المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[المطلب الرابع القيام بواجب النصيحة بالأسلوب الشرعي مع مراعاة التلازم] - متطلبات المحافظة على نعمة الأمن والاستقرار

[سليمان الحقيل]

فهرس الكتاب

- ‌[تقديم معالي الشيخ عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري]

- ‌[المقدمة]

- ‌[المطلب الأول التمسك بتطبيق الشريعة الإسلامية والمحافظة على مقاصدها]

- ‌[المطلب الثاني السمع والطاعة لولي الأمر في المعروف]

- ‌[المطلب الثالث التزام الوسطية والاعتدال في شئون الحياة كلها]

- ‌[المطلب الرابع القيام بواجب النصيحة بالأسلوب الشرعي مع مراعاة التلازم]

- ‌[المطلب الخامس قيام المواطن السعودي بواجبه في المحافظة على الأمن]

- ‌[المطلب السادس قيام العلماء والمثقفين بملء الفراغ الذهني لدى بعض]

- ‌[المطلب السابع شكر النعم]

- ‌[المطلب الثامن القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في ضوء]

- ‌[المطلب التاسع التماسك والتعاون على البر والتقوى بين المواطنين والابتعاد]

- ‌[المطلب العاشر قيام الأسرة السعودية بواجبها في تربية أولادها التربية]

- ‌[المطلب الحادي عشر سد وقت الفراغ لدى الطلاب ومحاربة انتشار البطالة]

- ‌[المطلب الثاني عشر تعميق الانتماء الوطني لدى المواطن السعودي وتبصيره]

- ‌[المطلب الثالث عشر المحافظة على طهر مجتمعنا وصيانته من انتشار الأخلاق]

- ‌[المطلب الرابع عشر التحلي بمقومات المواطنة الصالحة في ضوء تعاليم]

- ‌[المطلب الخامس عشر صيانة عقول شبابنا من آثار الغزو الفكري المدمر]

- ‌[المصادر والمراجع]

الفصل: ‌[المطلب الرابع القيام بواجب النصيحة بالأسلوب الشرعي مع مراعاة التلازم]

لقد أنسى التفريطُ في الدين الكثيرَ من الأمم السابقة ما ذكِّروا به على ألسنة رسلهم، فانحرفوا عن الدين انحرافا كُليا فاستحقوا الهلاك، وفي بيان ذلك يقول الحق تبارك وتعالى في محكم كتابه العزيز:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ - فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ - فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام: 42 - 44]

والخلاصة أن الإسلام دين الوسطية والاعتدال لا يقر الإفراط والتفريط في الدين؛ لأنهما خروج عن تعاليمه، فالشريعة الإسلامية شريعة يسر وسماحة تامة وبعد عن التكلف والتعمق وكل ما يورد المسلم شكا في دينه وشريعته وحرجا نابعا عن هذا التعمق والتنطع المؤدي إلى الوسوسة والضيق، فشريعة الله ميسرة وطريق تحصيل الثواب والأجر لا يكون بالقصد إلى المشاق، وتحمل الصعب من الأمور، ولكن بالإخلاص في الامتثال والاقتداء بنبي الرحمة عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.

مما سبق نستطيع القول بأن الأمن والاستقرار في أي مجتمع مقرون أشد الاقتران بأخذ هذا المجتمع بمبدأ الوسطية والاعتدال وابتعاده عن الغلو في الدين أو التفريط فيه فما من مجتمع فشا فيه الغلو أو التفريط في أمور الدين، إلا وتعكر الأمن فيه وتزعزعت دعائمه وأصبح الناس فيه غير آمنين على دينهم وأنفسهم وأموالهم. . . فلنأخذ بمبدأ الوسطية والاعتدال في شئون حياتنا لننعم بنعمة الأمن والاستقرار والتقدم والرخاء.

[المطلب الرابع القيام بواجب النصيحة بالأسلوب الشرعي مع مراعاة التلازم]

بين نصيحة ولي الأمر والدعاء له

ص: 28

المطلب الرابع

القيام بواجب النصيحة

بالأسلوب الشرعي مع مراعاة

التلازم بين نصيحة ولي الأمر والدعاء له

ص: 29

النصيحة كلمة تعبر عن جملة هي " إرادة الخير للمنصوح له "، والنصيحة شأنها عظيم فحاجة المسلم إليها كحاجته للأكل والشرب والهواء ولا غنى له عنها؛ لأنها هي التي تبين الطريق وتبصر الإنسان بأخطائه وما يحيط به من مخاطر ومهالك (1) .

