المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بحيث يراه (1) العبد أو يصل إليه أو يدنو منه - التسعينية - جـ ٣

[ابن تيمية]

الفصل: بحيث يراه (1) العبد أو يصل إليه أو يدنو منه

بحيث يراه (1) العبد أو يصل إليه أو يدنو منه أو يقرب (2) إليه في الحقيقة، فهذا (3) ونحوه هو المراد عندهم بكونه (4) لا ينقسم (5)، ويسمون ذلك نفي التجسيم إذ كل ما (6) ثبت له ذلك كان جسمًا منقسمًا مركبًا، والباري فإنه (7) منزه عندهم من (8) هذه المعاني.

و‌

‌المعنى الثاني:

من معاني الواحد عندهم هو الذي لا شبيه له، وهذه الكلمة أقرب إلى الإسلام، لكن أجملوها فجعلوا نفي الصفات أو بعضها داخلًا في نفي التشبيه، واضطربوا في ذلك على درجات لا تنضبط، والمعتزلة تزعم أن نفي العلم والقدرة وغير ذلك من التوحيد ونفي (9) التشبيه والتجسيم (10)، والصفاتية تقول: ليس ذلك من التوحيد ونفي التجسيم والتشبيه، ثم هؤلاء مضطربون فيما ينفونه من ذلك، لكن أولئك على أن ما نفوه من [التشبيه وما نفوه من](11) المعنى الذي سموه تجسيمًا هو التوحيد الذي لا يتم الدين إلا به، وهو أصل الدين عندهم.

(1) في س، ط: يلقاه.

(2)

في الأصل الكلمة غير واضحة بسبب التمزق، وظهور جزء من كلمة في الورقة التالية. والمثبت من: س، ط.

(3)

في الأصل، س: في هذا والمثبت من: ط.

(4)

في الأصل: يكون. والمثبت من: س، ط.

(5)

الكلمة غير واضحة بالأصل بسبب التمزق واختلاط جزء من هذه الكلمة مع جزء من كلمة أخرى في الورقة التالية. والمثبت من: س، ط.

(6)

في الأصل، س: كلما. والمثبت من: ط.

(7)

في س: فإنه. وهي ساقطة من: ط.

(8)

في س، ط: عن.

(9)

في الأصل: فنفى. والمثبت من: س، ط، ولعله المناسب.

(10)

في س، ط: التجسيم والتشبيه.

(11)

ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.

ص: 781

وكل من سمع (1) ما جاءت به الرسل يعلم بالاضطرار أن هذه الأمور ليست مما بعث الله به رسوله، ولم يكن الرسول يعلم أمته هذه، الأمور، ولا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها، فكيف يكون هذا التوحيد الذي هو أصل الدين لم يدع إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعون؟ بل يعلم بالاضطرار أن الذي جاء به الرسول من الكتاب والسنة يخالف هذا المعنى الذي سماه هؤلاء الجهمية توحيدًا.

ولهذا ما زال سلف الأمة وأئمتها ينكرون ذلك، كما روى الشيخ أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي، في ذم الكلام (2) قال: "سمعت عبد الرحمن بن جابر السلمي قال: سمعت محمد بن عقيل بن الأزهر الفقيه يقول: جاء رجل إلى المزني فسأله عن شيء من الكلام، فقال: إني أكره هذا، بل أنهى عنه كما نهى عنه الشافعي، ولقد (3) سمعت الشافعي يقول: سئل مالك عن الكلام في التوحيد. قال (4)

(1) في س: يسمع.

(2)

أي: ما صنفه في ذم الكلام. بيان تلبيس الجهمية -لابن تيمية 1/ 486. ولم أقف على كتاب لأبي عبد الرحمن السلمي الأزدي المتوفى سنة 412 هـ، بهذا الاسم، ولعله كتاب "الرد على أهل الكلام" الذي ذكره فؤاد سزكين ضمن آثار أبي عبد الرحمن، وأشار إلى أن عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن الرازي المقري، المتوفى سنة 454 هـ اختصره.

راجع: تاريخ التراث العربي -العقائد والتصوف- 1/ 4 / 184.

وقد أورد هذا النقل أبو إسماعيل الهروي في كتابه ذم الكلام -مخطوط- تحت رقم 1128 - الظاهرية بدمشق- الجزء السادس- الطبقة السادسة- اللوحة: 16 فقال:

"أخبرني طيب بن أحمد، أنبأنا محمد بن الحسين، سمعت عبد الرحمن بن محمد بن حامد السلمي، سمعت محمد بن عقيل ابن الأزهر يقول:. . ". وانظره في: صون المنطق والكلام -للسيوطي- ص: 63.

