الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ف
أهل الحق، هم أهل الكتاب والسنة
، وأهل الكتاب والسنة -على الإطلاق- هم المؤمنون، فليس الحق لازمًا لشخص بعينه، دائرًا معه حيثما دار لا يفارقه قط، إلّا الرسول صلى الله عليه وسلم إذ لا معصوم من الإقرار على الباطل غيره، وهو حجة الله التي أقامها على عباده، وأوجب اتباعه وطاعته في كل شيء على كل أحد.
وليس الحق -أيضًا- لازمًا لطائفة دون غيرها إلّا للمؤمنين، فإن الحق يلزمهم، إذ لا يجتمعون على ضلالة، وما سوى ذلك [فقد يكون](1) الحق فيه مع الشخص أو الطائفة في أمر دون أمر، وقد يكون المختلفان كلاهما على باطل، وقد يكون الحق مع كل منهما من وجه دون وجه، فليس لأحد أن يسمي طائفة منسوبة إلى أتباع شخص -كائنًا من كان- غير رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم أهل الحق، إذ ذلك يقتضي أن كل ما هم عليه فهو حق، وكل من خالفهم في شيء من سائر المؤمنين فهو مبطل، وذلك لا يكون إلّا إذا كان متبوعهم كذلك، وهذا معلوم البطلان بالاضطرار من دين الإسلام، ولو جاز ذلك لكان إجماع هؤلاء حجة، إذا ثبت أنهم هم أهل الحق.
ثم هو يذكر أئمته الذين جعلهم أهل الحق، ثم يخالفهم ويخطئهم، كما صنع في مسألة الصفات الخبرية وغيرها، مع أنهم فيها أقرب إلى الحق منهم، فكيف يسوغ لهم أن يخالفوا من شهد لهم بأنهم أهل الحق، فيما اختلف فيه الناس من أصول الدين، وله في ذلك شبه
= - الحديث / 3646. وانظره في سنن الدارمي 1/ 103 - المقدمة- باب من رخص في كتابه العلم- الحديث / 490. ومسند الإمام أحمد- شرح أحمد محمد شاكر- 10/ 15، 16 - الحديث / 6510، 11/ 56 الحديث / 6802.
قال أحمد شاكر في المصدر السابق: إسناده صحيح.
(1)
ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.
قوي ببعض أئمة الرافضة، الذين كانوا بالشام، يقال له: ابن العود (1)، رأيت له (2) فتاوى يدعي فيها في [غير](3) موضع أن الطائفة المحقة هم أتباع المعصوم المنتظر، ويحتج بإجماع الطائفة المحقة، بناء على أن قولهم مأخوذ من (4) المعصوم، الذي لا يعرفه أحد، ولم يسمع له بخبر، ولا وقع له على عين ولا أثر، حتى إنه قال: إذا تنازعوا في مسألة على قولين: أحدهما يعرف قائله، دون الآخر، فالقول الذي لا يعرف قائله هو الحق، لأن في أهله الإمام المعصوم، ثم رأيته يخالف أصحابه ويرد عليهم في مواضع، فأين مخالفتهم والرد عليهم، من دعوى أنهم الطائفة المحقة الذين لا يتفقون على باطل؟ وكذلك دعوى كثير من أهل الأهواء والضلال، أنهم المحقون، أو أنهم أهل الله، أو أهل التحقيق، أو أولياء الله، حتى تقفوا (5) هذه (6) المعاني عليهم دون غيرهم، ويكونون (7) في الحقيقة إلى أعداء الله أقرب، وإلى الإبطال أقرب منهم إلى التحقيق بكثير، فهؤلاء لهم شبه قوي بما ذكره الله عن اليهود والنصارى من قوله: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ
(1) علق على ذلك ناشر الكتاب بقوله: "وفي نسخة ابن العوام".
وهو: أبو القاسم الحسين بن العود، نجيب الدين الأسدي الحلي، شيخ الشيعة وأحد أئمتهم. ولد سنة 581 هـ. وتوفي سنة 678 هـ.
انظر: البداية والنهاية -لابن كثير- 13/ 272.
(2)
في الأصل: فيها. والمثبت من: س، ط. لعله المناسب للسياق.
(3)
ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.
(4)
في س، ط: عن.
(5)
في ط: توقف.
