الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كان هذا هو إلهية لكانوا قائلين: إنه لا إله إلا هو.
فهذا (1) موضع عظيم جدًّا ينبغي معرفته، لما قد لبس على طوائف من الناس أصل الإسلام، حتى صاروا يدخلون في أمور عظيمة هي شرك ينافي الإسلام لا يحسبونها شركًا، وأدخلوا في التوحيد والإسلام أمورًا باطلة ظنوها من التوحيد وهي تنافيه، وأخرجوا من الإسلام والتوحيد أمورًا عظيمة لم يظنوها من التوحيد وهي أصله، فأكثر هؤلاء المتكلمين لا يجعلون التوحيد إلا ما يتعلق بالقول والرأي واعتقاد ذلك، دون ما يتعلق بالعمل والإرادة واعتقاد ذلك، بل التوحيد الذي لا بد منه لا يكون إلا بتوحيد الإرادة والقصد، وهو توحيد العبادة (2)، وهو تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، أن يقصد [الله](3) بالعبادة ويريده بذلك دون ما سواه، وهذا هو الإسلام، فإن
الإسلام يتضمن أصلين:
(1) ورد في هامش الأصل: قف على هذا المبحث المفيد جدًّا.
(2)
في الأصل: العباد. وأثبت المناسب لتقسيم التوحيد من: س، ط. فالتوحيد نوعان:
نوع في العلم والاعتقاد، ويسمى التوحيد العلمي، لتعلقه بالأخبار والمعرفة، ومداره على إثبات صفات الكمال، ونفي التشبيه والمثال، والتنزيه عن العيوب والنقائص.
ونوع في الإرادة والقصد، ويسمى التوحيد القصدي والإرادي، لتعلقه بالقصد والإرادة، وهو نوعان:
توحيد في الربوبية.
وتوحيد في الإلهية.
وقد تكلم الشيخ رحمه الله في "التدمرية" على هذين الأصلين العظيمين، فبينهما غاية البيان إجابة لمن مسألة أن يكتب لهم مضمون ما سمعوه منه في بعض المجالس من الكلام في التوحيد والصفات والشرع والقدر، لمسيس الحاجة إلى تحقيقهما، وكثرة الاضطراب فيهما.
وانظر أنواع التوحيد في "مدارج السالكين" لابن القيم 1/ 24، 25، 3/ 449.
(3)
ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، يقتضيها السياق.
أحدهما: الاستسلام لله، والثاني: أن يكون ذلك له سالمًا فلا يشركه أحد في الإسلام له، وهذا هو الاستسلام لله دون ما سواه، وسورة قل يا أيها الكافرون تفسر ذلك.
ولا ريب أن العمل والقصد مسبوق بالعلم، فلا بد أن يعلم ويشهد أن لا إله إلا الله.
وأما التوحيد القولي الذي هو الخبر عن الله، ففي سورة الإخلاص التي تعدل ثلث القرآن (1) وفيها اسمه (الأحد)(الصمد) وكل من هذين الاسمين يدل على نقيض مذهب هؤلاء الجهمية كما قد بيناه في موضعه (2)، وعبادة الله وحده يدخل فيها كمال المحبة لله وحده، وكمال الخوف منه وحده، والرجاء له وحده (3)، والتوكل عليه وحده، كما يبين القرآن ذلك في غير موضع، فكل ذلك من أصول التوحيد الذي أوجب الله على عباده، وبذلك يكون الدين كله لله، كما أمر الله رسله والمؤمنين بالقتال إلى هذه الغاية، حيث يقول:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} (4).
(1) تقدم ذكر بعض الأحاديث التي تدل على أن {قل هو الله أحد} تعدل ثلث القرآن. راجع ص: 122.
وقد أشرنا في الصفحة نفسها أن لشيخ الإسلام رسالة تسمى بـ "جواب أهل العلم والإيمان أن {قل هو الله أحد} تعدل ثلث القرآن.
(2)
انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام 17/ 214 - 221، 224، 225، 235، 241، 449 - 452.
وبيان تلبيس الجهمية -لابن تيمية- 1/ 459 - 487، 493، 499، 500، 503 - 511، 518.
(3)
وحده. ساقطة من: ط.
(4)
سورة الأنفال، الآية:39.
الوجه الحادي والستون (1):
أن القرآن قد نطق بأن لله كلمات في غير موضع من كتابه، كقوله:{وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} (2) وقوله: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} (3) وقال: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} (4) وقال: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ} (5)، وقال تعالى:{وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ} (6) وقال تعالى: {وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (7)، وقال:{وصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ} (8).
وكذلك تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم الاستعاذة بكلمات الله التامات (9)، وهذا وأمثاله صريح في تعدد كلماته، فكيف يقال: ليس كلامه إلّا معنى واحد لا عدد فيه أصلًا؟ وهذا قد أوردوه، وذكروا جوابهم عنه.
(1) في س: الوجه السادس والستون. وهو خطأ لم يستمر حيث أثبت الأوجه التالية لهذا الوجه في هذه النسخة بصورة سليمة توافق الأصل، ط.
(2)
سورة الأنعام، الآية:115.
(3)
سورة لقمان، الآية:27.
(4)
سورة الكهف، الآية:109.
(5)
سورة الأعراف، الآية:158.
(6)
سورة الأنفال، الآية:7.
وقد ورد في الأصل: ويريد والله. وفي س، ط: ويحق الله الحق بكلماته. وهو خطأ.
(7)
سورة الشورى، الآية:24. وقد ورد في س، ط: ويمحو الباطل. وهو خطأ.
(8)
سورة التحريم، الآية:12.
(9)
تقدم ذكر بعض الأحاديث في ذلك ص: 462، 463.
فقال القرطبي (1) فيما ذكره من كلام ابن فورك: "فإن قيل: هذا (2) الذي قلتم يوجب أن تكون التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، وسائر كتب الله شيئًا واحدًا، والرب تعالى قد أثبت لنفسه كلمات فقال (3):{مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} (4) وقال: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ} (5) وقال: {وصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ} (6).
قلنا: إن الرب سبحانه أثبت لنفسه كلمات، وأنزل الكتب كذلك، وسمى (7) نفسه بأسماء كثيرة، وأثبتها في التنزيل فقال:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} (8)، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لله تسعة وتسعون (9) اسمًا"(10)، أفتقولون بتعدد المسمى لتعديد الأسامي؟ أو تقولون:
(1) في هامش س: كلام ابن فورك في مسألة الكلام.
وقد أورده القرطبي في كتابه "الأسنى في أسماء الله الحسنى وصفاته العلى" -مخطوط- اللوحة: 242.
(2)
في الأسنى: هو.
(3)
في س، ط: وقال.
(4)
سورة لقمان، الآية:27.
(5)
سورة الأنعام، الآية:115.
(6)
سورة التحريم، الآية:12.
(7)
في الأسنى: سمى. بدون الواو.
(8)
سورة الأعراف، الآية:180.
(9)
في الأصل: تسعين. والمثبت من: س، ط، والأسنى.
(10)
الحديث بهذا اللفظ رواه مسلم عن أبي هريرة وتمامه ". . . من حفظها دخل الجنة، كان الله وتر يحب الوتر".
وفي رواية ابن عمر: "من أحصاها".
صحيح مسلم 4/ 2062 كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار- باب في أسماء الله تعالى، وفضل من أحصاها، الحديث / 2677.
ورواه الإمام أحمد بلفظ: "لله تسعة وتسعون اسمًا" مع اختلاف يسير في باقي ألفاظ الحديث. المسند 2/ 214، 427.
وأخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن =
الأسماء تدل على مسمى واحد بنعوت الجلال (1)؟
= لله تسعة وتسعين اسمًا، مائة إلّا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة.
صحيح البخاري 3/ 185 كتاب الشروط -باب ما يجوز من الاشتراط. . . 8/ 169 كتاب التوحيد- باب إن لله مائة اسم إلا واحدًا.
وبلفظ البخاري رواه مسلم -أيضًا- في صحيحه 4/ 2063 - نفس الكتاب والباب السابقين.
والترمذي في سننه 5/ 530 كتاب الدعوات -باب حدثنا يوسف بن حماد البصري، الحديث / 3506. وأحمد في مسنده 2/ 503، 516.
وهذا الحديث لا يدل على حصر أسماء الله تعالى بعدد معين، ولو كان المراد الحصر لقال: إن أسماء الله تسعة وتسعون اسمًا.
ومعنى الحديث: أن هذا العدد من شأنه أن من أحصاه دخل الجنة، وعلى هذا فيكون قوله:(من أحصاها دخل الجنة) جملة مكملة لما قبلها، وليست مستقلة كما تقول:"عندي ألف درهم أعددتها للحج" فهذا لا يمنع أن يكون عندك دراهم أخرى لم تعدها للحج.
فالتقيد بالعدد هو الموصوف بهذه الصفة، لا في أصل استحقاقه لذلك العدد.
ومما يدل على أن أسماء الله تعالى غير محصورة بعدد، ما رواه أحمد في مسنده 1/ 452: عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما قال عبد قط إذا أصابه هم وحزن: اللهم إني عبدك وابن عبدك، ابن أمتك؛ ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي. . . ".
فهذا يدل على أن لله أسماء فوق تسعة وتسعين، يحصيها بعض المؤمنين، وأما ما استأثر الله تعالى به في علم الغيب، فلا يمكن لأحد حصره ولا الإحاطة به. والله أعلم.
انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية- 6/ 379 - 382. ودرء تعارض العقل والنقل 3/ 332، 333. والقواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى لابن عثيمين ص: 13 - 16.
(1)
في الأسنى: وإنما هي تسميات متعددة بألفاظ مختلفة دالة على مسمى واحد بنعوت الجلال.
فإن قلتم (1): التسميات تتعدد والمسمى واحد، فكذلك نقول في الكلام (2): إنه واحد لا يشبه كلام المخلوقات ولا هو بلغة من اللغات، ولا يوسف بأنه عربي أو فارسي أو عبراني، لكن العبارات عنه تكثر وتختلف، فإذا قرئ كلام الله بلغة العرب سمي قرآنًا، وإذا قرئ بلغة العبرانية أو الفارسية (3) سمي توراة وإنجيلًا (4)، كذلك الرب -سبحانه- يوصف (5) بالعربية الله الرحمن الرحيم، وبالفارسية "خداي بزرك"(6) وبالتركية "سركوي"(7) ونحو ذلك (8)، وهو -سبحانه- واحد، والتسمية الدالة عليه تكثر، وكذلك هو -سبحانه- معبود في السماء (9)، ومعبود في الأرض بعبادات وقصور (10) متباينة، وكذلك هو -سبحانه- مذكور الذاكرين بأذكار مختلفة، وكذلك الكلام يقرأ ويكتب (11) ويفسر، بقراءات مختلفة، وأذكار متفاوتة، وكتابة (12) متباينة.
(1) في س، ط: قلت.
(2)
في الأسنى: الكلام الأزلي.
(3)
في الأسنى: أو الربانية. ولعلها السريانية.
(4)
الإنجيل بلغة السريانية، وليس بالفارسية، وإنما المقصود المترجم بالفارسية كما سيأتي.
(5)
في الأسنى: وصف.
(6)
في الأصل: خذا بررك. وفي س: خذا بررك. وفي الأسنى: خذي بززك والمثبت من: ط. ولعله الصواب، وتعني: الله العظيم.
(7)
في الأسنى: ننكري.
(8)
في الأسنى: وكذلك بالحبشية تحبكي، وبالإفرنجية قلنطر ونحو ذلك. هكذا بدون نقط على بعض الحروف.
(9)
في الأسنى: من في السماء.
(10)
في س: قصور.
(11)
في ط: يكتب ويقرأ.
(12)
في الأسنى: وكتابات.
وقوله: {مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} (1) قد قيل: إنما (2) سمى كلامه (3) كلمات لما فيه من فوائد الكلمات، ولأنه ينوب منابها، فجازت العبارة عنه بصيغة الجمع تعظيمًا (4)، وفي قريب من هذا المعنى قوله (5) الحق (6):{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (7)، وكذلك قوله:{وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ} (8) وكذلك قوله {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ} (9) لأنه مناب أمة، وكذلك قوله:{ونَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} (10) والمراد ميزان واحد.
وقيل (11): ما نفذت (12) العبارات والدلالات التي تدل على مفهومات معاني كلامه".
قلت: فهذا ما ذكروه، ومن تدبر ذلك علم أنه من أبطل القول وأفسد القياس، فإنهم أوردوا سؤالين:
(1) سورة لقمان، الآية:27.
(2)
في الأصل: بما. وأثبت المناسب للسياق من: س، ط.
(3)
في الأسنى: كلماته.
(4)
في الأسنى: تفخيمًا.
(5)
في ط: قول.
(6)
الحق: ساقطة من: الأسنى.
(7)
سورة الحجر، الآية:9.
(8)
سورة الحجر، الآية:23.
(9)
سورة النحل، الآية:120.
(10)
سورة الأنبياء، الآية:47.
ولم يرد قوله تعالى {ليوم القيامة} في: س، ط، والأسنى.
(11)
جاء في الأسنى: قبل كلمة "وقيل":
وقال الأعشى:
ووجه نقي اللون صاف يزينه
…
مع الجيد لثات لها ومعاصم
فعبر باللثات عن اللثة.
(12)
في س، ط: تقدمت. وهو تصحيف.
أحدهما: [أن هذا](1) يوجب أن تكون التوراة والإنجيل وسائر كتب الله شيئًا واحدًا.
والثاني: أن الرب أثبت لنفسه كلمات، ثم جعل الجواب عن الأول أن هذا مثل أسماء الله الحسنى، هي متعددة ومتنوعة باللغات والمسمى واحد، فكذلك هذه الكتب مع تعددها وتنوعها هي عبارة عن معنى واحد.
ومن المعلوم أن هذا باطل في الأصل المقيس عليه، وفي الفرع أما في الأصل، فلأن أسماء الله الحسنى ليست مترادفة بحيث يكون معنى كل اسم هو معنى الاسم الآخر، ولا هي -أيضًا- متباينة التباين في المسمى وفي صفته، بل هي من جهة دلالتها على المسمى كالمترادفة، ومن جهة دلالتها على صفته (2) كالمتابينة، وهذا القسم كثير، ومنه أسماء النبي صلى الله عليه وسلم (3) وأسماء القرآن (4) وغير ذلك، وبعض الناس يجعلون (5) هذا قسمًا
(1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.
(2)
في س، ط: صفاته.
(3)
من أسمائه عليه السلام: المزمل، والمدثر، والرسول، والنبي، ومنها: ما ورد في الحديث الذي رواه البخاري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لي خمسة أسماء: أنا محمد، وأحمد، وأنا الماحي -الذي يمحو الله به الكفر، وأنا الحاشر- الذي يحشر الناس على قدمي- وأنا العاقب".