(3)

في ذم الكلام: فلقد.

(4)

في ذم الكلام: فقال.

ص: 782

مالك: محال أن يظن بالنبي صلى الله عليه وسلم أنه علم أمته الاستنجاء، ولم يعلمهم التوحيد، فالتوحيد (1) ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلّا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله"(2)[فما](3) عصم به الدم والمال فهو حقيقة (4) التوحيد.

وقد روى (5) ذلك (6)[شيخ الإسلام](7) أبو إسماعيل الأنصاري

(1) في ذم الكلام: والتوحيد.

(2)

قوله: (فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله) لم يرد في ذم الكلام.

والحديث بهذا اللفظ رواه الترمذي عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت. . .

سنن الترمذي 5/ 439 كتاب تفسير القرآن- باب 78 - تفسير سورة الغاشية - الحديث / 3341.

وأخرجه البخاري مع اختلاف في الألفاظ في كتاب الإيمان- باب: فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم- 1/ 11، 12.

وفي كتاب "الاعتصام بالكتاب والسنة" باب قول الله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} - 8/ 162.

ومسلم -كتاب الإيمان- باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلّا الله محمد رسول الله، ويقيموا الصلاة. . 1/ 51 - 53 - الأحاديث / 32 - 36.

(3)

ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، وذم الكلام. وقد سبق ذلك في: س، ط قوله:"وإن كان" ولا معنى لها.

(4)

في ذم الكلام: فما عصم به المال والدم حقيقة. .

(5)

وقد روى: ساقطة من: ط.

(6)

ظهر في صورة "الأصل" بعد قوله: ذلك. كلمة "الاضطرار" من الورقة السابعة لخرم كان موجودًا في الأصل. والكلام يستقيم بما أثبته من: س، ط.

(7)

ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.

وفي الأصل كلمة غير مقروءة بسبب التمزق.

ص: 783

في كتاب ذم الكلام (1)، والشيخ أبو الحسن الكرجي (2) في كتاب الفصول في الأصول.

(1) هو: أبو إسماعيل عبد الله بن محمد بن علي الأنصاري الهروي، شيخ خراسان في عصره كان بارعًا في اللغة، حافظًا للحديث، عارفًا بالتاريخ والأنساب، مظهرًا للسنة داعيًا إليها، توفي سنة 481 هـ.

له مصنفات منها "ذم الكلام" مخطوط بظاهرية دمشق تحت رقم 1128 وقد انتقاه الإمام برهان الدين إبراهيم بن عمر البقاعي المفسر حين سمع من الشيخ شهاب الدين بن حجر العسقلاني بالقاهرة سنة 846 هـ وسماه أحسن الكلام.

انظر، كشف الظنون -لحاجي خليفة- 1/ 828. وللترجمة: سير أعلام النبلاء -للذهبي- 18/ 503 - 518. الذيل على طبقات الحنابلة -لابن رجب - 1/ 50 - 68. الأعلام -للزركلي- 4/ 267.

(2)

أبو الحسن الكرخي: غير واضحة بالأصل وقد ظهر بعض كلمات من الورقة التي قبلها مثل "وجود يا إذا قيل" نتيجة التمزق. والمثبت من: س، ط. وقد ورد فيهما "الكرجي". ولعل الصواب ما أثبته من مصادر الترجمة.

هو: أبو الحسن محمد بن عبد الملك بن محمد بن عمر الكرجي الشافعي، شيخ الكرج وعالمها ومفتيها، الفقيه المحدث المفسر الأديب. توفي سنة 532 هـ. من تصانيفه:"الفصول في اعتقاد الأئمة الفحول".

يقول ابن كثير رحمه الله في "البداية والنهاية 12/ 228 ": "وله مصنفات كثيرة منها: الفصول في اعتقاد الأئمة الفحول، يذكر فيه مذاهب السلف في باب الاعتقاد، ويحكي فيه أشياء غريبة حسنة".

وذكر شيخ الإسلام في "درء تعارض العقل والنقل 2/ 95 " أن أبا الحسن الكرجي في كتابه الفصول ذكر اثني عشر إمامًا هم: الشافعي -ومالك- والثوري - وأحمد- وابن عيينة- وابن المبارك- والأوزاعي - والليث بن سعد- وإسحاق بن راهوية- والبخاري- وأبو زرعة- وأبو حاتم.

