (3) الحوادث لم يخل منها لما (4) سبق تقريره في الجواهر، حيث قضينا باستحالة تعريها عن الأعراض، وما لم يخل من الحوادث لم يسبقها، وينساق ذلك إلى الحكم بحديث (5) الصانع".

فيقال له: قولك: لما سبق تقريره إحالة على ما مضى وأنت لم تقرر فيما مضى أن ما قبل الشيء لم يخل منه، ولا قررت أن كل جوهر قبل عرضًا يستحيل خلوه عنه (6)، ولا قررت -أيضًا- استحالة تعري الجواهر (7) عن جميع الأعراض، إذ هذا يحتاج إلى مقدمتين:

إحداهما: إمكان قيام كل جنس من الأعراض بكل جوهر.

والثانية: أن القابل للشيء (8) لا يخلو منه ومن ضده، وأنت لم تذكر حجة على شيء من ذلك، غاية ما ذكرت أنك أثبت الأكوان التي هي الاجتماع والافتراق فقط، وأنك ادعيت تناقض المعتزلة حيث فرقوا بين ما قبل الاتصاف وبعده، وحيث إنهم إذا جوزوا خلو الجوهر عن بعض الحوادث مع قبوله لها (9)، بطل الاستدلال على امتناع قيام الحوادث بذات الله، وأنه لا يستقيم مع ذلك دليل على استحالة قبول الباري للحوادث، فكان هذا الكلام مع ما فيه من ذكر تناقض المعتزلة، وأنه لا حجة لهم

(1) في س: نحتج.

(2)

تقدم في ص: 757، وفي الإرشاد: ص: 45.

(3)

في س: قيل.

(4)

في الأصل: لم. وأثبت المناسب من: س، ط، والإرشاد.

(5)

في ط: بحدوث.

(6)

في الأصل، س: عنها.

(7)

في الأصل: الجوهر. والمثبت من: س، ط.

(8)

في س، ط: لشيء.

(9)

له: ساقطة من: س.

ص: 768

على امتناع قيام الحوادث بالرب، فيه -أيضًا- أنه لا حجة على امتناع ذلك إلا هذه الحجة، وهو أنه لو قبل (1) الجوهر العرض لم يخل منه، ثم هذه الدعوى لم تذكر أنت -أيضًا- عليها حجة أصلًا، فقد أقررت بأن قول أصحابك، وقول المعتزلة بأنه تعالى منزه عن قبول الحوادث قول بلا حجة أصلًا فأين الدليل الذي ذكرتموه في ذلك، فضلًا عن أن يكون قاطعًا؟

وهذا إذا تدبره العاقل تبين له أن القوم يقولون على الله ما لا يعلمون، ويقولون على الله غير الحق، كما يقوله المشركون وأهل الكتاب.

فإن قلت: فقد (2) قررنا ذلك في الأكوان، كالاجتماع والافتراق.

فيقال: هذا حق، فإن ما كان قابلًا (3) أن يكون مجتمعًا وأن يكون مفترقًا، لم يكن إلا مجتمعًا أو مفترقًا، لكن هذا لا عموم فيه في جميع الصفات والأعراض، وغايته أن يثبت نظيره في الرب، فيقول: إذا كانت ذاته قابلة (4) للاجتماع أو الافتراق، لم يكن إلّا مجتمعًا أو مفترقًا، فالمنازع لك إن لم يسلم قبوله لهذين، لم يلزم أن لا يسلم قبوله لغيرهما من الصفات والأفعال، كما تقوله أنت، وإن سلم ذلك وقال: إنه أحد صمد والصمد أصله: المجتمع الذي لا جوف له، فإنه يقول (5): اجتماعه كعلمه وقدرته، هو من الصفات اللازمة له التي لا يجوز عدمها، وليس من الحوادث، فصفات الجوهر المخلوق تقبل الزوال إذ

(1) في س: قيل.

(2)

في س: قد.

(3)

في الأصل: قائلًا. وأثبت المناسب للسياق من: س، ط.

(4)

في الأصل: قائله. وأثبت المناسب للكلام من: س، ط.

(5)

في الأصل: يقوله. وأثبت المناسب للسياق من: س، ط.

ص: 769

يمتنع [عليها البقاء، بخلاف صفات الله الواجبة له، كما أن ذات (1) الجواهر المخلوقة تقبل العدم، والرب -سبحانه- واجب الوجود بنفسه يمتنع](2) عليه العدم.