صحيح البخاري 4/ 162 كتاب المناقب- باب ما جاء في أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومعنى العاقب: الذي ليس بعده نبي.
ورد هذا التفسير في صحيح مسلم- 4/ 1828 - كتاب الفضائل- باب في أسمائه صلى الله عليه وسلم الحديث / 2354.
(4)
من أسماء القرآن: الفرقان، والتنزيل، والكتاب، والهدى، والنور والشفاء، والبيان، وغير ذلك.
(5)
في س، ط: يجعل.
من المترادف وبعضهم يجعله من المتباين قسمًا ثالثًا قد يسميه المتكافئ.
والمقصود فهم المعنى، فإذا قيل:"الرحمن الرحيم"، وقيل:"العليم""القدير"، وقيل:"السميع""البصير" فالأول يدل على المسمى بصفة الرحمة، والثاني يدل عليه بصفة العلم، والثالث بصفة القدرة، والرابع بصفة السمع، والخامس بصفة البصر، وهذه الصفات ليس أحدها هو الآخر، وهذا مما [لا](1) ينازع فيه هؤلاء و [لا](1) غيرهم، فصفات كل اسم يدل من صفات الرب على ما لم يدل عليه الآخر مع اتفاقها في الدلالة على المسمى.
نعم، وقد يدل الاسم على معنى الآخر بطريق اللزوم، فإنه يدل على الذات، والذات تستلزم جميع الصفات، لكن دلالة اللزوم ليست هي دلالة الاسم اللغوية، واللزوم -أيضًا- يحتاج إلى أن (2) يعرف (3) تلك الصفات من غير الاسم، فلا يكون الاسم هو الدال عليها، وإذا كان كذلك فتعدد أسماء الله تعالى لم تقتض (4) تعدد (5) المسمى، ولكن اقتضى تعدد صفاته التي دلت عليها تلك الأسماء، وهؤلاء لا (6) ينازعون في تعدد الصفات في الجملة، ومحققوهم (7) لا يقولون إنها محصورة بعدد، بل يقولون: هذا الذي علمناه، وقد يكون له من الصفات ما لا نعلمه، وإذا كانت معاني الأسماء متعددة -وإن كان المسمى واحدًا-
(1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.
(2)
أن: ساقطة من: س.
(3)
في ط: تعرف.
(4)
في س: تقتضي. وفي ط: يقتض.
(5)
في س: تفرد.
(6)
لا: ساقطة من: س، ط.
(7)
في س: محقوهم.
لم يكن هذا نظيرًا لما ادعاه (1) من تكثر العبارات مع اتحاد المعنى المعبر عنه.
وأما اختلاف الأسماء بالعربية وغيرها من الألسن، فهذا على وجهين: تارة تكون تلك (2) الأسماء العجمية تدل على صفات ليست هي الصفة التي تدل عليها الاسم العربي، فيكون بمنزلة الأسماء الحسنى بالعربية، وتارة يكون معناها معنى الاسم العربي فيكون هذا كالأسماء المترادفة، ولولا (3) تنوع معاني الأسماء لم يكن لبعضها (4) على بعض مزية، ولا كان في اختصاص بعض الناس بعلم بعضها فضيلة، ولا كان الدعاء ببعضها أوكد من الدعاء ببعض، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور الذي رواه أحمد في مسنده عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ما أصاب عبدًا قط همّ ولا غمّ ولا حزن، فقال: اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل (5) اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور بصري، وجلاء حزني، وذهاب همي وغمي، إلّا أذهب الله همه وغمه وأبدله مكانه فرجًا"، قالوا: يا رسول الله أفلا نتعلمهن؟ قال: "بلى ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن"(6).
(1) يعني: ابن فورك.
(2)
تلك: ساقطة من: س.
(3)
لولا: ساقطة من: س.
(4)
في الأصل، س: بعضها. وأثبت المناسب من: ط.
(5)
في س، ط: أسألك اللهم بكل. ولم ترد في المسند.
(6)
الحديث مع اختلاف في الألفاظ وفي مسند الإمام أحمد 1/ 391، 452، يقول الهيثمي في مجمع الزوائد 10/ 136 كتاب الأذكار- باب ما يقول إذا أصابه هم: "رواه أحمد وأبو يعلى والبزار، إلا أنه قال: وذهاب غمي مكان همي، والطبراني =
وكذلك قوله في حديث [أنس بن مالك](1): "لقد دعا الله باسمه الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى"(2).
وقوله: [](3)"أسألك باسمك العظيم الأعظم الكبير الأكبر"(4)
= ورجال أحمد وأبي يعلى رجال الصحيح، غير أبي سلمة الجهني وقد وثقه ابن حبان.
وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح.
انظر: المسند للإمام أحمد شرح أحمد محمد شاكر 5/ 266، 267 الحديث / 3712، 6/ 153 الحديث / 4318.
(1)
بياض في الأصل، س بقدر ثلاث كلمات، والكلام متصل في: ط. ولعل الصواب ما أثبته.
(2)
الحديث بهذا اللفظ في سنن أبي داود 2/ 167، 168 كتاب الصلاة -باب الدعاء- الحديث / 1495.
وفي سنن النسائي 3/ 44 - كتاب السهو- باب الدعاء بعد الذكر وفيها (. . باسمه العظيم. . .).
وأول الحديث: عن أنس أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا ورجل يصلي، ثم دعا: اللهم إني أسألك الحمد لا إله إلَّا أنت المنان بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لقد دعا. . . ".
والحديث يروى بألفاظ مختلفة في:
سنن أبي داود، وتقدمت الإشارة إلى رقم الجزء والصفحة والكتاب والباب الحديثان / 1493، 1494.
وسنن الترمذي 5/ 515، 516 - كتاب الدعوات- باب جامع الدعوات عن النبي صلى الله عليه وسلم الحديث رقم 3475.
وقال فيه: حديث حسن غريب، ص: 55، - باب خلق الله مائة رحمة - الحديث / 3544.
وسنن ابن ماجة 2/ 1267، 1268 - كتاب الدعاء- باب اسم الله الأعظم، الأحاديث / 3856 - 3858.
(3)
ما بين المعقوفتين بياض في الأصل، س، بقدر ثلاث كلمات، والكلام متصل في: ط. والظاهر أنه صحيح، ولا يختل المعنى به.
(4)
في الأصل: إلَّا كبير. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط. ولم أقف على=
[](1) وقوله في حديث [أسماء بنت يزيد](2)"اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين"(3).
الوجه الثاني والستون:
أن أسماء الله الحسنى مع أنها تدل على ذاته الموصوفة بصفات متعددة، فليست دلالة الكتب المنزلة من السماء على كلامه كدلالة أسمائه على نفسه المقدسة، فإن الاسمين يشتركان في المسمى، وينفرد كل منهما بالصفة التي اختص بالدلالة عليها، وأما الكلام المنزل فكل من الكلامين له معنى يختص [به](4) لا يشاركه الآخر في شيء من معناه كما
= هذا الحديث بهذا اللفظ.
وقد ورد في مجمع الزوائد -للهيثمي- 10/ 156 عن ابن عباس رضي الله عنه أن رجلًا قال: يا رسول الله هل من الدعاء شيء لا يرد؟ قال: "نعم تقول: أسألك باسمك الأعلى الأعز الأجل الأكرم".
يقول الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط والكبير، وفيه من لم أعرفهم.
(1)
ما بين المعقوفتين بياض في جميع النسخ بمقدار كلمتين، لا يختل به المعنى.
(2)
ما بين المعقوفتين بياض في الأصل بقدر ثلاث كلمات، ولعل ما أثبته هو الصواب.