وعن كتاب الفصول ومؤلفه انظر: المنتظم -لابن الجوزي- 10/ 75، 76. وطبقات الشافعية -للشبكي- 6/ 137 - 147. وشذرات الذهب -لابن العماد- 4/ 100. وكشف الظنون -لحاجي خليفة- 2/ 1271. وهدية العارفين -للبغدادي- 2/ 87. ومعجم المؤلفين -لكحالة- 10/ 258.

ص: 784

وروى -أيضًا- أبو عبد الرحمن السلمي (1)، ومن طريق شيخ الإسلام: حدثنا محمد بن محمود الفقيه بموو (2)، ثنا محمد بن عمير، ثنا أبو يحيى زكريا بن العلاف التجيبي بمصر، ثنا (3) يونس بن عبد الأعلى، ثنا أشهب بن عبد العزيز سمعت مالك بن أنس يقول: إياكم والبدع، قيل: يا أبا عبد الله وما البدع؟ قال: أهل البدع الذين يتكلمون في أسماء الله وصفاته وكلامه وعلمه وقدرته، ولا يسكتون عما سكت عنه الصحابة والتابعون لهم بإحسان.

ورويا (4) -أيضًا- ما ذكره -أيضًا- الشيخ أبو عبد الرحمن: "ثنا محمد بن جعفر، ثنا (5) بن مطر، سمعت شكرًا، سمعت أبا سعيد البصري، سمعت أبا عبد الرحمن بن مهدي (6) يقول: دخلت على مالك وعنده رجل يسأله عن القرآن، فقال: لعلك من أصحاب عمرو بن عبيد، لعن الله عَمْرًا فإنه ابتدع هذه البدع من الكلام، ولو كان الكلام

(1) أبو عبد الرحمن السلمي: غير واضحة بالأصل، وقد ظهر في الصورة التي بين يدي:"المعدوم به فإن" من الورقة السابقة، نتيجة للتمزق ووجود خرم تظهر معه بعض الكلمات من الورقة السابقة أو اللاحقة، وما أثبته من: س، ط، وهذا النقل في ذم الكلام لأبي إسماعيل الهروي -مخطوط- الجزء (5) الطبقة الرابعة اللوحتان: 13، 14 وانظره في:"صون المنطق والكلام" -للسيوطي ص: 57، 56.

(2)

الفقيه بمرو: غير واضح بالأصل، وقد ظهر بعض كلمات من الورقة السابقة لا تقرأ لتداخل الحروف. والمثبت من: س، ط. وذم الكلام.

(3)

التجيبي بمصر، ثنا: غير واضحة بالأصل. والمثبت من: س، ط. وذم الكلام.

(4)

أبو الحسن الكرجي في كتابه "الفصول في الأصول"، وأبو إسماعيل الهروي في "ذم الكلام" -مخطوط- الجزء (5) الطبقة الرابعة اللوحة:14. وانظره في: صون المنطق والكلام -للسيوطي- ص: 57.

(5)

ثنا: ساقطة من: س، ط.

(6)

في الأصل: نهدي. وفي س: نهيد. وكلاهما خطأ. والمثبت من: ط، وذم الكلام، وصون المنطق. وعبد الرحمن بن مهدي: تقدمت ترجمته ص: 260.

ص: 785

علمًا لتكلم فيه الصحابة والتابعون، كما تكلموا في الأحكام والشرائع، ولكنه باطل يدل على باطل".

وهذا صريح في رد الكلام والتوحيد الذي كان تقوله المعتزلة والجهمية، وليس له أصل عن الصحابة والتابعين، بخلاف ما روي من (1) الآثار الصحيحة في الصفات والتوحيد عن الصحابة والتابعين، فإن ذلك لم ينكروه، إنما (2) أنكر (3) الكلام والتوحيد المبتدع في أسماء الله وصفاته وكلامه.

وقال (4) أبو عبد الرحمن: "ثنا أبو القاسم بن مستوية، ثنا حامد بن رستم ثنا الحسين بن مطيع، ثنا إبراهيم بن رستم، عن نوح الجامع، قال: قلت لأبي حنيفة: ما تقول فيما أحدث الناس من الكلام في الأعراض والأجسام؟ فقال: مقالات الفلاسفة، عليك بالأثر وطريقة السلف، وإياك وكل محدثة فإنها (5) بدعة.

وقال (6): "حدثنا عبد الله بن أحمد بن سعيد البخاري، سمعت سعيد بن الأحنف، سمعت الفتح بن علوان، سمعت أحمد بن

(1) في س: عن. وهو تصحيف.

(2)

في الأصل: فإنما. وأثبت المناسب لسياق الكلام من: س، ط.