والمسلم محتاج إلى النُّصْح حاكما أو محكوما رجلا كان أو امرأة عالما أو متعلما، وما النصيحة إلا كلمة طيبة وموعظة فهي إذن تحتاج إلى شروط، وأهم هذه الشروط: الإخلاص والعلم بما ينصح به وينهى عنه والرفق والتلطف بمن ينصحهم ويذكرهم، وقد تواترت الأدلة على وجوب النصيحة من الكتاب والسنة: لقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91](2) . وقوله تعالى إخبارا عن نوح: {وَأَنْصَحُ لَكُمْ} [الأعراف: 62](3) .

وقوله تعالى إخبارا عن هود: {وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ} [الأعراف: 68]

ولقد عظم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر النصيحة فجعلها عماد الدين وقوامه، قال صلى الله عليه وسلم «الدين النصيحة قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال لله وكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» (4) .

في هذا الحديث الشريف حصر الرسول صلى الله عليه وسلم الدين في النصيحة لعلو شأنها ولأنها بالتعميم الذي ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم شملت الدين كله، والنصيحة تختلف باختلاف المنصوح له فالنصيحة لله الإيمان به، ونفي الشرك عنه وترك الإلحاد في صفاته، ووصفه بأوصاف

(1) الأمين الحاج محمد، النصيحة ومكانتها في الإسلام، جدة، دار المطبوعات الحديثة، ص50.

(2)

سورة التوبة الآية 91.

(3)

سورة الأعراف، الآية 62.

(4)

رواه البخاري والترمذي.

ص: 31

الكمال وتنزيهه عن النقائص، وطاعة أمره واجتناب نهيه، وموالاة من أطاعه ومعاداة من عصاه وغير ذلك مما يجب له.

والنصيحة لكتاب الله الإيمان بأنه كلام الله تعالى، وتحليل ما حلله وتحريم ما حرمه والاهتداء بما فيه والتدبر لمعانيه والقيام بحقوق تلاوته، والاتعاظ بمواعظه، قال الإمام النووي رحمه الله في بيان النصيحة لكتاب الله ما ذكره الخطابي وغيره: " النصيحة لكتاب الله سبحانه وتعالى: الإيمان بأنه كلام الله تعالى وتنزيله، لا يشبهه شيء من كلام الخلق ولا يقدر على مثله أحد من الخلق، ثم تعظيمه وتلاوته حق تلاوته. . . والذب عنه لتأويل المحرفين وتعرض الطاغين والتصديق بما فيه، والوقوف على أحكامه، وتفهم علومه وأمثاله والاعتبار بمواعظه والتفكر في عجائبه والعمل بمحكمه والتسليم لمتشابهه، والبحث عن عمومه وخصوصه وناسخه ومنسوخه (1) .

والنصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تصديقه فيما جاء به واتباعه فيما أمر به ونهى عنه ومعرفة سننه ونشرها، وعبادة الله تعالى بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

معنى النصيحة لولاة الأمر: - إعانتهم على الحق، وطاعتهم فيه، وأمرهم به، وتذكيرهم بحوائج العباد، " وإذا كانت حاجة المسلم - أي مسلم - شديدة إلى النصح، فإن حاجة ولي الأمر إليها أشد وأعظم، لأنه القائم على شؤون الناس والراعي لمصالحهم أجمعين ".

فلما ينهض به من جليل الأعمال وعظيم المهام احتاج إلى الناصح الأمين (2) . لقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على إسداء النصيحة

(1) مسلم بشرح النووي، ج2، ص 37 - ص 39.

(2)

وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، الدعاء لولاة الأمر، الرياض، 1416 هـ.

ص: 32

لولي الأمر في أكثر من حديث، قال صلى الله عليه وسلم:«ثلاثة لا يغل عليهم قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين» (1) . وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله يرضى لكم ثلاثا، يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم» (2) .