(6)
في الأصل: على هذه. والكلام يستقيم بالمثبت من: س، ط.
(7)
في الأصل: يكون. ولعل المثبت من: س، ط. هو المناسب لسياق الكلام.
وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112) وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} (1) وقوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} (2).
الثاني: إنه ذكر عنهم أنهم اتبعوا السمع والشرع، وهو قد ذكر في أصولهم التي بها صاروا أهل الحق عندهم، أنه لم يثبت لله صفة بالسمع، بل إنما تثبت (3) صفاته بالعقل المجرد، وأن الذين أثبتوا ما جاء في القرآن، منهم من أثبته بالعقل، ومنهم من أثبته بالسمع، ورد هو على الطائفتين، فأي اتباع للسمع والشرع إذا لم يثبت به شيء من صفات الله بالشرع؟ بل وجوده كعدمه فيما أثبتوه ونفوه من الصفات، فأئمتهم كانوا يثبتون الصفات بالسمع وبالعقل، أو بالسمع ويجعلون العقل مؤكدًا، فخالفهم (4) في ذلك، فأين اتباعهم للسمع والشرع، وقد عزلوه عن الحكم به، والاحتجاج به، والاستدلال به؟
الثالث: قوله: "يشتد نكيرهم على من ينتسب إلى إنكار مأثور الأخبار والمستفيض من الآثار".
فيقال له: إذا لم يستفد منها ثبوت معناها، فأي إنكار لها أبلغ من ذلك؟ وأنت قد ذكرت إعراضهم عنها، وقلت فيها من الفرية ما سنذكر
(1) سورة البقرة، الآيات: 111 - 113.
(2)
سورة المائدة، الآية:18.
(3)
في س ثبتت.
(4)
في س، ط: في الفهم. وهو تصحيف.
بعضه، فهل الإنكار لمأثور الأخبار ومستفيضها إلا من جنس ما ذكرته في هذا الكلام؟
الرابع: ما ذكره أنهم يثبتون ما يثبتونه من أمر الآخرة.
فيقال لهم: هذا يثبتونه على وجه الجملة إثباتًا يشركهم فيه آحاد العوام، ولا يعلمون من تفصيل ذلك ما يجاب به أدنى السائلين، وليس في كتبهم ما في ذلك من الأحاديث التي وصف بها النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، ولهذا تجدهم بذلك من أقل الناس علمًا بها، أو تجدهم مرتابين فيها أو مكذبين، فأي تعظيم بمثل هذا؟ وأي مزية بمثل (1) هذا (2) على أوساط العوام أو أدناهم؟ بل كثير من عوام المؤمنين يؤمن من تفاصيل (3) هذه الأمور، يعلم (4) منها ما (5) أخبر به الشارع ما ليس مذكورًا في أصول هؤلاء، وإنما الفضيلة على عموم المؤمنين، بأن يكون الإنسان أو الطائفة من أهل العلم، الذي لا يوجد عند عموم (6) المؤمنين، وليس فيما ذكره من هذه الأصول ذلك.
الخامس: لحجة (7) أنهم نفوا التحسين والتقبيح العقلي، وجعلوا أحكام الأفعال لا تتلقى إلّا من الشرع (8)[فإنه بين ذلك تعظيمهم للشرع](9) واتباعهم له، وأنهم لا يعدلون عنه ليثبت بذلك تسننهم،
(1) بمثل: ساقطة من: س، ط.
(2)
في س، ط: بهذا.
(3)
في ط: يؤمن بتفاصيل.
(4)
في الأصل: يؤمن. والمثبت من: س، ط. ولعله المناسب للكلام.
(5)
في ط: مما.
(6)
في س: هموم.
(7)
في الأصل: بحجة. وفي ط: الحجة. والمثبت من: س. ولعله المناسب لسياق الكلام الذي بدأ بقوله: "أمور عظيمة أحدها. . " ص: 902.
(8)
قوله: "الأفعال لا تتلقى إلا من الشرع" كرر في: س.
(9)
ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. وقد كرر في: س.