(3)

في ط: أنكروا.

(4)

ذم الكلام -لأبي إسماعيل الهروي- مخطوط- الجزء الخامس- الطبقة الخامسة اللوحة: 34.

وانظر هذا النقل في "صون المنطق والكلام" -للسيوطي- ص: 59، 60.

(5)

في الأصل: فإنهما.

والمثبت من: س، ط، وذم الكلام، وصون المنطق.

(6)

أي: أبو عبد الرحمن السلمي في "ذم الكلام" لأبي إسماعيل الهروي -مخطوط- الجزء الخامس الطبقة الخامسة، اللوحتان: 35، 36.

انظر: صون المنطق -للسيوطي- ص: 60.

ص: 786

الحجاج، سمعت محمد بن الحسن (1)، صاحب أبي حنيفة يقول: قال أبو حنيفة: لعن الله عمرو بن عبيد، فإنه فتح للناس الطريق إلى الكلام فيما لا يعنيهم (2) من الكلام، وكان أبو حنيفة يحثنا على الفقه وينهانا عن الكلام".

قال (3) شيخ الإسلام [أنبأ](4) أبو الفضل (5) الجارودي: "أنبأ إبراهيم بن محمد ثنا زكريا بن يحيى سمعت محمد بن إسماعيل يقول (6): سمعت الحسين بن علي الكرابيسي (7) يقول: شهدت الشافعي ودخل عليه بشر المريسي فقال (8) لبشر: أخبرني عما تدعو (9) إليه: أكتاب ناطق وفرض مفترض وسنة قائمة، ووجدت عن السلف البحث فيه والسؤال؟ فقال بشر: لا إلا أنه لا يسعنا خلافه، فقال الشافعي: أقررت على نفسك (10) بالخطأ فأين أنت. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(1) في جميع النسخ: الحسين. وهو خطأ. والمثبت من: ذم الكلام، وصون المنطق.

وهو: أبو عبد الله محمد بن الحسن الشيباني. تقدمت ترجمته ص: 41.

(2)

في س: لا ينعينهم. وهو تصحيف.

(3)

في ذم الكلام -لأبي إسماعيل الهروي- مخطوط- المجلد السادس - الطبقة السادسة- اللوحتان: 16، 17. وانظره في: صون المنطق والكلام للسيوطي ص: 63.

(4)

ما بين المعقوفتين زيادة من: ذم الكلام.

(5)

أبو الفضل: ساقطة من: ذم الكلام.

(6)

يقول: ساقطة من: "ذم الكلام".

(7)

في جميع النسخ: الكرانيس، وهو خطأ. والمثبت من: ذم الكلام، وصون المنطق.

وهو: الحسين بن علي بن يزيد الكرابيسي. وتقدمت ترجمته.

(8)

في الأصل: فقاله. والمثبت من: س، ط، وذم الكلام، وصون المنطق.

(9)

في الأصل: تدعون. والمثبت من: س، ط، وذم الكلام، وصون المنطق.

(10)

في ذم الكلام: بنفسك.

ص: 787

عن (1) الكلام في الفقه والأخبار، يواليك الناس عليه وتترك هذا؟ قال: لنا تهمة فيه، فلما خرج بشر قال الشافعي: لا يفلح".

وروى شيخ الإسلام (2) عن المزني وعن ربيع: "قال المزني: سمعت الشافعي يقول للربيع: يا ربيع اقبل مني ثلاثة أشياء: لا تخوضن (3) في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن خصمك النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، ولا تشتغل بالكلام فإني قد اطلعت من أهل الكلام على التعطيل، وزاد المزني: ولا تشتغل بالنجوم فإنه يجر إلى التعطيل".

وهذا التوحيد الذي يذكره هؤلاء مأخوذ من قول بشر المريسي وذويه وهذا التوحيد الذي ذكروه هو التعطيل بعينه، فإنه لا يصلح إلا أن يكون (4) صفة للمعدوم.

وقال (5) أبو عبد الرحمن السلمي -أيضًا-: "رأيت بخط أبي عمرو بن مطر يقول: سئل ابن خزيمة عن الكلام في الأسماء والصفات، فقال: بدعة ابتدعوها، ولم يكن أئمة المسلمين وأرباب المذاهب وأئمة الدين، مثل مالك وسفيان والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق ويحيى بن يحيى وابن المبارك ومحمد بن يحيى وأبي (6) حنيفة ومحمد بن الحسن وأبي يوسف، يتكلمون في ذلك، بل كانوا ينهون عن الخوض

(1) في ط: من.