(3)
أخرجه الترمذي في سننه 5/ 517، كتاب الدعوات، الباب: 65، الحديث رقم 3478 بمن أسماء بنت يزيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} وفاتحة آل عمران: {الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} .
وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وانظره: في سنن أبي داود 2/ 168 - كتاب الصلاة- باب الدعاء - الحديث / 1496. وسنن ابن ماجة - 2/ 1267 - كتاب الدعاء- باب اسم الله الأعظم الحديث / 3855. وسنن الدارمي 2/ 323 - كتاب فضائل القرآن- باب فضل أول سورة البقرة وآية الكرسي- الحديث / 3392. ومسند الإمام أحمد 6/ 461.
(4)
ما بين المعقوفتين زيادة من: ط.
يشارك (1)[الاسم](2) الاسم في مسماه، فإن آية الكرسي مثلًا، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ونحوهما دالة على المعنى القائم بالنفس المتعلق بصفات الله تعالى، وآية (3) الدين، وسورة تبت يدا أبي لهب وغيرهما، لهما معان أخر من ذم بعض المخلوقين، والأمر ببعض الأفعال (4)، وليس ذم هذا المخلوق والخبر عنه هو مدح الله والثناء عليه ولا معنى هذا هو معنى هذا، ولا بينهما قدر يشترك (5) في الخارج أصلًا كما بين الاسمين إذ مسماهما واحد موجود، وأما معنى هاتين الآيتين فليس هو واحدًا (6) أصلًا، بل هذا المعنى ليس هو هذا المعنى بوجه من الوجوه، نعم يشتركان (7) في كون كل منهما كلامًا للمتكلم [ومعناه، فلفظ معنى ولفظ يقوم به](8) وهذا كاشتراك الحياتين في أن هذه حياة وهذه حياة، واشتراك الموجودين في أن هذا وجود وهذا وجود، وهذا الاشتراك لا يقتضي أن أحدهما هو الآخر في الخارج أصلًا، فكذلك معاني هذه العبارات لا تقتضي أن أحدهما هو الآخر (9) في الخارج أصلًا، وهذا معلوم بالفطرة البديهية (10)، وفهمه سهل على من تدبره، ومن جحد هذا كان من أظهر الجاحدين للمعارف الفطرية الضرورية، وإن سقطت
(1) في الأصل: يشاركه.
(2)
ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.
(3)
في ط: وسورة.
(4)
في الأصل: الأحوال فعال. والمثبت من: س، ط.
(5)
في س، ط: مشترك.
(6)
في الأصل، س: واحد. والمثبت من: ط.
(7)
في س: يشركان.
(8)
ما بين المعقوفتين ساقط من: ط.
(9)
في س: إحداها هو الآخر. وفي ط: إحداها هي الأخرى.
(10)
في س: البديهة.
مكالمة أحد (1) لسفسطته فهذا من أحق هؤلاء (2) بهذا، ويتضح ذلك بالذي بعده، وهو:
الوجه الثالث والستون:
وهو قولهم: "كذلك نقول (3) في الكلام؛ إنه واحد لا يشبه كلام المخلوقات، ولا هو بلغة من اللغات، ولا يوصف بأنه عربي أو فارسي أو عبراني، لكن العبارات عنه تكثر وتختلف، فإذا قرئ كلام الله بلغة العرب سمي قرآنًا، وإذا قرئ بلغة العبرانية أو السريانية سمي توراة (4) وإنجيلًا".
فإن هذا الكلام من أفسد ما يعلم ببديهة العقل فساده، وهو كفر إذا فهمه الإنسان وأصر عليه، فقد أصر على الكفر، وذلك أن القرآن يقرأ بالعربية، وقد يترجم بحسب الإمكان بالعبرانية أو الفارسية أو غيرهما من الألسن، ومع هذا إذا ترجم بالعبرية (5) لم يكن هو التوراة ولا مثل التوراة، ولا معانيه مثل معاني التوراة، وكذلك يقرأ بالعبرية ويترجم (6) بالعربية والسريانية، ومع هذا فليست مثل القرآن، ولا معانيها مثل معاني القرآن، وكذلك الإنجيل من المعلوم أنه يقرأ بعدة ألسن وهو في ذلك معانيه ليس معاني التوراة والقرآن، فهل يقول من له عقل أو دين: إن كلام الله مطلقًا إذا قرئ بالعربية كان هو القرآن؟ وليس يلزم صاحب هذا أن تكون التوراة والإنجيل إذا فسرا (7) بالعربية كانا هذا القرآن الذي أنزل
(1) في س: أحدًا.
(2)
في ط: فهذا أحق من هؤلاء.
(3)
في الأصل، س: يقول. والمثبت من: ط.
(4)
في ط: أو.
(5)
في ط: العبرانية.
(6)
في ط: تقرأ بالعبرية وتترجم.
(7)
في س: فسر.
على محمد؟ بل هذه الأحاديث الإلهية التي يرويها الرسول [صلى الله عليه وسلم](1) عن ربه تعالى مثل قوله: "يقول الله تعالى: مَن عادى لي وليًّا، فقد بارزني بالمحاربة"(2). وقوله: "أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا دعاني"(3) ونحو ذلك.
(1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.
(2)
هذا من الأحاديث القدسية التي يذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم مضافة إلى الله تعالى أنه قالها.
وقد رواه البخاري مع اختلاف في اللفظ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قال: من عادى في وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها. . ".
صحيح البخاري 7/ 190 - كتاب الرقاق- باب التواضع. ويروى عن عائشة رضي الله عنها بلفظ قريب من هذا.
انظر: المسند -للإمام أحمد- 6/ 256.
(3)
وهذا من الأحاديث القدسية- أيضًا.
وهو بهذا اللفظ في مسند الإمام أحمد 3/ 210، 277 عن أنس بن مالك وعن أبي هريرة رضي الله عنه في صحيح مسلم 4/ 2067 كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار- باب فضل الذكر والدعاء والتقرب إلى الله تعالى الحديث / 2675.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يقول: أنا عند ظن. . . "، وورد بلفظ "يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، كان ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم. . . " الحديث، واللفظ للبخاري.
صحيح البخاري 8/ 171 كتاب التوحيد- باب قول الله تعالى {ويحذركم الله نفسه} .
وصحيح مسلم 4/ 2068 الكتاب والباب السابقين.
وسنن الترمذي 5/ 581 كتاب الدعوات -باب في حسن الظن بالله عز وجل الحديث / 3603. =
فهذا كلام عربي مأثور عن الله، ومع هذا فليس قرآنًا ولا مثل القرآن لا لفظًا ولا معنى، فكيف يقال في التوراة والإنجيل إذا قرئا بالعربية كان قرآنًا؟
وكذلك القرآن إذا ترجم بالعبرية أو السريانية هل يقول من له عقل أو له دين: إن ذلك [هو](1) التوراة والإنجيل المنزل على موسى وعيسى عليهما السلام؟ وهل يقول عاقل: إن كلام الله المنزل بالألسنة المختلفة معناه شيء واحد كالكلام الذي يترجم بألسنة متعددة؟ العلم بفساد هذا من أوضح العلوم البديهية العقلية، وقائل هذا لو تدبر ما قال لعلم أن المجانين لا يقولون هذا، ومن المعلوم لكل أحد أن الكلام إذا ترجم كما ترجمت العرب كلام الأوائل من الفرس واليونان والهند وغيرهم، فتلك المعاني هي المعاني وهي باقية لم تختلف بكونها عربية أو فارسية أو رومية أو هندية [و](2) كذلك لما ترجموا (3) ما ترجموه من كلام الأنبياء قبلنا وأممهم، فتلك المعاني هي هي سواء كانت بالعربية أو الفارسية، وقد أخبر الله في كتابه عما قالته الأمم قبلنا من الأنبياء وأممهم، وهم إنما قالوه بألسنتهم، وقصه الله علينا باللسان العربي، وتلك المعاني هي هي لم يكن كونها حقًّا أو باطلًا أو إيمانًا أو كفرًا أو رشدًا أو غيًّا من جهة اختلاف الألسنة، بل لأن تلك المعاني هي في نفسها حقائق متنوعة مختلفة أعظم من اختلاف الألسنة واللغات بكثير كثير، وأين اختلاف المعاني من اختلاف الألفاظ؟ وإنما ذلك بمنزلة اختلاف
= وسنن ابن ماجة 2/ 1255، 1256 - كتاب الأدب- باب فضل العمل - الحديث / 3822.