وهذا الأصل هو من الأصول (1) المبتدعة في الإسلام، لم يقل أحد من سلف الأمة وأئمتها أن العقل لا يحسن ولا يقبح، أو أنه لا يعلم بالعقل حسن فعل ولا قبحه، بل النزاع في ذلك [حادث في حدوث المائة الثالثة، ثم النزاع في ذلك](2) بين فقهاء الأمة وأهل الحديث والكلام منها (3)، فما من طائفة إلّا وهي متنازعة في ذلك، ولعل أكثر الأمة تخالف في ذلك، وقد كتبنا في غير هذا الموضع فصل النزاع في هذه المسألة (4)، وبينا ما مع هؤلاء فيها من الحق، وما مع هؤلاء فيها من الحق.
ثم يقال: ولو كانت هذه المسألة حقًّا على الإطلاق، فليس لك (5) ولا لأصحابك فيها حجة نافية، بل عمدتك (6) وعمدة. . . . . . . . . . .
(1) في الأصل: أصول. والمثبت من: س، ط. ولعله المناسب للسياق.
(2)
ما بين المعقوفتين ساقط من: س.
(3)
مسألة تحسين العقل وتقبيحه فيها نزاع مشهور.
فالمعتزلة ومن وافقهم من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وأهل الحديث وغيرهم، يثبتون التحسين والتقبيح العقلي.
والأشعرية ومن وافقهم من أصحاب مالك والثمافعي وأحمد وغيرهم ينفون.
واتفق الفريقان على أن الحسن والقبح، إذا فسرا بكون الفعل نافعًا للفاعل ملائمًا له، وكونه ضارًّا للفاعل منافرًا له أنه يمكن معرفته بالعقل، كما يعرف بالشرع.
انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية- 8/ 90. ونهاية الإقدام -للشهرستاني- ص: 370 - 396.
(4)
انظر فصل النزاع في هذه المسألة في: مجموع فتاوى ابن تيمية- 8/ 428 - 436.
(5)
لك: ساقطة من: س.
(6)
انظر ما اعتمد عليه الجويني في "الإرشاد" ص: 258 - 267: في أن العقل لا يدل على حسن شيء ولا قبحه في حكم التكليف، وإنما يتلقى التحسين والتقبيح من موارد الشرع، وموجب السمع.
القاضي (1) ونحوكما على مطالبة الخصم بالحجة، والقدح فيما يبديه (2)، والقدح في دليل المنازع إن صح، لا يوجب العلم بانتفاء قوله، إن لم يقم على النفي دليل.
وعمدة إمام المتأخرين ابن الخطيب (3) الاستدلال على ذلك بالجبر، وهو من أفسد الحجج، فإن الجبر سواء كان حقًّا أو باطلًا، كما لا يبطل الحكم الشرعي لا ينفي ثبوت أحكام معلومة بالعقل، كما لا ينفي الأحكام التي يثبتها الشارع.
وعمدة الآمدي (4) بعده أن الحسن والقبح عرض، والعرض لا يقوم بالعرض.
وهذا من المغاليط التي لا يستدل بها إلّا جاهل أو مخالط، فإنه يقال في ذلك ما يقال في سائر صفات الأعراض، وغايته أن يكون كلاهما قائمًا بمحل العرض، ونفي الحكم المعلوم بالعقل، مما عده من بدع الأشعري التي أحدثها في الإسلام، علماء أهل الحديث والفقه والسنة، كأبي نصر السجزي، وأبي القاسم سعد بن علي الزنجاني (5)
(1) رأي القاضي ابن الباقلاني في مسألة التحسين والتقبيح العقلي، وما اعتمد عليه من منع أن يكون في العقل بمجرده طريق إلى العلم بقبح فعل أو حسنه، يمكن الاطلاع عليه في:"التمهيد" ص: 105، 341 - 344.
(2)
في س: بيده.
(3)
أبو عبد الله الرازي.
وانظر عمدته في هذه المسألة والاستدلال على ذلك بالجبر في "المحصل" ص: 202، 203: فهو يرى أنه لا يقبح من العبد شيء، لأن ما يصدر عنه على سبيل الاضطرار وبالاتفاق لا يقبح من المضطر شيء.
(4)
انظر حجة الآمدي على أن الحسن والقبح ليس وصفًا ذاتيًّا بل هو أمر إضافي يمكن أن يتغير ويتبدل بالنسبة للأشخاص والأزمان في "أبكار الأفكار" -مخطوط- اللوحة 87.
(5)
هو: أبو القاسم سعد بن علي بن محمد بن حسين الزنجاني، الحافظ الزاهد، =