الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأصحابه [وكل (1) متكلم فهو عندهم من أهل الأهواء](2) أشعريًّا كان أو غير أشعري".
و
المعنى الثالث
(3) من معاني التوحيد -عند هؤلاء الأشعرية، كالقاضي أبي بكر (4) وغيره- هو أنه سبحانه لا شريك له في الملك، بل هو رب كل شيء، وهذا معنى صحيح، وهو حق، وهو أجود ما اعتصموا به من الإسلام في أصولهم، حيث اعترفوا فيها بأن الله خالق كل شيء ومربه (5)، ومدبره، والمعتزلة وغيرهم يخالفون في ذلك، حيث يجعلون بعض المخلوقات لم يخلقها الله ولم يحدثها، لكن مع هذا قد ردوا قولهم ببدع غلوا فيها، وأنكروا ما خلقه الله من الأسباب، وأنكروا ما نطق به الكتاب والسنة من أن الله يخلق الأشياء بعضها ببعض، وغير ذلك مما ليس هذا موضعه.
فهذه المعاني الثلاثة هي التي يقولون: إنها معنى اسم الله الواحد،
(1) في الأصل: فكل. والمثبت من: ط، ودرء تعارض العقل والنقل.
(2)
ما بين المعقوفتين ساقط من: س.
(3)
بين الشيخ رحمه الله في "التدمرية" ص: 62 أن عامة المتكلمين الذين يقررون التوحيد في كتب الكلام والنظر غايتهم، أن يجعلوا التوحيد ثلاثة أنواع فيقولون: هو: واحد في ذاته لا قسيم له. واحد في صفاته لا شبيه له. واحد في أفعاله لا شريك له. والنوع الثالث هو أشهرها عندهم، وهو توحيد الأفعال.
وهو: أن خالق العالم واحد، ويحتجون على ذلك بما يذكرونه من دلالة التمانع وغيرها، ويظنون أن هذا هو التوحيد المطلوب، وأن هذا هو معنى قولنا: لا إله إلا الله، حتى يجعلوا معنى الإلهية القدرة على الاختراع.
انظر: تقسيم الطوائف للتوحيد وتسمية كل طائفة باطلهم توحيدًا في: مدارج السالكين -لابن القيم- 3/ 447 - 449.
(4)
في الأصل: أو. والمثبت من: س، ط.
(5)
في ط: ومربيه.
وهي التوحيد، وفيها من البدع التي خولف فيها (1) الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة ما قد نبهنا على بعضه.
وأما التوحيد الذي ذكر الله في كتابه، وأنزل به كتبه، وبعث به رسله، واتفق عليه المسلمون من كل ملة، فهو كما قال الأئمة: شهادة أن لا إله إلا الله، وهو عبادة الله وحده لا شريك له، كما بين ذلك بقوله:{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} (2) فأخبر أن الإله إله واحد لا يجوز أن يتخذ إلهًا غيره، فلا يعبد إلا إياه، كما قال في السورة الأخرى:{وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} (3) وكما قال: {لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا} إلى: {فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا} (4) وكما قال: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (5) وكما قال: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} (6).
والشرك الذي ذكره الله في كتابه، إنما هو عبادة غيره من المخلوقات كعبادة الملائكة أو الكواكب أو الشمس أو القمر أو الأنبياء أو تماثيلهم أو قبورهم، أو غيرهم من الآدميين، ونحو ذلك مما هو كثير في هؤلاء الجهمية ونحوهم ممن يزعم أنه محقق (7) في التوحيد، وهو من أعظم الناس إشراكًا، وقال تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ
(1) في س، ط: بها.
(2)
سورة البقرة، الآية:163.
(3)
سورة النحل، الآية:51.
(4)
سورة الإسراء، الآيات: 22 - 39.
(5)
سورة الزمر، الآيات: 1 - 3.
(6)
سورة الفرقان، الآية:68.
(7)
في ط: محق.
اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} (1) وقال: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (2) وقال تعالى: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} (3) وقال تعالى: {وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا} (4) وقال تعالى {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إلا اخْتِلَاقٌ} (5)، وقال تعالى:{إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} (6) وقال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} (7).