والمسند -للإمام أحمد- 2/ 413.
(1)
ما بين المعقوفتين زيادة من: ط.
(2)
ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.
(3)
في س: ما ترجموا.
صور بني آدم وألسنتهم بالنسبة إلى اختلاف قلوبهم وعلومهم وقصودهم، ومن المعلوم أن اختلاف قلوبهم وعلمها وإرادتها أعظم بكثير من اختلاف صورهم وألوانهم ولغاتهم، حتى [قد] (1) ثبت في الحديث المتفق عليه في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر عن رجلين:"يا أبا ذر هذا خير من ملءِ (2) الأرض مثل هذا"(3) فجعل أحدهما. . . . . . . . . . . . . . . .
(1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.
(2)
في الأصل، س: ملاء. وهو خطأ. والمثبت من: ط، ومصادر تخريج الحديث.
(3)
رواه البخاري في صحيحه 6/ 122 كتاب النكاح- باب الأكفاء في الدين، عن سهل بن سعد الساعدي قال: رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما تقولون في هذا؟ " قالوا: حري إن خطب أن يُنْكح، وإن شَفَعَ أن يشفع، وإن قال أن يسمع، قال: ثم سكت. فمر رجل من فقراء المسلمين فقال: "ما تقولون في هذا؟ " قالوا: حري إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يُشفع، وإن قال أن لا يسمع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هذا خير من ملء. . . ".
وأخرجه البخاري -أيضًا- 7/ 178 كتاب الرقاق -باب فضل الفقر بلفظ قريب من هذا وفيه: أنه قال لرجل عنده جالس: "ما رأيك في هذا؟ ".
يقول ابن حجر: "ووقع في رواية جبير بن نفير عن أبي ذر عند أحمد وأبي يعلى وابن حبان بلفظ: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "انظر إلى أرفع رجل في المسجد في عينيك" قال: فنظر إلى رجل في حلة. . الحديث.
فعرف منه أن المسؤول هو أبو ذر، ويجمع بينه وبين حديث سهل أن الخطاب وقع لجماعة منهم أبو ذر، ووجه إليه فأجاب. ولذلك نسبه لنفسه.
انظر: فتح الباري -لابن حجر- 24/ 59.
ويغلب على الظن أن هذا الحديث لم يخرجه مسلم، لأن ابن حجر لم يذكر رواية مسلم، فضلًا عن تتبعي لصحيح مسلم وعدم وقوفي عليه.
وقد أخرجه ابن ماجة في سننه 2/ 1379، 1380، كتاب الزهد -باب فضل الفقراء- الحديث / 4120.
والإمام أحمد في مسنده 5/ 157 عن أبي ذر قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا أبا ذر انظر أرفع رجل في المسجد" قال: فنظرت فإذا رجل عليه حلة، قال: قلت: هذا، قال: قال لي: "انظر أوضع رجل في المسجد" قال:=
خيرًا (1) من ملء (2) الأرض من جنس الآخر، وذلك لاختلاف قلوبهم، وإلا فاختلاف الصور لا يبلغ قريبًا من ذلك، وهكذا كلام الله الذي أنزله على موسى وهو التوراة [والذي أنزله على عيسى وهو الإنجيل، والذي أنزله على داود وهو الزبور](3) والذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم وهو القرآن، لم يكن (4) مغايرة بعضه بعضًا لمجرد (5) اختلاف الألسنة، بحيث إذا ترجم كل واحد بلغة الآخر صار مثله أو صار هو إياه، كما قاله هؤلاء الملحدون في أسماء الله وآياته، بل مع الترجمة يكون لكل منهما (6) معان (7) ليست معاني (8) الآخر ولا مثلها، بل التفاوت الذي بين معاني هذه الكتب أعظم من التفاوت الذي بين ألفاظها، واللسان العبري قريب من اللسان العربي، ومع هذا فمعاني القرآن فوق معاني التوراة بأمر عظيم، ثم المسيح إنما كان لسانه عبريًّا، وإنما بعده ترجم الإنجيل بالسريانية، أفترى الإنجيل الذي أنزله الله عليه بالعبرية (9) هو التوراة التي (10) أنزلت على موسى؟!! بل يجب أن يعلم أصلان عظيمان:
أحدهما: أن القرآن له بهذا اللفظ والنظم العربي اختصاص
= فنظرت فإذا رجل عليه أخلاق قال: قلت هذا، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لهذا عند الله أخير يوم القيامة من ملء الأرض من مثل هذا".
(1)
في الأصل، س. خير. والمثبت من: ط.
(2)
في الأصل، س: ملا. والمثبت من: ط.
(3)
ما بين المعقوفتين ساقط من: س، ط.
(4)
في ط: تكن.
(5)
في س: كمجرد. وفي ط: بمجرد.
(6)
في س: منها.
(7)
في س، ط: هي معاني.
(8)
في جميع النسخ: معاني. وأثبت ما رأيته الصواب.
(9)
في س: العبرية.
(10)
في س، ط: الذي.
لا يمكن أن يماثله في ذلك شيء (1) أصلًا، أعني خاصة في اللفظ، وخاصة فيما دل عليه من المعنى، ولهذا لو فسر القرآن ولو ترجم، فالتفسير والترجمة قد يأتي بأصل المعنى أو يقربه، وأما الإتيان بلفظ يبين المعنى كبيان لفظ القرآن، فهذا غير ممكن أصلًا، ولهذا كان أئمة الدين على أنه لا يجوز أن يقرأ بغير العربية، لا مع القدرة عليها، ولا مع العجز عنها، لأن ذلك يخرجه عن أن يكون هو القرآن المنزل، ولكن يجوز ترجمته كما يجوز تفسيره، وإن لم تجز قراءته بألفاظ التفسير، وهي إليه أقرب من ألفاظ الترجمة بلغة أخرى.
الأصل الثاني: إنه إذا ترجم أو قرئ بالترجمة، فله معنى يختص به لا يماثله فيه كلام أصلًا، ومعناه أشد مباينة لسائر معاني الكلام من مباينة لفظه ونظمه لسائر اللفظ والنظم، والإعجاز في معناه أعظم بكثير من الإعجاز في لفظه، قوله تعالى:{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} (2)، يتناول ذلك كله، فكيف يقال: الكلام المقروء بالعبرية (3) والسريانية من التوراة والإنجيل والمترجم بالفارسية والتركية من ذلك الكلام (4) المقروء بالعربية الذي هو القرآن؟ مع أنا بالبديهة نعلم أنه ليس مثله لا في لفظ ولا معنى، فضلًا عن أن يكون هو إياه. وهل يقول من له أدنى (5) عقل أو دين يفهم ما يقول: إن هذه الكتب والكلام المنزل هي في (6) الدلالة على معناها كدلالة أسماء الله عليه؟ أم يعلم كل أحد أن أسماء الله مع تنوع
(1) شيء: ساقطة من: س.