(2)

في ذم الكلام -مخطوط- الجزء السادس- الطبقة السادسة- اللوحتان: 16، 17. وانظره في: صون المنطق والكلام -للسيوطي- ص: 64.

(3)

في جميع النسخ: لا تخوض. والمثبت من: ذم الكلام، وصون المنطق.

(4)

في س، ط: لا يصلح أن يكون إلا. .

(5)

ذم الكلام لأبي إسماعيل الهروي -مخطوط- الجزء السادس الطبقة السابعة اللوحة: 41. وانظر: صون المنطق والكلام -للسيوطي- ص: 76.

(6)

في جميع النسخ: وأبو. والمثبت من: ذم الكلام.

ص: 788

فيه، ويدلون أصحابهم على الكتاب والسنة، فإياك والخوض فيه، والنظر في كتبهم بحال".

قلت: وقول ابن خزيمة، الملقب بإمام الأئمة: الكلام في الأسماء والصفات [هو نظير ما نهى عنه مالك من الكلام في الأسماء والصفات](1)، وهو هذا التوحيد الذي ابتدعته (2) الجهمية وأتباعها، فإن ابن خزيمة له كتاب مشهور في التوحيد (3) يذكر فيه صفات الله التي نطق بها كتابه وسنة رسوله.

قال (4) أبو عبد الرحمن: "سمعت أبي يقول: قلت لأبي العباس بن سريج (5): ما التوحيد؟ قال: توحيد أهل العلم وجماعة المسلمين: أشهد أن لا إله إلّا الله، وأن محمدًا رسول الله، وتوحيد أهل الباطل: الخوض في الأعراض والأجسام، وإنما بعث النبي صلى الله عليه وسلم بإنكار ذلك".

هذا موافق لما تقدم، فبين أن الخوض في الجسم والعرض ونفي

(1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.

(2)

في س: ابتدعه.

(3)

ابن خزيمة تقدم التعريف به ص: 165.

وكتابه هو: التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل التي وصف بها نفسه في تنزيله الذي أنزله على نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم وعلى لسان نبيه نقل، الأخبار الثابتة الصحيحة نقل العدول عن العدول من غير قطع في إسناد، ولا جرح في ناقلي الأخبار الثقات.

هكذا عنوان للكتاب المطبوع، مراجعة وتعليق محمد خليل هراس، وقد قام الأخ د. عبد العزيز بن إبراهيم الشهوان، بتحقيقه تحقيقًا علميًّا لأهميته، وسعة رواية مؤلفه رحمه الله.

(4)

ذم الكلام للهروي -مخطوط- الجزء السادس الطبقة السابعة، اللوحة رقم:40. وانظر: صون المنطق والكلام -للسيوطي- ص: 75.

(5)

في جميع النسخ: سريح. وهو خطأ. والمثبت من: ذم الكلام، وصون المنطق. وقد تقدمت ترجمته ص:197.

ص: 789

ذلك وجعل ذلك من التوحيد، هو من قول أهل الباطل، فكيف بمن جعله أصل الدين، كما قال شيخ الإسلام (1):

"سمعت أحمد بن الحسن، أنبأ الأشعث، يقول: قال رجل لبشر بن أحمد أبي سهل الإسفرائيني: إنما أتعلم الكلام لأعرف به الدين. فغضب، وسمعته قال: أو كان السلف من علمائنا كفارًا؟ ".

وقال أبو عمر بن عبد البر (2): "الذي أقول: إنه إذا نظر إلى إسلام أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وسعد وسعيد وعبد الرحمن، وسائر (3) المهاجرين والأنصار، وجميع الوفود الذين دخلوا في دين الله أفواجًا، علم أن الله عز وجل لم يعرفه واحد منهم إلّا بتصديق النبيين وبأعلام (4) النبوة ودلائل الرسالة، لا من قبل حركة ولا سكون (5)، ولا من باب البعض والكل (6)، ولا من باب كان ويكون، ولو كان النظر في الحركة والسكون عليهم واجبًا، وفي الجسم ونفيه والتشبيه (7) ونفيه لازمًا ما أضاعوه، ولو أضاعوا الواجب لما (8) نطق القرآن بتزكيتهم وتقديمهم، ولا أطنب في مدحهم وتعظيمهم، ولو كان ذلك من علمهم (9) مشهورًا، ومن أخلاقهم معروفًا، لاستفاض عنهم واشتهروا به

(1) في ذم الكلام -لأبي إسماعيل الهروي- مخطوط- الجزء السادس الطبقة الثامنة، اللوحة:43.