وبهذا يظهر أنه لم يذكر دليلًا على حدوث الجواهر -أيضًا- كما لم يذكر دليلًا على امتناع قيام الحوادث بالرب، فإن دليله مبني على أربع مقدمات: ثبوت الأعراض [وثبوت أنها جميعًا حادثة، وأن الجوهر لا يخلو منها، وأنه يمتنع حوادث لا أول لها (3)، وهو لم يثبت من الأعراض](4) اللازمة للجواهر إلّا الأكوان، الاجتماع والافتراق، ولم (5) يثبت حدوثها إلّا بقبولها العدم، فما لم (6) يثبت عدمه لم يعلم حدوثه، ولم يثبت جواز تفرق كل الأجسام، مع أن الحجة المذكورة في أن ما ثبت عدمه امتنع قدمه، فيها كلام ليس هذا موضعه.

والمقصود هنا: الكلام في مسألة حلول الحوادث التي جعلتها الجهمية من المعتزلة ومن اتبعهم من الأشعرية وغيرهم، أصلًا عظيمًا في تعطيل ما جاء في الكتاب والسنة من ذلك، كقوله:{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (7){ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} (8)، وغير ذلك، ثم أنه -سبحانه- يقبل أن يفعل بعد أن لم يكن فاعلًا، والقول بأن فاعلًا يفعل وحاله قبل الفعل

(1) في ط: ذوات.

(2)

ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.

(3)

وهذه المقدمات هي الأصول التي بنى الجويني عليها حدث الجواهر. وتقدمت الإشارة إليها في ص: 762، وفي الإرشاد: ص: 17، 18.

(4)

ما بين المعقوفتين كرر في: س، وهو سهو من الناسخ.

(5)

في س: وهي لم. وفي ط: وهو لم.

(6)

في الأصل: فعالم. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط.

(7)

سورة الحديد، الآية:4.

(8)

سورة فصلت، الآية:11.

ص: 770

وبعده سواء ولم يقم به فعل نفسه، هو (1) في المعقول أبعد من كون الساكن الذي سكونه قديم (2)[يمتنع أن يتحرك، لأن السكون القديم يمتنع عدمه ولو عرض](3) على العقل الصحيح جواز أن يبدع أشياء من غير أن يكون له في نفسه فعل أصلًا، وجواز أن يفعل ويكون فعله في نفسه بعد أن كان تاركًا، لكان الثاني أقرب إلى عقل كل أحد من الأول، فإن هذا الثاني معقول، والأول غير معقول.

وبهذا استطالت عليهم الدهرية من الفلاسفة (4) ونحوهم، فإنهم ادعوا حدوث الجواهر والأجسام، ومضمون عموم كلامهم يقتضي أنهم ادعوا حدوث كل موجود، لكن لم يقصدوا ذلك، وإنما هو لازم لهم، ومعلوم أن هذا باطل، والدهرية ادعوا قدم السماوات، ولا شك أن هذا كفر باطل -أيضًا- لكن صار كل من الفريقين يعارض الآخر بحجج

(1) هو: ساقطة من: س.

(2)

في الأصل: قد عم. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط.

(3)

ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.

(4)

الفلاسفة: جمع فيلسوف. وتقدم الكلام عليه في ص: 272.

الدهرية: هم القائلون بقدم العالم ووجوده أزلًا وأبدًا ولا صانع له، وذهبوا إلى ترك العبادة، لأنها لا تفيد، وإنما الدهر بما يقتضيه مجبول من حيث الفطرة على ما هو واقع فيه.

والدهرية: من الفلاسفة كابن سينا وأمثاله قالوا: تسلسل الحوادث ودوامها واجب؛ لأن حدوث الحادث بدون سبب حادث ممتنع، فيمتنع أن يكون جنسها حادثًا بلا سبب حادث، وإذا كان لكل حادث سبب حادث كان الجنس قديمًا، فيكون العالم قديمًا. وهذا أصل تفرعت عنه مقالاتهم.

انظر: الفصل -لابن حزم- 1/ 9 - 14. نهاية الإقدام -للشهرستاني - ص: 123، 124. ودرء تعارض العقل والنقل -لابن تيمية- 4/ 43، 8/ 131، 9/ 147، 148.

والكليات -لأبي البقاء- 2/ 332. وكشاف اصطلاحات الفنون -للتهانوي- 2/ 274، 275.

ص: 771

تبطل (1) حجج نفسه، لأن كلًّا (2) من القولين باطل، فتكون حجتهم باطلة فيمكن إبطالها، ولهذا كان غالب أئمتهم يقولون بتكافؤ الأدلة في هذه المسألة ونحوها (3)، ويصيرون فيها إلى الوقف والحيرة، ثم هم مع ذلك قد يعتقدون أن الإسلام لا يتم إلّا بما ادعوه من القول بهذا الحدوث، فيكون ذلك سببًا لنفاقهم وزندقتهم، وذلك باطل، ليس هذا من أصل الإسلام في شيء، واعتبر ذلك بابن الراوندي (4) الذي يقال: إنه أحد شيوخ الأشعري وقد فرح أصحاب الأشعري بموافقته، وموافقة أبي عيسى الوراق (5) لهم على إثبات كلام النفس، ومع هذا فله كتاب مشهور سماه كتاب "التاج"(6) في قدم (7) العالم، وذكر الأشعري أنه في كتابه

(1) في س: فتبطل.