(2)
سورة الإسراء، الآية:88.
(3)
في س، ط: العربية.
(4)
في ط: هو الكلام.
(5)
أدنى: ساقطة من: س، ط.
(6)
في: ساقطة من: س.
ما دلت عليه من الصفات والمسمى واحد؟ وأما الكلام فيكون معنى هذا الكلام ليس هو معنى الآخر، وينبغي أن يعلم أنه ليس مقصودنا عموم النفي، بل مقصودنا نفي العموم، فإنا (1) لا ننكر أن الكلامين قد يتفقان في المعنى، وقد ينزل الله -سبحانه- على نبي بلغته (2) المعنى الذي أنزله على الآخر، فيكون المعنى واحدًا واللفظ مختلفًا، هذا (3) كثير جدًّا، فإنا نحن لم ننكر أن معاني الألفاظ تتفق، لكن المنكر أن يقال: جميع معاني ألفاظ الكتب متفقة، وهي معنى واحد، وإن معنى ما أنزل على هذا النبي هو بعينه ذلك المعنى، وأن جميع ألفاظ القرآن معناها واحد، ومعنى آية (4) الدين، ومعنى آية الكرسي، وإذ معنى {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} معنى {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} ومعنى المعوذتين، وهذا لو عرض على من له أدنى تمييز من الصبيان لعلم ببديهة عقله أنه من أعظم الباطل، فتدبر كيف ضلوا في زعمهم أن معاني (5) أسماء الله معنى واحد (6)، لاتحاد المسمى، ثم ضلوا أعظم ضلالة (7) في أن كلام الله الذي أنزله معناه (8).
واحد (9)، وإنما اختلف (10) أسماؤه لاختلاف الألسنة، وشبهوه بالأسماء، فلو كان الكلام معنى واحدًا وله صفات متعددة، لكانوا قد
(1) في الأصل، س: فإنه. والمثبت من: ط. للتناسب مع ضمير المتكلمين السابق.
(2)
في س، ط: بلغة.
(3)
في ط: وهذا.
(4)
في ط: سورة.
(5)
في س، ط: معنى.
(6)
في الأصل، س: واحدًا. وأثبت الصواب منم: ط.
(7)
في س، ط: ضلال.
(8)
في الأصل، س: فإن معناه. والكلام يستقيم بدون "فإن".
(9)
في س: واحدًا.
(10)
في س، ط: تختلف.
ضلوا من وجه، ولكن معنى {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ليس [هو](1) معنى {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} بوجه من الوجوه، فلا يصح أن يقال: ذلك مثل "الرحمن الرحيم""السميع العليم" إذ المدلول هنا واحد في نفسه وله صفات، والمدلول هناك (2) في إحدى السورتين ليس هو المدلول في السورة الأخرى بوجه من الوجوه.
وأما تشبيههم ذلك بكون الله معبودًا بعبادات متنوعة، فهو أوضح من أن يحتاج إلى الفرق، فلهذا لم تحتج إلى الكلام عليه، إذ تشبيه ذلك بأسماء الله تعالى أقوى اشتباهًا، فقد (3) ظهر (4) ما فيه، فكيف بتشبيه كتب الله المنزلة بالنسبة إلى ما ادعوه من المعنى الواحد، بعبادات (5) العابدين بالنسبة إلى الله تعالى.
وبهذا يتبين لك [أن](6) من قال منهم: إن القرآن محفوظ بالقلوب حقيقة، مقروء بالألسنة حقيقة، مكتوب في المصاحف حقيقة، كما أن الله معلوم بالقلوب، مذكور بالألسنة، مكتوب في المصاحف حقيقة، فهو يقصد هذا التلبيس من جعل الكتب المنزلة وسائر كلام الله بالنسبة إلى ما ادعوه من ذلك المعنى النفساني، كسائر أسماء الله بالنسبة إلى نفسه، وقد تبين لك أن هذا من أفسد القياس، فالحمد لله الذي عافانا (7) مما ابتلى به كثيرًا (8) من عباده، وفضلنا على كثير ممن خلق
(1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.
(2)
في س، ط: هنا.
(3)
في س، ط: وقد.
(4)
في الأصل: صح. وأثبت ما رأيته مناسبًا من: س، ط.
(5)
في س، ط: بعبادة.
(6)
ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.
(7)
في س: عافاه.
(8)
في الأصل: كثير. وهو خطأ. والمثبت من: س، ط.
تفضيلًا. وبهذا وأمثاله تعرف (1) أن القائلين بخلق القرآن، وإن كانوا أخبث قولًا من هؤلاء من جهات مثل: نفيهم أن يقوم بالله كلام، فهؤلاء أخبث منهم من جهات أخر، مثل: منعهم أن يكون كلام الله ما هو كلامه، وجعلهم كلام الله شيئًا لا حقيقة له، وغير ذلك.
الوجه الرابع والستون:
إنها لم يذكروا في الجواب -عما أخبر الله به عن نفسه من أن له كلمات- ما له حقيقة، فإنهم يقولون: ليس لله كلام إلّا معنى واحدًا لا يجوز عليه التعدد، والله -سبحانه- قد أخبر بأن (2) له كلمات، وإن البحار لو كانت مدادها، والأشجار أقلامها لما نفذت تلك الكلمات، وهذا صريح بأن لها من التعداد ما لا يأتي عليه إحصاء العباد، فكيف يقال: ليس له كلمات فصاعدًا؟
وأما قولهم: التكثير للتفخيم، كقوله:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ} (3).
فيقال لهم: هذا إنما يستعمل في المواضع التي تصرح بأن المعنى بذلك اللفظ هو واحد، والله -سبحانه- قد بين في غير موضع أنه واحد، فإذا قال:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ} (4)، {إِنَّا فَتَحْنَا} (5) وقد علم المخاطبون أنه واحد، علم أن ذلك لم يقتض أن ثم آلهة متعددة، لكن قال بعض الناس: صيغة الجمع في [مثل](6) هذا دلت على كثرة معاني أسمائه وهذا مناسب وأما الكلام فلم يذكر الله قط، ولا قال أحد من المسلمين
(1) في س، ط: تعلم.
(2)
في س، ط: إن.
(3)
سورة الحجر، الآية:9.
(4)
سورة الحجر، الآية:9.
(5)
سورة الفتح، الآية:1.
(6)
ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.
قبل ابن كلاب: إن كلام الله ليس إلا معنى واحدًا (1)، ولا خطر هذا بقلب أحد، فكيف يقال: إنه أراد بصغية الجمع [الواحد](2) ولهذا لا يكاد يوجد [هذا](3) في صيغة المتكلم في حق الله، أو صيغة المخاطبة له، كما قد قيل في قوله:{رَبِّ ارْجِعُونِ} (4).
وأما تمثيلهم ذلك بقوله: {إِنَّ إِبْرَهِيمَ كان أُمَّةً} (5) أي: مثل أمة، فليس كذلك، بل الأمة (6) كما فسره عبد الله بن مسعود وغيره (7)، هو معلم الخير، وهو القدوة الذي يؤتم به أي: يقتدى به، فأمة من الائتمام كقدوة من الاقتداء، وليس هو مستعارًا من الأمة الذين هم جيل.