وانظر: صون المنطق والكلام -للسيوطي- ص: 77.

(2)

في التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد -لابن عبد البر- 7/ 152.

(3)

في التمهيد: وعلي وطلحة وسعد وعبد الرحمن وسائر. .

(4)

في التمهيد: النبيين بأعلام.

(5)

ولا مسكون: ساقطة: من التمهيد.

(6)

في التمهيد: الكل والبعض.

(7)

في س، ط: وفي التشبيه.

(8)

في التمهيد: ما.

(9)

في التمهيد: عملهم.

ص: 790

كما اشتهروا بالقرآن (1) والروايات".

فذكر أبو عمر أن ما يدخله (2) هؤلاء في أصول الدين والتوحيد، من الجسم ونفيه والتشبيه ونفيه، والاستدلال بالحركة والسكون، لو كان من الدين لما أضاعه (3) خيار هذه الأمة، فعلم أنه ليس من الدين، وكلام علماء الملة في هذا الباب يطول، وإنما الغرض التنبيه على أن ما سماه هؤلاء توحيدًا، وجعلوه هو نفي التجسيم والتشبيه، إنما هو شيء ابتدعوه لم يبعث الله به رسله ولا أنزل به كتبه، وقد اعترف بذلك حذاقهم، كما ذكره أبو حامد الغزالي، في كتابه إحياء علوم الدين (4)، ووافقه فيه أبو الفرج بن الجوزي في كتاب منهاج القاصدين (5)، لما ذكر الأسماء التي

(1) في التمهيد: ولشهروا به كما شهروا بالقرآن.

(2)

في الأصل: يدخل. وأثبت المناسب للكلام من: س، ط.

(3)

في الأصل، س: أضاعوه. والمثبت من: ط. وهو ما يستقيم به الكلام.

(4)

إحياء علوم الدين -للغزالي- 1/ 33، 34.

وأذكر طرفًا من اعترافه في المصدر السابق، لكي يستبين للقارئ ما أثبته بين القوسين التاليين من مختصر منهاج القاصدين، لا من المنهاج نفسه لعدم وقوفي عليه، يقول الغزالي:"اللفظ الثالث التوحيد: وقد جعل الآن عبارة عن صناعة الكلام، ومعرفة طريق المجادلة، والإحاطة بطرق مناقضات الخصوم والقدرة على التشدق فيها بتكثير الأسئلة، وإثارة الشبهات، وتأليف الإلزامات حتى لقب طوائف منهم أنفسهم بأهل العدل والتوحيد، وسمّي المتكلمون العلماء بالتوحيد، مع أن جميع ما هو خاصة هذه الصناعة لم يكن يعرف منها شيء في العصر الأول، بل كان يشتد منهم النكير على من كان يفتح بابًا من الجدل والمماراة، فأما ما يشتمل عليه القرآن من الأدلة الظاهرة التي تسبق الأذهان إلى قبولها في أول السماع فلقد كان ذلك معلومًا للكل، وكان العلم بالقرآن هو العلم كله، وكان التوحيد عندهم عبارة عن أمر آخر لا يفهمه أكثر المتكلمين، وإن فهموه لم يتصفوا به، وهو أن يرى الأمور كلها من الله عز وجل رؤية تقطع التفاته عن الأسباب والوسائط. . فهذا مقام شريف إحدى ثمراته التوكل. . . والرضاء والتسليم لحكم الله تعالى. . ".

(5)

هو: أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي البغدادي الحنبلي، =

ص: 791

عرف مسمياتها، فذكر العلم والفقه والتوحيد، قال:

[اللفظ الثالث التوحيد: وقد كان ذلك إشارة إلى أن ترى الأمور كلها من الله تعالى، رؤية تقطع الالتفات إلى الأسباب والوسائط، فيثمر ذلك التوكل والرضى، وقد جعل الآن عبارة عن صناعة الكلام في الأصول، وذلك من المنكرات عند السلف](1).

ولهذا لما كان أبو محمد عبد الله بن سعيد [بن كلاب](2) وأبو

= المعروف بابن الجوزي، شيخ وقته، إمام عصره، صاحب التصانيف السائرة في فنون العلم.

يقول الذهبي: "ما علمت أحدًا من العلماء صنف ما صنف هذا الرجل".

من تصانيفه: منهاج القاصدين -في مجلدين، وهو -كما يقول حاجي خليفة- على أسلوب الإحياء، لكنه حذف منه الأحاديث الواهية، ومذاهب الصوفية التي لا أصل لها. توفي ابن الجوزي رحمه الله سنة 597 هـ.

