الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسلم: «من خرج عن الطاعة، وفارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهلية» (1) . ويقول صلى الله عليه وسلم: «من خرج على أمتي يضرب بَرها وفاجرها لا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي بعهد ذي عهد، فليس مني ولست منه» (2) . ويقول صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا» (3) .
تلك طائفة من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي تبني أهمية الاعتصام بحبل الله ومكانته وأثره وفضائله والتعاون على البر والتقوى والتضامن في المجتمع، وتحذّر من الانقسام والتحزب والتناحر.
فالمواطنون الصالحون في نظر الإسلام شأنهم التعاون على البر والتقوى والتناصر والتكاتف على مصالحهم الخاصة والعامة، أما التفرقة والتخاذل والتمزق والانقسام والتناحر، فإن الإسلام يحاربها؛ لأنها من عوامل انهيار الأمم، وبقدر ما بين المواطنين حكاما ومحكومين في الدولة من حسن صلات وتوثيق علاقات، تكون قوتهم، واستقرار أمنهم وثبات ملكهم وقيامه خالدا وإن كثرت الزلازل والمحن، وتوالت العواصف، وإن كان التخاذل والتدابر والتقاطع والعصيان وتبديل عُرَى الإخاء وانصراف كل إلى نفسه وشهوته كان الضعف والانحلال والفشل والجور والتمزق وعدم استقرار الأمن.
[المطلب العاشر قيام الأسرة السعودية بواجبها في تربية أولادها التربية]
الإسلامية الصحيحة وتوجيههم التوجيه السليم
(1) رواه البخاري ومسلم والترمذي.
(2)
رواه مسلم.
(3)
رواه البخاري ومسلم والترمذي.
المطلب العاشر
قيام الأسرة السعودية
بواجبها في تربية أولادها
التربية الإسلامية الصحيحة
وتوجيههم التوجيه السليم
من المطالب الرئيسية لاستمرار نعمة الأمن والاستقرار في بلادنا قيام الأسرة السعودية بواجبها على الوجه الأكمل في رعاية أولادها، وتوجيههم التوجيه السليم، انطلاقا من الوظائف الأساسية للأسرة المسلمة والتي يمكن إجمالها فيما يلي:
1 -
من أول وظائف الأسرة المسلمة مراعاة حدود الخالق جل وعلا وتتمثل هذه الوظيفة في تمسك الأب والأم بالعقيدة الإسلامية ومراقبتهما حدود الخالق، وتطبيق قواعد الشريعة فيما يتعلق بعلاقة كل منهما بالآخر. وبفعل ذلك يرسمان أنموذجا إسلاميا للطفل، يتربى في أحضانهما حيث يستمع الأخير ويرى ويطبق ما يراه ويسمعه من عبادات والديه، وينشأ على العقيدة الإسلامية التي هي شريعة الله، وطريقة تعامل أبويه بمثابة تحصين له ضد الانحراف إلى مسالك الفساد ودروب الجريمة.
2 -
من وظائف الأسرة المسلمة تحقيق الاستقرار والطمأنينة النفسية فالأسرة المسلمة تهدف إلى تحقيق الطمأنينة لأفرادها. يقول الحق تبارك وتعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21](1) لذا فإن طمأنينة الزوجين واستقرارهما في البيت تنعكس على نفسية الطفل، وتتيح له الفرصة للنمو في جو مليء بالسعادة والمحبة وتنمو شخصياتهم بمقومات أساسية تساعدهم على النجاح في حياتهم في المستقبل.
(1) سورة الروم، الآية 21.
3 -
تقدم الأسرة للأطفال الرعاية النفسية وتعمل على تهذيب غرائزهم وإشباع حاجاتهم الإنسانية المادية والمعنوية وتمنحهم المحبة والرحمة؛ لكي ينشئوا ولديهم الاستعداد لمحبة الآخرين وعدم الإضرار بهم.
لقد أوضح رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يجب على رب الأسرة المسلمة من رعاية في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم على ابن عمر رضي الله عنهما يقول صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسئول عن رعيته والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعايتها، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته، قال: وحسبت أنه قال والرجل راع في مال أبيه وهو مسئول عن رعيته، وكلكم راع ومسئول عن رعيته» (1) .