وكذلك قولهم (8): {وَنَضَعُ المَوازَيِنَ اَلْقِسْط} (9) وإنما هو ميزان واحد، ليس كذلك بل الجمع مراد من هذا اللفظ، إما لتعدد الآلات التي
(1) في الأصل: واحد. والمثبت من: س، ط.
(2)
ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.
(3)
ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.
(4)
سورة المؤمنون، الآية:99.
(5)
سورة النحل، الآية:120.
(6)
في الأصل: الأمر. والمثبت من: س، ط.
(7)
أخرج ابن جرير الطبري تفسير ابن مسعود لهذه الآية من غير وجه.
راجع: جامع البيان -تفسير ابن جرير- 14/ 191، 192.
وذكر ابن الجوزي في "زاد المسير" 4/ 503: "أن للمفسرين في المراد بالأمة ثلاثة أقوال:
إحداها: أن الأمة: الذي يعلم الخير. قاله ابن مسعود، والفراء وابن قتيبة.
والثاني: أنه المؤمن وحده في زمانه، روى هذا المعنى الضحاك عن ابن عباس وبه قال مجاهد.
والثالث: أنه الإمام الذي يقتدى به. قاله قتادة، ومقاتل، وأبو عبيدة وهو في معنى القول الأول".
(8)
في ط: قوله.
(9)
سورة الأنبياء، الآية:47.
توزن بها، أو لتعدد الأوزان، وأما ما ذكروه من كثرته لكثرة المعاني التي دلت عليها العبارات عنه فهذا حق، لكن إذا كانت العبارات دلت على معان كثيرة، علم أن معاني العبارات لكلام (1) الله كثيرة، ليس هو معنى واحدًا (2) وهو المطلوب.
الوجه الخامس والستون:
إن القرآن صرح بإرادة العدد من لفظ الكلمات، وبإرادة (3) الواحد من لفظ كلمة، كما في قوله:{وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى} (4)، وقال:{قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} (5)، وقال:{وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} (6).
فبين أنها إذا كتبت بمياه البحار، وأقلام الأشجار ما تنفذ، والنفاذ: الفراغ، فعلم أنه يكتب بعضها ويبقى منها ما لم يكتب، وهذا صريح في أنها من الكثرة إلى أن يكتب منها ما يكتب ويبقى ما يبقى، فكيف يكون إنما أراد بلفظ الكلمات كلمة واحدة؟ لا سيما ولفظ الشجر
(1) في الأصل، س: كلام. وأثبت ما رأيت أنه يستقيم به الكلام من: ط.
(2)
في الأصل: واحد. والمثبت من: س، ط.
(3)
في الأصل: بأداة. ولا معنى لها. والمثبت من: س، ط.
(4)
سورة طه، الآية:129.
في س، ط:{لكان لزامًا وأجل مسمى} ساقطة.
في الأصل: وقوله: {ولولا كلمة سبقت من ربك} مكررة بعد {وأجل مسمى} .
(5)
سورة الكهف، الآية:109.
ولم يرد قوله تعالى: {لنفذ البحر قبل أن تنفذ كلمات ربي} في: الأصل، وهو سهو من الناسخ.
(6)
سورة لقمان، الآية:27.
يعم كل ما قام على ساق صلب أو غير صلب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم[في الضالة] (1):"ترد الماء وترعى الشجر حتى يلقاها ربها"(2).
الوجه السادس والستون:
إنه قد ثبت [في صحيح مسلم](3) من حديث ابن أبي عروبة، وأبان العطار، عن قتادة، عن معدان بن أبي طلحة، عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إن الله جزأ القرأن ثلاثة أجزاء، فجعل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} جزءًا من أجزاء القرآن"(4).
(1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.
(2)
الحديث في صحيح البخاري 3/ 93، كتاب اللقطة -باب إذا لم يوجد صاحب اللقطة بعد سنة فهي لمن وجدها- عدا كلمة "ترعى" فقد وردت فيه "وتأكل الشجر. . "، وأوله:
عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن اللقطة فقال: "اعرف عفاصها ووكاءها، ثم عرفها سنة، فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها" قال: فضالة الغنم؟ قال: "هي لك أو لأخيك أو للذئب" قال: فضالة الإبل؟ قال: "ما لك ولها؟ معها سقاؤها وحذاؤها، ترد الماء. . ".
وانظره بألفاظ مختلفة في:
صحيح مسلم 3/ 1346 - 1348 - كتاب اللقطة- الحديث / 1722. سنن الترمذي 3/ 655، 656 كتاب الأحكام- باب ما جاء في اللقطة وضالة الإبل والغنم- الحديث / 1372. وسنن أبي داود 2/ 331، 332 - كتاب اللقطة - باب: التعريف باللقطة، الحديثين 1704، 1705. وسنن ابن ماجة 2/ 836 - كتاب اللقطة- باب ضالة الإبل والبقر والغنم- الحديث / 2504. ومسند الإمام أحمد- 4/ 115، 116، 117.
(3)
ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.
(4)
الحديث في صحيح مسلم 1/ 556 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها- باب فضل قراءة {قل هو الله أحد} - الحديث / 811. وسنن الدارمي 2/ 330 - كتاب =
فهذه التجزئة إما أن تعود إلى لفظ القرآن، وإما أن تعود إلى معناه، والأول باطل، لأن حروف {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ليس بقدر حروف ثلث القرآن، بل هي أقل من عشر العشر بكثير، فعلم أنه أراد بالتجزئة المعنى، وذلك (1) يقتضي أن معنى حروف القرآن متجزئة، وهم قد قالوا: إن كلام الله واحد لا يتجزأ ولا يتبعض ولا يتغاير ولا يختلف، ولو قيل: إن التجزئة للحروف لكن لا يشترط فيها تماثل قدر الحروف، بل يكون بالنظر إلى المعنى، لكان ذلك حجة -أيضًا- فإنه إذا كان التجزئة باعتبار المعنى، علم أن المعنى الذي دل عليه هذه الحروف ليس هو معاني بقية القرآن.
وروى الترمذي وغيره عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن امرأة أبي أيوب، عن أبي أيوب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. "أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن؟ من قرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ} فقد قرأ ثلث القرآن"(2) قال الترمذي هذا [حديث حسن.
فقد أخبرنا أنها ثلث القرآن.
فإن قيل: الحديث] (3) المتقدم قد رواه مسلم -أيضًا- بلفظ آخر
= فضائل القرآن- باب في فضل {قل هو الله أحد} الحديث / 3434. ومسند الإمام أحمد- 6/ 443، 447.
(1)
في الأصل: وكذلك. ولا معنى لها. والمثبت من: س، ط.
(2)
أخرجه الترمذي في سننه 5/ 167 كتاب فضائل القرآن -باب ما جاء في سورة الإخلاص- الحديث / 2896، وقد جاء فيه:(من قرأ: الله الواحد الصمد. . .).
وانظره مع اختلاف في الألفاظ في: سنن النسائي 2/ 133 - كتاب الافتتاح- الفضل في قراءة {قل هو الله أحد} . وسنن الدارمي 2/ 331 - كتاب فضل القرآن- باب في فضل {قل هو الله أحد} الحديث / 3440.
(3)
ما بين المعقوفتين ساقط من: س.
أنه قال: "أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة [ثلث] (1) القرآن؟ " قالوا: وكيف يقرأ (2) ثلث القرآن؟ قال: {قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدُ} تعدل ثلث القرآن" (3)، فقوله: تعدل ثلث القرآن يبين أنها في نفسها ليست ثلثه، ولكنها تعدل ثلثه، أي في الثواب.