وقد بيًّن علماء الإسلام في شتى العصور أهمية النصيحة لولي الأمر فيما تكون فيه، يقول ابن رجب رحمه الله، أما النصيحة لأئمة المسلمين: فحب صلاحهم ورشدهم وقولهم وحب اجتماع الأمة عليهم، وكراهة افتراق الأمة عليهم، والتدين بطاعتهم من طاعة الله عز وجل، والبغض لمن رأى الخروج عليهم وحب إعزازهم في طاعة الله عز وجل (3) . وينقل النووي عن الخطابي وغيره:" والنصيحة لأئمة المسلمين معاونتهم على الحق وطاعتهم فيه، وأمرهم به وتنبيههم وتذكيرهم برفق ولطف وإعلامهم بما غفلوا عنه ولم يبلغهم من حقوق المسلمين وترك الخروج عليهم، وتألف قلوب الناس لطاعتهم "(4) . ويقول الحافظ بن حجر رحمه الله " والنصيحة لأئمة المسلمين: إعانتهم على ما حملوا القيام به وتنبيههم عند الغفلة، وسد خلتهم عند الهفوة وجمع الكلمة عليهم، ورد القلوب النافرة إليهم، ومن أعظم نصيحتهم، دفعهم عن الظلم بالتي هي أحسن (5) .

(1) رواه الإمام أحمد.

(2)

رواه مالك وأحمد وابن حبان.

(3)

ابن رجب جامع العلوم والحكم، بيروت، دار المعرفة، ص77.

(4)

صحح مسلم بشرح النووي، ج2، ص 37. .

(5)

فتح الباري ج1، ص 167.

ص: 33

ويقول الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله بعد بيانه للمقصود بأئمة المسلمين: " إن من النصيحة لأئمة المسلمين وجوب طاعتهم بالمعروف وعدم الخروج عليهم، وحث الرعية على طاعتهم، ولزوم أمرهم الذي لا يخالف أمر الله ورسوله وبذل ما يستطيع الإنسان من نصيحتهم وتوضيح ما خفي عليهم مما يحتاجون إليه في رعايتهم، كل أحد بحسب حاله والدعاء لهم بالصلاح والتوفيق فإن صلاحهم صلاح لرعيتهم واجتناب سبهم والقدح فيهم وإشاعة مثالبهم فإن في ذلك شرا وضررا وفسادا كبيرا، فمن نصيحتهم الحذر والتحذير من ذلك.

وعلى من رأى منهم ما لا يحل أن ينبههم سرا لا علنا، بلطف وعبارة تليق بالمقام، ويحل بها المقصود، فإن هذا مطلوب في حق كل أحد، وبالأخص ولاة الأمور، فإن تنبيههم على هذا الوجه فيه خير كثير، وذلك علامة الصدق والإخلاص (1) .

ويقول سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - حفظه الله تعالى-: " من مقتضى البيعة النصح لولي الأمر، ومن النصح الدعاء له بالتوفيق والهداية وصلاح النية وصلاح البطانة؛ لأن من أسباب صلاح الوالي ومن أسباب توفيق الله له أن يكون له وزير صدق يعينه على الخير ويذكره إذا نسي ويعينه إذا ذكر، هذه من أسباب توفيق الله له، فالواجب على الرعية وعلى أعيان الرعية التعاون مع ولي الأمر في الإصلاح وإماتة الشر والقضاء عليه وإقامة الخير بالكلام الطيب والأسلوب الحسن والتوجيهات السديدة التي يرجى من ورائها الخير دون الشر "(2) .

(1) عبد الرحمن بن سعدي، الرياض الناظرة، الرياض 1405، ص 38 - ص39.

(2)

عبد الله بن محمد الرفاعي، مراجعات في فقه الواقع السياسي والفكر على ضوء الكتاب والسنة، الرياض، دار المعراج الدولية للنشر، 1414هـ، ص31.

ص: 34

ويقول فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - حفظه الله: " ومن حقوق الرعاة على رعيتهم أن يناصحوهم ويرشدوهم، وأن لا يجعلوا من خطئهم إذا أخطئوا سُلما للقدح فيهم ونشر عيوبهم بين الناس، فإن ذلك يوجب التنفير عنهم وكراهتهم وكراهة ما يقومون به من أعمال وإن كانت حقا، ويوجب عدم السمع والطاعة لهم، وإن من الواجب على كل ناصح خصوصا مَنْ ينصح ولاة الأمر أن يستعمل الحكمة في نصيحته ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة "(1) . ويقول أيضا: " وأما النصيحة لأئمة المسلمين فهي صدق الولاء لهم، وإرشادهم لما فيه خير الأمة في دينها ودنياها ومساعدتهم في إقامة ذلك، والسمع والطاعة لأوامرهم ما لم يأمروا بمعصية الله اعتقاد أنهم أئمة متبوعون لما أمروا به؛ لأنه ضد ذلك هو الغش والعناد لأوامرهم والتفرق والفوضى التي لا نهاية لها لو جاز لكل واحد أن يركب رأسه وأن يعتز برأيه ويعتقد أنه المسدد الصواب وهو الذي لا يدانيه أحد، لزم من ذلك الفوضى والتفرق والتشتت، ولذلك جاءت النصوص القرآنية النبوية بالأمر بطاعة ولاة الأمر لأن ذلك من النصيحة "(2) .