ففي هذا الحديث الشريف يبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ما من إنسان إلا وقد وكل إليه أمر يديره ويرعاه فكلنا مطالب بالإحسان فيما وكل إليه، ومسئول عنه أمام الله لا تخفى عليه خافية، فإن قام بالواجب عليه لمن تحت يده كان أثر ذلك في الأمة عظيما، وإن قصَر في الرعاية، وخان الأمانة أضر بالأمة.
وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعايتها، يشير إلى مسئولية الأب والأم بصفتهما ركن الأسرة، فالزوج أو رب الأسرة راع في أسرته ومؤتمن على من تحت ولايته، فعليه التعليم لهم والتثقيف والتهذيب، حتى يكونوا كمالا في الأخلاق، وأئمة في الآداب سواء في ذلك بنوه وبناته وإخوته وأخواته وزوجته وخدمه، وفي مقدمة التهذيب تعليمهم فرائض
(1) رواه البخاري ومسلم والترمذي.
الدين، وتأديبهم بأدب العليم الحكيم، وتأديبه لهم عن طريق عمله، أجرى عليهم من كلمه، وعليه الأخذ بهم عن طرق الدنايا، والابتعاد عن مواطن الريب، ومواضع الفتن، وعليه أن يقدم لهم مسكنا مناسبا، وطعاما وشرابا موافقا، ولباسا من دائرة الأدب والحشمة، وزينة لا تدعو إلى الفتنة، كل ذلك في غير تقتير ولا إسراف، بل سلك طريق الاقتصاد ليدخر لهم ما يكون عونا للشدائد (1) .
وكذلك المرأة في بيت زوجها راعية مسئولة عن رعاية أولادها، فهي تحمل المسئولية كالأب بل إن مسئوليتها في بعض الأمور أهم وأخطر باعتبار أنها ملازمة لولدها منذ الولادة إلى أن يشب، ويترعرع ويبلغ السن التي تؤهله ليكون إنسان الواجب ورجل الحياة، والرسول صلى الله عليه وسلم قد أفرد الأمهات بتحمل المسؤولية حين قال:" والأم راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها "، وما ذلك إلا لإشعارها بالتعاون مع الأب في إعداد الجيل وتربية الأبناء، وتحصينهم وحمايتهم من الفساد المؤدي إلى الانحراف.
هذه بعض واجبات رب الأسرة وربتها، فإن قام كل منهما بواجبه على الوجه الأكمل، سادت الطمأنينة وازداد التماسك والتلاحم بين أفراد الأسرة، وإن حصل إخلال بهذه الواجبات أو بعضها حدث الخلال في الأسرة، وتفككت وذهبت ريحها، وقصرت في تربية أولادها التربية السليمة المانعة من الانحراف.
إن كثيرا من الآباء والأمهات يتصورون أن مهمتهم الأسرية تنحصر في توفير المأكل والمشرب والملبس والمسكن لأولادهم فحسب، فهذا فهم خاطئ،
(1) يتصرف، محمد عبد العزيز الخولي، الأدب النبوي، بيروت، دار المعرفة، 1402، ص 46 - 49.
فوظيفة رب الأسرة في الإسلام هي تربية أولاده وبناته التربية السليمة التي تحقق النمو المتكامل الشامل المتزن للناشئ بتحصينه ضد الانحراف وارتكاب الجرائم في حق نفسه وأسرته ومجتمعه ووطنه.
وإذا لم يدرك الآباء والأمهات هذه الحقيقة فسوف يزداد انحراف الأبناء، وتخسر الأمة يوما بعد يوم المزيد من طاقات شبابها، وإذا أردنا أن نقي شبابنا من الانحراف والوقوع في أيدي عصابات الإرهاب والتطرف، فإنه على كل أب منا أن يدرك الحقائق التالية:
1 -
الرقابة الواعية المحكمة والحكيمة من الآباء تعد مراهقا يستطيع أن يتحكم في نفسه، وأن يسيطر إلى حد كبير على نزواته، وأن يكون أقل اندفاعا وأكثر انضباطا، أما التساهل وإعطاء الحرية المطلقة فهي أشياء ضارة لكل من الفرد والمجتمع.
2 -
من أجل وقاية الأبناء وحمايتهم من الانحراف بأنواعه المختلفة المؤدية إلى ارتكاب الجرائم، فإنه يجب على الأسرة أن تعمل كفريق واحد. . كل فرد داخلها يجب أن يكون له دوره، وهذه الأدوار تلتقي لتحقيق الوظائف العامة التي سبق الإشارة إليها، هذا مهم للتفاعل وحل المشكلات والصراعات، حتى الطفل يجب أن يشعر بأنه مهم ونافع وأن هناك حاجة إليه، يجب على جميع أفراد الأسرة أن يكونوا متعاونين على الخير متضامنين، وبذلك تكون المشكلة الشخصية مشكلة عامة تهم الجميع.