قلنا: لا منافاة بين اللفظين (4)، فإنها ثلثه باعتبار المعنى، وهي تعدل ثلثه باعتبار الحروف، أو هي بلفظها ومعناها ثلثه فتعدل ثلثه، لأن ذلك اللفظ صريح في معناه، وحيث قال:"جزأ القرآن ثلاثة أجزاء فجعل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} جزءًا"(5) من تلك الأجزاء، فأخبر أن القرآن تجزأ ثلاثة أجزاء وإنما هي جزء من تلك الأجزاء، وهذا لا يصلح أن يراد به مجرد الثواب دون السورة، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين اللفظين، كما في الحديث الذي رواه أبو حازم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله [صلى الله](6) عليه وسلم: "احشدوا (7) فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن" فحشد من حشد، ثم خرج نبي الله [صلى الله](8) عليه وسلم
(1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، وصحيح مسلم.
(2)
في جميع النسخ: تقرأ. والمثبت من: صحيح مسلم.
(3)
تقدم تخريج هذا الحديث ص: 124.
(4)
في س: اللفظتين.
(5)
تقدم تخريجه قريبًا.
(6)
ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، ومصادر تخريج الحديث.
(7)
في س: احشروا. وهو خطأ.
ومعنى: احشدوا: اجتمعوا واستحضروا الناس. والحشد: الجماعة، واحتشد القوم لفلان: تجمعوا له وتأهبوا.
انظر: النهاية -لابن الأثير- 1/ 388.
(8)
ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، ومصادر تخريج الحديث.
فقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ثم دخل، فقال بعضنا لبعض: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ([سأقرأ عليكم ثلث القرآن] (1)، وإني لأرى هذا خبرًا جاءه من السماء"، ثم خرج نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إني قلت: سأقرأ عليكم ثلث القرآن، ألا وإنها تعدل ثلث القرآن" (2).
قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
والذي يبين أن قوله: "تعدل" يدخل فيه حروفها، ما رواه البخاري في صحيحه، عن أبي سعيد الخدري، عن قتادة بن النعمان، أن رجلًا أقام في زمن النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ من السحر {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} لا يزيد عليها، فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فكأن الرجل يتقالها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن"(3)، وهذا -أيضًا- من حديث أبي سعيد، رواه (4) البخاري من حديث أبي سعيد نفسه، وكذلك رواه أبو داود (5) والنسائي (6).
(1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، وسنن الترمذي.
(2)
الحديث بهذا اللفظ في:
سنن الترمذي 5/ 168، 169 - كتاب فضائل القرآن- باب ما جاء في سورة الإخلاص- الحديث / 2900.
وأخرجه مع اختلاف في الألفاظ:
مسلم في صحيحه 1/ 557 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها- باب فضل قراءة {قل هو الله أحد} - الحديث / 812. والإمام أحمد في مسنده- 2/ 429.
(3)
صحيح البخاري 6/ 105 - كتاب فضائل القرآن- باب فضل {قل هو الله أحد} .
(4)
في الأصل: ورواه. والمثبت من: س، ط.
(5)
سنن أبي داود 2/ 152 - كتاب الصلاة- باب في سورة الصمد الحديث / 1461.
(6)
سنن النسائي - 2/ 133 - كتاب الافتتاح- الفضل في قراءة {قل هو الله أحد} .
الوجه السابع والستون:
أنه قد احتج بعض متأخريهم (1) على إمكان أن يكون كلامه واحدًا بما ذكره -الملقب عندهم بالإمام- فخر الدين أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي فقال: "لما كان الباري -سبحانه- عالمًا بالعلم الواحد لجملة المعلومات الغير متناهية، فلم لا يجوز أن يكون مخبرًا بالخبر الواحد عن المخبرات الغير المتناهية، ولنضرب لذلك مثلًا (2) لهذا الكلام، وهو أن رجلًا إذا قال لأحد غلمانه: إذا قلت: اضرب فاضرب فلانًا، ويقول للثاني (3): إذا قلت: اضرب فلانًا (4) فلا تتكلم مع فلان، ويقول للثالث: إذا قلت: اضرب فلانًا (5) فاستخبر عن فلان، ويقول للرابع: إذا قلت: اضرب فأخبرني عن الأمر الفلاني، ثم إذا حضر الغلمان بين يديه ثم يقول لهم: اضرب، فهذا الكلام الواحد في حق أحدهم أمر، وفي حق الثاني نهي، وفي [حق] (6) الثالث خبر، وفي حق الرابع استخبار، وإذا كان اللفظ الواحد بالنسبة إلى أربعة أشخاص أمرًا ونهيًا وخبرًا واستخبارًا فأي استبعاد في أن يكون كلام الحق -سبحانه- كذلك؟ فثبت أنه سبحانه متكلم بكلام واحد".
فيقال لهؤلاء: هذه الحجة بعينها التي اعتمدها إمام أتباعه أبو عبد الله الرازي، هو -أيضًا- قد رجع عن ذلك في أجل كتبه عنده، وبين
(1) كأبي عبد الله محمد بن أحمد القرطبي (ت: 671) في كتابه الأسنى شرح أسماء الله الحسنى وصفاته العلى -مخطوط- اللوحة: 243.
(2)
في س، ط: مثالًا.
(3)
في الأصل: الثاني. والمثبت من: س، ط، والأسنى.
(4)
فلانًا: ساقطة من: س، ط.
(5)
فلانًا: ساقطة من: س، ط.
(6)
ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.
فسادها، فقال في نهاية العقول (1): من جهة أصحابه: "لا نسلم أن الشيء يستحيل (2) أن يكون خبرًا وطلبًا، وبيانه (3) أن إنسانًا لو قال لبعض عبيدة: متى قلت لك: افعل، فاعلم أني أطلب منك الفعل، وقال للآخر: متى قلت لك هذه الصغية، فاعلم أني أطلب منك الترك، وقال للآخر: متى قلت لك هذه الصيغة، فاعلم أني أخبر عن كون العالم حادثًا (4)، فإذا حضروا بأسرهم وخاطبهم دفعة واحدة بهذه الصيغة، كانت (5) تلك الصيغة الواحدة أمرًا ونهيًا خبرًا معًا (6)، فإذا عقل ذلك في الشاهد، فليعقل (7) مثله في الغائب.
ثم قال (8): "وهذا ضعيف (9)، لأن قوله: "افعل" ليس في نفسه طلبًا ولا خبرًا، بل هو (10) صيغة موضوعة لإفادة معنى الطلب ومعنى الخبر، ولا استحالة في جعل الشيء الواحد دليلًا على حقائق مختلفة، إنما الاستحالة في أن يكون الشيء حقائق مختلفة، وكلامنا إنما هو في نفس حقيقة الخبر وحقيقة الطلب (11)، واستقصاء القول في ذلك مذكور في باب الأمر من كتاب المحصول في علم الأصول".
(1) نهاية العقول في دراية الأصول -للرازي- مخطوط- اللوحة: 157.
(2)
في نهاية العقول: الواحد يستحيل.
(3)
في نهاية العقول: بيانه. بدون واو.
(4)
في نهاية العقول: محدثًا.
(5)
في س، ط: كان.
(6)
في الأصل: معانا. والمثبت من: س، ط، ونهاية العقول.
(7)
في س: فليقل. وهو تصحيف.
(8)
أي: الرازي في المصدر السابق.
(9)
في نهاية العقول: وأما الثاني فضعيف.
(10)
في الأصل: هي. والمثبت من: س، ط، ونهاية العقول.
(11)
في نهاية العقول: حقيقة الطلب وحقيقة الخبر.