والنصحية لعامة الناس إرشادهم إلى مصالحهم في دنياهم وأخراهم، وكف الأذى عنهم، وتعليمهم ما جهلوه وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المكروه عنهم، وتعليم جاهلهم، ورد من زاغ منهم عن الحق في قول أو فعل بالتلطف في ردهم إلى الحق والرفق بهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحبة إزالة فسادهم " (3) .

(1) محمد بن صالح العثيمين، حقوق الراعي والرعية.

(2)

محمد بن صالح العثيمين، حقوق الراعي والرعية.

(3)

جامع العلوم والحكم، مصدر سابق، ص76.

ص: 35

ويقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين في هذا الصدد: "أما النصيحة العامة للمسلمين فهي أن تحب لهم ما تحب لنفسك وأن تفتح لهم أبواب الخير وتحثهم عليها، وتغلق دونهم أبواب الشر وتحذرهم منها، وأن يتبادل المؤمنون المودة والإخاء وأن تنشر محاسنهم وتستر مساوئهم. . . "، والنصيحة لعامة المسلمين أمرها عظيم وفضلها جليل وعاقبتها حميدة، لقد روي عن الحسن البصري رحمه الله، "أنه قال: قال بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده إن شئتم لأقسمن لكم بالله أن أحب عباد الله إلى الله الذين يحببون الله على عباده ويحببون عباد الله إلى الله ويسعون في الأرض بالنصيحة"(1) .

وقال الفضيل بن عياض: " ما أدرك عندنا من أدرك بكثرة الصلاة والصيام وإنما أدرك من عندنا بسخاء الأنفس وسلام الصدور والنصح للأمة "(2) .

أمور لا بد من مراعاتها عند القيام بواجب النصيحة: يوجد عدة أمور لا بد من توافرها إذا ما أريد للنصيحة أن تحقق الأهداف المتوخاة من تقديمها ومن أهم هذه الأمور ما يلي: أولا: للنصيحة شروط وأهم هذه الشروط: الإخلاص فيجب على الناصح أن يكون مخلصا في نصيحته " بمعنى أن ينصح لأنه يحب أن ينصح لا ليقال إنه نصح، كما أن من شروط النصيحة أن يكون الناصح عالما بما ينصح به وينهى عنه، والرفق والتلطف بمن ينصحهم (3) . وقد مدح الله

(1) المصدر السابق، ص 77.

(2)

المصدر السابق، ص 77.

(3)

النصيحة ومكانتها في الإسلام، مصدر سابق ص6.

ص: 36

رسولهُ محمدا صلى الله عليه وسلم بمكارم الأخلاق وسني الخصال فقال جلّ من قائل: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4](1) وقال تعالى {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159](2) .

الرِّفْقُ والمعاملة الحسنة الكريمة هي التي ألانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم قلوب الأعراب الغلاظ الجفاة وأدت إلى سرعة استجابتهم لدعوته وقبولها، والنصح والتواصي بالخير بالحق من صفات المؤمنين الصالحين وسبب من أسباب الفوز يوم الفزع الأكبر (3) .

والخلاصة أنه ينبغي لمن يقوم بواجب النصيحة أن يبتغي بنصيحته لولاة الأمور وغيرهم وجه الله ولا يفعل هذا سمعة ورياء، كما يجب أن يكون هدفه الأول والأخير ردهم إلى الحق والصواب وإعانتهم على إقامة شرع الله وما فيه صلاح الرعية.

ثانيا: ينبغي أن تكون النصيحة بين الناصح والمنصوح سرا وخاصة إذا كانت النصيحة لولي الأمر، لأن طبيعة النفس البشرية، تحب ألا تبدو ناقصة أمام الآخرين ويترتب على هذه الطبيعة طبيعة أخرى، وهي أنها تبغض من يحاول أن يبدي بعض عيوبها أمام الآخرين بغضا يجعلها تأبى قبول الإصلاح فيها وحتى وإنْ كان النقدُ في محله، والعيبُ موجودا وذلك على سبيل العناد لمن بين هذه العيوب، ويستثنى من هذه الطبيعة البعض القليل، والذي يسعى هو بنفسه للآخرين من أجل أن يبينوا له العيوب، ولكن ليس أمام الآخرين، ويعدون ذلك نوعا من التوبيخ لا يرضون استماعه ولنسمع هنا إلى الإمام الشافعي وهو يقدم لأحد هؤلاء الذين فقدوا هذه القاعدة من قواعد الإنكار (4) .