انظر: تذكرة الحفاظ -للذهبي- 4/ 1342 - 1348. والبداية والنهاية -لابن كثير- 13/ 27 - 29. والذيل على طبقات الحنابلة -لابن رجب- 1/ 399 - 43. وكشف الظنون -لحاجي خليفة- 2/ 1878.

(1)

ما بين المعقوفتين بياض في: الأصل، بقدر أربعة عشر سطرًا، وفي: س: بقدر ثمانية أسطر، وفي ط: بقدر كلمة واحدة علق عليها بالهامش بما يلي: "هذا بياض بالأصول التي تحت أيدينا يبلغ نحو سبعة أسطر والظاهر أنه صحيح".

وفي هذا نظر، إذ الظاهر من النص أن القائل هو ابن الجوزي، ولعل ما أثبته من مختصر منهاج القاصدين لابن الجوزي، اختصار ابن قدامة المقدسي -رحمهما الله تعالى- ص: 21 - يكتمل به النص، وقد ذكر ابن قدامة في مقدمة الكتاب أنه لم يلتزم المحافظة على ترتيبه، وذكر ألفاظًا بعينها، بل ذكر بعضها بالمعنى قصد الاختصار، وربما ذكر فيه حديثًا أو شيئًا يسيرًا من غيره إن كان مناسبًا له.

انظر؛ مقدمة المصدر السابق ص: 12.

(2)

ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.

وقد ورد في الأصل: "أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن سعيد" وهو خطأ. وقد تقدمت ترجمته ص: 169.

ص: 792

الحسن الأشعري، وأبو العباس القلانسي، ممن أخذ أصل الكلام في التوحيد عن المعتزلة، وخالفوهم في بعض دون بعض، يقع في كلامهم من هذا التوحيد المبتدع المخالف للتوحيد المنزل من عند الله ما يقع، كان الناس ينبهون على ذلك، حتى ذكر شيخ الإسلام (1) قال:

"سمعت عدنان (2) بن عبدة النميري، سمعت أبا عمر (3) البسطامي يقول: كان أبو الحسن الأشعري أولًا ينتحل الاعتزال، ثم رجع فتكلم عليهم (4)، وإنما مذهبه (5) التعطيل إلّا أنه رجع من التصريح إلى التمويه".

وقال (6) الشيخ أبو نصر السجْزي (7) في رسالته إلى أهل

(1) أبو إسماعيل الهروي في ذم الكلام -الجزء السابع- الطبقة التاسعة اللوحة: 3.

(2)

في ذم الكلام: سمعت الحاكم عدنان. .

(3)

في الأصل: "عمرو". والمثبت من: س، ط، وذم الكلام، ومصادر الترجمة. هو: أبو عمر محمد بن الحسين بن محمد بن الهيثم البسطامي، الواعظ المتكلم، انظر: تاريخ بغداد -للبغدادي- 2/ 247، 248. وتبيين كذب المفتري -لابن عساكر- ص: 236 - 238. وسير أعلام النبلاء -للذهبي - 17/ 320. وطبقات الشافعية -للسبكي- 4/ 140 - 142.

(4)

تكلم ابن عساكر عن انتحال أبي الحسن الأشعري للاعتزال، وإقامته عليه، أربعين سنة، ورجوعه عنه في "تبيين كذب المفتري" ص: 38 - 45.

وقد نقل عن أبي بكر بن فورك رجوعه، وما صنفه بعد ذلك من المصنفات التي نقض فيها مذهب المعتزلة، وأبطل استدلالهم، وكشف عن تمويهاتهم.

انظر: المصدر السابق- ص: 128 - 136.

(5)

في ذم الكلام: مذهباه.

(6)

ذكر الشيخ رحمه الله في "درء تعارض العقل والنقل" 7/ 236 أن كلام أبي نصر هذا في "الإبانة".

(7)

في الأصل: السخزي. وهو خطأ.

هو: أبو نصر عبيد الله بن سعيد بن حاتم السجزي. الوائلي البكري، من حفاظ الحديث.

يقول الذهبي: شيخ الحرم، ومصنف "الإبانة الكبرى" في أن القرآن غير =

ص: 793

اليمن (1): "ولقد حكى لي محمد بن عبد الله المالكي المغربي، وكان فقيهًا صالحًا، عن الشيخ أبي سعيد البرقي، وهو من شيوخ فقهاء المالكيين [ببرقة (2)، عن أستاذه خلف المعلم (3)، وكان من فقهاء المالكيين] (4) أنه قال: الأشعري أقام (5) أربعين سنة على الاعتزال، ثم أظهر التوبة فرجع عن الفروع وثبت على (6) الأصول".