قال ابن عباس، وعطاء، وعكرمة، ومجاهد: يسألهم من خلق السماوات والأرض؟ فيقولون: الله، وهم مع هذا (8) يعبدون غيره،
(1) سورة الزمر، الآية:38.
وقد ورد في: س، ط:{قُلْ أَرَأَيْتُمْ} وهو خطأ.
(2)
سورة الزمر، الآيات: 64 - 66.
(3)
سورة الزمر، الآية:45.
(4)
سورة الإسراء، الآية:46.
(5)
سورة ص، الآية: 4 - 7.
في س: {منذ منهم} وهو خطأ.
(6)
سورة الصافات، الآيتان: 35، 36.
(7)
سورة يوسف، الآية:106.
(8)
في س: ذلك.
ويشركون به، ويقولون: له ولد، وثالث (1) ثلاثة.
فكان الكفار يقرون بتوحيد الربوبية، وهو نهاية ما يثبته هؤلاء المتكلمون -إذا سلموا من البدع فيه- وكانوا مع هذا مشركين، لأنهم كانوا يعبدون غير الله، قال تعالى:{وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} (2)، وقال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (3)، وقال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ} (4).
فبين سبحانه أنه بهذا التوحيد بعث جميع الرسل، وأنه بعث إلى كل أمة رسولًا به، وهذا هو الإسلام الذي لا يقبل الله لا من الأولين ولا من
(1) في س: وقالت ثلاثة. وهو تصحيف.
يقول ابن كثير رحمه الله عند تفسيره لقوله تعالى {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} 106 / يوسف.
"قال ابن عباس: من إيمانهم أنهم إذا قيل لهم: من خلق السماوات، ومن خلق الأرض، ومن خلق الجبال؟ قالوا: الله، وهم مشركون به، وكذا قال مجاهد وعطاء وعكرمة والشعبي وقتادة والضحاك وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم".
وقد ذكر ابن الجوزي رحمه الله في "زاد المسير" 4/ 294 عند تفسيره لهذه الآية الكريمة ثلاثة أقوال:
الأول: عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة والشعبي: أنهم المشركون الذين يؤمنون بأن الله خالقهم ورازقهم وهم يشركون به.
والثاني: عن ابن عباس: أنهم النصارى، يؤمنون بأن الله خالقهم ورازقهم ومع ذلك يشركون به.
الثالث: عن الحسن أنهم المنافقون، يؤمنون في الظاهر رئاء الناس، وهم في الباطن كافرون.
(2)
سورة الزخرف، الآية:45.
(3)
سورة الأنبياء، الآية:25.
(4)
سورة النحل، الآية:36.
فدين الله أن يدينه العباد (2) ويدينون له، فيعبدونه وحده ويطيعونه، وذلك هو الإسلام له، فمن ابتغى غير هذا دينًا فلن يقبل منه، وكذلك قال في الآية الأخرى:{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (3).
فذكر أن الدين عند الله الإسلام، بعد إخباره بشهادته وشهادة الملائكة وأولي (4) العلم أنه لا إله إلا هو، والإله هو المستحق للعبادة، فأما من اعتقد في الله أنه رب كل شيء وخالقه، وهو مع هذا يعبد غيره، فإنه مشرك بربه متخذ من دونه إلهًا آخر، فليست الإلهية هي (5) الخلق أو القدرة على الخلق أو القدم، كما يفسرها هؤلاء المبتدعون في التوحيد من أهل الكلام، إذ المشركون الذين شهد الله ورسوله بأنهم مشركون من العرب وغيرهم، لم يكونوا يشكون في أن الله خالق كل شيء وربه، فلو
(1) سورة آل عمران، الآيات: 83 - 85.
في س: (وإليه ترجعون) وهو خطأ. في الأصل: (قولوا آمنا بالله) وهو خطأ.
(2)
في الأصل: للعباد. والمثبت من: س، ط.
(3)
سورة آل عمران، الآيتان: 18، 19.
(4)
في الأصل، س: أولو والمثبت من: ط.
(5)
في جميع النسخ: هو. وأثبت ما رأيته مناسبًا للكلام.