(1) سورة القلم، الآية 4.

(2)

سورة آل عمران، الآية 159. .

(3)

النصيحة ومكانتها في الإسلام، مصدر سابق ص7.

(4)

عبد الحميد البلالي، فقه الدعوة ف إنكار المنكر، الكويت، دار الدعوة، 1411هـ، ص116. .

ص: 37

تعمدني بنصحك في انفرادي

وجنبني النصيحة في الجماعة

فإن النصح بين الناس نوع

من التوبيخ لا أرضى استماعه

وإن خالفتني وعصيت قولي

فلا تجزع إذا لم تعط طاعة

بل إن بعض النفوس ترفض حتى الإسرار في النصيحة إذا كانت مباشرة فلا تود أن تبدو ناقصة أمام الآخرين، وهذا النوع من النفوس الحساسة ينبغي أن ينصح بطريقة غير مباشرة، ليكون ذلك أدعى للقبول.

وإذا كانت النصيحة في العلن من الأمور المكروهة ضد عامة الناس فهي أشد كراهة في حق أصحاب النفوذ وهي أكثر شدة عليهم من عداهم، حتى جعلت الخليفة العباسي هارون الرشيد والذي يعد بحق من خير خلفاء بني العباس، يذكر للأصمعي بعض مبادئ النصح لأصحاب السلطان كان أولها عدم النصح في الملأ (1) . إذ يقول:(يا عبد الملك، أنت أعلم منا، ونحن أعقل منك، فلا تعلمنا في ملأ، ولا تسرع إلى تذكيرنا في خلا، واتركنا حتى نبتدئك بالسؤال، فإذا بلغت من الجواب قدر الاستحقاق فلا تزد، إلا أن نستدعي ذلك منك، وانظر إلى ما هو ألطف في التأدب، وأنصف من التعليم، وأبلغ بأوجز لفظ غاية التقويم)(2) .

ولقد أدرك السلف الصالح من هذه الأمة أهمية النصيحة في السر لولي الأمر، وكانت طريقتهم في نصيحة ولي الأمر في السر حفاظا على حدة الأمة؛ ولكي لا يتخذ المتربصون من أخطاء ولي الأمر سبيلا لإثارة الناس وإلى تنفير القلوب من ولاة الأمر فهو عين المفسدة وأحد الأسس التي تحصل بها الفتنة بين الناس (3) .

(1) المصدر السابق، ص 117. .

(2)

أدب الدين والدنيا، ص91، نقلا من المصدر السابق 197. .

(3)

للمزيد من المعلومات انظر حقوق الراعي والرعية، مصدر سابق ص27. .

ص: 38

ثالثا: مراعاة التلازم بين نصيحة ولي الأمر والدعاء له: من مقتضى البيعة في الإسلام النصح لولي الأمر، ومن النصح الدعاء له بالتوفيق والهداية وصلاح النية والعمل وصلاح البطانة. . . ولقد حرص أئمة أهل السنة والجماعة على بيان هذه الحقيقة وتأكيدها في الكثير من مقالاتهم، يقول الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله: ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعو عليهم ولا ننزع يدا من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة ما لم يأمروا بمعصية (1) .

وقال إمام أهل السنة في عصره أبو محمد البربهاري رحمه الله في شرح السنة: " فأمرنا أن ندعو لهم بالصلاح، ولم نؤمر أن ندعو عليهم وإن ظلموا وإن جاروا؛ لأن ظلمهم وجورهم على أنفسهم وصلاحهم لأنفسهم وللمسلمين "(2) . ويقول الإمام أحمد رحمه الله (لو أن لي دعوة مستجابة ما جعلتها إلا في السلطان)(3) .