قال أبو نصر (7):. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= مخلوق، وهو مجلد كبير دال على سعة علم الرجل بفن الأثر". توفي بمكة المكرمة سنة 444 هـ.

انظر: الأنساب -للسمعاني- 13/ 279 - 281. وسير أعلام النبلاء -للذهبي- 17/ 654 - 657. وشذرات الذهب -لابن العماد- 3/ 271 - 272.

(1)

في الرد على من أنكر الحرف والصوت، وقد حققها الأح: محمد باكريم با عبد الله، للحصول على درجة الماجستير من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. وانظر هذا النص فيها ص:168.

(2)

برقة: بفتح الراء والقاف: اسم صقع كبير يشتمل على مدن وقرى، بين الإسكندرية وإفريقية، افتتحها عمرو بن العاص صلحًا سنة 21 هـ، وإلى برقة ينسب جماعة من أهل العلم.

انظر: معجم البلدان -لياقوت الحموي- 1/ 388، 389. والروض المعطار -للحميري- ص:91.

(3)

هو: أبو سعيد خلف بن عمر، وقيل: اسمه عثمان بن عمر، وقيل: عثمان بن خلف، من أهل القيروان، وإمام أهل زمانه في الفقه والورع ويعرف بمعلم الفقهاء، لم يكن في وقته أحفظ منه. توفي سنة 371. انظر: الديباج المذهب -لابن فرحون- 1/ 347. وترتيب المدارك -لعياض- 2/ 488 - 491.

(4)

ما بين المعقوفتين ساقط من: س.

(5)

في الرسالة: أقام الأشعري.

(6)

في الأصل: ورجع إلى. وأثبت المناسب من: س، ط، والرسالة، ودرء تعارض العقل والنقل.

(7)

قال أبو نصر: "إضافة من الشيخ رحمه الله والكلام متصل بما قبله في الرسالة.

ص: 794

"هذا (1) كلام خبير بمذهب الأشعري وغوره (2) ".

ولهذا قال محمد بن خويز منداد (3): إمام المالكية في وقته في العراق، في الكلام الذي ذكره عنه أبو عمر بن عبد البر (4)، قال: أهل البدع والأهواء عند مالك وأصحابه الذين (5) ترد شهادتهم، هم: أهل الكلام".

قال: "فكل متكلم فهو من أهل (6) الأهواء والبدع عند مالك

(1) في الرسالة: وهذا.

(2)

في جميع النسخ: وعورته. وما أثبته من: الرسالة، ودرء تعارض العقل والنقل 7/ 236. وقد علق على ذلك الشيخ رحمه الله في الدرء بقوله:"ليس مراده بالأصول ما أظهروه من مخالفة السنة، فإن الأشعري مخالف لهم فيما أظهروه من مخالفة السنة، كمسألة الرؤية، والقرآن، والصفات، لكن أصولهم الكلامية العقلية التي بنوا عليها الفروع المخالفة للسنة. . . ".

انظر: درء تعارض العقل والنقل 7/ 237.

(3)

هو: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إسحاق بن خويز منداد المصري المالكي، تفقه على الأبهري، كان يكره الكلام ويجانب أهله، له مصنفات منها: كتاب "الخلاف" توفي سنة 390 هـ تقريبًا.

انظر: الديباج المذهب -لابن فرحون- ص: 268. وجامع بيان العلم وفضله -لابن عبد البر- 2/ 117. والوافي بالوفيات -للصفدي- 2/ 52.

(4)

ذكر ابن عبد البر أن محمد بن خويز منداد قال في كتاب "الشهادات في تأويل قول مالك: "لا تجوز شهادة أهل البدع وأهل الأهواء ما نصه:

"أهل الأهواء عند مالك وسائر أصحابنا هم أهل الكلام، فكل متكلم فهو من أهل الأهواء والبدع، أشعريًّا كان أو غير أشعري، ولا تقبل له شهادة في الإسلام أبدًا، ويهجر ويؤدب على بدعته، فإن تمادى عليها استتيب منها".

راجع: جامع بيان العلم وفضله -لابن عبد البر- 2/ 117.

(5)

في س: الذي.

(6)

في جميع النسخ: فهو عندهم من أهل. . . والكلام يستقيم بدون لفظه: عندهم كما أثبته من: درء تعارض العقل والنقل 7/ 158.

ص: 795