الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[المطلب السابع شكر النعم]
المطلب السابع
شكر النعم
وبالشكر تدوم النعم. . . ويتمثل ذلك في شكر المنعم - الله جل وعلا ثم شكر ولاة الأمر الذين وفقهم الله وحقق تلك النعم على أيديهم، وما من نعمة جاءت للخلق من أهل السموات والأرض إلا من الله جل وعلا:{وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53](1) وهي تستوجب أن نتحدث بالشكر عنها {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11](2) .
ويروى عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أنه قال - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، والتحدث بالنعم شكر» .
وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: " تذكروا النعم فإن ذكرها شكر "، وروي عن النبي عليه الصلاة والسلام «أنه قام حتى تورمت قدماه فقيل له يا رسول الله أتفعل هذا بنفسك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر - قال:" أفلا أكون عبدا شكورا ".»
وقال أبو هارون: دخلت على أبي حازم فقلت له: يرحمك الله - ما شكر العينين؟ قال: إذا رأيت بها خيرا ذكرته وإذا رأيت بها شرا سترته - فقلت: فما شكر الأذنين؟ قال: إذا سمعت خيرا حفظته وإذا سمعت بهما شرا نسيته.
نحن في المملكة العربية السعودية أحق شعب على وجه الأرض بشكر النعم وتقديرها، التي أنعم الله بها علينا، ويأتي في مقدمة هذه النعم نعمة الأمن، والاستقرار التي حبانا الله بها وميز بها بلادنا، منذ أن وحد الملك عبد العزيز - طيَب الله ثراه - هذه البلاد، تحت راية التوحيد، وجعل دستورها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بعد سنين طويلة من فقدان الأمن.
(1) سورة النحل، الآية 53.
(2)
سورة الضحى، الآية 11.
هذه النعمة العظيمة التي يفتقدها معظم الناس في أنحاء المعمورة، يغبطنا عليها بعض الناس ويحقد علينا لأجلها المتربصون بالإسلام الدوائر.
ومن النعم التي أنعم الله بها علينا أنه جعل بلادنا مهبط الوحي، ومنبع الرسالات، وجعلها أرضا مقدسة، فيها بيت الله، وفيها مسجد رسوله صلى الله عليه وسلم.
ومن النعم التي أنعم الله بها علينا أن هيأ لنا بمنه وكرمه حكومة تطبَق شرع الله وتحافظ على مقاصد الشريعة الإسلامية وتسعى إلى الإصلاح، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وترعى بيوت الله وأماكن العبادة، وتنشر الإسلام الحق في أرض الله وتقوم بواجب الدعوة إلى الله في مشارق الأرض ومغاربها بالحكمة والموعظة الحسنة. .
ومن النعم التي أنعم الله بها علينا نعمة المال وشكر هذه النعمة يتطلب الالتزام بقيود كسبها الشرعية وإنفاقها فيما يرضي الله جل وعلا، وإذا نظرنا إلى قيمة المال في الإسلام نجد أن الإسلام ينظر إليه على أنه عصب الحياة وقوامها وضرورة من ضروراتها لا يستغني عنه الأفراد والجماعات. قال جلّ وعلا:{وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: 5](1) . وقد سماه الله بالخير {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات: 8](2) . ويقول تعالى {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} [الفجر: 20](3) . وجعله سبحانه زينة الدنيا {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 46](4) . وأضافه إِلى نفسه {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33](5) . ونوه جل وعلا بالثروة المائية والحيوانية والنباتية، {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 14] (6) .
(1) سورة النساء، الآية 5. .
(2)
سورة العاديات، الآية 8. .
(3)
سورة الفجر، الآية 20. .
(4)
سورة الكهف، آية 46. .
(5)
سورة النور، آية 33. .
(6)
سورة النحل، الآية 14.
ويقول جل من قائل عن الثروة الحيوانية: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ - وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ - وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ - وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 5 - 8](1) . وينوه جلَ وعلا بالثروة النباتية {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141](2) .
والإسلام يحث على الكسب عن طريق الزراعة والصناعة والتجارة وكافة الوسائل المشروعة واشترط شرطين فيما يتصل بالكسب: الأول ألا يُلهي عن حق الله وألا يصرف عن القيم الصالحة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون: 9](3) .
وقد عتب الله جل شأنه على جماعة تركوا رسول الله - صلى الله عليه - وسلم يخطب الجمعة فانصرفوا إلى تجارة حضرت إلى المدينة {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [الجمعة: 11](4) .
والثاني أن يكون الكسبُ عن طريق مشروع بحيث لا يضر بالأفراد ولا الجماعات ولا يخل بالنظام العام.
ومن ثم فقد حرم الإسلامُ كُل ما فيه ضرر بالفرد أو المجموع أو كان مخلا بالنظام العام ومن ذلك: * تحريم الربا لأنه استغلال لجهد الآخرين فضلا عن أنه يتنافى مع روح التعاون والتضامن بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 278]
(1) سورة النحل، الآية 5 - 8. .
(2)
سورة الأنعام، الآية 141.
(3)
سورة المنافقون، الآية 9.
(4)
سورة الجمعة، الآية 11.
(1)
.
* وتحريم القمار والاتجار بالمخدرات حفاظا على الطاقة البشرية والأيدي العاملة {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90](2) .
* وتحريم الاحتكار وهو حبس أقوات الناس وحاجاتهم الضرورية وهو وإن اقتصر نفعه على المحتكرين فإنه يضر الجماعة ويهدد حرية التجارة والصناعة، والمحتكر يحدد السعر الذي يشبع مطامعه دون مبالاة بالضرر الواقع على الغير - يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا يحتكر إلا خاطئ» (3) .
* وتحريم تطفيف الكيل والميزان {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ - الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ - وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ - أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ - لِيَوْمٍ عَظِيمٍ} [المطففين: 1 - 5](4) .
* وتحريم السرقه {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة: 38](5) .
وتحريم أكل أموال الناس بالباطل {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188](6) .
، والباطل يتناول الغصب والنهب والتدليس والغش والرشوة وكل ذلك مناف للخلق الكريم وجالب للضرر بالآخرين.
وكما حدد الإسلام شروط كسب المال حدد كذلك وجوه صرفه فدعا إلى
(1) سورة البقرة، الآية 278. .
(2)
سورة المائدة، الآية 90.
(3)
رواه مسلم وأبو داود. .
(4)
سورة المطففين، الآيات 1 - 5.
(5)
سورة المائدة، الآية 38. .
(6)
سورة النساء، الآية 29. .