ويقول الشيخ عبد العزيز بن باز - حفظه الله -: " من مقتضى البيعة النصح لولي الأمر، من النصح الدعاء له بالتوفيق والهداية وصلاح النية والعمل وصلاح البطانة، لأن من أسباب صلاح الوالي ومن أسباب توفيق الله له أن يكون له وزير صدق يعينه على الخير ويذكره إذا نسي ويعينه إذا ذكر. . . ويقول الشيخ عبد العزيز في موضع آخر: " الدعاء لولي الأمر من أعظم القربات ومن أفضل الطاعات "، ومن النصيحة لله ولعباده، والنبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له إن دوسًا عصت قال: «اللهم اهد دوسا وآت بهم» ، " يدعى للناس بالخير والسلطان أولى من يدعى له لأن صلاحه صلاح

(1) العقيدة الطحاوية، من شرح ابن أبي العز، ص 379. .

(2)

محمد البربهاري، شرح السنة، تحقيق أبي ياسر الردادي، 1414هـ ص 117. .

(3)

للمزيد من المعلومات حول هذا الموضوع انظر: الدعاء لولاة الأمر، مصدر سابق، ص 26 - ص 31. .

ص: 39

للأمة فالدعاء له من أهم الدعاء ومن أهم النصح، أن يوفق للحق وأن يعان عليه وأن يصلح الله له البطانة، وأن يكفيه الله شر نفسه وشر جلساء السوء، فالدعاء له بأسباب التوفيق والهداية وبصلاح القلب والعمل من أهم المهمات ومن أفضل القربات " (1) .

لقد أكد العلماء والمعتد بعلمهم في شتى العصور أهمية الدعاء لولي الأمر وبينوا فوائده المتعددة.

فوائد الدعاء لولي الأمر بالصلاح والسداد والتوفيق الدعاء لولي الأمر له فوائد عدة من أهمها ما يلي (2) .

1 -

الدعاء لولي الأمر إبراء للذمة، إذ الدعاء من النصيحة والنصيحة واجبة على كل مسلم، قال الإمام أحمد رحمه الله: " إني لأدعو له (أي السلطان) بالتسديد والتوفيق - من الليل والنهار - والتأييد وأرى ذلك واجبا علي (3) .

2 -

إن الدعاء لولي الأمر من علامات أهل السنة والجماعة، فالذي يدعو لولي أمره متسم بسمة من سمات أهل السنة والجماعة. قال الإمام البربهاري رحمه الله: " وإذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح، فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله (4) .

3 -

الدعاء لولي الأمر عائد نفعه الأكبر إلى الرعية أنفسهم، فإن ولي الأمر إذا صلح صلحت الرعية، واستقامت أحوالها وهنئ عيشها.

(1) مراجعات في فقه الواقع السياسي والفكري على ضوء الكتاب والسنة، مصدر سابق ص 31. .

(2)

للمزيد من المعلومات: انظر الدعاء لولاة الأمر، مصدر سابق.

(3)

السنة للحلال، ص116. .

(4)

شرح السنة، ص116. .

ص: 40

أخرج البخاري في صحيحه عن قيس بن أبي حازم أن امرأته سألت أبا بكر الصديق رضي الله عنه فقالت: ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية؟ فقال أبو بكر: " بقاؤكم عليه ما استقامت بكم أئمتكم "(1) .

ولقد سئل الفضيل بن عياض رحمه الله حين سمع يقول: " لو كانت لي دعوة مستجابة ما جعلتها إلا في السلطان "، فقيل له يا أبا علي فَسر لنا هذا، فقال:" إذا جعلتها في نفسي لن تعداني، وإذا جعلتها في السلطان صلح فصلح بصلاحه العباد والبلاد "(2) .

4 -

إن ولي الأمر يُسَرُّ بدعاء رعيته له غاية السرور، ويدعوه إلى محبتهم والثقة بهم وعمل كل ما من شأنه تحقيق سعادتهم وتلبية احتياجاتهم، ومما يذكر هنا ما رواه عبد الله بن الإمام أحمد في (السنة) من خبر والده حين كتب كتابا أجاب فيه الخليفة المتوكل عن مسألة القراءة، وكانت مسألة معرفة، لا مسألة امتحان. قال عبد الله: فلما كتب أبي الجواب أمرنا بعرضه على عبيد الله بن يحيى بن خاقان وزير المتوكل.

وظاهر أن الإمام أحمد يستشير هذا الوزير في أسلوب الخطاب وما يناسب الخليفة لا في مضمونه، وحسنا فعل، فإن الوزراء أعرف من غيرهم بما يلائم نفوس مستوزريهم.

(1) صحيح البخاري، ص3، ص51. .

(2)

رواه البربهاري في شرح السنة، ص 116 - 117. .

ص: 41