(2)

في الأصل، س: كل. وأثبت الصواب من: ط.

(3)

بعد أسطر سوف يذكر الشيخ رحمه الله أنه قيل: إن أبا الحسن الأشعري أقر بتكافؤ الأدلة في آخر عمره، وكذا الفخر الرازي صرح في آخر كتبه "المطالب العالية" أن هذه المسألة من محارات العقول.

(4)

تقدم التعريف به وبفرقته ص: 629.

(5)

هو: أبو عيسى محمد بن هارون الوراق، من أهل بغداد، له تصانيف على مذهب المعتزلة، وعنه أخذ ابن الراوندي. توفي سنة 247 هـ.

انظر: لسان الميزان -لابن حجر- 5/ 412. والأعلام -للزركلي- 7/ 351. تاريخ الأدب العربي -لبروكلمان 4/ 30، وفيه: أنه تحول عن مذهب المعتزلة، وذلك بسبب دراسته للمنطق الإغريقي، وتوفي بالسجن بعد أن اتهم بالإلحاد، مثل الراوندي.

(6)

كتاب "التاج" في قدم العالم ذكره ابن الجوزي في "المنتظم" 6/ 99، 101، وأن أبا علي الجبائي نقضه وقال:"قد وضع كتابًا في قدم العالم، ونفى الصانع، وتصحيح مذهب الدهر، وفي الرد على مذهب أهل التوحيد".

انظر: تاريخ التراث العربي -لسزكين- 1/ 4 / 74. وهدية العارفين للبغدادي 1/ 55، وذكر في ص: 677 أن لأبي الحسن الأشعري نقض كتاب التاج على ابن الراوندي. ومعجم المؤلفين -لكحالة- 2/ 200.

(7)

في الأصل: قدوم. وأثبت المناسب من: س، ط.

ص: 772

الكبير وهو "الفصول"(1) ذكر علل الملحدين والدهريين مما احتجوا به في قدم العالم، وتكلم عليها، وأنه استوفى ما ذكره ابن الراوندي في كتابه المعروف بكتاب (2) التاج، وهو الذي نصر فيه القول بقدم العالم.

وقد قيل: إن الأشعري في آخر عمره أقرَّ بتكافؤ الأدلة (3)، واعتبر ذلك بالرازي فإنه في هذه [وهي](4) مسألة حدوث (5) الأجسام -يذكر أدلة الطائفتين، ويصرح في آخر كتبه وآخر عمره، وهو كتاب "المطالب العالية"(6) بتكافؤ الأدلة وأن المسألة من محارات. . . . . . . . . . . . . . .

(1) نقل ابن عساكر عن أبي بكر بن فورك أن أبا الحسن الأشعري صنف كتابًا سماه "الفصول" في الرد على الملحدين والخارجين عن الملة كالفلاسفة والطبائعيين والدهريين وأهل التشبيه والقائلين بقدم الدهر على اختلاف مقالاتهم وأنواع مذاهبهم، ثم رد فيه على البراهمة واليهود والنصارى والمجوس، وهو كتاب كبير يشتمل على اثني عشر كتابًا، أول كتاب إثبات النظر وحجة العقل والرد على من أنكر ذلك، ثم ذكر علل الملحدين والدهريين فيما احتجوا بها في قدم العالم، وتكلم عليها، واستوفى ما ذكره ابن الراوندي في كتابه المعروف بكتاب "التاج" وهو الذي نصر فيه القول بقدم العالم.

راجع: تبيين كذب المفتري -لابن عساكر- ص: 128، 129. وانظر عن كتاب "الفصول": هدية العارفين -للبغدادي- 1/ 677. وإيضاح المكنون -للبغدادي- 2/ 194. ولم يذكره ضمن آثار أبي الحسن كل من: بروكلمان -في تاريخ الأدب العربي- 4/ 39. وسزكين -في تاريخ التراث العربي- العقائد والتصوف- 1/ 4 / 35.

(2)

في الأصل: بكتابه. والمثبت من: س، ط.

(3)

نسب أبو إسماعيل الهروي في كتابه "ذم الكلام" -مخطوط- الجزء السابع -اللوحة: 33 - هذا القول إلى: زاهر بن أحمد السرخسي.

(4)

ما بين المعقوفتين زيادة من: ط.

(5)

في الأصل: أخر حدوث. . والكلام يستقيم بما أثبته من: س، ط.

(6)

هذا الكتاب آخر ما ألف الرازي -وفيه ما استقر عليه رأيه في نهاية عمره، والكتاب لا زال مخطوطًا.

يقول محمد صالح الزركاني، في كتابه "فخر الدين الرازي وآراؤه الكلامية =

ص: 773