3 -
من أجل أن يتحقق الاتصال والتواصل بين أفراد الأسوة يجب أن يكون هناك حوار دائم، وهذا الحوار يجب أن يكون في جميع الأحوال إيجابيا وبناء، وأن يعبر على مدى اهتمام كل فرد من الأسرة لسماع
الآخرين، والحوار الهادف يوجد اهتمامات مشتركة وأيضا يوجد الاحترام بين الجميع، تلك هي العلاقة الإيجابية البناءة، وتلك هي الوسيلة للحفاظ على الروح المعنوية للأسرة ككل والروح المعنوية لكل فرد فيها.
ولأن الأب والأم القدوة لأولادهما فيجب أن تكون العلاقة بينهما جيدة، وبذلك يعطيان مثلا للسعادة والبهجة في الحياة.
بعض اكتئاب الأبناء المؤدي بهم إلى الانحراف والفساد وارتكاب الجرائم يأتي من الأب المكتئب غير السعيد ومن الأم القلقة، والأب والأم يكونان قدوة حسنة لأولادهما في الحياة: العمل الشريف، الكسب الحلال، الاستقامة، العلاقة الطيبة مع الآخرين، والاعتزاز بالقيم الإسلامية من أمانة وصدق وحياء ووفاء وصبر وسلامة صدر. . أيها الأب العزيز اسمح لي أن أذكرك بما يجب عليك نحو أولادك من أجل حماية وصيانة عقولهم، وتحصينها ضد الأفكار المنحرفة المؤدية إلى ارتكاب الجرائم والإخلال بالأمن، اسمح لي أن أذكرك بما يلي:
1 -
لا تنشغل عن أولادك بأعمالك، خصص لهم جزءا من وقتك، وتذكر أن من العوامل التي تدفعك للعمل إسعاد أولادك ومن سعادتهم الجلوس معك، استمع إليهم وأعطهم الفرصة ليعبروا عما في نفوسهم أمامك، لتتمكن من تعزيز إيجابيات أفكارهم وتصحيح سلبياتهم وتقيهم بإذن الله من الانحراف المؤدي إلى ارتكاب الجرائم المخلة بأمن البلاد وتدمير مصالح العباد.
لقد أشار أحد المختصين في دراسة له عن الإدمان على المخدرات بين
الشباب والتي تعد من أخطر الجرائم المعكرة للأمن يقول فيها: " شيء أساسي وجدته في كل حالات الإدمان بين الشباب، ألا علاقة بينهم وبين آبائهم لا حوار ولا تفاهم. . لا اشتراك ولا تفاعل في أي شيء. . . شيء واحد أسمعه من كل المدمنين الصغار أي الشباب، نحن نريد أحدا يسمعنا. . هذا معناه أنهم يريدون الاهتمام. . . يريدون الاحترام. . . يريدون الوقت. . . يريدون العناية، إذا لم يجدوا من يسمعهم في البيت فإنهم سوف يبحثون عمن يسمعهم خارج البيت "(1) .
2 -
تذكر أن واجباتك نحو أولادك لا تقتصر على تأمين المأكل والمشرب والملبس والمسكن فقط، إنما واجبك الأول تربيتهم تربية إسلامية مسترشدا في ذلك بأهداف التربية الإسلامية التي تسعى إلى: - أ) تنشئة الإنسان الذي يعبد الله ويخشاه فلا يتعدى حدوده (2) .
ب) تحقيق سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة وطريق السعادة هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقضاء خيره وشره.
ج) تربية الإنسان لبلوغ الفضيلة وكمال النفس عن طريق العلم بالله عز وجل وحسن التوجيه إلى الحياة الخيرة والفاضلة وتنمية العقل وكسب الرزق الحلال.
د) إعداد الإنسان المسلم السليم العقيدة، المؤمن بربه الممارس لعبادته، الذي يتقي الله في السر والعلن.
(1) الإدمان له علاج، ص 115.
(2)
عبد الغني النوري، التربية الإسلامية بين الأصالة والمعاصرة، قطر، دار قطري بن الفجاءة، 1406هـ، ص63.